خارطة مجازات الديري في دليل تدريبي
19 حيلة لغوية تجاوز فيها نفسك والآخرين.. والأهم أن تلعب باقتدار
الوقت – حسين مرهون:
«العبور المبدع»، هو عنوان أحدث مؤلفات الزميل علي الديري، وقد صدر عن المطبعة الحكومية التابعة إلى وزارة الإعلام في 246 صفحة من الحجم الكبير. ويمثل الكتاب الذي حمل عنواناً فرعياً له «استراتيجية التفكير والتعبير باستخدام المجاز» حلقة متطورة في مشروع الديري الفكري القائم على الكشف عن ألاعيب اللغة، لاسيما تلك المتصلة بجوانب البلاغة والبيان.
وقد صدر له في هذا الشأن كتاب سابق «مجازات بها نرى» 2006 في حين يأتي كتابه الأحدث ليتوج هذه الرحلة بدليل تدريبي أقرب من جهة المحتوى إلى «البيداغوجيا» التعليمية، بل هو كذلك حقاً، حيث يتجه فيه إلى عرض الأفكار التي ثمّرها طيلة اشتغاله على مفاهيم المجاز في اللغة، بواسطة الشروحات المستفيضة وبسطها عبر وسائل الإيضاح بما في ذلك الرسوم، والكولاج، وعشرات الأمثلة، والنصوص ذات العلاقة.
الفكرة الأساس التي ينطلق منها الديري في كتابه الأحدث، هي ذاتها الفكرة التي مهرها في كتابه السابق «أن المجاز أداة تفكير»، وعلى ذلك فليس للإنسان أن يباشر عملية التفكير إلا بواسطة أدوات مشفرة استعارياً. فتغدو بذلك كل عدة البيان المعروفة في حقل اللغة العربية من استعارة وتشبيه وكناية وقصص وحكايات وأمثال وغيرها، بمثابة القنطرة التي يعبر بها العقل الإنساني إلى موضوعاته.
فاستحقت من جراء ذلك أن تكون عدّة الكائن في «العبور المبدع»، حسب عنوان الكتاب، وهو وصف يحمل شحنة قيمية، واضحة انحيازات المؤلف لها، وتأكيده عليها مرة بعد مرة. لكن ما كان مرتكزاً في الأساس النظري على مفاهيم جورج لايكوف وعبدالوهاب المسيري، مثلما كان ذلك من شأن كتاب «مجازات بها نرى»، توسع بشكل مذهل في «العبور المبدع». وقد حمل مسرد المراجع قائمة طويلة تضرب في شتى التخصصات من ابن عربي إلى أدونيس وأفلاطون وطه عبدالرحمن وعبدالله الحراصي وفنتجشتاين وبيير ماراندا وهاري ميلز وآخرين.
الكتاب الذي أهداه إلى ابنه البكر باسل مع إهداء طريف ذي علاقة بموضوعته الرئيسة «إلى باسل.. أنتظرك عابراً» هو «ورشة للكتابة» حسب الوصف الذي استخدمه المؤلف في تصديره له «هذا ليس كتاباً، لكنه ورشة تدريب تأخذك إلى جرأة الكتابة». ويحدد الديري الهدف المتوخى من هذه الورشة بأنه «يدخلك مباشرة إلى استراتيجية اللعب بالمجازات».
بيد أنه يستدرك «لن يقول لك الكتاب كيف تستخدمها، لكنه سيجعلك تستخدمها بطلاقة، ومرونة، وأصالة، وتلك هي شروط الإبداع».
ويمضي شارحاً «الكتابة بعين مجازية تتيح لتعابيرنا أن تتسع، وتمتد، وتتنوع بطلاقة، ومرونة، وأصالة (…) هذا الكتاب «الورشة» لايخضع لموضوع يقعد بك، بل لعين تعبر بك الموضوعات كلها» على حد تعبيره.
وفي تصدير آخر يروي الديري حيثيات حية من وقائع هذه الورشة التي انطلقت في إطار برامج التدريب التي تنظمها وزارة التربية لتحسين أداء المعلمين في المدارس. قال «بدأت هذه الورشة في ,2004 ومازلت أبلور أفكارها، وأصقل تطبيقاتها. هذا الكتاب هو حصيلة ما تراكم من هذه الورشة».
وقد حرص على تضمين مقدمته بعض العبارات المستلة من رسائل تلقاها من طريق بعض المشاركات ضمن الورشة وتعكس طبيعة التلقي «المندهش» لموضوعتها. خصوصاً لدى انكشاف الطاقة السحرية التي تختفي وراء استخدامات المجاز، تلك التي تلعب في دائرة السلطة والهيمنة وتلفّ حيث هما، أكثر من لعبها في حقل تزيين المعنى وتفخيمه. الأمر الذي يعد اشتغالاً حديثاً على خلاف اشتغال دروس البلاغة القديمة.
فنقل عبارة لمتدربة اسمها حنان «كنت أرى أن المجاز زينة الكلام، ومدخلاً لتفخيم المعنى»، وهي الحقيقة التي سيعاد تركيبها من جديد لدى انتهاء الورشة «في هذا المكان صارت حنان تعرف أن المجاز مدخل لاتساع العقل، ومرونة الفكر، وأصالة الكلام، وإعادة تركيب الحقيقة، وتفسير الواقع».
كما نقل عبارة أخرى لمتدربة اسمها فاطمة «لم أعلم أن المجاز بهذه الخطورة».
إلى ذلك، يقوم الكتاب على تسع عشرة فكرة نظرية تؤلف لدى تواشجها مع أزيد من تسعين تطبيقاً عملياً ما أسماه الكاتب «استراتيجية العبور المبدع».
في حين تمكن المتدرّب عند إتقانها من أن «يعبر عن أفكاره وأفكار الآخرين» و«يعبر بين أفكاره وأفكار الآخرين» و«يوسع أفكاره وأفكار الآخرين» و«يجتاز أفكاره وأفكار الآخرين» و«يتصل بذاته وذوات الآخرين» و«يلعب بطلاقة وأصالة ومرونة».