كل مقالات علي الديري

كاتب وناقد من البحرين

ربقة الإسلام ورقبة النمر



مفتي الديار السعودية هو من ذرية محمد بن عبد الوهاب (الأخبار)

علي الديري

سألتني الصديقة الصحافية رشا أبي حيدر بعد ساعات من إعدام الشيخ النمر، بت أشك في القرآن، أريد أن أعرف هل هناك آية تأمر بقطع الرأس؟ قلت لها لا، لكن الأمر لا يحتاج إلى آية، أن يُعدم النمر بقطع الرأس أو رمياً بالرصاص، يحتاج ليس إلى الآية بل يحتاج إلى هيئة كبار العلماء يقولون كما جاء في بيان وزارة الداخلية السعودية «إن هذه البلاد التي اتخذت من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم- منذ قيامها دستوراً ومنهاجاً لها، لن تتوانى عن ردع كل من يهدد أمنها».

ليس هناك دستور لا عقدي ولا منحة ولا أي شكل من أشكال المنظومات القانونية الحديثة، لذلك لم نجد في بيان الداخلية أي إشارة لمادة قانونية أو وثيقة. هناك شريعة مترعة بالشيء ونقيضه، تغرف منها هيئة كبار العلماء الشرعية وتُكيّفه وفق ما يريد ولي الأمر.

ما الشرعية التي تستند إليها «هيئة كبار العلماء السعودية»؟

هيئة كبار العلماء هي هيئة دينية حكومية تأسست عام 1971 وتضم لجنة محدودة من الشخصيات الدينية، يعيّنون بأمر ملكي، ورئيسها هو مفتي الديار السعودية، ولا تزال الرئاسة وقفاً على ذرية محمد بن عبد الوهاب، كما المُلك وقف على ذرية بن سعود. هناك مرويات أنتجتها سلطات سياسية طوال تاريخنا المبتلى بالقتل والدم، سلطات تعد نفسها المتحدثة باسم الجماعة والأمر والأمة ومعارضتها تفريق للجماعة وعاقبتها دوماً السيف والرقبة، باسم هذه الشرعية تتحدث «هيئة كبار العلماء السعودية» هكذا: «من فارق الجماعة شبراً فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه» هكذا تشرعن لأي معارضة ضدها فتصفها بأنها خلع لربقة الإسلام «عقد الإسلام»، وكي تحافظ على ربقة الإسلام وبيضته، فليس هناك غير سيف ولي الأمر «فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع؛ فاضربوه بالسيف كائناً من كان».

ما يهدد استفراد «ولي الأمر» بالسلطة يفسر بأنه خروج على «التوحيد» و«خلع لربقة الإسلام». لقد وضع التوحيد كآلية ضبط سياسي ضد رقاب القبائل والجماعات غير المنضبطة ضمن أمر السلطة، وبهذا الضبط جرىإخضاع الجزيرة العربية.

أسس محمد بن عبد الوهاب هذه الشرعية، شرعية التوحيد المتوحش، القائم على حد سيف آل سعود وصيغة عقائدية سلفية ضيقة. وغدت هذه الشرعية منهج عمل منذ لحظة تحول اتفاق الدرعية إلى وثيقة سياسية، في رسائله إلى القبائل والمناطق. كانت الدعوة إلى الإسلام تجري باسم هذه الشرعية، على سبيل المثال رسالته إلى قاضي الشافعية، مرجع الشافعية وقاضيهم في الأحساء، الشيخ عبدالله بن عبد اللطيف الأحسائي (1689-1751): «لا أبعد أن يهديك الله إلى الصراط المستقيم، ويشرح قلبك للإسلام». وردت هذه الرسالة في كتاب أول مؤرخ لحركة الوهابية والدولة السعودية الأولى حسين بن غنام (ص252)، والكتاب مرجع تعتمده الدولة السعودية، وعنوانه («روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعدد غزوات ذوي الإسلام») يعطي فكرة قاطعة لهذه الشرعية. الحال هو حال الإمام محمد بن عبدالوهاب وأفكاره عن التوحيد، و«غزوات ذوي الإسلام» هي معارك جيش الدولة السعودية، فالتاريخ مكتوب من زاوية هذه الشرعية، جيش الدرعية هو جيش المسلمين، وبقية القبائل السنية (غالباً) التي يقاتلها جيش المسلمين في نجد وخارج نجد لاحقاً، هم الكفار.

مفردات معجم تاريخ ابن غنام، هي: جيش المسلمين، الغزو، الغنائم، السبايا، الشرك التوحيد، الكفر، الفتح. وهو المعجم التكفيري الذي ما زال فاعلاً في خطاب الدولة وخطاب الجماعات التي تمثلها أو التي ولدت من صلبها.

إن وفاء آل سعود لميثاق الدرعية (1744) يجد ترجمته في العمل بهذه الشرعية، وقد عملت السعودية بإعدامها للشيخ النمر، بأصلها الذي قامت عليه. ظلت وفية لهذا الأصل لا تنفك منه، تجد شرعيتها فيه وأمنها وأمانها بالتمسك به، إنه التوحيد الوهابي المتوحش. سكّه لها محمد عبد الوهاب في كتابه «التوحيد» وكأنه عملتها التي يقوم عليها اقتصادها في كسب ولاءات الجماعات. لقد قلت الاقتصاد وفي ذهني كتاب «الاقتصاد في الاعتقاد» وهو أشهر كتب العقيدة في تراثنا، العقيدة التي سكتها من قبل الدولة السلجوقية وحدّدت به أعداءها العقائديين والسياسيين. اقتصاد الدولة السعودية يقوم على عملة هذا التوحيد ووجه هذه العملة الثاني هو التكفير، وكان محمد بن عبد الوهاب يرسل رسائله عبر بريد الدولة السعودية الأولى: أدعوكم أن يشرح الله قلبكم لإسلام هذا التوحيد الذي فتحه الله علي. وما زال هذا البريد يرسل دعاته في كل مكان في العالم ليؤسسوا «روضة الأفكار والأفهام الوهابية».

رابط الموضوع: http://www.al-akhbar.com/node/249328

رسالة إلى فاطمة الكوهجي: ستذهبين إلى مزبلة الفاشية وتاريخ العار

جريدة البحرين الرسمية
قائمة من تم تجنيسهم في 1955

“لا يجوز لأسر المسقطة جنسياتهم الانتفاع بالوحدات الاسكانية بعد سحبها من رب الأسرة… إذا سحبنا جنسية رب الأسرة وخلينا أسرته وكأن والدهم مو مسوي شي.. ما يصير”
عضو مجلس الشورى البحريني

إلى فاطمة الكوهجي،

سأقول لك بكل صراحة، إني لم أكن أعرفك ولا سمعت باسمك قبل أمس، يفترض بمن هم في موقعي أن يعرفوا من هم في موقعك، موقعي ككاتب ومثقف مُسقطة جنسيته، ومعني بما يحدث في وطنه، وموقعك كعضو في مجلس الشورى الذي يعينه الملك وفق حسابات الولاء الشخصي له ولعائلته، لكني لسبب أظنه مقنعا لي لم يحدث أن عرفتك. والسبب هو أن الملك يمكنه أن يفعل في مجلسك ما كان يهدد به موسوليني برلمانه “يقفل أبواب البرلمان بالمسامير”.

خطابك الذي قدمك أمس للجمهور البحريني، أعادني إلى خطاب الفاشية الذي أسسه (موسوليني) كان مثلك معلماً قبل أن يصبح سياسياً، وكانت والدته معلمة، لكنه صار ديكتاتوريا، وأنت صرت خادمة الدكتاتور، تزايدين على (حزمة) قوانينه التعسفية، لتثبتي ولاءك له ولعائلته.

لقد حصل والدك على الجنسية وفق الجريدة الرسمية في 1955 مع إشارة إلى الجنسية الهندية التي كان يحملها والدك. لست معنياً بإثبات استحقاقك أو استحقاق عائلتك للجنسية، ولست مؤهلاً للحكم على ولائك الوطني، كما أني لست بصدد تعييرك بأصلك الذي أعرف أن وراءه تقف أمة عظيمة، تستحق منك أن تفخري بها وتتشرفي بالانتساب لها، لكني معني بالدفاع عن تحريضك المشبع بالحقد والكراهية تجاه جنسيتي، أنا ولدت بحرانياً ولن تجدي في الأرشيف الرسمي للدولة أن وضعت عائلتي في قائمة من منحوا الجنسية عن أصل غير بحراني، وحين أسقطت جنسيتي في 31يناير2015، لأسباب تتعلق برأيي وموقفي واعتراضي على استبداد الحكومة، لم أكن أحمل جنسية أخرى وما زلت كذلك، ولم يشر مرسوم الملك ولا إعلان وزارة الداخلية إلى أني مجنس، وحين نشر اسمي في الجريدة الرسمية، لم يكن إعلاناً عن منحي الجنسية كما حدث مع والدك، بل هو إعلان عن إسقاط الجنسية، وهو إعلان باطل وفق كافة القوانين والشرائع الدولية والمحلية والإنسانية.

لقد فقدت جنسيتي بمباركتك ومباركة أعضاء السلطة التشريعية ل(حزمة) مراسيم الملك غير الإنسانية، كما بارك أمثالك لموسوليني في عام 1926 (قوانين استثنائية) أعطت الدولة سلطات واسعة لقمع المعارضة وبلغ عدد الذين حوكموا على أساس قوانين الطوارئ الاستثنائية العنصرية، 450 شخصا، وخصصت ثلاث جزر سيئة قريبة من إيطاليا لنفيهم،كما نفي أبان حصول والدك على الجنسية البحرينية مناضلو هيئة الاتحاد الوطني إلى جزيرة سانت هيلانة وأسقطت جنسية عبدالرحمن الباكر.

لست متأكداً إن كان هناك من طالب بالنيل من عوائلهم، كما فعلت أنت، حين طالبت بالنيل من عائلتي الصغيرة: باسل (16 عاما) وأماسيل (11 عاما) وأمهم فضاء، كانوا يسكنون بيتنا الذي بنيناه في 2009 تركته مجبراً في 2011.

لقد كنتِ فاشية بامتياز، واسمحي لي أذكرك أن (فاشي) تعني الحزمة، حزمة العصي التي كانت تستعملها الإمبراطوريه الرومانيه للدلاله على القوة والحزم في إحلالها للعدالة. وموسوليني وحزبه استعملوا حزمة العصي التي تحيط بفأس واحد شعاراً للحزب الفاشي، ليحلوا الظلم والقهر، كما تفعلين أنت الآن.

لقد كنت فاشية بمطالبتك بحزمة قوانين غير إنسانية، لتحاربي بها المعارضين لسياسة موسوليني وأمثاله من الفاشيين الصغار، ممن يأخذون الدولة نحو غرائزهم البدائية المتوحشة.

سيتذكر شعب البحرين منك ما قلته بالأمس، ولن يبقى منك شيء آخر، ستذهبين لمزبلة الفاشية وتاريخ العار الذي لم يعد أحد يذكره بخير.

علي أحمد الديري
بيروت
27ديسمبر2015

عن مطاردة «الميادين» و «المنار» «عربسات» وشجرة الجنّة

 

 

photo_2015-12-08_16-12-24

صحيفة الأخبار
علي الديري

الدول العربية اليوم بمثابة القبائل العربية التي أخضعها المؤسسون من آل سعود تحت راية التوحيد الوهابي. والتوحيد الوهابي ليس سبة هنا، بل هو تمييز للطبيعة السياسية والعقائدية المؤسس عليها نظام الحكم السياسي للمملكة العربية السعودية، فهذا التوحيد في مفهومه مخالف لمفهوم التوحيد الأشعري الذي يتبناه عموم أهل السنة والجماعة. وهو توحيد يقوم من الناحية السياسية والتاريخية على الإخضاع والإكراه والإتباع، فالغالبية العظمى من القبائل في الجزيرة العربية صارت سعودية بقوة الغزو الذي شرّع له هذا التوحيد.

نكتفي في التدليل على هذا الشبه بين وضعية الدولة العربية والقبائل العربية بحادثة «عربسات»، والاسم الرسمي لها «منظمة الاتصالات الفضائية العربية» (Arab Satellite Communications Organization)، وهي سلسلة من الأقمار الصناعية للاتصالات والبث التي تمتلكها «جامعة الدول العربية»، وتأسست في عام 1976.

بعد قناة «الميادين»، أجبرت السعودية شركة «عربسات» على إنزال قناة «المنار» عن قمرها الصناعي من دون سابق إنذار، تماماً كما كانت تسقط القبائل بالقهر. فهي تُعد من طرفها لائحة الاتهام الموحدة (الكفر والشرك) وتطبق العقوبة (الغزو). هو ذاته المنطق تطبقه اليوم تجاه القنوات الإعلامية التي لا تقر بالشهادتين؛ شهادة أنّ المملكة العربية السعودية زعيمة أو خليفة المسلمين، وشهادة أنّ العقيدة الوهابية هي عقيدة السلف الصالح وما عداها ضلال وبدع وكفر.

في تواريخ التأسيس، يورد لنا «ابن بشر» أحد المؤرخين الرسميين المعتمدين من قبل السعودية، في كتابه «المجد في تاريخ نجد» الجملة المقتضبة التالية عن محمد بن عبدالوهاب: «حتى وقع بينه وبين أبيه كلام»، ماذا وقع بينه وبين أبيه القاضي الفقيه الحنبلي؟ لقد أنكر عليه أبوه تشدّده وتكفيره ومفهومه الحاد الرفضي للتوحيد، وكذلك فعل أخوه.

ويروي لنا أحمد بن زيني دحلان الحسني (1816 ــ 1886)، إمام الحرمين، ومفتي وفقيه الشافعية في عصره، في كتابه «الدرر السنية في الرد على الوهابية»: «وكان أخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب من أهل العلم، فكان ينكر عليه إنكاراً شديداً في كل ما يفعله أو يأمر به ولم يتبعه في شيء مما ابتدعه، وقال له أخوه سليمان يوماً: كم أركان الإسلام يا محمد بن عبد الوهاب؟ فقال خمسة، فقال: أنت جعلتها ستة، السادس: من لم يتبعك فليس بمسلم هذا عندك ركن سادس للإسلام».

«من لم يتبعك فليس بمسلم»، هذا هو الركن الذي يلخص معنى «الرفض» في العقيدة الوهابية والسياسة السعودية، وقد ارتبط مسمى «الرفضيون» بجماعات الوهابية التي ظلت وفية لصيغة الوهابية الأصلية، كما هو الأمر مع جماعة «إخوان بريدة» و«السلفية المحتسبة» و«جماعة جهيمان». إنّهم يرفضون كل من لا يتطابق مع الوهابية، ويرفضون أشكال الحياة العصرية، ويرفضون التأقلم مع أي متغير.

هي تملك السماء
وأبوابها وأقمارها وجنّتها

«الرفضيون المؤسسون» رفضوا التأقلم مع الواقع الذي أرساه إبراهيم باشا بعد تدميره الدرعية (1718)، واعتبروا العثمانيين والمصريين كفرة لا يجوز التعامل معهم، وظلوا بهذا المبدأ يمثلون الوهابية الخالصة النقية.

انتقل مبدأ «الرفض» العقائدي الصلب إلى السياسة، فصارت سياسة متصلبة، لا تقبل بالتفاوض ولا أنصاف الحلول ولا بمعادلة اكسبْ ــ اكسبْ. تمسكت بالمعادلة الصفرية، الربح الكامل، أي فرض إرادتها الكاملة المطلقة على الجميع، وهذا ما فعلته مع جميع القبائل.

لقد رفض محمد عبدالوهاب أخاه ورفض أباه ورفض أشكال التديّن كلها في الجزيرة واعتبرها كفراً وشركاً يجب التبرؤ منه بالقلب واللسان واليد، وهو بهذه الممارسة أعطى لمبدأ «الولاء والبراء» سيرة عملية حية، لأغلب التنظيمات الجهادية المعاصرة المؤسسة عليه.

تسقط «المنار» و«الميادين» من قمر السعودية (عربسات) كما تسقط جميع الفرق والمذاهب والطوائف من الإيمان (لا إله إلا الله) لأنّها لم تخضع لمفهوم التوحيد الوهابي في الأفعال والعبادات والأسماء والصفات.

لا يمكن الآن لأي قناة أن تدور في فلك قمرها إذا لم تخضع لفلكها السياسي والعقائدي. هي تملك السماء وأبوابها وأقمارها وجنّتها، ولا يتسع كل ذلك لأحد معها. بعدما دمّر إبراهيم باشا الدرعية، أحضر خمسمئة من علماء الوهابية للمناظرة مع علماء مصر، وفي اليوم الرابع أقفل باب الجدل، وسأل كبير علماء الوهابيين: «ما رأيك في الجنة… وما عرضها؟… إذا كان عرضها السموات والأرض كما تقول وإذا وسعتك أنت وأمثالك رحمة الله فدخلتم الجنة ألا تكفي شجرة واحدة من أشجارها لأن تظللكم جميعاً؟ فلمن إذن بقية الدار؟ أسألك الجواب».

لا تتسع الجنة ولا شجرة في الجنة لأحد يخالفها، ولا يتسع فضاؤها السياسي ولا الافتراضي ولا قمرها. إنّها مملكة حصرية على صيغة توحيد حرفية، سياستها مؤسسة على الرفض والفرض. وكما فرضت صيغة الإيمان واعتبرت من لا يؤمن بها كافر يجوز قتله وسبيه، كذلك تحاول فرض معاني التلفيق والتضليل ضد المختلفين معها، ومن لا يسير وفق أجندتها السياسية في اليمن ولبنان والبحرين وفلسطين وسوريا فلا تتسع له ظلال شجرة جنتها.

إنّها مملكة التوحيد المتوحّش، تفرض مفهوم الإعلام الواحد الموحّد كما تفرض مفهوم الإيمان الواحد الموحد.

رابط الموضوع: http://www.al-akhbar.com/node/247654

عقيدة الدولة #السعودية : الوهابية المتوحشة

مسجد محمد بن عبدالوهاب في الدرعية

كيف يمكن أن نقرأ توحيد المملكة العربية السعودية من خلال كتاب “التوحيد” لمحمد بن عبدالوهاب؟

يبدو السؤال غريباً، فتأسيس الدول لا يقرأ من خلال كتب العقائد، بل يقرأ من خلال الجغرافيا والتاريخ والصراعات الاجتماعية، فلماذا نذهب إلى كتاب محمد عبدالوهاب؟  

الجواب ليس بسيطاً. فكتاب عبدالوهاب أكبر من كتاب وأوسع من (عقائد)، مع أن المحتوى الذي يتكون منه خطاب الكتاب في مجمله مجموعة من النصوص: الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.  

إذا ما استعدنا قاعدة ابن حزم الظاهري الشهيرة “النصّ يعطيك ما فيه”، فإننا لن نعثر في نص كتاب التوحيد على الدولة التي نريد أن نفهم تكوينها هنا. وهذا يستدعي تعديل مقولة ابن حزم لتصير “النصّ يعطيك ما في استخدامه”، بمعنى أن نصّ محمد عبدالوهاب يعطينا بحسب ما نكشف عن السياقات التاريخية والسياسية التي استخدم فيها. والاستخدام الأهم كان في الدرعية في 1745 حين التقى محمد بن سعود (رجل الدولة) ومحمد بن عبدالوهاب (رجل الملّة).

كان نصّ الاتفاق الشفهي يقضي بأن يكون كتاب التوحيد دستور الدولة أو كتاب الدعوة، وأن تكون قوة ابن سعود الشوكة الحامية لهذه الدعوة والمبشرة بها، والقاهرة للناس من أجل اعتناقها. بهذا الاتفاق خرج كتاب (التوحيد) من العقائد ودخل السياسة، أو لنقل خرج من الدين ودخل الدنيا. وبهذا الاتفاق خرجت الدرعية من أن تكون مدينة لتصير: “موطن الدعوة السلفية ومهد علماء السلف وعاصمة الجزيرة العربية وعرين الليوث السعوديين”.

وبهذا الاتفاق تحدّد مفهوم التوحيد السياسي للقبائل والمدن والمناطق التي كانت تقضمها هذه الشوكة. وصار جهاز الشوكة حسب صبغة التوحيد الوهابي. القبول بآل سعود صار بيعة، والقتال معهم أصبح جهاداً، والخروج معهم هجرة، وأطلق على البدو الذين هجروا حياة البادية واستقروا الهجر (الإخوان أو إخوان من طاع الله) وكانت مناطق الهجر معسكرات وقد بلغ عددها في مطلع القرن العشرين 200.

لقد جهد خالد الدخيل في كتابه “الوهابية وتصدّع القبيلة” على مدى 558 صفحة ليصوغ تخريجة علمية يثبت من خلالها أن توحيد الدولة السعودية شأنه شأن بقية الدول كان مشروعاً اجتماعياً وسياسياً طبيعيا، لا مجرد مشروع ديني، والوهابية في هذا المشروع كانت تحمل أفق الدولة بمفهومها الحديث، ومحمد عبدالوهاب مع محمد بن سعود قد شكّلا ثنائياً حضارياً للخروج من القبيلة المتصدعة إلى الدولة المتحضرة.

لقد قلت أجهد نفسه، لأنه راجع عشرات المصادر والوثائق وفنّد النظريات الدينية، كما يتبناها أتباعالوهابية والحداثية المسكونة بنظرية ابن خلدون، كما هو الأمر مع عزيز العظمة، وغسان وسلامة، فعل كل ذلك من دون أن يقدم لنا ما يعيننا على فهم معضلة هذه الدولة التي تشغل العالم اليوم.

لقد ذهب الباحث ليعطي السياق الاجتماعي والسياسي أهمية، قبال التفسير الديني التبجيلي، لكن فرضيته، لا تقدم لنا فهماً لمعضلة الدولة اليوم، لماذا تنتج هذه الدولة أكبر عدد من الإرهابيين؟ لماذا تنتج هذه الدولة دعاة التشدد؟ لماذا الدين الذي تتحدث باسمه هذه الدولة على هذه الدرجة من التشدد؟ كيف دعمت هذه الدولة عبر الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة الإسلام السلفي المنغلق والمتشدد في العالم الإسلامي؟ لماذا يرجع الأرهابيون إلى تراث الدعوة نفسها التي قامت عليها هذه الدولة؟

تحول (كتاب التوحيد) إلى نص مؤسس للدولة، صار بمثابة قرآنها، وهذا ما تؤكده الشروحات على هذا الكتاب التي تجاوزت العشرين كتابا، وقد كتبت من قبل كبار علماء الوهابية.

بعد أن تحول هذا الكتاب إلى دستو للدولة، صار مفهوم التوحيد طاغوتا في الخطاب السلفي والجهادي، يمارس حضوه المخيف والمستبد على أشكال التدين التي لا تتفق معه، وعلى ممارسات الطوائف والجماعات التي تختلف معه، وأعطى للوهابيين حق التدخل والتغيير والفرض والسيادة على الجميع.

لقد حدد محمد بن عبدالوهاب ثلاثة أشكال للتوحيد هي، توحيد الربوبية والألوهية والأسماء الصفات”توحيد الربوبية: هو توحيد الله بأفعاله من الخلق والرزق والإِحياء والإِماتة ونحو ذلك، وتوحيد الألوهية: هو إفراد الله بالعبادة من صلاة وصوم وحج وزكاة ونذر وذبح ونحو ذلك. وتوحيد الأسماء والصفات أن تصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، وتسميه بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله، من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل”

لم يفتح محمد بن عبدالوهاب طرق  التوحيد بقدر ما فتح أبواب التكفير، سيدغم من يختلف معه بحكم الكفر عبر أحد هذه الأبواب، باب الربوبية أو باب الألوهية، أو باب صفات الله وأسمائه، لا يتحمل التوحيد الوهابي أي درجة من الاختلاف في هذه المفاهيم، وعلى ذلك قس توحيد الدولة، لا تتحمل أي درجة من درجات الاختلاف معها، على الجميع أن يتماثل مع عقيدتها وسياستها.

يمثال التوحيد السياسي للدولة أشكال التوحيد العقائدي، فتوحيد الربوبية يماثله الإيمان بأن الملك هو من يعطي ويمنع ويرفع من يشاء، وتوحيد الإلوهية يتحقق بأن تفرد البيعة للملك وعبادتك تمارسها بإظهار الولاء والخضوع له، وتوحيد الصفات والأسماء يكون بأن تسمي الملك بما سمى به نفسه، ولي الأمر، خادم الحرمين. هكذا، يكفر من يخرج على أشكال هذا التوحيد ويفقد مواطنيته.

لقد ابتلعت الوهابية الدولة، وحولتها لقمة سائغة في جهازها، لذلك لا تجد الدولة أي تاريخ اجتماعي أو ثقافي لها خارج التراث الوهابي، البحث عن هذا التاريخ يعتبر شركاً  وخروجاً على نص التوحيد.سيكون لأطروحة خالد الدخيل معنى لو أن الدولة ترى لنفسها تاريخا خارج كتاب التوحيد، فالدولة بما تعرف بها نفسها لا بما يريدها الباحث أن تكون.

رابط الموضوع: http://www.almanartv.com.lb/adetails.php?eid=1360170

لماذا لم يُحرق مخيم #برج_البراجنة ؟

علي الديري*

سألني صديقي المثقف الفرنسي، بُعيد تفجير(برج البراجنة) مساء الخميس 12 نوفمبر2015 ونشر أسماء فلسطينيين قيل إنهما الانتحاريان، هل تتوقع أن يُحرق مخيّم برج البراجنة؟ قلت له لا، مستحيل أن يحدث ذلك.

في اليوم التالي، وبعد ساعات قليلة من تفجيرات باريس مساء الجمعة 13 نوفمبر أُحرق مخيم (كاليه) شمال فرنسا، يقطنه حوالي 6000 لاجئ أغلبهم من سوريا، ألحّ علي صديقي بالسؤال مرة أخرى: لماذا لم يحرق مخيّم برج البراجنة وهو أكبر مخيمات الفلسطينيين في بيروت، ويقع على الطريق الرئيس المؤدي إلى مطار بيروت الدولي، ويقطنه حوالي 25 ألف لاجئ فلسطيني؟ قلت له انتظر لنسمع خطاب السيد حسن نصر الله فلعلّ فيه ما يجيب سؤالك.

انتهى خطاب السيد، وكان فيه ما فيه من دفاع مستميت عن هذا المخيّم وعن أهله وعن قضيته. قلت لصديقي: لعلّك أدركت أن السرّ يكمن في هذا الرجل الذي استوعب كل مشاعر الغضب في جمهوره.

قال: لكني لم أستوعب بعد، ما الذي يجعل من رجل عانى شارعه من السيارات المفخّخة التي قاد معظمها فلسطينيون من هذه المخيّمات، بهذه الحكمة، بل ما زالت رموش عينيه ظلال طمئنينةٍ وأمان لهذه المخيّمات. قلت له: السرّ يكمن في جدّه. إنه ينتمي إلى ثقافة جدّه الحسين (ع). لقد خبِر آلام المخيّم وعرف بؤس ثقافة الانتقام. كانت عائلة جدّه في اليوم العاشر من محرّم، في مخيّم كربلاء الذي ظل يدافع عنه وحيداً حتى آخر سهم اخترق قلبه، لم يكتف الجيش الأموي بقتله فأمعنوا في حرق خيم أطفاله ونسائه وعائلته، وأذاقوهم ذلّ السبي. كان عمر بن سعد يقول لجنوده: “دونكم الخيام فانهبوها”.

لقد ورث السيّد غصّة هذا المخيم في قلبه ووجدانه، فصارت قضيته الدفاع عن أهل المخيمات المظلومين،  فهو يرى فيهم ما رأى جدّه في مخيّمه، ويرى فيهم امتداداً لذلك المخيم، لذلك لا يمكنه أن يدفع جمهوره لحرق مخيمات يلتجئ إليها مظلومون ليحتموا بها.

ليس لدي تفسير لماذا لم تحم قيم عصر الأنوار (مخيّم كاليه) في فرنسا من الغضب والانتقام اللذين أحرقاه، ولماذا لم تحمه دروس الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا عن قيم التسامح والغفران التي كان يقدمهما في جامعة (دي كولدج)، ولماذا لم يحمه دفاع جون بول سارتر عن قيم الوجود والعيش، ولماذا لم يحمه شعار الثورة الفرنسية الذي يرسّخ قيم  المساواة والأخوة والحرية، تلك التي ردّدها بالفرنسية الرئيس الأمريكي ليلة حصار (مخيّم) ملعب أستاذ دو فرانس، لا أستطيع أن أفهم ذلك، لكني في هذه اللحظة أستطيع أن أفهم  ثقافة (مخيم الحسين) التي حمت مخيّم (برج البراجنة).

رابط الموضوع: http://manartv.no-ip.org/adetails.php?eid=1354142