الأستاذ محمد حسن النهام (مواليد1971) مدرس أول علوم في المعهد الجعفري، صديق صباي في قرية الدير، اعتقل في 2017 ضمن ما سُمي بـ(مجموعة الدير) وحكم عليه بالسجن 15عامًا.
إلى صديقي سجن الرأي محمد حسن النهام
أكتب إليك لأنه لم يعد هناك وطن يصلني بك، لم يعد هناك وطن يجمعنا، غادرنا صديقنا الشهيد زكريا العشيري مبكرا في 2011، وأنت لم يتسع لك البحر الذي عشقته وخبرته منذ كنت طفلًا تبحر مع أبيك، ضاق بك فصرت سجينًا، وأنا لم يتسع لي ذلك الذي تأملت أن يكون وطنًا، فصرت مهاجرًا أو منفيًا أو مطرودًا. وُضعنا جميعنا في قوائم الإرهاب، لا أعرف أرهبنا من؟ لكني أعرف فقط قلوب أمهاتنا المرتعشة حزنًا وكمدًا وهضيمة. حكايتنا واحدة في تجليات ثلاث: الشهادة والسجن والهجرة، كلها تعبر عن جوهر واحد، فقدان وطن يلملم بأجنحته أبناءه، ويعطف عليهم بظلاله.
كل منا دفع ثمن صدق ما آمن به، ما كان لنا أن نحافظ على إنسانيتنا وسط هذا التوحش اللاإنساني، وما كان لتربيتنا أن تُعطي إلا ما فيها من أمثولات وأحلام بالعدالة والحرية والحق.
أسترجع الآن الأديب المناضل (برتولد بريخت) في كتابه (حوارات المنفيين) كان يكتب باستمرار لمواطنيه، ويبعث فيه الأمل، ويوقد إرادتهم، ويشجعهم على مقاومة الفاشية والدكتاتورية، لذلك كانت كتبه تحظر وتحرق في ألمانيا الهتلرية، أسترجعه الآن لأنه يُلهمني للكتابة إليك، ولأن هذه الرسالة محظورة أن تصل إليك، وكتبي كذلك محظورة ومصادرة، أشعر أن (بريخت) أحد الآباء الرمزيين لأمثالنا من المنفيين في أوطانهم أو خارج أوطانهم.
أحتفظ بصورة جميلة لك، من صور الصبا، الفتى ذو الابتسامة الدائمة والضحكة الحاضرة في المواقف والمقالب والحكايا، صاحب الذاكرة النقية القوية الذي يستطيع استرجاع المعلومات وأبيات الشعر والأحداث بشكل مدهش، الفتى الذكي حاضر البديهة القادر على جمع معطيات تفصيلية كثيرة، والقادر على سردها بشكل منتظم وواضح، مادة الأحياء بتفاصيل كائناتها وأجهزتها وأسمائها ما كنا قادرين على تحملها، وكنت أنت متفرد بها، حتى صرت مدرسها الأول قبل اعتقالك.
حاضر بقوة اسم والدتك في مخيلتي (مريم سلطان) تردده أمي بمحبة ووفاء، لصداقة وعشرة دامت بينهم، ما كنت أقول لها إنني في بيت محمد النهام، بل كنت أنسبك لأمك: أنا في بيت محمد ولد مريم سلطان. أسأل أمي عنها، فتقول لي: علاقتنا بجارتنا أم كريم، فتحتنا على مريم سلطان، وصارت واحدة من أهل (الدريشة، دريشة أم كريم) تتبادل معنا الأطباق والمحبة والنغصة، كانت أم محمد “ما تاكل عنا حارة ولا باردة”.