كنت قد وعدت عبدالهادي خلف أن نعد ملفاً عن علي شريعتي حين أرسل لي قبل شهرين يذكرني بضرورة الاحتفاء بذكرى مرور 30 عاماً على اغتيال شريعتي في بريطانيا في 19 يونيو/ حزيران .1977 لقد عوّلت على وعد القسم الثقافي في إنجاز هذه المهمة، ولكن يبدو أن الصديق الخذول حسين مرهون، قد نكث بوعده، وأوقعني في حرج شديد مع خلف.
كنت أنوي أن أسترجع جزءاً مما كتبته (علي شريعتي بين قراءتين) العام 1998 لا كي أسترجع شريعتي، لكن كي أراجع شيئاً من حساسية التيار الديني الشيعي في الطريقة التي يمكن من خلالها مراجعة علاقتي بشريعتي.
ما كتبته عن ذاتي في قراءة شريعتي في العام ,1998 لا يمكن أن أكتبه اليوم، ليس لأني اليوم أقل جرأة، لكني سأبدو أكثر حماقة، ما قرأته حينها في شريعتي هي ذاتي العقائدية وتكويناتها التاريخية، كيف تلقت هذه الذات شريعتي في بداية التسعينيات، وكيف خرجت على هذا التلقي في نهاية التسعينيات.
يمكننا أن نستخدم شريعتي ضد من يوالون السلطة باسم الدين، نستطيع أن نستخدمه ضد من يسقطون العلمانية باسم الدين، نستطيع أن نستخدمه ضد من يسقطون التاريخ باسم المقدس، نستطيع أن نستخدمه ضد من يستعيدون أول الأمة ليفجروا آخر الأمة، ونستطيع أن نستخدمه ضد من أساؤوا فهم التدين الصفوي باسم القومية الدوغمائية.
لكننا لن نستطيع أن نستخدم شريعتي في مراجعة التاريخية التي كونتنا، لن نستطيع أن نستخدمه لنفكك مفاصل قديمة من تاريخنا المتخيل، تشتغل اليوم بطريقة لا تاريخية. لن نستطيع أن نقوم بذلك ليس لأن شريعتي غير قابل للصرف في هذا المجال، كما يشي بذلك المفكر داريوش شيغان، فخطاب شريعتي كحال أي خطاب فكري مهما كان متورطاً بالأيديولوجي، يظل قابلاً لقراءات تخترقه وتخترق أطياف مستخدميه ومنتقديه.
لقد خطر في بالي هذا السؤال وأنا أستعيد شريعتي: إلى أي حد يمكن أن تكون استعادة شريعتي اليوم في السياق البحريني محرجة، لكتلة الوفاق البرلمانية أو لمجلسها العلمائي أو لقيادتها الدينية أو لمرجعيتها الشرعية أو لتحالفاتها السياسية؟
لا أتوقع أن أحداً من أعضاء الكتلة الإيمانية قد خطر في رأسه (قصدي ذهنه) هذا السؤال، وذلك لأن السياق الذي برز فيه شريعتي كانت تشتغل فيه السياسة والدين والفكر أو بشكل أعم الثقافة. ويبدو أن شريعتي يكون أكثر راهنية في السياقات التي تشتعل فيها هذه المكونات. والكتلة تفتقد أحد الشروط، فهي يشتغل فيها التاريخ لا التاريخية، والتاريخ يستدعي المقدس وذكراه، والتاريخية تستدعي الفكر ونقد الذاكرة. إذن شريعتي لن يحضر البرلمان، لكن ربما يحضر شيء منه ربيع الثقافة المقبل.