ثُؤلول المثقف العربي في رواية ميس العثمان

  • سلوى، ما أكثر ما يُسعدك؟
  • القراءة. الهروب الطيب نحو ما أنتجه الآخرون وحكاياتهم وتاريخهم ومعاناتهم. أقرأ مذكرات “آن فرانك” اليوميات التي وثقت لتجربتها الأليمة خلال الاحتلال الألماني لهولندا.. إنها الحرب! الحرب ما تحيل الإنسان الطبيعي لفُاتت لا جامع له” رواية ثُؤلول، الروائية الكويتية، ميس العثمان.

هي الفتاة سلوى التي وجدت نفسها وسط حرب (الغزو الصدامي للكويت 1990) لا تفهمها، والغزو هو أحد أشكال الحرب التي تنعدم فيه موازين القوى، أحالتها تجربة الاغتصاب من قبل جندي عراقي إلى فتاة لا جامع لها، منذ فقدت براءة الطفولة، صارت سيرة فُتات لا فتاة، لم تتمكن أن تجتمع على ذاتها، ولا أن تجتمع على حب يلملم روحها، حتى ابنها (جابر) لم تستطع أن تضمه ضمة الابن، ولا أن تحمل صفة الأمومة به، فقد سجل باسم أبيها، وصار أخاها الصغير.

الثؤلول هو هذا الفُتات الذي ينبت فجأة على سطح ناعم بشكل بشع يُستعر منه، منذ ظهر هذا الثؤلول على سطح عائلتها الناعم، فقد كل شيء وضعه الطبيعي.

أصبح فتاتها قدرا قاسيا في سيرتها، ينتهي بها الأمر إلى أن تدخل رحلة علاج نفسي تمتد إلى زواج ابنها جابر من فتاة عراقية،

الحرب أفقدتها صديقتها (سحر) فقد فرت من الغزو ببكارتها إلى السعودية، وحافظت على شرف العائلة، لكنها فقدت طفولتها البريئة، فقد عادت بعد الغزو مجلببة بالسواد، تحمل آثار الغزو الوهابي لنمط تدينها وثقافتها، وينتهي بها الأمر أن تتزوج بعد المدرسة برجل يحمل هذا النمط من التدين الذي منعها من الدراسة الجامعية، وأفقدها مرحها وفصلها روحيا عن صديقتها. لم تستطع (سلوى) أن تسترجع صديقتها منذ تحولها الوهابي خلال 1990، وهذا ما ضاعف من غربتها، وجعلها تشعر أنها تعيش تجربة (فُتات) الحرب.

تفتت صداقتها وتفتت علاقتها الطبيعية مع مجتمعها الدائم السؤال والملاحظة والمراقبة، فيما تريد هي أن تلوذ بنفسها وصمتها من الفضيحة.

لا بد من الهرب، نحو الكتب وتجارب الآخرين وتاريخهم وحروبهم، تذهب (سلوى) لقراءة مذكرات “آن فرانك” الفتاة اليهودية ذات 13 عاما التي عاشت تجربة الاضطهاد النازي في الحرب العالمية الثانية، وتركت مذكراتها شاهداً على الفُتات الذي عاشته حتى انتهى بها الأمر إلى الموت قبل أن تتمكن من نشر مذكراتها.

تفقد أخاها سالم، فلم يعد قادراً على أن يحتمل التعايش مع (الثؤلول) فهو يذكره بضعفه وخذلانه وإذلاله الذي جعل العائلة كلها في صمت لحظة اغتصاب اخته، وتكون (الثؤلول) الذي يلاحقهم حتى مع أنفسهم، فيهاجر إلى أمريكا ويتزوج هناك من أمريكية، ويعيش بعيدا عن عائلته وأخته، وهذا ضاعف في نفس سلوى تجربة (فُتات) الحرب.

المفاهيم الكبرى تفتت وتهشمت في وعي (سلوي) الذي تربت عليه، مفاهيم العروبة والوطن والوحدة والدين، صارت تشك أكثر مما تؤمن، وتقلق أكثر مما تطمئن، وتتوجس أكثر مما تثق.صارت تعيش في مربع التاءات٬ تذوي، تضمر تنتهي تذوب تختفي. باسم هذه المفاهيم تم انتهاك وطنها وجسدها وطفولتها “تؤلمني الخدع الكبيرة التي قدموها لنا”ص126 فصرنا نرى اغتصاب الوطن من خلال اغتصاب هذه الفتاة، والفُتات الذي صارت له هذه الفتاة صار له هذا الوطن، ففقد إيمانه بعروبته وطمأنينته وقضاياه الكبرى. صارت (سلوى) تجد النور الذي تشعله هذه الكتب لا النور الذي تشعله الأفكار العامة عن الدين والقومية والعروبة.

ما فعلته (سلوى) هو ما فعله المثقف العربي في أفضل حالاته، وهو الهروب نحو ما أنتجه الآخرون وحكاياتهم وتاريخهم ومعاناتهم، ليس من أن أجل أن يمنع ما حدث ل(سلوى) بل من أجل أن يعيش ويدع الضحية تعيش ما عاشه الآخرون في تاريخهم وتجاربهم.

غير أن (سلوى) سردت (ثُؤلولها) بمنظور روائي عميق وجريء وتمكنت من خلاله ممارسة جرأه نقدية في نقد مجتمعها وعالمها، ونقد مفاهيمه الكبرى وأوهامه وصولا إلى الربيع العربي. لكنه منظور لا يضج بالتعارضات والاختلافات، تبدو الشخصيات المختلفة مع (سلوى) من غير منطق قوي ولا قدرة حجاجية وكأنها كائنات متخلفة ثقافيا وفكريا ومغلقة وتمارس الكذب والنفاق الاجتماعي، قبال وعي (سلوى) وانفتاحها وصدقها مع ذاتها، وهذا ربما يرجع إلى أن الرواية بحاجة إلى تعقيد تركيب حبكة الرواية، والتعقيد هنا لا يعني الغموض ولا الصعوبة، بل يعني إضافة مستويات وشخصيات وأحداث تتيح للحكاية أن تنتج خطاباً تعدديا.

اترك تعليقاً