في مزحة تحمل في باطنها جداً جاداً، غمز لي الصديقان الصادقان عضوا مجلس المنامة البلدي، صادق رحمة وصادق البصري، وهما لتوهما عائدان بانتشاء من دعوة غداء جمعية التوعية الإسلامية على شرف استضافة الدكتور( أبو الزهراء ) عبد الحميد النجدي، المعروف بمناظراته العقائدية بقناة المستقلة. كان ظاهر المزحة يقول إننا صرنا من كبار القوم الذين يقدمون في الاحتفالات ومراسيم الاستقبال، وإنك صرت من حثالة القوم في التيار الديني الشيعي، وباطنها يقول الخروج على جغرافيا الجماعة وأرضها الآمنة، يوقعك في الهاوية، فلا تعود تُرى.
قلت للصادقين: لماذا لا تحتفي جمعية التوعية الإسلامية بذكرى مرور ثلاثين عاماً على اغتيال علي شريعتي؟
الجواب الذي لم يقولاه ولا يستطيعان أن يقولاه، هو أن خطاب شريعتي لا يناسب مقاس التوعية، إنه يفيض على مقاس كأس مفهومها للتوعية، وبالمناسبة التوعية في أصلها من الوعاء وما ينضح فيه.
هو لا يناسب مقاسها ليس لأن شريعتي أكاديمي ودارس في الغرب، فالنجدي مثلا أكاديمي ويدرس في الجامعة الإسلامية بلندن، وقد كانت يوما ما جهة من جهات مقاصدي، إنما المناسبة تتحدد بمقاس اللسان، فالنجدي هو لسان عقائد الجماعة، ويقدم نفسه بوصفه المدافع عن عقائد الطائفة، وهذا ما يمكن التعرف عليه بسهولة من خلال خطابه في قناة المستقلة، وخطابه في جامع الصادق بالدراز مثلا، فقد أتحف الحضور –كما ورد في موقع منتديات البحرين الإلكترونية- ببحث شيّق حول النظرية الصحيحة في الخلافة، هل الإمامة أم الشورى، وأوضح فيه بطلان نظرية الشورى فيما ينزله الله وأنها تقتصر على (بينهم) أي بين الناس، كما أوضح أن الإمامة هي أمر إلهي والدليل في ذلك عدد كبير من الآيات القرآنية.
إنه يقع مناوئاً على جغرافيا الخطاب العقائدي الذي يمثله أبومنتصر البلوشي مثلا والشيخ عثمان الخميس، من هذا الموقع الجغرافي الذي يتخندق فيه المحتربون العقائديون، تبرز نجومية الدكتور النجدي، ويحتل موقعه في الصفوف الأمامية، ويقدم توعية بمقاس ما إناء جمعية التوعية.
على خلاف ذلك، يبدو شريعتي، فهو باحث ومنقب في جغرافيا العقائد وتشكيلاتها الاجتماعية والسياسية، فـخطاب (بحار الأنوار) مثلا في خطاب شريعتي، أرض للحفر عن صياغة السياسية لجغرافيا العقائد، في حين (بحار الأنوار) في خطاب النجدي، أرض عقائدية يجب الدفاع عن بيضتها.
مهمة النجدي تكمن في الدفاع عن النصوص وصحتها عبر تشغيل آليات الحجاج الكلامي القديم وآليات الجرح والتعديل والأساليب المعتمدة في الروايات. إنه الذائد عن حرمة المقدس الجماعي.
أما مهمة شريعتي، فتكمن في تفكيك جغرافية النصوص وسياقاتها التاريخية وصراعاتها الاجتماعية والسياسية، وإعادة تأويلها تأويلا يخرجها من سياق الاحتراب الديني والطائفي. شريعتي بما توفر عليه من عدة منهجية في مجال السوسولوجيا وعلم الأديان المقارن، استطاع أن يكون فاتح جغرافيا العقائد الدينية ونصوصها، وإن كان سياق عصره الأيديولوجي، قد حال بينه وبين أن تبلغ فتوحاته الجغرافية حدها المعرفي، فمهمة العودة إليه اليوم تجد تبريرها في استكمال مهمة إنجاز هذه الفتوحات وشق طرق جديدة لها.
الأخوة في جمعية التوعية على الرغم من نشاطهم الذي لا يهدأ، مدعوون لإعادة النظر في رسالة (التوعية) وإنائها الذي تحمله جمعيتهم منذ السبعينيات، هي بحاجة إلى جغرافيا جديدة، تخفف من حدة الاحتقانات العقائدية.
ولنا عودة إلى جغرافيا شريعتي.