أرشيف التصنيف: تغطيات

محاضرة على الديري عن أطواق ابن حزم

نقلا عن مدونة لامنتمي.

http://lamontami.com/?p=84#more-84

حضرت يوم الثلاثاء الماضي محاضرة الصديق الناقد علي الديري في مركز الشيخ ابراهيم الخليفة و التي عنونها “ابن حزم بين طوق الخطاب و طوق الحمام”.

AliAlDairy_s

كان الديري طلقاً في تقديم محاضرته و هو يحاول تقريب موضوعه ذي الطبيعة

التخصصية في أصول الفقه، فخاطب المهتمين العاديين قبل المتخصصين، رغم أن معظم المداخلات – ما عدا مداخلة أو اثنتين – جاءت من المتخصصين من الحضور.

بداية قدم الديري لابن حزم مؤلف الكتاب الرقيق في العشق “طوق الحمامة” قبل أن يخرج معهم إلى كتابه الآخر في أصول الفقه “الإحكام في أصول الأحكام” و الذي شكل موضوع بحثه في المحاضرة. و ربما كانت هذه التقدمة من الديري لأجل أن يذكر مستمعيه بهذا الجانب من شخصية ابن حزم الذي قد يتناقض “ظاهرياً” مع شخصيته العلمية الصارمة في كتاب “الإحكام” و لكنه – أي الديري – استخدم هذا المدخل أيضاً ليلج منه إلى سبب تسمية كتابه الصادر حديثاً “طوق الخطاب – دراسة في ظاهرية ابن حزم“.

برر الديري استعارته لكلمة “الطوق” من كتاب ابن حزم الأول بعدة أسباب منها أن الطوق يمارس إحكاماً على معنى النص و لا يتيح للمعاني أن تتكاثر و هو يحكمها لصالح معنى واحد. و هو يأتي أيضاً بمعنى القدرة – فطوق الخطاب هو قوة و طاقة له.

ثم انتقل إلى عرض سريع لعصر ابن حزم، وثقافته الفلسفية و المنطقية التي قد تكون أورثته ضيقاً بالرأي المخالف بسبب اعتقاده الجازم بوجود حقيقة منطقية واحدة لفهم النصوص الدينية، أليس هو القائل “النص لا يعطيك إلآ ما فيه” بعكس ابن عربي الذي عنده أن “النص لا يعطيك إلا ما فيك” – و ربما أثار الديري استغراب بعض الحضور عندما اعترف أن قرائته لابن عربي فتحته على قيمة أكبر لخطاب ابن حزم و لكنه علل ذلك بأن التطرف في إحكام النص ما هو إلا بداية لفتحه و بالعكس. و ادعى الديري أن تعلق ابن حزم بالمنطق الأرسطي جعله عقلاني التفكير فأعلى من شأن المنطق حتى صار نطق الإنسان لديه هو قدرته على التصرف في العلوم و الصناعات، و رفض الإجماع و القياس في الفقه و جعل البرهان المنطقي هو الأساس.

فرق الديري بين ظاهرية ابن حزم و الظاهرية الحنبلية التي سمى قراءتها “بالقراءة الغضة” أما قراءة ابن حزم فهي قراءة عقلانية برهانية.

جائت المداخلات ثرية و تنحو في اتجاهات تختلف عن مقاربة الديري لتراث ابن حزم. و كانت أول المداخلات لأستاذ جامعي عراقي يقول أنه درّس أصول الفقه لعشرين عاماً و قد امتدح القدرة التحليلية للديري و لكنه قال أن يكاد يكون لديه على كل كلمة سمعها تعقيب. و قد اعترض على عدة أشياء منها الأهمية التي أعطاها الديري لكتاب ابن حزم باعتباره رابع أهم كتاب في أصول الفقه، كما لم يفهم الأستاذ مقارنة ابن حزم بابن عربي و هما نقيضان.

و داخل د. ناصر المبارك بإضافة مبدئية لمعنى “الزينة” في الطوق و هو ما أراده ابن حزم على الأغلب في تسمية كتابه “طوق الحمامة”، كما ساق تلخيصاً لقوانين فهم النص لدى ابن حزم أو لدى الظاهريين بشكل عام.

تعددت المداخلات و الاعتراضات و الأسئلة مما أتاح للمحاضر توضيح أراءه بشكل أكثر تفاعلية مع الحاضرين.

أما آخر الأسئلة فكان سؤالاً مباشراً من باحثة شابة: “كيف تقول أن ابن حزم كان عقلانياً و هو يرفض القياس؟” – على أساس أن القياس هو أهم الأدلة العقلية في الفقه -. اعتبر الديري السؤال مهماً و يحتاج إلى محاضرة كاملة ليفيه حقه و اعترف بأن هذا السؤال شغله كثيراً في بداية اشتغاله على ابن حزم، و لكنه فرق تفريقاً دقيقاً بين عقلانية ابن حزم البرهانية و عقلانية “العلية” التي أسس عليها جمهور الفقهاء دليل القياس.

دردشة حول طوق الخطاب

منقول عن مدونة اللامنتمي

http://lamontami.com/?p=38#more-38 

 

طازج من المطبعة: “طوق الخطاب: دراسة في ظاهرية ابن حزم” – كتاب لا ينصح مؤلفه بقراءته..

(الطوق يقبض معاني و يغرق معاني أخرى…)

الطوق مجموعة الأدوات والمفاهيم التي نطوق بها معنى النص..

DSCN9365

ذهبنا الليلة قبل البارحة للسحور مع الصديق علي الديري، فجاءنا حاملاً خبزاً طازجاً في يد ونسخاً من كتابه الطازج من المطبعة “طوق الخطاب: دراسة في ظاهرية ابن حزم” في اليد الأخرى، فكانت لمدونتنا معه هذه الدردشة عن الكتاب بعد السحور.

هل تعطينا فكرة موجزة عن الكتاب؟

الكتاب يتناول قوانين تفسير الخطاب في علم الأصول و يتخذ ابن حزم نموذجاً من خلال كتابه “الإحكام في أصول الأحكام”. يحاول الكتاب أن يقف على الأدوات والمفاهيم والآليات التي يُطوّق من خلالها ابن حزم النص الديني. لذلك عنونت الكتاب بطوق الخطاب، لكل مدرسة تفسيرية أو تأويلية أو فقهية طوق خطاب، ترى فيه تميزها وجمالها، لكنها لا ترى فيه أيضا انغلاقها وموتها.

يبدو أن “الطوق” مستوحى من كلمة “الإحكام” في عنوان كتاب ابن حزم، لكن أليس تفسير النص هو في فتحه لا في تطويقه؟

عادة ما يستل العنوان من موضوع الدراسة نفسها، و كلمة “الإحكام” التي استخدمها ابن حزم في عنوان كتابه تنسجم تماماً مع عنوان البحث إذ إن الطوق يمارس إحكاماً على معنى النص و لا يتيح للمعاني أن تتكاثر و هو يحكمها لصالح معنى واحد، بينما التأويل يذهب نحو فتح النص على معانٍ كثيرة متعددة. ابن حزم هنا هو ضد التأويل والطوق هنا مهمته أن يحد من امكانية التأويل. طوق ابن حزم هنا يريد أن يحيط بمعاني النص فيجعل له تفسيراً وحيداً. الطوق يحمل معاني متناقضة، فهو يمكن أن يكون علامة جمال حين نراه في الحمامة ويمكن أن يكون علامة قبح حين نراه في معلقاً في رقبة حيوان يقاد عنوة. لذلك فالطوق يمكننا من نقبض على معاني وهذا هو سر جماله، لكنه يقيد هذه المعاني ويحبسها وهذا هو سر قبحه. من هنا لا أستطيع أن أقول إن طوق ابن حزم لخطاب القرآن والسنة يدل على انغلاقه وتشدده ورفضه للتأويل، وثم أحكم عليه على أنه يمثل الجانب المظلم من تراثنا، ذلك لأني أرى في طوق خطاب ابن حزم استنارة عقلية منفتحة على المنطق والعلوم والفلسفة وهي عقلانية معتدة بقدرتها على سبر معاني النصوص من غير أن تلزم نفسها بتقليد السلف ولا تقديسه.

DSCN9367

  1. هل تفيد قراءة الكتاب في فهم الطرق التي يؤول بها الفقهاء النص، على أساس أن قوانين تفسير الخطاب عند ابن حزم تعد تمثيلاً لقوانين أصول الفقه؟

من حيث الفائدة، أنا لا أنصح بقراءة الكتاب لمن لا يستطيع تحمل مشقة القراءة، لأن قراءته ستكون متعبة و هو كتاب غير مسل.

الكتاب هو لمن يبحث عن الطريقة التي يفهم من خلالها علماء الأصول – الذين هم الفقهاء أنفسهم – أحكام النصوص القرآنية و السنة النبوية والآليات التي يستخدمونها لاستخراج الأحكام الفقهية. هو لمن يريد أن يفهم آلية التعامل مع النصوص، فهؤلاء كانوا يبذلون ما في وسعهم من أجل فهم النصوص الدينية واستخراج أحكامها الفقهية، وقد اكتسب عملهم قداسة من الموضوع الذي يشتغلون عليه، وهو النص الديني، وليس من الأدوات التي يشتغلون بها (الطوق). من يريد أن يرى الجانب الدنيوي من عملهم يمكنهم أن يستفيد من هذا الكتاب، هنا نجد ابن حزم يدافع عن طوقه (الذي اصطلح على تسميته بالمدرسة الظاهرية) وقدرته على أن ينجينا عبر الظفر بالمعنى الصحيح لحكم النص الديني. طوق ابن حزم ممكن أن نستخدمه في قراءة الخطابات غير الدينية، وأنا أنوي أن أعد كتاباً تطبيقياً أوضح فيه كيف يمكننا أن نحلل الخطابات غير الدينية باعتماد هذا الطوق، بما هو مجموعة أدوات قرائية.

هل تناول باحثون آخرون القضية التي شرحتها في كتابك و هي الربط عند ابن حزم بين فهم الخطاب و فهم القضية المنطقية على أساس الاشتراك في البناء المنطقي في منهما؟

طبعاً تناول باحثون آخرون هذه القضية، و ابن حزم هو من أهم العلماء الذين اهتموا بالمنطق الأرسطي، و أعاد كتابة منطق أرسطو باللغة العربية وبالأمثلة الفقهية وسمى كتابه «التقريب لحدّ المنطق» وكان يعتبر أن الفقيه الذي لا يعرف المنطق الأرسطي لا يمكن الثقة في فهمه للنص الديني.

DSCN937222

أين ترى إسهام هذا الكتاب إذاً؟

يتمثل إسهام الكتاب في ربط أصول الفقه بعلم تحليل الخطاب، اي اعتبار أن أصول الفقه تندرج تحت مايعرف اليوم بعلم تحليل الخطاب، و هو علم عابر للتخصصات، كما أن علم أصول الفقه كان علماً عابراً للتخصصات.

لقد اعتبرت علم (أصول الفقه) القارئ الأكبر للشريعة، وهو المستثمرَ الأكثر للعلوم فهي تصبُّ فيه ثمارها، فتنصهر في علم واحد مركَّب من مجموعة علوم.

كان ابن حزم يمثل نموذجاً للعالم الذي تتقاطع فيه المعرفة المنطقية والبلاغية واللغوية والأصولية والبلاغية واللاهوتية (علم الملل والنحل).

انتهت الدردشة

مع الشكر الجزيل للصديق علي الديري على السحور والدردشة و الإهداء الجميل على غلاف الكتاب الطازج:

العزيز محمد

الطوق يقبض معاني و يغرق معاني أخرى…

مع محبتي المطوقة..

علي الديري

20/9/2007م

الديري في جديده «طوق الخطاب»

 

مَنْ يفتح نص الحب يفتح كلّ النصوص

الوسط: عادل الجمري

العدد 1854   الخميس 4 اكتوبر 2007 الموافق  22 رمضان 1428 هــ


http://www.alwasatnews.com/newspager_pages/ViewDetails.aspx?news_id=80326&news_type=FDT&writer_code=

صدر للكاتب البحرين علي الديري إصدار جديد بعنوان «طوق الخطاب – دراسة في ظاهرية ابن حزم»، ويأتي الإصدار ضمن برنامج النشر المشترك بين مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة والمؤسسة العربية للدراسات والنشر.

123

وفي تقديم الديري لإصداره الجديد، يقول: «فيما نحن نتداول ترجمة قريبة من عنوان هذا الكتاب، سألتني الصديقة المترجمة العراقية خالدة حامد: هل الطوق هنا بمعنى القيد أم القدرة؟

حرّك فيّ السؤال معنى يتعلق بشيء يشبه التناقض في شخصية ابن حزم، وجدت في السؤال فرصة لتقديم جواب يريح حدّة هذا التناقض، أو يجعل منها أقرب للمفارقة؛ أي أنْ تكون حدّة ما كان يعتمل في داخلي حول شخصية ابن حزم، حدّة مفارقة لا حدّة تناقض. وربما يكون في اختياري لكلمة طوق هنا ما يشي بهذه المفارقة التي تستدعي كتاب ابن حزم الأشهر (طوق الحمامة).

فهناك الطوق علامة جمالية، ولديها القدرة على التعبير عن جمال الإنسان حين يُطوِّق بقيد الحب، وفيها يبدو ابن حزم فاتحاً أبواب الحب على أوسع طاقاته الإنسانية. أمّا (طوق الخطاب) فيبدو هنا مجموعة من القوانين المقيّدة لطاقات معنى النص وقدرته على إعطاء معنى متعدد.

كيف يكون إذاً صاحب طوق الحمامة هو نفسه صاحب طوق الخطاب؟ مَنْ يفتح نص الحب يفتح كلّ النصوص، فكيف فتح طوق الحمامة نص الحب؟ وكيف قيّد طوق الخطاب نص الفقه؟

الجواب يحتاج منّا أنْ نفهم الطوق على جهة أنه قيد وقدرة، وحدّ وطاقة، وضيق وسعة، والمعطيات المعجمية، تعزز من معاني هذه الجهة، «الطَّوْقُ ما استدار بالشيء… ودِدْت أَنِّي طُوِّقْتُ ذلك أي ليته جُعِل داخلاً في طاقَتي وقدرتي، والطَّوْقُ: الطَّاقةُ. وقد طاقَه طَوْقاً وأَطاقَه إِطاقةً وأَطاقَ عليه، والاسم الطَّاقةُ… وهو في طَوْقي أَي في وَسْعي»

الطوق بقدر ما يُحكم المعنى المتعدد، فإنه يُظهر معنى واحداً، فهو طوق معنى ما. وهذا المعنى يظهر بقدر طاقة قارئ ما، وكل قارئ يذهب إلى النص بطوقه أو طاقته، وكانت الفلسفة تعني عند أخوان الصفاء «التشبه بالإله بقدر الطاقة»، وفلسفتهم كانت طوق طاقتهم التي يظهرون من خلالها معاني الله في نفوسهم.

لقد كان غرض هذا البحث دراسة ظاهرية ابن حزم بما هي طوق، أي بما هي مجموعة قوانين تُطوّق الخطاب بقوتها لإظهار معنى ما، وكما الإطار يُظهر معنى الصورة ويحدّه ويُحكمه، كذلك طوق الخطاب، يحدّ الخطاب بإحكام كي لا يتسرب إليه معنى من الخارج لا يعطيه الخطاب أو لا يظهره الخطاب. وقد كان العنوان الأولي لهذه الدراسة مترجِّحاً بين العناوين التالية: قوانين تفسير الخطاب، أو أصول تفسير الخطاب، أو قوانين بيان الخطاب، أو قوانين الظهور أو قوانين الإجمال والتفصيل والخصوص والعموم والاستثناء والتعارض والنسخ والنقل ودليل الخطاب والاقتضاء.

بهذه الأصول أو القوانين كان ابن حزم يُطوّق الخطاب أو معنى الخطاب بإحكام، وهذا المعنى حاضر في عنوان كتابه (الإحكام في أصول الأحكام). بهذه الأصول التي تُطوِّق الخطاب بإحكام قوتها، يشبه الخطاب المُطَوَّق الحمامة المُطَوَّقةُ وهي التي في عنقها طَوْقٌ. تلك الطوق يكسبها جمالاً وذلك الطوق يُكسبه معنى.

ما استدار بالخطاب (الطوق) من قوانين وأصول، تحول دون تسرب المعنى الخارجي الذي لا يعطيه النص، يحدد وسع النص وطاقته على القول والعطاء، ويحدد نطاقه ونطقه، وظاهرية ابن حزم تنص على أن «النص لا يعطيك إلا ما فيه».

ومفهوم النطق عند ابن حزم يدل على التصرف في العلوم والصناعة وفق قواعد منطقية ولغوية. وطاقة (طوق) الخطاب على العطاء والقول وما يتسع له من معنى، يتحدد بطوق الخطاب، والطوق صناعة أو علم (تصرف) يصنعه القارئ لإظهار معنى النص أو عطاء النص. وبهذا المعنى فأصول الفقه التي يعد كتاب ابن حزم (الإحكام في أصول الأحكام) من أمهاتها، هو علم قراءة الخطاب، وهو كي يتمكن من قراءته، فإنه يُطوِّقه بقدر مقاسه، فيكون معنى النص بقدر طاقته وقدرته. بهذا يكون ابن حزم قد قدّم لنا بقدر طاقته طوقاً ينجينا من الفوضى الدلالية ومن استغلاق المعنى، طوقاً يسعفنا لقراءة النص قراءة صحيحة وفق منهجيته الظاهرية. بهذا يكون ابن حزم قارئاً فذاً بقدرته على تطويق علامات الحب، وبطاقته على تطويق معنى الخطاب، وإنْ كان في الطوق الأول أكثر بسطاً في تأويلها، وفي الثاني أكثر قبضاً لمعناها».

مجازات بها نرى

image

أحلام سليمان

علي أحمد الديري باحث وكاتب من البحرين يهتم بالبحث في قضايا اللغة والفكر. صدر له مؤخرا كتاب مجازات بها نرى: كيف نفكر باللغة، ينطلق فيه من فرضية أساسية تقول ان تفكيرنا في المجردات ليس مجردا بل هو تفكير مجسد، مما يعني أن تفكيرنا المجرد هو تفكير مجازي.

وأننا لا يمكن أن نفكر إلا على نحو مجازي لأن المجازات تشكل الأطر التي من خلالها نتلقى الأشياء ونفهمها، ونحن عبر التفكير المجسد أو التفكير المجازي نتخيل ونتوقع ونستنتج ونقرر ونفهم ونقنع ونقتنع ونحاجج.

ويذهب الباحث إلى أن التفكير بالمجازات يضم عائلة كبيرة هي عائلة القياس أو المجازات، وهي تشمل التشبيه والاستعارة والتمثيل والرمز والحكاية والأسطورة وبالتالي فإن تفكير الإنسان لا يمكن أن يخرج عن هذه العائلة أي أنه يفكر بواسطة المجازات وهذا يجعل تفكيرنا يتسم بالنسبية لأن المجاز هو رؤية شيء من خلال شيء آخر، ما يعني أننا لا يمكن أن نرى الشيء إلا بنسبيته.

ومنذ العنوان الذي يتصدر كل محور من محاور الكتاب التي تزيد على عشرة محاور يُدخل المؤلف قارئ الكتاب في عالم لغته المجازية للكتاب بحيث لا تنفصل بنية العنوان عن بنية اللغة وآلية التفكر في موضوع اللغة، ولذلك يسمي المحور الأول بمجازات العبور.

ومن أجل توضيح فكرته يلجأ عادة إلى استخدام السرد والحكاية كوسيلة دالة على آلية الرؤية بالمجازات. كما يحاول تعريف المفاهيم التي يستخدمها معجميا للوقوف على معانيها اللغوية مثل مفاهيم العبور والمجاز والإبداع للوصول إلى الكشف عن العلاقة القائمة بين هذه المفاهيم الثلاثة على مستوى المعنى الدلالي وذلك من خلال كون المجاز هو الجواز أو (العبور) من التجربة الحسية إلى التجربة المفهومية.

بحيث يفتح أمامنا إمكانية العبور المبدع الأمر الذي يجعل التعبير هو ما نعبر به إلى الآخرين، ولكي يكون التعبير متوافرا على الطلاقة والمرونة والأصالة وهي شروط الإبداع، فلا بد من استخدام لغة المجاز ومن هنا يأتي الوقوع في سحر اللغة.

ويقوم منطق البحث في هذه الدراسة على الربط والوصل بين المفاهيم والمعاني والانتقال المتدرج من معنى إلى الكشف عن شبكة العلاقات اللغوية والدلالية فيما بينها وصولا لتأكيد مقولة التفكير بالمجاز. فإذا كان التشبيه جزءا من لغة المجاز، والمجاز يمثل سحر اللغة، فإن السحر الذي يحيل على معاني الصرف والخداع وسلب اللب يمتلك القدرة على أن يرينا الأشياء على غير ما هي عليه خاصة، خاصة أن اللغة لديها هذه الخاصية بحكم طبيعتها في تمثيل الأشياء.

ولعل المفاهيم المجردة التي نفكر فيها هي من تجعلنا نقع في سحر اللغة بمجازاتها كثيرة الوجوه والمرتبطة بتجاربنا الثقافية الفردية والجماعية بحيث تؤدي هذه الآلية الذهنية إلى أن يبني الإنسان تصوراته لهويات الأشياء تلك التصورات التي تتغير أو تتجدد أو تتحول وفق ما يستجد من تجارب بصورة تصبح فيها هوية الأشياء هويات مختلفة لأن الإنسان لا يبنيها مرة واحدة فقط.

وتتبدى أغراض المجاز في ضوء وظائف العبور والفهم والتعبير والتنوير والتبسيط وأنسنة الأشياء…. في ممارسته لسطوته على تصورات الأفراد والجماعات والعالم كله لأنه إضافة إلى كونه أداة من أدوات الفهم والعبور، يمكنِّنا من توظيفه لأغراض الإقناع والتحويل وجذب الانتباه وإثارة العواطف وكسر أنماط التفكير بصورة تجعلنا نرى به.

إن أهمية هذه المجازات تتمثل في قدرتها على تمثيل المقومات الرمزية لأية ثقافة وتعتبر التخصصات الإدارية في عالم اليوم هي الأكثر عناية باستثمار المجازات في تطبيقاتها العملية ويقدم الباحث نماذج تطبيقية على ذلك منها أسطورة سرير بروكست التي تحمل في بنيتها المجازية معضلة تتجسد في المقياس الذي يتخذه كل إنسان في تحديد مصير الأشياء، لاسيما وأنه يدل على غياب حرية الفكر والحياة.

ورغبة في تعميق فهم المتلقي لمفهوم المجاز والمواقف المختلفة منه قديما وحديثا يقدم قراءة في تحولات التفكير النقدي والمعرفي الذي دار حوله وعلاقته بالإنسان كما بدت في التراث العربي والفلسفة والعلوم الإنسانية الحديثة وانتهاء بنظرية الناقد عبدالله محمد الغذامي في النقد الثقافي.

وقد حاول الباحث من خلال هذه القراءة الطويلة القيام بربط تحولات هذا التفكير بتغير مفاهيم الإنسان حول الحقيقة والوجود والذات والآخر والتجربة واللغة والعقل والتمثل، نظرا لأن أهمية ذلك لا تكمن في أنها تشكل كشفا لحقيقة المجاز بقدر ما هي تتجلى في تغيير علاقتنا به.

فالمجاز هو أداة وخطاب ونظرية يلعب دورا مهما في نظرية النقد الثقافي بوصفه أداة تشتغل ضمن أفق نظري لقراءة الخطاب الشعري الذي يؤدي فيه المجاز دورا مركزيا في صياغته ثم يدرس العلاقة بين المجاز والإنسان في مشروع الغذامي الذي يعنى بقراءة الإنسان بوصفه لغة.

وفي العلوم الإنسانية الحديثة كانت الاستعارة وفق قول محمد مفتاح الشغل الشاغل لدارسي اللغات الإنسانية أما على صعيد نظريات النقد الأدبي والفلسفة فاحتل المجاز صدارة الاهتمام سواء من حيث دوره في النقد الثقافي أو في تفسير كيفية إدراك الإنسان للعالم من خلال مجازات اللغة والذهن.

وقد رأت العلوم الإنسانية أن قيم الإنسان ولغته ونظرته وعلاقاته وثقافته تتجسد في لغته وخطاباته وطرق قوله ومجازاته حتى رأى الفيلسوف نيتشه أن الاستعارة هي أصل المفهوم بدلا من الحقيقة اللغوية، لأنها الأكثر دلالة على تغير نظرتنا للأشياء.

وبهذا يكون موضوع الاستعارة قد خرج عن حدود البلاغة ليصبح موضوعا أثيرا للدراسات الفلسفية والاجتماعية والسياسية واللسانية، الأمر الذي يجعل الاستعارة تتحول إلى وسائل مفهومة للإدراك أو لخلق الواقع.

ويبحث في علاقة في المجاز بالأدبية وبالشيء الذي لا ينتمي إلى الأدبية في نظرية النقد الثقافي عند عبدالله محمد الغذامي انطلاقا من اعتبار المجاز لغة ثانية أو انزياحا عن المألوف. وإذا كانت الأدبية هي مساءلة للمجاز والسؤال عما لا ينتمي للأدبي فإن المجاز لا يستغرق الأدبية في حين أن الأدبية تستغرقه إلى حد كبير خصوصا في الشعر والنقد الثقافي كان معنيا بما يتحقق لهذه الأدبية عن طريق المجاز.

ولما كان الشعر هو أكثر الأجناس الأدبية مجازا فإن الأدبية قد منحته ما لم تمنحه لجنس آخر على مستوى استخدام المجاز. ومن هنا اكتسب المجاز بوصفه أداة للقراءة النظرية أهميته الخاصة في النقد الثقافي. ولعل المجاز الذي يمثل آلية مشتركة بين جميع الخطابات على اختلاف طرق توظيفها إياه جعل من اختلاف طرق تمثلها للمجاز

واختلاف درجات هذا التمثل مفارقة مجازية تلعب من خلالها تلك الخطابات لعبة التمويه والتنكير والإنسان الذي صاغ هذه الخطابات تحول بفعل المجاز إلى نص مجازي كثيف يصعب تفكيكه وفي النقد الثقافي تحول المجاز من القيمة البلاغية التي تدور حول الاستعمال المفرد للفظة أو الجملة الواحدة إلى القيمة الثقافية التي تدور حول الخطاب فأصبح المجاز بهذا التحول مزدوج الدلالة يدرك على مستوى كلي

أي بمعنى أن الخطاب يحمل بعدين اثنين أوليين أحدهما حاضر وماثل في الفعل الثقافي اللغوي المكشوف وثانيهما مضمر في وهو الفاعل والمحرك الذي يتحكم في كافة علاقاتنا مع أفعال التعبير وحالات التفاعل وبهذا يكتسب الفعل تسمية المجاز الكلي.

ومع هذا التحول لم يعد المؤلف في شكله الضمني هو المؤلف المعهود بل أصبحت الثقافة التي تمثل نوعا من المؤلف النسقي باعتبار النسق دلالات مضمرة منكتبة ومنغرسة في الخطاب وليست من المؤلف. ما يجعل الدلالة تتجاوز الدلالة الصريحة المرتبطة بالبنية النحوية من خلال وظيفتها النفعية التواصلية، كما تتجاوز الدلالة الضمنية المرتبطة بالوظيفة الجمالية للغة.

ويحاول الباحث الكشف عن رؤية المجاز الكلي بوصفه أداة للقراءة إلى المجاز الشعري الذي يتولى صياغة الخطاب الشعري وذلك من خلال استعراض للثنائيات الأكثر جدلا وتعبيرا عن رؤية الاتجاهات النقدية والعلوم الإنسانية للمجاز، ثم ينتقل لدراسة مجازات الشك باعتباره وعيا بالنقص وشكا في مفاهيم السيادة المختلفة،

وحقل حياة بما يستدعيه من سؤال ونقد وحيرة. كذلك يبحث في مجازات النسبة ومجازات الخطاب السياسي انطلاقا من أن المجاز آلية ذهنية يستعين بها السياسيون في صياغة إستراتيجياتهم وسياساتهم وإدارتهم للحقيقة كما يلجأ إليها المحللون والمراقبون لصياغة نماذج تعينهم في فهم تلك السياسات في حين يشيد المفكرون نماذج تفسيرية لمعرفة النسق الكامن في كل ظاهرة إنسانية.

ويبين الباحث أشكال حضور المجاز من حيث هو لغة أو أداة يبنى بها الخطاب، ويختلف شكل حضوره البنائي في الخطابات، وبوصفه أداة للقراءة. كما يتناول مجازات الصورة كما تجلت في خطاب ابن عربي ودلت على الكثرة لكونها محلا لغيرها، ومكانا لتجلي الاختلاف والتنوع والتعدد والكثرة،

وهي علامة لأنها تحيل إلى غيرها ولذلك يحاول أن يتبين بعض هذه الكثرة كما في رؤية الشيء في أمر آخر يكون بمثابة المرآة له ولكي يكون صورة لابد أن تكون له رؤية ثانية كما لابد أن يكون لها محل يمنحها الوجود من خلال إظهارها. ولما كانت الصورة بغير ذات تحل فيها فلا بد من أن تكون لها ذات تظهر بظلها وصفاتها ونقصها لأن من كمال الوجود وجود النقص فيه كما يقول ابن عربي في «الفتوحات المكية».

ولما كانت الصورة هي عين فهي أيضا رؤية الشيء في مكان آخر، كذلك فإن الإنسان لا يدرك من الصورة إلا ظلها، ويشكل إدراك الصورة تمثلا لغايتها التي هي المعرفة. ومن تجليات الصورة أنها برزخ أي عالم وسيط من الخيالي الذي يرينا الشيء في صورة أخرى.

ويمثل العالم وممكناته وأناسه وكثرته عند ابن عربي صورة لتجلي النفس الإلهية. ويخصص الفصل الأخير للحديث عن مجازات المعرفة المحبة باعتبار المحبة هي الجمع بين الضدين وأن المعرفة التي لا تعترف بأضدادها هي معرفة لا محبة فيها.

وأول ما يناقشه في هذا السياق هو المعرفة بالشك بوصفها محبة لأنها تجمع بين الأضداد وتشكل جماع معرفة وشك وغموض واكتمال وكثرة ووحدة، ثم هناك ثراء الأضداد القائم على جمع المحبة والمعرفة بحيث نجعل للمحبة مكانا في القلب كما يحاول المتصوفة ذلك فالمعرفة مثل المحبة هي عماء وبصيرة، ووهم وحقيقة.