تروي الأسطورة أن الرومي في أحد الأيام أراد التفكر قرب إحدى البرك لكن الضفادع أزعجته بنقيقها فقال لها ”إن تقلن أحسن من هذا فقلن حتى نصمت نحن، وإلا فاستمعن” ولأمد طويل لم يسمع نقيق الضفادع في تلك البقعة[1].
الضفادع حيوانات برمائية لكن يمكنها أن تكون ظاهرة سياسية وإعلامية مهمتها إزعاج الميدان المشترك الذي تتبادل فيه الجماعات آراءها واختلافاتها وتدير فيه صراعاتها ومصالحها، بنقيقها الذي هو عبارة عن ضجيج مفتعل يأتي في صورة تهويل من خطر جماعة ما أو رأي ما أو ظاهرة ما أو خطاب ما. أو في صورة تسميم أو في صورة استنكار أو في صورة تحذير وتخويف بغرض إسكات الصوت الذي لا ترغب فيه.
يتحول الميدان المشترك أو الساحة العامة ”أجورا” بأجهزة الإعلام والصحافة والمنابر والمنتديات إلى مستنقعات ضجيج تترع فيها هذه الضفادع وتمرح وتستقوي على خصومها بفرض نقيقها على الساحة ولا تسمح لأي صوت أن يقول أحسن من نقيقها، بل إنها لا تسمح لأي صوت أن يتجرأ على أن يطلب منها أن تقول شيئا مفيداً أو تصمت، كما فعل جلال الدين الرومي، وتمكن بجرأته من أن يسكت نقيق الضفادع.
وجدت الدراسات المعنية بالضفادع ”أن ضفدعة السهام المسمومة الذهبية يفرز جلدها سماً يعد من أقوى أنواع السموم.. و تحتوي الضفدعة البالغة على سم يكفي لقتل 1500 إنسان”
والضفادع السياسية تملك سماً مدعوماً ونافذا ويملك قوة تدمير الحقائق، والمطالب الوطنية وتحويلها إلى مطالب تآمرية وتحويل الحقوق السياسية إلى حقول ألغام ترعب كل من يحاول مسها أو الاقتراب منها. إنها تسمم ظواهر الكلام وبواطنه فتتسبب بحالات إسهال حادة. والمثال البعيد القريب على تسميم هذه الضفادع السياسية للخطاب السياسي المعارض لبركها الآسنة، هو نقيق الضفادع التي اشتغلت على إيقاع رائحة ترشح محمد البرادعي للرئاسة دون أن تخشى من خبرته النووية والذرية.
لقد حرّك البرادعي بركته بحجر وصوله إلى مصر، وحركّت الوفاق بركتنا بخطاب أمينها العام، لقد كان حظي أسوأ من حظ الرومي فالرومي كان منزعجا من بركة واحدة وضفادعه احتكمت إلى كلامه العاقل، أما أنا فكنت واقعا بين بركتين، بركة الضفادع المصرية حيث كنت في زيارة إلى مصر، وبركة الضفادع البحرينية، وضفادع البركتين لا تحتكمان إلى حجة الرومي، بل تحتكمان إلى حجة ما الذي يريده منا صاحب البركة الذي هو صاحب البركة والذي هو صاحب المزرعة التي فيها البركة والبركة، بل إني كنت منزعجا من نقيق ضفادع حالتنا التي حالتها حالة، بسبب أني ظللت أياما أقلّب كلمات الخطاب الذي بلبل ضفادع البركة ولا أعثر فيه على شيء يفسر لي حالة استنفار الضفادع، وهذا ما ضاعف من حالة الانزعاج أكثر، حتى إني اضطررت أن أستعين بخبير نقيق الحالة البحرينية واللبنانية الشقيق حسين خلف، ولم يسعفني بما يخفف عني انزعاج عدم الفهم.
والضفادع السياسية لديها خبرة علمية بنقيق أخواتها الضفادع، وأعتقد أنه جمع تدليع وتمييع. وهذه الخبرة تمكّنها من استثمار الحقيقة العلمية التي تنق على أن صوت ضفدعتين يبدو كأنه صوت ملايين من الضفادع. وعليه فليس مهماً أن نقيقها يعبر عن غالبية الشعب أو إرادته في التغيير، فلديها القدرة مهما كان صوتها لا ينوب إلا عن عدد قليل أن تبدو كأنها تمثل الملايين.
بهذه الخبرة حرك صحفيان دعوى قضائية بمحكمة القضاء الإداري ضد وزير الداخلية لأنه لم يأمر أجهزته بالقبض على مؤسسي جمعية البرادعي ”الجمعية الوطنية من أجل التغيير” والتي أسسها 30 شخصية عامة، وتهدف للضغط على النظام المصري لتعديل الدستور. وجاءت نقنقتها في صيغة اتهام، فقد اتهمت الجمعية بإحداث ”فوضى عارمة عبر حثها للجماهير على أحداث شغب” مشيرة إلى أن ”أولى اجتماعات الجمعية السرية كان هدفها الإضرار بالوطن والمواطنين عبر التخطيط للضغط على النظام لإلغاء الدستور ووضع دستور جديد للبلاد، من شأنه قلب نظام الحكم. وأضافت أن أصحاب الجمعية لهم علاقات بمنظمات وهيئات دولية منها معادٍ لمصر دولة وشعباً[؟].
وتبلغ النقنقة مداها الأقصى حين تعتبر الضفدعة نقنقتها بياناً وضد الغباء، كما الأمر مع رئيس مؤسسة ”مواطنون ضد الغباء السياسي” والتي تأسست العام ,2007 الذي قدم أول بلاغ للنائب العام ضد البرادعي قائلا: إن الأخير ”يثير الفتنة السياسية ويستخدم كراهية الحركات والقوى السياسية للحكومة، بما يؤثر على أمن وسلامة البلاد في الفترة الحالية[؟].
ولسان الضفدع كثير الحركة وهو معلق في مقدمة الفم ويمكن قذفه بسرعة إلى الخارج للقبض على الفرائس الصغيرة، وهي بهذا اللسان يمكنها أن تحول عبارات من نوع ”تدخلات أجنبية، الشؤون الداخلية، القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، طاعة ولي الأمر، التحالف مع الكفار والمشركين والتآمر على الوطن. إقحام الأجنبي والتآمر على الوطن والتحالف مع أعداء الدين الإسلامي، تغيير نظام الحكم، الإساءة للعائلات” تحول هذه العبارات حين تمر عبر كيسها الهوائي إلى نقيق، فلا نعود نفهم شيئا ولا نسمع شيئا، سوى نقنقات الاتهام والتسميم دون منطق يبين عن مقاصدها.
والذي يمكنها من فعل ذلك بمهارة فائقة هو أن الضفدع يمتلك أطول لسان نسبياً بين الكائنات الحية، إذ يبلغ لسانه نصف طوله، وقد أعد بما عليه من مواد لزجة لصيد الذباب، وهو مثبت من الأمام وسائب من الخلف بعكس لسان الإنسان.
وربما لهذه الميزات صار يطلق على صوته عدة تسميات لعلها تفيه حقه: النقيق والنقنقة والكش والهدر والهدير. لكن أيا كانت التسمية، فهي لا تقول إلا ما في كيسها الخالي، وهي تزعج رأس جلال الدين الرومي الملآن بصمت التأمل والتفكر.
لقد تعددت أسماء الضفادع: العلجوم، الغيلم، العينوم، النقاق، أبو هبيرة، أبو معبد، أبو الضحضاح، أبو غائص. ويجمع الضفدع على ضفادع وضفاد. وتعددت أسماء أبنائها: الشرعوف والشرغوف والشرغ والشُّقدُع، وتعددت صيغ جمعها: ضفادع وضفاد. وظلت بركها آسنة بفعلها.
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=12837
هوامش
[1] أنيماري شيمل، الشمس المنتصرة: دراسة آثار الشاعر الإسلامي الكبير جلال الدين الرومي، ص193
(؟)
http://www.shbeebnews.net/arab/1603-2010-03-02-09-32-10.html
(؟) Read more: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1235340234571&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout#ixzz0haMkHtEA