قال النائب حيدر الستري في خطبة الجمعة بمسجد فاطمة في سترة ”توهين القيادات العلمائية التي تدور في فلك الولي الفقيه هو توهينٌ لرسول الله (ص) وتقليل من شأن الأئمة المعصومين (ع)، ولا يبرّر احتمال خطأ غير المعصوم التقليل من موقعه لأن الله سبحانه وتعالى والرسول (ص) والأئمة المعصومين (ع) هم الذين قلّدوه هذه القيادة الإسلامية، القيادة الدينية الشرعية، على رغم عدم عصمته وإمكان وقوعه في الخطأ”[1]
إحدى التعليقات الظريفة في موقع جريدة ”الوقت”، التقط بسخرية بليغة مأزق استدعاء عصر أول الأمة، عصر الخلفاء الراشدين والأئمة المعصومين:”نعم قاسم كعلي(ع) في هذا العصر والسيستاني كمحمد(ص) والجودر كأبوبكر(رض) والمعاودة كعمر(رض) والمحمود كعثمان(رض)”.
حين تستدعي هؤلاء الفضلاء لن يأتوا وحدهم بصورتهم المثالية، بل سيأتون بسياقاتهم التاريخية الشديدة الاختلاف والتباين والخلاف، ستستعديهم، سيتحول استدعاؤك إليهم استعداء بينهم، بل واستعداء لوضعك السياسي والاجتماعي المبتلى بخلافات أول الأمة.لكن لماذا يستدعي السيد الستري، الإمام علي؟ ليس بالتأكيد لتنزيه الشيخ عيسى قاسم، فليس هناك اختلاف حول نزاهته وورعه وتقواه، وحنكته السياسية وحكمته الدينية.هو يستدعيه في سياق الاستعداء بينه وبين خصومه من حركة حق والتحرك الجديد (الوفاء الإسلامي)، وذلك من أجل إسكات حجج الأصوات المعترضة، إنه يريد أن يقطع، بحماسة مفرطة، على المشككين بصواب موقف الوفاق ومرجعيتها. الفيلسوف الإنجيلزي برتراند راسل ينبهنا إلى أنه ”كلما قل ما يبرر صواب رأي المرء زادت حماسته في توكيد عدم وجود ظل من الشك في أنه على الحق المبين”.
كيف ينفي السيد الستري ظل الشك؟ ليس بالحجة ولا بالعقل ولا بالإقناع بل بالتقديس الذي لا يقبل الرد، وباستدعاء التشبيهات الإسقاطية، وبالتفكير الأعوج الذي يعتمد مقدمات مغلوطة وتركيب أوجه شبه مزعومة وتحكيم أهواء سياسية وحزبية وعقدية. هذه التركيبة الإقناعية أو الإسكاتية تجسّدها ما سأسميه بمعادلة ولاية الفقيه.
معادلة الولاية عند أصحاب ولاية الفقيه تقوم على أن الولي الفقيه= الإمام المعصوم= الرسول. هذه المساواة تقتضي السلطة والحاكمية والتقديس والموالاة والطاعة وعدم الاعتراض والشبه الذي يصل حد التطابق إذا ما استثنينا العصمة. مأزق هذه المعادلة أنها تصادر على المعترضين، ليست هناك معارضة حقيقية في نظام هذه الولاية، فالمعارضة هي توهين للقيادة العلمائية التي تدور في فلك الولاية بما هي حاكمية إلهية.
إنه إذن، ليس مأزق خطبة السيد حيدر الستري، بل مأزق خطاب ولاية الفقيه الذي يصدر عنه الستري، والذي يصدر عن الشيخ حمزة الديري[2]، فهذا الخطاب قائم على معادلة الولاية، بتبسيطها المخل، وتسطيحها الشديد، تبسيطها الذي يسقط تاريخاً طويلا مليئا بالالتباسات، وتسطيحها الذي لا ينفد إلى عمق اختلافات المناخ السياسي. وإحدى علامات هذا التبسيط والتسطيح تحول هذه المعادلة إلى شعار جماهيري يستخدم من قبل السياسيين للتحكم في الشارع، ومغالبة الخصوم المنافسين، وتحولها كذلك إلى عقيدة ترفع في وجه المخالفين، للتكفير أو التشكيك أو التسقيط. المقولات الفكرية تختبر، حين تنزل أرض الواقع، وواقع مقولة ولاية الفقيه تعادل ولاية الإمام المعصوم التي هي نفسها ولاية النبي، في مختبرها البحريني، تنبئ بنتائج كارثية، في نظام التمثيل البرلماني. فإذا كان نظام التمثيل مضروباً أصلا من الحكومة، فهو مضروب كذلك من مقولة ولاية الفقيه. فالنائب السيد حيدر، هو ناقص التمثيل من جهتين، من جهة الحكومة وديمقراطيتها المنقوصة التمثيل، ومن جهة المرجعية الولائية التي تجعل نيابته تمثيلا لمعادلتها لا تمثيلا لإرادة الشعب الحرة من أي عصمة تقيدها.
معادلة الولاية هي توهين لنظام التمثيل الديمقراطي نفسه. لأنها تجعل من الديمقراطية تمثيلية، اللاعب فيها هو الفقيه، بولايته المطلقة وسلطته القاهرة، والقيادات العلمائية التي تدور في فلك ولاية الفقيه.
”أقول دون مبالغة أو مزايدة إن سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم هو علي هذا العصر في البحرين، ومن اشتاق لرؤية علي بن أبي طالب (ع)، ومن يتوق أن ينظر إلى عليّ (ع)، فلينظر إلى وجه سماحة الشيخ عيسى قاسم، لأنه كما ذكرت هو علي هذا العصر في البحرين في سماحته وحزمه، في رفقه وصراحته، في تواضعه وشجاعته، في زهده وعبادته، في وعيه وبصيرته، وفي تنمرّه في ذات الله والتزامه بقضايا دينه ووطنه وجعلها فوق كافة حاجاته ومصالحه الخاصة مهما بلغت أهميتها وخطورتها"[3].
الخطاب إساءة للشيخ عيسى قاسم، واستخدام لاسمه، وإحراج لمكانته، ومصادرة على الأطراف المناوئة له وللوفاق، لن نقول إن الوفاق تتحمل مسؤولية خطبة السيد حيدر، ولن نقول إن الشيخ عيسى يتحمل مسؤولية هذا التشبيه، لكنها تتحمل مسؤولية معادلة الولاية ونتائجها في خطابها العام، وخطبة الستري ومن قبله الديري، إحدى هذه النتائج.ولنا عودة لمعادلة الولاية.
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=11515
هوامش
[1]،[2] انظر جريدة «الوقت»،السبت 22 أغسطس .2009
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=176994
[1] انظر: علي الديري، عزازيل الوقت والتحرك الجديد، جريدة الوقت.
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=11322