حين تزور بلداً، تبدأ عينك ترى وطنك من خلاله، ولا تكفّ المقارنات عن الاشتغال، حتى لو كان الاختلاف بين البلدين أكثر من الاتفاق، حتى لو كانت بلدك أصغر بلد واسمها البحرين، وكانت البلد الأخرى أمّ الدنيا. والمقارنة تقودك إلى أن تعتبر بلدك طفلة الدنيا، قياساً إلى مساحة أم الدنيا.
على رغم هذا الاختلاف، غير أني وجدت في كتاب جلال أمين ‘’وصف مصر في نهاية القرن العشرين’’ ما يجعل من مصر بحرين كبيرة، ويجعل من البحرين مصر صغيرة، وذلك على طريقة الفلاسفة والمتصوفة الذين يرون الإنسان عالما كبيرا والعالم إنسانا صغيراً.
وكي أدلل على ذلك، فأني سأكتفي بأخذ جمل من كتاب الوصف هذا، وعلى القراء أن يكتشفوا صحة أن هذه الأوصاف تؤكد أن البحرين مصر صغيرة.
مما جاء في هذا الوصف الدال على حالنا ‘’إن الولاء الذي تعبر عنه هذه الهيئات لم يكن ولاء لمصر بقدر ما هو ولاء للحكام’’، ‘’وتتخذ صورة لطفلة وهي تقدم الزهور إلى بعض المسؤولين كدليل على شعبيتهم، كما تتخذ صورة المسؤول وهو يصلي في المسجد دليلا على تقواه وتدينه’’، ‘’فإذا كان أحدهم وزيرا ولم يكن للناس حديث إلا عن قلة كفاءته أو إهماله أو حتى عن فساده، فإنه يستمر في منصبه أو يعين في منصب كبير آخر أو يخلق له منصب لم يكن موجودا كابتداع منصب مستشار’’.
‘’قد يتحسن اقتصاد الحكومة بشدة ويتدهور اقتصاد الناس بشدة أيضا وفي الوقت نفسه’’، ‘’الكلام عن الخصخصة يجري في عبارات عامة لا تميز بين نوع من الخصخصة وآخر، وكأنه لا يوجد إلا نوع واحد هو تحويل الملكية العامة إلى ملكية خاصة.. المروجون لبيع القطاع العام مغرمون بالتظاهر بالعلمية وبأنهم لا يتعاملون إلا بالأرقام وكأنهم لا يصدرون عن أي هوى’’.
‘’الحكومة تفعل ما يفعله المتطرفون: التذرع بأحكام الله وارتكاب جرائم اجتماعية وسياسية باسم الدين’’، ‘’ما الذي يمكن أن يكسبه الدين من مناقشات كتلك التي دارت في مجلس الشعب حول قانون الإصلاح الزراعي؟’’، ‘’إن الحكومات المتعاقبة قد بدأت على مطالبتنا بأن ننصرف لشؤوننا وأن نكف عن الاشتغال بالسياسة وأن نعكف على زيادة الإنتاجية’’، ‘’استخدام مكبرات الصوت في إذاعة الأذان وغيره من الشعائر الدينية في أي وقت وبأعلى صوت ممكن ورفض أي شكوى’’، ‘’وزير التعليم قرر حذف نص ‘’عند الجدار’’ للشاعر نزار قباني من كتاب اللغة العربية للصف الأول إعدادي لخروجه على مقتضيات التربية والتعليم’’.