هندسة الخروج أو كوجيتو الذات الخارجة
الخروج يحتاج إلى هندسة أيضا، لا يمكنك أن تخرج من غير خارطة هندسية، وربما يكون كتاب أمين صالح (هندسة أقل خرائط أقل) أفضل بيان هندسي يقودك لخارطة الخروج من هندسات البرامج المعدة لاستقبال سقوطك في الدنيا وما قبله وما بعده.
يبدو أن(الخروج) من أكثر الأفعال ثورية وذماً في ثقافتنا، فالثورات قرينة الذم، لذلك لا عجب أن يشتق منه اسم (الخوارج) الذي أطلق على الجماعة التي شقت عصا الطاعة وخرجت على إمامها وخليفتها، بل إنها خرجت على فكرة الإمامة والخلافة نفسها، فهي الفرقة الوحيدة التي ذهبت إلى أن الخلافة حق من حقوق المسلمين يتساوى فيه العربي وغير العربي، كما يتساوى فيه الأحرار والأرقاء. والخلافة ليست للقرشيين وحدهم وإنما هي حق للأفضل من جميع المسلمين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم.
(أنا خارج طائفتي) هي صيغة مفهومية، أحاول عبرها أن أقرأ إطار الطائفة في تكوين الذات. وهي ليست إعلاناً ولا براءة ولا تمرداً ولا عقدة ولا استنكافاً.
حين أخرج من هذا الإطار، ما الذي سيحدث لرؤيتي وموقفي وذاتي وحريتي وعلاقاتي؟ الصيغ المفهومية لا نحكم عليها بالصحة والخطأ والحق والضلال والخيانة والشجاعة. هي صيغ تفسيرية ويمكنك أن تحكم عليها بأنها أكثر تفسيرا أو أقل تفسيرا وأكثر قدرة أو أقل، على أن ترينا الواقع.
صيغة (أنا خارج طائفتي) أراها تتيح لي أن أرى ذاتي بشكل مختلف، وأرى مواطنتي بشكل مختلف، وأرى تاريخي بشكل مختلف، وأرى دولتي بشكل مختلف. والاختلاف حق لا يمنحك إياه أي تشكيل ولا أي إطار ولا أي برنامج، عليك أن تخرج وتأخذ حقك بعقلك، عليك أن تهنّدس لك طريقاً يريك الأشياء خارج طائفتك.
لماذا صيغة ”أنا خارج طائفتي” ليست إعلانا، ولا براءة، ولا تمرداً، ولا عقدة ولا استنكافاً؟
هي ليست إعلانا، لأن الإعلان يتطلب خفة في الطرح. وصيغة ”أنا خارج طائفتي” تحمل ثقلاً في المفهوم وتعقيداً في الإشكال. وهذا ما أظهرته كثرة التأويلات التي دارت حول معنى الخروج في هذه الصيغة، وتباين وجهات النظر حول جدواها على صعيد الفكر والواقع. وهذا أيضاً ما أظهرته كثرة التداولات في المنتديات الالكترونية والمجموعات الحوارية والرسائل الشخصية.
وهي ليست براءة، لأن البراءة تتطلب قطيعة وجودية واجتماعية عن كل ما يتصل بطائفتك، وهذا ما لا تدعو إليه هذه الصيغة، ولا تفسيراتها التي تضمنتها مقولة ”خارج الطائفة”، بل هذه الصيغة هي أقرب إلى أن تكون مفتاح حل لتحقيق ”العيش المشترك الاجتماعي” الذي يتطلب اتصالاً، لا انفصالاً.
وهي ليست تمرداً، لأنها خروج من الطائفة وليست خروجاً على الطائفة. الخروج مرتبط بالعصيان والتمرد والثورة وشق الجماعة، وهي دلالات تحف بهذا الفعل، وتحضر في استخدامه حضوراً يكاد يكون ملازماً. لكن هناك استخدامين في لغتنا للفعل خرج، يفيدان في تنويع معنى الخروج، الأول هو (خرج على) والثاني هو (خرج من).
الاستخدام الأول يحيل على العصيان والثورة والحرب والعداوة. أما الاستخدام الثاني فهو لا يحمل هذه الدلالة المقترنة بالعداء والبراءة دوماً، بل هو أقرب إلى الحياد، أن تخرج يعني أن تغادر منطقتك ودائرتك التي كنت فيها، من دون أن تأخذ موقفاً معادياً. و”أنا خارج طائفتي” تحيل إلى المعنى الثاني، لا الأول، لكن ظلال الأول تحضر في التلقي، بسبب ارتباط الخروج في ثقافتنا بالتبرّؤ لا البراءة (الحياد).
لذلك لا يمكن أن نفهم صيغة (أنا خارج طائفتي) من خلال ما فعلته إحدى الرائدات البحرينيات حينما حرقت عباءتها وسط الشارع العام. وهي الحادثة التي استحضرتها إحدى الناشطات النسويات في سياق محاولة فهمها لمعنى (أنا خارج طائفتي) فهي ترى أن الخروج الحقيقي ليس مقولة نبتكرها لتغيير ذواتنا، بل فعل خارجي لا يدع مجالا للشك والتأويل، كما هو فعل إحراق العباءة في الشارع العام، فهو فعل يثبت أنها خارج العباءة، فالخروج في مفهومها يتحقق بقدر ما يكون (خروج على) لا (خروج من).
وصيغة (أنا خارج طائفتي) ليست عقدة ولا استنكافاً، لأن العقدة تتطلب نقصاً نفسياً، لا نقصاً معرفياً. في النقص المعرفي أنت تستكمل ذاتك بفتح مغلقاتها وأطرها على مصادر معرفة جديدة، وفي النقص النفسي، أنت تهرب مما يعيبك، وتتبرأ منه، وتستعيض عنه بتقليد الغالب، كما هي عبارة ابن خلدون ”إن المغلوب يميل إلى تقليد الغالب دائماً”.
وصيغة ”أنا خارج طائفتي”، تأتي في سياق إشكالية نقص الذات، حين تنغلق على إطار طائفتها، وليس في سياق ضعف الذات واستكانتها في بقائها داخل طائفتها، بل إنه بالنظر إلى سياقنا، فالذات خارج طائفتها لا قوة لها. كما هو الأمر بالنسبة لذاتي الخارجة، فأنا لا إطار اجتماعي ديني يسند ضعفي، ولا موقع لي في الدولة التي لا تعرف الفرد إلا بصفته الطائفية.
لكل ذلك، يمكنني أن أعتبر (أنا خارج طائفتي) كوجيتو الذات الخارجة، كما هي صيغة ديكارت (أنا أفكر إذن أنا موجود) كوجيتو الذات الموجودة والمفكرة والحرة والفردية والحديثة.
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=8861
أمـــوات بغــــداد
فهد عبد الله الدبوس
«أموات بغداد» قدمت رؤية ملحمية لواقع ما بعد الاحتلال عبر مشرحة الطب العدلي في العاصمة استثمر فيها الروائي كل معطيات العلوم الحديثة كالطب والتشريح ليحيط بفاجعة الاحتلال عبر حبكة روائية مزجت بين الواقع والخيال والمعرفة العلمية والأدبية في أجرأ نص روائي عراقي عن الاحتلال الأميركي كُتب حتى الآن.. ولا شك إن جمال حسين علي استثمر وجوده في بغداد كمراسل صحافي قادم من موسكو واقترب من الفجيعة العراقية بعد غربة دامت عشرين عاماً وهي الغربة التي أدت إلى انقطاعه عن النشر طيلة تلك الأعوام، لكنه يعود الآن بجدارة روائي محترف في (أموات بغداد) برمزية عالية يوحيها العنوان بوصفه عتبة النص ومدخله.
ولنا أن نلاحظ أن أموات بغداد هي مشرحة بغداد في الطب العدلي وهنا تدور رحى الرواية وتكشف هول الفاجعة العراقية التي سببها الاحتلال والميليشيات الطائفية والعصابات الإجرامية التي وجدت طريقها إلى الانفلات بغياب السلطة وتفكك الدولة.وهذه الرواية الجريئة بتفصيلاتها الواقعية والفنية إضافة نوعية إلى الرواية العراقية، وهي إحدى العلامات البارزة في ثقافة ما بعد التاسع من نيسان؛ كونها تمكنت من أن تقف على النتائج في أبشع صورها الدراماتيكية وهي المشرحة التي كانت تستقبل يوميا مئات الجثث للمدنيين.
وتكشف هول الفاجعة العراقية التي سببها الاحتلال والميليشيات الطائفية والعصابات الإجرامية التي وجدت طريقها إلى الانفلات بغياب السلطة وتفكك الدولة.هذه الرواية الجريئة بتفصيلاتها الواقعية والفنية إضافة نوعية إلى الرواية العراقية ، وهي إحدى العلامات البارزة في ثقافة ما بعد التاسع من نيسان ؛ رواية يحق لنا أن نفخر بها ونطالعها ونرى ما لم نره في يوميات الاحتلال السوداء.
الشقيق علي الديري،
لطالما وددت أن اقرأ كتابا يصور ملحمة بغداد و لكن في إطار روائي متجرد من القراءات السياسية المملة و العلمية جدا..
شوقتنا لقرائته
كن بخير
ملاذ