سألتني منى عباس، على خلفية شعار سقوط العلمانية في إحدى خطب الشيخ عيسى قاسم، هل الشيخ عيسى قاسم أصولي أم أخباري؟ قلت لها بأستاذية، وماذا تعرفين عن الفرق بينهما، قالت لي: اسمع أنا أقرأ في كتاب فؤاد إبراهيم (الفقيه والدولة) ورأسي وجعني، وأشعر أني دخلت منطقة جديدة على قراءتي، وأواجه صعوبات في فهمها.
ليست منى وحدها من يواجه صعوبات في فهم تركيبة الخطاب الشيعي، بل سأزعم أن التيارات الوطنية ذات الخلفيات اليسارية والقومية وغيرها، تواجه هذه الصعوبة، ولا أريد أن استخدم هنا عبارات التجهيل، لكن لنقل إن الخطاب الشيعي بحاجة إلى فهم من قبل الأطراف المتحالفة معه في أجنداتها السياسية، لا أقول ذلك، من أجل أن أقدم مخرجاً أو تبريراً لشعار (فلتسقط العلمانية). بل كي أوجه نقداً لثلاثة أطراف، الطرف الأول ويمثله التيار المناوئ للإسلاميين الذي لا يجد غير عبارات الظلامية والرجعية في تعاطيه مع الخطاب الديني بمختلف أطيافه.
والطرف الثاني، ويمثله التيار المتحالف (جمعية وعد خصوصا) مع الإسلاميين المعارضين للسلطة، فهذا التيار اكتفى بجامع المعارضة والنضال ليكوّن مساحة مشتركة لكنها رخوة، وهو يعاني من قصور كبير في فهم تركيبة الخطاب المتحالف معه. والطرف الثالث هو التيار الشيعي وممثلوه الذين يصوغون نمط تدينه.
لم تستطع الأطراف المتحالفة ولا المناوئة أن تقرأ شعار (لتسقط العلمانية) قراءة تفتح تكوينات الخطاب الشيعي البحريني، كانت الجدالات تحوم حول ما يهدده هذا الإسقاط من سقوط للتحالف، أو إضرار به، وما يحمله من إنكار للتضحيات المشتركة، وما يمثله من ضيق عن استيعاب الآخر والتسامح معه.
كانت الجدالات تدور حول التهويل والتهوين، لكنها لم تفتح أسئلة تأخذنا إلى منطقة الفقيه والدولة وعلم الكلام الشيعي الجديد والقديم والتحولات الفكرية والثقافية التي يمر بها الآن الخطاب الشيعي، ولا تجد لها أصداء في الخطاب الشيعي البحريني.
قلت لمنى المسألة تتجاوز مولاة السلطة ومعارضتها، من يوالونها لديهم خطاب فقهي وأصولي بعيد في التاريخ، ومن يعارضونها لديهم أيضاً خطاب فقهي وأصولي بعيد في التاريخ، ولو تعودين إلى كتاب النائيني (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) الذي كتبه في 1909في سياق الاحتدامات بين الفقهاء المعارضين ليس للدولة بل لفكرة الدولة ودستورها، وبين الفقهاء المؤيدين لفكرة الدستور والدولة والذين كان يمثلهم النائيني، ستفهمين الخطاب الأصولي والفقهي الذي قامت عليه الثورة الإيرانية، وستفهمين موقف الشيخ سليمان المدني من فكرة الديمقراطية، وستفهمين موقف الشيخ علي سلمان من ربيع الثقافة وفهمه الذرائعي لفكرة الديمقراطية، وستفهمين موقف الشيخ عيسى قاسم من العلمانية، وستفهمين فكرة ولاية الفقيه بما يتجاوز بك مستوى التراشقات الإعلامية والسياسية، وستفهمين أحد (فقط أحد) الأسباب التي تحول بيننا وبين مهمة إنجاز الدولة.
خطاب المعارضة مشغول بملفاته السياسية التي لا يحسد على ورطته فيها، ولن يلتفت إلى أن أحد أسباب ورطته هو أنه لا يرى مآزقه البنيوية البعيدة، التي تعيد إنتاج مآزقه الحالية في صورة حديثة.