لطيفة القعود 100%

فازت لطيفة بعد أن أعلنها قاضي المركز الإشرافي في المحافظة الجنوبية سعيد الحايكي أول نائبة في تاريخ البحرين ممثلة عن الدائرة السادسة بالجنوبية التي لم يترشح فيها أحد سواها.

وصفت الصحف هذا الفوز بأنه “إنجاز آخر تنقشه المرأة البحرينية في جدار التاريخ بأحرف من نور”، “السيدة لطيفة القعود كانت مساء أمس في موعد مع التاريخ “، ” أول امرأة بحرينية وخليجية في الوقت نفسه تدخل قبة البرلمان”

فائزت في الدائرة الدائرة السادسة في المحافظة الجنوبية والتي تتكون من عشرة مجمعات سكنية تمثل خمسة منها جزيرة حوار، إضافة إلى مناطق الدور والقرين وأم جدر الصمان وحد الجمل.

القاضي أعلنها فائزة في الدائرة التي لم يترشح فيها أحد سواها، كأنه كان يعلن دون أن يقصد أنها لم تفز على أحد سوها. كيف تفوز دون أن تفوز على أحد سواك؟ أو كيف تفوز دون أن تهزم أحداً؟

 

§        ديمقراطية 100%

 

الجواب هو أن تفوز بنسبة 100% أي أن تفوز بالتزكية. الفوز بالتزكية ليس هزيمة لأحد ولا انتصاراً لأحد، لكنها هزيمة للديمقراطية التي تقوم على فكرة لا شيء يمثّل 100%، التزكية وحدها تجعلك تمثل 100% . في حالة أول نائبة برلمانية بحرينية وخليجية، التزكية وحدها تجعلك تمثل 1000 صوت 100%. ليست المشكلة في الـ 1000، لكن المشكلة في 100%، ففي دوائر أخرى سيحصل مترشحون على 1000 صوت و2000 صوت و3000 صوت، لكنهم لن يحصلوا على 100%، وهذا ما سيجعل فوزهم ليس ديمقراطياً 100%، لكنه أقرب إلى معنى الديمقراطية.

 ولأن الديمقراطية تتيح لنا الشك، فنحن سنمارس حقنا مع نائبتنا (النائب ممثل للشعب وليس ل1000 صوت من الشعب فقط) كي نشك، ليس في فوزها الذي حسمه، القاضي ونحن نثق في إعلانه وحكمه وإن لم يكن 100%، بل سنشك في معنى فوزها. وهو شك يتيح للديمقراطية أن تتوضح أكثر، خصوصاً في وسط تمارس فيه الأوصاف الإعلامية تهويلاً غير ديمقراطي لمعنى الفوز.

 

§        خلطة الفوز بنسبة 100%

يمكننا من تصريحات فوز أول نائبة برلمانية ومقابلاتها أن نعثر على خلطة الفوز بنسبة 100%، لا يوجد شيء مما سأورده هنا خارج عن نص هذه التصريحات. تنص هذه التصريحات على أن مادة سيناريو الفوز مكونة من التالي:

1.     أن تحصل في انتخابات 2002 في المرحلة الثانية على 45% من مجموع الأصوات.

2.     أن تتبع كل الاحتمالات الممكنة التي توصلك للمجلس.

3.     أن تكون  قويا جداً في دائرتك “أولى الجنوبية”، لكنك تنتقل إلى الدائرة السادسة حيث فرصة الفوز أكبر.

4.     أن تكون إنسانة تعمل في صمت، بحكم وظيفتيها كمديرة لإدارة الموارد البشرية بوزارة المالية .

5.     أن تكون في تواصل دائم مع الناس في أفراحهم وأحزانهم وفي مختلف المناسبات الاجتماعية، دون أن تعلن عن ذلك في الإعلام.

6.     يكون لديك قبول بين أهالي المنطقة الجنوبية.

7.     أن يمكنك أن تغير عنوانك من الدائرة الأولى إلى الدائرة السادسة في حوار التي يقع فيها بيت أخيك الصيفي الذي هو ولي أمرك.

8.     أن تتلقى دعماً معنوياً من جمعية المرأة البحرينية والمنبر التقدمي والإصلاح، وجمعيات أخرى أيضاً. 

9.     أن يكون لديك فريق عمل يضع خططاً علمية.

10.أن يكون لديك تكتيكاً يوصلك للفوز بنسبة 100%

11.أن تكون منافستك التكتيكية امرأة يمكنها أن تسحب ترشيحها قبل غلق باب الترشيح.

  1. أن يكون منافسك برلماني سابق التزكية يؤمن أن زكاة الفوز بالتزكية هو أن يتيح لأخته المترشحة فرصة التزكية، وذلك بأن يعلن عزوفه عن الترشح في اللحظات الأخيرة من إغلاق باب الترشح ” لن أترشح لفتح المجال أمام أختي المرأة لتأخذ دورها في العملية الديمقراطية وتواصل المسيرة ولتبرز دورها الإيجابي المكمل لأخيها الرجل في المجتمع البحريني”

 

طبقا لجريدة “البيان” الاماراتية فإن سيناريو فوز البحرينية القعود يكاد يكون شبيهاً تماماً بسيناريو فوز القطرية شيخة الجفيري في الانتخابات البلدية، إذ أخلى لها الساحة رجلان كانا ينافسانها في اللحظات الأخيرة لتحقق فوزا بالتزكية وتكون أول خليجية تفوز بعضوية المجلس البلدي المنتخب.

§        الشك في 100%

 

الفوز نفسه الذي أعلنه القاضي، لا يمكن الشك فيه، لكن يمكن الشك في معناه، والخطاب الذي أدارت به لطيفة هذا الفوز لا يمكن الشك في نواياه، ولكن يمكن الشك أيضاً في معناه. الشك في المعنى يحيلنا إلى القوى التي تحكم السياسة، وليس الأشخاص الذين تُدار بهم السياسة.

من هنا فقراءتي لفوز لطيفة ولخطابها لا يستهدف ذاتها، بل يستهدف معنى الفوز وخطابه. لذلك لا بدَّ أن أؤكد أني لا أريد أن أقلل من فوز لطيفة القعود، ولا أريد أن أفسد فرحة فوزها على فريقها ذي الخطط العلمية، بل لا أريد أن أفسد على نفسي فرحتي بدخولها النواب. فأنا منذ 2002 رأيتها جديرة بالفوز بما حققته من نسبة متقدمة على الشيخ السعيدي. لكن هذا لا يعفينا من أن نقرأ هذا الفوز في سياق ما أسميته بقوة التمثيل (انظر الوقت، بروفايل: التمثيل النيابي، العدد 215) 

 أن تصل بقوة التمثيل ذلك هو الفوز الحقيقي، أن تصل بقوة أخرى بقوة المستلبين الأصوات الذين تمثلهم الحكومة في كل أوجه حياتهم، فذلك ليس فوزاً حقيقاً، ذلك فوز من غير انتصار، الانتصار هو الفوز بقوة إرادة من تمثلهم، قوة إرادتهم في تشكيل حياتهم ومعناها وطريقة إدارتها وحراكهم من أجل أن يكونوا مجتمعهم المدني والسياسي وفق ما يرون ويريدون. الفوز بانتصار هو إذن أن يكونوا قد اختاروك من بين خيارات متعددة، لا أن يكون القاضي قد اختارك لأن ليس هناك أحد سواك.

§        الفوز بقوة التمثيل

 

لطيفة اختارها القاضي ففازت بالتزكية، وهذا ليس فوزا تمثيلياً، أي أنها لم تفز بقوة التمثيل الذي هو جوهر الديمقراطية، لكنها فازت بقوة السلطة في تشكيل خارطة التمثيل، وهي رشحت نفسها في دائرة تدار بالأمر لا بالحق. أي دائرة الناخب فيها أذن تسمع الأمر فتطيع لا لسان يصوت بالحق. من هنا فهي فازت بـ2000 أذن لا بـ1000 صوت. هي فازت بقوة التمثيلية لا قوة التمثيل.

كانت لطيفة قوية في انتخابات 2002 وانتصرت لكنها لم تفز، وفي 2006 فازت لكنها لم تنتصر، فضلت لطيفة وطاقم حملتها بخططه العلمية الفوزَ بغير انتصار، إنه الفوز السهل الذي لا بدَّ منه. وهذا ما عبر عنه أحد الحقوقيين في مداخلة إلكترونية “كانت خسارتها في المرة الأولى فوزا وفوزها في المرة الثانية خسارة ووصولها إلى البرلمان هو تعيين على الطريقة البحرينية”.

§        القدر لا التقدير

 

الانتصار الذي لا بدّ منه ليس فوزاً، إنه قدر، والديمقراطية هي خيار لا قدر، هي لحظة خروج المجتمعات من أقدارها التي تقررها سلطة عليا ودخولها في تقديراتها التي تقررها هي بنفسها. أي الخروج من القدر إلى التقدير.

وهذا ما عبرت عنه بشيء من الاعتذارية الصحافية عصمت الموسوي إحدى الناشطات في حملة لطيفة الانتخابية “نعم كان لابد من تكتيك ما أو مخرج ضمن الصيغ القانونية والمجتمعية المقبولة لإيصال المرأة إلى البرلمان، وفك هذا الطوق الانتخابي المحكم حولها، لطيفة ستصل كما وصل البعض من المترشحين الرجال في انتخابات ٢٠٠٢ بالتزكية أيضا، لكن الفرق أن لطيفة لم تنل المقعد “بالساهل” بل استحقته -أيضا – كنوع من المكافأة فقد خاضت معركة انتخابية قوية مع النائب جاسم السعيدي في الانتخابات السابقة”

من هنا، فليس الموضوع هو لطيفة، بل فوز لطيفة، لنقل موضوعنا هو كيف فازت أول امرأة؟ وهو سؤال مطروح على ديمقراطيتنا وتجربتها أكثر مما هو مطروح على لطيفة.

§        دائرة التزكية

 

فازت لطيفة في دائرة التزكية، وهي الدائرة الأضعف من دوائر ضعف تجربتنا التمثيلية، والشاهد على ضعفها هو 100%.

لأن الديمقراطية خيار لا قدر فهي كثيرة المفاجآت، وصادمة للتوقعات، على خلاف ذالك دائرة فوز لطيف القعود، فهي دائرة بلا خيار وبلا مفاجآت وبلا توقعات صادمة. قبل أشهر من إعلان القاضي عن قدر الدائرة الأضعف الذي حتم فوز لطيفة 100% كتب الصحافي حسين خلف بجريدة الوقت تحت عنوان “الفوز بالتزكية مشهد قد يتكرر في سادسة الجنوبية” ما نصه: قد يعيد التاريخ نفسه في الدائرة السادسة من المحافظة الجنوبية في الانتخابات النيابية المقبلة، فحتى اللحظة لم يعلن عن أي متقدم لتمثيل هذه الدائرة سواء من المستقلين أو المدعومين من قبل جمعيات سياسية، باستثناء ممثل الدائرة الحالي النائب محمد فيحان الدوسري والذي أعلن عن رغبته في إعادة الترشح.

وعلى ما يبدو، فإن الفوز بالتزكية سيكون – مجدداً – من نصيب الدوسري في حال عدم وجود أي منافسة له في هذه الدائرة، خصوصاً وأن الدائرة السادسة تحظى بأقل عدد ناخبين بالمقارنة مع الدوائر الانتخابية الأخرى في المملكة، إذ بلغ عدد الناخبين في هذه الدائرة أثناء الانتخابات الماضية في العام 2002 نحو 541 ناخبا قد يصل عددهم إلى 600 ناخب أو أكثر قليلاً أثناء الانتخابات المقبلة.

وترددت أنباء أن المجلس الأعلى للمرأة يعتزم طرح مرشحة «امرأة» في هذة الدائرة إذ من الممكن أن نصيبها بالفوز كبيراً في حال انسحاب النائب الحالي لتفوز المرأة بالتزكية في هذه الدائرة”

التاريخ لا يعيد نفسه في المجتمعات الديمقراطية بل يجدد نفسه ويتقدم، والتاريخ لا يزكي نفسه ولا يزكي ممثلي المجتمعات الذين يقودون التاريخ فيها، بل يفضح نواقصهم وأخطاءهم وضعفهم ولا تاريخيتهم. إنه يفضح حتى فوزهم. المجتمعات التي يعيد التاريخ فيها نفسه، هي مجتمعات لا تعرف المفاجآت ولا الصدمات ولا التحولات، إنها مجتمعات تزكي كل ما هو متكرر وثابت وتابع لقوى مصالحها تكمن في الثابت لا المتغير. ما توقعه تقرير حسين خلف وقع والتاريخ زكَّى نفسه فعاد كما هو. إنه تاريخ متآخي ومتراخي حد 100%.

وكأن الإنسان في هذه المجتمعات لا يحرك التاريخ ولا يتصرف فيه، ولعل الصورة الأكثر سخرية وألماً هي تلك التي ابتكرها خيال أحد المنتديات الإلكترونية وفيها أجرى تعليقات على ألسنة حيوانات جزر حوار وهي تعليقات تعبر عن لا مبالاتها وسلبياتها واستسلامها لقدرها، هذا من جانب ومن جانب آخر تقول هذه الصورة أن  النائب في حوار سيتحدث إلى الغزلان والطيور والأحجار والأشجار ويخطب فيهم. هكذا يتم الضحك دوماً من الحلقة الأضعف.

§        قوة العباءة

 

خطاب لطيفة لم يأت وفق مقاس القوة التمثيلية التي يجعلها تشكل سلطة ثالثة، فهو من الناحية النظرية يتحدث عن أمور اقتصادية وإدارية حديث من يملك الرغبة لكنه لا يملك القوة، وليس هناك نائب لا يرغب، بل إن الدولة نفسها ترغب في ذلك وتعلن عن ذلك، لكن الرغبة لا تنتج غير مقترحات برغبة، وحدها القوة التمثيلية هي التي يمكنها أن تحقق قوانين وتشريعات ملزمة. وخطاب لطيفة لا يملك قوة تمثيلية تمكنه من ذلك، ولا يبدو أنه سيتحالف مع قوى تملك قوة تمثيلية معارضة.

ولعل خطابها حول عباءتها يحيل إلى القوى التي ستمثلها (المجلس الأعلى) وتتعاون معها أكثر مما يحيل إلى برنامجها، ففي تصريحها للزميلة “الوسط” في اليوم الثالث من التزكية “أكدت النائبة البرلمانية لطيفة القعود أنها لن تتنازل عن ارتداء عباءتها البحرينية التقليدية السوداء داخل قبة البرلمان المقبل، موضحة إنها دائما تلبسها وهي معروفة بارتدائها أمام أهلها وممن يعرفها من أهل الحي« الفريج« وهو أمر تفتخر به أمام الناس.  جاء ذلك في رد على سؤال لـ »الوسط« عما إذا كانت تنوي القعود ارتداء العباءة التقليدية داخل البرلمان البحريني، خصوصاً وإن نائبات مجلس الشورى لم يرتدن هذا الزي الذي يعد ضمن موروثات المجتمع البحريني، مشيرة إلى إنها لا تجد في ذلك مانعا أو تأثيرا على مهمة أدائها في البرلمان المقبل. وأضافت إنها تنوي طرح قضايا الاقتصاد والبطالة والشباب إلى جانب المرأة ودورها في دفع عجلة الاقتصاد الوطني كونها تنصب في إطار اهتماماتها وتخصصها”

 

ليس الأمر في هذا الخطاب أمر العباءة بل أمر ما تحيل إليه العباءة، فبين جنبات هذه العباءة يتحدد معنى برنامجها الانتخابي المزكى. وهذا ما ستبديه أيام المجلس القادمة.

 

 

 

المصادر:

 

 

  1. انظر مقابلة جريدة الأيام مع لطيفة القعود

العدد  6430       الثلاثاء           25 رمضان 1427  هـ           17 أكتوبر 2006 م    

 

http://www.alayam.com/ArticleDetail.asp?CategoryId=32&ArticleId=218247

 

 

  1. انظر مقابلة الوسط  مع لطيفة القعود

العدد  1502           الثلاثاء           25 رمضان 1427  هـ           17 أكتوبر 2006 م    

 

http://www.alwasatnews.com/topic.asp?tID=121494&mydate=10-17-2006

 

 

  1. انظر تصريح لطيفة القعود لجريدة أخبار الخليج

العدد  10434           الثلاثاء           25 رمضان 1427  هـ           17 أكتوبر 2006 م    

 

http://www.akhbar-

alkhaleej.com/arc_Articles.asp?Article=182379&Sn=BNEW&IssueID=10434

 

انظر تصريح لطيفة القعود لجريدة الوقت

العدد  239           الثلاثاء           25 رمضان 1427  هـ           17 أكتوبر 2006 م    

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=22102

 

 

  1. انظر عمود الصحافية عصمت الموسوي

 

العدد  6430       الثلاثاء           25 رمضان 1427  هـ           17 أكتوبر 2006 م    

 

http://www.alayam.com/PrintPage.asp

 

  1. انظر تقرير حسين خلف في جريدة الوقت

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=11953

اترك تعليقاً