افتتاحية إشراقات: الحركة والاستنارة

افتتاحية العدد الأول من كتاب إشراقات

العدد الأول من كتاب إشراقات pdf

“الحركة صورة واحدة لكنها توجد في مواد كثيرة و محال مختلفة، وبحسب ذلك تُولّى أسماء مختلفة….- فهي- في اللسان منطق، وفي النفس بحث، وفي القلب فكر، وفي الإنسان استحالة، وفي الروح تشوف، وفي العقل إضاءة واستضاءة…..”. أبوحيان التوحيدي/المقابسة 49

المؤسسة كالإنسان لا يمكنها أن تحيا إلا حين تدب الحركة في كل طرف فيها، لذلك لا بد لها من منطق يعطيها لساناً، وبحثٍ يمنحها نفساً، وقلبٍ يزرع فيها فكراً، واستحالة تجعل منها إنساناً متغيرا، وتشوّفٍ يشعل فيها روحاً، واستضاءة تجعل منها عقلا. حين تفقد المؤسسة شيئاً من ذلك، تفقد شيئاً من إنسانيتها. 

        لقد كان مركز الشيخ إبراهيم مؤسسة بكل تجليات هذه الحركة (المنطق والبحث والفكر والاستحالة والتشوف والاستضاءة) لذلك كان حياة لا تشبهها أي حياة… حياة بتباين الشخصيات التي حلت فيه… وحياة بحيوية الناس الذين كانوا يتزاحمون بأرواحهم فيه… وحياة بالأصدقاء الذين استحال فيهم واستحالوا فيه… حياة بأصداء الأحداث التي كانت تفتح دوائر لا تنتهي امتداداتها واتساعاتها… حياة بالحكايات التي شغلت الناس فراحوا يختلفون، حياة بالمكان الذي يضج بحركة كل شيء….حياة بروح (مي) في جنباته التي لا تكف عن استحالة التاريخ بصرفه وتحويله… 

أيها الأصدقاء هذا الكتاب السنوي شهادة حياته الأولى فأمنوا بقلوبكم على شهادته..

 

علي أحمد الديري

Sept 9, 2002 

القرامطة في خطاب مي الخليفة آليات التاريخ وتمثلاتها الرمزية

prt-1 

 

1- لا مناص للمؤرخين إذا أرادوا الخروج من دائرة التهميش أن يخضعوا الممارسة التاريخية للمشاغل الحديثة حول قضية الدلالة والأنظمة الخطابية (1)

د.محمد حداد

ما الذي يمكن أن يقوله باحث معني بشئون النقد في كتاب تاريخي ككتاب (مي محمد الخليفة) من سواد الكوفة إلى البحرين..القرامطة من فكرة إلى دولة)؟

ذلك هو السؤال الذي افترضت سيواجهني به الباحثون المعنيون بالشئون التاريخية، وتعمدت أن أظهره فوق منصة الورقة؛ ليكون مدخلي في القراءة؛ وكي لا تتمطط المقدمة، سأجيب بشكل مختصر، ومباشر، و أتمنى أن تقرأ الاجابة بوصفها مقدمة لا غنى عنها – تعطي قراءتي مشروعيتها.

أصبح من المعروف لدى المشتغلين بالنقد الأدبي أن صفة (الأدبي) بمثابة التخصيص الذي يحدد موضوع اشتغال الناقد، ولا تستغرق هذه الصفة النقد أبدأ، فالنقد نشاط فكري مفتوح على آفاق المعرفة الإنسانية، ولهذا الانفتاح أثر كبير في فتح موضوعات النقد على بعضها، فالموضوع الأدبي أصبح منفتحا على الموضوع الفلسفي والموضوع التاريخي أصبح منفتحا على الموضوع اللساني، ووفق هذا الانفتاح تتبادل موضوعات هذه العلوم أدواتها، ومفاهيمها، ومناهجه (2).

“لقد أصبح النقد المشتغل على النصوص الأدبية بفضل علوم اللغويات الحديثة متوفرا على مجموعة من المفاهيم النقدية الهامة التي يمكن استثمارها في قراءة أي خطاب تنتجه الثقافة، وهذا ما حدا بالدكتور عبدالله الغذامي إلى أن ينتقل من مفهوم النقد الأدبي إلى مفهوم النقد الثقافي الذي لا ينحصر موضوعه في النص الأدبي.

من هذا الانفتاح تستمد هذه القراءة مشروعيتها، وتعلن عن منطلقاتها التي تروع توظيف المفاهيم المنتجة في البيئة اللغوية والأدبية في قراءة خطاب هذا الكتاب.

2- عتبات القراءة:

هناك مجموعة من العتبات الأولية التي تشكل أفق انتظارك، وأنت تدلف عبر نافذة الغلاف متجها نحو المتن. العتبة الأولى تتمثل في ذلك السواد الذي يلف الغلاف، ويفضي بك عبر نافذة تتوسطه نحو عتبة أخرى، تمثلها لوحة صارخة، توحي بألوانها المتداخلة وبقعها المنسكبة، وملامح كائناتها المتوارية وكتاباتها الجدارية، توحي باختراق ناري لمألوف التاريخ التقليدي الذي همش هذه الكائنات و طمس هذه الكتابات.

ويتصدر العتبة الثالثة الإهداء الذي تقول فيه “إلى روح الحسين بن منصور الحلاج والى جميع المتهمين بجريمة الانتساب إلى فكر القرامطة وحركتهم”. إن هذا الإهداء لمشبع بروح التعاطف الثوري مع كل من يمثل خطأ شاذا ضد هيمنة السلطة الفكرية والسياسية.

واذا ما كنت من المتابعين لكتابات الباحثة السابقة، فستحضرك بوصفها عتبات تسبق عتبات هذا الكتاب. إلى الآن ما تزال العتبات، تنبئنا بالروح التي كانت وراء هذا العمل، لكنها لن تبدأ في إشعال أفقنا بتوقعاتنا للعقل الذي كان ينتظم ضمنه هذا العمل إلا حين نقرأ العتبة الرابعة في التمهيد، ويتصدر هذه العتبة مقولة للمفكر محمد أر كون يقول فيها ز مع اعتزارنا بالتراث لا بد من قراءة جديدة له”. (أركون) لوحده يمثل عتبة غنية لا تملك حين تقف عليها من إشعال أفقك بأبعاد تقترب من اشتغالات منهجيات العلوم الإنسانية الحديثة، واشتباكاتها المعرفية مع وقائع النصوص والخطابات.

والمقولة تعزز من ذهابك نحو هذا الأفق، لما يحمله مفهوم القراءة الحديث من معاني الاختلاف والتركيب والتأويل.

3- ولا تملك إزاء هذه العتبات إلا أن يراودك سؤال قلق تخشى معه من خيبة تكسر أفقك لكن ليس على النحو الذي يفعله النص الأدبي. والسؤال هو: هل نحن سنكون موعودين بخطاب تاريخي جديد؟ أو لنقل بخطاب قراءة جديد لجزء من تاريخنا؟

الإجابة تطلب قراءة تتجاوز الاحتفاء بالمعلومات التاريخية، ومضامينها، وقيمتها؛ لتعطي اهتمامها الأكبر إلى طريقة انتظام الخطاب أي قراءة معنية بتحليل الخطاب.

ولنحصر موضوع القراءة بشكل أكثر دقة، سنسوغ سؤالنا على النحو التالي: كيف كانت (مي) تبني خطابها؟ و وفق أي نموذج كانت تتمثل وقائعه؟ إن هذا السؤال يمثل محور هذه الورقة، ويوجه خطتها، ولكن قبل أن نشرع في مقاربته، سنطرح السؤال التالي: كيف كانت (مي) ترسم خطة بناء خطابها؟

مع الأسف، ليس هناك أية إشارة ترشدنا إلى الخطة المعرفية التي كانت تتحرك من خلالها الآليات النظرية في بناء الخطاب التاريخي، فما تضمنه التمهيد لا يتجاوز الأسباب والدوافع التي كانت وراء هذا الخطاب التأريخي وتتمثل في:

1- كتابات المستشرقين التي تدعونا إلى البحث من جديد.

2- البحث عن هوية القرامطة والوصول إلى أسباب خروجهم.

3- إظهار الحقائق المطموسة المعارضة في تاريخ حضارتنا.

4- رد الاعتبار لحركة القرامطة.

لهذه الدوافع مبرراتها، ورؤيتها الحديثة، وتوجيهها لخطة العمل، لكنها لا يمكن أن تمثل الجهاز النظري الذي يشتغل من خلاله المؤرخ، فنحن ما زلنا رغم وجاهة هذه الدوافع، لا نعرف الطريقة التي ستقرأ من خلالها الباحثة المصادر التاريخية، وما زلنا لا نعرف حدود اختلاف معالجتها عن سائر المعالجات التي كتبت في الموضوع نفسه، خصوصا المعالجات الاستشراقية التي باتت تقليدية بالنسبة لخطابات العلوم الإنسانية الحديثة، وقد تعرضت مناهج المستشرقين لنقد معرفي عنيف من محمد أر كون صاحب العتبة الرابعة، وما زلنا لا نعرف الآليات التي ستتحرك من خلالها في تشييد هذا التاريخ المهمش. باختصارها زالت الأسئلة النظرية في دائرة اللامفكرفيه، وكأن هذا اللامفكرفيه يعزز مقولة الباحث (طريف الخالدي) التي تقول “المؤرخون لا يعنون كثيرا بالأبعاد النظرية لعملهم” (3).

4- إزاء هذا السكوت،لا بد أن نستنطق المتن أي العمل نفسه؟لنجيب على هذه الأسئلة المتفرعة عن السؤال المركزي المتعلق ببناء الخطاب.

يخضع خطاب (مي) في بنيته العاهة إلى آليات الخطاب التقليدي المتمثلة في الخضوع إلى زمن تسلسل الوقائع بدلا من العناية بزمن تشكل النصوص، و تشكلها في النصوص، والاستدلال بالروايات أو توجيهها بدلا من قراءتها، والثقة المطلقة في قدرة النصوص على تمثيل واقعها الخارجي بدلا من التشيك في إمكانيات هذا التمثيل.

لقد تحكم التسلسل الزمني للوقائع في خطة الكتاب العامة، وظل زمن الخطاب خاضعا لهذا الزمن من دون قدرة على تشكيل زمنه الخاص الذي يعبر عن قراءته وتمثله.

5- كيف توزعت فصول الكتاب وفق هذا الزمن التسلسلي؟ يتكون الكتاب من أربعة فصول، و في الفصل الأول والثاني تسرد المؤلفة تاريخ الكوفة في ظل الخلافة الراشدية والأموية والعباسية، إلا أن التأريخ لم يكن تاريخا للكوفة بقدر ما كان للخلافة والخلفاء، وكأن المكان لا يأخذ معناه إلا عبر علاقته بسلطتهم، و تبعا لهذه العلاقة أخذ الخطاب يتحرك تبعا لتحرك زمن الخلافة، فمع كل خليفة يبدأ فصل جديد، ومع كل حدث سياسي تنفتح صفحة جديدة في التاريخ.

وفي الفصل الثالث تتابع تاريخ الحركة القرمطية وانفصالها عن الحركة الإسماعيلية، و أخيرا في الفصل الرابع تتابع التاريخ السياسي لهذه الحركة في البحرين، وتنتهي عند السقرط الأخير للدولة القرمطية العام 469هـ ودخول عبدالله العيوني إلى الأحساء.

إن خطاب (مي) يسير بهذه الخطة وفق آليات التاريخ الخطي السردي المستقيم الذي يحتفي بالحدث السياسي المتسلسل سنة بعد سنة وعصرا بعد عصر، تماما وفق الأسلوب الذي كرسه الطبري.

لقد وصفنا هذه الآليات بالتقليدية؟لأنها تقف بخطها العمودي في الطرف المقابل لآليات التأريخ البنيوي الأفقي الذي يشتغل فيه المؤرخ على البنى الاقتصادية أو الاجتماعية أو النفسية (4).

إلى جانب هذه الآليات التقليدية هناك آليات حديثة تمثلها خطاب (مي) في شكل وعي تاريخي بالماضي، وتمثل هذا الوعي في إدراك دور الإكراهات السياسية في صياغة خطاب المؤرخ، ودور الإكراهات العقائدية في تشويه الحقائق التاريخية،والى حد ما دور المتخيل الجماعي في صناعة التاريخ.

يبدو أن خطاب (مي) التاريخي بآلياته التقليدية،و وعيه الحديث،سيجبرنا علي أن نكون أكثر حذرا: فما ينتهي اليه من إقرارات يبررها الوعي الحديث، قد لا تجد في آليات الخطاب التقليدي ما يوفر لها دعامة تعزز معناها. وهذا يعني أن انتصار الوعي الحديث للمهمشين في التاريخ بإعادة كتابة تاريخهم وفق آليات التاريخ التقليدي قد ينتهي إلى أن يكون تاريخا مضادا أو تأريخا أيديولوجيا أو تأريخيا لا يعي معنى تاريخيته أي تاريخا لا يعي معنى اختلاف الجماعات حمل المعنى.

6- لن ننساق وراء هذه التحذيرات الآن، ولنعد إلى تحليل آليات البناء التي تحكمت في تشيد خطاب (مي).

ينبغي أن نلاحظ أن هذه الآليات لا تعمل في فراغ، فلابد أن تكون لديها مادة خام تعمل فيها وتعمل بها، وتتمثل هذه المادة بالنسبة لخطاب (مي) في هذه المصادر التاريخية، والمراجع البحثية، والوثائق الخطية، و الأثرية كما في صورة مجلس العقدانيين.

إن لكل مادة من هذه المواد علمها الخاص الذي تشيد عبره التاريخ، وتستمد منه آليات التأريخ. لنتعرف أولا على هذه المواد ولنتعرف ثانيا على استفادة هذا الخطاب من هذه العلوم.

تتمثل المواد الخام في هذا الكم من الأخبار والمعلومات والمواقف والتقييمات التي تضمنتها المصادر التاريخية القديمة، وهي (الإمامة والسياسة،وتاريخ اليعقوبي، والكامل في التاريخ وتاريخ الأمم و الملوك، ومروج الذهب، وأحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، وتجارب الأمم وسياست نامة، وسفرنامه، و اتعاظ الحنفاء، وصورة الأرض).

إضافة إلى ما ورد في المراجع الحديثة التي اعتمدت في توثيقها و معلوماتها على هذه المصادر وأبرز ما اعتمده خطاب (مي) يتمثل في (“الدولة العباسية” للشيخ محمد الخضري، و “ثلاثية الحلم القرمطي” لمحي الدين الاذقاني، و “الحركات السرية في الإسلام” لمحمود إسماعيل و “القرامطة” لعارف تامر، و “القرامطة” لإسماعيل العير علي، و “القرامطة أول حركة اشتراكية في الإسلام” لطه الولي، و “الجامع في أخبار القرامطة” لسهيل زكار، و “أصول الإسماعيلية والفاطمية والقرمطية” لبرنارد لوبيس، و “القرامطة” لميكال يدن دي خويه).

أمام هذه الحشد الهائل من المصادر والمراجع، لا تشك أنك أمام دراسة أكاديمية توثيقية وفية لأصول المنهجية العلمية، لذلك لا يمكن ونحن مغرقون بمشات الهوامش التي تحيل إلى كل هذا الكم من المصادر والمراجع،أن نحمل تصريحات الباحثة التي تبعد عن نفسها الأوصاف الأكاديمية محمل الجد،فالخطاب غارق حتى الثمالة فيها.

الخطاب إذن محكوم البناء من الناحية الأكاديمية التي تفرضها إكراهات التوثيق التاريخي، لكن ماذا عن البناء المعرفي الذي يمنح الخطاب أمالته الخاصة التي لا يمكن قياسها على أي محك تعليمي أو نموذج جهاز؟

7- هذا السؤال يفضي بنا مباشرة إلى آليات تعامل هذا الخطاب مع هذه المواد الخام ومع علومها التي هي بمثابة مفاتيحها.

يحدثنا المفكر عبدالله القروي في كتابه الهام “مفهوم التاريخ” عن العلوم المساعدة للمؤرخ، ويقرر في هذا المجال أنه “توجد علوم حقيقة نسميها نحن مواكبة للتاريخ؛ لأنها تتطور بجانبه وتشاركه في المناهج والمفاهيم نذكر بعضها هنا: اللغويات مع التاريخ بالخبر، والقانون مع التاريخ بالعهد والنقد الفني مع التاريخ بالتمثال وعلم الأرض مع التاريخ بالأثر الطبيعي.. الخ” (5).

معنى هذا أن المؤرخ لابد له من الاستناد إلى معطيات العلوم الإنسانية أو الطبيعية لبناء خطابه بناء متماسكا؛ وذلك لما تتيحه هذه العلوم من معطيات علمية يتمثلها المؤرخ في شكل آليات إنتاج يشيد من خلالها خطابه.

إن معطيات هذه العلوم لا تقدم خدماتها للمؤرخ فقط، بل إن قارئ الخطاب التاريخي يستمد منها خلفية معرفية تساعده في تفكيك الخطابات التاريخية، وبذلك يغادر في علاقته معها صيغة “اعلم أن…”.

إن الخطاب التاريخي الذي تشيده (مي) تتمثل عادته الخام في هذا الكم من المرويات والأخباريات التي تتضمنها المصادر والمراجع التاريخية. وقد غدت بفعل الكتابة نصوصا لغوية بحاجة إلى علم اللغويات؛ ليتمكن المؤرخ والقارئ من تصريفها واستثمارها؛ و ذلك لأنها لم تعد في صياغتها اللغوية قادرة على النطق. إنها بحاجة إلى أجهزة حديثة تستنطقها؛ لذلك فهي لا تصلح أن تكون دليلا أو أثرا نستدل به.

“ومن أبرز هذه الحقائق والمبادئ، المقررة اليوم عند السميائيين بصفة خاصة، أنه لا يمكن التعامل مع الكتابات التاريخية المذكورة على أساس أنها معطيات خام قابلة للاستخدام والاستدلال التاريخي أو جذاذات جاهزة للاستشهاد والاستثمار العلمي، إنما ينبغي مكاشفتها ككيانات سميائية شديدة التعقيد يفترض استعمالها الحذر لدى المؤرخ والناقد الأدبي إدراكا شاملا لآليات صياغة الخطاب التاريخي. ولذلك حق للباحثة فدوى مالطي – دوجلاس أن تؤكد بهذا الصدد أن ز أي محاولة لتفسير العناصر (الاسمية) في التراجم على أنها محض معلومات، بمعنى استخدام هذا التراجم على أنها أعمال مرجعية، وذلك عن طريق فصل المادة عن سياقها السميائي فإنه يخفي العلامات، وبدلا من المدلول فإن الدارس قد يترك وليس لديه سوى المرجع”(6).

وهذا ما يؤكده الدكتور محمد حداد بقوله “لم يعد ممكنا التعامل مع الوثيقة على أنها مجرد عرض للعالم الخارجي، فلابد قبل ذلك من المرور بنظام اللغة الذي يحدد العلاقة بين الوثيقة و النظام الخارجي” (7).

هذه هو المسوغ الذي يمكن دارس اللغة من الذهاب إلى الخطاب التاريخي، هذا فضلا عن مسوغات التداخل المعرفي التي فتحت جميع العلوم على بعضها.

أن ما يفتقده خطاب (مي) هو الحاجة إلى العلوم المساندة التي تتمثل اليوم في مجمل إنجازات العلوم الإنسانية، فلا يمكن لخطاب (مي) أن يحقق أمالته من دون هذه العلوم المساعدة.

8- سنحاول الآن أن نوجز مظاهر الغياب المعرفي الناتجة عن افتقار آليات خطابها إلى العلوم الانسانية:

× إغفال هذا الخطاب المظلات المعرفية التي كتبت تحت ظلالها المصادر التاريخية والمراجع الحديثة خطابها التاريخي. إن هذا الغياب يجعلنا نتعامل مع هذه المصادر والمراجع وكأنها أشبه بأوعية محايدة لا دخل لها في توجيه وانتاج الواقعة التاريخية أو الرواية وهذا ربما ما أوقع خطاب مي في مأزق التمثل اليساري الذي وقعت فيه بعض مراجعها، كما هو الشأن مع كتاب “القرامطة أول حركة اشتراكية في الإسلام”. ولا أبالغ إذا ما قلت إن خطاب مي قائم في أساسه على فكرة هذا العنوان، كما سأوضح في التحليلات القادمة.

× وترتب على ذلك غياب النقد المعرفي للكيفية التي تمثلة فيها هذه المصادر أو المراجع مادة خطابها التاريخي.النقد الوحيد الذي احتفى به هذا الخطاب كان موجها إلى الإكراهات السياسية والعقائدية التي تحكمت في الكتابة التاريخية، لكن حتى هذا النقد كان مصاغا بلفة أقرب إلى التعاطف مع من وقع عليهم هذا الإكراه، ولم يتحول إلى نقد معرفي.

* الخضوع إلى وقائع الخطابات التاريخية من دون إخضاعها إلى مشرحة التفكيك، وهذا ما جعل من هذا الخطاب أقرب إلى العرض منه إلى الكتابة التاريخية؛ فـ “لا تقدم أصلا في كتابة التاريخ وانما يحصل التقدم في نقد النصوص، واختيار الموضوعات”.(8)

وترتب على ذلك تحول نصوص المؤرخين إلى وثائق يحتج بها،بدلا من أن تكون ساحة عمل ومساءلة، وتبعا لهذه الآلية أصبح متن الخطاب التاريخي الذي تكتبه (مي) يسير على ماء الهامش، ويتحرك مع دفوعاته، ويتجه وفق رياحه من دون قدرة على التحكم.لنقل إن الهامش تحول متنا يكتب وفق آلياته هامش (مي) وقد أنتجت هذه الآليات في النهاية خطابا تاريخيا أقرب إلى الأسطوغرافيا التي لا تتجاوز أن تكون تجميعا لما قيل أو كتب حول موضوع ما.

9- إن دخول خطاب (مي)على التاريخ عبر ترقيق العبارة واشتقاق العناوين الأدبية الموحية، ونظم المتفرقات تحت بعضها لتقديم الحكاية بأسلوب أكثر بساطة وعصرية، لا يمكن أن ينتج خطابا تاريخيا أيضا،فما دامت وقائع الخطابات التاريخية محافظة على تشكيلاتها في خطاب (مي) ولم تتخلخل أنظمتها بعد، فلا يمكن أن نتحدث عن خطاب تاريخي جديد.لابد من مغادرة وظيفة الراوي الثقة الذي يحرص على سرد سلسلة إسناده بأمانة من دون أن تتدخل ذاته في إعادة تشكيل الخطاب الذي يرويه. بمعنى لابد للخطاب التاريخي الذي يفارق زمن الخطابات التاريخية التقليدية أن ينفك من أنظمتها في إنتاج المعنى؛ ليعيد تشكيلها من جديد وفق أنظمة المعنى الحديثة، بهذا يحصن خطابه ضد التطابق والتنساخ.

إن وظيفة الراوي الثقة تنصب على أمانة التوثيق والنقل الأمين لمحتوى العنعنات. وفي حالة خطاب (مي) تتوسع دائرة المروي عنهم لتشمل جميع من كتب عن القرامطة.

في مقابل هذه العناية بالأمانة تغيب جرأة التسمية، فالراوي هنا لا يجرؤ على تسمية الأشياء، فوظيفته المحافظة على تسميات الأطر المرجعية التي يروي عنها، ونقلها بأمانة.

10- وسأميز هنا بين مستويين من التسمية:

المستوى الأول:

ويضم التسميات التي تحمل أحكام قيمة تعبر عن موقف، أو تحمل مفاهيم عامة تعبر عن رؤية، وتتمثل تسميات هذا المستوى في النماذج التالية (الباطنية، التعليمية، الخوارج، الثوار، الإمام، البهية، الإمامة الاشتراكية، الشريعة، الخليفة، الدعاة…. الخ).

المستوى الثاني:

ويضم التسميات التي يتحسس ويقرأ بها المؤرخ تسميات المستوى الأول.

لكل من هذه التسميات حضوره القوي في الخطاب التاريخي، وفي تشكيلته الخطابية، وتفرز هذه التسميات خلافاتها العقائدية والسياسية، وهي أبرز تجل لاحترابات البشر حول المعنى، فالمعنى يحل دوما في ملفوظات تتخذ تسميات يتنازع حولها البشر ويتخاصمون، وتتخذ التسميات في خطاب المؤرخ مواقعها التي تعبر عن مواقع الرؤى المختلفة وبهذا تتشكل أنظمة الخطاب التاريخي.

إن تسميات المؤرخ تعبر عن قراءته لهذه التسميات المتخاصمة وهو يستمدها من العلوم المساعدة في شكل مفاهيم ومصطلحات لديها القدرة على الكشف والحفر من دون الوقوع في مطبات ما تكشف عنه.

كلما تمكن المؤرخ من ابتكار تسمياته، استطاع أن يؤمن لخطابه قدرا أعلى من الموضوعية والدقة والتبصر، إلا أن ذلك صعب التحقيق، فالمؤرخ يأتي وقد أخذت الأشياء أسماءها غيرا لمحايدة، ومهما كانت يقظته، يبقى احتمال أن يقع تحت غواية نظامها، ويتخذ الوقوع تحت غواية هذا النظام شكلين: شكل التماهي والتعاطف، وشكل الرفض؛ لذا فهو بحاجة إلى نظام تسمية آخر، لديه القدرة على قراءة النظام الذي يؤرخ له.

إن إشكالية المؤرخ المعاصر تتمثل في الوعي المتعمق بالكيفية التي يتحرك بها خطابه وفق أنظمة اللغة في التسمية، لكن في خطاب (مي) تتحول الإشكالية إلى مشكلة تتعلق بالموقف والانتصار وما يتطلبانه من أوصاف و تسميات.

في الإشكالية نحن أمام علاقة شائكة بين الأسماء (التسميات) والأشياء لم السميات ا وفي المشكلة نحن أمام موقف يزج بنفسه داخل الإشكالية لتنتجه، لا لينتجها.

11- إن خطاب (مي) وقع تحت غواية النظام الذي تؤرخ من خلاله أي تحت أنظمة المعنى والتمثلات الرمزية لمصادرها التاريخية ومراجعها الحديثة.

ويبدو أن خطابها كان يقرأ المصادر عبر المراجع، ولم يتنبه إلى أهمية أن يكون له نظام رمزي مستقل في رؤيته و آلياته عن نظام هذه المراجع التي يبدو أنها متأثرة في أغلبها – كما توحي عناوينها – بنظام المعنى اليساري الثوري الذي أنتجها في فترات الستينيات والسبعينات.

لقد كان على هذا الخطاب أن يعي تاريخيته، وهو يعيش نهاية التسعينيات، وذلك بإدراك نظام المعنى الرمزي الذي تعيشه المعرفة الحديثة في هذه الفترة.

وفي مقابل الوقوع تحت غواية التماهي مع نظام المراجع الرمزي في تمثلها لحركة القرامطة، هناك غواية الرفض لمتبنيات المصادر المضادة للقرامطة. لا شك أن الغواية الثانية من إنتاج الغواية الأولى لكنها تميزت بأنها راحت تقرأ المصادر بنفسها، وان كانت تحت نظامها، بمعنى أن خطاب (مي) كان يقرأ المصادر بعيون المراجع، بحثا عن مزيد من المعلومات. و الدليل على ذلك أنه تبع ما قامت به المراجع من إلغاء لتسميات المثالب والاحتقار، و تبنى تسميات هذه المراجع ذات الطابع الأيديولوجي !!.

ولأدلل على ذلك، سأحاول قراءة صدى فكرة الكتاب المركزية، ذلك الصدى القادم من أعماق المعنى اليساري.

رغم إن خطاب (مي) يخضع في آلياته – كما قلنا – إلى آليات الخطاب التاريخي التقليدي في تتبعه لتسلسل الأحداث كما يفترض أن تكون عليه في زمن الوقائع، و ما يترتب على هذا التتبع من إيهام أنه يقول ما جرى بموضوعية تتطابق مع الموضوع الخارجي الذي وقع، فإن ذلك لا يحول بيننا وبين إدراك وجود فكرة أساسية موجهة (بكسر الجيم) تعمل على إنتاج ممنى الوقائع وفق معناها.

12- ما هذه الفكرة؟

الفكرة هي أن حركة القرامطة تمثل أول جمهورية اشتراكية.

سنحاول قراءة هذه الفكرة أولا عبر تتبع تجلياتها في ملفوظ خطاب (مي)، وثانيا عبر تتبع تسربها إلى خطابها، وثالثا تتبع أثرها في قراءة المرويات والأحداث.

تتجلى هذه الفكرة في ملفوظات الخطاب بصيغ متعددة، و هنا نذكر أهمها: “كان أبا سعيد بن بهرام الجنابي صاحب أول دول اشتراكية استمرت في البحرين حتى عام 398هـ” ص 196، “من قرية جنابة على الساحل الفارسي، جاء الحسن بن بهرام بن بهوشت الجنابي بائع الفراء الذي دخل الدعوة القرمطية وأسس أول جمهورية اشتراكية في التاريخ” ص 240، “بائع الدقيق أول رئيس لأول جمهورية اشتراكية” ص 239، “إلا أن المجتمع الاشتراكي لا يعني عدم ملكية الدولة للمصادر الرئيسية لكنه يعني الضمان الاجتماعي والألفة وتوفير حاجة الأفراد” ص 253.

ليس هناك حاجة لأي تأويل، فالخطاب يعلن عن فكرته يوضح ويسميها ممارسا أخطر وظيفة يقوم بها المؤرخ. وهل بعد هذه التسمية – الاشتراكي هنا- من فكاك من الانصياع لنظامها الذي يفرض توجيهاته واعلاءاته، ليجعل الخطاب يقول متبنياته.

سنتابع إكراهات نظام التسمية هذه بعد أن نتعرف المسارب التي دخلت منها إلى خطاب (مي).

في قائمة المراجع اسم يتردد كثيرا في هوامش الخطاب، إنه كتاب (طه الولي) “القرامطة أول حركة اشتراكية في الإسلام”. وأضح التطابق بين هذا العنوان وبين الفكرة التي يقوم عليها خطاب (مي) لكن ليس هذا هو المهم، فتشابه العنوان مع الفكرة، لا يعدو أن يكون مؤشرا أوليا يحفزنا إلى قراءة ما خلف السطور.

ما خلف السطور يتمثل في حضور هذا التمثل الرمزي لفكرة الحركة القر مطية في التاريخ، فخطاب (مي) يتمثل قيام حركة القرامطة حسب توجيهات هذا التلقي الذي يوحيه هذا الكتاب أي وفق نظام تسميته، من دون ملاحظة الظرف التاريخي الذي لعب دورا في إنتاجه.

13- ننتقل الآن إلى الخطوة الثالثة؛ لنرى أثر هذا الحضور في توجيه المرويات والوقائع. و سنتخذ من شخصية (أبي سعيد الجنابي) نموذجا، نرى من خلاله أثر هذا الحضور. تبرز صورة (أبو سعيد الجنابي) في خطاب (مي) من خلال ثلاثة مصادر، المصدر الأول يمثله المقريزي في كتابه (اتعاظ الحنفاء) و ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) والطبري في كتابه (تاريخ الأمم و الملوك) والنويري في كتابه (نهاية الأرب). والمصدر الثاني تمثله المراجع الحديثة، والمصدر الثالث تمثله تعليقات الباحثة.

يبرز (أبو سعيد) في مرويات المصادر القديمة شخصية مختلفا في أصلها وبداياتها، ويصفه المقريزي بأنه رجل قتال دخل البحرين، وتمكن عبر غزواته من إجبار الناس على طاعته، و أخذ في بناء دولته سياسيا و اقتصاديا، وساهم في تدعيم اقتصاد الدولة النساء والصبيان، كما كان للمرأة في دولته دور في القتال. تنتهي حياته بالقتل على يدي خادم صقلي في الحمام،وتختلف هذه المصادر في السبب الذي دفع الخادم لقتله، فالنويري يرى أنه أخذته الغيرة على الإسلام بسبب عدم اكتراث أبي سعيد بالصلاة، وابن الأثير يرجع السبب إلى أن أبا سعيد أراد الخادم على الفاحشة.

14- أما صورة هذه الشخصية في المراجع الحديثة، فهي أقرب إلى البطولة، فأبو سعيد شخصية عصامية، وقد أسست هذه الشخصية أركان الدولة بفضل ذكائها وصدقها و قدرتها على الاتصال بالقبائل البدوية التي وجدت عند أبي سعيد الكرم مقابلا للطاعة، و بالترهيب والترغيب تمكن من فرض نفوذه، مؤسسا بذلك دولة تقوم على إلغاء الملكيات الخاصة و تأخذ بالملكيات الجماعية، و تمكن خلال فترة لم تتجاوزا لعقدين (286هـ – 301هـ) من إقامة مجتمع اشتراكي عسكري من طراز لم يعرف له مثيل في السابق، ويدير أبو سعيد هذا المجتمع من خلال مجلس استشاري عرف بمجلس العقدانية (أهل الحل والعقد).

وقد أعطت دولة الجنابي للمرأة مكانة عالية مساوية للرجل ونتيجة لهذه المكانة لعبت دورا كبيرا في تأسيس الدولة، وترجع هذه المكانة التي أعطيت للمرأة وللتشاور إلى الأساس الفلسفي اليوناني الذي أخذت به. وتنتهي صورة هذا البطل مقتولا إثر مؤامرة عباسية أو فاطمية على يدي خادم صقلي و ذلك بعد أن أسس الحصر الذهبي لدولته.

15- أما صورة (أبي سعيد) في تعليقات مي، فهي لا تختلف عن صورته في هذا المراجع، بل إنها تذهب بعيدا في تدعيم هذه الصورة و إبراز تميزها الفريد مواصلة بذلك المهمة التي سعت المراجع لأدائها؛ فإذا كانت الصفة الاشتراكية هي أهم مميز احتفت به المراجع فإن (مي) تضيف اليها صفة الديمقراطية لتتناسب هذه الصورة مع عصر الزعيم الديمقراطي الذي يعيش في التسعينيات هكذا “وخلافا لجميع الحركات التي ظهرت آنذاك فإن أبا سعيد لم يدع النسب العلوي كما فعل صاحب الزنج وأبناء زكرويه ولم يعلن عن نفسه إماما كما فعل علي بن الفضل (في اليمن)، وانما اكتفى بلقب “سيد” وعلى هديه سار أتباعه في نهج ديمقراطي وسلوك في غاية التواضع” ص 244.

ولتأكيد هذه الصورة راحت تبرز الأساس الفلسفي الذي قامت عليه و استمدت منه ملامحها “وفي الحقيقة كان الفكر البديل الذي أنتجه القرامطة نتاج عصر التنوير الذي بدأ بعهد هارون الرشيد وبدار الحكمة في عهد المأمون وكذلك بالحركة النشطة للترجمة والتفسير والتأليف التي شارك فيها العلماء والأطباء والمهندسون والفلاسفة من جميع المذاهب والجنسيات” ص 212.

وتأكيدا على تميز النهج تقول “كان منهجا عقلانيا فلسفيا أكثر من كونه روحيا عقائديا وكانت ادارتها جماعية وملكيتها مشاعة في حين إن الدولة الفاطمية لم تختلف عمن سبقها من أمويين وعباسيين” ص 200. وكان من نتائج هذه الخلفية الفلسفية التي استند عليها بائع الدقيق !! أنه “لم يأت الجنابي بجيش لفتح البحرين ولم يحمل السيف الذي كان أداة الفتح في التاريخ الإسلامي (وعند الإسماعيليين في افريقيا واليمن) بل قامت الدولة الجديدة على الإقناع وكان الأهالي على مستوى عال من الثقافة وفي انتظار واستعداد لتقبل فكر القرامطة ومنهجهم. وفي البحرين طبق أبو سعيد الجنابي تعاليم حمدان وعبدان وأسس دولة لم يشهد التاريخ الإسلامي شبيها لتجربتها !!!” ص 218.

وكي تستقيم هذه الصورة في أبهي حلتها، كان لا بد من تفنيد الأكاذيب التي تضمنتها كتب المؤرخين، و لابد أيضا من تبرير الأعمال التي تتعارض مع هذه الصورة. سأكتفي بهذه الفقرة الدالة لأنتقل بعد ذلك لتحليل هذا التلقي.

تقول (مي) بعد أن تعرض باقتضاب الشبهات التي أثيرت حول القرامطة “ومهما حاولنا الوقوف مع الرأي المضاد لعقيدة القرامطة إلا أننا نجد أنها (برغم سلبياتها وتجاوزاتها) كانت تلبي مطالب الجماعة وتنمي في الإنسان القدرة على استخدام العقل ورفض التسليم أو النقل المباشر للتعاليم الدينية وترى أن الوصول إلى الإيمان عن طريق العقل لا يعد بدعة ولا خروجا عن الدين” ص 262.

16- لا يمكن تحليل التلقي الثقافي أو الفكري لأي ظاهرة خارج الزمن التاريخي، فلكل زمن أمنياته وأفقه ومشاغله التي تحدد أطر استقباله، واذا ما حاولنا قراءة تلقي المراجع الحديثة لتاريخ الحضارة العربية العباسي على وجه العموم، وتاريخ المعارضة السياسية على وجه الخصوص، فسنجد تأثر الكتابة التاريخية – التي تهمنا هنا من بين بقية الكتابات – بالأفق الثوري العام الذي يغلب عليه الطابع الأيديولوجي في فترة الستينيات والسبعينيات، و أهم سمة تجلت في هذا الأفق هي الانتصار للتاريخ الثوري والاحتفاء بالنماذج الثورية، بإسباغ هالات البطولة عليها، واخفاء تناقضاتها التي تصطدم مع التمثلات الجماهيرية المثالية لصورة الزعيم الثوري.

ومثلما مارس هذا الأفق – عبر زعمائه السياسيين – آليات الأنظمة السلطوية التي تمثلها تمثلا جيدا بعد ما عارضها على أرض الواقع في المجال السياسي خصوصا، مارست آليات هذا الأفق – عبر زعمائه المثقفين -الأمر نفسه في مجال الكتابة بما فيها الكتابة التاريخية.

لقد حذفت هذه الكتابة من أجندتها تاريخ الملوك؟ لتنصب المعارضين ملوكا رمزيين من دون أن تتأمل تأريخيا النسق الثقافي الذي كان ينتجها، و ينتج المعارضة، و ينتج السلطة. وتحت هذه الإنتاج أصبحنا نؤرخ للمعا رضة بآليات التأريخ للسلطة.

(أبو سعيد الجنابي) يمثل نموذجا صارخا لهذه الممارسة التي تورط فيها خطاب (مي) من خلال استمرار محاولاتها في لعب دور التنزيه، تماما فكما للملوك فمجدوهم و منزهوهم من الكتاب والشعراء والمؤرخين، فللمعارضين أيضا ممجدوهم ومنزهوهم من الكتاب والشعراء و المؤرخين.

ولو قدر لخطاب (مي) أن يستبدل هذا التلقي الثوري الذي لا يعرف إلا لفة (الضد أو المع) بنموذج التلقي الانثروبولوجي لشخصية الزعيم في السرديات، لأدركت حتى من دون الرجوع إلى كل هذا الكم من الأخبار والمرويات أن نموذج الزعامة الثورية ما انفك على مر التاريخ من تكرار أدوار الزعامة الملكية، لو فعلت ذلك لو فرت على نفسها مشقة الترافع والدفاع عن نماذجها الثورية تحت سميات (العقدانية الاشتراكية) أو (الديمقراطية الاشتراكية) ولعرفت أن المبادئ العقلانية والنظريات الفلسفية التي تنظر لكل تحرك معارض، لا تلبث أن تستبدل بنظام آخر يفرضه الواقع الثوري بسياسته الصارمة.

الهوامش

1- مجلة دراسات عربية، العدد 9/ 10، 1997 م.

2- يمكن مراجعة كتاب “التاريخ و اللسانيات” الصادر عن كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط عام 1990م.

3-فكرة التاريخ عند العرب، ص 15

4- راجع كتاب محمد أركون “أين هو الفكر الإسلامي المعاصر”، ص 100

5- ص 198، ج 1

6- نزار التجديتي، مجلة دراسات عربية، العدد 3/4، 1998.

7- مجلة دراسات عربية، العدد 9/1997.10م.

8- بول فبين /نقلا عن عبد الله القروي، مفهوم التاريخ، ص 196، ج1.

رابط الموضوع

الحوار المتمدن-العدد: 180 – 2002 / 7 / 5 – 10:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية

حوار مع رابحة الزيرة

حوار مع رابحة الزيرة

أجرى الحوار/ علي أحمد الديري

 

مقدمة

 

في المجتمع المدني وفي الأنظمة الديمقراطية لا مكان للعمل السري ولا للتنظيمات التي تتخفى تحت أستار تخالف هويتها الظاهرية بشكل فاضح ( أعرف أن المؤسسات غالبا ما تخفي مصالحها الشخصية وانحيازاتها خلف ترسانة من الأهداف المستترة والدعاية المراوغة إلا أن موضوعنا لا يندرج تحت هذا النوع من الإزدواج المراوغ ) . 

من هنا لا بدَّ أن نسمح لموضع السفارة أن يأخذ مجراه العقلاني في الحوار . وأعني هنا بالمجرى العقلاني المجرى الذي يهدف إلى التعرف على تنظيم السفارة من حيث الأهداف والفلسفة والبرامج بعيدا عن المماحكات الدينية التي لها أوساطها المعروفة . 

الهدف ليس نصرة مذهب أو الدفاع عن فكرة ، و إنما التبصر في تجربة هذا التنظيم لنتمكن بعد ذلك إن شئنا من تحليل المصادر الثقافية والمعرفية التي كونتها و صاغتها على هذا النحو، وذلك باقتراح شبكة التحليل علمية .

ومبرر دعوتي يتمثل في النقاط التالية : 

* بروز جماعة السفارة أو باب المولى (أعتذر إذا كانت تسمياتي المستخدمة تحمل شحنات قدحية أو انتقاصية ) مؤخرا عبر الندوات والمحاضرات والمنتديات والوسائط السيبرنية . 

*التساؤلات الكثيرة التي تطرح من قبل المثقفين والتي تتعلق بطبيعة هذا التنظيم وأهدافه وأفكاره وتاريخه . 

*الحاجة الماسة لمحاورة هذا التنظيم ( لا من أجل إقناعه بخطأ أطروحاته بل من أجل التعرف على طبيعته ) محاورة عقلانية من دون اللجوء إلى أساليب الفتاوي والحرب النفسية . 

لهذه الأسباب وغيرها ، يأتي هذا الحوار مع رابحة الزيرة إحدى العضوات الناشطات في هذه الجماعة ..  

علي أحمد الديري 

 

الأخت رابحة

مساء الخير

أشكرك على قبول الدعوة

أشعر أن بيننا توجسات سميكة ينبغي إزاحتها أولاً كي نبدأ حوارا حميميا من دون أية مسبقات أو خلفيات تحول بيننا؛ لذلك أقترح أن تبدئي أولا -إن شئت – بالتصريح بما هو قابع في مخيلتك عن أهدافي غير المعلنة وما يحيط بها من ظلال غير مستساغة لديك . وثقي أن قراءتك لي ستكشف حتما مناطق مخفية عني ، ربما تكون قابعة في لا وعيي أو لا وعي خطابي.

مع تحياتي لك  .. علي أحمد الديري

 

الأخ المحترم علي الديري ..

مساء النور .. وتحية طيبة ..

وأنا كذلك أشكرك على اهتمامك .. وعلى أن سمحت لي أن أكون أنا البادئة .. وإنما سأبدأ – لو سمحت لي – بما أود أن أبدأ به لا بما اقترحت عليّ (بالتصريح بما هو قابع في مخيلتي عن أهدافك غير المعلنة ، وما يحيط بها من ظلال غير مستساغة لديّ) فهذا افتراض مسبق أرجو أن لا يكون سبباً في صعوبة الاتصال ، أو سوء الفهم بيننا .. فأنا – وأعدك بذلك – سأتعامل معك صفحة بيضاء ، فمعرفتي بك حديثة العهد لا تزيد على أيام ، فمن أين تكوّنت تلك التوجسات السميكة– كما أسميتها- وإن كنت أعرفك من خلال كتاباتك والتي أجد فيها مستوى راق من الفكر والثقافة ، أما أنك أنت من حاور نرجس طريف فما كنت لأعلم لولا أن أعلمتني أنت بذلك قبل يومين ، وأما خطابك الموجه إلى من خلال أوال فسأنساه أو سأنسى نبرة الاتهام فيه – بغض النظر عن مبرراته التي ذكرتها والتي ما فقهت منها الكثير – وسأتعامل معك صفحة بيضاء من غير سوء .. هذا أول بند في اتفاق الحوار الحميم بيننا .. وأظنك متفق معي عليه ..

 وأما البند الآخر والأخير .. أطلب منك ، برجاء ، أن لا تختصرني والقضايا التي تهمني في قضية جزئية ليست موجودة في نظام حياتي    System) لا في Backgroundولا في Screensaver بل ربما في Hidden folders و أرجو أن يبدأ الحوار فيما يهمك أمره وينتهي في ما يهمك ويهمني ويهم الوطن – كل الوطن – أي أرجو أن ينتهي حوارنا إلى قضايا أنا أحتفظ بها على   desktop ..  وربما هذا هو السبب الذي جعلني أصرّ على أن لا أتحاور معك عن هذه القضية الجزئية في أوال بينما هناك العشرات من القضايا ذات الاهتمام الأكبر والأولى تنتظر من يطرحها للنقاش. 

وأخيراً أود أن أعلمك ما قد يخفى عليك ، وهو أنني لست صحفية ، ولا كاتبة ، ولا حتى محاورة جيدة ، إن كان لديّ معلومة أو حق أريد أن أوصله لشخص ما فإني أحاول أن أوصله له بقدر ما يتاح لي من أساليب ، تُصيب أحياناً وتُخطئ أخرى ، بإسهاب أو اقتضاب ، كما ولا أحب أن أدخل في قضايا الدفاع عن النفس أو حتى قضاياي الشخصية ، وإلاّ فلماذا التزمت الصمت ما يزيد على عشر سنوات طوال ؟  لأني لم أشأ أن أشغل نفسي بالرد على من يتّهمني أو يتهم عقيدتي ،  فإن كنت حاورت نرجس طريف ولم تستطع أن تفهم القضية فهماً كاملاً من خلالها فلا أظنني أستطيع أن أضيف على ما أعطتك ، و اعلم أن أسلوب الحوار الطويل ذي النفس الذي لا ينقطع ليس أسلوبي ، وليست تلك متاهتي ، فإن كان لديك أسئلة بسيطة ، واضحة فعلى الرحب والسعة سأجيب عليك بقدري ، لا بقدرك ، فلا تفكر أبداً بأنني سأناطحك ردّاً برد

ولا حجة بحجة .. لا .. فأنت في هذا المجال أفضل مني بكثير ، وسترى أن كلامي كلام بسيط جداً ، لا كلام كاتب ، ولا شاعر ، ولا كلام من يريد أن يزخرف قوله ويزينه .. بل كلام ينطق به القلب واليقين بلا تنميق ولا تنقيح .. وإن كان لي رجاء عندك قبل أن أختم خطابي لك … فأرجو أن لا تسمح لسوء الظن أو الاعتقاد بأن كل ما أقوله أو أتفوه به له مغازي خفية يجب أن تتعرف عليها أو تخترقها ..

مع خالص تحياتي وسلامي …

رابحة

 

شكرا رابحة على أريحيتك وعلى إطرائك الذي يخجلني على الرغم من اعتزازي فيه وأشكرك أخيرا على نبرة الصدق والإخلاص التي لا أشك أنك تتماهين معها لدرجة الفناء .

الآن اسمحي لي بهذه المقدمة البسيطة المتعالمة تذهب أبحاث علم النفس الاجتماعي إلى أن التفاعل بين شخصين في الحقل الاجتماعي مثلا لا يحدث بشكل أقوى إلا عندما يجهل كل واحد منهما هوية الآخر ، لأنهما يكونان عن بعضهما البعض تصورا غير مطابق للحقيقة ويتصرفان على أساس هذه الصورة المفترضة عن بعضهما البعض ( يمكنك أن تراجعي كتاب فعل القراءة )

هذه مقدمة أراها شديدة الدلالة على حالة تفاعلنا مع بعضنا ، لا بد أن هناك فراغات ومساحات بيضاء بيننا بحاجة إلى ملء وسيبذل كل منا نشاطاً تأويليا لتسويد هذه البياضات كما سيبذل كل منا نشاطا مضاعفا لتبييض المسودات وأتمنى أن خصوبة هذا التفاعل تعطينا درسا جديدا في الحوار

 

أختي العزيزة رابحة

إن أذنت لي أن أبدأ فهذه أسئلتي الأولي

 

1- هل تجدين لحواري معك ما يبرره بعيداً عن التخوفات والتحرزات التي أعلنتها أم أنك تجدين الأمر ورطة أوقعتك فيها ؟

س2 – هل تملكين صلاحية التحدث عن تنظيم سري ؟

س3 – كيف تعرّفين هذا التنظيم بصورة مختصرة ؟

– هل مشاركاتك في المنتديات العامة تعبّر عن مرحلة جديدة في تعاطي التنظيم مع الواقع ؟

 

أمّا السؤال الأول في أنني هل أجد في حواري معك ما يبرّره ؟  أقول نعم .. وهو محض رغبتك في التعرّف على طبيعتنا والتّبصر في تجربتنا (حسب تعبيرك) وهو مبرر مشروع في نظري ، ولا شأن لي بالتخوّفات والتحرّزات التي أعلنتها ، فأنت بالنسبة لي برئ حتى تثبت إدانتك ، ولم تثبت إدانتك بعد ولن تثبت لأنك وإن لم تقتنع بما أؤمن به فلن تدخل في عداد الكفار بالنسبة لي ولا في عداد العاصين ، أقصى ما سأصفك به أنك لم تر ما أرى وأنت كذلك لا أظنك ستطلق عليّ ما أطلقه الآخرون كأن تسميني جماعة البدعة ، أو غيرها من تسميات ، ولن تعطي القضية أبعاد التعبئة الحربية من طعن في الشرف واتهامات زور وبهتان.. أما قولك أن حواري معك ورطة أوقعتني فيها ، فلا ، بل هي متعة ألتذ بها ، هل رأيت الأم التي تعشق طفلها وتحب أن تطيل الكلام عنه ، هذا حالي عندما أتحدّث مع أي كان من الناس عن قضيتي .. أشعر بمتعة ، هذا عن اليوم ، أما غداً  إذا أثمر حوارنا هذا ، واستطاع أن يحقق لك بعضاً من أهدافك المشروعة فتلك – بالنسبة لي – سعادة ما فوقها سعادة ، أن كنت في خدمة إنسان حرّ ، مسئول ، فيما يفيده ، و يفيد أبناء وطننا .. إذن فنحن لا نخاف على أنفسنا ، ولا على فقد شيء ، ويظن البعض أننا إن أنكرنا أو أسررنا فلخوفنا على أنفسنا ، مع أننا إن فعلنا ذلك فخوفاً على الآخرين ، أما نحن فيكفينا أننا نتّبع ما أمرنا ربنا (فكونوا مع الصادقين) ، ونسترشد برسولنا (ص) في قوله (الصدق أنجى) فيقيننا أن الله معنا ، ومحال أن يأمرنا الله بأنه سيكون معنا إن نحن صدقنا ثم يخذلنا – حاشاه – نحن نعلم أننا لم نخن أمانة ولم نكذب ، وإن كذبنا فالكذب الذي يكون الصدق في مقابله سذاجة ، كأن يأتيني من يشهر سيفه عليّ ويريد أن يعرف مكنون ضميري فهل أكون من السذاجة بأن أكون صادق معه وأعلمه بما يحق لي أن أحتفظ به لنفسي ، أو بما يعطيه من مبرّر لكي يقضي عليّ؟

 

و أما السؤال الثاني .. فأسألك قبل أن أجيب عليك فلعل في إجابتك على سؤالي إجابة لك .   تصوّر لو كنت أنت وبعض من زملائك ممن يشاطرونك الفكر والرؤية من أمثال الأخ حسين المحروس وغيرهم ، تصوّر لو كان لديكم مثلاً برنامجاً مدروساً لتطوير مستوى الحوار لدى فئات الشعب المختلفة ، أو غير ذلك من البرامج التي تصب في اهتماماتكم ، فهل يرضيك أن أطلق عليكم اسم تنظيم سرّي كونكم اجتمعتم على أمر ما واتفقتم فيما بينكم على أن تطوروا برامج معينة تعين في مواجهة بعض المشاكل أو وضع حلول وتصورات لبعض قضايا البلد التي تهم المثقفين من أمثالكم ؟  هل ترضى أن يُطلق عليك اسم (تنظيم سري) ؟ فالإجابة لا بالطبع ، كما أن إطلاق كلمة ( تنظيم سري ) بلا تفصيل قد تفتح المجال لسامعها أن يكمل المعنى بما هو مرفوض من قبل السلطة أو الناس ، ولكن أن تقول نحن نسرّ عقيدتنا ، فنعم الآن أنا أريدها أن تكون سرّية (ففررت منكم لما خفتكم) بعدما علمت أن الناس إذا علمت بها فسوف تتعامل معي بطريقة لا إنسانية ، وأنا اليوم لست على استعداد أن أضحي بنفسي لأجل عقيدتي أمام فئة تجهل حقيقة الفكرة ، وتظن أنها بمحاربتها لي  ستخدم الدين ، إذن هي فكرة سرّية أخفيها عمّن أخفيها لأنه غير قادر على استيعابها أو فهمها .. فهل هذا يعني عندك بأنني أنتمي إلى تنظيم سرّي ؟ وأعلم أخي الكريم بأنني أخصّك أنت دون غيرك بهذا الكلام لأني أعلم أن لديك من الوعي ما يؤهلك لأن تعرف حقيقة معاناتنا ، وأنت وأمثالك أثبتم بأنكم أحرار ، واعون لا تنجرفون مع السيل .. أسألك مرة ثانية .. لو استمرت محاورتنا هذه حتى توصلنا إلى أن علينا أن نرتقي بالناس إلى مستوى من الوعي بحيث يستطيعون أن يتحاوروا على أسس حوارية راقية وحضارية ، ثم طلبت أنت مني أن أحتفظ بسرية ما توصلنا إليه ، فهل نصبح أنا وأنت منضمّين إلى تنظيم سري ؟  فلنطلق عليه إذاً اسماً آخر غير تنظيم سري وهو مصطلح قد يستبطن فيه سوء نية دون إمكانية التوصل من خلاله إلى كلمة سواء .. أمّا التنظيم في مقابل العشوائية أو الارتجالية أو الغوغائية .. فنحن منظّمون ، منظّمون في أفكارنا ، في سلوكنا ، في أفعالنا و ردود أفعالنا ، أي لدينا مبادئ وقواعد نتّبعها ، فلا نردّ الإساءة بإساءة مثلها ، ولا الشتم بشتم ، فتصوّر أنا أمثّل جماعة ادّعت في يوم ما – في أدنى حدّ لادّعائها – أنها التقت بالمعصوم فليس من المعقول أن أتصرّف بعشوائية أو غوغائية ، إن كان هذا ما تقصده بالتنظيم .. فنعم نحن منظّمون ، ولكن التنظيم بمعنى حزب فلا .. وأنت تعلم أن الحكومة إذا أرادت أن تضرب جماعة ما تكتفي بأن تتهمها بأنها تنظيم غير مشروع …. أمّا امتلاكي الصلاحية في أن أتحدّث عن التنظيم السري ( بالمعنى الجديد ) فكل ما فيه ضرر على المجموعة التي أنتمي إليها أو يسيء إليها أنا لا أرضى أن أتكلم فيه ، لأنهم لن يقولوا فلانة قالت بل جماعتها ، فمصلحتنا واحدة ، تماماً كما مجموعة أوال ، فلو قمت بكتابة رسالة أو إصدار بيان ضد الحكومة ونشرته من خلال هذه المجموعة فلن أضر نفسي بل سأضر الجميع ، وكذلك فيما بيننا أنا ألتزم بمصالح المجموعة ، فإذا كانت لديهم طريقة في تهدئة الناس وامتصاص غضبهم فلا أخالفهم فيها ، ولكن هذا الحوار الذي يدور بيني وبينك حوار شخصي ، ولو أردت يوماً أن تنقل ما يدور بيني وبينك فلا أستطيع أن أمنعك أو أقيّدك ، ولكن أؤكد لك وأقول كما يقول المصريّون (فقسماً عظماً) لو أنك نقلت ما يدور بيننا اليوم إلى من حاربنا ويحاربنا، فسوف يقولون بأنني أنا التي استدرجتك إلى هذا الحوار ، وانتظر أي سهام طائشة سوف تنهال عليك ، لهذا السبب كنا نهرب من محاورة الآخرين لا خوفاً على أنفسنا بل خوفاً عليهم وعلى الرياح العاتية التي كنا نعلم أنها تنتظرهم إن هم استمعوا إلينا أو دافعوا عنا أو حاولوا أن يبرروا لنا من قريب أو بعيد .. فاعلم أخي الكريم علي .. أن هذا الذي قلت عنه تنظيم ما هو إلاّ تقوٍّ بالإخوان ، وربما أنت تفتقد هذا الشيء ، فلو واجهت ما واجهنا نحن واستطعت أن تصمد – وحيداً – فاعلم أنك أقوى منّي بكثير ، ونحن نتمنى أن يكون هناك أناس بهذه القوة التي تستطيع أن تقف في وجه كل عدّو ولو تركت وحيدة في الساحة ، ولو حدث ذلك لعلمنا أن هناك الكثير من الأحرار في هذا البلد ، وأتمنى أن تكون أنت أحدهم .    

 

إجابة السؤال الثالث : 

سأعرّف لك هذه الجماعة بصورة مختصرة .. نحن جماعة مسلمة ، ملتزمة بكل أصول الدين وفروعه ، تؤمن بالأئمة الإثنا عشر ، وتؤمن بالإمام القائم بأنه حي ، موجود ومتوفّر وليس يستحيل رؤيته أو التشرف بمكالمته ( وهذا هو أقسى ما في فكرتنا من تديّن أو بدعة) والاستلهام منه أو الاسترشاد لمن أراد بإخلاص كائنا من كان، رجلٌ يدعوه البعض بالمخلّص ، أو الموعود ، أو المنتظر أو  المصلح الأعظم أو مهدي الأمم ، هذه هي عقيدتي في أحسن صورها وأبسطها .

 

أما عن مشاركتي في المنتديات !! وهما مشاركتان لا أكثر ، وكنت أتمنى لو يكون هناك أحد غيري يقوم محلي ، لأنك كما رأيت لست خطيباً مصقعاً (أضف تلك المعلومة إلى سيرتي الذاتية عندك) ولكن هو الواجب ولا شيء سوى الواجب حتم علي أن أشارك و لا علاقة له بمرحلة جديدة في تعاطينا مع الواقع .. أجل نحن كما كل أهل البحرين نعيش عهداً جديداً ، عهد ما بعد الميثاق ، ومن الطبيعي جداً بصفتنا بشر طبيعييّن أن نتعاطى مع الواقع الجديد بإيجابية ، وأن يكون لنا دور في المجتمع المدني ، وإذا حُجر علينا سابقاً بفعل الفتاوى والأهواء فقد كان الناس كلهم يعانون مما كنا نعاني سوى أن معاناتنا كانت مضاعفة ، فتصرّفنا تصرّفاً طبيعياً مع الظروف التي مرّت بنا ، أما اليوم فليس من سبب واحد يجيز لنا أو لغيرنا أن يحرمنا من ممارسة حياة طبيعية جداً ، لنا ما لغيرنا من حقوق وعلينا ما على غيرنا من واجبات .. هذا كل ما في الأمر ، ولو حاول أكبر شخص في مجموعتنا أن يمنعني من ممارسة حقي الطبيعي الذي أُعطي لي كما أُعطي لغيري لناقشته ولو طلب منّي أن أنسحب فيما يجب أن أستمر فيه لما فعلت .  الناس لا زالت تراهن على أن تشن علينا حرباً كتلك التي شنتها منذ 13 سنة مضت ، ولكن نسوا أن الوضع اليوم لا يسمح بذلك ، كل شيء تغير الدولة ، الناس ، العالم ، قبل 10 سنوات لم يكن طبيعياً أبداً أن ترى أحد أفراد جماعتنا يمشي مع شخص آخر بسلام وأمان .. قبل 10 سنوات لم نسمع بالندوات إلاّ في المساجد ، أما الآن ففي النوادي ، والجمعيات ، لقد أصبح المجتمع علمياً منفتحاً ، لا دينياً منغلقاً .. اليوم ما تفعله أنت معي خارج حدود الشرع بل ربما ترتكب محرّم في محاورتك لي – لا أقل في نظر أصحاب الولايات المطلقة – ولكن في الغد القريب إن شاء الله لن يكون هذا النوع من الحوار ريبة ، وغداً ستسقط كل هذه الجدران التي أقاموها ، تماماً كما يحدث اليوم في إيران ، فالجدل يدور حول إرجاع العلاقات مع أمريكا – الشيطان الأكبر – حسب تعبيرهم .. وقد بدأت أنت – مشكوراً – بإسقاط أوّل هذه الجدران .. فأرجو أن أجبت على أسئلتك .. وعسى أن نغدو وإياك على خير .. وإلى لقاء قريب ..

 

شكرا رابحة  

لقد استمتعت بقراءة صوتك المقموع ، وأتمنى أن تجدي في حواري معك خصوبة حوارية تتيح لهذا الصوت أن يتحدث بحرية تامة من غير تحرزات .

الآن اسمحي لي أن أستمر في طرح أسئلتي ..

4-لقد عرفت التنظيم الذي تنتمين إليه بما يشترك فيه مع الأصول العقائدية الاثني عشرية ، واكتفيت فيما يميزكم بالقول ” ليس يستحيل رؤيته أو التشرف بمكالمته ( وهذا هو أقسى ما في فكرتنا من تديّن أو بدعة) والاستلهام منه أو الاسترشاد لمن أراد بإخلاص كائنا من كان” . أرجو منك أن توضحي – من غير تحفظ أو تعلل – فكرة الرؤية أو الاستلهام وعلاقتها بجماعتك وما تسمونه بباب المولى (عبدالوهاب البصري ) .(أعتذر إن كان في سؤالي ما لا يتفق مع أساليب تعبيركم عن باب المولى ).

 5- كيف بدأت فكرة باب المولى تتسرب إلى قناعاتك ؟

6- ألا يوجد في تنظيمكم سلطة هرمية ؟

 

أما بالنسبة للسؤال الرابع والخامس .. فلا وجود لمفهوم باب المولى عندي ، فقد ابتدع هذا المفهوم أحد شيوخ جدحفص، حتى نرجس طريف لم تسمع بهذا المفهوم منا طوال فترة وجودها معنا ، وإذا تبنّته بعد ذلك فقد سمعته من غيرنا، وأنا لم أسمعه إلاّ من الشارع من بعض شيوخ الدين عندما حاولوا أن يربطوا القضية بالبابية .

 

وأما إجابة السؤال السادس ، وكما أسلفت نحن لسنا تنظيماً ليكون لدينا سلطة هرمية ، نحن جماعة يسند بعضها البعض، و لدينا مستويات مختلفة من المثقفين والمفكرين وشيوخ الدين – كما لا يخفى على أحد – ولكل واحد منهم الحق في المشاركة في اتّخاذ القرارات في القضايا المختلفة كل حسب اهتمامه وتخصصه وثقافته ، وللتدليل البسيط فقط ..  تخيّر أسماء بعض الشخصيات المعروفة من جماعتنا وانظر من يمكن أن يكون صاحب القرار في المسائل الشرعية مثلاً ، ومن في التعليم ، ومن في التربية وهكذا فلدينا علماء ومفكرين ، ومنظّرين ، وكل أهل البحرين يعرفهم ، ويقال عنهم أنهم نخبة المجتمع ..

ولكن أخي الكريم ، مشكلتنا أننا نعاني من  قلة وعي المجتمع ، فقد ابتُدعت أشياء بشأننا ، وفُسّرت وفُصلّت علينا حتى ألبسونا إياها عنوة وصدّقوها علينا !!  فالبعض يقول عنا جماعة الأحلام ، وثاني جماعة باب المولى ، وثالث جماعة السحرة ، ورابع جماعة الإباحية (أكرمك الله وأعزّك) .. وحبذا لو يُضاف إليها مجموعة أخرى من التسميات كجماعة الشعوذة ، وجماعة التقوقع ، وجماعة السباحة ، وجماعة الرياضة ، فتُجمع كلّها في كتاب ويطلق عليه اسم طرائف العصر .. والأطرف من ذلك من يُصدّق ما يسمع بعد أن يلغي عقله طبعاً ويُعطّل تفكيره .. 

أما كلمة تنظيم هرمي فإنها تناقض تسمية السفارة ، وتناقض جماعة الأحلام ، فجماعة الأحلام تعني أن هناك مجموعة من الناس ترى أحلاماً فتطبّقها ، وجماعة السفارة تعنى أن هناك شخصاً له اتصال بالإمام فيكون هو الآمر الناهي والبقية لا دور لهم ، وهذه كلها مسمّيات إسقاطية تريد أن تسقط الفكرة بإطلاق هذه التسميات عليها ، وإن كان ولابد من تسمية فقل إنها جماعة مؤمنة ، مفكّرة ، لها حضور ودور فاعل في المجتمع .. فهذه تسمية منصفة لا أقل ، وإلاّ فانتظر خمس سنوات قادمة ربما تسمع التسمية الصحيحة لنا .. ربما ؟!

فاعلم أخي الكريم كما أنك لا ترضى أن تُنسب إلى جماعة ما ، سواء جماعة الأحلام أو غيرها ، وتعتزّ بوجودك كإنسان حر ، وشخص مستقل فنحن كذلك نرفض أن توضع علينا أياً من هذه التسميات ، ثم أننا ما خالفنا الشيعة في شيء ، هم – من وقف يتصدّى لنا – هم الذين خالفوا الشيعة .. وإلاّ فشيعة البحرين كلها تعتقد بأن الإمام يُرى ، ويُسدّد، ويُستلهم به ، وصاحب الرمانة خير مثال على ذلك .. 

وأمّا إذا كان سؤالك السابع ماذا أعطانا الإمام (ع) ، وما هي طبيعة الأشياء التي يعطينا إيّاها ؟  فأقول لك أن طبيعة الأشياء التي يعطينا إياها تصب في تخطئة الواقع المعاش ، كالأفكار الخاطئة التي تفشّت اليوم في المجتمع مثل قضايا التكفير ، والافتراء على الإمام ، والبعد عن الأخلاق ، وإلغاء من لا يتفق معك في العقيدة والرأي وغيرها .. وأمرنا في المقابل أن نتخيّر لأنفسنا نهجاً أكثر سماحة واعتدال ، وأن نأخذ الخير أينما وجد ، والحكمة ضالة المؤمن .. فهل هناك حرية أكبر من هذه الحرية ؟؟ وهل هناك قيد أكثر تكبيلاً من القيود التي يحاول أن يكبّل بها الناس (أي) عالم ، أو (أي) ظالم ؟؟

والسلام .. رابحة

 

7– ما الذي يمثله عبدالوهاب البصري بالنسبة لجماعتكم؟

 

8- هل لديه خصوصيات إلهية أومميزات قيادية في جماعتكم المؤمنة؟

 

إجابة السؤال السابع :

عبد الوهاب البصري أحد رجالنا الشرفاء ، والذي لاكته الألسن لتحط من شأنه فما استطاعت لما عرفنا عنه من خلق كريم ، وتواضع جمّ ، ونكران للذات ، وطاعة لله .. 

 

إجابة السؤال الثامن :

لا ليس لديه أية خصوصية إلهية ، بالمعنى الذي أفهمه ، أي لا يملك طاقات غير طبيعية ، ولا قدرات خارقة ، و لا حتى كفاءات مميّزة ، وليس بمعصوم  ، فهو كغيره من رجالنا إنسان عادي ، بسيط ، صادق ، شريف ، أمين ، مؤتمن ، خدوم ، مخلص .. أمّا المميّزات القيادية فأظن أن كل إنسان لابد وأن يملك بعض الصفات القيادية ، فأنا مثلاً لا أخلو من بعض الصفات القيادية ، وأنت كذلك ، وغيرنا الكثير، وهو حتما يملك – مثلي ومثلك – بعض الصفات القيادية الطبيعية .. 

وأحب أن أبيّن أخي الفاضل علي أن الأسئلة التي تطرحها لا زالت تُبطن مفهوم التنظيم الهرمي ولذا أؤكّد لك أن ليس هناك في مجموعتنا إملاءات ولا حجر ولا هيمنة من أحد على أحد ، ولو راجعت حواراتك مع نرجس طريف سوف تلاحظ أنها تشير إلى هذا حين قالت أنها نظّرت للكثير من الأشياء ، وما اشتكت يوماً من حجر عليها بفكر ولا غيره .  وتأكّد بأن أفكارنا ليست من عبد الوهاب ، إنّما ادّعينا عليه شيئاً واحداً فقط وهو رؤية الإمام في رؤيا أو غيرها ، وهذا وارد للجميع ، وما قصص الأشخاص الذين نجوا من الموت في حادثة الطائرة المنكوبة بطريقة ما .. إما برؤيا ، أو إلهام قلبي ، أو رسول بشري أو أي يد غيبية بخافية على أحد ، ولأي منا الحق في أن يسمّيها كما يشاء ، وهذا الجانب في قضيتنا مجاله ضيق جداً فلا يصادر كل فكر نطرحه كوننا ادّعينا رؤية الإمام ، فالشيخ المفيد (قدس سره) – مثلاً – تشرّف بلقاء الإمام (ع) مرات قليلة طوال حياته الشريفة والعامرة بثرائه وتراثه الفكري ، وهذا التشرف باللقاء لا يمثّل إلاّ جزءً بسيطاً جدّاً من حياته ، فلا يتلخّص دوره و أهمية فكره في رؤيته للإمام فقط ويُنسى كل جانب آخر من حياته .. أريد أن أخلص من هذا أننا – من ينتمي إلى هذه المجموعة – لدينا فكرنا الخاص بنا ، ولو لم أكن أحدهم لآمنت بنفس ما أؤمن به الآن فأفكارنا أفكار توحيد وإصلاح وإزالة القوامع العقلية الموجودة .. و لو وجدت عندهم غير ذلك لرفضت ما يدعون إليه طالما لا ينطبق مع العقل والفطرة السليمة.  كما أننا لم نقل عن عبد الوهاب أنه فقيه ، وهذا يردّ على من قال أننا جعلناه فوق الفقهاء ، أو أنه سفير !! أمّا على مستوى التنظير وغيره فحاله كحالي وحالك وحال كل واحد فينا .. فهناك من ينتمي إلى هذه الجماعة ممن كتب ونظّر حسب نظرته الخاصة ، فلم يمنعه أحد ولم يُحجر عليه ، وأكبر دليل على حرية التصرّف وحرية الفكر التي نمتلكها أنني أراسلك و أراسل غيرك من تلقاء نفسي ، و أنا التي تختار الطريقة التي تريد أن تراسل أو تحاور بها من تريد أن تحاوره .. إن دور عبد الوهاب برز في قضية واحدة فقط وهي قضية الاختلافات والتحزّبات آنذاك حيث كنّا بأمس الحاجة إلى الوحدة وحيث كان واقع المسلمين بصورة عامة تسيطر عليه فكرة الولاية الأبوية ، والحجر والقمع ، وهذا ما نهانا عنه الإمام (ع) كما (ادّعى) عبد الوهاب ، فأنا أقبل هذا الكلام وغيره لأنه يوافق النظرة الطبيعية للأمور ، ولو تُركت وشأني لدعوت للديمقراطية وقبول الآخر .. أي لما ادّعى عبد الوهاب أن الإمام قاله ، فأين هذا الكلام وأين من يقول أننا اعتبرناه أعلى من الفقهاء ، وأين هذا ممن يريد أن يثبت علينا أن لدينا لوائح سرية ونوايا خفية وأهداف مبيّتة !! و لا تنس أخي الكريم أن هناك من سمّانا: شيوعيون ، وعلمانيون ، وصهيونيون , ومشعوذون … فهل تجد بينها عامل مشترك .. ولكن من يريد أن يُشوّه فلن يعدم السبل .. والسلام 

 

9- إذا لم تكن له هذه الخصوصيات ، فلماذا ينفرد من دونكم برؤية الإمام؟

10-إلى أي حد تعتمدون على هذه الرؤية في تيسير أموركم ، واتخاذ قراراتكم؟

11- ألا يخصكم عبدالوهاب بامتحانات وتمحيص؟ 

12- ما الهدف الذي يقف وراء جماعتكم؟

 

إجابة السؤال التاسع :

لست أدري .. هذا من ناحية ..

ومن ناحية أخرى أنا أعلم يقيناً أن رؤية الإمام (ع) لا تتطلّب تلك الخصوصيات التي ذكرتها ، فقد تشرّف بلقاء الإمام (ع) مئات الأشخاص ممن لا يملكون تلك الخصوصيات ولا غيرها ، ثم إن الإمام (ع) – حسب اعتقادي – حرّ ، يختار من يلتقي بهم ، وكيف ، ومتى ، وهو صاحب القرار الأول والأخير فلا يُملى عليه من قبل شيعته أو محبيه أو غيرهم ، كما وأظن أن أكبر إشكال نقع فيه نحن الشيعة في تعاملنا مع الإمام (ع) حين نتعامل معه كتعاملنا مع أي شخص آخر فنعتقد أن الإمام وخططه المستقبلية ، وطرق تحقيقها  كلها مدونة في متون كتب التاريخ فنحاول دائماً أن نطابق كل ما نقرأ بما نسمع عنه فإذا تطابقا – ربما – صدّقنا و إلا فلا .. أقول ربما صدّقنا لأننا أحياناً حتى إذا تطابق ما نسمعه ، مع ما نقرأه ، مع ما نراه وتطابق كل ذلك مع العقل السليم والتفكير السديد رغم كل ذلك لا نصدّق لأنه لا يتطابق مع هوانا ، ونفسياتنا ، وربما مع مقامنا الاجتماعي فتقف كل تلك الأشياء عائقاً دون التصديق .. ما أريد أن أقوله أخي علي ، أن الإمام (ع) إذا اختصّ عبد الوهاب دون غيره برؤيته فهذا شأن من شئونه الخاصة وليس لي أن أبت في هذا الموضوع أو أُدلي فيه برأيي .. فيداه مبسوطتان يفعل ما يشاء ولا يُسأل عما يفعل.  ثم إننا كيف نرضى للإمام ما لا نرضاه لأنفسنا ، فعلى سبيل المثال نحن – كملعمين – لا نرضى لأنفسنا أن يتدخّل طلابنا في تفاصيل أدائنا لمهمتنا من طريقة التحضير ، والشرح ، والتقييم وغيرها ونعطي أنفسنا الحق في التصرف حتى خارج حدود ما يمليه علينا الموجّه أو حتى مدير المدرسة ثقة بأننا أعلم بما يصلح حال طلابنا .. فهل يحق للإمام ما يحق لنا وأكثر أم لا ؟؟

 

إجابة السؤال العاشر :

لا نعتمد عليها بتاتاً ، فتربيته لنا عليه السلام تعتمد على أن نفكّر ، ونجتهد ، ثم نقرّر ونتحمّل نتيجة قراراتنا ، حتى إذا استعصت علينا بعض الأمور فنحن لا نُملي عليه لكي يتدخل أو يُسدد أو يبتّ في هذا الأمر أو غيره وإنما هو يختار متى يتدخل ، وكيف يتدخل ..

 

إجابة السؤال الحادي عشر :

أُجيبك عن نفسي : لا ، و أعطي نفسي الحق في أن أجزم عن غيري كذلك بلا .. وهل نخلو – كلنا – من امتحانات الله سبحانه وتمحيصاته لكي ننتظر عبدالوهاب أن يمتحننا ، ثم أليس هو نفسه ممتحن من قبل الله كغيره من البشر .. أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون !! فكيف لمن هو ممتحن من قبل الله أن يسمح لنفسه أن يمتحن الآخرين ؟

 

إجابة السؤال الثاني عشر:

إصلاح أنفسنا وتزكيتها وإعدادها لنصرته ونصرة الحق أينما وجد ، والمساهمة في إصلاح المجتمع وتصحيح المسيرة الفكرية التي انحرفت عن نهجها الصحيح بما يُسمح لنا ويسنح  ..

 

13- كيف تنظرون إلى المجتمع ، هل هو منحرف أو ضال بما يمارسه ويعتقده ؟

14- لو أمركم الإمام بأمر عبر رؤية أحدكم أو رؤية عبدالوهاب ، فهل لها حجية لديكم ؟ 

15- ألا تتعارض فكرة رؤية الإمام مع مبادئ الديمقراطية ؟

16- هل بالإمكان أن تعطيني أمثلة على أمور استعصت عليكم ، ولم تتمكنوا من البت في إلا عبر الإمام ؟

17- ما الحاجة إلى رؤية الإمام إذا لم تكن ملزمة ، وإذا كانت ملزمة فما الحاجة إلى أن نفكر ونتشاور ونتدمقرط؟

 

إجابة السؤال الثالث عشر : 

لم أقصد بقولي ( تصحيح المسيرة الفكرية التي انحرفت عن نهجها الصحيح ) أن المجتمع منحرف أو ضال ولكن مجتمعنا ككل المجتمعات البشرية لا يخلو من انحراف في فكره عن النهج الأصيل الذي يستقي تعاليمه منه بعلم و بقصد أو بغير علم وبدون قصد ، فعلى سبيل المثال النظرة إلى المرأة ودورها في أوساط المتدينين ألا تراه منحرفاً عن نظرة رسول الله (ص) وعمّا يطلبه منها قرآنها الكريم، ألم يكرّمها القرآن وجعلها في مصاف الرجل ، وخاطبها بكل ما يخاطب به الرجل ، ألم يعزّها الإسلام بعد الهوان الذي كانت فيه ؟ وأحياها بعد أن كانت موؤدة !! هل ترى أثر ذلك في مجتمعنا ؟  هل ترى للمرأة دوراً متناسباً ونسبتها في المجتمع والتي تزيد عن نسبة الرجل ؟ ألا يحاول أصحاب الرأي تهميشها ، وتغييبها ، ودفنها في ظلمات ثلاث .. وإقناعها بذلك فتساهم هي بنفسها في عملية وأد نفسها راضية سعيدة بظنّها أنها تقوم بذلك طاعة لربها وتطبيقاً لقرآنه ( وقرن في بيوتكن ) .. قد تقول أن المرأة في مجتمعنا ليست كذلك فهي تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل ، ولها حضور في بعض المجالات التطوعية فأقول ليس هذا الدور السلبي هو ما أراده منها شرعها ، المرأة يجب أن تكون في المجتمع كفكر ، وكعنصر أساسي في معادلة المجتمع بدونها لا يمكن حل المعادلة والبحث عن مجاهيلها ، لا كحبة شطرنج تُحرك بأيدٍ فوقية ، ويتم اتّخاذ القرارات نيابة عنها !! هذا مجرد مثال بسيط عن انحراف فكري أدّى إلى انحراف اجتماعي وكلّف الوطن ثمناً باهضاً ، وخسارة جسيمة سنحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد لكي نرجع الأمور إلى نصابها هذا إذا استطعنا أن نخترق القيود الفكرية، والنفسية والعقائدية التي تكبّلها وتجعل المهمة عسيرة ، مستعصية إن لم تكن مستحيلة في بعض الحالات إذا ما ألغت عقلها وعوّلت على اتّباعها لتعاليم صارمة لا يمكنها أن ترفضها أو تناقشها أو تعمل بخلافها .. أرأيت أخي الكريم كيف أن انحرافاً بسيطاً يؤدي إلى ابتعاد عن الأصل بعد المشرقين ، ولن أدخل في تفاصيل دور المرأة وقيمتها في عهد رسول الله (ص) فأنت أدرى بكل ذلك …. أمّا الضلالة فليس بمعناها المطلق بل بالمعنى النسبي والذي قد يشبه الانحراف ، أو الضياع والتيه لعدم وضوح الهدف ، وعدم وجود رؤية مستقبلية شاملة .. بعض الفئات المتدينة من المجتمع تريد أن تطبّق الإسلام ، وتريده حاكماً ولكن بممارساتها اليومية الخاطئة ، وسلوكياتها غير المسئولة ، وأفكارها البالية ، وأحكامها المتحجّرة ، و أهوائها الطاغية تنفّر العالم من اسم الإسلام فكيف برسمه وحكمه .. بهذا المعنى فليس منّا إلاّ وهو ضال عن شيء ما وقد قالها الله لرسوله الكريم (ص) : ووجدك ضالاً فهدى .. وهو هو بأبي وأمي … 

 

إجابة السؤال الرابع عشر :

لا .. حتى الآن لم نأتمر بأي أمر من خلال رؤيا أو غيرها ، وليس للرؤى حجية لدينا ولو كنّا كذلك لما وجدتنا على ما نحن عليه من وضوح الرؤية والثبات على المبدأ والإصرار على الحق ( حسب اعتقادنا ) ، فمن يعتمد في حياته على الرؤى تراه شخصاً مسلوب الإرادة ، متذبذباً ، عقله مغيّب ، مسيّراً ، خائفاً ، متردّداً ، لا يدري ما يحمل له الغيب ، أو بما تأمره رؤاه أو رؤى غيره .. وهل ترى ذلك فينا ؟؟

 

إجابة السؤال الخامس عشر :

كيف ؟  فسّر لي من فضلك؟

أما إن كنت بنيت سؤالك على افتراض أن الرؤى لها حجية لدينا ، ونأتمر بأمرها فنعم تتعارض كلياً لا مع مبادئ الديمقراطية فقط بل تتعارض مع كل مبدأ عقلاني ، فكري ، إنساني ، فهي تتعارض قبلاً مع العقل وما يتعارض مع العقل يتعارض مع كل ما دونه .. ونحن نعلم – كما أنت تعلم – أن بالعقل يُثيب الله ويجازي لا بالرؤى سواء كانت من قبل عبد الوهاب أو من قبل غيره .. ولكن هذا لا يمنع أن نستأنس ببعض الرؤى التبشيرية ، المفرحة فقد كان رسول الله (ص) يطلع على قومه كل صباح يسألهم :  هل من مبشّرات ؟ يعني بها الرؤى .. ولكن لم يكن ليعوّل عليها ، ونحن كذلك نعلم أن الحياة ليست عقلاً بحتاً ، بل فيها من الغيبيات والروحانيات والمعنويات ما لا غنى لنا عنه لكي لا تفقد الحياة بهجتها وروعتها بما هو خارج عن الحياة المادية البحتة .. ولكن لا نعتمد عليها , ولا نعوّل عليها ، و لا نأخذ أمور ديننا أو دنيانا منها .. 

 

إجابة السؤال السادس عشر :

حسب علمي حالة واحدة فقط وهي عندما كانوا في السجن وبدأ أحدهم يدّعي بأنه يرى الأئمة (ع) ليأكّدوا له على أن فئة واحدة هي الناجية (والتي ينتمي إليها هذا الشخص) وأن البقية في ضلالة .. الخ هنا لجأوا إلى الإمام (ع) ليبتّ لهم في الأمر فكان ما كان من رؤى تؤكّد على الوحدة ، وقبول الآخر ، وعدم تقرير مصائر الآخرين في الجنة أو النار حسب الانتماء .. الخ  ( ليس لديّ تفاصيل أكثر عن عدد الرؤى أو ما هي تفاصيل التوجيهات التي وصلت إليهم ) .. 

 

إجابة السؤال السابع عشر :

كما سبق وقلت قد تكون الحاجة روحية ومعنوية أكثر منها مادية ، قل لي بالله عليك لو استيقظت يوماً وقد رأيت ولياً من أولياء الله الصالحين ، وبشّرك أو حذّرك هل سيكون يومك هذا سيّان مع غيره من الأيام ؟؟ وهل إن كان التحذير أو التبشير يتّفق مع العقل ، وما يأمر به الشرع أو ينهى عنه ، وألزمت نفسك به إكراماً للولي الصالح ، وشكراً لله على المنحة الالهية ، هل في هذا ما ينافي المشورة أو الديمقراطية أو حتى طاعة الفقهاء والائتمار بأوامرهم .. وهل أنت بحاجة إلى أن تستأذنهم في أن تفرح بتلك الرؤيا وتعمل بما فيها مادام خيراً ، أو تنتهي عما حذّرتك منه مادام شراً ؟!  وهل عليك أن تذهب لتسألهم إن كان من رأيته (من نبي أو إمام أو ولي ) هو بعينه أم أن الشيطان تمثّل فيه كما يدّعي البعض ؟! وينفي حديثاً شريفاً عن رسول الله (ص) : من رآنا فقد رآنا !!  

وأحب أن أذكّرك مرة أخرى بما قلته في رسائل سابقة إن أمرنا ليس قائماً على الرؤى ، و لو كنّا كذلك لوجدت أمامك مسخاً من البشر لا بشر أقل ما يصفهم به من عاداه بأنهم يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء ، وأنهم مفكّرون ، ولهم رأي سديد .. و غير ذلك ، وما توصّلنا إلى ذلك إلاّ بالتشاور والديمقراطية التي مارسناها أولاً مع بعضنا البعض وثانياً مع غيرنا ممن يقبلنا ويقبل رأينا ويتعامل معنا بسوية وانفتاح وحسن النية .. فأثرينا وارتقينا .. والسلام ..

 

صباح الخيرات .. رابحة

أشكر لك سرعة الردود . لدي طلب أتمنى أن تتمكني منه . وهو إعادة ترتيب الإجابات والأسئلة ( التي قبل السؤال العاشر ) والمدخل من خلال برنامج الورد. 

وسأكون لك  من الشاكرين .

الأسئلة في نهاية الملف

مع تحياتي لك 

 

بالمناسبة إذا كان لديك سفر خلال الإجازة ، فأرجو أن تخبريني لنتمكن من وضع مدة زمنية للانتهاء قبل سفرك  

أنا سأسفار في 5/8 /2001م  

وأتوقع أن ننتهي من الحوار قبل ذلك .

لك كل التقدير والمودة 

 

18- إذا كان الأمر كذلك ، فما الداعي لتكتلكم ؟ لماذا لا تمارسون حياتكم من غير هذا الشكل التنظيمي ؟

 

19- لِمَ هذا الإصرار الإيماني اليوتوبي ( مثالي ) على معتقدات لا ترون أنها تشكل لكم منطلقاً أساسياً ( كما أفهم من خطابك ) لحركتكم وقراركم وممارستكم ؟

 

20- لكل جماعة عَقَدِيَّة حكاية تأسيسية مقدسة ( يمكنك أن تأخذي من حكايات وقصص الأديان والمذاهب الدينية والدنيوية أمثلة كثيرة ) تستمد منها رؤيتها للوجود ، وتفسر من خلالها العالم ،وتُحَبِّك بها التاريخ . هناك عدة روايات تتعلق بحكاية جماعتكم التأسيسية ، رويت على ألسنة المناوئين لكم . بودي أن أسمعها من خلال صوتك المتماهي مع مقدسات هذه الجماعة  ؟ 

 

إجابة السؤال الثامن عشر :

.. وتصرّ أن لدينا شكل تنظيمي !!  عموماً .. المقاطعة التي فُرضت علينا دفعتنا دفعاً لأن نستقوي ونستأنس ببعضنا البعض ، فيظن الناظر إلينا من خارج دائرتنا بأننا متكتّلون .. ثم أننا نمارس حياتنا ممارسة طبيعية جداً فنحن لنا علاقاتنا الاجتماعية ، وأعمالنا التطوعية ، ومشاريعنا الفكرية والثقافية .. وعال العال ..

 

إجابة السؤالين التاسع عشر والعشرون : 

الإجابة على السؤالين السابقين ألخّصهما في أن أفكارنا ورؤيتنا للوجود …… الخ … هي هي أفكار الشيعة والمسلمين ، أفكارنا دينية تقوم على ما قاله الإسلام وعلمية تعتمد على ما أثبته العلم ، وليس لدينا منظومة خاصة .. قيامنا ، صلاتنا ، صومنا .. تماماً ما جاء به الإسلام ، اختلافنا الوحيد هي فكرة إمكانية رؤيته وعدم إمكانية ذلك ، ولكن ضُخّمت الفكرة بحيث أصبحنا نبدو وكأننا شئ مختلف عن الآخرين ، ولعل اختلافك مع الشيعة أكبر من اختلافنا ولكن الفرق أنك لم تواجه عدواً يقف لك بالمرصاد ويحاول أن يجرّك إلى حروب لا طائل منها ، ويحلّل أفعالك ويفسّرها كما يشاء .. 

والسلام .. 

 

21- ألا تلاحظين أنك تقدمين صورة ناصعة البياض ، وكأن هذه الجماعة مجموعة من الملائكة التي لا تخطئ ، ولا تطمع ، ولا تنتابها مشاعر شريرة ولا تحركها مصالح خفية .

هل من المعقول أن تحافظ هذه الجماعة على تماسكها طوال هذه السنوات من غير أن تتعرض مسيرتها إلى انحرافات أو منازعات أو انشقاقات كما هي سنة الجماعات والتنظيمات والتكتلا ( أعرف أنكم لستم تنظيماً ، مجرد جماعة بريئة من الأيديولوجيا والسياسة والمصالح واليوتوبيا وووإلخ)  ؟ 

 

هذه هي الصورة التي أراها عليها ، فإن كنت لا توافقني على ذلك فهذا من حقك وأنا أحترم رأيك .. قد لا أتّفق معك في أنني صورت الجماعة بأنها مجموعة من الملائكة التي لا تُخطئ ولا تطمع .. الخ فليس في كلامي ما يشير إلى ذلك ، ولكن أقول أننا ككل البشر تنتابنا كل هذه المشاعر الخيرة والشريرة ولكن احدى أهم أولوياتنا وثوابتنا التي لا ولن نحيد عنها هي أننا نقف بالمرصاد لكل تلك الدوافع الشريرة ، بل ونتتبعها لكي نقضي عليها أينما وجدت لذا ترى أننا رغم وجود اختلاف في الآراء بيننا إلاّ أن هذا الاختلاف لا يكّدر صفو علاقاتنا ومحبتنا لبعضنا البعض ، وهذا جرّبناه ورأيناه بكل وضوح في الأزمات ومواطن الشدّة .

أما أنه هل من المعقول أن تحافظ على تماسكها طوال هذه السنوات من غير أن تتعرض مسيرتها إلى انحرافات أو منازعات .. وماذا في ذلك مادام المدّعى أننا أُرشدنا أو سُدّدنا بنهج إمام معصوم (ع) .. ولم يكن في نفوسنا ما في  نفوس غيرنا من أمراض مستعصية كحب الظهور ، والرئاسة ، والسمعة ، والحسد وأمثالها فلقد كان هكذا أصحاب محمد (ص) وقد بقى الإسلام كدين 1400 سنة ، خرج منه من خرج أو دخل فيه من دخل .. أمّا هل أنه لم يكن هنالك نفسيات خرجت عنّا وعارضتنا ورأت لنفسها طريقاً آخر .. فهذا أيضاً قد حصل وما من جاهل في البلد لا يعرفه .. وبعض قد سلمنا مع خروجه عنّا من لسانه ويده ، والبعض الآخر أبى إلاّ أن يؤلِّب أو يؤلَّب .. ثم أخيراً نحن جماعة على قدر المدّعى من انتسابها ما كان ينبغي لها أن تنحرف بل ولا تجد دواعي الانحراف بين أحنائها .. مثل الجزع والخوف والشك وما أشبه .. فنحن قوم لا نخاف إلاّ الله ، ولا نريد إلاّ الإصلاح ما استطعنا .. وكفى ..

 

ملاحظة ..

هل أفهم من الطريقة التي أرسلت لي فيها الأسئلة والأجوبة استئذان مني بالنشر أو عدمه، أم أنك اتّخذت القرار بشأن ذلك ؟ أرجو أن يكون بيننا اتّفاق مسبق على كل شيء فأظننا ملتزمين أدبياً (ضمنياً) بعقد أنا وضعت أول شروطه ، ولنضع آخر شروطه معاً .. فما رأيك ؟؟

لقد كان هذا الحوار حواراً خاصاً بيني وبينك وما ألمحت لي يوماً بأنك تعدّه للنشر ، ولكن لا بأس فأنا وكما أسلفت آنفاً لا أخاف إلاّ الله فيمكنك أن تنشر ما كان خاصاً بيني وبينك ، لتعلم بأن ظاهري وباطني متّفقان ، ولكن لقد لاحظت أخي الكريم علي بأنك حذفت بعض المقاطع من كلامك ..  فما السبب ؟ وهل لي أن أطلب منك أن تنشر كل ما كتبته بلا تغيير – لا أقل تكون فرصتنا متكافئة في هذه الجزئية – فما رأيك ؟  

الرجاء نشر هذه الملاحظة مع الحوار .. وشكراً 

 مع تحيات  .. رابحة الزيرة 

 

علي

صباح الخير رابحة

 أرجو أن ترشديني إلى ما حذفته . حذفت شيئا بسيطا ليتناسب سياق الحوار 

 ما أكتبه هنا لا يدخل في الحوار هكذا كنت مع نرجس التي تحبينها ، لم أقرر النشر بعد والحوار لم ينته بعد ، لم العجلة ، انتظري أسئلتي النقدية .

 تحياتي لك وتذكري إننا في المرحلة القادمة من الحوار سنحتاج كثيرا إلى الابتسامات 

 

رابحة :

ما دمت تعلم ما حذفت فلا داعي لئن أرشدك إليه ، هذا البسيط الذي حذفته أودّ أن يبقى في الحوار لنفس السبب الذي حذفته ، ليتناسب سياق الحوار ، فما حذفت كان جزءاً من سؤال ولم يكن من الدردشة الجانبية .. 

 

22- إلى الآن أراك تتجنبين الحديث عن وقائع الجماعة ، أي عن ما حدث ويحدث ، وما يتعلق بهذا الفعل من حضور تاريخي وزمني مادي . إنك تحيلين أسئلتي الخاصة تعميمات أقرب إلى الهذيان الصوفي . أسألك عن أهدافك الواقعية ، فتحدثيني عن أهداف الأنبياء المثالية ، أناوشك في تصدعاتكم البشرية ، فتردين عليّ بطوباويات متخيلاتك عن التاريخ الإسلامي ، أسئلك عن المدنسات ، فتهربين نحو المقدسات .

رابحة … أرجو أن تنتبهي إلى إن إجابتك تبدو ، وكأنها لا تقول شيئاً ، أين صفحتك البيضاء ؟ أنا أثق بنيتك ، لكني لا أستطيع أن أثق في خطابك المراوغ بامتياز ، ويبدو أن مراوغته قد تمكنت منك ، فما عدت قادرة على التحكم في الحدود الدنيا من شبكات بنائه للحقيقة التي تدافعين عنها ؟ ( أجيبي في الورد ) 

إذا كنت ترى في إصلاح النفس و تزكيتها وإعدادها لنصرته (ع) والتخلّق بأخلاق المصلحين والهداة ونصرة الحق أينما وجد ، والمساهمة في إصلاح المجتمع وتصحيح المسيرة الفكرية التي انحرف بعضها عن نهجها الصحيح (هذا مضمون ردّي عل سؤالك ما الهدف الذي يقف وراء جماعتكم ) .. إذا كنت ترى أن هذه الأهداف هي أهداف الأنبياء المثالية – وهي كذلك – وربما استكثرتها وغيرك علينا أو وجدتها مثالية بالنسبة لك أو لنا ، فماذا أفعل إن كانت هذه أهدافنا و لا أستطيع أن أدّعي غيرها ، أمّا عن تصدّعاتنا البشرية فلا أرى لشيء من هذا في علاقاتنا إلاّ إذا كنت ترى في الاختلاف والتنوّع في الآراء و الاستقلالية نوعاً من التصدّع !؟ هذا لو حملت معناك على محمل الخير أمّا على المحمل الآخر فإنه ما من أحد من مخالف أو مؤالف إلاّ ويشهد بانسجامنا وتآلفنا وتوحّدنا بشكل نُحسد ويُغتاظ عليه .. لأنّا آمنّا بالإنسانية والاحترام والأخلاق الإسلامية مبدأً ، أمّا إذا قصدت يا أخي الموضوعي عن التصدّع هو بترك نفر أو نفرين لجماعتنا لأسباب تخصّ أصحابها ، فذلك ” تصدّع بشري ” يُصنّف من ضمن إرادة التمنّي وهو إمّا لتهويل حجم من تركنا أو لتمنّي حصول شرخ كبير بهذا الترك .. والاثنان خطأ ولم يكونا ولن يكونا.  فلا الذي تركنا هو بالحجم الذي يُظنّ ، ولا من شرخ قد حصل .. إنه أشبه بقولك لمليونير سقط من جيبه دينار .. “سمعنا أنّك خسرت نصف مالك” !! وأما عن المدنّسات والمقدّسات فلم أرَ أيّاً من أسئلتك يتكلّم عن هذين المفهومين إلاّ إذا استخدمت كلمات أخرى ظاهرها يعني شيئاً وباطنها يعني شيئاً آخر ، فكيف أردّ على ما لم أفهمه ؟؟ وقد أعلمتك منذ بداية حوارنا أنني لا أستسيغ الأسئلة المعقّدة والملتوية فأعدها بطريقة أبسط وبنية أصفى فربما استطعت أن أجيبك كما تُحب وبما تُحب !! 

 

23- لماذا كفاءتكم مهنية فقط ، لا نجد من بينكم كفاءة  في الإنتاج الفكري  والثقافي خارج إطار التدين التقليدي ؟

 

24- لا يبدو من كتاباتكم ومداخلاتكم أنكم على اطلاع بما يجري في ميدان العلوم الإنسانية والنقد، ويبدو أنكم غير منفتحين ولا محاورين لما ينتج من كتابات فكرية ونقدية وفلسفية في الساحة العربية . إن أقصى ما وصلتم له في التعاطي مع الآخر هو التحاور سياسيا مع التيار اليساري في البحرين . هل توافقيني ؟

 

25- هل بالإمكان أن أتعرف على تجربتك الثقافية قبل دخولك مع الجماعة ؟

 

إجابة السؤال الثالث والعشرون :

أعذرني أخي فإن سؤالك قد ينطوي على تناقضات أو مغالطات ..

  1. ما شأن كون الكفاءة المهنية مرتبطة أو منفصمة عن التديّن التقليدي؟
  2. ما الذي أوحى لك بتلبيس التديّن التقليدي علينا ؟  فإن كان لديك مفهوم خاص آخر عن التديّن التقليدي فإن ما نحن عليه ليس تديّناً تقليديّاً وإلاّ فعلام قد حوربنا ؟  لا أعتقد أن قولنا واعتقادنا أن الإمام (عج) يُرى هو فقط الذي أوحى إليك بذلك .. لكن لو كان كذلك فحتى هذه الفكرة هي خارج التديّن التقليدي المعوّج أو لا أحسبك تقول بأن كل صاحب التزام ديني ما وفكرة دينية وإن كانت عقلية وعصرية ومنفتحة أو أنها ذات أصالة حقّة … هو متديّن تقليدي .. لأنك بذلك إنما تؤصّل أصلاً لم يقل به أحد وهو أن من لا يتكلّم في أي فكرة دينية البتة هو المتديّن العصري .. أي أنّي لا أدري أ كلمة (التقليدي) هي توصيف تقييدي منك أم بياني ، فهل لديك أن الدين ثمة منه تقليدي وآخر عصري ؟ أم أنك تقول بأن الدين كله والنطق به والخطاب بآياته والاسترشاد بأحاديثه إذا دعت الحاجة وما شابه ، كل ذلك هو من الدين الذي هو تقليدي .. والمفروض ترك ذلك كلّه .. إذ هو أدلجة الأشياء حسبما يتصوّر البعض .. لا.. يجب أن نثبت أن الدين قد ظُلم مرّتين .. مرة حين حُشر في كل شئ ومُطّط وزيد فيه ما ليس منه .. وأخرى حين رُفض كلّه وأقيم عليه الحدّ ولم تُقبل شهادته.
  3. دلّني على إنتاج فكري أو ثقافي حقيقي لأي فئة في بلدنا .. نعم ، هنالك نتاج فكري لبعض مفكّري البلد وهم أشخاص مستقلّون ومشهورون على مستوى الخليج ولعلّه العالم العربي أيضاً … لكن يستوقفني تعميمك بكلمة ( لا نجد من بينكم ) وكأنك تعرف الجميع ومحيط بما لديهم و أحصيتهم عدداً .  لذلك نرى هنا أنّ الدين بتربيته الخلقية يفيد بعض الشيء فهو يمنع ( في قيمه وتربيات سلوكياته ) من القول بدون علم ومن التجنّي .. ومن تعميم الأحكام والبدار إليها .. ويدعو إلى التواضع واحترام الآخرين ” ولا تبخسوا الناس أشياءهم ” ليتوفّق الجميع في الكلمة الطيّبة والخلق العظيم ويتوافق بهما .

 

إجابة السؤال الرابع والعشرون :

إن كتاباتنا – التي نُشرت لنا – شحيحة بالنسبة لما لدينا , ومداخلاتنا – إن كنت تقصد بذلك مداخلاتنا في الندوات والتي أثارت حفيظة البعض علينا – كانت تصب في مجال واحد وهو خطأ مجتمعي معياري ،  فليس من الإنصاف أن تصدر حكماً من خلال عشرة مقالات أو أكثر نُشرت لنا أو من خلال مداخلاتنا في المحافل العامة ، فهل يحق لي أن أتّهمك والنخبة المثقّفة التي تمثّلها بأنكم لا تملكون أي فكر ما دمنا لم نسمع صوتكم في أي من الندوات التي أقيمت خلال الأشهر الماضية ، أو أن جُلّ اهتمامكم مصبوب على تثقيف أنفسكم نظرياً في ميدان العلوم الإنسانية والنقد ، ولم نر لكم أثراً واقعياً وعملياً في المجتمع ، مع فارق بأن أنت ومن معك مسموح لكم بأن تعبّروا عن  آرائكم بكل الطرق الممكنة ، ورغم ذلك فإننا لم نر إلاّ أثراً قليلاً لمحاوراتكم لما ينتج من كتابات فكرية ونقدية وفلسفية في الساحة العربية ، إلاّ إذا كانت إصداراتكم خاصة تُنشر على مستوى الخاصة فقط فهذا شأن آخر . وحتى ما اعتبرته بأنه أقصى ما توصّلنا إليه في التعاطي مع الآخر هو التحاور سياسياً مع التيار اليساري في البحرين لا أستطيع أن أوافقك عليه لأني لا أدري من أين استقيت معلوماتك تلك وهل لنا كتابات ومداخلات – ليس لي علم بها – تثبت ذلك.   

عموماً إنّ مضمون سؤالك قد تمّ الإجابة على بعضه في السؤال السابق أيضاً لأنّه مبتنى على أساس ادّعاء الإحاطة كقوله سبحانه (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) في الوقت أن مصدرك المقصور عليه والقاصر عنّا كان وريقات من كلام فتاة تركتنا وخلطت أموراً غير صحيحة وأرادت أن تضرّ وتُشوّه بكيفما أسلوب .. ثم عبر حوارات معي في أغلبها عمومية تلامس السطح لا أحسبها تقدّم ولا تعطي لأي قارئ أو محاور مشروعيّة الإدّعاء بالإحاطة ..

أمّا عن الكفاءة الفكرية والمشاركة في العلوم الإنسانية والنقد وقلْ مثلها في التنظيرات الاقتصادية والعلوم التطبيقية والمحاماة والطب وتأليف المناهج ونظام الحكم .. فيا أخي .. كأنك تفترضنا حزباً أو حكومة ظل أو أكثر .. نحن مواطنون ضمن مجتمع نسيجه عشرات الآلاف من المواطنين في بلد واحد .. لا يمكن لنا ولا لغيرنا أن يدّعي بأنه علينا أن يكون لنا في كل باب إصبع وكتاب ومن كل لون صبغة .. نحن نحترم المواطنين كلهم ونعلم أن ما من يدٍ ستصفّق وحدها في البلد ، ونحن نعتزّ بمفكّري البلد وأطبائه ومحاميه ومهندسيه وإعلامييه ومهنييه وكُتّابه وقرّائه وعلمائه الحقيقيين وكل ذي نتاج فكري أو مادّي .. ونعوّل على هذا المجموع في تقدّم البلد لا في ما نكتبه نحن أم أنت أم هذا وذاك ويد الله مع الجماعة .. أي أنّا نتبنّى أي فكر صحيح ونشاط إيجابي ونقبله وليس بالضرورة أن يكون خاصّاً بنا وصادراً منّا .. فنحن مع الجميع ..

ولكن عن العلوم الإنسانية والنقد فيبدو أن النتاج فيهما ضحل على صعيد البلد كلّه قاطبة .. نعم ثمّة نتاج شخصي في البلد هو بحاجة إلى إنسانية أيضاً وإلى نقدٍ ، ما نراه في خارج وطننا بالإمكان الإطلاق عليه أنه علوم إنسانية .. ومستوى فكري راق في النقد ، بعيداً عن المتاجرة بالكلمات وتسويق الأنا وأشخاصها .. لقد كانت العلوم الإنسانية والنقد مادّة لرقي البشر في مفاهيمها وعلاقاتها وسلاسة تواصلها وتجويد ذلك وتصحيحه ، لا أداة علوّ بعض البشر أو أحدها ، وتقطيع الأواصر وصراع الذوات ، وجاء النقد للبناء لا للهدم والاعتراك والغلبة وتسجيل النقاط .  

لقد كان ذلك علماً .. وصار لدينا تجارة .. ولقد كان منهج صلاح حضاري فصار بأيدي بعضنا معبراً شخصيّاً على العالمين .

عموماً يا أخي الكريم أنا لا أوافقك على ما يتضمّنه هذا السؤال وما قبله وما قبله و … على ما يتضمّنه من أحكام وتعميمات قد تُسيء للحاكم وتزري به قبل أن يجنى بها على المحكوم عليهم .. فحبّذا لو تمهّل تسرّعك مهلاً ما .. و لا تظنّ بنا كل الظنّ إلاّ هوناً ما .. واستعن بعد الله بثقافتك في العلوم الإنسانية والنقد علّها تكسر من غلواء بعض الأحكام المؤسسة على أساس آخر غير الإنصاف .. فتنحو بها نحو الموضوعية والحيادية أكثر ..

 

إجابة السؤال الخامس والعشرون :

 رغم علمي بأن هذا لن يفيدك في حوارنا ولا يصب في أهدافه ، أقول لك أن الكتاب كان دوماً خير جليس لي ، وأنني كنت أقرأ في كل شيء ولكن ليس لي تجربة ثقافية مميّزة يمكن أن تفيدك في تحليلك ولست من المدّعين ما ليس لي ولا من المتكلّفين.

 

رابحة ،،

لا تدمجي الأسئلة

أرجو أن تذكرين بالمقطع المحذوف . لا أعرفه عن جد . 

علي 

حسناً ، إذا قرّرت أن تنشر الحوار فسوف أبعث لك المقطع المحذوف أما الآن فلا حاجة لنا به ولا تشغل بالك كثيراً .. 

 مع تحياتي  .. رابحة

 

مساء الخير رابحة

أرجو أن تثقي في أن عنف أسئلتي لا يقابلها غير احترامي وودي لإنسانيتك الرائعة  

تحياتي لك أيتها الأخت العزيزة 

علي

 

26- هل هناك مبرر لبقائكم جماعةً تحمل أفكاراً خاصة ؟ لماذا لا تخرطوا – ليس بطريقة تكتيكية بل حقيقية في المجتمع بوصفكم أفراداً تمثلون ذاتكم الفردية  بدلاً من الذات الجماعية التي تثير التوجسات؟

 

27- يفتح  كل حدث تاريخي  سياقاً جديداً يتيح فيه للخطابات السياسية والاجتماعية والثقافية والمعرفية المتنافسة في المجتمع ، أن تعيد مراجعة ذاتها وذلك عبر جدولة أولوياتها وتنظيم مقولاتها وفتح ممنوعاتها وإعادة توزيع  رأس مالها الرمزي . 

في ضوء هذه المقدمة النظرية ، يمكن أن أ طرح الأسئلة التالية

– هل لديكم إعادة نظر في المفاهيم المعرفية التي يتأسس عليها خطاب جماعتكم؟

– هل تعملون على عقلنة  يوتوبياتكم ( الأحلام والمثل والأوهام ) المرتبطة بتصوراتكم للتغيرات والتحولات المستقبلية ؟ 

 

28- تتحدثون عن العمق والرؤية والتحليل والأسس المنطقية ، لكنكم لا تملكون من خلال قراءتي لمقالاتكم ومداخلاتكم وحواراتي معكم ، أي شيء مما تدعون ، فليس لديكم أدوات تحليل جديدة ولا أطروحات مميزة ، ولا تملكون رؤية قادرة على أن تعبر عن زمننا الثقافي الراهن أو أن تقرأ زمننا الماضي الذي تستحضرونه في خطاباتكم عبر الاستشهادات والتمثيلات . نعم أنت تتميزون بقدرات استراتيجية _ لامعرفية ولا ثقافية – في التعاطي مع الآخرين والمتغيرات ، ولديكم حسن استماع – لكنكم لا تحسنون الإصغاء جيدا إلى الأفكار الجديدة على عالمكم المحدود – وأدب حوار وجدية عمل وإخلاص . هل يمكنك أن تتقبلي رؤيتي النقدية لكم بوصف أمثل الآخر بالنسبة لكم ؟    

 

باعتبارك يا أخ علي قد بعثت لي الأسئلة الثلاثة جملة واحدة كحال الثلاثة السابقين وكأنها أسئلة معلّبة ومقطوعة عن سياق ما تمّ الإجابة عليه فيما قبل ، لكن لا بأس أن أضع إصبعك على خلل يقعد بتفاعلية الحوار .. فيحيله إلى أشبه ما يكون بحوار طرشان .. بكلام أظنه لديك أقرب لخطاب التدين التقليدي !  أنا يا أخ علي لست من هواة الحوارات لأجل الحوار والدردشة لأجل الدردشة ما لم يكن هنالك هدف .. وهدف صالح أيضاً ، إذ ما من شك لديّ بمقتضى إيماني بالله وأنّ هذه الحياة ما هي إلاّ محطّة عبور .. وأنّي سأُسأل عن عمري فيم أفنيته .. ووقتي فيم قضيته ، ولست بالذي يريد حواراً أسوّق به نفسي أو نسيج فكري بل ولا أوصل فيه حسبما تفضّلت من ذي قبل صوتي المقموع .. ألا فليُقمع صوتي أبد الدهر خير لي من أن أشتغل بتسويق غثاء لا يُصلح ثم لا يُرفع للسماء ، وما تسمّيه أنت “مثلٌ ويوتوبيا وأوهام” أنا أسميه عقيدة واصلة إلى يومي الآخر لتجزى كل نفس بما تسعى .. أمرني ربي أن أكون صالحة وأن يكون لي أثر في خلقه صالح .. ليحشرني إذا غادرت دنياي مع الصالحين ، ولا يهمّني أن يكون لي صيت حسن أو أثر حميد .. إذ ما ينفعني ذلك إن كنت عند ربي من المرائين أو المتكلّفين .. ولست بالذين تستهويهم معزوفات التبجيل ونشر الصور والأوتوغرافات ودقّ الدفوف .  هذا كلام قابع في القلب مركوز .. لكن من يفهمه ؟ فقط من أحسّ بوجود موجود آخر نسمّيه “مالك الوجود” يرخص فيه هذا الوجود الدنيوي الزائل إلى أدنى قيمة أو أقصر برهة ليستثمره في خير .. ليؤول إلى خلوده في خير ..ولعمري ذاك يستحق أن أبيع فيه رضا الناس جميعاً وليظنّوا فيّ ما ظنّوا .. ولقد كان هذا نشيد كل من تغرّب لغرابة مُثله وأطروحاته ونيّته الصالحة على الخير ومحبّته لنجاة الناس وخطابهم بأيسر ممّا في حوارنا هذا من تعقيد لا يُصلح العوام به ولا يستزيد الخواص منه … وهم يسخرون من هذا الخطاب الوعظي .. ويضحكون في طوي صدورهم منه فيجاب ثمة بذاك النشيد الأبدي “إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون ” ..

هذا كلام ليس موجّهاً إليك أيها الأخ علي .. ولكن هو موجّه لكل حالة استهزاء شبه-بشرية ممّن يحمل همّاً إيمانياً .. فيأخذهم جبروت الحالة ووهمهم خلود اللحظة وعنفوان زغاريد عوالم المادة .. إلى افتعال اعتراكات وجدالات وخصومات وكتابات و … وهاه .. انقضى العمر في لمحة عين ، أُطفأت الأنوار ولم يبق إلاّ الظلام الأبدي الثقيل الخطوات يزحف على الصدر المثقل بفزع لغز وحش الفناء .. وذهاب كلّ .. كلّ الأشياء ” فلا أسف يفيد ولا بكاء ” ، عالم مهول جديد فانظر كيف تضع فيه قدمك!  

أعود معك إلى محاورتك إن كان فيها خير لأحد أو رضا لله .. 

إن اليوتوبيا والوهم هي صفة كل خطاب مستحدث على مرّ العصور من علماء كجاليليو أو أنبياء كمحمد (ص) فكلهم يقال لهم كلامهم خرافة ومُثُل وأساطير وبعيدٌ عن الواقع ثم بعد سنين يقلب الزمن عقاربه فيغدو أعلى القدر أسفله .. هذا فيما لو عرفت ما هي أطروحتنا ليقال أنها يوتوبيا .. وخطابنا لتسأل بعده إن كنّا بدّلناه ليناسب الواقع أم لا ؟  ولا أدري من أين عرفت هذا .. أو أحطّت بذاك ، ونحن لمّا نفتح أفواهنا بشيء ؟! و ما نطقنا مؤخراً إلاّ بكلام مفهوم واضح مع التعدّد والديمقراطية وحرية الرأي وصلاح البلد والتعاون .. فأين هذا من اليوتوبيا .. وكل عقلاء وأخيار البلد ينطقون به ويقومون له . وأما قضية مولانا صاحب الزمان فهي قضية أراك تركّز عليها كثيراً لمزاً أو همزاً .. فاعلم أخي أننا ندّعي أنّنا معه .. وهو مسدّدنا ، وهذا أمر لا رجعة لنا فيه ومن ذاق عرف .. وليبق هاجس من يهجس في صدر كل من عرف ذلك وسمع به .. أو يمتلك مخزون الودّ لإمامه ليظلّ في شأن غير شأن من لا يعرفه (عج) يضرب عليه قلبه وضميره بوتر لا يسكن : أن هنالك رائحة وأثر لمولاه بقية الله (ع) .. قد يكذب وقد يصدق .. وإن يصدق يصبكم بعض الذي يعدكم !! 

لكنه في الأخير ليس هذا خطابنا ولا معتركنا ولا نُستفزّ عليه ونُقحم فيه ليقيننا اللاّيُبدّل أنّا في هذه القضية بالخصوص على شيء وغيرنا ليس به.  أمّا في غير ذلك من أمور الدين والدنيا جميعاً فنحن والناس سواء .. ولا يصلح أمر البلاد والعباد إلاّ بالجميع بتكاتفهم وقبولهم كل منهم للآخر مهما افترق في صدق أو ادّعاء .. وبتحالفهم وتآلفهم. 

ولو تبيّنت الأمر بدون أي شوائب لأدركت أخي أنّا أقرب الناس مودّة لكل فريق .. سواءً بفكرنا – بصدرنا – بخلقنا – وبقبولنا، ونحن لسنا “نتكتك” هذا الخطاب .. ولسنا من دعاة واجهات بضائع تستبطن خدائع ، ولماذا نعمد إلى ذلك ونحن لا نخاف ولا يضرّنا شيء ؟

نحن أيقن الناس بأن الصلاح لن يقوم إلاّ  بالجميع ؟ وأشدّ الناس أملاً بذلك ؟ وأحرص على قبول الجميع لا من حاجة وضعف بل من فكرة وعقيدة ومبدأ و خلق ، ألم تر أنا لسنوات لم نرفع يداً بالضرب ولم ندلع لساناً بالسبّ مع كثير ما فُعل بنا وقد كنّا نقدر أن نفعل ذلك؟  وغيرنا – كما تسمع وترى – البدار البدار لكل ذلك وأكثر ثم العجل العجل.  

أما عن عدّي إياك من “الآخر” ، فليس في قاموسي هذا المصطلح (الآخر) ولم أستأنسه بعد كمفهوم .. لأني أرى أنّ الآخر هو كائن مجهول .. أمّا من يحاورني فهو محاور (طبعاً هذا إن كان حواراً حقيقياً فيه زبدة وفائدة .. وإلاّ فهو استعراض ، وإن نحا للعداوة والطعن فهو تلاسن وتطاعن) لكنّي استسيغ تعبير (الرأي الآخر) .. ولكنك غير ذات هويّة واضحة بالنسبة لي .. لأعدّك رأياً آخر أم غيره .. إذ أن قضاياي تبدو هي غيرها قضاياك وهمومي هي غيرها همومك وخطابي هو غيره خطابك .. ونواياي ودواعيّ من كل ما أقوم به الآن ومستقبلاً حتى أُلحد هي غير صبغتك ودوافعك .

ناهيك عن هروبي عن هذه الثنائية التي تركّز الذات وتمحورها في الجانبين أكثر منها تُذيب المتحاورين في قضية بقصد الصلاح لا الاستظهار والاستعلاء والاستعداء .. فأنا والآخر .. تشبه في تركيبتها هابيل وقابيل وكأن ّ العالم كله نصفان .. نصف لي ونصف لك .. أنا أمثل فكرة .. فكرتين .. أفكاراً ، لا منظومة كاملة ، لا أيدلوجيا مستحدثة ، ولا أطروحة الأطروحات .. فإن كنت تغايرني في فكرة أو ثنتين فلتكن رأياً آخر ومرحباً بك. وإن كنت موافقاً أن تجنح لها .. فمرحباً بك كذلك .. وبالجميع إذ هم كل الآخر لو كان لذاتي الفانية غير الباقية من اعتبار ..

فلو اقتضبت لك الإجابات ..

 

إجابة السؤال السادس والعشرون 

نعم هناك مبرّر لبقائنا جماعة ككل الجماعات المنسجمة في أفكارها في البلد وفي العالم ولا يناقض هذا الانخراط في المجتمع كتمثيل فردي فما من رابط .. أمّا إثارة التوجّسات فهذا من بقايا أمراض المجتمع و آثار الحجر والخوف المضروب على عقله لا من تجمّعنا .

 

إجابة السؤال السابع والعشرون :

نعم – مثلما تفضّلت نحن نعيد مراجعة ذواتنا كأشخاص وجماعة وكفكر وكأسلوب وكخطاب فهذا من صفة المسلم وإن كان المسلمون تركوا ذلك ظنّاً أنهم على الحق دوماً ، وكذلك نعم لباقي السؤال لو تجاوزنا اختلافنا مع مفهومك في بعض تلك العبارات .

 

إجابة السؤال الثامن والعشرون :

قولك أنا لا نملك رؤية قادرة على أن تعبّر عن زمننا الثقافي الراهن ، فالكلّ يدّعي أنه يملك والكل يدّعي أنه الأقدر على تمثيل الواقع الراهن حتى الواغل في سلفيته له مبرّرات يقيم عليها ادّعاءه هذا .. أمّا هل عرضنا ذلك ؟ لا لم نعرض أطروحة شاملة .. وقد بيّنت لك فيما مضى أن الأطروحة الشاملة لن تكون نسيج فرد أو جماعة واحدة .. بل هي الأطروحة التوفيقية في مؤدّاها ومبتداها تجمع عقول أهل العلم وخبراتهم وأفكارهم الحق ، ونحن نعتقد أن الاستقلال بصياغة أطروحة شاملة لأي حدث أو حالة أو زمان هو مسئولية الجميع .. ومن استبدّ برأيه فيها (مدّعياً وصايته وفوقيته ولو من إمام معصوم) فقد هلك .. هذه الصياغة يكون للنقّاد (كما للمفكّرين من جميع الفرقاء) من أمثالك دور أيضاً لا للنقد لأجل النقد بل لرصد مكامن القصور فيها لتقويمها وسدّ مثالبها .. ولا ندّعي أنه يجب أن يكون علينا إصدارها أو إلينا إيرادها .. بل كل المصلحين ونحن معهم ، فقط لينظر الجميع أنه مسئول بما حباه الله من أفكار إصلاح وائتمنه على عقل وإمكانيات وقدرات يجب حشدها في طريق الإصلاح ( فليود الذي أؤتمن أمانته) وكفى ، والسلام .

 

29- يقال أن عبدالوهاب البصري يمثل الزعيم الروحي للجماعة ، وأنه لا يعمل ، ويعتمد على المدخولات الكبيرة من أموال الخمس . فهل هذا صحيح ؟ 

30- كيف تلقيت بشكل عام حواري مع نرجس طريف ؟

31- ما تعليقك على التفصيلات التي ذكرتها نرجس طريف في الحوار والتي تنال من شخصية عبدالوهاب البصري ؟

32- يقال إنك أكبر ممول للجماعة . فهل هذا صحيح؟

33- هل يمكنني أن أستضيف عبدالوهاب البصري في ندوة خاصة أو عامة ، أو على الأقل هل يمكنني أن أراه؟

 

إجابة السؤال التاسع والعشرون :

كما تفضّلت فإنّه “يقال” و ما أكثر ما يُقال .. “وحدّث العاقل بما لا يليق فإن صدّقك فلا عقل له” .. فكيف يتوافق “زعيم روحي” و “مدخولات كبيرة من أموال الخمس” هذه المعادلة تجعل كلمة “روحي” هاهنا تشبه تلك التي في “المشروبات الروحيّة” !!   لذلك لا عجب أن جعلوا هذا “الزعيم الروحي”  شرّاباً أيضاً “للمشروبات الروحية” .. ومشعوذا  “يُحضّر الأرواح” .. وغيرها .. ويجمع جميع هذه الافتراءات شيء واحد و أمنية واحدة “خروج روح عبد الوهاب البصري وروح  من معه” .. كما تخرج ” الأرواح الشرّيرة ” وكما قيل ” شرّ البلية ما يُضحك ” .

 

إجابة السؤال الثلاثون :

تلقّيته بصدر رحب فهو قد عرّفني ببعض جوانبك إيجاباً وسلباً .. وموضوعيّتك إيجابياً وسلبياً .. وهو قد عرّفني بنفسيّتها أكثر و أنّها فعلاً بحاجة ملحّة لمن يأخذ بيدها لتؤسس حياة لها جديدة قائمة على البناء لا الهدم .. والمحبة لا الوغر .. هداها الله وإيّانا جميعاً …

 

إجابة السؤال الواحد والثلاثون : 

هي تفاصيل تضاف إلى الكم الهائل من التفاصيل الأخرى التي تنافس فيها المتسابقون مثلما تنوفس في سبّ عليّ على المنابر والقول فيه من كل ما خطر على سواد قلب بشر .. وبعض لم يجد زيادة في القول فانفرد متفاخراً بسبّ فاطمة بنت الرسول (ص) .. ليعلو شأنه .. ثمّ أن سلاح النيل من الشخصيّات هو أرخصها وأمضاها وإلاّ فقل لي حسب ثقافتك العامّة التاريخية والحاضرة .. من سلم من ذلك ؟ صادقاً أم كاذباً .. لكن المتأمّل للتاريخ يرى أن أصحاب الحق لهم النصيب الأكبر من التشهير الشخصي .. لماذا ؟  لأن صاحب الأفكار الباطلة تُغني سخافة فكرته عن النظر لها فلا يُضاف مع ذلك شديد التعرّض لشخصه ، ولكن فيما لو اشتدّ ضراوة التشهير والافتراء الشخصي فهذا يدلّنا على عجز عن مقارعة الفكرة والنهج ، وهذا بالذات ما حيّر تلك الأخت .. أقرّت بصدقية الفكرة وحقّها بل وتقديسها لها وراحت تدافع عن ذلك .. فما وجدت لها متّسعاً إلاّ بحرب شخصية تضرب فيه على أوتار عواطف المجتمع المحافظ .. وأي صرخة أعظم من أن تدّعي فتاة انتهاك شرفها وتشقّ جيبها .. مثلما فعلن صويحبات يوسف .. لكن التاريخ يعلّمنا إنّ ذلك لئن مضى على بعض العقول بعضاً من الزمن فلن يمضي على كل العقول كلاً من الزمن ولقد اتّهم موسى بالزنا أيضاً ولقد قام شاه إيران بتلفيق صورة عالم دين محترم في قضية دعارة .. والله يدافع عن الذين آمنوا .. اليوم وغداً وبعد غد ..

 

إجابة السؤال الثاني والثلاثون :

هذا شرف لست أدّعيه .. ولست أعرفه .. ولا أعتقد أنّنا بحاجة إلى مموّل كبير وصغير .. فنحن نتعاضد و نتساعد على كل خير ومن كان له فضل زاد يعود به على من لا زاد له .. ولا أعتقد أيضاً أن هنالك من يعرف من بيننا من هو أكبر مموّل ! ومن هو أصغر .. وهذا يدلّك أيضاً على كثرة  الاجتهادات (الافتراءات) الشخصية بشأننا والمبثوثة لغرض ليس بنبيل .. وأعتقد أن صاحب هذا الخبر إنّما يريد أن يزايد في قربه منّا بحيث صار يعرف أسراراً لا تعرفها الناس ولا نعرفها حتى نحن .. فليضحك بخبره هذا – هداه الله – على ذقونٍ لا نعرفها ولا تعرفنا أولى له .

 

إجابة السؤال الثالث والثلاثون :

بالإمكان سؤاله شخصيّاً في ذلك فلست عليه بوكيلة ، ولا سكرتيرة أعماله , لكنه هناك من ادّعى قرابته القريبة فلعلّها تفيدك في كيفية الاتصال به إذ يبدو أنّه مازال في جعبتها معلومات كثيرة عنّا لا أعرفها لا أنا ولا نحن عن أنفسنا .

 

لكنّي – للحق – لا أعتقد أنّ الرجل ساذج كما صُوّر ولا تشجّع نفسك بتصديق ما قيل فيه .. وصدّق الأسوأ والذي لا يحتمل على بالك .. وهو ماذا لو كان فعلاً مثلما يدّعي وأنّه يُسدّد بإمام معصوم ، إذ أن هذا ما قد أثبتته محاورتك السابقة وإن كانت في الأخير – لشأن خاص يعنيها – تقول أنّه قد تبدّل .. هذا أولى أن تمزج بثقتك منه حذرك ثم تقواك والسلام …

 

مساء الخير رابحة 

اطمئني وصل تقريبا إلى النهاية 

أتوقع أن تكون هذه أسئلتي قبل الأخيرة 

تحملي ثقلي قليلا .

أرجو يا أختي العزيزة أن تشتبكي مع الأسئلة وآفاقها لا أن تأخذي موقع المدافع فقط ، فالحوار امتلاء من الآخر ، وإنصات إليه ، وقبول به واختلاف معه ، وملء فيه .

 

34- لماذا لا يخرج عبدالوهاب البصري إلى المجتمع ، في ظل هذه الأجواء الانفتاحية ، ويعلن عن برنامجه الاجتماعي والسياسي ، أتصور أن المنابر التي أتاحت لكم التحدث ، ستتيح له فرصة للتحدث ؟

 

35- ألا ترين أنكم الجماعة الوحيدة التي تحيط متبنياتها العقائدية والفكرية بكتمان شديد . وتتستر على وجودها المادي المتمثل في المؤسسات والأموال والمشاريع التجارية ، مفضلةً أن تبرز في المرحلة الحالية في صورة أقلية مضطهدة بسبب اختلافاتها الفكرية والدينية؟

ما الذي بقي في جماعتكم من أشلاء الإرث الحزبي الذي كان ينتمي  إليه مؤسسو الجماعة ؟ 

 

36- ألا ترين أن التربية الكتمانية التي نُشِّئتم عليها طوال هذه السنوات أكسبت شخصيتكم ازدواجاً نسقياً مضمراً ، أي ازدواج غير مدرك (لا شعوري ) يقع على مستوى البنية الفكرية والنفسية للشخصية ؟ 

 

37-هل حدثت طوال هذه السنوات أية تحولات على مستوى الرؤية أو الإيديولوجا بالنسبة للجماعة ؟

 

38-النقد ممارسة معرفية تخترق فيها الذات مسلماتها وبدهياتها وإجاباتها وأسئلتها لتتجاوز نفسها على المستوى الفردي والجماعي . ما حظ هذه الممارسة لديكم؟

 

39- ألا ترين إن ما تظهرونه في التعامل مع الآخرين في المجتمع من قبول بالتعدد والاختلاف ، يتناقض مع تربية العقل الجمعي الذي تعيشون ضمنه ، فهذا العقل لا يسمح بالخروج على مسلمات الجماعة العقائدية وعلى لا بدهياتها الفكرية ولا على إجاباتها المقننة ، لابد لكل فرد أن يذوب في الجماعة بروحه وعقله وقلبه ، وهذا التربية لا تعرف المختلف بقدر ما تعرف المنحرف ؟

40- هل لديكم تنسيقات مع جماعات أخرى لديها شخصيات روحية مؤهلة للالتقاء بالمهدي ، أم أنتم الجماعة الوحيدة على مستوى العالم؟

41- هل صحيح أن لديكم نصوص بليغة من الإمام المهدي تثبت أصول دعوتكم ؟

42- ما أسلوب الدعوة الذي تتبنونه للانضمام إلى جماعتك ؟ وكيف دُعيت أنت إلى ذلك ؟

43- ما الذي يعنيه مصطلح ” الأمر ” لديكم ؟

 

رابحة ..

 أخي الكريم علي ، أنا أتحمّل الناس جميعاً .. فكيف لا أتحمّلك .. فما أنت إلاّ محاور والمحاور لا يؤذي .. نعم قد يظنّ ظنّ سوء .. وهذا من حقّه إذ ما سمعه من ماكينات الشحن النفسي والذهني شكّل له خلفية في لا وعيه عنّا أصبحت كالقناعة التامّة أو كالقناع العام .. لم يترك له مناصاً ليرى سوى ذلك .. لا سيّما وإذا قام عقله الواعي بتفسير كل أمر نقوم به أو حركة نتحرّكها أو كلمة نتفّوه بها .. وفق القالب الذي صُبّ عقله فيه ونُحتت عاطفته عليه من دون أن يشعر .. وهو يظن أنه حرّ .. وغيره المقموع فكرياً .. ألا رويداً يسفر الظلام .

لكن من يحاور مهما كان قصده ونيّته أهون عندي ممّن يحرّم على نفسه ذلك .. أو لا يرى دفع المنكر (!) إلاّ باللسان سبّاً وباليد ذبّاً .

وإنّ ما تسمّيه حواراً والذي هو امتلاء الآخر – كما تفضّلت – لا أراك تقوم به .. فجُلّ ما بيني وبينك أن يُسمّى سؤالاً وجواباً ، ثم لا تقوم بتقويم أسئلتك التالية على وفق ما أجيب عنه بل تعيد ذات الاسطوانة بمفردات تركيبية أخرى .. ولا أدري ما العلّة ؟  فقط راجع الأسئلة الأخيرة وسترى أنها قد أُعيد صياغتها ولكن بجلد – ليس إلاّ – جديد.

فهروباً من التكرار واحتراماً لعقلك وعقلي .. فلن أكرّر ما تمّ الإجابة عليه .. ولكن يا أخ علي هل سمعت بسياسة الهروب إلى الأمام ؟  إنها سياسة فاشلة في قبال أطراف واعية .. لكنّها أحياناً تكون هي المخرج الوحيد .. إذا كانت الاتّجاهات مسدودة والعقول مقفلة.

ما فائدة الكلام عن شرفنا والدفاع عن فكرتنا والمحاماة عن نزاهتنا والإكثار من ذلك ، أمام من قطع وأجمع على ثبوت ما ادّعي علينا وقيل فينا .. إنّه في أشرس تمثيلاته وتنفيساته في خضمّ هذه الهجمة كالرادّ على السابّ بمثله .. لا كقول الشاعر :        

 ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني              فمررت ثمّة قلتُ لا يعنيني    

أو الأسوأ كقول القائل ( دع القافلة تسير و .. ) إذ ما جدوى الردّ على كل صوت .. لا سيّما إذا كانت ليست إلاّ صوتاً.

لكنّه في التمثيل الواقعي الذي أميل إليه أشبه بإلقاء خطاب علمي في سوق الصفافير .. وأراك – لسوء حظي – مازلت تترنّم ببعض نغمات تلك السوق .. خذ مثلاً السؤال:

 

السؤال 34 ناظر إلى الدور المرسوم في ذهنك حول شخصية عبد الوهاب وحولنا .. وأنه زعيم كزعيم الطائفة الاسماعيلية .. أي عبد الوهاب خان – البحرين .. وأرجو أن لا يكون سفاهة ما قيل فينا وضحالته قد أخذ كل العمق من فكرك ..

 

إجابة السؤال 35 :

مؤسسات ، أموال ، مشاريع تجارية .. لم يقلْ بهذا غير تلك الفتاة المسكينة التي كانت أوّل من نعق بهذا الخطر العظيم المهول .. أن يكون لدى أحدنا دكّاناً .. ولديّ روضة .. ولدى آخر محلّ أو مؤسسة تجارية .. في بلد مشاريعه بعشرات الآلاف .. وكل جماعة بل كل عائلة تمتلك من المشاريع مالا يعلمه إلاّ الله .. يالها من جماعة نحن فيها ما أخطرها .. و أشدّ كتمانها !! أمّا التستّر عن الوجود المادّي فما أدري كيف نحلّ هذه المعضلة .. هل ننشر في منشورات والصحف ما أملك من عقارات وما يملك عبد الوهاب من منزل وغيره ؟  وهل ترى أن البلد والمواطنين كلهم ينشرون ذلك في النشرات الجوّية والأرضية ؟! وهل أنك لديك ملفّات تجارة وتملّك ومشاريع الوزراء والوجهاء وعلماء الدين والأحزاب والمؤسسات وتعرفها لنضيف إلى ما لديك الورقة الناقصة في الملف .. أمّ ماذا ؟ فقط أخبرني بالآلية .. ليطمئن قلبك أنّا لا نملك المنطقة الدبلوماسية بما فيها وما عليها !!

 

أمّا السؤال 36 .. فهو كالأوائل مبني على ادّعاء الإحاطة .. ويجب أن تفرّق بين التربية الكتمانية وبين الصبر والسكوت .. وأوّل ما يناقض هذا الكلام هو (أنا) .. كنت معروفة من البداية .. لم أكتم شيئاً ولم أخف عاراً .. إنّ مفروض كلامك أنّنا كنّا مجهولين كل تلك السنين وطفرنا الآن مرة واحدة بقدرة قادر .. مع أنّ الواقع يقول العكس .. هو أنّا ظهرنا .. وهم أرادوا دفننا .. و أبى الله ذلك ..

 

أمّا السؤال 37 و 38 فقد تمّ الإجابة عليهما في السؤالين 32 و 33 الماضيين .

 

و أمّا السؤال التاسع والثلاثون فهو مؤسس على ما قيل فينا وعنّا من منقصات ومنفّرات .. وهذا الإشكال يرد على كل الجماعات الإسلامية فمهما كان جوابهم فقد يصلح هاهنا جواباً .. وكأنك تقول أنّ من ذاب مع المسيح (ع) روحاً وعقلاً وقلباً ، أو مع محمّد (ص) من أصحابه الأوائل أو مع غاندي أو مع كل مصلح أو مع كل فكرة وحسب .. لا يصلح لقبول التعدّد والاختلاف ..

بل وكل جماعة في البلد من يسار ويمين ووسط ، وفي خارجه حتى الحزب الجمهوري الأمريكي وندّه الديمقراطي كل منهما له مسلّمات عقائدية وبدهيات فكرية .. وكل شخص مفرد لديه ذلك .. ولا يعيقه ذلك من قبول الآخرين والتعدّد والاختلاف وإلاّ فما معنى التعدّد والاختلاف إذاً ؟  أليس أن يكون مالديّ ليس ما لدى غيري .. وكلّ منّا يحترم ما لدى الآخر ويبحث إن كان ثمّة منطقة مشتركة .. ألا ترى أنّه من فرط ما حُشيت عنّا بأفكار خاطئة صرت تناقض حتى المفهوم الصحيح الذي في رأسك .. ألا ترى أنّ ما تسأله فينا هو عين ما تفعله أنت ؟ فأنت كوّنت مسلّمات وبديهيات وأسئلة مقنّنة لديك .. لكنّك تدّعي أنّك مع التعدّد والاختلاف .. فهل أنت كذلك ؟  أنا أقول لك لا يمنع أن تكون أنت حتى مع هذه الحالة والوصف الآنف أن تكون مع التعدّد والاختلاف .. سلّم بما شئت أن تسلّم .. لكن إذا احترمت الطرف الآخر ورأيت ضرورة وجوده ومن حقّه ذلك الوجود كأيّ آخر .. لا أنّ (عبد الوهابنا) مفروض عليه أشياء لا مفروضة على (عبد الوهابات) التي لغيرنا . ولا أنّ عليه أن يقدّم (كشف حساب خاص ) غيره ليس مطلوباً منهم أن يقدّموه .. ولا أنّ عليه أن يُجيب على كلّ اتّهام سخيف أو فرية باطلة أو زعقة زاعق أو نعقة ناعق .. وإلاّ فهو ذو جواب مقنّن ولديه ازدواج نسقي مضمر .. وما سوى ذلك من تسميات تحليلية مقولبة.

ما عليك مما سمعت عنّا – أخ علي – خذّ منّا ما تراه .. 

ها أنا أحاورك لم أشترط فيك لحية ولا سبحة ، ولا إيماناً بنصّ بليغ ولا برؤية معصوم وحجّة .. ولم أشترط فيك حتى تنزّهاً عن نيّة غير سليمة أو قصد مضمر .. لك الخيار أن تقوم بما شئت و تظن بما شئت .. فقط أنصحك إن كنت تحبّ الناصحين .. لكنّي أقبلك بل وأعدّك خيراً من غيرك .. ولابدّ أن يكون لك من يد في الفكر أو الإصلاح أو التعاون في البلد .. أنت وأنا وغيرنا .. هكذا يقول كل عاقل يعرف صلاح الأمور .. هكذا ابتدأ محمد (ص) وهكذا سينتهي المهدي (ع) .. لا قمع وديكتاتوريّات كما يتصوّر ومثلما يُسوّق ويُشوّه .. ونحن ندّعي ما ندّعي .. وفق هذا المنظور .. ففرقٌ بين ما تقول أو ما تظن وبين ما نحن فيه .. أنت تقول أن تربيتنا ونهجنا ينفي قبول التعدّد في الوقت الذي كل كتابات جماعتنا الصحفية والمداخلات لا تطرح غير الديمقراطية والتعدّد لو قرأتها .. وأظنّك قد استبحت حريم هذا الأصل حينما رضيت أن تقرأ لمصدر واحد مما قالته فلانة عنّا وتركت كل ما كتبناه علناً ونادينا به جهراً في الصحف والمنتديات فهذا ليس من التعدّد ( لا أقل تعدّد المصادر ) وخذ منه بقية الأسئلة .. أخاطبك بمستوى واقع ما نحن فيه فتسألني عن وهم في دماغ البعض .. أتكلّم معك عمّا يجري في الأرض فتصرّ على ذكر المرّيخ … لكن مع ذلك مرحباً بك آخر على الدوام ..

عموماً بعض الأسئلة أيضاً تفترض محاوراً ترك هذه الجماعة أو أُحيل إلى التقاعد أو أعاد اكتشاف نفسه ليبدأ بعدئذ برحلة التسويق بسرد سيرته الذاتية وبيبلوغرافيته الشخصية فيضيف بطولات ويشطب مثالب وينقّح التاريخ (راجع الشق الثاني من السؤال 42) .. ومضامين عموم الأسئلة (الحوارية) الأخرى ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

 

الأخ المحترم علي الديري ..

 

آخر مجموعة أسئلة بعثتها لي كانت بتاريخ 17/7/2001 والتي وعدتني فيها أن تكون ما قبل الأخيرة ، ونوّهت بأنها ستخضع فيما بعد لترتيب آخر سنتفق عليه (حسب قولك) !!   ثم بتاريخ 20/7/2001 طلبت مني أن أمنحك قليلاً من الوقت لكي تراجع الحوار كاملاً وقبل أن تعلن نهايته المفتوحة .. وحتى اليوم 29/7/2001 لم أستلم منك لا سلام ولا كلام .. و لا حتى مع السلامة .. لا أدري ما السبب، عسى المانع أن يكون خيراً ، عموماً .. لديّ كلمة أخيرة أودّ أن أبوح لك بها فإن كنت قررّت أن تجعله حواراً مفتوح النهاية ، فاسمح لي أن أخطّ نهايته بعد أن وضعت أنت أسّه وأساسه ..وعسى أن ينفعنا الله بما علّمنا .. وكل ذلك اختصاراً عليك في مظنون بعض أسئلتك التي لم تُجب أو التي لم تأت بعد لأختمها لك ولتضيفها في ختام الحوار . 

 

الأخ الكريم علي الديري ..

… لقد حاولت من خلال حواري معك أن أفتح لك باباً يوقف في ذهنيتي وذهنيتك صراع الأضداد .. وخصومات الأنداد … ودعوى السفارة .. والحداثة .. وادّعاء الحقيقة المطلقة … والآخر .. ونوايا النقض والغلبة .. إلى باب تطلّ منه الروح الحبيسة دنيانا إلى يوم الانعتاق الأكبر .. أو يوم الانزهاق .. حسب ثنائية ” شقي وسعيد ” .. 

حاولت أن يكون لذاك العالم الآخر .. ولو إطلالة .. أو إمضاء عجالة .. علّك تأخذ شيئاً منّي في مرحول زادك في مسيرتك القادمة نحو الخير والصلاح ونحو ما يبقى و ما ينفع الناس .. عالم تُلغى فيه كل هذه التزييفات والاختراعات والمظاهر واللّكنات .. وتستوي فيه شواهد القبور .. ثم يُحصّل للوزن الحق ما تجمّع من ذرات خير وذرّات شرّ .. في هذي الصدور .. 

فإنّي أينما حلّت ركائبي من الدنيا .. نزولاً أو صعوداً .. إسفافاً أو غيره .. فإني أرجو أن لا أُكتب في أي حين إلاّ من الذاكرين .. فالله هو الرقم الوحيد الذي لا يسقط من كل معادلاتي.. لأني أريد الخير .. لكل أحد بمن فيهم نفسي .. وعلمي الثابت ” أن الخير ليس إلاّ منه سبحانه ” .. ثم ليقيني الآخر بكلمة قالها شهيد كربلاء مناجياً ربّه ” ماذا وجد من فقدك ؟  وما الذي فقد من وجدك؟ ” .. فأرخصت أن أفقد أي شيء ، كل شيء ، إلاّ واحدي وربّي .

 

إن إسقاط الله من جميع المعادلات بحجة “علممة الشيء”  وعدم “كهنتته” .. إسقاطه من الخطاب ومن الحوار ومن الثقافة ومن كل خيار .. هو الذي أردى بالبشرية إلى مهاوي الظلم والتّوحّش وسوء الظن والتّعصّب والافتراءات و العداوات  ” ذلكم ظنّكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ” . إذ حين لم يُر الله لا هادياً ولا مبشّراً ولا نذيراً .. ولا قائماً على كل نفس بما كسبت و لا حسيباً ولا رقيباً و لا آمراً ولا ناهياً و لا “من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى”  و لا هم يحزنون .. حين سقط جميع ذلك من قاموس المتعاملين ( حتى أصحاب الدعاوى الدينية لا العلمية فقط ) .. سقط معه تقواهم الفرديّة .. ونزاهتهم وأمانتهم وموضوعيّتهم .. وذهب الضابط .. ( إلاّ بقيّة ممّن عوّلوا على إنسانيتهم البحتة فترك لهم بقية من الضمير .. وهم ندارة في ندارة لا تحلّ و لا تعقد ) .. وسقطت منظومات القيم والأخلاق و أُقيم بدل ميزان العدل المأخوذ من “أمر ربّي بالقسط” و “إنّ الله يأمر بالعدل” و “الله لا يُحبّ الظالمين” و “لا يهدي القوم الظالمين” .. أُقيم ميزان الهوى .. فاختلّت المعايير وصار كلٌّ يحكم بمعيار وينظّر بمعيار ويسبّ بمعيار ويحبّ بمعيار ويبغض بمعيار .. وهلمّ جرّا .. وهي ليست موازين قسط وأكبرهم وزراً من يفعل جميع ما نهى الله عنه ثم يقول “إنّ الله أمرهم بهذا” .. بل من فرط التخبّط من سقوط “كلمة الله العليا” وإحلال “كلمة الظالمين السفلى” أي “المعيار الباطل” .. من فرط ذلك صار المرء يزن بمعيار لنفسه ما لا يزنه لغيره .. ويزن لغيره ممّن يحبّ بخلاف ما يزن لمن يبغض .. فيما سمّي اليوم بازدواجية المعايير أو حقيقة بسياسة الكيل بمكيالين.

 

عموماً لئن أشكل غير الديني البحت حشر الله في كل مسألة ممّا أهلك حتى الخطابات العلمية والأدبية موضوعيّتها ورونقها ذلك .. فنحن معه .. ونزيد بأنّ قسر الناس على قالب واحد هو عين الظلم .. فما بالك بالأفكار والخطابات وقد منع الله ذلك أساساً في “لا إكراه في الدين” و “لست عليهم بمسيطر” .. لكنّا نأخذ عليهم وعلى كل من لم يعرف الله ولم ير له وجوداً عمليّاً .. ولا يحب التعامل بقدح اسمه تبارك وتعالى .. نقول له .. حرية المعتقد والفكر مكفولة عند كل عاقل  .. لكن أحرية الظلم والتعدّي كذلك ؟ لذلك فحرية النصح و محبة الإصلاح أيضاً مكفولة لنطالب بإدخال الله في هذه القلوب والعقول ليعتدل ميزان الأشياء والأحكام و العلاقات والمعاملات .. إذ ما كل شيء في هذا الوجود بمادّي .. بل هناك معه ما وراءه .. ونقول لهم “ليس من حقّكم أن تمنعوا عنّا أن نذكر الله أونُذكّر به .. ونذكّركم به”  لاسيّما وأنّ الأخطاء في معظمها التي نخرت في أيّ إنّما لهذا السبب أصلاً وفصلاً .. بل نقول لهم مرّة أخرى مستهدين بما قاله الله سلفاً لغيرهم حين طلبوا ذات الطلب .. “أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين ؟!” 

لذلك لو تمعّنت في أجوبتي بل وفي كلّ خطاباتنا لرأيت إلحاح هذه المسألة في الصبغة العامة .. “غياب المعايير الحق”  “الموازين القسط” .. سواءً العقلية أو الأخلاقية أو السلوكية .. والتي إنّما استشرت حين “نفي الله من الوجود” وجعلت “يد الله مغلولة” .. فصار كل واحد .. المتديّن ، والمتعلّم ، والمفكّر، والكاتب .. حرّاً يفعل ما يشاء ويتخبّط حيث يشاء .. “ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربك ” ..

 

لذلك تراني صابغة كلماتي بتلك الأجواء لكي لا أضيع أنا أوّلاً فأُكتب في الغافلين ، ولكي لا أقرّ غيري على ضياعه .. أو تيهه ودلاله ، إذ محبّتي لخير الغير من خيري لنفسي وإلاّ فأنا ” شرّ كلّها ” .. أمّا كيف يستوي أن أكون على عقيدة خاصة وأريد الخير للجميع .. فمثلما قال شاعر الحداثة العماني (سيف الرحبي) مستشهداً في هذا بشاعر آخر (أسير مع الجميع وخطوتي وحدي) .. ثم قال  ” العزلة هي حصننا الأخير لتجنّب هذه التفاهة ، وهذا القطيع الذي يمضي إلى حتفه ببلاهة غادرة ..” 

 

لذا عن عقيدتي الخاصة في قابلية الأخذ عن المهدي (عج) وثبوت ذلك إنما أريد أن أثبت باب خير للآخرين (وما كنت لأغلق باباً الله فاتحه)  قد لا يريده البعض لكن حتماً يريده آخرون “مضطرّون ومحتاجون ” وهذه الفكرة وإن كان لدّي فيها ما يرسخ به يقيني وقدمي في الدارين .. ويقطع شكّ كل ذي شكّ علمي .. لا شكّ نفسي ، إلاّ أن أسلوب العداء والمواجهات والشحن السالك مسالك الشرّ بأساليب أهل البغي .. يسوق لي دليلاً إضافياً مجّاناً يعاضد به ما لديّ بحسن ما أنا فيه وسوء ما فيه خصمي في هذه القضية فقط .  إنّه أشبه ما يكون بخصومة شخصين أحدهما يبتسم ويتكلّم تأدّباً ونصحاً وباحترام وخلق .. والآخر ينبح ويسبّ ويشتم ويقذف بالحجارة .. هنا يتبيّن لك بما لا يدع مجالاً للريب الفارق بين العصرية والكهفية ، وبين إنسان المدنية وإنسان جاوة ، وبين شريعة السماء وشريعة ” الجنكل “.. فيزداد يقيني الذي لا يحتاج أصلاً لزيادة .. ثقة لا غروراً .. والله وحده العاصم ..

عقيدتي أنّ الإمام يُرى ويُسدّد .. ليست غاية في حدّ ذاتها .. لذلك فهي جزئية لا أصلية .. بل هي لا تعدو أن تكون وسيلة فقط من وسائل التعرّف على الحق والحقائق .. وإنارة السبل ، إنّ المسألة أقرب بالدفاع عن حجيّة العقل ، لا لأن العقل غايتي .. أو أن أثبت وجود الدماغ من عدمه .. بل لكي لا يحجر عليّ أحدٌ أن أنهض مدافعة عمّا استقرّ عليه رأيي أو أجمع عليه عقلي .. فما هو إلاّ باب سواء فُتح لخواص أمّ لعوام أم لواحد .. ففتحه وغلقه إنّما على صاحب ذلك الباب وليس من شأن أي كان أن يقول لا يجوز رؤيته (ع) و لا ينبغي .. ولا يكون .. وغير ذلك ، هذا لمن يعتقد أن المهدي (ع) موجود .. أمّا من لم يعتقد بوجوده فقد كفى نفسه هذا العناء و المفروض أن يكفي نفسه أيضاً هذا الخصام .. ولو تغلّف حتى بحوار.

فالمسألة والقضايا ذات الاهتمام إنمّا هي قضايا الحق – العدل – الخير – الصلاح – التقدّم وما تفرّع عنه في مناحي الفكر والاجتماع والسياسة والتعليم .. والمثل والمعاش .. تلك هي ميادين حركة الكدح الإنساني المثمر .. والمخلّد ..

وفي ذلك – فليتنافس المتنافسون .. 

أمّا في سوى ذلك فلن يكون إلاّ أمر التكالب والتضارب وفي ذلك ” يترافس المترافسون ” ” ويتناحس المتناحسون ” و “يتداعس المتداعسون” وهلمّ جرّا ..

 

وفّقني الله وإيّاك والجميع لكل خير .. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ..

وتقبّل خالص تحيات .. محاورتك رابحة عيسى الزيرة 

 

ملاحظة أخيرة :

الأخ الكريم .. لقد بعث لي الكثير ممّن تعرفهم وغيرهم وممّن علموا أنّك قد بدأت حواراً معي .. راغبين في التعرّف على نتيجة هذا الحوار وإلى ما آل إليه وبعضهم من مجموعة أوال الصغرى ، وقد أخبرتهم أنّي تركت الأمر لك .. وهم يريدون أن يطّلعوا عليه من جهتي .. فما قولك .. أتودّ أن أبعثه لهم أم ستبعثه أنت ؟

رابحة

 

الجبروت الرمزي في خطاب الغذامي

-1-

من أكثر الأشياء دلالة على أصالة المفكر، قدرته على ابتكار مفاهيمه وحسن استثماره لمفاهيم غيره، وتطويع ابتكاراته واستثماراته تطويعاً تطبيقياً لقراءة منتجات ثقافته .

وقراءة المفاهيم تفتحنا مباشرة على العقل الذي يتحرك من خلاله المفكر، وترينا الخارطة التي من خلالها يتحرك، وتنبئنا بالصيرورة التي يمكن أن ينتهي إليها .

من هنا – حيث بوابة المفاهيم – فضلت الدخول على عالم الناقد الدكتور عبدالله الغذامي الذي أصبح علامة بارزة من علامات النقد في الثقافة العربية (ولست أدري إن كان بالإمكان الحديث عن شروط النسق الثقافي الذي أتاح لها أن تأخذ مكانها ضمنه ) .

وسيكون هذا المدخل عبر قراءة مفـهومه ( الجبروت الرمزي ) قراءة تأويلية، لا تقف عند حدود ما يحد خطابه به هذا المفهوم، ولا عند الإمكانات التطبيقية التي قرأ عبرها المنتجات الثقافية ، فأنا معني بالدخول في حوار معه من الداخل لتفتيق مزيد إمكاناته، ولاستثمار كثير من مدلولاته، ولتحقيق مزيد من الثراء المعرفي؛ لتتكوثر معرفتي بما يفتحه لي صوت هذا المفهوم من أصداء تردد داخلي أصوات الآخر.

-2-

مــا الذي يعنيه مفهوم ( الجبروت الرمزي)؟

يجيبنا خطاب الغذامي بأنه ” الشرط الثقافي وسماته النسقية” ولتفسير هذا الإجمال عليك أن تقرأ خطاب الغذامي النقدي النظري والتطبيقي، وبعد ذلك عليك أن تقدم فهمك في شكل تأويل مكثف تستعين فيه بخلفيتك المعرفية؛ لتعطي معنى المفهوم حياة جديدة . لتنجز هذه القراءة إذن . 

لا يمكننا أن نستقبل مفهوم (الرمز) من دون استحضار هذا التاريخ الطويل لمفهوم العلامة الذي شغل تفكير الحضارة العربية قديماً، والحضارة الغربية حديثاً، تحت مسميات متعددة ومقاربات متباينة وسيحضر ضمن هذا التاريخ مكونات العلامة التي اشتغل عليها علماء اللغويات من أمثال (الجرجاني)  و(دي سوسير) وغيرهم، كما سيحضر الدال والمدلول والمرجع الخارجي، وستحضر جميع التصورات حول هذه المكونات، لكن يهمنا ما انتهى إليه التصور الحديث الذي شغل خطاب الغذامي النظري في ( الخطيئة والتكفير) و( تشريح النص) . 

لا تهمنا تفصيلات هذا التصور الذي بات معروفاً، فما يهمنا فقط هو تحرير مفهوم العلامة من التصورات التقليدية التي أسرته في نطاق المعنى القبلي، والمعنى الأحادي و المعنى التطابقي .

إن خطاب الغذامي يتموقع ضمن المعنى الحديث للعلامة الذي يفتح الدوال على تأويلات لا حد لها، ومن دون أن ترتهن لأي معنى قبلي أو مرجع خارجي تتطابق معه؛ فللدوال نسقها الخاص الذي يولد معناها .

-3-

يكفينا هـذا التصور العام والمجمل لمفهوم ( الرمز) ولنأتِ الآن لمفهوم (الجبروت) وما تنتجه العلاقة الوصفية بينهما (أي بين الجبروت والرمز).

المعنى اللغوي الذي يحيل إليه (الجبروت) هو القهر والعتو ، فأي معنى يمكن أن ينتج من استثمار هذه الدلالة اللغوية؟

لمعرفة ذلك، لا بد أن نعرف أن المدلول الذي يحمله الرمز لا يوجد إلا في أذهاننا، وأن ساحة النشاط التي تنتعش فيها الدوال تقع في عقلنا، ومن هنا فإن للرمز حضوراً رمزياً في تفكيرنا، وتبعاً لذلك سيكون للقهر الذي يتصف به هذا المفهوم حضوره أيضاً في تفكيرنا ومخيلتنا.

للرمز إذن جبروته أي قهره – ولنتذكر أن الله لا يمارس جبروته فينا وفي وجودنا إلا عبر رموز – ويمارس الرمز جبروته عبر الجمهوريات النظرية التي يؤسسها ويرعاها تحت ظله في عقولنا . ألـم تكن (أمريكا) بوصفها رمزاً جمهورية نظرية في كتاب الغذامي (رحلة إلى جمهورية النظرية.. مقاربات لقراءة وجه أمريكا الثقافي)

-4-

ما الذي يقهره الرمز؟

يقهر هذا الجبروت عقولنا، التي ما فتئت تفاخر بعصمتها وقدرتها على المقاومة والصمود، ويقهر عقلانيتنا المفرطة إلى حد النرجسية، ويقهر تعالينا وثقتنا المطلقة بالعقل الذي بات مع عصر الأنوار متعالياً ومطلقاً وخالصاً ، لا مكان فيه للأسطوري، ولا للمتخيل، ولا للخرافي، وإذا بهذا الرمز يفرض بجبروته على الإنسانية أن تتخلى عن مكتسباتها؛ لتدخل حروبا حيوانية، ليس فيها أي قدر من المعقول. 

يقهر هذا الرمز أحادية تفسيراتنا التي ما فتئت تدعي امتلاكها لحقيقة الأشياء. إنه يقهر سلطة امتلاكنا. باختصار يقهر كل ادعاء فينا.

-5-

بم يقهر الرمز كل ذلك ؟

بجبروته الذي يستمده من تعدده واختلافه ، وتحولاته، وتأويلاته، ومخاتلاته وأوهامه التي يخدرنا بها، وعروشه النظرية التي نستظل تحت فيّها، وسلطاته التي يحركنا من خلالها. ألم يقل الغذامي إن علينا أن ندرس الإنسان بوصفه لغة، كي نجيب على سؤال المشكل الحضاري العربي .

إن جبروت الرمز يمارس كل ذلك في تجلياته المتعددة التي تتخذ مرة صورة اللغة ومرة صورة أيقونة ومرة صورة الشعر … الخ .

ليس لهذا الجبروت شكل واحد، بل إنه يتعدد، ويتبدل حتى في الشكل الواحد، ولا أدل على ذلك من شكله اللغوي الذي يموت فينا، ويحيى آلاف المرات، لذلك كان سؤال الغذامي له عندما كان يحاول التعرف عليه حين حل في قصة طرفة بن العبد هو ” كيف يتحرك (الجبروت الرمزي) فارضاً شروطه بمفارقة الواقع وإنشاء واقعه الخاص من حيث تخييل هذا الواقع “. وضمن هذا الواقع الخاص صار المبدع في الرواية “يخلق عشيرة متخيلة عبر السرد” تأنيث القصيدة / ص36 

في ضوء هذه التجليات المتعددة( للجبروت الرمزي) يمكننا أن نفهم إشارة الغذامي له بأنه “الشرط الثقافي وسماته النسقية” فهذه الإشارة توسعه لتجعل منه شرطاً ثقافياً، يتجاوز نطاق الشرط الأدبي، فالأدبي يعيش ضمن مملكته ونسقه الرمزي، ولا نغالي إذا ما قلنا إن موضوع النقد الثقافي هو جبروت الرمز الذي يتجلى في أشكال مجازية لا حد لها .

-6-

بهذا يغادر النقد موضوع النص الأدبي والمعايير الجمالية الأدبية؛ لينفتح على الثفافي متعقباً الساحات التي يحتلها الرمز بجبروته؛ ليحررها بقراءته، وبهذا التعقب يتجاور الساحة الأدبية؛ لينفتح على الساحة الثقافية، ويغدو بذلك نقداً ثقافياً.

بهذا يغدو النقد نشاطاً قرائياً – موضوعه الرمز – منفتحاً على مجمل الأنساق الثقافية متنقلاً بين علامتها فاتحاً مدلولاتها على بعضها.

لم يعد النص الأدبي مع هذا الفتح بضاعة الناقد الوحيدة، كما أن أدوات هذا الناقد لم تعد قاصرة في أداء فاعليتها على فك شفرات هذه الرموز الأدبية، بل غدت قادرة على تفكيك أعتى الرموز طغياناً ، وأشدها خفاءً، وأعقدها التباساً، وأكثرها مراوغة.

-7-

من هنا تأتي مشروعية الكتابة عند الغذامي في اتجاهاتها المتعددة، فمرة تلاحق الكثافة الرمزية لهذا الكم من الحكايات التي تتخذ من المرأة موضوعاً أثيراً لديها، ومرة تلاحق القارئ وهو يجوب فيافي الصحراء، ومرة تلاحق الطاغية في قماطه الشعري، ومرة تلاحق معاني الحرية  في مقولات النقد القديم، ومرة تلاحق الفحولة وهي تسكت صوت الأنوثة.

في كل هذه الملاحقات يبرز عمود الشعر، ويبرز التأنيث، وتبرز الفحولة بوصفها رموزا ثقافية، تنصاع إلى جبروت النسق الثقافي الذي يعطيها معناها، ويتحكم في مركزيتها.

من هنا فإن قراءة الحدث الأدبي سواء أكان قصيدة التفعيلة أم كتابة الرواية أو قصيدة النثر أو الخ لابد أن يكون ضمن النسق الثقافي الذي يمنحه شروط الوجود والإمكان. وبهذه القراءة تتبدى الكتابة متحدية عتاوة الرمز، وشدة خفائه، وعُقد التباسه، و طغيان مقولاته.

-8-

وفي مفهوم الأسلوبين لفكرة (الإجبار الركني) شيء من معنى (الجبروت الرمزي) يمكن استثماره في إغناء هذا المفهوم وفهمه. وتقوم فكرة (الإجبار الركني) كما يقدمها الغذامي على نتائج الفحص الأسلوبي التي تشير إلى أن عناصر النص يدعو بعضها بعضاً حيث يتم عادة اختيار العناصر الأولى اختياراً حراً ثم تفرض هذه العناصر الحقل الدلالي المتسق معها.

ما يحدث على مستوى النص يحدث على مستوى الثقافة، فالنسق الثقافي يفرض عليك بجبروته الرمزي الحقل الدلالي الذي يجعلك منسجماً مع نصوص الثقافة وحين تتحدى جبروته بالكتابة أو القراءة خارج نسقه يفرض عليك عقوباته الخاصة التي أيسرها نفيك من ساحة معناه. هكذا نتخلق ضمن هذا الجبروت. 

وللحديث بقية يمكن أن نستكملها مع صدور كتاب الغذامي (النقد الثقافي _ النظرية والتطبيق)          

جريدة الأيام البحرينية

علي أحمد الديري

alialdairy@alayam.com

القارئ بوصفه رحالا بدويا

امبرتو إيكو
امبرتو إيكو

لقد مرَّ مفهوم القارئ بعدة تنقلات وتبع هذا التنقل تغير وظائفه القرائية وتنتج عن ذلك تغير في مفهوم القراءة، سنحاول مقاربة هذه التنقلات عبر تفكيك استعارة العلوم النقدية والاجتماعية لعالم البداوة؛ للتعبير عن مفهوم القارئ ووظيفته.

البداوة دال يحيل غالباً على تصورات ، تتعارض مع مفهوم التحضر. إنه أقرب إلى معاني البدائية، والهمجية والعصبية. هذه الحمولة الدلالية الشائعة ما عاد لها حضور حين نستعير هذا الدال؛ للتعبير عن مفهوم القارئ. فهذا البدوي لم يعد في استعاراتنا الجديدة كائناً يعيش الكفاف، ولم يعد متوحشاً يبحث عن غنيمة ينقض عليها. إنّ في عالم هذا البدوي من الدلالات ما لم يكتشف بعد، أو لنقل ما لم يلتفت إليه بعد، هذا البعد هو ما تلتقطه الاستعارة الجديدة وتحاول مضاعفة دلالته.

قبل الدخول في عالم هذه الاستعارة الجديدة دعونا نتأمل في التغيرات التي طرأت على مفهوم القارئ والقراءة و المقروء؛ فهذه الاستعارة تشير إلى تحولات مفهومية عميقة يجب ملاحظتها.

_2_

ما الذي تغير في عالم القارئ؟ 

لم يعد القارئ في المفهوم الحديث ذلك الكائن الذي يترجم رموز الكتابة أصواتاً، يُسمعها للآخرين، ولم يعد ذلك الكائن الأمين الذي يقرأ نصوص الآخرين بحثاً عن مقاصدهم ومرادهم، وليس هو آفة الكتب الذي لا يكف عن ملاحقة حروفها، وأسطرها، وصفحاتها. فكل هذه المعاني التي تستحضرها مفـــردة ( القارئ ) عادت مفهومات تقليدية لا يمكن الوقوف عندها. فقد حلت مدلولات جديدة يمكن أن تكون استعارة البداوة أقرب تعبير مجازي عنها، كما سنرى.

قبل أن ننتقل إلى هذا التعبير المجازي، لاستخراج ما في بطنه من مضامين، سنقف على الدوال الحقيقة ( إن كانت هناك دوال حقيقية ) التي تعبر عن مفهوم القارئ الحديث.

المفهوم الحديث للقارئ يقابل، أو يتضاد مع مفهوم الاستنساخ الذي كان يمثل قوام القارئ التقليدي، فهذا القارئ الذي كان يتطابق مع نصه المقروء تطابقاً يجعل منه نسخة من نصه، لم يعد حاضراً بهذا المعنى في المفهوم الحديث، ذلك لأنه غدا شيئاً مختلفاً عن نصه، و بقدر ما يعمق من اختلافه، يعمق من صفة القراءة لديه و كأن القراءة وصف متدرج، يرتقي القارئ فيها درجة كلما حقق اختلافه عن النص المقروء.

وانفصال نص القارئ عن نص المؤلف المكتوب على الورق ، الذي يســــميه ( بارت) الأثر أعطى القارئ استقلالية، وحرية في تشكيل نصه، ومن ثَمَّ، أخذ القارئ تسميات متنوعة، تحيل على تصورات متعددة. فهناك إضافة إلى القارئ الضمني الموجود في ذهن المؤلف، كما هو موجود في ذهني الآن نوع من القارئ، يدفعوني لأن أكتب نصي وفق شروط تداولية معينة، هناك القارئ المثالي عند (ريفاتير )، والقارئ النموذج عند ( امبرتو ايكو ). وهذان النوعان هما اللذان يعملان على تحرير نصي من قيودي؛ لينمو، و يرتحل مع ما هما ذاهبان إليه.

وهذا لا يعني أن القارئ الضمني لا يمكن أن يكون قارئاً نموذجاً أو مثالاً، فالتسمية هنا لا تحيل على شخصية خارجية بقدر ما تحيل مفهوم متصور، يمكن أن يتجسد في الشخصية الواحدة بأكثر من معنى، ومع تجلي كل معنى تأخذ الشخصية تسمية خاصة.

( للتوسع في مفهوم القارئ النموذج و القارئ المثالي يمكن الرجوع إلى مقالة د.عبد الله الغذامي “القارئ المختلف ” في العدد الخامس من مجلة النص الجديد )

_3_

واختلاف مفهوم القارئ كان على صلة و ثيقة باختلاف مفهوم النص الذي يمثل أرض حرثه ومكمن كنزه. لم يعد النص قطعة مسوَّرة بحدود الورقة، ولم يعد أرضاً مستقلة بتخوم واضحة المعالم، فقد غدا فضاء ممتداً إلى حدود تتجاوز أفق نظر القارئ، وأصبح تكويناً من أمشاج شتى ، تحضر فيه من كل جينة نص بذرة تتفتح فيه ثمرة على غير طعم سابق.

والاكتشافات الجديدة لمكونات هذه الأرض (النص) أمدت القارئ بمعرفة علمية، لم يعد معها يقنع بالقليل، ويقف عند حدود اليسير، راضياً بما هو ظاهر فوق السطح؛ فقد غدا سطح النص أملساً يتزحلق عبره القارئ نحو مناطق غائرة وطبقات دلالية متراكبة فوق بعضها، فكل علامات غدت إشارة تتنقل بالقارئ من منطقة إلى أخرى، لقد أصبح النص ساحة لعب يمارس فيها القارئ مهارات اكتشاف علامات الاستدلال.

وهذا ما استدعى توسيع مفهوم خلفية القارئ المعرفية ورؤيته للعالم؛ فقد غدت هذه الخلفية منظار رؤيته التي يقرأ من خلالها النص، لذا لم يعد القارئ بالنظر إلى هذه الخلفية كماً من معلومات اللغة المخزنة في الموسوعات والمعاجم والقصائد. لقد أصبحت خلفية القارئ نسقاً من المهارات التي تؤهله للعب بـ و مع علامات اللغة. ولا نبالغ حين نقول إن القارئ غدا نطفة لغوية، وبقدر وعيه بحقيقة كينونته هذه يتحقق لديه قدراً أعلى من الكفاءة اللغوية.

القراءة بهذا المفهوم الموسع للنص وللقارئ، تصبح نشاطاً ذهنياً يمارسه جهاز تلقينا بكل حواسه حين يســتحضر (شيئا ما) هذا الشيء يمكن أن يكون نصا لغويا أو لوحة فنية أو فلما سينمائيا أو موقفا سياسيا أو حادثة اجتماعية. وهذا الشيء نسميه علامة وحين نقرأ هذه العلامة فإننا نمارس نشاطاً قرائياً.

والقارئ بهذه المفاهيم الموسعة تغدو تسمية يمكن إطلاقها على الناقد والكاتب والأديب والفيلسوف وكل من يمارس نشاطه الذهني بفاعلية.

_4_

لنتأمل الآن في السمات الدلالية التي تحملها مفردة البدوي؛ لنكتشف علاقتها بالسمات الدلالية لمفردة القارئ.

البدوي كائن لا يعرف الاستقرار، كثير الترحال، يحب اكتشاف المناطق المجهولة، ويعتمد في ذلك على قدرته الفائقة في قراءة علامات الطبيعة الصحراوية، و يضاعف من هذه القدرة بصيرته النافذة، وهو فوق ذلك قادر على التأقلم مع ظروف بيئته المتغيرة؛ فهو كائن صحراوي من جنس بيئته الصحراوية.

كل هذه السمات حاضرة في مفهوم القارئ الحديث؛ فهو كائن لا يعرف الاستقرار عند معنى ثابت للنص؛ لذلك فهو كثير الترحال بين طبقاته الدلالاية وفضائه الممتد بين مستوياته اللغوية التي تتيح له فرصة لاكتشاف العلامات، وقراءتها قراءة اختلافية ، يعتمد فيها على بصيرته اللغوية القادرة على التأقلم مع تغير العلامات، وتغير النصوص، وتغير ظروف إنتاجها، ولا عجب في ذلك فالقارئ كائن لغوي من جنس نصه.

وتزيح هذه الاستعارة البدوية استعارة المصباح والنور والشمعة والضوء من عالم النص، فالنص لا يضيء القارئ بقدر ما القارئ يضيئه، والنص ليس نوراً يهدي القارئ بقدر ما يمكن أن يضله، والنص ليس شمعة تدل القارئ بقدر ما هو علامة دلالية من بين آلاف العلامات التي يقرأها القارئ في طريقه.

بتوسع رقعة النص وتحرر القارئ من سلطة النص الضيق، تم انقاذ مفهوم المؤلف من ضيق سلطته؛ ليغدو قارئاً يبيض بقراءته مُسوَّدات نصوص من سبقوه من القراء/ الكتاب السابقين.

و المؤلف بوصف كتابته قراءة لنصوص سابقة، أصبح هو أيضاً نصاً مقروءاً، يحمله القارئ معه في حله وترحاله، يعبر به ساحة الثقافات المختلفة التي تتولى تبيض مسوّدات نصوصه حسب أفق قراءتها.

إن رحلة القارئ كما تشي بها استعارة البدوي، لم تترك مكوناً و احداً من مكونات عملية القراءة ساكناً؛ فجميعها يتحرك في فلك ترحالها الدائم.

وبهذا المعنى يمكن أن نفهم وصف المفكرين للفيلسوف الفرنسي ( جيل دولوز ) بأنه بدوي مترحل في براري الفكر.

 وبهذا المعنى يمكن أن نفهم، لماذا لا تستنفد قراءتنا لإنتاجات المفكرين ولإفرازات الأحداث، ووقائع التاريخ، وبدائع الشعراء والقصاصين.

_5_

وستعمق أجهزة الاتصال الحديثة من عمق ذهابات هذا البدوي، وستفتح رحلته القرائية على واحات ثقافات جديدة على عالمه، كما ستضاعف صدمات اكتشافاته لما لم يكن قد ألفه ، بفتح أفقه على مزيد ساحات المغايرة والاختلاف.

وستمنح هذه الأجهزة استقراره الجسدي في المكان تذاكر مفتوحة تسيح بفكره في ذاكرة الصحراء الإنسانية التي لا تعرف الحدود الحضارية، وكأن الحضارة ببنيتها المعمارية القائمة على الحدود المادية، والهويات المنفصلة لن تكف عن إنتاج بداوتها المعنوية المتمثلة في إلغاء الحدود وانفتاح الساحات للسياحة الثقافية من دون حواجز تحضرية.

جريدة الأيام

1999/7/29

مدونة الباحث د.علي الديري