منعطفات (قم) المقدسة

كانت (قم) خياراً من خيارات دراستي العليا في التسعينيات، لكن رياح سفينتي الفكرية أخذني إلى مكان آخر، مع ذلك بقيت هذه المدينة، في مخيلتي، منذ كنت في المرحلة الثانوية، زرتها في مطلع التسعينيات وفي مطلع الألفية الجديدة، في الزيارة الأولى كانت علاقتي بها حميمية، وتمثل جهة من جهات أفقي الذي كنت ذاهبا إليه، وفي المرة الثانية، كانت مدينة عابرة، وهذه الزيارة الثالثة، وجدت نفسي شغوفاً أكثر باكتشاف “عش آل محمد” كما يطلق عليها. اكتشاف تياراتها الفكرية وحوزاتها العلمية وحركتها التي تعود إلى عام 909 هجرية حين استقر فيها مجموعة من علماء الشيعة، مع الأسف لم يكن الوقت كافياً لاكتشاف عمق ما يحدث في هذه المدينة، قضيت فيها 48 ساعة، مليئة باللقاءات والزيارات.

كوجة 12

(كوجة) تطلق على الطريق المتفرع من الشارع العام، والعناوين منتظمة في إيران وفق نظام الشارع العام ثم (الكوجة) ثم رقم المنزل. (كوجة 12) تتفرع عن شارع (سمية). في منعطف هذه الكوجة تقع حوزة (الأطهار التخصصية) التي أسسها الشيخ حبيب الكاظمي في 2005 للطلاب الخليجيين.

في لحظة انتظار مدير “حوزة الأطهار التخصصية” في مكتب السكرتير، وقعت عيني على مجلة (مدرسة أهل البيت)أثارني الفضول لأتصفحها من غير استئذان، كنت مدفوعاً بمعرفة ما يشغل خطاب من يمثلون الحوزة اليوم. كان فاقعاً موقف المجلة المعادي للفلسفة والتصوف والعرفان، كأنها تستعيد معارك الدولة الصفوية في عصر ملا صدرا بين الفلاسفة والفقهاء الأخباريين والأصوليين والمتصوفة.أو بين البرانيين(الفقهاء) والجوانيين (الفلاسفة والمتصوفة) حسب تعبير الباحث الفرنسي كولن تينر في كتابه “التشيع والتحول في العصر الصفوي”.

تعرف المجلة نفسها ” المجلة تنشر المقالات التي تهتم بنقد الفلسفة والعرفان لأي شخص كانت لغرض الدفاع عن الحق”. عنوان افتتاحيتها (الله أكبر) وتستشهد ببيت في التعريض بملا صدرا وابن عربي ” أليس جرأة على الله الأحد قول ملا صدرا وابن عرب”

وتنشر المجلة على حلقات كتاب “رسالة الاثني عشرية في الرد على الصوفية و(العرفاء)” للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي.

ويضم العدد بحثا طريفا عنوانه:”الإسفار عن نصوص الأسفار” لحجة الإسلام والمسلمين الشيخ حيدر الوكيل. وهو يبحث الروايات التي نقلها ملا صدرا لمعرفة قيمتها وإمكان الاعتماد عليها.يصدر الباحث دراسته بجملة عدائية “تدعي فلسفة ملا صدرا واللاهثون وراءها أن من ميزاتها الجمع بين البرهان والعرفان والقرآن يعنون به النص الديني”.

كانت الدقائق التي قضيتها في تصفح المجلة، قبل الالتقاء بمدير الحوزة، قد تركت لدي انطباعاً منقبضاً، حول طبيعة الجو الفكري في الحوزة، وتخيلت وكأن هناك حرباً ثقافية ضد الفلسفة والتصوف.لكني عرفت لاحقاً أن المجلة ليست من إصدارات حوزة الأطهار.وأن الحوزة تصدر مجلة فصلية طلابية تحت عنوان (رسالة القلم).

بدا مدير الحوزة الشيخ عبدالله الدقاق مرحباً ودوداً، لم تكن المسبقات الذهنية التي نحملها عن بعضنا سوى مادة لتطرية الحديث، تجاوزتها بسرعة، وذلك بفضل سعة أخلاق الشيخ، أقول ذلك لأني كنت مسبوقاً بما يشبه التحذير أو التنبيه إلى أن زيارتي إلى (قم) ربما لا يكون مرحباً بها أو تثير هواجس بعض المشتغلين في حقلها الديني والعلمي، وذلك خوفاً من استغلال الزيارة للكتابة بنفس نقدي متحامل أو حاد، أو بتعبير أكثر وضوحاً، كان الخوف من استغلالي الزيارة للكتابة المسيئة للحوزة ورجالاتها ومنهجها.

بدا حديث الشيخ متحرراً من هذه الهواجس التي كنت أحملها أو التي حُمّلتها.والتي اضطرتني إلى أن ألجأ إلى صديق كطرف وسيط يزكي زيارتي. كنت في دور المستمع المصغي، اكتفيت بتوضيح هدف زيارتي أنها تأتي على هامش مرافقة والدتي في رحلة علاجها، وأني أود التعرف عن قرب على أجواء الحوزة والجامعات الإيرانية.

تحدث الشيخ بإلمام كبير عن الجامعات الإيرانية ومستوياتها، وطبيعة طلابها. ففي إيران هناك جامعات ذات طبيعة خاصة، كجامعة الإمام الصادق التي تغذي الدولة بكوادر سياسية ودبلوماسية، ولا يقبل في هذه الجامعة إلا أصحاب المعدلات المرتفعة. وجامعة المصطفى العالمية التي هي جامعة أم عربية في إيران لمجموعة كبيرة من الجامعات والحوازات والمداراس، تتوزع في أكثر من 30 دولة وبمختلف اللغات.

تحدث الشيخ عن دراسته حالياً للدكتوراه في جامعة طهران، توقفنا عند مقررات التأويل والفلسفة والتصوف وأساتذتها البازين كمهدي ذاكري ويحيى كبير وحسن الرمضاني كان الشيخ يعرف أن هذه هي المنطقة المشتركة التي يمكن أن تثير اهتمامي،

بفضل خضوع (حوزة الأطهار التخصصية) لنظام جامعة المصطفى، فإنها قد بدت أكاديمية متخصصة في الفقه وأصوله، شديدة التظيم، والتشدد في نظامها الأكاديمي، لا شيء متروك للطالب كما هو الأمر في الحوزات التقليدية حيث كل شيء متروك للطالب.هناك نظام القبول والتسجيل ووحدات أكاديمية موزعة على سنوات خمس في مستوى الباكالوريوس أو مرحلة المقدمات.وهناك نظام الحضور والغياب ونظام المعدل الأكاديمي الذي يجب ألا يقل عن 80٪.

حوزة الأطهار التخصصية، مخصصة للطبة الخليجيين الذي يرغبون في أن يكونوا علماء دين متخصصين في الفقه وأصول الفقه، وهذا التخصص ربما يكون هو الأقرب لمزاج عالم الدين البحريني. تاريخياً شكل تخصص الفقهبالنسبة لعالم الدين الأخباري والأصولي، المادة التي يجد رسالته تكمن في إتقانها. فمهمته هو تفقيه الناس في دينهم أي في أحكام نصوص الأحاديث والقرآن من حيث واجباتهم من الحلال والحرام.

الطريق إلى الله يكمن في معرفة هذه الواجبات، والتخصص في الأصول والفقه، يكاد يكون في ممارسته العملية، هو البقاء في حكم النص من دون العيش في أفقه. فليس من مهمة علم الأصول فتح أفق النص، بقدر ما تكمن مهمته في استنباط الحكم الشرعي.ربما يكون هذا ما تفقده الدراسات الحوزوية التي طورت من إجراءاتها التنظيمية نحو مزيد من الدقة والمتابعة لكنها لم تطور مقاربات فهم جديدة لنصوص الدين.ولا تطرح أسئلة جديدة، ولا تستعين بعلوم حديثة.

بحث الخارج والسيد منير الخباز

كنت قد طلبت من الشيخ الدقاق أن ييسر لي حضور إحدى حلقات البحث الخارج، كنت أريد أن أعاين الممارسة الأصولية في مقاربة النص الديني.

برفقة الشاب الودود جدا الشيخ عادل الهنان، كنت أعبر مجموعة من أزقة قم المتداخلة حد الالتباس، إلى حيث مدرسة المجتبى، ثم منزل الميرزا آية الله الشيخ جواد التبريزي الذي صار مدرسة بعد وفاته في عام 2006. هناك حيث حلقة السيد (منير الخباز)يقدم حلقة (البحث الخارج) للذين أنهوا مرحلة المقدمات (بكالوريوس) والسطوح (ماجستير).

(بحث الخارج) هو حلقة بحث أصولي يقع خارج المصنفات والكتب، يقدم فيها الأستاذ الباحث (لا بد أن يكون وصل أو شارف على مرحلة الفقاهة) طرقه الاستدلالية التي يتبعها في استنباط الأحكام الشرعية وترجيحها من النصوص المعتمدة.لم تكن الكراسي تتسع للحضور، جلست في مؤخرة القاعة على الأرض إلى جنب مجموعة من المشايخ، وقد بدا وجودي وسطهم لافتاً.

الطلاب جميعم تقريباً معممون، وفي الوقت الذي قد كنت أكتب بعض جمل الأستاذ في كراسة صغيرة، لم أجد أحداً يكتب شيئا، وهذا ما جعلني أبدو أكثر لفتاً. عرفت لاحقا أن المحاضرة تكتب وتوزع على الطلبة.

بدا لي السيد (منير) والمكرفون أمامه كأنه يقرأ من ورقة، وذلك لدقة تنظيم الكلمات والأفكار وتسلسل الاستدلال، عرفت لاحقاً ألا ورقة أمامه، وأنه يقدم درسه مشافة، وقد مكنته ممارسته الحوزوية تدريساً وتلمذة منذ كان عمره 12 عاماً، من أن يتوفر على هذا الحضور الذهني المميز.

كان البحث عرضاً للممارسة الاستدلالية الأصولية وكيفية ترجيح الأدلة لحديث “رفع عن أمتي ما لا يعلمون” بدت الممارسة الاستدلالية التي يقدمها السيد وعرة وصعبة، خصوصا وأنها مسلحة بمجموعة من المصطلحات الأصولية، من نحو:منجزية العلم الإجمالي، المنجزية العقلية، الشك البدْوي، الحكم المجعول، الأحكام الحرجية، الاحتياط من الشك.

تذكرت تعليقا للدكتور حسن حنفي يقول فيه، إن الشيعة قد طوروا علم الأصول وفروعوا فيه الكثير، لكن مصطلحاته صارت مغلقة عليهم، وذلك لكثرة التفريعات فيه، ولأنه لا يدرس إلا في الحوزة. ربما يكون هذا سرّ أصالته وقوته ومقتله في الوقت نفسه. والسبب في ذلك يعود إلى أن علم الأصول في تكوينه هو محصلة التقاء مجموعة من العلوم، علوم اللغة: البلاغة والنحو والدلالة، وعلوم الحديث، وعلم المنطق، والفلسفة. من حصيلة هذا التركيب تكون علم الأصول. لقد كفّ هذا العلم عن التغذية من العلوم الأخرى، ولم يعد مفتوحاً على العلوم الحديثة، وصار مكتفياً بذاته، وهنا مكمن مقتله، فقد تطورت هذه العلوم التي فيها سرّ تركيبه، وهو لم يعد يضيف لنفسه من تطورها.هو لم يعد محصلة حوار علوم بعضها مع بعض.

الدرس الثاني للسيد منير، كان في منزل الميرزا جواد التبريزي الذي صار حوزة، ويعد الشيخ محمد سند والسيد منير من تلاميذ الميرزا التبريزي البارزين، وقد تسلم السيد منير مقعد أستاذه.كان البحث حول قاعدة التجاوز:إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره، فشكك ليس بشيء.

بدت حلقة البحث الثانية أكثر حيوية، وجدت الطلاب يعترضون بجرأة على الأستاذ، اعتراضاً يستنفر أقصى قدراته الأصولية، ويحاجج أحياناً الطلاب في ردود الأستاذ، وحين يسخن النقاش، يلجأ السيد منير إلى النكتة بمهارة لطيفة، ليخفف الأجواء، ولا يكسر من جدية البحث الضحك الذي يسود للحظات القاعة.

كوجة (منعطف) كمال الحيدي

إنه المنعطف ذاته (كوجة12) لكنه يقود إلى منعطف أشد خطورة، إنه منعطف السيد كمال الحيدري، كنت اتصلت بالسيد بتوصية من الصديق والأستاذ الدكتور عبدالجبار الرفاعي. كما أخبرني الرفاعي، فإن السيد يستقبل المكالمات بنفسه، ويتواصل مع الآخرين بشكل مباشر.

هناك حيث منزله الخاص 3359 التقيت به، كان في زيارته في مكتبته مجموعة من المعممين الشباب،كعادته بدا متحمساً وطلقاً في حديثه، قدمت له النسخة الوحيدة التي لدي من كتابي (كيف يفكر الفلاسفة)أخذ يتصفح فيه، وهو يواصل حديثه في منعطفه الأشد خطورة (إسلام الحديث وإسلام القرآن) وهو يقول لا قداسة لغير القرآن والمعصومين، وجميع العلماء في تاريخ المذهب عرضة للنقد، يقطع فجأة حديثه ليسألني عن كتابي. اخترت أن أدخل عليه من “فصوص الحكم” لابن عربي، فهو قد أشبعه شرحاً في دروسه الحوزوية.

بلهجة الواثق، قال لي: هل اعتمدت شرح (أبي العُلا عفيفي)فهو أشمل الشروح وأكثرها حداثة، قلت له نعم، قال لي لقد أحصيت عليه مجموعة أخطاء في فهم نص ابن عربي، وبمهارة فائقة يتنقل السيد بين عيون زواره، من موضوع إلى آخر، شابكاً الموضوعات لا على قاعدة (الشيء بالشيء يذكر) بل على قاعدة (ومثاله كذا….).

قال معترضاً على (أبي العُلا عفيفي) هكذا يسمي ابن عربي الأشياء، فكيف تريد أن تفهمه على غير ما يسمي هو، تماماً كتسمية الشيخ الطوسي ب(شيخ الطائفة)هو سُمي هكذا مع أني لا أقبل هذه التسمية ولا أقر أن تُعطى له. في الحقيقة لم أتمكن لحظتها من الربط، لكني ذهلت لهذه الانتقالة. بدا السيد شديداً على الشيخ الطوسي (385-460هـ) ربما مرد ذلك إلى أن كتابيه (الاستبصار) و(تهذيب الأحكام)من معتمدات إسلام الحديث الشيعي، الذي يخوض السيد معركته معه الآن.

ويشمل هذا الإسلام (إسلام الحديث) الفقه المؤسس على هذه الأحاديث. فاجأني أنه كان يدافع بحماسة عن المرأة، ينتقد إسلام الأحاديث المتحيّز ذكورياً ضدها، يقول إن الرسائل العملية كلها تذهب إلى أن حق المرأة الجنسي من زوجها يقتصر على مرة كل أربعة أشهر، ويمكن للرجل أن يكتفي بدخول (الحشفة) ولو لم يحدث الإشباع الجنسي بالنسبة للمرأة! في حين تُثبت هذه الرسائل للرجل الحق كلما أراد. يقول السيد هذا يتعارض مع إسلام القرآن الذي يقول: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ”البقرة، 228.

عالم المخطوطات

في حضرة المحقق الكبير (السيد أحمد الحسيني) لا تملك غير الدهشة، من قدرة هذا الرجل على العمل الدقيق والدؤوب.بدا مركزه بطوابقه الأربعة (مركز إحياء التراث الإسلامي)تحفة معمارية وعلمية، دخلت على السيد وهو غارق وسط مخطوطاته، تحيطه الكتب المعتقة بالتاريخ من كل جانب، يعمل في تحقيق الكتب وفهرسة المخطوطات وتراجم العلماء. فهرس مكتبة السيد الحكيم في النجف قبل أن يضطر للخروج من العراق في السبيعينيات.عمل على تحقيق كتب مهمة في مكتبة آية الله مرعشي نجفي، منها كتاب (رياض العلماء وحياض الفضلاء) الذي يؤرخ في الدولة الصفوية للعلماء السنة والشيعة، وهو يقع في حدود 10 مجلدات وقد فقدت منه 5 مجلدات تقريبا. ولأهمية عمل السيد، فسأخصص له حلقة خاصة لنشر تجربته في التحقيق.

«كتابة الثورة» يحصد جائزة القلم الدولية لأفضل الكتب المترجمة

Writing-Revolution-Pack

تبدأ يوم الإثنين المقبل (27 مايو/أيار 2013) في المملكة المتحدة سلسلة من الندوات واللقاءات الجماهيرية التي ينظمها محررا كتاب «كتابة الثورة» Writing Revolution الفائز أخيراً بجائزة منظمة القلم الدولية PEN للكتب المترجمة للعام 2013.

ويشارك محررا الكتاب ليلي الزبيدي وماثيو كاسل، في تقديم هذه الندوات، عدد من الكتاب المساهمين بمقالاتهم في الكتاب. تستمر الندوات حتى 30 مايو 2013 ويتحدث المشاركون فيها عن كل ما شاهدوه ووثقوه في مقالاتهم، وعن قضايا متصلة بثورات بلادهم.

ومن بين المشاركين في هذه الندوات الكاتب الليبي محمد المصراتي، صاحب مقالة «بايو وليلى» والكاتب البحريني علي الديري صاحب مقالة «سيرتي في 14 فبراير… خارج الورق خارج الميدان»، والتونسي مالك الصغيري صاحب مقال «تحية للفجر».

حول مشاركته، قال الديري: «دوماً كل ما يمثل التغيير يفوز، وقد كتبت عن التغيير في وطني كتبت عن آمال التغيير عن حركة التغيير عن حركة الربيع العربي في وطني، كتبتها كتجربة ذاتية عشتها، عشت تفاصيلها، عشت أحداثها، عشت يومياتها، عشت شخوصها الحية الذين ملأوا دوار اللؤلؤة بضجيج الحرية ووصل الى العالم كله».

وواصل «باسم هذا الدوار جاء الفوز وباسمه، قدر لتجربة البحرين ان تكون صوتاً ضمن أصوات ثورة الربيع العربي الذي احتفى بها الكتاب وحصل على هذه الجائزة. لذلك أنا سعيد بأن يكون صوت البحرين حاضراً في هذا الكتاب؛ لأنه يحمل آمالنا ومستقبلنا وإرادتنا في التغيير وهو رسالة للعالم بأننا في هذا الجزيرة الصغيرة نحمل طموحاً كبيراً لكي نواكب حركة التغيير التي تحدث في العالم… الشعب يريد الديمقراطية والحرية، ويريد الضمانة التي تتيح للجميع أن يكون له صوت في بلده».

يضم الكتاب عدداً من أكثر المقالات تأثيراً والتي ولدت من رحم الثورات في العالم العربي. من القاهرة إلى دمشق ومن تونس إلى البحرين، يعرض الكتاب شهادات حية لكتاب وصحافيين وناشطين وطلاب ومدونين، يتحدثون فيها عن مشاركتهم في هذه الثورات التي أحدثت تغييرات عميقة هزت المنطقة العربية بأكملها.

تدون هذه الأصوات شهاداتها بين الماضي والحاضر والمستقبل، في فضاء يتصادم فيه الشخصي بالسياسي. هذه الأصوات هي جزء من عملية مستمرة، وهي شهادات مؤثرة فيها كثير من الألم والأمل الذي ملأ شعوب الربيع العربي.

تتميز مقالات الكتاب عن كل ما كتب عن أحداث المنطقة العربية، بأن كتّابها يناقشون ما يحدث من منطلق تاريخي، ويستعرضون كل ما يتعلق بهذه الثورات، يتحدثون عن الإرادة الشعبية، وعن نضال الشعوب، عن المشاركة السياسية، وعن الجانب الشاعري في هذه الثورات، وعن قضايا الهوية وهموم الناشطين.

يعمل محرر الكتاب ماثيو كاسل مصوراً وصحافيّاً مع قناة «الجزيرة الإنجليزية» حاليّاً، كما أن له مساهمات في عدد من المطبوعات. ويغطي كاسل منطقة الشرق الأوسط منذ العام 2004، وقد عمل سابقاً مساعد رئيس تحرير للمجلة الالكترونية «الانتفاضة».

أما ليلى الزبيدي فتشغل حاليّاً منصب مدير مكتب جنوب أفريقيا التابع إلى مؤسسة هاينريش بول في كيب تاون. وكانت الزبيدي ترأست مسبقاً مكتب المؤسسة في الشرق الأوسط في بيروت لمدة ست سنوات، كما شغلت منصب مدير برنامج في مكتب المؤسسة في رام الله، عدا عن تعاونها وعملها مع عدة مؤسسات إعلامية وتنموية.

يشار إلى أن الناقد الثقافي والباحث البحريني علي الديري متخصص في اللغويات، ومهتم بالفلسفة والأديان، وهو ناشط منذ وقت طويل، شارك في الانتفاضة البحرينية في العام 2011، واضطر إلى مغادرة البلاد.

أما محمد مصراتي فهو كاتب وصحافي ليبي مقيم في المملكة المتحدة. بدأ نشر قصصه القصيرة على الانترنت في 2007. ويعمل صحاًفيّاً في صحيفة «الكاف»، الذي تنشر تحقيقاته عن عدد من القضايا الاجتماعية في ليبيا.

رابط الموضوع

Writing Revolution

To celebrate the launch of Writing Revolution, join some of the editors and contributors as they discuss the project, the Arab Revolutions and their aftermath, and hear readings from the book.

Writing Revolution (I.B.Tauris) is a collection of some of the best new writing born out of the Arab Spring. Bringing together authors, journalists, activists, students, writers and bloggers, it tells the deeply moving and personal stories of these individuals who witnessed and wrote about the revolutions in their countries across the Arab region. From Cairo to Damascus and from Tunisia to Bahrain, Layla Al-Zubaidi and Matthew Cassel have brought together some of the most exciting new writing born out of revolution in the Arab world. This is a remarkable collection of testimony, entirely composed by participants in, and witnesses to, the profound changes shaking their region.

Panelists to include:

Matthew Cassel (Editor) A journalist and photographer covering the Middle East for Al Jazeera English. Cassel first learned about the region through his human rights and media work in Palestinian refugee camps. Over the past decade he has worked in the occupied Palestinian territories, Lebanon, Egypt, Turkey, Syria, Jordan, Bahrain and elsewhere.

Layla Al-Zubaidi (Editor) Director of the Heinrich Böll Foundation in South Africa, and was previously based in Beirut and Ramallah. She has published on cultural resistance and freedom of expression, and is co-editor of Democratic Transition in the Middle East: Unmaking Power (Routledge, 2012).

Ali Aldairy (Contributor, Bahrain) is a Bahraini researcher, linguist and cultural critic, interested in philosophy and religion. He is the author of several books and maintains his own website. A long standing activist he has been struggling since the Bahraini uprising in 2011 and was forced to leave the country. In exile he founded the online Arabic newspaper Mira’at al-Bahrain (The Bahrain Mirror).

Mohamed Mesrati (Contributor, Libya) is a Libyan writer and journalist residing in the UK. He started to publish his short stories online in 2007. He works as a journalist for El Kef newspaper, which has featured his investigative reports on social issues in Libya, including reports on women’s freedoms and on alcohol (in the latter he interviewed smugglers and local drinks-makers). He has also worked on reports investigating the status of Libyans living abroad. An extract from his novel-in-progress Mama Pizza has appeared in Banipal No.40.

Ali Abdulemam is a Bahrain blogger, the founder of Bahrain Online and human rights activist. He took part in protests calling for democracy in Bahrain in February-March 2011. He was amongst the first to agree to contribute to the Writing Revolution project before he went into hiding during a government crackdown on the protest movement. He was sentenced, in absentia to 15 years in prison and recently fled Bahrain to the UK where he’s been granted asylum. He is representing his friend and fellow political refugee, Dr. Ali Aldairy, who ended up contributing to this project but was sadly not able to make it to the UK for this event.

Translated mostly from the Arabic, it has been awarded a 2013 Prize from English PEN for Outstanding Writing in Translation.

Please note that unfortunately Ali Aldairy will no longer be joining the panel due to visa restrictions.

https://mosaicrooms.org/event/writing-revolution-2/

مدينة «يسقط حمد»

 

graffity 2 (1 of 1)

 

الجدران تريد الاعتراف، الاعتراف بحق كل المواطنين في أن يكونوا ما يريدون ويقولوا ما يريدون ويقيلوا من لا يريدون، من دون أن ينال أحد من كرامتهم. يتطلب ذلك مواطنة كاملة تتخلى فيها السلطة عن شرعية الفتح التي تحتكم إليها في ممارسة الحكم القائم على التمييز والإقصاء، والاستناد إلى شرعية الشعب الكامل الصلاحيات والحقوق. الاعتراف بأنّ تاريخ الفتح (1783) ليس تاريخ البحرين، بل هو تاريخ آل خليفة، وهو تاريخ الإذلال أو التبعية (الولاء القبلي) لمن هم خارج العائلة. في افتتاح المتحف العسكري في 5 شباط (فبراير) 2013 التابع لقوة دفاع البحرين، يقف الملك أمام جدارية كبيرة تشير إلى هذا التاريخ. تلخّص صورة الملك وهو ينظر إلى هذه اللوحة القصة الكاملة لتاريخ أزمة البحرين، كيف يرى الملك وعائلته هذه اللوحة؟ وكيف يرى الشعب هذه اللوحة؟ لو وضعنا جدار المتحف العسكري، قبالة جدران شارع البديع والمنامة وسترة وجدران، بلدات مثلث الصمود وبقية مناطق الاحتجاجات الملتهبة بالشعارات التي تحاكي مشاعر الناس الحقيقية، فسنرى أزمة البحرين العميقة من خلال جدرانها. جدار المتحف يذكر بأمجاد القبيلة (الفاتحة) وجدران المناطق الملتهبة، تذكر بالظلم الذي وقع وما زال يقع عليها من تاريخ هذا الفتح. ليس في جدار المتحف ما يشير إلى تاريخ مشترك، معركة وطنية مثلاً أو بطولات خاضها السكان ضد عدو خارجي. فيها ما يذكر السكان السابقين لمجيء آل خليفة بالإخضاع والسيطرة والقوة الغالبة عليهم. يقف الملك أمام هذه اللوحة بزهو، لكن في المقابل، لو يمم وجهه تجاه الجدران الحقيقية خارج قصره ومتحفه العسكري، فماذا سيرى؟ لن يرى ما يبعث على الزهو، سيرى جدران «يسقط حمد». سيجد نفسه مضطراً إلى الإذعان لحقيقة أنه الحاكم الأكثر إهانة من قبل شعبه. هكذا ترد الجدران على الإذلال الممنهج لساكنيها، بإهانة الرأس الممنهج للإذلال، فتحقق قدراً من الاعتراف. الاعتراف أمام نفسها بأنها قادرة على الرد وإعادة الاعتبار إلى ذاتها المذلة. وهذا ما يختصره شعار «هيهات منا الذلة» المقرون دوماً بشعار «يسقط حمد» على الجدران. المدينة هي المكان الذي يتحقق فيه قدر معقول من الاعتراف، الاعتراف بحق المواطنين في التعبير عن حقهم في القول والكتابة والكلام. رسالة الجدران تهدف إلى تحقيق هذه المدينة. الذل يتصل بالغزو والحكم الغاصب وأشكال الاستعباد والاسترقاق، وهو التاريخ الذي تتمثله هذه اللوحة فوق الجدار العسكري الخاص بتاريخ القبيلة، ولنتذكر أنّ السخرة وضريبة الرقبة لم تقبل قبيلة آل خليفة أن توقف العمل بهما إلا بعدما فرضت بريطانيا إصلاحاتها الإدارية في مايو 1923. هذه المعاني المتصلة بالذل هي ما تسميه نظرية الاعتراف بالتجارب الأخلاقية السلبية أو تجارب الإذلال والمهانة والإقصاء (انظر: كتاب الاعتراف، الزواوي بغورة). السبب الرئيس لأشكال المهانة والإذلال والانتهاك يعود إلى غياب النماذج الثلاثة في الاعتراف التي تحدث عنها أكسل هونث تلميذ الفيلسوف هابرماس، وهي: الحب والقانون والتضامن. وبهذا الغياب يحدث الصراع في المجتمع بين جدران الناس وجدارن متحف الملك. «العودة إلى دستور عقدي. رحيل آل خليفة، يسقط حمد، لا حوار مع القتلة، تقرير المصير» شعارات غرافيتية مطبوعة على جدران البحرين. تشترك في أنها تريد أن تزيح جداراً سميكاً مكتوب عليه تاريخ الإذلال والإخضاع بالقوة.

 

رابط الموضوع: https://www.al-akhbar.com/node/177513

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية

نذير الماجد: ليل الخليج ألا انجلِ

 

دوار اللؤلؤة

 

الاحتجاج في الساحة العامة دفاعاً عن الحقيقة، هو مهمّة المثقّف الحديثة. ليست الحقيقة المطلقة من الإنسان، بل الحقيقة المتلبّسة بالإنسان وحقوقه وما يتعرّض له فرداً وجماعة من ظلم وتعسّف واستلاب لحريّته. هذه المهمّة هي التي ما زال المثقّف الخليجي عاجزاً عن القيام بها. فالقيام بهذه المهمّة عقبها تجريده من مكرمات السلطة التي اعتاد على أبوّتها وعطاياها. لم تكن صرخة نذير الماجد «أنا أحتج» غير ممارسة احتجاجية ضدّ سلطة لا تعترف بالإنسان وحقّه في الاحتجاج. الاحتجاج هو فعل ضدّ الهراء، الهراء الذي جعل بورديو مقاومته مهمّة من مهمات المثقّف. إنه هراء السلطة سواء السلطة السياسية أو الاجتماعية أو الدينية، كل منها تعمل على منع احتجاج كل خطاب لا يتطابق مع هرائها. كان نذير يمارس احتجاجه بالكلمات، ضدّ هذه السلطات الثلاث، يحاول أن يوسّع حريّة القول الذي تضيّقه هذه السلطات. حين كان محقّق السلطة يريد أن يُرجعه لطائفته، كي يحوّل تشيُّعه إلى تهمة، كان نذير يُرجعه إلى انتمائه الإنساني العابر لكل الطوائف والأديان.

وحين لم يجد في جوابه ما يثبت به تهمته، اتخذ من اسم أمّه (خاتون) دليلاً دامغاً على تشيُّعه وولائه لإيران. كانت أدلّة الإدانة: اسم الأم، قضاء شهر العسل في شمال إيران، مقالات نقدية ضدّ الهراء، شهادة عيان لـ«رويترز» عن احتجاجات الناس في الشارع العام.
لقد دفع نذير ثمن احتجاجه (أنا أحتج) وستغدو هذه المقالة جزءاً من تاريخ الحرية والاحتجاج ضد هراء تعلّق المثقفين البارد واستبداد السلطة السياسية التي يدورون في فلك مصلحتها «لذلك، سأقول متجاسراً وعيني على الشارع بأنّ المطلب الأساسي الأول في كل دولة متسلطة هو ترسيخ ثقافة التظاهر، وإشاعة ثقافة «المخاطرة» في اللحظات الخاطفة التي نسمّيها أزمات، وكل أزمة هي لحظة ضبابية، لحظة منعشة لحسِّ المغامرة، لحظة مواتية لكسر الرتابة السياسية والولوج في المجهول، لحظة غامضة، لا». إنّها الجسارة، جسارة المعرفة وجسارة الموقف، وقد جمعهما نذير معاً في قلبه، وراح يبحث عن لحظة ضوء في جدار الدكتاتورية التي هي خصم عنيد لأي ضوء يأتي من خارجها.
في لحظة الربيع العربي، كان الخصم واضحاً. الخصم الذي يخنق الاحتجاج والقول. إنّها الدكتاتورية في شيخوختها العنيدة، وجد فيها نذير ما تجده الفراشة في الضوء، الجسارة على الاقتراب من الضوء المميت حيث الشارع وشمسه الحارقة الكاشفة لا المخابئ السرية ولا الكلمات المواربة المغلفة بالتعقّل والهدوء.
المثقّف في الخليج (المثقفون العرب)، لا المثقّف الخليجي فقط، يخاف جسارة الاقتراب من الضوء، يتحدّث عن التنوير، لكن كلماته تبقى في الظلام، ظلام الخوف والمواربة حيث ظلُّ السلطان. لم يفتح مثقّف في الخليج ساحة عامّة، ولم يوسّع ميداناً عاماً مشتركاً لقولٍ حر ضدّ السلطة. ظلّ هذا المثقف أداة السلطة لتضييق الساحات العامّة وخنق فعل الاحتجاج فيها. سنعجز عن تعداد أسماء المثقفين الخليجيين الذين برّروا للسلطة هدم ميدان اللؤلؤة. وسنعجز عن أرشفة خطاباتهم ضدّ فعل الاحتجاج في هذا الميدان الذي صنعته أشواق الناس للحرية والكرامة والمساواة. كان قلب نذير معلّقاً بهذا الميدان، وهو يكتب (أنا أحتج) كان مأخوذاً بفعل الاحتجاج في هذا الميدان، ويجده فاتحة حريّة لميادين أخرى في الخليج.
لم يتوقّف نذير وهو بالسجن عن فعل «الاحتجاج» وتذكير ذاته الثقافية بالقيام بهذه المهمّة، كتب مستخدماً ورق القصدير قلماً، وفلّين الطعام صفحة، كتب شعار عالمه الذي يعيشه في قلبه وعقله «أنا عالم والآخرون هراء».
الآخرون بالنسبة إلى نذير هم هذه السلطات التي تحبس الحرية، فهمت السلطة السياسية أنّها «الهراء» المقصود، فضاعفت سجنه الانفرادي من شهرين ونصف لتصبح خمسة أشهر. وجدت أن تحدّي نذير لهرائها، جرأة تنذر بذهاب هيبتها، فنكّلت به. ظلّ نذير يمارس احتجاجه بالكلمات، لكنها ليست الكلمات المعمّدة بالمغمّات التي تجد فيها السلطة منجاتها. إنها كلمات الاحتجاج التي توسّع ميادين الحرية وتضيّق مساحات الهيمنة والدكتاتورية.
أُخذ نذير من مكان عمله في 13 نيسان (أبريل) 2011، وصودرت أجهزته الإلكترونية، وتعرّض للضرب والركل والتوقيف لساعاتٍ طويلة، والحطّ من كرامته الإنسانية، وظل في الحبس الانفرادي خمسة أشهر قبل أن يُنقَل إلى زنازين تجّار المخدّرات والأسلحة. لم تتمكّن زوجته من رؤيته إلا في كانون الثاني (يناير) الماضي.
هذا الكتاب هو صحيفة اتهام نذير، وهذا هو خطابه الاحتجاجي. هو هناك في قبضة الدكتاتورية، يكسر صمت سجنه بما يكتبه بقلم القصدير في أوراق الفلّين، ويُغالب الوقت بإرجاع الأشياء إلى بساطتها الأولى (يُرجع ورق الشاي إلى مكوّناته الأولى ويصنع منها أشياء جديدة)، كي يفهم هذا الهراء المركّب من عقد السلطة. تنتظره زوجته خديجة وهي تتحدث للمنظمات الحقوقية العالمية بجرأة الواثق من احتجاج زوجها، وينتظره هاشم، الابن الذي سيجد في سيرة أبيه ما يحكيه للعالم عن هراء السلطة، وورد التي لم تتعرّف إلى ملامح أبيها في سجنه.
الحرية لك يا صديقي
بيروت ـــ 28 أيار (مايو) 2011

 

رابط الموضوع: http://www.al-akhbar.com/node/111234

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية

لن أخون وطني!

 

مي آل خليفة

 

بمَ يمكن أن يشهد مثقف خارج طائفته، وخارج نظامها السياسي الحاكم عليها بالموت؟ أتحدث عن المنامة هنا بما هي واجهة للسلطة السياسية التي أسندت إليها مهمة الاحتفال بعاصمة الثقافة العربية. أنا مثقف معارض لهذا النظام السياسي، ومعارض برسالتي الثقافية التي أجدها تتمثل في توسيع مساحة الحرية: حرية الفرد والجماعات والتجمّعات السياسية. أنا ضد أن يكون هذا النظام السياسي واجهةً للاحتفال بالمنامة عاصمة الثقافة العربية.

أنا لستُ ضد مي آل خليفة صاحبة مشاريع البيوت الثقافية، لكنّي ضد شيخة مي ممثِلةً النظام السياسي في الاحتفال بالمنامة عاصمة الثقافة العربية. لقد عملتُ مع (مي) صاحبة البيوت الثقافية، كتبتُ عن بيوتها ورحّبت بضيوف هذه البيوت من مثقفين ومفكرين وصحافيين، وحاورت أهمهم، وعرّفت بهذه البيوت واعتبرتها واجهة جميلة للثقافة. لكني اليوم ضد شيخة مي آل خليفة التي تريد أن تستثمر المنامة الثقافية للتغطية على المنامة المكارثية، منامة النظام السياسي.
لا يمكن أن تكون المنامة عاصمة لثقافة يَفتتح أولى فعالياتها أقدم رئيس وزراء في العالم (40 عاماً رئيس حكومة منذ الاستقلال).
لا يمكن المنامة أن تكون عاصمة للثقافة، لأنّ سلطتها السياسيّة لم تتح لكبار مبدعيها مجالاً للمعارضة والاستقلال. أسكتت بعضهم، وماهت بعضاً آخر مع خطابها، وخوّفت آخرين، وهددت أرزاقهم، وحاكمتهم، وعرّضت ضمائرهم لاختبار أخلاقي خطير.
إصرار النظام على استثمار الثقافة للتغطية على انتهاكاته اليومية لشروط المواطنة التي تؤهله ليكون ممثلاً شرعياً للناس، هو إصرار يستكمل به حلقته الشمولية التي أظهرها بفجاجة منذ اعتماده قانون السلامة الوطنية (الطورائ) في 15 آذار (مارس) 2011. مهمتي الآن كمثقف تمزيق هذا الغطاء الثقافي الذي يحاول عبره النظام الشمولي الأحادي القبلي أن يغطي به فظائع انتهاكاته. المنامة اليوم هي عاصمة الدخان والظلام والقتل، ومكان غير آمن للجمال الذي تنشده الثقافة.
أنا شاهد على هذا الدمار الذي يمارسه النظام السياسي على عاصمة بلادي. شاهد على الموت الحقيقي الذي يتذوّقه أبناء قريتي، شاهد على التمييز الكريه الذي تتعرّض له أهم كفاءات وطني. شاهد على الأطفال الذين فجّر مرتزقة النظام زهراتهم. شاهد على أطنان الغازات التي تخنق حناجر مصرّة على أن تُسمع العالم صوت حريتها. شاهد على الفساد والسرقات. شاهد على الموت الذي يأخذنا إليه هذا النظام. شاهد على هذا الملك الذي فقد إرادته السياسية وفقد وقاره الشعبي وصار نكتة (يسقط حمد) تتفنن ثقافة شعبي في إبداعها في صور لانهائية. المثقف حين يخون شهادته، يخون وطنه، وأنا لست بخائن.

 

رابط الموضوع: http://al-akhbar.com/node/34859

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية

مدونة الباحث د.علي الديري