علي الديري، في رثاء رفيقي البوسطة: حكايات البوسطة المبعثرة

لوحة أحبك يا بوسطة
لوحة أحبك يا بوسطة

خصني رفيقي أحمد البوسطة قبل رحيله عبر إحدى الصديقات المؤتمنات على مسودة من مذكراته تحت عنوان  (شيء من حياتهم وحياتي… حكايات لأوراق مُبعثرة). أتمنى ألا يحدث شيء يعكر العمل على نشرها. سأقف في رثائي على هذا الرحيل المؤلم على فقرتين وضع البوسطة عناوينهما.

الوقفة الأولى القلب المترامي بجدارة

يقول البوسطة: كتب صاحبه  ذات يوم في صفحة (سوق الجنة، جريدة الوقت 2008) غزلاً حميمياً جميلاً بين محبين يختلفان ويتوحدان في فارق الشجن وعشق الحرية، لكنهما قريبان إلى حدٍّ التوحد من الرؤية المشتركة في البياض: “لكل إنسان جنته التي يستريح فيها إلى صوره وتجاربه التي تحكي سيرته وأفكاره. وللبوسطة جنته التي يضنى فيها، رحلته طويلة ومنعرجاتها كثيرة، ويكاد يكون وحيداً دوما في بياضه، تسّود الأشياء حوله، ويبقى مناضلا كي تبقى جنته بيضاء. لا أحد يجيد سخريته الساردة التي تحيل توقيفاته ومنافيه وضياعه في المدن والأوطان جنة ضحك لا تسكت. لا تتوقف حكاياته الحمراء في جنته البيضاء، تفيض دوماً بالسخرية والتجربة” علي الديري،مقدمة سوق الجنة، أحمد البوسطة.

كم أنا فخور يا رفيقي، أنك استعدت مقدمتي في الحديث عنك، سعيد أن أكون صاحبك الذي تتحدث عنه في مذكراتك بكلمات الصحبة والمحبة والعشق والتوحد والقرب.

 لم يمنعك فارق التجربة والجيل والخلفية الثقافية أن تُجسّر المسافة وتعبرها، أحب فيك هذا العبور المبدع، ويذكرني باحتفائك بكتابي (مجازات بها نرى) ذلك الكتاب الذي تحدثت أنا فيه عن المجاز والعبور عبر الاستعارات والحكايات في الخطاب السياسي، العبور من الفكرة إلى واقع الناس السياسي.

 أحب قلبك المترامي بجدارة يا صديقي، إنه قادر أن يمتد ويعبر ويجمع المحبة والمعرفة والثقافة في موقف واحد يعبر عن الإنسان الذي ظل فيك حتى آخر رمق.

لوحة أحبك يا بوسطة
لوحة أحبك يا بوسطة

الوقفة الثانية اسمي لا أحد

يقول البوسطة “صون المبدأ من عدمه يتلخص في مواجهة كلمتين عن الراحلين: أما أن تسمعي يا ابنتي كلمة “مسكين مات وكان طيباً”، أو “يستاهل الموت هذا العفن ابن العفنة!”، إذن، اخترت أن أصون مبادئي. قال هذا الكلام ودمعة كبيرة سقطت من عينيه، اعتقد لوهلة بأنها ستبلل الكون كله، لكنها بللت خده فقط”

ليت تسمع الآن يا رفيقي، ما نقوله عنك: مات عنيدا على الحق، مات شامخ الرأس، مات صائنا النفس، مات محبًا للحرية، مات واقفا بعز. لقد صنتنا أكثر مما صنت نفسك، حفظت شرف الكلمة، وشرف المثقف، وشرف الصحفي، وشرف القلم، وشرف البحريني. 

كلنا ممثلون فيك، كلنا نقول، مات حامل شرفنا وموقفنا وكلمتنا، أنت أمة يا رفيقي، و”أبناء العفنة” الذين دنسوا شرف كلمتنا عفطة عنز. دمعتك يا صديق بللت كوننا كله، رايات محبتك مبللة بدموع عشاقك ومحبيك على امتداد وسائل التواصل كلها.

أكتب الآن يا رفيقي صبيحة اليوم الثاني لرحيلك، أفتش في الصحف التي احتربت فيها من أجل شرف كلمتك وموقفك، ولا أرى صورة تذكرك ولا كلمة ترثيك ولا سطرا يؤبنك، كأنك (لا أحد)، ألا عميت عين لا تبكي فقدك يا رفيقي، وخابت صحافة لا تُقدس اسمك وموقفك وسيرتك.

 

اترك تعليقاً