الهوية بما هي تعريف بالذات الفردية والجماعية تعريفا يفرض واجبات واستحقاقات، هي محصلة الاعتراف، والاعتراف هو محصلة الصراع. دعونا نشرح ذلك.
من هو البحريني؟ هو من يحمل الجنسية البحرينية، ومن يحمل جوازاً بحرينياً، ذلك هو البحريني من وجهة نظر السلطة التي تحكم وتشرع القوانين وتطبقها.البحريني بهذا المعنى هو من تعترف به قوانين الدولة، لكن هذا الاعتراف يمر بصراعات مريرة، ويتعرض لإجحافات ظالمة، ولا يتحقق للفرد ولا للجماعة بدون نضال سياسي.
دعونا نعود إلى عام 1904، ففي هذا العام، صار لسؤال من هو البحريني أهمية عملية. حدث في 1904 نزاع عمال مؤسسة ألمانية وفداوية تابعين لعلي بن أحمد ابن أخ الحاكم الشيخ عيسى بن علي الذي حكم البحرين نصف قرن. تدخل البريطانيون وفرضوا نفي علي بن أحمد إلى الهند لمدة 5 سنوات وإلغاء نظام السخرة، وأصبح للبريطانيين حق الإشراف على شؤون الجاليات الأجنبية. فأصبح غير البحريني تحت السلطة القضائية للمندوب البريطاني. ماذا يعني هذا عمليا؟
يعني أن حاكم البحرين ليس له سلطة قضائية على غير البحرينيين، فصار رعايا بريطانيا والهند وألمانيا وأمريكا والسعودية وتركيا والرعايا العرب من غير البحرينيين تحت إشراف ومسؤولية المعتمد البريطاني في المنامة.
لم يكن هناك تحديد واضح للبحريني، لكن كانت هناك رؤية واضحة للقضاء العادل نسبياً، من كانوا يبحثون عن سلطة قضائية تحقق لهم حداً أدنى من العدالة، نسبوا هويتهم لغير البحرين، كي يضمنوا أن يحاكموا تحت سلطة قضاء البريطانيين. الذين جاؤوا من أصل نجد طالبوا معاملتهم كرعايا سعوديين، والايرنيون من السنة والشيعة طالبوا معاملتهم كإيرانيين وبعض الشيعة العرب كذلك طالبوا بمعاملتهم كإيرانيين.
الدين المعاملة، والهوية أيضا المعاملة، معاملة القضاء الانجليزي كانت نموذجاً للإنصاف، وهذا يعني أن الهوية تبحث دوماً عن الإنصاف والعدالة، والإنسان يبحث عن انتماء يحقق له ذلك، يريد أن يُعرف عبر نظام ينصفه كإنسان. كانوا بين خيارين نظام المجالس العرفية التابعة للقبائل ونظام السلطة القضائية الانجليزية.
السلطة القضائية البريطانية، تعترف بالمتخاصمين كطرفي نزاع في حين أن السلطة القضائية التابعة للحاكم لم تكن تعترف بالمتخاصمين بقدر ما تعترف بانتماءاتهم القبلية. المعتمدية البريطانية كانت تحتكم إلى القوانين المدنية والجزائية الهندية، فكان المتخاصمان يقفان معا أمام قضاء المعتمدية، في حين كان قضاء مجالس القبيلة لا يمكن أن يقبل أن يقف ابن القبيلة بمساواة مع من لا قبيلة له.
لم يكن الجميع تتوافر له فرصة الانتماء أو ادعاء الانتماء لجهة غير البحرين، خصوصا بالنسبة للسكان الذين لا يعرفون لهم أصلاً غير البحرين، بقي هؤلاء يعانون ظلماً مركباً، لم يجدواً نظاماً قضائيا ينصفهم، ولا نظاماً سياسيا يعترف بهم، ظلوا يناضلون من أجل الاعتراف بهويتهم حتى تحققت إصلاحات 1923 بعد انتفاضة 6 فبراير 1922 ضد نظام السخرة والرقابية والضرائب التي كانت تفرض عليهم فقط. ولأن الهوية لا يتحقق الاعتراف بها دفعة واحدة، فإنها تظل تستمر في نضالها، وهكذا بعد 89 سنة وفي شهر فبراير نفسه في 2011 خرجت هذه الهوية ضد نظام التمييز كما خرجت من قبل ضد نظام السخرة.
من هو البحريني؟ مازالت السلطة القضائية لا تعرفه مجرداً من انتمائه لطائفة أو قبيلة أو أصل، سيظل البحريني يناضل من أجل أن تعترف به أنظمة الدولة وقوانينها ومؤسساتها اعترافا من غير تمييز. ذلك الاعتراف هو الضمانة لتأسيس هوية وطنية عابرة للطوائف. أقول ذلك الاعتراف أولاً ثم تأتي الثقافة والتربية والتعايش الاجتماعي.
رابط الموضوع: http://www.alwasatnews.com/4270/news/read/886221/1.html
المصدر: جريدة الوسط