غُصة أخرى في القلب أن ترحل العمة زهرة بنت منصور عباس فضل من دون أن أفرحها بصدور كتاب سيرة أمها فاطمة بنت زبر(1918-1973)، وهي الراوية الرئيسة التي حكت لي بفخر كيف وقفت فاطمة بنت زبر على ما تبقى من بيت زبر الكبير، ألقت كلمتها الخالدة بين إخوتها “لن نبيع” بيتنا في المنامة.
قالتها في صيغة نفي لكنها في المعنى تحمل معنى الرفض. تأسس هذا البيت على كلمة رفض بنت زبر، كانت العمة زهرة تستعيد في سردها هذه الكلمة، بقوة منطوق أمها، وكأنها تقول لن نغادر هذا البيت، ستبقى أنفاسنا فيه، وسنشم ريح بنت زبر في زواياه، وسنحفظ عهدها فيه، لن يكون هذا الإرث قابلا للمساومة أو الاستبدال.
دخلتُ هذا البيت في منتصف التسعينيات صهرًا جديدًا لحفيدة بنت زبر، فضاء عباس، شدتني العمة زهرة إليها بحديثها الدائم عن التاريخ وحفاوتها الأثيرة بالكتب، وهي التي لم تكمل تعليمها المدرسي لكنها أصرّت أن تثقف نفسها بالقراءة الحرة، تعرفت من خلال مكتبتها الصغيرة على كتاب (عقود الآل في تاريخ أوال) استعرته منها، وظلت تسألني عنه وتذكرني به، وتبرر حرصها على الكتاب، بشيء من الفخر لكون مؤلفه المؤرخ محمد علي التاجر من مدينتها المنامة، وهو عم الأستاذ عبدالرسول التاجر الذي تعلم في مدرسته أخوها الحاج عباس بن منصور فضل، وهو الذي أعطى لموكب الملحان فكرة جمعية (ذو الفقار) في الأربعينيات وقد حمل دفترها وأوراقها وذاكرتها ومشروعها أخوها الأثير على قلبها الحاج عباس.
حين صدرت النسخة المحققة الكاملة من تاريخ (عقود الآل) أرسلت لها نسخة خاصة، وقلت لها بضاعتك ردت إليك، استعرت منك نسخة ناقصة التحقيق وأهديتك نسخة كاملة التحقيق.
كنت أمازحها باستخدام صفة المثقفة وتبادلني بضحكتها الجميلة “ويني وينك، لا تقعد تنفخ فيني”. وحين ألاحقها بأسئلتي السابرة لتاريخ العائلة تتمنع وتدعي أنها لا تعرف شيئًا، فأستل منها خيطًا خفيفًا، فتقع في فخ غواية السرد، فيتدفق التاريخ سلسًا وكأنه منتظم الدرين كما في عنوان كتاب التاجر الشهير، وحين أعثر على قصة مثيرة بين جنبات سردها، تنتبه لي، فتبادر بإطلاق جملتها الشهيرة: ما يخصني، إنت تنبر وطلع مشاكل.
كثير من أسرار شخصية فاطمة بنت زبر، عرفتها من العمة زهرة، قالت لي إن جدتنا والدة أمي اسمها معصومة بنت سيد مرزوق وكثير من أسرار شخصية والدتنا جاءت من أمها السيدة معصومة، ستتعجبون حين أقول لكم إنه كان ينذر لها، فقد كانت ولية من أولياء الله بتقواها وورعها وزهدها، من حسن حظنا أنها أحاطتنا برعايتها، كانت تعين أمي على تربيتنا، وهي من أخذتني مع أخواتي خديجة ورازقي إلى درس القرآن عند المعلمة (فضيضة). بفضل النور الذي أضاءه القرآن في قلبها صرنا متعلمات وحافظات للقرآن، ولست أدري إن كان صوت والدي حجي منصور المميز في قراءة القرآن في الفواتح قد حببه إليها حين جاء يطلب يد ابنتها فاطمة.
تقول لي باعتزاز: تعود سلالة جدتي السيدة معصومة بنت سيد مرزوق، إلى السيد إبراهيم المجاب، وقد أنجبت جدتي أمي فاطمة بنت زبر ثم خالي الميرزا وخالي عبدالله المشهور بالشكر لدلال جدتي له، فكانت تكثر من مناداته بالشكر، حتى صار خالي حلاوة بيتنا والفريق معاً وضاع اسمه.
رحم الله العمة زهرة، هي أول بنات فاطمة بنت زبر من الإناث، تروي لي عن والدتها وولادتها: حين قدمت إلى الحياة تلقفتني الأيدي بلهفة وبالغت في الدلال. كانت أمي قد فقدت طفلين بعد ابنها البكر عباس (توفي 2009) مرت سنوات حتى رُزقت أمي بأخي عيسى، ثم بعد عشر سنوات أو أكثر جئت أنا ثم أخواتي رازقية وخديجة (توفيت 2019).