للوهلة الأولى حين هاتفني الصديق محمد فاضل، يخبرني عن البيان الذي الذي أصدره مثقفون شيعة. قلت له كيف مثقفون وشيعة؟ المثقف لا صفة دينية له. قلت ربما هو التبسيط الذي يجعل من استخدامنا للصفات استخداماً متخففاً من العمق والجدية.
القراءة الأولى للبيان جعلتني أستحضر صفة التبسيط التي ظهر فيها بيان الليبراليين العرب الجدد الذي أصدره شاكر النابلسي في يوينو/ حزيران 2004 تحت عنوان ”من هم الليبراليون العرب الجدد، وما هو خطابهم؟”.
في يونيو/ تموز 2005 أصدر مجموعة من المثقفين الليبراليين العرب ”غير الجدد” بياناً عنوانه ”ليبراليون عرب: صرخة ضد التبسيط” كانت ديباجة البيان ”ما نحاوله نحن الموقّعين أدناه، صرخة ضد التبسيط إزاء العناوين الأهم في حياتنا.. نذهب إلى أن الليبرالية التي نقول بها، ولاءٌ لقيم تحديثية وتنويرية أولاً وأساساً، وليست أبداً ولاءً للولايات المتحدة كائناً من كان المقيم في بيتها الأبيض”.
وهذه هي مؤاخذتي الرئيسة على بيان المثقفين الشيعة الذي اقترن في تلقيه بصفة الجرأة، والجرأة لا تقترن بالعمق والجدية، بقدر ما تتصل بالخفة والتبسيط. لكنها لا تلازمها دوما، فهناك جرأة تقترن بالعمق في الفهم، وهذا ما أشك فيه بالنسبة لهذا البيان، لذلك أقرن هذا البيان بالتبسيط لا بالجرأة.
علينا أن نلاحظ أن البيان في العادة يصدر في سياق عام، وهو يخاطب جمهوراً عاماً مُبيناً موقفا عاماً، وهو يحاكم في نقده وقراءته من قبل متلقيه بالحاظ هذا البعد. أي أن البيان وهو نوع أقرب إلى حقل السياسة، على خلاف المقال، يحاسب في ضوء قدرته على التعبير عن موقف عام مبني على قراءة الواقع العام قراء تفصّل التباساته. وهو يحاول ألا يتورط في إصدار أحكام إدانة ضد طرف من الأطراف المتصارعة في صياغة الواقع إذا ما كان هدفه إخراج الأطراف المتصارعة من دوامة الاقتتال والاحتراب.
مقدمة بيان المثقفين الشيعة الجدد لا ترفع التباساً بقدر ما تصدر حكم إدانة ”إن المتتبع لنشاط الطائفة الشيعية الكريمة في معظم أنحاء العالم وبالخصوص في الخليج العربي يلاحظ انشغالها شبه التام بالقضايا الطائفية والصراعات المذهبية ومناوشاتها التي لا تنقضي مع أختها الطائفة السنية الكريمة”.
البيان يصدر في موقفه من هذه الإدانة المستفزِة، ليس للعقل ولا للواقع، بل للمشاعر والمواقف. تحمّل جملة الإدانة التي يقوم عليها البيان، الطائفة الشيعية ما يحدث لأختها الطائفة السنية، وكأن هناك أختين إحداهما مشاكسة ومستفزة وتسبب المشاكل، وهناك أخت طيبة مسكينة تعاني من مناوشات أختها. وتبدو الأخت المناوشة لا همّ لها إلا استفزاز مشاعر أختها. هذا التبسيط المخل للواقع الذي تصوغه الأختان يجعل من البيان مبنياً على صورة مجازية لا تبين الواقع بقدر ما تزيده التباسا وغمامة، بل إنها صورة فقيرة ولا خيال خلاّق فيها يمكننا من رؤية الواقع المشحون بالصراعات رؤية نستبين فيها مواضع الخلل.
هل بالفعل الطائفة الشيعية في الخليج مشغولة انشغالا شبه تام بمناوشة أختها الطائفة السنية؟ أين نضع انشغالاتها واشتغالاتها السياسية الوطنية المطالبة بحياة ديمقراطية تقوم على المواطنة والحرية السياسية وتداول السلطة وعودة الحياة البرلمانية، وتجربة الإصلاح السياسي في البحرين، هي ثمرة من ثمرات هذه الاشتغالات والانشغالات السياسية، حتى قيل مسموح لكم أن تنشغلوا بالسياسة، لا أن تشتغلوا بها. مهما كانت نضالات الإسلام الحركي الشيعي مؤطرة بمنطلقات تصدر من تراث الطائفة السياسي والفقهي، فإننا لا يمكن أن نصادر على وطنيتها، ومهما كان اختلافنا السياسي ومهما كان اختلافنا الفكري أيضا. ولعل هذا الإقرار بوطنية المعارضة الشيعية، هو ما يجعل من تحالفاتها مع التيارات الوطنية أمرا واقعا ومقبولاً.
وهذا التحالف هو ما أزعج سياسات التشطير العمودي الذي مازال هو السياسة الفاعلة في نظام حكم الدولة، وهي السياسة نفسها التي تجعل المناوشات بين الأختين لا تنقضي دوما. لكن البيان لا ينص على هذه السياسة التي تمثل معطى موضوعيا يشكل ساحة الصراع السياسي والاجتماعي، هناك واقع موضوعي يشكله من يملك القوة، وعلى البيان أن يوضحه ويكشف دوره في صياغة شكل الصراع.
يبدو أن البيان يريد أن يتصالح مع هذه السياسية أكثر مما يتصالح مع فكرة الدولة وما تتطلبه من إصلاح ديني، فالبيان يدعو إلى التخلص من نظام التقليد والمرجعية في الفقرة 2 من البيان ”نعتقد بأن نظام التقليد والمرجعية الحالي لم يظهر إلا في المائتين عاما الأخيرة فقط ، وكان الناس قبلا يرجعون لأي رجل دين في مسائلهم الفقهية العبادية التقليدية من دون تخصيص ”لكنه يدعو في الفقرة 18 إلى إنشاء مرجعيات وطنية ”نطالب الشيعة العرب بالعمل الجاد لإنشاء مرجعيات دينية وطنية في كل البلدان العربية التي يتواجد فيها الشيعة”، كأنه يريد أن يجعل من المرجعية الدينية نظاماً بوحدة ضبط وطني (بمعنى محلي وليس بمعنى حقوقي دستوري) يسهل لهذه السياسة التي تقوم على التشطيرات العمودية التحكم فيها وإدارتها وتوجيهها بالطريقة التي تريدها.
من المعروف أن أنظمتنا (الوطنية) تريد هي وحدها أن تتحكم في استخدام الدين بما يحقق مصلحتها ويحفظ سلطتها ويسهل إدارتها للناس، وهي لا تريد مرجعيات دينية خارج نطاق نفوذ تحكمها، هذا ما تريده، لكن ليس هذا ما تريده حركة الإصلاح.
فالإصلاح لا يتحقق بجعل نظام المرجعية الدينية وطنيا محليا، بل بجعل المرجعية الدينية خارج لعبة الاستخدام والتوظيف من قبل السلطة السياسية التي مازالت دون فكرة الدولة بمعناها الحديث، ومن قبل التيارات السياسية والجماعات المتصارعة. أي لتكن الدولة خارج لعبة (طاعة ولاة الأمر) وخارج لعبة (ولي الأمر الفقيه).
إن هذا البيان قد وقع فيما وقع فيه بيان الليبراليين الجدد من تبسيط إزاء العناوين الأهم في حياتنا، كما تقول صرخة بيان المثقفين الليبراليين غير الجدد، كعناوين: (انسجام الشيعة مع أوطانهم وأخوانهم في الدين والوطن) و(السقطة الحضارية المهولة التي تعيشها الأمة العربية) و(ولاؤنا فقط لأوطاننا وشعوبنا وأمتنا) و(عدم الانشغال بمناقشة القضايا التاريخية، ونطالبهم بالتفاعل مع قضايا أمتهم وواقعهم المعاصر ومستقبلها).
حين تتحول هذه العناوين إلى مقدمات لا تتوافر على حساسية مرهفة في قراءة الواقع والتباساته، فإنها تعجز عن بيانه لأنها تعجز عن رؤيته، فتزيده التباسا، وتكون عرضة للاستخدام والتوظيف من قبل الأطراف المتصارعة، كما بدا الأمر من خلال بعض الجهات التي تلقفت خفة البيان بخفة في التوظيف.
البيان صادر عن سياق سياسي غير معلن، يرى في المحور الإيراني الشر كله، والمشكلة في مكمنها، وكأن أزمة الشيعة والعرب ستحل بمجرد انفكاكهم من المرجعية الإيرانية، وهذا ما تشي به عبارات البيان التي تكثر من استخدام كلمات الشيعة العرب وأوطانهم المحلية ودولهم الوطنية وولاؤهم لأوطانهم. وهذه نبرة قادمة من سياق سياسي، وليس من سياق ثقافي ولا اجتماعي ولا إصلاحي، والسياق السياسي محكوم بمصالح القوى المتصارعة لا برغباتها الإصلاحية. وهذا السياق يتخذ من التشكيك في الوطنية والولاء ذريعة لمهاجة خصومه السياسيين، تماما كما يستخدم المتدينون الكفر ذريعة لمحاربة خصومهم. ولا يليق ببيان إصلاح ديني يقع ضحية استخدام سياسي لا يعيه، وهذا بسبب التبسيط المخل أيضا.
في التبسيط أنت لست ضد الفكرة في ذاتها، لكن ضد أفقها وضد استخدامها وتوظيفاتها وضد نتائجها وضد ما تؤول إليه من تقريرات فجة. مثلا أنت مع فكرة إصلاح ديني ومع فكرة قراءة التكوين الداخلي التاريخي والعقائدي للطوائف، ومع فكرة تفكيك فكرة النيابة، ومع فكرة الحل العلماني، ومع فكرة تحرير السياسة من الدين. لكنك لست مع فكرة توظيف كل ذلك توظيفا سياسيا من قبل قوى متصارعة، ولست مع تبسيط كل ذلك بقراءته خارج سياقات الوضع السياسي والحضاري الملتبس في العالم العربي، ولست مع فكرة توظيف ذلك كإعلان حسن سيرة وسلوك أمام الآخرين، ولست مع فكرة تلفيق خطاب إصلاحي مفصل على وضع سياسي فاسد ومستبد ويعيد إنتاج الأزمات الدينية بأشكال مختلفة.
وهذا البيان بتبسيطيته الشديدة تجاه عناوينا الأهم في حياتنا، ينتج أزمة أكثر مما هو يوضح أزمة، وإحدى جوانب هذه الأزمة أنه جعل من خطابه برسم خدمة ورضاء السلطة السياسية من حيث يقصد أو لا يقصد، وأنه جعل من خطابه الإصلاحي خطاب تشهير وإدانة وإصدار أحكام تستثير ردود فعل مستفزة المشاعر. فعلى سبيل المثال قائمة الأحكام الشرعية التي يقول البيان ”لا نعمل ببعض الأحكام الشرعية التي يقول بها الفقهاء والتي ثبت أنها تخالف كرامة الإنسان وحقوقه الأولية، وهي كثيرة منها ما يلي: جواز الرق وملك اليمين واستعباد البشر .وغزو الشعوب والبلدان الأخرى بعنوان الدعوة إلى الإسلام، جواز الزواج من الطفلة الرضيعة والتمتع بها سائر الاستمتاعات وإرغامها بعد بلوغها على الجماع مع عدم أحقيتها في فسخ العقد”.
معظم الأحكام التي ذكرها البيان، هي جزء من تاريخ الفقه، وتعتبر هامشية وغير معمول فيها. وإبرازها في البيان، سيقرأ كنوع من التشهير وسيستثر الطرف المُشهّر به لوضع قائمة أخرى بالأحكام الفقهية التي تشهر الطرف الآخر وتحرجه.
http://alwaqt.com/blog_art.php?baid=8786
عن بيان مثقفي الشيعة..مرة أخرى
عبدالله العباسي
29 نوفمبر 2008
http://www.alwatannews.net/index.php?m=columnDetail§ion=44&columnID=151
عندما اتصلت بصديقي رئيس تحرير صحيفة الوقت الأستاذ فريد أحمد حسن لأستشيره في موضوع ما، دعاني إلى التريث وقراءة مقال كتبه علي الديري تحت عنوان (ضد التبسيط.. بيان مثقفي الشيعة) في صحيفتهم على اعتباره مقالاً مقنعاً قبل الشروع في كتابة بيان مماثل يتجاوب مع أصحاب بيان مثقفي الشيعة في تصحيح المسار.
وبالفعل تريثت لما بعد قراءة المقال، وحرصت أن لا أقرأه قراءة تبسيطية.
إن الديري يجد في أن مثل هذه القراءة أوقعت أصحاب بيان مثقفي الشيعة في أخطاء قاتلة تبدأ باستفزاز من دعاهم ليصحح مسارهم.
في الحقيقة لم أكن أتوقع أن مقاله يتقيأ حساً طائفياً وينطلق في تعليقه من كراهية واضحة للنظام السياسي باتهامه إياه أنه وراء سياسة التشطير وأنه وراء تعميق الخلاف بين مكونات الشعب.
وجاء مقاله تحريضياً ضد المثقفين الشجعان الذين كسروا التقاليد المعروفة لدى كلا الطائفتين الشيعية والسنية من أتباع الفكر التكفيري، فالمقال محاولة جادة ومضنية لإحباط هذه العناصر التي أرادت أن تنتشل أمتنا الإسلامية من مآزق الخلاف العبثي الذي يستذكر التاريخ ليظل الخلاف مشتعلاً، ما جعلني أسأل كاتبنا الفقيه أيهما الذي يستغل الدين لتشطير الأمة والشعب البحريني بوجه خاص: المرجعيات الدينية والمشايخ أم النظام السياسي؟
انتقد الكاتب تبسيطية طرحه ورأى أن ذلك يضاعف التأزيم ويستفز الطرف الآخر بدل أن يشجعهم على شجاعتهم ويشد على أيديهم بحرارة ويكون أول الموقعين بعدهم، وانتقد الكاتبة سميرة رجب التي أعلنت تأييدها للبيان والموقعين عليه في بلادنا عندما قال: ”كما بدا الأمر من خلال بعض الجهات التي تلقت خفة البيان بخفة في التوظيف”.
ورفض الديري أن يكون هناك انشغال لدى أمتنا العربية والإسلامية بالخلاف المذهبي، وكابر حين ذكر أن الأمة ليست منشغلة بذلك ولا يعتبر الخلاف شيئاً مذكوراً ونسي ما يجري بين النظام الإيراني وبين دول الخليج، وغالط نفسه حين قال: ”ولعل هذا الإقرار بوطنية المعارضة الشيعية هو ما يجعل من تحالفاتها مع التيارات الوطنية أمراً واقعاً ومقبولاً، وهذا التحالف هو ما أزعج سياسات التشطير العمودي الذي ما زال هو السياسة الفاعلة في نظام حكم الدولة”.
أود لو أسأل الديري إن كان يعتبر ارتباط التبعية بين جماعة وعد بالوفاقيين تحالفاً ينطلق من احترام متبادل، أم أنه تحالف بين يسار وجد نفسه بلا قاعدة فرمى بنفسه على طرف له قاعدة أوسع لعله يشعر بكيانه؟ وسقط هذا التحالف في أول اختبار له في انتخابات ,2006 عندما سقط عبدالرحمن النعيمي -شفاه الله- وإبراهيم شريف وسامي سيادي ما جعل أحد أركان إدارتهم وهو الكاتب علي صالح يصرخ في أكثر من مجلس أن ما جرى كان بمثابة خيانة لهم، وعلق الزميل علي أن ذلك كان من ثوابتهم وما نجاح الدكتور عبدالعزيز آبل الليبرالي القومي ودعمهم له حسب ما يروجون إلا غلطة يكادون يندمون عليها، وما يفعله الوفاقيون وعدد من الجمعيات التي أسست على نهج طائفي ويحاولون أن يخفوا مآربهم متظاهرين أن منطلقاتهم وطنية، فهل من يرمي بنفسه في أحضان نائب يهودي في الكونغرس الأمريكي مثل فرانك وولف بحاجة للنظام السياسي لتشطيره رأسياً أو أفقياً؟! فهم مشطرون وجاهزون.
وما يزعج علي الديري أن تبرز مجموعة من المثقفين تريد بطرحها التبسيطي إنهاء ثقافة الاختلاف والكراهية باستدعاء الماضي، ما جعله يصفهم بالجهلة حين قال: ”ولا يليق ببيان إصلاح ديني يقع ضحية استخدام سياسي لا يعيه”، وحين يقول الكاتب المحبط لأصحاب البيان: ”وهذا البيان بتبسيطيته الشديدة تجاه عناوين أهم في حياتنا تنتج أزمة أكثر مما هو يوضح أزمة جعل من خطابه برسم خدمة ورضاء السلطة السياسية من حيث يقصد أو لا يقصد”.
وبدل أن يشجعهم ويقول خيراً فعلتمُ إذ به يهددهم ويخيفهم على جرأتهم وخروجهم على تقاليد طائفتهم ممن يرون ضرورة بقاء الجميع حتى الطبقة المثقفةُ مسَيراً من قبل المراجع الدينية عندما يقول: ”إنه جعل من خطابه الإصلاحي خطاب تشهير وإدانة إصدار أحكام تستثير ردود فعل مستفزة للمشاعر”.
ترى ما يفعله نواب يسافرون إلى الخارج للإضرار بهيبة بلدهم والإساءة إليه؟ ألا يستثير المشاعر؟ ترى من يستمد من المشايخ والمرجعيات تعليماته من قم ثم يعيد إنتاجه إلينا ليوتر العلاقة بين مكونات الشعب؟ ألا يستثير المشاعر؟
من موقع جريدة الوقت:
تعليق #1
طرح متوازن حصيف…
شكرا لتوضيحك للامور التي قد تلتبس على المتلقي البسيط
صفاء الأحد 23 نوفمبر 2008
تعليق #2
لا يمثلون الشيعة و كلهم غير معترف بهم من قبل الشيعة …
Menthol الأحد 23 نوفمبر 2008
تعليق #3
السيد علي الديري، أشكر لك تصديك لنقد ما لا ينتقد في العادة، خاصة وأنني أعتقد بأن قراءة كل هذه النصوص والبيانات لتفكيكها لا تخلو من السأم والملل في كثير من الأوقات. ولكن أحببت أن أعرف هل قولك إن المثقف لا صفة دينية له هو حقيقة أم رأي شخصي أو رأي اتجاه معين، فإن كان حقيقة فما دليله؟
قارئ الأحد 23 نوفمبر 2008
تعليق #4
الكاتب / علي الديري تحية تقدير على هذا المقال ، فعلاً البيان بما فيه من ( التبسيط ) إلا أنه يحمل في طياته الكثير .
وفعلاً ما ذهبت إليه في مقالك بأن (( أنضمتنا الوطنية تريد هي وحدها أن تتحكم في استخدام الدين بما يحقق مصلحتها ويحفظ سلطتها ويسهل إدارتها للناس )) .
البيان يحمل في طياته التشكيك في الوطنية والولاء ، وهذه ( النبرة ) إعتاد عليها أبناء الطائفة الشيعية من الذين يكيلون لهم الاتهامات في كل تحرك ولو كان ( وطنياً ) بامتياز ، بعنوان أن هذه الطائفة ( الشيعية ) لهم أجندة وولاءات وأديولوجيات خارجية لاتمت للوطن بصلة .
والبيان فيه من التشهير والادانة لفريق معين وإرضاء للسلطة ، بأن تخرج أبواق تحرك فكرة الاصلاح الديني في الطائفة الشيعية بدلاً من المطالبة بإصلاح السياسة التي يتبعها نظام معين .
الغريب في الأمر أن يخرج نفرٌ يدعي الثقافة لا يكاد يخرج في عدده عن عدد الأصابع ؛ بإصدار بيان وكأنهم يمثلون المثقفين العرب ويتحدثون بإسم الطائفة الشيعية وفيهم أحد الموقعين على البيان عليه المؤخذات الكثيرة ومشكوك في ( تشيعه ) يتهجم على الطائفة بكتابات بات الكل يعرفها ؛ وهنا لا أود التشهير .
لست من الذين يدعون إلى تكميم الأفواه وتقييد حرية التعبير عن الرأي ، فوسائل التعبير متاحة عبر قنوات كثيرة وإن كان هناك تقييد لحرية التعبير .
والكل يدعو إلى الاصلاح الحقيقي سواء في التيار الديني أو في الجمعية أو حتى في الأفراد أنفسهم ، فهناك من يدعو إلى تجديد وضخ دماء جديدة لتزعم تيار معين كما يحدث للجمعيات سواء السياسية منها أو الاجتماعية أو الدينية .
البيان ( التبسيطي ) الذي صدر من الإخوة ( المثقفين ) يدعو إلى تغيير الفكر لدى أتباع التيار الشيعي في طريقة التقليد المتبعة منذ سنوات طويلة ، وابتداع طريقة ( مسايرة للأنظمة ) دون تحديد لمرجع معين في التقليد ! ويؤكد البيان على أن الموقعين عليه سيواجهون انتقادات حادة من عامة الناس .
الموقعون على البيان لم يعبؤا بما سيواجهونه من انتقادات ؛ لأنهم يدركون جيداً بأن إصدار هكذا بيان وفي هذا الوقت بالذات سيشكل حرجاً لهم وشكوك بمغزى إصدار بيان من هذا النوع وفي أمور حساسة تمس الطائفة الشيعية الكريمة .
نقطة أخيرة أود إضافتها بتعليق ( تبسيطي ) على هذا البيان ؛ بأنه بيان تحدٍ ويحمل الجرأة وفرقعة لا غير ، وسحابة صيف تنجلي بعد حين ، وتتكشف الحقائق ، بتوضيح الصورة الحقيقية عبر مقالات واعية تزن الأمور ؛ كما مقال الكاتب / علي الديري .
وأجدد التحية لك .
حسن مقداد الأحد 23 نوفمبر 2008
تعليق #5
” علي الديري ” شكراً لك على هذه المقال ،، والحقيقة أني قرأت مقالك قبل بيانهم الذي بلا بيان !!!!!!!! كنت أضحك على بعض الجمل في كتابتهم وربما أضحكت آخرين .. منها < <.... فمن أجل ذلك اتفقت إراداتنا على أن نصدر البيان الذي يوضح عقائدنا و ....>> .. وكأنه بيان صادر من الحكومة العليا في العالم من ذلك البرج الرفيع ولربما هو برج الأحلام !! ..لكني أحترم بعض الجمل منها “نرفض رفضاً باتاً قذف الخلفاء …” هذا ما يدعو له كل عاقل فلم يأتوا بجديد.. ” ونطالب بتجاوز كافة عبارات الشتم والسباب و اللعن الواردة ضدهم في التراث الشيعي” : هذا التراث هو فضالة أقلامهم وأقلام غيرهم من خطباء ورواة حديث ومحدثين يضيفون الخرافات وغثيث أحلامهم وأوهامهم ورؤاهم العاجيّة على النصوص ويرسمون المفاهيم كما يرون ..
وكما تفضلتَ ” البيان يصدر في موقفه من هذه الإدانة المستفزِة، ليس للعقل ولا للواقع، بل للمشاعر والمواقف”
و أخيراً شكراً لكل قلم حر .. وغير مستبِدْ ..
زهرة العزيز الأحد 23 نوفمبر 2008
تعليق #6
بالنسبة لي.. لاظن أحداً يستطيع أن يضيف على ماكتبت او يوضح بأكثر وأبسط ما أوضحت.
لا أبالغ.. هذا مقال يستحق أن ينشر ويوزع.
شكراً لك ايها الكاتب الكبير الأستاذ علي الديري
سائح الأحد 23 نوفمبر 2008
تعليق #7
و هل يريد هؤلاء الذين حسبوا انفسهم على المثقفين أن يقودوا دفة المذهب الذي وضع اساسه الأئمة عليهم السلام
فمسألة التقليد و الخمس و غيرها من المسائل ليست بدع ابتدعها علماء الامامية لحاجة من حاجات الزمان حتى يأتي يوم نحتاح أن نتخلى عنهم
محمد الحايكي الأحد 23 نوفمبر 2008
تعليق #8
اسمحوا لي أيها الأعزاء أن أعتبر هذا المقال، بياناً ضد التبسيط، وضد اتبسيط العناوين الأكثر أهمية في حياتنا، وسأبادر بالتوقيع على هذا البيان بعد كاتبه علي الديري.
ولمن يرغب في المبادرة أن يترك توقيعه هنا، في موقع صحيفة الوقت، ليكون هذا الموقع الوقت مكاناً ضد الخفة وضد التبسيط وضد التسطيح.
بيان علي
بيان علي الأحد 23 نوفمبر 2008
تعليق #9
صديقي العزيز أبا باسل، مقال جميل وعلمي، ونقد موضوعي لبيان الأحد عشر.
أجمل ما قرأت حول البيان.
دمت موفقا
حسن الأحد 23 نوفمبر 2008
تعليق #10
الذي يقرأ (بيانهم) يرى انه متطابق بعض الشئ مع افكار واطروحات جمعية التجديد وخاصة المتعلقة برفضهم للمرجعية الدينية ولا استبعد ان يقوم اعضاء الجمعية بالتطبيل لما يسمى ببيان (المثقفين الشيعة)!!!!!
جلال الأثنين 24 نوفمبر 2008
من موقع راصد:
http://208.78.41.209/artc.php?id=25413
majdi hassan
23 / 11 / 2008م – 10:29 ص
لقد نجح موقعوا هذا البيان الهزيل ومن أول بيان “تجربة” لهم أن يتلاقفه الأعلام لاستخدامه الاستخدام الأمثل خصوصاً في مثل هذه الأيام والأيام القادمة، حتى مع اختلاف “المثقفين الشيعة” الموقعين عليه بعيد ظهوره، هذا الاهتمام المبالغ فيه بهذا البيان يجعل المرء لا يستغرب أن ينتهي هذا الاهتمام بإضافة هذا البيان بأحد كتب الصحاح حتى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. هؤولاء الذين أنعم الله علينا بوجودهم يدركون أن تكرار كلمة الأبستمولوجيا لا تحقق الكثير من الشهرة مقارنة بما يحققه التعرض الأعمى لمعتقدات ومشاعر الناس، هؤولاء يتعرضون للدين على أنه ثقافة، و يتناولون الثقافة على أنها وجهة نظر، كل ذلك دون أن يلزموا أنفسهم بأخلاقيات وأدبيات الحقل الذي يتطفلون عليه، يدعى أحدهم أنه يكتب أدباً ثم لا يقبل من أحد أن يصحح له أخطاءه الإملائية ، ويقحم أخر نفسه في علم الحديث والرواية معتمدا على كتاب قرأه دون أدنى دراسة لهذا العلم ومتجاهلاً كل قاعدة ليس له علم بها. هؤولاء يجبرون الناس على التعامل معهم كما نتعامل مع الأطفال المراهقين الذين نسعى لاستدراجهم لقبول النصح نهاراً والدعاء لهم ليلاً .
أبو أحمد
23 / 11 / 2008م – 6:43 م
أحسنت أستاذ علي على هذه القرأة العلمية الذي وضعت النقط على الحروف
hadihood
[ sa – qatif ]: 23 / 11 / 2008م – 10:16 م
قراءة موفقة جدا لبيان ألـ 11 ؛ ولم أجد فيمن كتب ردا أو قراءة تحليلية للبيان كما كتب علي أحمد الديري ؛ ولكن لي عليه عتب حول موضوع آخر وهو : هل انتهت كل النظريات ومات كل أصحاب التنظير حتى جعلت دراسة متكاملة مستقلة لظاهرية ابن حزم فخصصته بوقت وجهد وورق وطباعة ؛ مع أن ظاهريته قد أوردته فيما تعلم من اشتباهات ومهالك !!
د. علي محمد الحمد
[ الولايات المتحدة – سان أنتونيو ]: 23 / 11 / 2008م – 10:32 م
أفضل ما كتب حتى الآن حول هذا الموضوع. إذ قدم لنا علي الديري قراءة عميقة في البيان تخلو من ردات الفعل و من المحاولات الدفاعية عديمة الجدوى.
كما أنه أثار نقطة في غاية الأهمية وهي أن القراءة العميقة للواقع تعطينا قاعدة ثابتة نستطيع من خلالها تصور توجهاتنا المستقبلية وتمكننا من صياغة خطابنا بشكل متناغم مع هذه التوجهات دون استثارة للفئات المستهدفة من هذا الخطاب.
تحياتي.
زهراء السيد محمد الموسوي
[ الدمام – المحمدية ]: 24 / 11 / 2008م – 11:54 م
يا ليتنا نتعلم من هذا الديري كيف نتقبل الرأي الآخر ونناقشه ، ثم يا ليتنا نتعقل قليلاً كي لا نتسرع في الحكم على الآخرين . البيان يا سادة خطوة نحو تصحيح الذات الجمعية ، علينا أن لا ننكر إن هناك أخطاء كبرى وإرث تاريخي كبير ، بقي أن نمضي صوب ظل يقينا من الحر ، لذا وذاك نحن بحاجة للغة راقية ، وجرأة في مواجهة أنفسنا ، وهذا ما يفعله علي الديري في كل مقالته ، هو يسعى لصنع وعي قادر على قراءة الجماعة وعدم التفريط في الآخر أو الإساءة إليه اعتمادا على معطيات تاريخية يشوبها كثير من الشك ، علي بحق كاتب جميل .
موقع آرام:
http://www.aaramnews.com/website/50958NewsArticle.html
بيان «المثقفين الشيعة»..
تيار شيعي جديد.. أم ارتدادات الهويات المتصدِّعة؟
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=141467
الوقت – نادر المتروك:
مخطئ منْ قرأ، ويقرأ، ما سُمّي ببيان «المثقفين الشّيعة»(i) – الصّادر نهاية الشّهر الماضي – بمعزلٍ عن ثلاثة معطيات سبقت صدور البيان وبعضها لحقت به. الأول، أنّ هناك خصوصيّة ثقافيّة للمثقفين «الشّيعة» في السّعوديّة خصوصاً، عبّرت عنها الحراكاتُ وسلسلة الإصدارات غير العاديّة التي يزخر بها المشهد السّعودي بالمقارنة مع غيره، وهذه حقيقة ذات أهمية معتبرة في توليد أكبر عددٍ من القابلين للانخراط في خطاب انتقاديّ شبه صارم، على النّحو الذي ظهر به البيان المذكور. المعطى الثّاني، والتابع للأوّل، يتعلقُ بالتحرّك الاستثنائي الذي تشهده منطقة القطيف في السّعودية مطالباً بإحداث معالجة جديدة للخمس، وهو إحدى الفرائض المالية في المذهب الشّيعي. ومنْ يتجاوز هذا الحدث – وبغض النظر عن حجمه الفعلي وامتداداته على الأرض – فإنه لا شكّ ستفوته الكثير من السّياقات التّوضيحيّة للبيان، خصوصاً أنّ الأخير جاء محصّلة طبيعيّة للتحرّك المطلبي المشار إليه.
أمّا المعطى الأخير فيخصّ ردود الفعل التي تلت صدور البيان، بما في ذلك الردود العكسيّة التي تجلّت في مصدّري البيان، من الثابتين عليه والمتراجعين عنه. هذه الرّدود تُتيح الوصول إلى مناطق معرفيّة أخرى لإشكال الخطاب النقدي في المجتمعات الإسلاميّة المعاصرة، وخصوصاً تلك المجتمعات التي ترزح تحت مخاضات عسيرة على إثر الصّراعات غير الحاسمة بين القوى التقليديّة والجماعات الإصلاحيّة.
وفيما يتعلّق بهذا المُعطى، فإنّ هناك تأكيداً يُقدّمه أكثر من طرفٍ ذي صلة بالبيان والمصدّرين له، حيث يذهب هؤلاء إلى أنّ القسوة التي طغت على ردود الفعل «لها ما يبرّرها» ولم تكن «مستغربة على الإطلاق»، بل هناك منْ كان يتوقّع حدوث ما هو أكثر حدّةً و «أن تبدأ المنابر وخطباء الجمعة في إصدار الأحكام والفتاوى القاطعة والمقاطعة بحقّ الموقّعين على البيان»، وذلك بالمقارنة مع حوادث سابقة أقلّ وقعْاً وأضيق حجماً من «حادثة البيان، ولكنها استدّعت استنفاراً خطابيّاً وغضباً جماهيريّاً اُسْتخدِمت فيه عباراتُ التّضليل والتّحذيرُ المغلّظ».
لم يحدث كثير من هذا العنف اللّفظي والتّأليب الاجتماعي، وفي هذا السّياق يُسجّل المتابعون «غياب ردّ فعل الشّارع الدّيني في البحرين، بالنّظر إلى ما يتميّز به من تحفّز إيماني متيقّظ وحماسة غيورة»، فيما يُعلّل هذا الغياب بعدم وجود أسماء بحرينيّة من بين الموقّعين، كما أنّ بعضاً من المثقفين البحرينيين ممن عُدّوا أنصاراً افتراضيين للبيان، بادروا إلى تسجيل أولى الملاحظات النقديّة وإظهاره مُحاطاً بالتّبسيط والعلامات الأيديولوجيّة. قبل كلّ ذلك، كيف قدّم الموقعون توضيحاتهم؟
«البيان» في نظر الموقّعين
لا يُخفي رائد قاسم، أحد الموقّعين والمؤسّسين للبيان، الحاجة إلى إعادة صياغة البيان وتهذيب عباراته. وهذه أبرز الآثار وأسرعها ظهوراً بُعيد ردود الفعل، ولكن قاسم ينفي كلّ القراءات التي حاولت تقديم إسقاطات متوهّمة من قبيل «إثارة الفتنة أو العمل وفقاً لأجندة داخليّة أو خارجيّة»(ii)، ويضطرّ إلى تسجيل إعادة انتساب للمذهب والافتخار به والمحبّة له ولرجال الدّين الذين لا يمكن الاستغناء عنهم، وذلك بعد أن كانوا محلاًّ مركزيّاً للنقد في البيان.
لا يعني ذلك التّنازل عن جوهر البيان، وإنما هي إعادة موْضعة لفظيّة تطلّبتها الهجمة الشّرسة التي شُنّت، وكذلك الشّعور الذّاتي بالانفعال والتسرّع الجزمي في الصّياغة. عدا ذلك، فإن قاسم لا يُقدّم أيّ تراجع عن أهم أفكار البيان، فرفض بعض الأفكار والأحكام الشّرعيّة هو «حقّنا المكفول ولنا فيها وجهة نظر صريحة وواضحة، ومعظمها عبارة عن اجتهاداتٍ قابلة لإعادة النظر، ونحن ندعو الفقهاء الكرام إلى مراجعتها وتقييمها من جديد».
ويوضّح قاسم الأساس الفكري لهذا الموقف بالإشارة إلى أن «العقائد بشكل عام معظمها تكون نتيجة عوامل وتراكمات وتحولات مختلفة، وليس لأحد في أغلب الأحيان ادعاء كونها تمثل الحقيقة المطلقة»، واضعاً المواطنة والتعالي على الصراعات المذهبية والإصلاح الدّيني شرطاً غير قابل للتنازل في حال الرّغبة في الوصول إلى التّسامح والوئام العام.
الباحث العراقي أحمد الكاتب يضع توقيعه على البيان انسجاماً مع توجّهه الرّاغب في كسْر الفاصلة المذهبيّة التّاريخيّة، والتي تنبني – بحسب رأيه – من خلال إعادة النّظر في قائمة من المعتقدات التي مازالت راسخة في العقل الشّيعي وفي مصاف المسلّمات لديه، وأوّلها الإمامة. ورغم أنّ الكاتب يجد أنّ البيان انشغل بقضايا هامشيّة، رغم أهميتها الواقعيّة، إلا أنه يراه حراكاً مهماً وتعبيراً عن فكر جديد بدأ يتبلور على نطاق واسع بين الأجيال الشيعية المعاصرة(iii). إنها القيمة ذاتها التي يرصدها الإعلامي تركي الدّخيل وهو يتحدّث عن «شيعة معترضون»(iv). أمّا الكويتي الوحيد الذي شارك في البيان، طالب المولى، فلا يُخفي الطموح التجديدي للبيان والرّغبة في كبح جماح «الهوس الدّيني».
كان المولى مستجيباً لعرض التّوقيع على البيان، ولم يكن من المؤسّسين، وهو ما ينمّ عن تبنّيه المسبق لأي مبادرة تُحرّك أجواء الإصلاح الدّيني الذي بات ضرورة وانطلاقاً من شعور «القلق المعرفي» الذي لا ينبغي أن يهدأ(v). وفي حين يصْعب العثور على موافقة صريحة على البيان من جانب رجال الدّين، فإنّ ثمّة تكوينات من هذه الطبقة لا يُستبعد أن تُقدّم موافقات معيّنة لها، وقد صرّح السّيدعلي الأمين – المفتي اللبناني السابق – بموافقته لمؤدّى البيان انطلاقاً من الهدف الرّامي إلى «تجذير علاقة الشيعة العرب بشعوبهم ودولهم وأوطانهم»، كما أنه لا يجد غضاضة في «إعادة النظر في جملة من العادات والتقاليد التي ليس لها أصل في الشرع الإسلامي»، وأن «يقيم الشيعة شعائر الدين وفق ما أمر به أئمة أهل البيت»(vi).
المراجعة.. والخروج من الانفعال
قبل الوقوف عند بعض ردود الفعل التي اتّسمت بمواقف غير مفاجئة، فإنّه من المهم التّنبيه إلى المواقف النقديّة الدّاخليّة التي تحرّكت بين الموقعين، وقد لمسنا جانباً منها في كلام رائد قاسم نفسه. وهذه ظاهرة طبيعية مع ملاحظة أنها تجربة مليئة بالمغامرة الثقافيّة والوجوديّة، وأغلب المساهمين فيها ليسوا من المعروفين، وينتمون إلى الطبقة الثقافيّة المهمومة بقضايا الحريّة والاعتدال والتّسامح، كما أن التسرّع وزجّ الأسماء من دون علمها بالصياغة النهائيّة يُنبئ مسبقاً عن العواقب المحتملة. وجديرٌ التوقّف عند المراجعة التي قدّمها الكاتب السّعودي نذير الماجد في «إشراقات» الجمعة الماضية(vii).
كما أنه في مراسلةٍ خاصة يوضّح نقاطاً أخرى لانسحابه من التوقيع، حيث يقول إنّ «الصّياغة المتبعة من قبل المحرّر في بعض الفقرات تتسم بطبيعة تقريرية تجعل من البيان عبارة عن إملاءات عقدية على درجة مفرطة من الوثوقية، وهو الأمر المستبعد تماماً من قبل الفكر النقدي الحذر في تعاطيه مع مثل هذه القضايا». كذلك فإنّ الماجد يرصد وقوع البيان «في التباس التجاذب والاستقطاب المذهبي الفج في أحاديته، وهو أمر يتبدّى من خلال نفَس يشتم منه رائحة الانحياز لاتهامات سنية ضد المذهب الشيعي». يرفض الماجد هذه الرّوحيّة، ويُشدّد على «أن الخلفية الفكرية في لاوعي الخطاب الذي يمثّله البيان، تنزعُ للمقاربة العلمانية المعرفية البحتة والتي تبتعد عن أن تكون مجرد رفض لهذه المقولة أو تلك لتصل في النهاية إلى رفض معرفي للممحاكات العقدية التي تكرّس التنافر الطائفي والأحادية واحتكار الحقيقة».
ولكنه يتأسّف من إخفاق «البيان إلى حدّ كبير في الانسجام مع هذه الخلفية»، في الوقت الذي يُبرّر لمحرّر البيان بالإشارة إلى وعيه لهذا الالتباس «ولكنه كان يقصد أن هذا البيان خطوة ستكون عقيمة فيما إذا لم تتبعها خطوة مماثلة داخل المذهب السني، ولهذا تعمّد في توجيه الخطاب وحصره في الواقع الشيعي فحسب».
ردود الفعل.. والدخول في السجال
هناك ردود قليلة حاولت التمثّل بالنقد الهادئ وحصْره في فكرة البيان وخلفياته، وإلا فإن أغلب الرّدود كانت انفعاليّة وزاخرة بالتوصيفات الضّديّة، من قبيل «الجهل المركّب» والإيحاء بالعمالة للأميركان والصّهيونيّة، وغير ذلك من النّعوت المشخصنة. ومن بين الرّدود التي حاولت محاورة فكرة البيان، ما صرّح به السّيدحسن النّمر لصحيفة «الوطن» السعوديّة، وتطرّق إلى عددٍ من الملاحظات الواردة على البيان، ومنها الخلط في منهجيّة البحث بين الموضوعات العقيديّة والموضوعات الفقهيّة، وكذا الخلط بين الدّواعي الفكريّة والدّواعي الاجتماعيّة في الرفض، ولغة التّحامل على الفقهاء ومراجع الدّين، واستحضار بعض الأدوات السياسية والطائفية، والتنكّر لبعض ما يعدّ من ضرورات مذهب التشيّع، منتهياً إلى أمنية من الموقعين بالاحتذاء بـ «التطور العالمي الذي يدّعون أنهم يتفاعلون معه في بثّ ثقافة الحوار بين الأديان التي لا معنى لها إلا التسليم بوجود الأديان أولاً وتحاور أصحابها بعد تفاهمهم ثانياً، أما التحريض على المذاهب فهي دعوة متخلفة عن ذلك بكثير»(viii).
لقد جاء البيان في سياق حملة انطلقت منذ فترة بشأن موضوع الخمس، وهي ملاحظة يصرّ الماجد على تثبيتها، والحملة هذه يعكف عليها «مجموعة من النشطاء والمثقفين في القطيف تستهدف إشكالية الخمس في التطبيق، بل وفي مستوى النظرية أيضاً»، وقد «اشتملت هذه الحملة على مجموعة من المقالات تبعتها عريضة مفتوحة للتواقيع والتأييدات من الناس لكي ترفع في النهاية إلى المرجعيات»، و«لكن ما يؤسف له هو إهمال رجال الدين في تعاطيهم مع هذه المطالب الشعبية لهذا جاء هذا البيان أيضاً ليؤكد على هذه المسألة الحساسة».
ولكن المشكلة أنّ البيان سقط في «التبسيط»، فبدا معاكساً لتوجهات أصحابه أنفسهم. إنها المؤاخذة التي يسجّها الناقد البحريني علي الدّيري، حيث تلبّس البيان بسلوك الإدانة المتجاوزة للمشاعر، وفقدان الرؤية الصحيحة لقراءة الواقع «وهذا البيان بتبسيطيته الشديدة تجاه عناوينا الأهم في حياتنا، ينتج أزمة أكثر مما هو يوضح أزمة، وإحدى جوانب هذه الأزمة أنه جعل من خطابه برسم خدمة ورضا السلطة السياسية من حيث يقصد أو لا يقصد، وأنه جعل من خطابه الإصلاحي خطاب تشهير وإدانة وإصدار أحكام تستثير ردود فعل مستفزة المشاعر» (ix).
؟ الهوامش:
حول البيان، انظر: «الوقت»، ع ,1005 الجمعة 21 نوفمبر .2008 وقد طالب بما أسماه تصحيح مسار الشيعة عبر المواطنة ورفض جملة من المعتقدات ونقدها والدعوة لإعادة تنظيمها، مثل ولاية الفقيه والتقليد والخمس. وقد وقّع عليه 11 كاتباً، كويتي واثنان عراقيّان والبقية من السّعوديّة.
ii موقع «الحرّية والحقيقة»: http://www.alhuriya.net/
iii انظر: موقع قناة «العربيّة»: http://www.alarabiya.net/
iv تركي الدّخيل، «شيعة معترضون»، صحيفة «الوطن» السعوديّة. ع 23 ,2977 نوفمبر .2008
v انظر حوار صحيفة «الأنباء» الكويتية مع طالب المولى، 25 نوفمبر ,2008 ص .5
تدور أحداث هذه الرواية في بغداد حيث رائحة الموت والدم تنتشر في كل أرجاء بغداد وغيرها من الأقاليم وفي الفصل الأول من الرواية قام الكاتب بتصوير واقعي للحياة في بغداد وأن الوظيفة الوحيدة المتوافرة بها هي دفن الأموات حتى من يقوم بهذا العمل يقوم به بالمجان ويستمتع بالحياة. وسط الجثث وفي هذا الوقت يأتي إليه أشخاص لا يعرفهم وبينهم امرأة عربية ثم ينتقل الكاتب ليقول أن الأمريكان يحاولون كشف المقابر الجماعية حتى يكسبوا ود العالم وكأن الكاتب أراد أن يقول من السبب في موت هؤلاء الأشخاص وكأن الكاتب أراد من خلال روايته أن يوثق للتاريخ فقد قام بإحصاء عدد المقابر الجماعية وعدد الجثث التي بها وكذلك فإن الكاتب أراد أن يدلى بشهادته للتاريخ حول الفترة التي سبقت الاحتلال وكيف أن من أعدموا حتى عظامهم ترفض الخروج من مقابرها ثم انتقل الكاتب هنا ليقول أن الزبانية لم يكتفوا بالقتل بل قاموا بتعذيب الأشخاص قبل قتلهم وأن الكثير منهم مات مسموماً ثم قام الكاتب بإظهار مدى طيبة وعطف العربي حتى على الحيوانات وكيف أستطاع أن يشعر بالألم التي تعاني منها الكلبة وأستطاع علاجها ثم أراد الكاتب أن يوضح في فصل أحزان الموت لم يكن مصيرا للكبار فقط وإنما للصغار وكذلك فإن الموت في العراق لم يكن مصيراً للمسلمين فقط وإنما لغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى رغم أنهم كانوا يعيشون معاً في سلام وأمان ولم يتسنى الكاتب أن يظهر مدى حضارة بلاد العراق فقد أسهب في وصف حضارة العراق حتى أنهم وصلوا إلى درجة عالية من احترام الأموات وبعد ذلك أراد الكاتب أن يذكرنا بأن الموت والخراب والدمار لم يلحق ببغداد فقط وإنما كذلك أصاب كل جزء من أجزاء العراق فالبصرة والنجف امتلئوا بالجثث وكأن الموت لم يفرق بين مسلم سني ومسلم شيعي وقد قام الكاتب بدور المؤرخ حينما ذكر أن أكبر مقبرة على الكوكب بها مسلمون هي مقبرة النجف وقد كان الكاتب متشاءم إلى أكثر درجة من التشاؤم حينما ختم روايته بمشهد خروج الابن من بيته وقد كانت الخاتمة للرواية شديدة الحزن حتى أن الكاتب استخدم أبيات من الشعر والذي هو أبلغ وأعذب الكلمات في إظهار الحزن والألم التي يعاني منها الكاتب لما وصل إليه حال دولة تملك الحضارة والثقافة والمستقبل ولكن الأيدي الخافية جعلت من هذه الأرض أرضاً للموت حتى الأمل الذي يمثله الشباب خرج من بغداد وكان خروجه مهمشا وكأن الموت و الإهانة و الأحزان والألم هم الحقيقة الوحيدة في العراق.
رجاء التكرم من سيادتكم بالرد
ولسيادتكم عظيم الشكر وجليل الاحترام