أرشيف التصنيف: تغطيات

مراجعة كتاب "مجازات بها نرى"

مجلة البحرين الثقافية:باسمة القصاب

المشكالKaleidoscope أداة بصرية، تحتوي على قطع متحركة من الزجاج الملون، ما إن تتغير أوضاعها، حتى تعكس مجموعة لا نهاية لها من الأشكال الهندسية المتناسقة، المختلفة الألوان.

يبدع المشكال ما لا نهاية له من اللوحات الممتلئة بالضوء واللون والحركة. لا تكف هذه اللوحات عن التشكل كلما تغيرت حركة قطع الزجاج في داخله، وكلما تداخلت ألوانها وامتزجت.

ما يميز اللوحات المشكالية ليس متعتها البصرية والزخرفية فحسب، ولا تصميمها الفني المبدع فحسب، ولا شكلها الذي تنشئه المصادفة الناتجة عن حركة الزجاج والضوء واللون، بل هو أكثر من ذلك بكثير. ما يميز اللوحات المشكالية، بشكل خاص، هو أنها حالة مستمرة من التشكيل، حالة لا نهائية من استحداث العلاقات الجديدة بين قطع الزجاج المختلفة في أشكالها وألوانها وقابلية تمريرها وعكسها للضوء. كل لوحة جديدة هي تشكيل لرؤية جديدة، تشكيل لتركيبة جديدة، تشكيل لتداخل جديد، تشكيل لامتزاج جديد، تشكيل لتصور جديد، تشكيل لفهم جديد، تشكيل لمعنى جديد.

اللوحات غير المنتهية التي ينتجها المشكال، ترينا الإمكانات غير المنتهية لقطع الزجاج في إبداع تتشكيلاتها الخاصة؛ يرينا حدود حركة كل منها وانتشارها وتناسقها وقدرتها وقابليتها وطاقتها وتناسقها وانتظامها وعشوائيتها ووتيرتها، يرينا نماذجها وتصماميمها وعلاقاتها وفنونها ومهاراتها وأساليبها وتصويباتها وتخطيطاتها وزواياها ومقاييسها وصيروراتها وعيناتها وعناوينها وأمثلتها. أي أنه يرينا كل ما يحيط بهذه القطع من إمكانات تهبها قوة التشكيل.

ما لم يتمكن المشكال من أن يكون مجهراً يرينا تفاصيل هذه الأشياء أو لا أقل من أن يوقفنا عند أكثرها، يصير المشكال مجرد متعة بصرية سرعان ما يفقد عجائبيته الساحرة.

مشكال المجاز

لم يكن المجاز، حسب إرثي المدرسي، يتجاوز المساحة البلاغية للنص الأدبي. وقدرة المجاز على أن يمثل لنا الشيء على صورة شيء آخر، وفق هذا الإرث، هي صناعة زخرفية بالدرجة الأولى؛ تجمِّل القول وتجوِّده وتحسِّنه وتُبدع نَظْمه. وهي من جهة أخرى صناعة تبيينية؛ تفصل القول وتبسِّطه وتوضِّحه وتسهِّل فهمه. المجاز خيال جميل، وايقاع بلاغي يولِّده وضع القريب على البعيد.

كتاب الديري ليس ينفي الإرث المدرسي ولا يرفضه، وليس يقدم المجاز هنا باعتباره مجازاً مختلفاً عن ذلك المجاز المدرسي. لكنه لا يقف بنا عند المتعة اللغوية وزخرفها ونظمها وتنسيقها وتبيانها، فهو لا ينشغل بالمجاز ولا يشتغل عليه وفق حدود الرؤية المدرسية له، بل يتجاوزها إلى رؤية تتسع به المجاز ليس قضية بلاغية تهم النقاد فقط، وليس قضية دلالية لعلماء الأصول والمنطق، إنه كل ذلك وأكثر، فهو تصور للحقيقة، ورؤية للعالم، وعلاقة بالوجود، وفهم للغة، وكشف للإنسان، ومعرفة بالإله”([1] ).

يشتغل الديري إذن على تلفُّتٍ مشكالي للمجاز، فالمجاز ليس مجرد نسج أدبي وخيال مبدع جميل، ليس مجرد إيقاع متمكن من اللغة، إنه كل ذلك وأكثر، المجاز أداة تشكل رؤيتنا للأشياء، هو تشكيل مستمر لعلاقتنا بالواقع والعالم والانسان والحقيقة والله والدين. هو تلك الحالة اللانهائية من انتاج العلاقات بين الأشياء بهدف فهمها ومعرفتها ورؤيتها. هو تلك اللوحات التي ترينا مع كل علاقة جديدة، ضوءاً جديداً وفهماً جديداً ورؤية جديدة ولوناً جديداً واشكالاً جديدة. المجاز إذن هو مشكال الرؤية لا زخرفها. “إننا نفكر بواسطة المجازات، فالانسان يتوقع ويفهم ويفسر ويقرر ويتخيل ويستبصر ويستنتج ويتأمل عبر المجازات. المجازات تمنحه القدرة على التصرف والتوسع والتخيل، ليشيد صور مركبة لا مبسطة لما يحدث في واقعه. المجاز لا يبسط الواقع، بل يكثفه ويركبه ويعقده”([2] ).

هذا التشابك المعقَّد لـ (قطع زجاجنا) مع الواقع، يرينا حدود حركة أذهاننا وأطرها ونماذجها ونظمها ومكوناتها ومساحاتها وتخطيطاتها وزواياها، يرينا آليات ثقفنا وبرمجياتها ومشهوراتها وأمثلتها وأساليبها وطرقها ومقاييسها وعناوينها الكبرى وووو.. يرينا كل ما يحيط بنا من إمكانات تهبنا قوة التشكل والتشكيل.

المجاز ما لم يرينا قوة التشكل والتشكيل، مالم يكن مشكالاً للرؤية، ما لم يوقفنا على إشكالات فكرية وفلسفية وثقافية ومعرفية مع كل لوحة جديدة يقدمها، فهو لا يتجاوز كونه زخرفاً أدبياً في القول، أو قياساً خاوياً في المنطق.

الجواز والعبور

يقارب الديري المجاز بوصفه آلية ذهنية وأداة تفكير، وتقوم فرضية الكتاب على أن تفكير الانسان المجرد هو تفكير مجازي، وأن الإنسان لا يمكنه أن يفكر إلا على نحو مجازي، وهو (أي الانسان) يستعين بالتشبيه والاستعارة والتمثيل والرمز والحكاية والأسطورة في صياغة مفاهيمه المطلقة والمجردة. المجازات تشكل أطراً عامة للتفكير تلتقي من خلالها الأشياء التي تتيح له فهم الأشياء الأخرى.

الإنسان يستبين من خلال العالم المألوف العالم غير المألوف، ويدرك حقائق الأشياء عبر أشياء أخرى لا عبر مطلقات. والأشياء لا يمكنها أن ترى بعضها إلا من خلال بعضها. ليس في عالم الإنسان شيء مطلق يرى من غير شيء. نحن نعبر إلى غير المألوف من خلال المألوف، ونجوز إلى المجرد من خلال المحسوس، لذا صار المجاز عبوراً مبدعاً من الانسان.

ولأنه يرى أن المجاز هو جواز من التجربة الحسية إلى التجربة المفهومية، فقد عمل الديري على أن يجعلنا نفهم المجاز، من خلال تجربة الجواز الحسية، بما هي عبور بين مكانين أو ضفتين، وبما هي مرور بين هذين المكانين ووصل وربط بينهما. وقد شيد هذا المفهوم مستنداً إلى الدلالات اللغوية والاستعمالية للكلمة، مستنيراً بآراء الفلاسفة والمفكرين الذين اهتموا بالمجاز. “أخذت الفلسفة وهي تعيد اعتبارها إلى أهمية اللغة في تشكيل الفكر تولي مقولة المجاز أهمية كبيرة، وقدمت إسهاماتها الحديثة في تفسير كيفية إدراك الإنسان للعالم من خلال مجازات اللغة والذهن”([3] ).

سحر مجازات اللغة

الانسان يدرك حقائق الأشياء بتشبيهها ووصلها بغيرها، فهو مبتل بالتشبيه. فعل التشبيه له تأثير يصل إلى درجة السحر، الأمر الذي يجعل (خوزيه جاسيت) يؤكد أن التعابير المجازية هي أكثر ما ابتدعه الانسان قوة.

ولأن الانسان يعبر باللغة، وبها يفهم المجردات، فإنه مسحور مفتون بالمجازات التي يخلقها عن طريق لغته. مفتون بأشكالها التي تريه الشيء على هيئة شيء آخر، مفتون بمشكالها، لذلك لا يمكننا أن نفكر في المجردات من دون أن نقع في سحر اللغة “عندما نبدأ التفكير في معنى الحياة والزمان والمكان والجسم والمعنى والإراة الحرة والخير وغيرها من الموضوعات الفلسفية الكبيرة، فإننا نصبح مسحورين عن طريق اللغة” فنجشتاين.

يقف الديري عند اللغة ومجازاتها ليرينا أنها ضرب من ضروب السحر. السحر بما هو خداع واستمالة وتلبس وصرف من وجه إلى وجه، “تفكيرنا ما هو إلا صرف عن وجه لوجه. كلما ظننا أننا أمسكنا بوجه من وجوه المفاهيم الكبرى صرفتنا اللغة إلى وجه آخر. ومع كل عملية صرف نعبر وجهة أخرى”([4] ). اللغة بمجازاتها تسحرنا، بما لها من قوة التأثير على العقل والحواس والتفكير والادراك وبما تتصرف في تفكيرنا.

ولكي نتخلص من أسر سحرها وافتتانها لا بد أن نغير علاقتنا بها، فنعيد فهمها وقراءتها باعتبارها رؤية للأشياء ولعباً بها وتعدداً في منظورها وبناء لتصوراتها، أي باعتبارها وجه من وجوه الشيء لا الشيء نفسه. “المجاز يجعل من الطريق الواحد البسيط طرقاً عدة متنوعة ومتفرعة، فيصير الطريق حمال أوجه”([5] ). هذا الفهم يتيح لعقولنا المفتونة بسحر اللغة، أن تلعب وتستمتع بتعدد الوجوه المجازية للأشياء، يتيح لها أن تقيم علاقة مشكالية باللغة، فتنتج ما لا نهاية له من العلاقات المجازية مع الأشياء، دون أن تأسرها هذه الوجوه.

بناءات المجاز

تتعدد مجازاتنا بتعدد تجاربنا الثقافية الجماعية والفردية. الانسان يبني تصوراته لهويات الأشياء وفق هذه التجارب، ويمكنه أن يوسع هذا البنيان أو يغيره أو يحوله أو يجدده كلما استجدت تجربته. الإنسان لا يكف عن بنينة هويات الأشياء وبناءها، وكلما غير الإنسان بناءاته المجازية للأشياء تغير فهمه لها. لذا لا يمكن فهم البناءات المعقدة للمجاز عبر المقاربة البلاغية المدرسية لها “هذه البناءات ليست زخارف لغوية، بل هي عمليات ذهنية وإمكاناتها العقلية مؤسسة على تجربة الانسان الحسية والثقافية” ([6] ). ولكي نقارب هذه البناءات ونعمل على فهمهما وتفكيكها، لابد أن نفهم تجارب الانسان ونفكك ثقافته التي شيدت مفاهيمه.

يتسع بنا مجاز الديري ، فيتجاوز رؤية الانسان المجازية، ويعبر بنا إلى ثقافته، فالثقافات تختلف مجازاتها باختلاف تجربتها مع الأشياء، “كل ثقافة ترى العالم عبر صورها المحسوسة”([7] )، واختلاف تجاربها المحسوسة يترتب عليه اختلاف تصوراتها وعلاقاتها التي تقيمها مع الأشياء، ومن ثم اختلاف رؤيتها للعالم وعلاقتها به. بهذا الاتساع يمكنني أن أفهم أن الثقافة هي رؤية مجازية للأشياء، وبهذه الرؤية تشيد الثقافة عالمها الخاص.

الذات الانسانية ترتب علاقاتها بالعالم وفق رؤيتها المجازية، وفق رؤية ثقافتها المجازية، لا وفق وجود العالم. إذ العالم صامت وأقرب إلى الحياد كما يشير الديري. لعل العالم هنا أقرب إلى المشكال الذي يرينا تنوعات تشكلات الذات ومن ثم تشكيلها لعالمها وابداع لوحاته.

حقيقة الثقافة

تمتزج مجازات كل ثقافة مع وعي أفرادها، ويشتبك المجاز مع هذا الوعي بشكل يغيب معه أصله المجازي. غياب الوعي بأصل المجاز يجعل منه حقيقة. لذلك كل ثقافة تقدم مجازاتها على هيئة حقائق كبرى. “تغدو الحقائق الكبرى التي تعبر من خلالها كل ثقافة عن رؤيتها للوجود، مجازاً منسياً يولد مجازات تكشف حقائقها بالارتداد بها نحوه. أي نحو هذا المجاز المنسي الذي يقدم نفسه في صورة حقيقة كبرى”([8] ).

لكل ثقافة حقائقها التي تختلف عن حقائق غيرها من الثقافات. يرى الديري أن كل حقيقة تلتقي مع الحقائق الأخرى في ادعائها الإنساني، أي زعمها أنها الأقدرعلى تمثيل حقيقة الإنسان، ومن ثم تقدم نفسها بوصفها أكثر سموا به وعلوا بحقيقته واستجابة لمتطلباته وتعبيراً عن تطلعاته.

ولكل ثقافة مقدساتها التي تجلل حقائقها، فالقداسة حسب الديري مجاز كبير، تحيل كل شيء تحل فيه إلى حقيقة جوهرية عليا.

تهيمن الثقافات على أفرادها عبر مجازاتها التي تقدمها لهم باعتبارها حقائق ثقافية كبرى ومقدسات عليا. تحليل هذه المجازات وارجاعها إلى أصلها المنسي، يمكن أن يفكك من سلطة هذه التصورات ويخفف هيمنتها.

السمك الرعاش

لا يختص المجاز بلغة دون أخرى، ولا يختص بخطاب دون آخر، فهو آلية ذهن تحكم تصور ورؤية المتكلمين والفاعلين بمختلف لغاتهم وثقافاتهم وانشغالاتهم. يرى الديري أن الخطابات الفكرية والفلسفية والسياسية والإعلامية والتربوية والدينية والصوفية والثقافية تصيغ أفكارها عبر تمثلات مجازية. لذلك يقوم الديري باخضاع نماذج متنوعة ومختلفة من هذه الخطابات للفحص والتحليل والنقد والتفكيك، ليؤكد لنا فرضيته، وليعبر بنا نحو مجازية الفكر الانساني بشكل عام.

مجاز السمك الرعاش، الذي اتخذه الديري عنواناً لسلسة من أعمدته الفلسفية والفكرية التي ضمنها كتابه، عمل على تشيد مفهومه للشك والتوسع فيه وجعله حقلاً مليئاً بالحياة. السمك الرعاش هو تسمية مجازية أطلقها من باب التهكم مينون، في محاورته مع فيلسوف الشك سقراط “انك تشبه أعظم الشبه من حيث الشكل ومن حيث الجوانب الأخرى سمك البحر الكبير، ذلك الرعاش، حيث أنه دائماً، ما أن يقترب المرء منه ويمسه حتى يجعله يرتعش”.

يتمثل الديري مجاز السمك الرعاش في تشييد مفهومه عن الشك وبنينته، فيحوله إلى حالة فكرية ونفسية وعقلية ومدنية وحضارية. السمك الرعاش “ليست ذاتاً لشيء، بقدر ما هي صفة لحالة الإنسان الناطق”([9] ). السمك الرعاش هو حقل مقتضيات حالات الإنسان المدني، الإنسان الذي يسأل ويفعل ويطلب، الإنسان الذي يرفض الإذعان إلى السيادات الجماعية، الإنسان الذي يحصن مواطنيته من الارتهان لما هو خارجها، الإنسان الذي مواطنته هي الوجه الآخر لسيادة الأمة.

السمكة الرعاشة تفتح أفق حوارنا حول إمكانية وجود معرفة مدنية يقينية جازمة، وتوقعنا في مسائلة حقائقها عن يقينياتها، إنها سمكة تكوثر الحوار المولد للأفكار كما كان سقراط يفعل. “لا ارتعاشه من غير شك يفضي إلى سؤال. عملية الشك تعبر عن قرار الذات بأن تسحب ثقتها المطلقة من الأحكام ومن الأشياء”([10] ). الشك هو رعشة الاحتراق بالسؤال الذي هو حياة. “المجتمع الذي لا سمك رعاش فيه لا حياة فيه”.

سمكة الديري الرعاشة، تأتي لتحاورنا حول شؤون الاجتماع والفكر والسياسة والمدينة، لتنطق استشكالاتنا المدنية، تجعلنا نتذوق مدنية بطعم الاختلاف والتناقض، تضع سيادة الآلة (سيادة القبيلة أو الطائفة أو المذهب أو العرق أو العائلة أو الدين) بين قوسين نيتشويين كبيرين، تفكك معتمدات الثقافة وجوامعها، ترينا جهل الاستقرار في اليقين المطلق، تحذرنا من المكوث في استبداد اليقين وضيقه، تجعلنا نعي نواقصنا، نعي حاجتنا إلى المعرفة، فالحاجة وعي النقص. “الشك هو الرغبة في الحياة على نحو استشكالي ضد الاستقرار المطلق. الشك معرفة لا تعرف الاستقرار، معرفة تحذر الجهل المستقر، لأنها تحذر العلم المستقر”[11] ).

النسبة والشك

يقارب الديري بين المجاز والنسبة والشك، ذلك أن الانسان نسبي. ومعنى أن الانسان نسبي وفهمه نسبي، أن الانسان مقيد بغيره مرتبط به غير مطلق، وكذلك فهمه. القيد هو الصلة، والانسان بحاجة إلى صلات مفهومة مألوفة معروفة تمده بالعون ليفهم الغامض والملتبس والغريب والمجهول. بقدر ما يكاثر صلاته بالأشياء يتحرر من قيد الارتهان للصلة الواحدة. الانسان ينسب الأشياء إلى نفسه ويصنع قرابات بين الأشياء ليفهمها، “بالمجازات نصنع أنساباً وقرابات بين معاني الأشياء والموضوعات والكائنات”([12] )

الوقوف عند فلسفة إخوان الصفا وتقسيمهم النسبي للكون، يكشف لنا مأزق الزعم الفلسفي المتعالي على الاعتراف بمجازية تصوره للحقائق وفهمه المجردات. “كان أخوان الصفا يستخدمون تقسيم (فيلولاوس) الفيثاغورثي للكون، ما فوق القمر وما تحت القمر، فينسبون ما تحت القمر إلى ما فوق القمر، ليفهموا الكون كلاً واحداً منسجماً ومؤتلفاً، بل إنهم كانوا يقيمون تصوراتهم لحكومة ما فوق القمر وفق تصوراتهم لنظام ما فوق القمر“([13] ). وهو بهذا يبدد زعم الخطاب الفلسفي بأن حقيقته مجردة من الوهم والخيال، موقعاً إياه في مأزق نسبي.

مجازات الخطاب السياسي

يقوم الكتاب بمعالجة الحضور الوظيفي للمجاز في الخطاب السياسي. حيث الخطاب يتخذ من المجاز أداة يقرأ بها ويفسر من خلالها ويتصرف. “المجاز يشتغل في الخطاب، لكنه لا يشتغل عليه، الخطاب لا يقيم علاقته بالمجاز بوصفه أداة يقرأ بها ويفسر، بل بوصفه أداة يبنى بها الخطاب( لغة)، لذلك فهو يحضر بوصفه جزء من اللغة التي يتحدث بها ويكتب ويتواصل” ([14] ).

يقرأ الديري مجموعة كبيرة من الخطابات السياسية والإعلامية المحلية والعالمية، ليكشف الآلية الذهنية التي يستعين بها السياسيون في صياغة استراتيجياتهم وخططهم وسياساتهم وإدارتهم للحقيقة، ويوظفها المحللون والمراقبون لصياغة نماذج تعينهم في فهم هذه السياسات والاستراتيجيات، ويشيد بها المفكرون نماذج تفسيرسة لمعرفة النسق الكامن وراء كل قول أو ظاهرة إنسانية، ويتصرف من خلالها الفلاسفة بمفاهيمهم المجردة فيمنحونها سعة وخصوبة وكثافة وسهولة، “لذلك لا عجب أن أصبحت المجازات موضع اهتمام مختلف العلوم الإنسانية والفلسفة والمجالات الإدارية والتسويقية” ([15] ).

تفكيك الخطابات

يقف الديري عند نماذج لخطابات دينية أصولية، متتبعاً شبكة أنظمتها الدلالية والثقافية، من خلال مجازاتها واستعاراتها، ليكشف أن الذات تفهم العالم وكائناته وعلاقاته وفق شروط هذه الشبكة وإمكاناتها. ولكي تخرج الذات على هيمنة هذه الشبكات، لا بد أن تخضعها للقراءة والنقد. أي أن تجعلها موضوعاً قابلاً للسرد والفحص. ما يجعل الديري ينطلق إلى قراءة ونقد الصياغة الآيدلوجية التي شكلت تمثلاته للمرأة، وكيف عملت التركيبة المجازية لشبكته الثقافية على تشكيل إطار فهمه للحجاب وداخلت حججه وقناعاته.

“دريدا ومسار الشمس”، هو عنوان مقاربة مجازية أخرى، لنموذج خطاب فلسفي، يتتبع فيه الكاتب تفكيك دريدا لاستعارة الشمس. الشمس تحيل في النصوص الفلسفية على الحقيقة الواضحة الجلية المطلقة. وهو ما يجعل من هذه الخطابات تنسى أصلها الاستعاري المجازية وتتصرف وكأنها الشمس. التقويض لهذه النصوص تقويض لزعمها بالتطابق التام مع الحقيقة. وهو يحتاج إلى فهم مغاير للمجاز واللغة، يجعل من المجاز لعباً حراً يكوثر المعنى ويفيض، “حينها يكون المجاز علامة حرة، ضوءاً يلعب في الأشياء، شمساً تحيي الأشياء وتحركها”([16] )

ظلال الكلمات

يتحول الديري إلى الخطاب الصوفي الذي يصفه أدونيس بأنه لغة شعرية وأن “كل شيء فيها هو ذاته وشيء آخر، الحبيبة مثلاً هي نفسها وهي الوردة أو الخمرة أو الماء أو الله”. يقف الديري عند مفردة “الكلمة”، ليشيّد علاقة مجازية مفهومية بين الظل والوحي والكلمة، وليرينا أنها هي نفسها الظل وهي الوحي وهي الجرح. نقرأ الكلمة في ظلال هذه المجازات، فتتكوثر وجوهها وتتعدد إمكاناتها وتتنوع استعمالاتها، فتتسع معانيها بناء على هذه الإمكانات وهذه الاستعمالات.

وبهذ ه الظلال يقارب الديري مفهوم الصورة في خطاب ابن عربي، بوصفها علامة كثرة ومغايرة، وهي بهذا الوصف معرفة كثيرة بالإنسان والوجود والله. حيث الكثرة في خطاب ابن عربي هي ظلال كثيرة وتلوين يتنوع فيه أشكال ظهور الواحد. وقد استخدم ابن عربي ( الشخصية الأكثر مشكالية) مجازات المحل والمنظور والقابل والظل والنور والرؤية والعين والبرزخ، ليعبر عن أشكال ظهور الواحد بالعين، الكثير بالصور.

المعرفة المحبة

هي ما يختم به الديري كتابه، مفهوماً مجازياً للمعرفة، يقرأ فيه المعرفة على نحو يجمعها على الحب ويعرفها به. “فالمعرفة تجمع ضدين “الإدراك هو جمع بين شيئين، أحدهما غامض، والآخر واضح”، والمحبة تجمع ضدين “المحبة هي الجمع بين الضدين”. المعرفة التي لا تعترف بأضدادها معرفة لا محبة فيها، والمحبة التي لا تقرُّ بضديدها محبة لا معرفة فيها. بقدر ما نجمع الأضداد نعرف ونحب، وبقدر ما نحب ونعرف تتكوثر أضدادنا”([17] ). المعرفة الأصولية التي تجعل من علاقتها بأصولها نهاية اليقين والحقيقة والوضوح والصدق والصحة، هي معرفة طارِدة للضد، لأن الضد يهدِّد يقينها. أما المعرفة المحبة، فهي المعرفة المتكوثرة بالشك، هي المعرفة التي تلجأ إلى ضدها لتثري ذاتها بالازدواج به.

هذا الجمع هو ما جعل من التصوُّف رحباً حد الاتساع لجميع تناقضات البشر وتباينات مذاهبهم، وهذا ما جعل من نيتشه يبتكر مفهومه للمعرفة المرحة المفتوحة على الأضداد والمجازات والخيالات والسخرية والمرح واللعب. ([18] )

يقارب الديري المعرفة المحبة بمجازات التضاد والتحول والكشف والحجب والثراء والوجدان والتشجر والكأس والماء والصوفة واللون والنَفَس، بهذه المجازات يتسع من مفهوم المعرفة وتصير لعباً ومرحاً وحباً وتضاداً .

حقل المجاز

استطاع الديري في كتابه ” مجازات بها نرى” أن يجعل من مفهوم المجاز حقلاً واسعاً. فالحقل يكون حياة باستشكالاته، أي بالأسئلة التي ينتجها، يكون الحقل حياة بمتناقضاته ومتضاداته، بالمفاهيم المتقابلة فيه. لم يقدم لنا الديري وجهاً واحداً للمجاز، بل ترك وجوهه مساحات مفتوحة قابلة للتأويل والتعدد والتكاثر واللعب والاستمتاع.

فالمجاز هو ليس الحقيقة التي تقابل الخيال، هو ليس الحس الذي يقابل العقل، هو ليس العاطفة التي تقابل الفكر، هو ليس الزينة التي تقابل المضمون، هو ليس الخفاء الذي يقابل الظهور، هو ليس الصناعة الني تقابل الفطرة، هو ليس الفرع الذي يقابل الأصل، هو ليس الجمال الذي يقابل القبح هو ليس الخيال الذي يقابل العقل، هو ليس التجسيد الذي يقابل التجريد، هو ليس التزييف الذي يقابل الحقيقة. المجاز هو كل هذه الثنائيات متداخلة مع بعضها البعض، “المجاز هو أعظم أداة اتصال وعبور وجمع بين المتضادات، فهو يجمع أعناق المتنافرات”([19] ).

بهذا الاتصال والعبور والجمع بين المتنافرات، يبدع الانسان ما لا نهاية له من اللوحات الممتلئة بالضوء واللون والحركة. لا تكف هذه اللوحات عن التشكل والتشكيل كلما تحرك الإنسان بتضاداته وتناقضاته وتلويناته وأصنافه وأشكاله.

كلما حركنا قطع زجاجنا أصبح المجاز هو نفسه المعرفة المحبة، وهو نفسه السمك الرعاش، وهو نفسه الاتصال العظيم، وهو نفسه الظلال الكثيرة، وهو نفسه الصور الثرية، وهو نفسه علامة الكثرة والمغايرة، وهو نفسه المدينة المشتعلة بطعم الاختلاف وهو وهو.. أصبح المجاز إمكانات غير منتهية من الرؤى والأفهام والتفاسير والتأويلات والتشكلات، أصبح المجاز مجهراً يرينا تفاصيل حركة الأشياء ودقائقها وأصلها وتمثلاتها.. أصبح مجاز الديري مشكالاً به نرى..


[1] علي أحمد الديري، مجازات بها نرى، ص 40

[2] م.ن، ص99

[3] م.ن، ص38

[4] م.ن، ص20

[5] م.ن، ص18

[6] م.ن، ص22

[7] م.ن، ص47

[8] م.ن، ص49

[9] م.ن، ص73

[10] م.ن، ص73

[11] م.ن، ص80

[12] م.ن، ص96

[13] م.ن، ص91

[14] م.ن، ص106

[15] م.ن، ص105

[16] م.ن، ص176

[17] م.ن، ص200

[18] م.ن، ص201

[19] م.ن، ص205

عـلي الديري فـي طوقه

الخطاب.. بين «التطويق» و«الطاقة»

العدد 618 – الاربعاء 20 شوال 1428 هـ – 31 أكتوبر 2007

جريدة الوقت:رانه نزال.
  صد12ر عن برنامج النشر المشترك بين مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل  خ ليفة والمؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب الباحث البحريني علي الديري كتاب ‘’طوق الخطاب – دراسة في ظاهرية ابن حزم’’.
وقدّم الكاتب كتابه بسؤال كيف يكون صاحب طوق الحمامة هو نفسه صاحب طوق الخطاب؟ مستدعياً بذلك التناقض الظاهري في منهجية ابن حزم بين طوق الحمامة و’’الإحكام في أصول الأحكام’’ الكتاب الذي تناوله الديري بالبحث كمادة لنيل شهادته الماجستير، وأكد على أن غرض البحث دراسة ظاهرية ابن حزم بما هي طوق، أي بما هي مجموعة قوانين تطوّق الخطاب بقوتها لإظهار معنى ما.
وكما الإطار يظهر معنى الصورة ويحّده ويحكمه، كذلك طوق الخطاب يحّد الخطاب بإحكام كي لا يتسرب إليه معنى من الخارج لا يعطيه الخطاب أولا يظهره الخطاب، مؤكداً على أن ظاهرية ابن حزم إنما تنص على أن ‘’النص لا يعطيك الا ما فيه’’ وبين هذين يعلق الكاتب أن ابن حزم كان قارئاً فذاً بقدرته على تطويق علامات الحب، وبطاقته على تطويق معنى الخطاب، وان كان في الطوق الأوّل أكثر بسطاً في تأويلها، وفي الثاني أكثر قبضاً لمعناها.
ولسنا هنا في مقام عرض وتناول الفارق بين الطوقين عند ابن حزم، وإن كان هناك فارق أصلاً؟! فالحمامة بطوقها عند ابن حزم ليست بأكثر من سرد لسير في الألفة طاقها بعرضها، والطوق في خطابه حسب الديري الذي أكد في محاضرته في الموسم الثقافي الجديد بمركز الشيخ ابراهيم على أن ابن حزم لا يحضر إلا ويحضر الطوق معه، وكأن الطوق ختم على ابن حزم حتى صار عنواناً من عناوينه، ومع تسجيل اعتذاره عن الخوض في محاضرته في طوق الألفة وفي الطوق الأندلسي، مؤكداً بذلك أن منهجية بحثه ومنطقة انشغاله ليست بالمنهجية التوثيقية ولا تلك التاريخية وإنما انشغاله على تحليل خطاب ابن طوق في ‘’الإحكام في أصول الأحكام’’ حسب عقلانية ابن حزم، وان استدعى الأخير فيها الفلسفة الارسطية محاولاً إحكام أصول الفقه حسب منطق تلك الفلسفة ووفق المنهجية الظاهرية التي ترى النص ثابتاً لا مجازاً متحرياً قابلاً للتأويل ناهيك عن التفكيك و الإفاضة، ولعل هذه النقطة بالذات هي نقطة الحراك التي دفعت الكاتب لاختيار هذا الموضوع، وحضته على التسمية المستدرة لمفارقة أكد على أن حدّتها حدّة مفارقة لا تناقض، وليس أدل على ذلك من التفاف الكاتب حول معنى الطوق واستدعائه له في أكثر من مقال من المعاجم ليطوّق هو الآخر القارئ في عقال الفارق بين الطوقين لصاحبهما ابن حزم، والطوق في معجم اللسان – لسان العرب – ‘’ما استدار بالشي ولم يقل ما استدار من الشيء، ووردت أني طُوَّقْتُ ذلك أي لَيته جُعل داخلاً في طاقتي وقدريٌ، والطَّوقُ: الطاقة، وقد طاقه طوقاً وأطاقه إطاقة وأطاق عليه.. فهو في طوقي أي في وَسْعي’’ وإذ كنت لا أرى تناقضاً ولا مفارقة بين الطوقين عند ابن حزم بهذا المعنى فمنهجبته الظاهرية تؤكد أنه إنما كان يقصد أن في طوقه أي وسعه أن يتحدّث من الألفة وعن الأحكام وفق منهجية سردية في الأولى وفلسفية أرسطية في الثانية، وإذ يعلق الديري صراحة وفي أكثر من مكان أنه لا ينصح بقراءة كتابه لمن لا يستطيع تحمل مشقة القراءة، لأن قراءته ستكون متعبة ،وأنه غير مسلٍ، فإنه أيضاً ليحض على قراءته مستفزاً القراء ومحرضاً إياهم على ذلك بتأكيده على أنه للصبورين من القراء فقط، علماً أن مادة الكتاب التي هضمها صاحبها هضماً عميقا تؤكد منهجيته التحليلية والتي تقتضي الأمانة في حقها الإقرار بسهولة بل وسلاسة العرض واللغة به مادته التي تنثال بين يدي وعيني القارئ ناهيك عن عقله.
وقد تضمن الكتاب بفصوله الأربعة التي ختمت بقول الكاتب ‘’ان ما يسميه ابن حزم (تراكيب الكلام) هو كيفية من الكيفيات التي يمكن للعقل فهمها وتمييزها، استناداً إلى مفهوم الدليل الظاهري المبني بناء منطقياً في إطار مصالحته لمشكلة المعرفة واللغة والفهم، لذا فالدليل يمثل خلاصة العقل الظاهري، إذ به تعرف حقائق الأشياء على ما هي عليه، بالرجوع إلى المقدمات اليقينية الضرورية، وما ينتج من ذلك من معرفة يقينية يعدها ابن حزم علماً، ‘’فالقضية إنما تعطيك مفهومها خاصة وإنّ ما عداها موقوف على دليله’’ موظفاً بذلك – ابن حزم – حسب الكاتب الأدلة المنبثقة من قوانين المنطق الأرسطي التي تجد فيها الظاهرية أداة علمية تحقّق لفهمه معرفة موضوعية بعيداً عن تدخلات الذات، في خطاب حسب الكاتب عند ابن حزم وفي ضوء ما سبق لا يعطيك مدلولاً يتعدّى المدلول الذي ركبت عليه ألفاظه.
ومما لاشك فيه أن الكاتب قد اختار واعياً ابن حزم ليدلل على التعارض الحاد بين معنى الطوق الذي هو الطاقة والسعة بمعنى التطويق وبين معناه الذي هو الطاقة والتأويل، وبالتالي بين المنهج الظاهري عن الآخر الباطني في عdairycopyمق الفلسفة الاسلامية، وفي الجدل الدائر بينهما سالفاً وحاضراً، مقراً بفضل ابن حزم في اعتبار الفقه الذي لا يسوق المنطق الأرسطي لا يمكن الثقة في فهمه للنص الديني وأنه أي – ابن حزم – قد أعاد كتابة منطق أرسطو باللغة العربية، وبالأمثلة الشفهية في ‘’التقريب لحدّ المنطق’’ ممثلاً بذلك نموذج العالم الذي تتقاطع فيه المعرفة المنطقية والبلاغية واللغوية والأصولية واللاهوتية (علم الملّل والنحل)، إلاّ أن المنهجية كما أسلفنا تتعارض عند الكاتب بين علم تحليل الخطاب الذي يجب أن تندرج أصول الفقه تحت مظلته، وبين الفقه الذي تندرج تحت مظلته أصول علم تحليل الخطاب، مستدعياً مجدداً الحدّة التي هي هنا بمعنى التناقض بين الظاهرية التسليمية والباطنية التأويلية، بين تطويق وطاقة.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=81661

الإسلاميون واليسار والديمقراطية

نقلا عن جريدة المساء المغربية

استضاف فندق (Ibis) مسافر في العاصمة الرباط، السبت المنصرم، أشغال ندوة-مناقشة عامة في موضوع «الإسلاميون، اليسار والديمقراطية»  ضمت عددا من الفاعلين والمهتمين السياسيين والحقوقيين، تميزت بنقاش مستفيض حول تشخيص طبيعة العلاقة بين الحركات الإسلامية واليسار والإمكانيات المتاحة لاشتغالهما المشترك وحدود ذلك.
الرباط – يونس مسكين:

فندق (Ibis) مسافر في العاصمة الرباط
فندق (Ibis) مسافر في العاصمة الرباط

بدا الصحافي محمد العربي المساري متفائلا وهو يؤكد أن في المغرب تقاليد الحوار، وأننا مجبولون على التفاوض، فيمكن المراهنة على المصالحة مع الذات والمصالحة الوطنية، و«مهما كانت الاختلافات، فإن الجميع سينصهر في بوتقة مغربية، لكوننا أول من انفصل عن الإمبراطورية العربية الإسلامية»، واعتبر أن عقلانيتنا تتمثل في صومعتنا المربعة عكس تلك المستديرة في المشرق… فيما جزم بأن هذا التصنيف بين إسلاميين ويساريين ليس هو السائد في المجتمع المغربي، كما أن الصدام ليس حتميا بين فئات المجتمع.
جرى هذا الحديث في الجلسة الثانية لندوة «الإسلاميون، اليسار والديمقراطية» صباح السبت المنصرم، والتي حضر جلستها الأولى الناشط الأمازيغي أحمد عصيد الذي اعتبر أننا بعد أن ورثنا عن الاستعمار دولة مزدوجة: مخزن تقليدي وإدارة عصرية، بات الطرفان (اليسار والإسلاميون) يمثلان هذه الازدواجية، أي مشروع حداثي ديمقراطي ينادي به العلمانيون، مقابل مشروع إسلامي، فالتياران معا هما نتاج تحولات المجتمع المغربي لما بعد الحماية. معتبرا أن الصراع بين التيارين يتم في غياب الديمقراطية وفي ظل حكم مطلق يستغل الصراع ليقدم نفسه كبديل عنهما معا، فكلما اشتد الصراع يبدو أنهما يلجآن إلى هذا الحكم لطلب تدخله، مثلما حصل بخصوص خطة إدماج المرأة في التنمية. ونتائج ذلك، في رأي عصيد، أن النقاش العمومي لم يربح شيئا ولم يتطور الوعي العام نظرا للطريقة التي استعملها الإسلاميون من التحريض والاتهام بالعمالة… وهذا ليس في صالح الديمقراطية، لأن التحريض يخلق ذهنية مهيجة داخل المجتمع. وكانت النتيجة أن شكل الملك لجنة ملكية عززت شرعيته ولم تكن لصالح أي من الطرفين.
فيما ذهب صلاح الوديع إلى أن الإيديولوجيات الدينية لا تتوافق مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، متسائلا عما إذا كانت الحركات السياسية ذات المرجعية الدينية تستطيع أن تتبنى الديمقراطية وتتخلى عن التصورات الإقصائية، «لا أحد يمكن أن يجيب ويؤكد أو ينفي ذلك»، يقول الوديع قبل أن يستدرك: «الحركات السياسية الإسلامية مرشحة لتليين إيديولوجيتها مع تطور المجتمع، ليس لحربائيتها بل لأن القاعدة التاريخية لا ترتفع». ذلك أن الحركية السياسية، عند صلاح الوديع، هي عندما تتواجه الإرادات الفئوية والطبقية وتسفر عن حصيلة هي جماع كل هذه الإرادات، حيث يقفون على أن نتيجة تدافعهم لا تعكس طموحاتهم كما تصوروها في البداية، وهذا ما يصطلح عليه بـ»عتبة الديمقراطية»، أي وعي الجميع بضرورة تحقيق توازن بفضل الردع المتبادل، لكن الأمر لا يقف عند الوعي بهذه الضرورة لأن فكرة الديمقراطية خاضعة للتطوير الدائم. «فهل تريد الحركات الإسلامية تحقيق التنمية البشرية وبناء الدولة القوية»؟ يعود الوديع إلى التساؤل، «أم استرجاع أمجاد الدولة الإسلامية؟» في الحالة الأولى تكون هذه الحركات قد أقرت بأن الوطن هو المرجع وبالتعدد في هذا الوطن، وستناقض بنفسها مسألة الاستخلاف الديني، لأن الديمقراطية ترتبط بالدولة الوطن لا بالمرجعية الدينية. وهذا السؤال الذي يطرح اليوم على الحركات الإسلامية، يؤكد صلاح اعتمادا على خبرته وليس بصفته باحثا سياسيا ولا متخصصا في الإسلام السياسي، سبق وأن طرح على اليسار، الذي اعتبر في وقت معين أن الديمقراطية وحقوق الإنسان فكرة مرفوضة تعبر عن طموح بورجوازي، قبل أن يحدث التحول وتصبح زعاماته قائدة لعملية المطالبة بحقوق الإنسان.

مجرد  نقيض للاستبداد؟

إثارة مسألة الديمقراطية من خلال التاريخ أثارت برلماني حزب العدالة والتنمية الذي بدا هادئا وهو يؤكد أن موضوع الحرية والمجتمع وعلاقات التعاقد والتأثير والصراع والتوافق موجود منذ خلق الله الإنسانية وليست وليدة اليوم، واستغرب كيف أن التاريخ يقف عند الأوربيين، فمنذ آدم عليه السلام، يؤكد عبد العزيز رباح، جاء الأنبياء برسالة ذات مضمون اجتماعي شامل، ومقاومة استبداد فرعون جاء برسالة سماوية، فكانت رسالة موسى رسالة ثورية ضد ظلم فرعون. معتبرا أن المواجهة بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى كانت سياسية وليست عقدية، ذلك أن المرجعية الدينية مرجعية تحريرية بالدرجة الأولى، فلو أن الإسلام اقتصر على العلاقة بين العبد وربه لجاء القرآن في حزب واحد يوضح هذه العلاقة، يقول رباح. أما عن موضوع الندوة فقد أقر بأن كثيرا من التيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تريد أن تطمئن على المستقبل بعد صعود الحركات الإسلامية إلى سلطة القرار في عدد من الدول، موضحا أن الحركات الإسلامية ثلاث: الأولى جاءت لمواجهة الحكام  وظهرت منذ وفاة الرسول، والثانية جاءت تنادي بالإصلاح من الداخل وتربطه بعلاقة الأمة بأعدائها فتجنبت إضعافها بالخروج على الحاكم، والثالثة تولت التشريع للسلاطين كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرهما، حيث يوجد مثقفون ينظرون للأنظمة القائمة.
وفيما أكد عمر إحرشان، الرئيس السابق لشبيبة العدل والإحسان، أن الديمقراطية هي نقيض الاستبداد، وهي آليات «فصل السلط وتوازنها…» لكن البعض يريد أن تصبح الديمقراطية دينا، وهنا مكمن النقاش، كما أن هناك توجه اللادينية وهو غير ممكن، بينما يوجد بين العلمانيين صنف كارهٌ للدين وآخر متخوف من الدين، وهذا الأخير يمكن التحاور معه. واعتبر أحمد عصيد أن للإسلاميين تصورا تكتيكيا وبراغماتيا للديمقراطية، ذلك أن هناك من يحتفظ بمشروعه في رأسه وليست الديمقراطية لديه إلا مرحلة، «فيجب القطع مع ازدواجية الخطاب لدى الإسلاميين». مؤكدا أن ليس هناك وضوحا لمعنى الديمقراطية في الأذهان، فهناك قواعد لا يمكن بدونها لخيار الأغلبية إلا أن يؤدي إلى مزيد من الاستعباد، فإيران مثلا، يقول عصيد، لا تزوّر الانتخابات، لكن ليست هناك ديمقراطية وهناك مصادرة للصحف التابعة للرئيس نفسه (على عهد محمد خاتمي) من طرف سلطة أقوى هي المرشد الديني. تلك القواعد هي احترام الآخر وحقوقه الأساسية، فليس من حق الأغلبية أن تعدل القوانين التي بلغت بفضلها السلطة، أي القيام بإنهاء الديمقراطية. تحامل أغضب رباح الذي استغرب عدم التجرؤ على انتقاد دول مثل فرنسا التي تمنع مناقشة قصة المحرقة اليهودية أو التشكيك فيها، «أم أن فرنسا تقوم بتمويل ندواتكم؟» يقول رباح مخاطبا عصيد في نقاش ثنائي. وذهب برلماني حزب المصباح إلى أن الحركات الإسلامية تدرجت بسرعة لتبني الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليس كآلية استغلالية، بل كقناعة نظروا لها وأصّلوا لها وأقاموا لها المدارس للإقناع بها، فتم التأصيل لفكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان في الفكر الإسلامي المعاصر بأشكال مختلفة. بل إن حماية واحترام أبناء الديانات الأخرى عقيدة لدى المسلمين، يقول رباح.

قطب «حريم السلطان»؟

تدرج كان صلاح الوديع قد سجله على اليسار نفسه بعد أن نبه إلى نسبية الحديث عن المرجعية الإسلامية، وأن على الحركات الإسلامية أن تقر بهذه النسبية ونسبية مقاربتها واعتبارها تأويلا من بين تأويلات، لأن الإسلام عرف انقسامات في تأويله، مؤكدا أن العيب لا يتمثل في اعتماد المرجعية الإسلامية، بل العيب هو ادعاء تأويل واحد للدين كمرجعية وحيدة. وهذا التعدد في الفرق الإسلامية واستمرارها دليل على نسبية التأويل ومسوغ لمجادلة الحركات التي تجهر بالمرجعية الإسلامية. فيما طالب الوديع بالإقرار بحرية اللاتدين، لأن الإيمان، بالنسبة إليه، مسألة شخصية وموقف فردي بين الفرد وخالقه، ذلك أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون الإنسان مسؤولا شخصيا عن إيمانه، مؤكدا أن الانقسام على أساس تأويل الدين لم يسبق له وجود في المجتمع المغربي. فيما اعتبر أن الديمقراطية ليست مجرد نمط اقتراع واحتساب للأصوات، بل هي اختيار فكري ينطلق من قيمة الفرد والاختيار الحر والتعاقد… ولا يمكن ادعاء الديمقراطية إذا كان البرنامج السياسي يعادي مبادئها حتى لو فاز هذا البرنامج بأغلبية الأصوات، أما إذا كان هذا البرنامج يفاضل بين الأحزاب، فإننا «نكون قد أخللنا بأسس الديمقراطية، لذلك يجب على القانون أن يفرض عدم استعمال الدين في السياسة، لكون الاستقواء بالمقدس الديني كبح للديمقراطية».
علي أفقير، عن حزب النهج الديمقراطي، اعتبر أن التناقض الذي يخترق المشهد السياسي ليس هو الذي بين اليساريين والإسلاميين، بل إن هناك ثلاثة أقطاب: قطب القوى البرلمانية الملتفة حول الملكية (الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، العدالة والتنمية…) وهي تتفق على الرأسمالية والليبرالية والملكية بشكلها الحالي ودين الدولة (الإسلام السني المالكي) والمناوشات بين مكونات هذا القطب هي بمثابة المناوشات بين حريم السلطان. وقطب ثان تشكله المعارضة الإسلامية (العدل والإحسان والسلفية الجهادية بفروعها) وهي معارضة جذرية للحكم تستمد مرجعيتها من الدين، وهو قطب ماضوي تنحصر معارضته في الجانب السياسي وتفتقر إلى مشروع اقتصادي اجتماعي، لكنه يتعرض للاضطهاد. أما القطب الثالث فهو اليسار الجذري (اليسار الماركسي، أي النهج الديمقراطي الذي يمثل استمرارية التيار الماركسي اللينيني) «ونحن لا نهاجم التيارات الإسلامية الجذرية المعارضة، بل الحكم المخزني»، يؤكد أفقير. فيما ذهب مصطفى المعتصم عن حزب البديل الحضاري،  إلى القول: «خسر الإسلاميون وخسر اليساريون وخسرت الديمقراطية حين لم ننجح في تتويج المسار الذي يفترض أن يوصلنا إلى ديمقراطية حقيقية، فقد عاد الفاسدون وانتصروا أمام الصمت المتواطئ للسلطة وليس الحياد السلبي». وأضاف: «لقد أخلف مهندسو القرار داخل السلطة الموعد، فهل نقبل أن نبقى محتقرين؟ وهل تترك القوى الوطنية الديمقراطية صناع القرار السياسي يصنعون مغرب المستقبل لوحدهم؟». معتبرا أنه من حقنا أن نكون قلقين جدا على مستقل بلادنا بعد الذي حصل في 7 شتنبر وتشكيل الحكومة، ولا بد من وقفة تأمل في الحصيلة وطرح الأسئلة الحقيقية والإجابة عنها بمسـؤولية وشجاعــة.

«البحرين» يلتقيان

أشغال الندوة التي تغيب عنها كل من عبد الصمد بلكبير وعبد الحميد  أمين كما كان مسطرا في البرنامج، تميزت باستضافة ضيف قادم من دولة البحرين، «بلد مساحته 700 كلم مربع ولا يتعدى عدد سكانه نصف المليون، لكنه ببحرين، أحدهما حلو والآخر مالح يتعايشان بهدوء»، يقول علي أحمد الديري محاولا تلطيف الأجواء بعد احتجاج عبد العزيز رباح على مسير الجلسة، المعطي منجب، الذي بدا مشاطرا لرأي عصيد في كون الحركات الإسلامية قامت بالتهييج في موضوع المدونة. ورغم نقاط التقارب بين التجربتين المغربية والبحرينية، والتي جاء الديري لعرضها، فإنه راح يستعرض المسار المتعثر للإصلاح السياسي في بلاد النصف مليون، ذلك أن عائلة آل خليفة جاءت إلى البحرين سنة 1783، رغم أن هناك اختلافا حول الكلمة المناسبة: جاءت أم فتحت أم غزت أم استولت، يقول الديري قبل أن يبوح: «لا زلنا في البحرين نخشى فتح تاريخنا، هناك شيء من الحظر». فقد استقلت البحرين عن «قبيلة بريطانيا» سنة 1971 وتم وضع أول دستور سنة 1973 والذي كان متقدما جدا ورافقه إحداث مجلس وطني (برلمان)، لكن كل ذلك تم وأده سنة 1975 بدخول البلاد في نفق مظلم إلى غاية سنة 2000 مع المشروع الإصلاحي الذي أسفر عن وضع دستور جديد سنة 2002 حمل تراجعات كثيرة عن سابقه، «ذلك أن البرلمان الحالي لا يستطيع أن يشرّع أو أن يسقط وزيرا»، يقول الديري قبل أن يعتبر أننا نحتاج إلى مراجعة فكرة الدولة، لأنها في الأساس فكرة تقوم على أنها إدارة عقلانية واجتماعية تؤمن الحرية وتنزع الخوف، أي أن الناس يطيعون القانون وليس الناس، فيخرجون من طاعة العامة إلى الطاعة العامة. فيما اعتبر أن العلمانية تعني فصل الخوف عن الدين، أي ألا يصبح الدين أداة إرهابية وتخويفية في يد الدولة، قبل أن يقذف بحسرته قائلا: «لدينا رئيس وزراء واحد منذ الاستقلال».

علي الديري الدار البيضاء 2007

«النظام المخزني
هو المستغل الأول للدين»

حسرة قلل منها عمر إحرشان متسائلا: «بالله عليكم كيف يعقل أن شخصا حكمنا لمدة 38 سنة؟ بينما في الأنظمة الديمقراطية لا يتجاوز الشخص ولايتين في السلطة، أي عشر سنوات على أقصى تقدير». فيما كاد إحرشان للوهلة الأولى أن يجزم بعدم إمكانية التوافق بين الإسلاميين واليسار «نظرا للخلافات الإيديولوجية حد التناقض في قضايا رئيسية والصراعات الميدانية على مر التاريخ». لكنه عاد إلى مقاربة الموضوع من زاوية «مصلحة البلاد» ليجد أن العوامل المشجعة على التقارب هي الغالبة، منها إرادة الشعب وضرورة وضع حد للنزيف الذي تعرفه البلاد والذي أصبح يستحيل على أي طرف أن يوقفه لوحده. ثم إن هناك اتفاقا سياسيا على تشخيص المرحلة وأولوياتها الدستورية، علما أن معسكر الفساد يستقطب من المعسكر الآخر، حتى بات رموز اليسار يدافعون عن الفصل 19، برأي إحرشان الذي أضاف عوامل تقارب أخرى مثل الاصطفاف إلى جانب الشعب والوقوف ضد الهيمنة الأمريكية… ويخلص إلى أن صيغة التوافق هي التعايش والتعاون والتنافس، وضرورة تشكيل جبهة أو تكتل وطني لتغيير ميزان القوى لصالح الفئات الشعبية ومطالبها ووضع ضمانات لعدم العودة إلى الاستبداد.
توافق رأى أحمد عصيد أن موانعه تتمثل في تباين المرجعيات، خاصة أن هناك من يعتبر مرجعيته مطلقة فيصعب التشارك معه في أي بناء، «كما كان الحال مع عبد السلام ياسين الذي قال لنا تعالوا إلى كلمة سواء، ولم تكن هذه الكلمة سوى مرجعيته هو». بينما يقول العلمانيون، في رأي عصيد، إن الموضوع نسبي يمكننا التناظر حوله. بينما اعتبر علي أفقير أن ما يفرق بين القطبين الثاني (الإسلام الجذري) والثالث (اليسار الجذري) هو المشاريع المجتمعية ومسألة التشريع ومصدره، وعلاقة الدولة بالدين، «حيث يعتبر الكثيرون الإسلام دين الدولة، فيما ندعو إلى الفصل بينهما، ذلك أن النظام المخزني هو المستغل الأول للدين» قبل أن يضيف: «أشدد على أن خلفيات الصراع ليست دينية أو حضارية، بل هي أفقية بين تكتلات طبقية». فيما عاد المساري بتفاؤله مؤكدا أن التعلق بالدين ليس ظاهرة عابرة، بل إنه آخذ في التغلغل، «ذلك أنني عندما كنت وزيرا للاتصال، أجريت دراسة حول نسب مشاهدة القناتين، فوجدت أن برنامج «ركن المفتي» يحقق رقما قياسيا لاستقطاب المشاهدة يفوق نشرة الأخبار ويعادل الفيلم المصري، وهذا يدل على أن المغربي يريد أن يكون في سلام مع الله»، موضحا أن الإسلاميين هذبوا كثيرا من طروحاتهم وباتوا يقدمون أنفسهم كجزء من الكل، و»أعتقد أن الإسلاميين سيكفون عن نقل نموذج الإخوان المسلمين»، وأن اليسار ظل يصارع منذ 30 سنة، لكنه الآن «لم يعد مشغولا بفكرة قتل الله، أي نبذ التدين» بعد أن أرغمت صناديق الاقتراع هذا اليسار على القبول بنسبية التمثيل، يؤكد المساري معلنا أن كلمته السحرية هي المصالحة، و»ليس للدولة أن تجر الناس رغم أنوفهم نحو الجنة».

القوى التي كان يجب أن تحفز على الديمقراطية أصبحت عائقا للانتقال

مصطفى المعتصم الذي كانت كلمة «ثورة» تنفلت من لسانه مكان كلمة «ثروة» جزم بأن الدولة المغربية فشلت في مشروعها السياسي لكنها نجحت في توظيف صراع الطرفين واطمأنت إلى استحالة قيام تحالف بينهما، مؤكدا أن أغرب ما حدث في المغرب منذ 1999 هو أن القوى التي كان يجب أن تحفز على الديمقراطية أصبحت عائقا للانتقال، حتى أن بعض الإسلاميين يطالبون الملك بتفعيل صلاحياته الدستورية في موضوع المدونة ضد العلمانيين، فيما يقوم الطرف الآخر بنفس الشيء لمنع احتكار الإسلاميين للخطاب الديني. قبل أن يقول إن على الإسلاميين تهدئة مخاوف العلمانيين من الإسلام السلطاني، وعلى الطرف الآخر أن يهدئ المخاوف من العلمانية الجذرية، ويدعو إلى الجلوس إلى طاولة حوار يفضي إلى توافق وصياغة مشروع شامل، لكن مع استبعاد الأحزاب التي شاركت في إيصال البلاد إلى الأزمة. رأي كاد علي أفقير يشاطره حين اعتبر أن المسؤولية عن الوضع الحالي لا تعود إلى اليساريين (الجذريين) أو الإسلاميين (الجذريين)، واللذين تجمعهما معارضة النظام المخزني وعدم المشاركة (مقاطعة الانتخابات مثلا) ومناهضة الإمبريالية العالمية، الأمريكية والصهيونية والداعمين لها. فيما اعتبر عصيد، الذي أكد أنه لا ينتمي لا لليسار ولا للإسلاميين، أن كلا من الطرفين يسعى إلى التحالف مع السلطة لمواجهة الطرف الآخر، وقد استعملت السلطة هذه التحالفات، فبعد أن كان مخطط السلطة هو استعمال الإسلاميين ضد اليسار، هي اليوم تعود إلى استعمال اليسار ضد الإسلاميين. معتبرا أن الديمقراطية تستحيل باستعمال الدين كما هو متعارف عليه في الحركات الإسلامية، «فيجب أولا تحديث الإسلام في المنظومة التربوية وفي الخطاب الإعلامي…»، مؤكدا أننا لو عدنا إلى استفتاء الشعب حول حقوق المرأة سوف لن تكون هناك حقوق، لأن المغاربة يحقدون على المرأة العصرية بنسبة 85%، مثيرا احتجاج رباح وبعض الحضور الذي فاق الـ150 حسب المنظمين.
برلماني العدالة والتنمية أصر على أن الحركة الإسلامية في المغرب بتعدد تلاوينها أصبحت مدرسة للعالم العربي والإسلامي في تبني الديمقراطية وحقوق الإنسان، مؤكدا أنه لم يسبق للحركات الإسلامية أن قالت حرام أن يكون للملك مستشار يهودي أو وزير يهودي. لكنه أقر بأن الواقع الحالي مبني على الشك والتباعد بين الفاعلين، والسؤال هو إمكانية الوصول إلى وضع آخر.

http://almassae.biz/?issue=346&RefID=Content&Section=3&Article=5302

بيت الشعر يحتفي بصدور كتاب الزميلين «حداد» و «الديري»

الوقت:المحرر الثقافي.

  بحضور وزير الاعلام جهاد بوكمال، شهد بيت الشعر (بيت ابراهيمصورافتدراظية(087) العريض) مساء أمس الأول حفل توقيع كتابي الزميلين الشاعر قاسم حداد والناقد علي الديري الصادرين عن مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، وهما ”لست  ضيفاً على أحد”، و”طوق الخطاب: دراسة في صورافتدراظية(086)ظاهرية ابن حزم”. وقد اشتمل حفل التوقيع على قراءة لنصوص حداد الجديدة بحضور جمع من المثقفين80402articles200 والمهتمــين في الوسط الثقــافي. يذكر أن الزميــل الديري قد حــاضر الاســـبوع الماضي بمركز الشيــخ ابراهيم عن الكتاب نفســه، ويعد الكتــابان الصادران حديثا آخر اصدارات المركز للــموســم الجاري بعــد صدور (انطولوجيا الشعر البحريني) للشـاعر عبدالحميد القائد.

 

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=80402

اليوم توقيع كتابي «الديري» و«حداد» في بيت الشعر

الوقت – المحرر الثقافي:
يشهد بيت الشعر البحريني في الحورة اليوم (الأحد) 21أكتوبر2007م.7 مساء توقيع كتابي الزميلين علي الديري والشاعر قاسم حداد الصادرين حديثاً ”طوTawaheen_47_Aق الخطاب: دراسة في ظاهرية ابن حزم” و”لست ضيفاً على أحد”. الكتابان صدرا قبل نحو شهر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في إطار مشروع النشر التابع إلى مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث.
وفيما يمثل الكتاب الأول أطروحة الماجستير للديري الحاصل عليها من جامعة القديس يوسف في بيروت، يمثل الكتاب الثاني تجربة حداد في الإقامة الأدبية لثلاثة أسابيع بمدينة برلين برفقة أحد الصحافيين الألمان، في إطار مشروع ”ديوان شرق – وغرب”.
وإذ يتناول كتاب الديري قوانين تفسير الخطاب في علم الأصول ويتخذ ابن حزم نموذجاً من خلال كتابه ”الإحكام في أصول الأحكام”، وقوفاً على الأدوات والمفاهيم والآليات التي يُطوّق من خلالها ابن حزم النص الديني، يتناول كتاب حداد في قسمٍ منه بالسرد انطباعاته عن الناس والأشياء في مدينة برلين، إضافة إلى قسم آخر عبارة عن نصوص شعرية كتبها في أثناء فترة الإقامة.
ومن المقرر – من دون أن يتأكد ذلك – أن يشتمل حفل التوقيع على قراءة لبعض جديد نصوص حداد بصوته، فيما يكتفي الديري بأمسيته الفكرية التي أحياها الأربعاء الماضي في مركز الشيخ إبراهيم وقدم فيها مطالعة في فكر ”ابن حزم الأندلسي”.

dairycopy11

 

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=79877