أعلن حديثاً في البحرين، إشهار جمعية ”رابطة علماء الشريعة بدول مجلس التعاون الخليجي”.
عبداللطيف الشيخ رئيس اللجنة التأسيسية، أوضح بأنها جمعية علمية إسلامية شرعية مستقلة تتكون من مجموعة من العلماء في العلوم الإسلامية من دول مجلس التعاون الخليجي. مشيراً إلى أن الجمعية تستهدف القيام بأنشطة دينية وثقافية واجتماعية وخيرية وتوعوية وعلمية، وتعمل على إيجاد التقارب بين علماء الشريعة في الساحة الخليجية، وتوحيد الآراء الفقهية والفكرية، والاهتمام بقضايا المسلمين العامة وتنبيههم إلى الأخطار التي تهدد هويتهم العقدية والثقافية، إضافة إلى الحوار مع التيارات والمذاهب الفكرية المتعددة، وإقامة الدورات الشرعية لتأهيل العلماء والدعاة، وإصدار النشرات الدورية حول القضايا الإسلامية، وعقد المؤتمر والندوات العلمية[1].
الرابطة الشرعية التي يقدم هذا التجمع هويته من خلالها، ويحدد وظائفه وأهدافه استناداً إليها، هي نفسها تشكل مشكلة تحول دون أن تكون الرابطة المدنية لمواطني دول الخليج على مستوى دولهم أو على مستوى تجمعهم الخليجي مرجعاً إليهم، فالدولة الخليجية ما زالت لم تستكمل بعد رابطتها المدنية المواطنية. وتعاني هذه الرابطة المدنية من مشكلات تتعلق بالتكوين القبلي والديني.
ما يتعلق بالتكوين الديني في شكله الطائفي خصوصاً، أصبح بعد غزو العراق مشكلة متفاقمة ومصدرا للانقسام، ولا يمكن معالجة هذه المشكلة بأدوية هي نفسها سبب في المشكلة. فالرابطة الشرعية التي صارت ملجأ للطوائف، بحاجة إلى دواء من خارجها. بمعنى أن إنشاء تنظيمات باسم الشريعة أو الدين على مستوى دول الخليج أو على مستوى كل دولة من دول الخليج كافة، يفاقم من هذه المشكلة. نحن بحاجة إلى تكوين مؤسسات أو تجمعات عابرة، والحل فيما أرى أن تكون هذه المؤسسات العابرة تحمل رسالة تعزيز الرابطة المدنية، وذلك إما بإنشاء روابط تنتمي للمجتمع المدني أو روابط فكرية تقدم قراءة جديدة للمكون الديني (الشرعي).
لو كانت رابطة علماء الشريعة تحمل في خلفيتها ما يشي بهذه المهمة، أي تقديم خطاب ديني جديد عابر للطوائف والمذاهب وأشكال التدين التقليدي أو الأيديولوجي أو الجهادي، لحققت بالفعل مهمة مدنية تعزز من تكوين الدولة غير المنجزة في المجتمعات الخليجية. لكن مع الأسف، ليس هناك على مستوى الأهداف التي تحملها هذه الرابطة ولا على مستوى التسمية، ولا على مستوى الأسماء البارزة في هذه الرابطة ما يشير إلى إمكان تقديم خطاب يتجاوز بالفعل المشكلة التي تعاني منها الرابطة المدنية أو المواطنية على مستوى الخليج.
فعلى مستوى التسمية (رابطة علماء الشريعة)، هناك إشكالية في استخدام عنوان الشريعة، وجل التنظيمات الإسلامية، تقدم نفسها بوصفها ممثلاً للشريعة وتقيم جميع احتراباتها واختلافاتها على أساس أنها الممثل الحقيقي أو الصحيح للشريعة.
وهذا ما يشير إليه رضوان السيد بقوله ”المسألة العقدية تتمثل في ذهاب سائر الإحيائيين (حتى المعتدل منهم) إلى أن أصل المشروعية في الإسلام يقوم على الشريعة، وليس على الجماعة. وقد رأى الفقهاء المسلمون قديما أن الجماعة المعصومة التي تحتضن الشريعة هي الأصل في المشروعية. فقد آمنت بدين الله، وهي تعيشه، ويعصهما إجماعها من الضلال، بل ومن الخطأ والخطل الكبيرين، من دون أن يشمل ذلك أفرادها طبعا. أما القول إن الشريعة هي أصل المشروعية، فهذا يعني وضعها خارج الجماعة، وارتهان جماعة المسلمين لحاكم أو قلة تزعم أن الشريعة بيدها[2]”.
وعلى مستوى الأهداف، ليس هناك ما يشير إلى تقديم خطاب جديد، وأعني بالجديد هنا، الخطاب الذي ينظر إلى واقعه وعالمه من منظور العلوم الإنسانية الحديثة المتجاوزة للتوظيفات الإيديولوجية أو السياسية أو السلطوية. وهي ما تعاني منه خطابات الإسلام الحركي بمختلف اتجاهاته، والإسلام الأصولي، والإسلام التقليدي والإحيائي والسلطوي، إلى آخر الأسماء التي تشير إلى إسلامات غير منتهية.
ليس في أهداف هذه الرابطة ما يشير إلى الصدور عن خطاب جديد. ولا ما يشير إلى مراجعة نقدية إلى خطاب الإسلام الحركي أو الإسلام التقليدي. وليس هناك، في هذه الأهداف، ما يبشر بقيم مدنية حديثة كالتعددية والانفتاح والتسامح وفهم الآخر. هناك ”توعية بالإسلام الصحيح، وتوحيد الآراء وأحكام الشريعة، والتنبيه إلى الأخطار التي تهدد هوية المسلمين العقدية والثقافية” المنظور الذي تصدر منه هذه الأهداف هو نفسه منظور خطاب الإسلام الحركي والإسلام الأصولي، وهو نفسه مصدر أزمتها.
وهذا المنظور ما لم يتم مراجعته نقدياً لن يفعل سوى إعادة إنتاج أزمة الخطاب الديني من جديد ولكن هذه المرة بتنظيم جديد وواجهة جديدة. وهذا يقودنا إلى القول إن كل تجمع باسم الإسلام أو باسم الشريعة أو باسم الدين، يهدف إلى خلق كيانات تنظيمية جديدة من غير خطاب جديد متجاوز لأزمة الخطاب الديني السائد، لن يكون أكثر من مشكلة أو أزمة جديدة كما هو شأن هيئة علماء المسلمين السنة بالعراق، وكما هو شأن المجلس العلمائي في البحرين، فهذه الكيانات التنظيمية وإن اتخذت لها وضعية قانونية مدنية، لن تكون أكثر من رابطة، أو جبهة، ناطقة بما يجعل منها سلطة ومرجعية لطائفة، أو لفهم لا يستوعب الرابطة المدنية العابرة للمذاهب والطوائف والقبائل والولاءات الطفيلية.
ستكون هذه الروابط، رابطة للون من الدين، الذي يتصالح مع جماعات دينية معينة أو سلطات سياسية معينة على تسويات برجماتية، لكنها لن تتصالح مع عصرها وقيمه الحديثة. وستتحول هذه الروابط إلى واجهات سياسية تستخدم بقصد أو بغير قصد الشريعة، لتكسب قوة اجتماعية تخولها أن تعالج الأمور المستجدة على الساحة بما يحقق مصالحها، لا بما يحقق مصالح الخلق، وتنطق بما تريده هي، لا بما تقصده الشريعة.
وعلى مستوى العلماء الذين يتصدرون رابطة الشريعة، مع احترامنا لمقاصدهم الخيرة، ومراميهم النبيلة، ومكانتهم الاجتماعية، ومرجعيتهم الدينية، فإنني لا أستطيع أن أصادق على خطابهم أو أعول عليه في معالجة أزمة الدولة الحديثة في مجتمعاتنا الخليجية. فهذا الخطاب الذي مازال مشغولاً بموضوعات من قبيل ”هل الوزارة ولاية عامة أو خاصة؟”، ”الحاجة قائمة وملحة لحماية العفة وصيانة الأعراض في منع الاختلاط والخلوات في أروقة العمل”، ”المجتمع الذي تموج فيه الفتن والانحلال الأخلاقي[3]”، كما هو شأن خطاب الدكتور عجيل النشمي الذي فاز أمس برئاسة الرابطة.
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=6618
الهوامش
[1]انظر:جريدة الوقت العدد 782 السبت 12 أبريل/نيسان 2008 على الوصلة: http://www.alwaqt.com/art.php?aid=108299
[2] راجع: ”تجديد الخطاب الديني في الزمن الأميركي: العنف.. والإصلاح الديني” على موقع ”إسلام أونلاين” عبر الوصلة:
http://www.islamonline.net/arabic/contemporary/2004/02/article02c.shtml
[3] انظر الوصلتين:
http://www.alraimedia.com/Templates/frNewsPaperArticleDetail.aspx?npaId=20826
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperPublic/ArticlePage.aspx?ArticleID=
الرابطة، أي رابطة مجتمعية، ما لم تتمدن، أي ما لم تكن رابطة وطنية جامعة، فهي ليست إلا صندوق آخر. صندوق معقوف برباط غليظ يزيد من إحكامه وإغلاقه. نحن لسنا في حاجة إلى مزيد من الصناديق المربوطة. نحن في غثاء من الصناديق. وقد استبد بنا الاختناق مما أسرفت علينا به من إحكام ربطها وغلقها. فافتحوا صناديقكم (أيها المتشرعون) يرحمكم الله، أو فكوا أربطتنا..
مجاز الصندوق، يمثل من دون التذرع بحجة شرعية، يمثل هذه الرابطة أعمق تمثيل. وهذا النوع من الروابط يختزل الديمقراطية في صندوق الانتخابات، ولا يفتح مفهومها على الميدان العام حيث المواطنون يشكلون روابطهم المدنية في الساحات لا في الصناديق. وهذا ما كان يقوله جورج طرابيشي، الديمقراطية ليست في صناديق الانتخابات بل في صناديق العقول، لذلك يجب أن تنفتح هذه الصناديق على الفضاء العام على على الكانتونات الضيقة..
شكرا صندوقك المفتوح