كل مقالات علي الديري

كاتب وناقد من البحرين

السعيدي والمزعل.. وصفر سقراط

في تصريح للنائب السعيدي بشأن تصاعد وتيرة أحداث لجنة التحقيق البرلمانية ووزارة الصحة وتصريحات الوزيرة الأخيرة، قال ”الاتهامات الموجهة من قبل الوزيرة إلى رئيس اللجنة تحديداً النائب محمد المزعل اتهامات صحيحة، على رغم أن المزعل جاء بانتخاب وبإدارة أعضاء اللجنة. إلا 79693articlesأننا لا نلومه كثيراً لحداثة سنه في الحياة السياسية التي تريد الكثير من الخبرات في طريقة التعامل والإدارة، وهذا الأمر كذلك لا يمكن أن يعد إنقاصاً من مكانة الرجل، بل جميعنا كنا هكذا، وتعلمنا من خلال احتكاكنا في العمل السياسي” [1].
لا تهمني الشحنة السياسية في تصريح السعيدي، ولا ظلال معناها، ولا عما تعبر عنه من موقف سياسي مراوغ لصالح أي طرف من الأطراف، سواء أكان المزعل بحياته السياسية المحدثة حسب توصيف السعيدي، أو كانت الوزيرة بأناقتها المفرطة ووزارتها المفرطة. ما يهمني في تصريح السعيدي، هو إشارته إلى موضوعة نقص الخبرات وطريقة التعامل والإدارة وحداثة سن الحياة السياسية، وإذا ما كانت تعد نقصاً في مكانة رجل السياسية.
لا أتوقع أن السعيدي، كان يريد من تصريحه هذا أن يقدم درساً بريئاً أو مجانياً بأهمية الالتفات إلى حاجة حياة النائب السياسية إلى خبرات وإدارة وسنوات، فالسياسي ليس معنياً بتدريس خصومه، ولا بالاعتذار عنهم، ولا بتنبيههم إلى الطريقة الصحيحة في فعل الأشياء. بل هو معني باستثمار أخطائهم والتشنيع بها والانتقاص من كفاءة أدائهم. ويمكننا أن نقرأ تصريح السعيدي في هذا السياق، لكني لست أيضاً معنياً بهذه القراءة، فأنا معني باستثمار (موعظة) السعيدي غير البريئة، لإعادة طرح سؤال سقراط الأثير: هل يمكن تعلم الفضيلة؟
الفضيلة هنا، ليست هي الورع والتقوى ومكارم الأخلاق التي لا شك يتمتع بها أعضاء الكتلة الإيمانية بكفاءة عالية، تُمكِّنهم من أن يَذَكِّروا السعيدي بها ويعلموه إياه. إنما الفضيلة التي شغلت سقراط في محاوراته، هي ما أشار إليه السعيدي في تصريحه، أي الخبرات وطريقة إدارة الحياة السياسية بكفاءة. لو طرحنا سؤال الفضيلة بهذا المعنى ليس على أعضاء الكتلة الإيمانية فقط، وليس على أعضاء كتلة الأصالة فقط، وليس على أعضاء كتلة المستقلين فقط، وليس على أعضاء كتلة المنبر الإسلامي فقط، وليس على أعضاء البرلمان فقط، بل على أعضاء المجتمع السياسي البحريني، ماذا ستكون الإجابة؟
لن أجد أفضل من الاستعانة بسقراط في محاورته لمينون، كان يقول ”فرجال الحكم إنّما يبرعون في تدبير مدنهم باتّكالهم على الظنّ الصّادق. أمّا حالهم في العلم فكحال الأنبياء والكهنة؛ إذ هؤلاء كثيرا ما يقولون الحقّ ولكن بغير علم بحقيقة الأشياء الّتي يتكلّمون فيها”[2]
يشمل مصطلح رجال الحكم في محاورات سقراط، رجالات الدولة والسياسيين، وهو يسميهم تسمية أقرب إلى السخرية والانتقاص بالإلاهيّين، فهو يقول: ”وأنت قد لا تنازع بأنّ هؤلاء الرّجال الّذين يوفّقون أيّما توفيق في أفعالهم وأقوالهم بغير علم، إنّما أليق الأسماء بهم أن نسمّيهم ”الإلاهيّون”[3].
وباعتقاد أقرب إلى اليقين يؤكد سقراط صحة تسميته بقوله: “فلسنا نجانب الصّواب إذن، إن وسمنا هؤلاء النّاس الّذين وصفناهم آنفا… والكهنة وكلّ من كان ذا باع في تدبير السّياسة بالإلاهيين. بل لا سيّما رجال السّياسة من هم أحقّ بأن يوصفوا بالإلهيّين والملهمين، وذلك لأنّه لولا اللّطف الّذي ينزل إليهم من عند الله، لما فعلوا ما فعلوا من أشياء عظيمة وهم صفر من كلّ علم بالأشياء الّتي يتكلّمون فيها”[4]
نحن بين جواب السعيدي الذي يُعوّل على عمر الحياة السياسية للسياسي، وبين سقراط الذي يُعول على لطف الله الذي لولاه لا يمكن أن يكون السياسي أكثر من صفر. يبدو جواب السعيدي أكثر إقناعاً من جواب سقراط، وتلك مفارقة تجعل من السعيدي متقدماً على سقراط، ليس في الزمن بل في الكفاءة، وربما السبب يرجع إلى أن لطف الله بالسعيدي كان أكثر من لطفه بسقراط والمزعل.
وربما تكون مقترحات السعيدي النيابية، تعبر أصدق تعبير عن لطف الله الذي أنزله في قلب السعيدي، فصار نصيراً للمرأة كما يصف نفسه، وصار كفاءة سياسية بحجم بيت خبرة، وهذه عينة من مقترحاته التي تلطف الله بها عليه ” حصر ممارسة الشعائر الدينية في دور العبادة، اعتماد تدريس المذهب المالكي كمذهب رسمي في المدارس الحكومية، إطلاق اللحى ولبس النقاب، باصات مكيفة لطلاب الثانوية، إمداد المؤسسات والبيوت بشبكات الغاز الطبيعي، رفع العيدية إلى ألف دينار، حارسات أمن للطالبات”
مرة أخرى أكرر أني مقتنع بجواب السعيدي، لكني أجد نفسي أكثر ميلاً إلى سقراط حين يتعلق الأمر بالسعيدي نفسه، واقتناعي بقدرة (صفر) سقراط التفسيرية أشد حين يتعلق الأمر بمقترحات السعيدي، رحم الله سقراط إذ يقول ”وهم صفر من كلّ علم بالأشياء الّتي يتكلّمون فيها”
الهوامش:
[1] صحيفة الوسط. العدد .1834 الجمعة 14 سبتمبر
[2]، [3]، [4] محاورة مينون، تعريب لطفي خيرالله

جغرافيا شريعتي

لماذا العودة إلى شريعتي؟
الجغرافيا هي السبب، أعود لشريعتي لأسباب جغرافية، والجغرافيا أرض وجسد وواقع، إنها أرض الأفكار وجسدها وواقعها. شريعتي في سياقه، كان فاتح جغرافيا الفكر الديني، فاتح أرضه التي نبت فيها، وجسده الذي تكون فيه، وواقعه الذي نما فيه وكوّنه.   img038
لقد فهم شريعتي علم الاجتماع الذي درسه في فرنسا، على أنه جغرافيا الأفكار الاجتماعية وسياقاتها في المجتمعات المتعددة. وفي كتابه العودة إلى الذات يتحدث شريعتي عن جغرافيا الكلمة. الكلمة بما هي فكرة أو رأي أو نظر أو أطروحة أو كلام أو حديث. والجغرافيا بما هي زمان ومكان مجسدان في مجتمع حي في لحظة تاريخية.
المجتمع في تجربة شريعتي ليس العامة ولا السواد الأعظم ولا المقلدين ولا جماعة المؤمنين ولا الأتباع ولا الطائفة ولا الناس ولا الأفراد. المجتمع في نظر شريعتي شخصية إنسانية له جسد مادي متشكل من أعضاء، وله روح حية وشاعرة وذات إرادة وضمير، وهو ما يسميه دوركايم الضمير الجماعي، ويسميه لويس برول الضمير الجماعي. المجتمع هو الشخصية الحقيقية والواقعية وليس الفرد.
كل ما يتعلق بالممارسات والظواهر الدينية والاجتماعية والسياسية، لا يمكن انتزاعه من جسد المجتمع، إنه الجغرافيا التي تقع فيها الأفكار، وفي خارطة هذه الجغرافيا، يبحث عن حقيقة هذه الظواهر، لا توجد حقيقة مطلقة من هذه الجغرافيا، فكل ممارسة أو ظاهرة لها جسدها الحي أي بيئتها الاجتماعية وجوها الزماني وضمير المرحلة التي ظهرت فيها وروحها، لذلك لا يمكن أن ننظر إليها في صورة موضوع مستقل ومجرد وعلمي.ولا يمكن أن نحكم عليها بمعايير الصح والخطأ، كما نفعل في النظريات العلمية والرياضية، أو بمعيار الحق والباطل أو بمعيار الهداية والضلال.
لذلك حين سئل شريعتي عن رأيه في أحمد كسروي الباحث الإيراني الذي كان ينادي بالعودة إلى إيران القديمة، قال ”الناس في الغالب يفتحون كتبه كما يفتحون كتباً علمية ثم يفكرون في صحتها أو سقمها”[1]. حين نضع الرأي أو القول أو الفرضية في الجغرافيا لا يعود الغرض الدحض أو الإثبات، بل البحث عن سياق الجغرافيا الاجتماعية التي كوّنت هذا الرأي أو القول.
ولذلك حين نعود اليوم إلى شريعتي، فإننا لا نعود إليه لنبحث عن صحة أفكاره أو خطئها، كي ندافع عنها أو نتبناها أو نبين تهافتها، بل كي نقرأه في سياق جغرافيته، وكي نقرأ جغرافيتنا الدينية في سياقه، أي كي نقرأ ظاهرتنا الدينية في سياقها الاجتماعي في ضوء جغرافيا كلمته.
كان شريعتي يردد دوماً كلمة أستاذه البروفسير جوروفيتش ”لا يوجد مجتمع بل توجد مجتمعات”[2] وكذلك يمكن أن نقول لا توجد جغرافيا بل توجد جغرافيات، وكل ما تغيرت الجغرافيا تغير المجتمع، ومجتمعنا الديني لا يمكن أن يكون هو نفسه مجتمع شريعتي في الستينيات والسبعينيات، هناك مجتمعات دينية، وليس مجتمعا دينيا واحدا.
ما يحسب لشريعتي أنه جعل للمجتمع الديني جسد، بعد أن ظل يتوهم أنه دوماً روح معلقة في السماء لا جسد لها يربطها بالأرض وظلماتها. ومادام للمجتمع الديني أهواؤه الجسدية من غصبية وشهوية ومصلحة وقوة وتنافس واحتكار، فإنه ”لا ينبغي في المجتمع أن ننخدع بحقانية فكرة ما”[3].
هناك أفكار حقانية في ذاتها، لكن حين تضعها في جغرافيا جسد المجتمع، يتكشف وجهها غير الحقاني، سواء جاءت هذه الأفكار من مصادر دينية تتحدث عن (الحفاظ على عزة الإسلام) و(مظلومية الطائفة) أو من مصادر غير دينية تتحدث عن (الحفاظ على عزة الدولة) و(حقوق المواطن). جغرافيا شريعتي تعلمك ألا تنخدع، فليس هناك حقانية معلقة في السماء، والقضايا لا تمشي على الماء، حتى ماء البحر حين يتحول إلى قضية فإنه لا يعود ماء، بل جغرافيا خارطتها مُغيبة.
والأولويات تختلف باختلاف جغرافيا القول، فـ ”في العلم ينبغي النظر إلى القول لا إلى القائل في حين أنه في السياسة ينبغي النظر أولاً إلى القائل ثمّ إلى القول”[4].
تنظر أولاً إلى السعيدي ثم إلى بياناته عن الوطنية، وتنظر إلى الكتلة الإيمانية ثم إلى بياناتها عن الحريات، وتنظر إلى كتلة المنبر الإسلامي ئثم إلى بياناتها عن الطائفية والفساد وتنظر إلى كتلة الأصالة ثم إلى بياناتها عن المواطنة وإلى الحكومة ثم إلى بياناتها وقوانينها عن المحميات الطبيعية والأملاك العامة.
أنت لا تنظر إلى أشخاصهم بل تنظر هنا إلى الجغرافيا التي كونتهم وصاغت أقوالهم وبياناتهم. ستجد الجغرافيا تفضح، وما يفضحنا نخفيه، كما فعلت الجغرافيا الدينية مع شريعتي، ويبقى جواب الجغرافيا، هو الأكثر إقناعاً أمام سؤال لماذا لم تحتفل التيارات الدينية بشريعتي؟
إنهم ينزعجون من الجغرافيا حيث الفضح، ويفضلون السماء حيث الستر.
الهوامش
[1]، [2]، [3]، [4] العودة إلى الذات، علي شريعتي، ص,343ص,253 ص,349 ص.350

جغرافيا شريعتي والنجدي

النجدي
النجدي

في مزحة تحمل في باطنها جداً جاداً، غمز لي الصديقان الصادقان عضوا مجلس المنامة البلدي، صادق رحمة وصادق البصري، وهما لتوهما عائدان بانتشاء من دعوة غداء جمعية التوعية الإسلامية على شرف استضافة الدكتور( أبو الزهراء ) عبد الحميد النجدي، المعروف بمناظراته العقائدية بقناة المستقلة. كان ظاهر المزحة يقول إننا صرنا من كبار القوم الذين يقدمون في الاحتفالات ومراسيم الاستقبال، وإنك صرت من حثالة القوم في التيار الديني الشيعي، وباطنها يقول الخروج على جغرافيا الجماعة وأرضها الآمنة، يوقعك في الهاوية، فلا تعود تُرى.

قلت للصادقين: لماذا لا تحتفي جمعية التوعية الإسلامية بذكرى مرور ثلاثين عاماً على اغتيال علي شريعتي؟

الجواب الذي لم يقولاه ولا يستطيعان أن يقولاه، هو أن خطاب شريعتي لا يناسب مقاس التوعية، إنه يفيض على مقاس كأس مفهومها للتوعية، وبالمناسبة التوعية في أصلها من الوعاء وما ينضح فيه.

هو لا يناسب مقاسها ليس لأن شريعتي أكاديمي ودارس في الغرب، فالنجدي مثلا أكاديمي ويدرس في الجامعة الإسلامية بلندن، وقد كانت يوما ما جهة من جهات مقاصدي، إنما المناسبة تتحدد بمقاس اللسان، فالنجدي هو لسان عقائد الجماعة، ويقدم نفسه بوصفه المدافع عن عقائد الطائفة، وهذا ما يمكن التعرف عليه بسهولة من خلال خطابه في قناة المستقلة، وخطابه في جامع الصادق بالدراز مثلا، فقد أتحف الحضور –كما ورد في موقع منتديات البحرين الإلكترونية- ببحث شيّق حول النظرية الصحيحة في الخلافة، هل الإمامة أم الشورى، وأوضح فيه بطلان نظرية الشورى فيما ينزله الله وأنها تقتصر على (بينهم) أي بين الناس، كما أوضح أن الإمامة هي أمر إلهي والدليل في ذلك عدد كبير من الآيات القرآنية.

إنه يقع مناوئاً على جغرافيا الخطاب العقائدي الذي يمثله أبومنتصر البلوشي مثلا والشيخ عثمان الخميس، من هذا الموقع الجغرافي الذي يتخندق فيه المحتربون العقائديون، تبرز نجومية الدكتور النجدي، ويحتل موقعه في الصفوف الأمامية، ويقدم توعية بمقاس ما إناء جمعية التوعية.

على خلاف ذلك، يبدو شريعتي، فهو باحث ومنقب في جغرافيا العقائد وتشكيلاتها الاجتماعية والسياسية، فـخطاب (بحار الأنوار) مثلا في خطاب شريعتي، أرض للحفر عن صياغة السياسية لجغرافيا العقائد، في حين (بحار الأنوار) في خطاب النجدي، أرض عقائدية يجب الدفاع عن بيضتها.

مهمة النجدي تكمن في الدفاع عن النصوص وصحتها عبر تشغيل آليات الحجاج الكلامي القديم وآليات الجرح والتعديل والأساليب المعتمدة في الروايات. إنه الذائد عن حرمة المقدس الجماعي.

أما مهمة شريعتي، فتكمن في تفكيك جغرافية النصوص وسياقاتها التاريخية وصراعاتها الاجتماعية والسياسية، وإعادة تأويلها تأويلا يخرجها من سياق الاحتراب الديني والطائفي. شريعتي بما توفر عليه من عدة منهجية في مجال السوسولوجيا وعلم الأديان المقارن، استطاع أن يكون فاتح جغرافيا العقائد الدينية ونصوصها، وإن كان سياق عصره الأيديولوجي، قد حال بينه وبين أن تبلغ فتوحاته الجغرافية حدها المعرفي، فمهمة العودة إليه اليوم تجد تبريرها في استكمال مهمة إنجاز هذه الفتوحات وشق طرق جديدة لها.

الأخوة في جمعية التوعية على الرغم من نشاطهم الذي لا يهدأ، مدعوون لإعادة النظر في رسالة (التوعية) وإنائها الذي تحمله جمعيتهم منذ السبعينيات، هي بحاجة إلى جغرافيا جديدة، تخفف من حدة الاحتقانات العقائدية.

ولنا عودة إلى جغرافيا شريعتي.

رابط التنسيق

في جلسة دردشة حول بروفايل العلمانية، كنت فيها مدعواً مع الصديق حسين مرهون، للحديث عن تجربتنا مع نخبة من مثقفي وتكنوقراط اليسار البحريني، أبدى الدكتور عادل العريفي، استشاري الطب النفسي، اعتراضه على دعوتنا لتفهم التيار الديني وقراءة مواقفه السياسية خارج إطار اللعبة السياسية، وقد صاغ اعتراضه في شكل سؤال استنكاري، يقول فيه:كيف ننسق مع الجمعيات الدينية، وهي لا تخرج عن اثنين، إما أن تكون جمعيات مولاة تبرر باسم الدين تطابقها مع السلطة السياسية بما هي شخص أو ولي أمر مفترض الطاعة، ولا يجوز الخروج على سلطته، وهي تُسوّغ XY5G9962بهذه الحجة مواقفها السياسية الممالئة، وإما أن تكون جمعيات معارضة تبرر باسم الدين معارضتها السياسية ومطالبها الحقوقية، وباسم الدين ترفض مقتضيات مطالبها التي تفترض تقبل ثقافة الديمقراطية.كيف يمكن التنسيق مع هذه الجمعيات التي رابطها الديني وأقنعته يتقدم على رابطها المدني ومقتضياته؟

قلت له، أنا مثقف، ووظيفتي لا تنطلق من إمكان التنسيق، فذلك إمكان يشغل المشتغلين أو المنشغلين بالسياسة، والعلاقات في المجتمع في مفهومي لا تنحصر في إمكان التنسيق. والمجتمع أكبر من الجمعيات السياسية مهما كانت درجة تمثيلها للمجتمع، وهي إن مثلت جانباً من المجتمع أو وجها من وجوهه أو رابطاً من روابطه أو فئة من فئاته، فإنها لا تمثل كل إمكانات اجتماعه، أي العلاقات التي تربطه وتشده وتشكل صفته الاجتماعية.

المجتمع ليس مجموعة أفراد، بل منظومة علاقات متعددة، ومهمة المثقف العمل على هذه العلاقات تفكيكاً ونقداً وبيان ما تنجزه في المجتمع من أحداث ووقائع ومآزق وأزمات.البعد السياسي هو بعد من أبعاد المجتمع، ولا يمكنه أن يكون الممثل الوحيد لما هو معقود في المجتمع من علاقات، أي أن التمثيل السياسي لا يعكس حقيقة العلاقات الاجتماعية لذلك “يدين بورديو الفهم الذي يعتبر السياسي كانعكاس للاجتماعي أو السياسي كصورة حقيقية للعلاقات الاجتماعية”([1])

حتى الصراعات السياسية التي نشهد وقائعها بشكل منتظم لا تمثل حقيقة الصراعات الاجتماعية، كما يفيدنا بورديو فـ”الصراعات السياسية لا تعكس حقيقة الصراعات الاجتماعية، لأنها تدور بين تنظيمات أكثر مما تدور بين طبقات وفئات”([2]) لو كانت الصراعات السياسية في البحرين تعكس حقيقة الصراعات الاجتماعية، لانتعشت سوق الحراسات الشخصية وسوق شركات الأمن الخاصة، ولطالب السعيدي الحكومة بضرورة رفع علاوة الأمن الشخصي.

الجمعيات السياسية صارت شاغلة الناس، حتى صارت كأنها هي المجتمع، لقد التهمت المجتمع وسيّسته (بالمعنى المباشر والسطحي) والسلطة عندنا فيما يبدو تتنافس، (وهي دائما تتنافس ولا تعرف الحياد، لأنها دائما شخص له مصالحه الخاصة جدا) مع الجمعيات السياسية في هذا الالتهام، حتى صارت المآتم مطالبة بإظهار ولائها السياسي، لا أحد خارج اللعبة السياسية، أو لنقل بصورة أكثر دقة لا أحد خارج استغلال أطراف اللعبة السياسية.

رابطة الجلسة كانت تجربتنا الدينية وتحولاتها العلمانية، لكنها انفلت إلى منطقة نقد لتجربة اليسار وموقفه المتعالي من التجربة الدينية، وما أنتجه هذا الموقف من قصور معرفي في فهم الظاهرة الدينية وتجسداتها الاجتماعية.

إن مقولة التنسيق تعبر عن علاقة سياسية، ولا تحمل في داخلها مفهوماً تفسيرياً، يمكننا من فهم الظاهرة الدينية وطريقة اشتغالها،من هنا فحين أقدم تجربتي الدينية في شكل سيرة، لا أقدمها كي توظف من قبل أي طرف للاحتجاج بها على جدوى التنسيق أو عدم جدواه، بل أقدمها من أجل فهم العلاقات الأكثر تعقيداً في مجتمعي، وإذا كان السياسي ليس معنياً بالفهم، بل معني بالاستغلال، فعليه أن يستغل هذا الفهم ليتصرف ببصيرة أكثر.


[1]البناء على بيار بورديو:سوسيولوجيا الحقل السياسي، علي سالم،ص 90.

[2] المرجع نفسه، ص89.

من هو علي شريعتي ؟

565064179_08f91242c9

*مفكر إيراني ولد 1933

*أرسل في بعثة إلى فرنسا عام 1959م ودرس الأديان وعلم اجتماع الأدب .

*حصل على شهادتين للدكتوراه في تاريخ الإسلام و علم الاجتماع .

· كان نشطا سياسيا ضد نظام الشاه .

· قتل في لندن عام 1977م .

· من مؤلفاته المنقولة إلى العربية :

– العودة إلى الذات .

– الإنسان والإسلام .

– النباهة و الاستحمار.