يقول السيدحيدر الستري، في معرض دفاعه عن تشبيهه (قاسم، علي هذا العصر في البحرين) ”أنا على يقين مليون بالمائة، لو أنني – أبان حياة الأب القائد الراحل سماحة الشيخ الجمري (طاب ثراه) – لو استخدمت اسمه بدلاً من آية الله قاسم، فلن يفتح أحدٌ فمه، مع أن الرجلين قائدان من قادة التيار، كما أنه لم تكن هناك هجمة صريحة على المرجعية العلمائية في حياة الشيخ الجمري تستدعي استخدامي لذلك.. وهنا علامة استفهام كبيرة على المحتجين أن يجيبوا عليها”[1].
لقد وصف الشيخ عيسى قاسم هذا التشبيه بالخطأ: ”إنها كلمة خاطئة، وقد تجاوزت كثيراً تجاوزا غير مقصود، وسجلت جرأة غير محتملة”[2]، وهو وصف لا يغلق موضوع هذا التشبيه، بل أراه يفتحه، لكن لا يفتحه على التصيد والتشمت والمناكفة بين الخصوم السياسيين، بل على المراجعة والنقد لذهنية الخطاب الذي يصدر عنه هذا التشبيه.
ليست المشكلة في التشبيه، بل في البنية الذهنية التي يصدر عنها خطاب التشبيه. وهي التي تعطي للتشبيه معناه، ما البنية التي يصدر عنها تشبيه السيد حيدر الستري؟
يصدر عن بنية، ترى في ولاية الفقيه سلطة الأمر والقيادة ومكان الطاعة. وهي بنية عقائدية وسياسية وثقافية تجد في مفهوم الولاية أصلا تصدر عنه، من هنا سأخصص مقالاتي المقبلة في مراجعة هذا المفهوم من زاوية نقدية فكرية وليس من زاوية سياسية، لكنها زاوية تتخذ من خطابات السياسة موضوعاً لها تحلل من خلاله تطبيقات حضور هذا المفهوم في المجال العام من خلال خطابات السياسيين.
(المرجعية العلمائية) في السياق البحريني والتي يتحدث باسمها الستري تقدم نفسها، باعتبارها الممثل الشرعي لمفهوم الولاية، و(الهجمة الصريحة) على هذه المرجعية، هي في نظره ضرب لمفهوم الولاية، والتنافس السياسي والحركي بين (الوفاق) و(الوفاء الإسلامي)، هو تنافس على من يمثل هذه المرجعية. ويأتي تشبيه الستري، في سياق هذا التنافس. فالطاعة تستمد إلزامها وشرعيتها من هذه المرجعية.
هناك فرق بين الولاية بمعنى المحبة وما تقتضيه من تعلق روحي ووجداني، والولاية بمعنى السلطة وما تقتضيه من إلزام وفرض وطاعة وانقياد.
أتفق تماماً مع يقين السيد الستري (مليون بالمئة) فيما يتعلق بحال أفواه المعترضين على تشبيهه لو كان المشبه هو الشيخ الجمري، فالناس كانت ستفتح فمهما بالمحبة للشيخ الجمري، لأنه كان (ولي) بولاية المحبة التي له في الناس، لم يكن السياق السياسي في حياة الشيخ الجمري، قد فرز بعد تيار الولاية بمعناها القهري الذي يفرض الطاعة والإلزام في الانتخابات وفي طريقة العمل السياسي لجماعة سياسة معينة تمثل خط الولاية.
كانت الناس ستفهم التشبيه في سياق التمجيد والمحبة والتقدير للجانب الوطني الجامع الذي مثله الشيخ الجمري، تشبيه الستري لم يكن في موضع احتفاء بالشيخ عيسى، بل في موضع تعبئة جماهيرية، التشبيه يريد صياغة آلية اتخاذ القرار، وليس صياغة صورة احتفائية للشيخ، غاية تشبيهه الطاعة، طاعة ولي الأمر. وهذا ما أوضحه بيان المجلس العلمائي التبريري الترقيعي حسب وصف الزميل لبيب الشهابي، المساند لخطبته ”نحن نؤمن بمرجعيّة وقيادة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى) للساحة في البحرين، باعتباره الفقيه العادل الأمين، الشجاع المخلص الحكيم، ونوصي جميع المؤمنين بالالتفاف حول هذه القيادة الرشيدة”.[3]
الاحتجاجات التي أوردها الستري، كانت ستشفع له، لو كان غرض تشبيهه الاحتفاء الروحي والتمجيد الأخلاقي، لا الزج باسم مقدس في ميدان مدنس، وهو ميدان السياسة بملمحها التنافسي والصراعي واليومي.
من جانب آخر، ليس الموضوع موضوع التشبيه، بل الموضوع غرض التشبيه. لقد أخرج الستري غير الإسلاميين من دائرة الاختصاص بموضوع جواز التشبيه بالمعصوم، باعتبارها دائرة شرعية دينية ”غير الإسلاميين الذين يفترض عدم علاقتهم بالموضوع”[4]، لكن فاته أن الموضوع هو الغرض من التشبيه، وهذا لا يقع في دائرة الاختصاص الشرعي، بل في دائرة تحليل الخطاب، وهي دائرة تتسع للمختصين بتحليل الخطاب، وحتى للصحفيين المعنيين بمتابعة الشأن العام.
التشبيه الذي يقوله السياسي، يُؤوّل في سياق الأحداث السياسية التي تحف بخطابه. وفي تحليل الخطاب السياسي، علينا أن نلتفت إلى من يقول، وليس فقط إلى ما يقال.
من هنا لا معنى لسردياته التشبيهية في الاحتجاج لشرعية تشبيهه الخطأ ”سأسرد لعبدة الحروف، بعض الشواهد الدالة على صحة استخدام التعبير، تكفي أغبى الأغبياء”[5]
ربما له أن يحتج على من أشكلوا عليه بأنه أساء للإمام علي من الناحية الدينية بأنهم عبدة حروف، لكن ليس له الحق أن يشكل على من تجاوزوا منطوقات حروفه وراحوا يقرأون مقاصدها السياسية وأغراضها الحزبية وأصولها الفكرية، فهؤلاء ليسوا عبدة حروف، وليسوا عبدة نصوص.
نحن مع السيد حيدر في الخروج من عبادة الحروف، الذي يمليه شعار ”نحن عبيد النص” ونتمنى أن يفتح هو مفهوم الولاية إلى ما يتجاوز حروف الوصاية والطاعة والانقياد، وأن يُعرب هو حروف (قانون الأحوال الشخصية) إعراباً يخرجه من منطق الولاية بمعناها المنقبض، ليبسطها على قضايا الناس الملحة، كي نخرج من عبادة الحروف.
خطبة الستري هي نموذج لأزمة اشتغال مفهوم الولاية في الخطاب السياسي الشيعي، وهي تؤكد بأخطائها، حاجة هذا المفهوم لإصلاح حديث.
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=11574
هوامش
[1]،[4]، [5] انظر خطبة السيد حيدر الستري 28 أغسطس/ آب 2009م:
http://may2009.no-ip.biz/showthread.php?t=241167
[2] انظر خطبة الشيخ عيسى قاسم 28 أغسطس/ آب 2009م:
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=177780
[3] انظر موقع المجلس الإسلامي العلمائي: www.olamaa.com
مرحبا ديري
…
جميلة هذه الولاية حين تكون رديفة المحبّة
وما يحمله الناس باختلاف مذاهبهم و ذهاباتهم
للأمام علي بن أبي طالب ,يؤكد أن فكرة الولاية
ليست بسطلة قهر,على أن الناس أحبت علياً
لتلك الروح المضاءة بالحكمة والمحبة
لا الإلزام
ثانكس كثيرا