ما الذي لا نحترمه في السلطة القضائية؟

هذا السؤال، استوحيته من ظلال متابعتي لقضية الزميلة لميس ضيف، فالقضايا متى ارتبطت بأحداث تجري في الميدان العام المشترك، تطرح معها أسئلة هي أبعد من الأطراف المشاركة في صنع الحدث. والأبعد في سؤالي يحاول أن يفهم العبارة الشديدة التداول وهي عبارة ‘’نحن نحترم القضاء، ونثق فيه’’.
ما الذي نحترمه في القضاء وفي السلطة القضائية؟ هل هذه العبارة تعني فعلاً ما تقوله؟ أي هل هناك احترام يحمل درجة من القناعة الداخلية بالسلطة القضائية؟ أم هناك مراوغات خطابية؟ بمعنى هل نحن نقول هذه العبارة، لأننا نخشى من سلطة القضاء والقضاة، ونخاف أن نتورط في التفوه بجمل قد تعتبرها هذه السلطة مساساَ بها؟ أم نحن نقول هذه العبارة لأننا نثق بقضائنا وبنزاهته؟
يبدو في سياقنا، أن الأمر لا يمليه الاحترام، بقدر ما تمليه لا سلطة القضاء وهيبته بل تسلطه ونفوذه. هل علينا مثلاً أن نحترم سلطة القضاء الذي أصبح طرفاً وخصماً في قضية الزميلة لميس ضيف؟ وننتظر بفعل هذا الاحترام وما يستلزمه، رأي القضاء في قضية هو طرف فيها. لا أملك جواباً على ذلك أكثر من أسئلة أحركها من أجل فهم ما نحترمه في السلطة القضائية.
ولكي أفهم ما الذي أحترمه في السلطة القضائية، ربما من المفيد أن أفهم ما الذي لا أحترمه في السلطة القضائية.
لقد فصّل منتسكيو السلطة الكلية في الدولة إلى ثلاث سلطات. السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وهو بهذا الفصل قسّم الاحترام من أن يكون في رجل واحد يملك كل السلطات، صار الاحترام موزعاً على ثلاث جهات لها شخصياتها الاعتبارية. وقد خص منتسكيو شخصية القضاء باحترامها الخاص. والذي يهدد هذا الاحترام ليس الصحافة، بل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، متى أخلتا بشيء من استقلال السلطة القضائية تحت أي ذريعة من الذرائع. خصوصا ذريعة التعاون.
يقول منتسكيو مؤلف كتاب روح الشرائع ‘’إن الحرية تنعدم ان لم تكن سلطة القضاء منفصلة عن سلطة التشريع، لأن حرية أبناء الوطن وحياتهم تصبحان تحت رحمتها ما دام القاضي هو المشرع، أما إذا كانت السلطة القضائية متحدة مع السلطة التنفيذية فإن القاضي يكون طاغياً’’
أعود إلى سؤالي المقلق، ما الذي لا نحترمه في السلطة القضائية؟
لا نحترم فيها أن تكون أداة من أدوات إعدام الحرية أو المسّ بها. لا نحترم فيها الفساد الذي يخطف منها شخصيتها الاعتبارية المستقلة. لا نحترم فيها أن تكون طرفاً يُحرِّك مؤسسات المجتمع المدني لإصدار بيانات تنتصر لها. لا نحترم فيها أن ترهن شخصيتها الاعتبارية بشخصيات غير اعتبارية تسيء إلى نزاهتها. لا نحترم فيها أن يتخطفها الخوف من صحافة تنبهها إلى ما يعتور في أطرافها من فساد ينبغي لها التخلص منه. لا نحترم فيها أن تكون نافذة فيما هو أقل منها، من أجل أن تستر عورات فتقرن وجودها الاعتباري المجرد بوجود هذه العورات المصلحي. لا نحترم فيها كل ما لا يجعلها منفصلة ومتمايزة عن أطراف التنفيذ والتشريع والنزاع. لا نحترم فيها أن تكون أداة تسلط.
متى صار ما لا نحترمه أكثر مما نحترمه، فإن الأمر يصبح بحاجة إلى مراجعة ومساءلة وإصلاح، وإصلاح القضاء مطلب تفرضه الشخصية الاعتبارية للقضاء، فالحفاظ على هذه الشخصية يحفظ للقضاء هيبته واحترامه، ويحقق للدولة استقرارها، وللدستور معناه الفعلي في حياة الناس.
أما بعد، فسنترك للقضاء أن يقول كلمته الأخيرة، ونحن نثق في القضاء وفي نزاهته وعدالته ورجاله، ونحترمه، ولا نشك في استقلال السلطة القضائية، وفي تمكنها من إقرار العدالة وتخليصنا من عار الظلم الكبير.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9954

الوطن مادة لاصقة

‘’الإنسان الذي يحترم نفسه ليس له وطن، الوطن مادة لاصقة’’ [1] تبدو مقولة فوضوية، وصادمة. فوضوية لأنها تبدو غير عابئة بفكرة الوطن كشكل تنظيمي يحقق استقرار الإنسان والدول في علاقتها ببعضها، وكأنها تدمر المؤسسات التي يدير من خلالها الإنسان وجوده. 
وصادمة لأنها تصدر عن نفس يخالف الأنفاس المجمعة على أن الوطن مفهوم مقدس، لا يليق أن يذكر إلا بعبارات التبجيل والتعظيم والفداء، فكيف يوصف بأنه مادة لاصقة، فالمادة تحيّز وتحدد وتجعل المفهوم قريبا من الحواس، والحواس ضد التقديس، 414806681_16eec691b7فالأشياء التي نقدسها لا نتحسسها بل ولا نقبل أن نجعلها في صيغة تتعرف عليها حواسنا. وصفة اللصق تمعن في تبخيس المادة، فاللاصق شيء ملحق ودخيل وليس جزءا أصيلاً من المادة ولا من نسيجها، ويمكن استعماله في مواضع متفاوتة القيمة، حتى لو أدى ذلك إلى إحداث إخلال في نسيج المادة الملصق بها.
المادة اللاصقة مادة استخدامية محايدة لا تعرف المشاعر ولا الأحاسيس ولا الانحياز، ولا تملك قيمة أخلاقية، فهي برسم أخلاق من يستخدمها. كم هو صادم أن نتصور الوطن على هذه الصورة المجازية. مادة يلصقها من يشاء في أي موضع كي ينتفع بها أو لنقل كي يتمصلح بها. يبدو هذا الوطن اللاصق، مركب وعرضة للبيع والشراء وسوء الاستخدام. ولا ينتج عن لصقه غير وطنية سهلة القلع وسهلة التغيير. وهي غير جديرة بالاحترام، الإنسان الذي يحترم نفسه ليس له وطن لاصق ولا وطنية لاصقة.
يبدو أن لهذه المقولة قدرة على أن ترينا جوهر عملية التجنيس في صورتها غير الأخلاقية أي غير المحترمة. وكأن التجنيس عملية لصق وطن، ليس منك. تستخدم شيئا لا ينتمي إليك استخداما لا يجعلك جديرا بالاحترام. كأنك تنتقي بشكل غير أخلاقي مجموعة عناصر يطلق عليها انتماءات وحقوق وواجبات وهوية ونسيج، وتلصق بطريقة لا أخلاقية أي شيء من هذه المجموعة بك لصقا غير محترم. الإنسان الذي يحترم نفسه لا يلصق وطنا على هويته، فالهوية ما تهواه لا ما تلصقه.
لست أدري لماذا هذه المقولة الصادمة استدعت في ذاكرتي صورة لاصقة لم تفارقني للصديق حافظ الشيخ، حين دخل أحد مراكز الاقتراع على الميثاق في 2001م وهو يحمل على جسده ملصقات لا للتجنيس، في سياق مناهضته للتجنيس الذي دفع وزارة الإعلام حينها إلى مقاضاته برفع دعوى ضده بتهمة المساس بالوحدة الوطنية، وقد أوردت الوزارة حينها بيانا قالت فيه:’’ دأب الكاتب على كتابة مقالات داخل البحرين وخارجها لا تتماشى وروح ميثاق العمل الوطني والدستور.حيث إن هذه المقالات قد تسيء إلى الوحدة الوطنية، فقد باشرت الإدارة آسفة باتخاذ الإجراءات لرفع دعوى قضائية ضد الكاتب المذكور وذلك وفقا للقوانين المرعية في البحرين وبناء على ما تقتضيه مصلحة الوطن وترسيخ دولة النظام والقانون’’[2].
إن ملصقات حافظ كانت ضد تحويل الوطن مادة استعمالية لاصقة، كان حافظ يرى أن الوحدة الوطنية لا تتحقق بالمواد اللاصقة، وكانت الدعوى القضائية ترى في ملصقات حافظ ما يهدد نسيج ملصقات الوحدة الوطنية.حينها لم يكن أحد يتوقع أن يكون لدينا، نصف مليون وطنهم مادة لاصقة.
حين يكف الوطن عن أن يكون جوهرا مكونا لإنسانه، ويتحول إلى مادة لاصقة تخدم أسبابا سياسية لا إنسانية، يكف الإنسان الذي يحترم نفسه وعقله ووجوده ووطنيته، عن أن يكون ابنا لوطن لاصق.
المادة اللاصقة لا يعول عليها، في صناعة نسيج وطني، ولا في صناعة إنسان يحترم نفسه، فضلا عن أن يحترم وطنه. المادة اللاصقة تخشى أن تفتضح فضلتها وإضافاتها الغريبة، فتتصنع ولاءات كاذبة ومزيفة، تمدها بحبل من المصالح والمنافع لكن لا تمد نسيج المجتمع بحبل متين، وهي بهذا التصنع تخفي حقيقة جوهر مادتها اللاصقة بالمصلحة.لذلك فالمادة اللاصقة تنفصل أمام أي هزة امتحان، وتكشف عن تكوينها الغريب.
الآن، من منكم يحترم نفسه؟

هوامش
[1] لو كان آدم سعيدا، إميل سيوران، ص.48
[2] من موقع الكتروني مغلق لمخالفته الأنظمة والقوانين في مملكة البحرين، حسب وزارة الثقافة والإعلام.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9827

حوار محمد الجاسم2

محمد عبدالقادر الجاسم: «2-3»

أن تكون مستقلاً يعني أن تكون غامـضاً وصـاحب أجندة مخفية

 

يرى أن الدستور هو تقنين لواقع المجتمع، لذلك لابد أن نرجع إلى أصل الدولة وأصل العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية قبل وضع نصوصه. ويجد أن هناك صراعاً دائماً بين مشروع الدولة الديمقراطية في الكويت وبين مشروع الحكم القائم على توارث الإمارة. وأن تعاظم IMG_5661القوة الدينية في الكويت يعود إلى استقواء الحكومة بها وبالقبيلة لضرب حركات التحرر الليبرالي التي نشطت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وأن أثمان هذا الاستقواء باتت باهظة لتيار يطلب ويطلب ولا يعطي. المحامي محمد عبدالقادر الجاسم، رئيس تحرير صحيفة «الوطن» الكويتية سابقاً، ومقدم برنامج «مجلس» في قناة «الحرة» سابقاً أيضاً، ومسؤول موقع «جسر المعرفة» حالياً، وهو مشروع ثقافي متخصص في القانون، حيث يحتوي على ترجمة مجانية لمجموعة من قرارات هيئات قضائية فرنسية هي المجلس الدستوري ومجلس شورى الدولة ومحكمة النقض، إضافة إلى بعض قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

الحوار مع خلفيات الجاسم السياسية والقانونية، فتح إشكالات متعمقة بشأن ما سبق، وبشأن جوانب أخرى يبدو بعضها شديد التقارب مع الأوضاع السياسية الخليجية الأخرى، ويبدو بعضها الآخر أكثر تمايزاً..

* لماذا ارتدت الدولة على القبيلة في انتخابات مايو/ أيار 2008؟

– من الصعب تقديم سبب أكيد، لكن عن طريق التحليل يوجد احتمالان، هناك من كان يسعى إلى نقل الكويت إلى مشهد سياسي آخر، بمعنى خلق مواجهة بين الطائفة الشيعية والحكومة، فلما ظهر موضوع تأبين عماد مغنية، كان رد فعل الحكومة عنيفاً جداً، إلقاء قبض وإحالة للمحاكم. تأبين عماد مغنية يخرج عن الملاءمات السياسية في دولة مثل الكويت، لكنه لا يخالف القانون. لم يكن تأبين مغنية جريمة. هو أمر خاص بمن قاموا بعمل التأبين. من باب الملاءمة السياسية هو يلائمهم أو لا يلائمهم. قد يكون فيه جرح لشعور المجتمع، لكن هذا يرجع في تقديره لأصحاب الشأن. مع ذلك نجد أن الدولة أو الحكومة استنفرت في مواجهة تيار التأبين وافتعلت قضية نتج عنها تحفز طائفي، رغم أن الطائفية في الكويت في حالة خمول دائم. كان لهذا قدرته على عزل القبائل؛ لأنها وبحكم أسباب عدة، لن تتحرك هي والتيار السني لمناصرة الطائفة الشيعية.

بعد أن فرضت الحكومة أجندتها في مسألة التأبين، تفرغت للقبائل، فخلقت أزمة مع القبائل، فكان من الطبيعي ألا ينتصر الشيعي للقبيلة، ولا ينتصر من نسميهم «السنة الحضر» إلى القبيلة، فتم الاستفراد بالطائفة الشيعية ثم الاستفراد بالقبيلة، ثم صدر مرسوم أثناء الانتخابات، يحظر التجمعات ويتيح لرجال الشرطة الدخول إلى الديوانيات. والديوانيات في الكويت وحدة نسق سياسي. في أحد التجمعات السياسية (ندوة نسائية للانتخابات)، فوجئت بدخول رجال الأمن إلى داخل الندوة وهذا أمر خطير.

إذاً، كان هناك مخطط لخلق حالة من الفوضى في الكويت تؤدي إلى وقف الانتخابات، ثم صدور أوامر أميرية أو غيرها بتعليق الحياة في البرلمان، رد الفعل الشعبي إزاء كل هذه الحركة كانت واضحة وحاسمة، لذلك تم التراجع عن المشروع وتم الإفراج مباشرة عمن سجن في قضية التأبين، وتم وقف مداهمات القبائل ولم يوقع الأمير المرسوم المتعلق بالمداهمات. تفسيري الخاص أن ما حصل كان مخططاً للانقلاب على الدستور، وأنا غير مقتنع بأن الأمر مجرد تخبط في معالجة الأمور كما تدعي الحكومة.

* هل يرجع غياب روح الدستور التي هي روح المجتمع الكويتي القديم، إلى اختلاف العلاقة الاقتصادية وموازين قوتها بين الحكم والشعب؟

– هو استقلال الحكومة بمصادر الدخل. هذا الاستقلال حصل بعد تولي مبارك الصباح الحكم وليس بعد السالم. لما تمكنت الأسرة من الحصول على عوائد النخيل في البصرة، هذه العوائد منحتهم استقلالية عن التجار، وبالتالي تمكن مبارك الصباح من حكم الكويت بشكل مطلق. زادت الضرائب وتحدى التجار، ما أدى إلى هجرة ثلاثة من أشهر تجار اللؤلؤ من الكويت انتقلوا إلى البحرين. هو الاستقلال وليس الاقتصاد الريعي الذي يمثل أول انفصال لمشروع الدولة عن مشروع الحكم. الاقتصاد الريعي، ورعاية الدولة للمواطن من المهد للحد، تخلق اتكالية وحالة سلبية لدى المواطن، بحيث يفقد الاهتمام بمصيره ومستقبله. الشعب الكويتي كثير التذمر، ولكن غير مستعد لإحداث تغيير؛ لأن أموره المعيشية مضمونة ومصانة في نهاية المطاف، وبالتالي لا توجد مبررات لتشكيل لوبي أو للضغط السياسي أو الانضمام للجماعات السياسية للتحرر. الاقتصاد الريعي أثر على همّة المواطن أكثر ما أثر على العلاقة بمن يستخدم العوائد النفطية، هل الحكم هو الذي يستخدم العوائد النفطية، أم مجلس الأمة أم الكتل السياسية؟

الكتل السياسية هي التي تقرر منح المرأة حق التقاعد بعد مرور 15 عاماً بمنح راتب كامل، الكتل السياسية هي التي تدفع باتجاه إسقاط القروض عن المواطن، وهي التي تدفع باتجاه زيادة الرواتب، وهي التي تحاول أن تستغل الثروة في سبيل موازنة المواطنين، بينما تقف الحكومة دائماً ضد هذا النوع من استخدام هذا النوع من الجوانب المالية.

* ما علاقة الاقتصاد الريعي بالفساد؟

– الفساد أمر طبيعي بمعدلات ترتفع وتنخفض. مررنا بأوضاع استثنائية في الكويت فترة الصراع على الحكم قبل تولي الشيخ صباح مقاليد الحكم. هذا الصراع السياسي أوجد بيئة مواتية لخلق الحلفاء، ومن يتحالف مع الشيوخ لابد أن يكون له نصيب، وبالتالي تعددت وتعددت مراكز الفساد، وتم غض النظر عن أوجه كبيرة من مناطق الفساد بسبب الصراع على الحكم.

الآن على المستوى الآخر، الشخصية الممثلة في البرلمان هي نقابة انتقائية كويتية، وتفقد الصدقية، لدرجة أن السؤال الاستجوابي في مجلس الأمة له ثمن، والجواب له ثمن. هناك معلومات متداولة عن دور بعض أعضاء مجلس الأمة في موضوع السلاح والعمولات التي يتقاضونها. فالبرلمان نفسه صار أحد مستنقعات الفساد في الكويت لا الحكومة وحدها. الجنسية الكويتية كما يردد بعض أعضاء مجلس الأمة أنها تباع بـ 70 ألف دينار من خلال بعض النواب. من يراقب من؟ لا توجد رقابة على أعضاء مجلس الأمة مع الأسف. ممارستهم العمل التجاري فاقت الحدود، حتى أصبحت العضوية في مجلس الأمة وسيلة للاقتراض. لاحظنا في الانتخابات الأخيرة ارتفاعاً هائلاً لكلفة الحملة الانتخابية، وعليك أن تتخيل من يصرف مليوناً أو مليونين أو ثلاثة ملايين أو خمسة ملايين دينار من أجل الوصول إلى عضوية البرلمان. من الذي يملك 4 أو 5 أو 10 ملايين يصرفها في الانتخابات؟ ماذا يريد في المقابل؟ هل هي مجرد خدمة للوطن؟

* دعوت إلى إحياء تراث عبدالله السالم، صباح السالم، وجابر الأحمد، بوصفهم الآباء النموذجيين لتحقيق مبدأ انفصال مشروع الحكم عن مشروع الدولة. ما الذي يعوق تحقيق هذا الانفصال اليوم؟

– الحكم في عهد الثلاثة كان محايدا. اليوم أصبح الحكم طرفاً في كل الصراعات السياسية في البلد. هذه هي الإشكالية. الدور الدستوري للحاكم هو حكم الدستور نفسه، هذا ما نريد عودته. لا نريد أن نلمس الحكم في العمل اليومي. رغم إخفاقات عهد الشيخ صباح السالم رحمه الله والشيخ جابر الأحمد وحتى الشيخ سعد العبدالله، إلا أن لهؤلاء الثلاثة شعبية كبيرة. هذه الشعبية لم تتحقق إلا نتيجة لوجود علاقة اجتماعية خاصة بعيداً عن المسار السياسي. اليوم هذه الشعبية غير متوافرة بسبب أن النظام لم يعد محايدا.

* لكنك حمّلت صباح السالم وجابر الأحمد جزءا من مسؤولية عدم انفصال مشروع الحكم عن مشروع الدولة؟

– نعم في مقال لي بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد، أشرت إلى الإخفاقات في عهده. بل هناك مسؤولية أكبر إذا أردنا أن نحاكم التاريخ، فالصراع داخل الأسرة الحاكمة وترهل الدولة بدأ في عهد الشيخ جابر الأحمد. الفترة من 2003 إلى 2006 كانت الأسوأ في تاريخ الكويت. هي فترة المؤامرات والدسائس والصراع على الحكم..

* هل حدث تحول في موقف محمد الجاسم، موقف المعارض أو الموالي أو المحايد، خصوصا لو وضعنا في الاعتبار مرحلة عملك في رئاسة تحرير الوطن ومرحلة ما بعد الوطن؟

– من الخطأ توصيف الأمر في إطار المعارضة والموالاة. لنقل إن العقلية العربية بشكل عام لا تعرف الاستقلالية. لكن في الميدان السياسي دائما أنت مع أو ضد. وعندما تستقل فأنت غامض ولك أجندة مخفية. أنت تبدو مستقلاً لكنك في الحقيقة متواطئ مع أو متواطئ ضد. بالنسبة لي منذ بداية اهتمامي بالشأن السياسي أيام الجامعة، منذ كان عمري 17 سنة، رفضت الانضمام إلى أي جماعة سياسية في الجامعة. حتى أني شكلت قائمة مستقلة لخوض الانتخابات الجامعية. بطبيعتي الشخصية صعب أن أعمل تحت سيطرة جماعة. الآن استقلاليتي تعطيني المجال لانتقاد الحكم والمعارضة في الكويت والدول العربية. أن تنتقد الطرفين فأنت متقلب. لا يوجد استيعاب كونك مستقلاً وأنك تنتقد الخطأ كما تراه في صف المعارضة أو السلطة أو الحكم.

في كتابي ”المثلثة الديمقراطية”، والذي أعتقد أنه قدمني للجمهور بشكل مناسب العام .92 منحني الكتاب وصف المعارض لكني لم أسع لأكون معارضا أبداً. أنا أسعى لإبداء رأيي. لو رجعت إلى هذا الكتاب وقلبت صفحاته الأولى ستلقى أنني أتكلم عن حقي في إبداء رأيي. هذا ما أؤمن به الآن. تجبرك الظروف على ملائمات معينة. فلما عملت في جريدة الوطن لم يكن ذلك الوقت متاحا أمامي انتقاد الحكم، ليس بسبب عملي في الوطن تحديدا، وإنما لأنه لم تكن هناك أي صحيفة كويتية تجرؤ على انتقاد الحكم. مقابل ذلك أنا انتقدت وبشدة وبجرأة غير مسبوقة ما يمكن تسميتهم أو وصفهم برموز وطنية. أنا لا أقدس الأشخاص. انتقدت أحمد الخطيب والدكتور أحمد السعدون وعبدالله النيباري وأحمد الربعي، كما انتقدت غيرهم.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=153598

حوار مع محمد الجاسم

في حوار الوقت مع محمد عبدالقادر الجاسم: «1-3»

الاستقواء بالقبيلة والدينيين لمواجهة حركات التحرر الليبرالي .. والأثمان باهظة

IMG_566788

يرى أن الدستور هو تقنين لواقع المجتمع، لذلك لابد أن نرجع إلى أصل الدولة وأصل العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية قبل وضع نصوصه. ويجد أن هناك صراعاً دائماً بين مشروع الدولة الديمقراطية في الكويت وبين مشروع الحكم القائم على توارث الإمارة. وأن تعاظم القوة الدينية في الكويت يعود إلى استقواء الحكومة بها وبالقبيلة لضرب حركات التحرر الليبرالي التي نشطت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وأن أثمان هذا الاستقواء باتت باهظة لتيار يطلب ويطلب ولا يعطي. المحامي محمد عبدالقادر الجاسم، رئيس تحرير صحيفة «الوطن» الكويتية سابقاً، ومقدم برنامج «مجلس» في قناة «الحرة» سابقاً أيضاً، ومسؤول موقع «جسر المعرفة» حالياً، وهو مشروع ثقافي متخصص في القانون، حيث يحتوي على ترجمة مجانية لمجموعة من قرارات هيئات قضائية فرنسية هي المجلس الدستوري ومجلس شورى الدولة ومحكمة النقض، إضافة إلى بعض قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

الحوار مع خلفيات الجاسم السياسية والقانونية، فتح إشكالات متعمقة بشأن ما سبق، وبشأن جوانب أخرى يبدو بعضها شديد التقارب مع الأوضاع السياسية الخليجية الأخرى، ويبدو بعضها الآخر أكثر تمايزاً..

* سأحاول تلخيص فكرة كتابك «روح الدستور» وأتمنى أن يكون قريباً من روح الكتاب. اعتمدت في هذا الكتاب على الرجوع إلى المجتمع الكويتي، الذي كان مجموعة من العائلات المهاجرة تراضت فيما بينها على تنصيب أو انتخاب أحد أفرادها ليكون حاكماً. وقع الاختيار على أحد أفراد عائلة آل صباح. في البداية، لم تكن الأمور تبلورت أن يكون الحكم وراثياً في هذه العائلة. كانت السلطة تعتمد على روح التشاور والاتفاق والتفويض من قبل جماعات العائلات المهاجرة التي شكلت المجتمع القديم كما سميته، من دون استفراد ومن دون قهر ومن دون غلبة.

سؤالي هو، ما السبب الذي يدفعك اليوم إلى التذكير بهذه الروح في قراءتك للدستور الكويتي. ما الذي يجعل محامياً يفتح ملف الروح لا ملف القانون، خصوصاً أننا قد اعتدنا أن يذكرنا المحامون بالقوانين لا بروحها؟

– النصوص الدستورية لا يمكن أن تقبل كنصوص جامدة. نصوص الدستور في أي دولة، هي في الغالب تقنين لواقع المجتمع مع التطلع للمستقبل. الدساتير التي تُزرع في تربة غير صالحة، لا يمكن أن تؤتي ثمارها. الدستور وثيقة ذات مضمون سياسي واقتصادي واجتماعي، لابد من وجود واقع سابق لهذه النصوص. من يضع الدستور يستلهم فلسفة الدولة القديمة أو المجمع القديم، ليرسم ملامح المجتمع الجديد. لذلك لكي نفهم الدساتير، لابد أن نرجع إلى المجتمع القديم، إلى أصل الدولة وأصل العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ومن خلالها نستطيع أن نفهم الدستور ونحكم أيضاً على مدى توافق هذه النصوص الدستورية مع واقع المجتمع، وبالتالي مدى صلاحيتها في تنظيم هذا المجتمع. الرجوع إلى المجتمع القديم هو أساس لفهم النصوص الدستورية، خصوصاً في مجتمع هادئ مثل المجتمع الكويتي لم يشهد انقلابات ولا ثورات ولا تكتلاً جذرياً في العلاقات السياسية.

* لاحظت في محاولتك لتفسير مواد هذه النصوص، أن المادة الرابعة التي تنص على أن «الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح..» قد استغرقت معظم صفحات كتاب «روح الدستور» (من صفحة 171 إلى صفحة 337)، هل تجد أن هذه المادة تشكل قلب الدستور أم أنها تمثل إشكالاً محورياً في الدستور الكويتي؟

– الإطالة في شرح هذه المادة يرتبط بشرح عشر مواد أخرى وردت في قانون توارث الإمارة. المادة (4) تشير إلى قانون توارث الإمارة، فكنت مضطراً إلى شرح جميع نصوص توارث الإمارة وهي 9 مواد.

قلب الدستور .. أم إشكال محوري

* ماذا تشكل المادة (4)، هل هي قلب الدستور؟

– قلب الدستور هو المادة (4) والمادة (6). وربما أنا أشرت في الكتاب، إلى أن التسلسل الأمثل لمواد الدستور هو أن تأتي المادة 6 في موضع المادة 4 ثم تأتي المادة 4 في موضع المادة .5 الدستور الكويتي حاول أن يقيم نظاماً فريداً حين قال في المادة 6 إن نظام الحكم ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر القوة، وفي الوقت نفسه في المادة 4 يشير الدستور إلى أن زمام الحكم أو الحكم في ذرية مبارك آل صباح. التوفيق بين الديمقراطية وسيادة الأمة والحكم الوراثي صعب جداً. كي تخلق نظام حكم يعطي كل ذي حق حقه، يعطي الأمة حقها بأن تحكم نفسها وتعطي الأسرة الحاكمة حقها التاريخي بالقيام بدور ما في إدارة الدولة.

* هذا الترتيب الذي تراه أنت الآن ربما تفرضه متغيرات حدثت لاحقاً في الحياة السياسية الكويتية، وربما لم تكن حاضرة في لحظة وضع الدستور. هل تجد هناك متغيرات تفرض إعادة هذا الترتيب؟

– المتغيرات واقعية لا تستدعي أي تعديلات في الدستور. عندما وضع الدستور كانت الأسرة الحاكمة تضم العديد من الشخصيات ذات الخبرة السياسية. كما كانت العلاقات داخل الأسرة الحاكمة متوازنة، باعتبار أن هذه الأسرة لها فروع. من الطبيعي أن يكون هناك تنافس وتوازن في الوقت نفسه. المتغير الآن أن معادلة الفروع انتهت بحكم النهاية الطبيعية للأشخاص، في الوقت نفسه من الواضح أن الأسرة الحاكمة لم تعد تضم شخصيات قادرة على إدارة الدولة، أو مواصلة النهج القديم في الحكم، أو الحفاظ على التوازن السياسي في البلد. هناك نقص شديد في معيار الكفاءة ، هذا النقص لا يتطلب معالجته بتعديل الدستور، وإنما يتطلب تحسين أداء الأسرة الحاكمة ذاتها. يعني الإشكال السياسي القائم اليوم في الكويت يتلخص في سؤال يتردد عن أنه حتى لو تم تغيير رئيس الوزراء فمن هو البديل؟ لا يوجد.

لماذا لا يوجد؟ يبدو أن الأسرة الحاكمة أو ذرية مبارك تحديداً، لديها نقص عددي ونقص في الكفاءة. نحن حين نتكلم عن البديل نتكلم عن بديل يحمل رؤية لا عن شخص مكان آخر. هناك مطالبات كثيرة ع لنية بضرورة استقالة رئيس الوزراء الحالي أو إقالته، وأنا كتبت مقالاً شديداً أثير فيه إشكال البديل.

كيف حدث الفصل بين مشروع الحكم والدولة؟

* أشرت في كتابك «شيوخنا الأعزاء» إلى أن روح الدستور الكويتي استطاعت بحكمتها أن تدمج مشروع الحكم في مشروع الدولة، ولكن يبدو أن المتغيرات السياسية في الواقع لم تستطع أن تدمج مشروع الحكم في مشروع الدولة، وهذا ما يفسر استمرار الأزمات في الحكومة والبرلمان وفي الحياة السياسية. كيف IMG_5662حدث هذا الفصل بين مشروع الحكم ومشروع الدولة؟

– فصلت الأسرة الحاكمة مشروع الحكم عن مشروع الدولة بعد وفاة عبدالله السالم. تعاملت مع مشروع الحكم بإدارة مستقلة وبتعارض مع مشروع الدولة. تعرضت الممارسة الديمقراطية في الكويت إلى نكسات عدة، كانت الأولى العام 1965 مباشرة بعد وفاة عبدالله السالم. عندما تمكنت الحكومة بشكل أو بآخر من إصدار مجموعة من القوانين المقيدة للحريات، ثم جاءت مسألة تزوير الانتخابات في العام ,1967 ثم حل مجلس الأمة سنة ,1976 وحل مجلس الأمة سنة .1986 هذه الأمور مثلت تصادماً بين مشروع الحكم ومشروع الدولة بعد انفصاله. الآن ربما أتيحت ظروف لإعادة الاندماج، إلا أن مشروع الحكم لايزال منفصلاً عن الدولة، ولايزال أنصار مشروع الحكم يرون أن هذا المشروع يتعارض مع مشروع الدولة الديمقراطية، لذلك لاتزال الكويت تراوح مكانها لا تتقدم؛ لأن الصراع قائم بين المادة 4 والمادة 6 رغم أن الدستور حاول الدمج بينهما. مع الأسف، نحن ندعو دائماً إلى عودة مشروع الحكم للاندماج بمشروع الدولة، وأن يكون للحكم وللدولة هدف واحد. نحن دولة بلا هدف وفي حالة صراع بين هذين المشروعين.

هناك خلط دائم بين الحرية والديمقراطية

* ما الذي يجعل الديمقراطية الكويتية نموذجاً يضرب به المثل، ويتمنى الكثيرون استيراده؟

– لن نقول الديمقراطية الكويتية، بل الممارسة البرلمانية الكويتية وأجواء الحرية، إذ كون ذلك يشكل ديمقراطية عند البعض ربما محل خلاف. الممارسة البرلمانية في الكويت ربما تترك انطباعات سلبية في الخارج؛ لأنها ممارسة غير ناضجة، خصوصاً في السنوات الأخيرة. أجواء الحرية في الكويت هي التي تلفت الأنظار، وهي التي ربما تحسد عليها، أجواء الحرية في الكويت سقفها مرتفع، وفي تقديري تكاد تكون الأعلى في الدول العربية، خصوصاً في السنوات الثلاثة الماضية. لايزال في الصحافة في الكويت من يطالب بالتخلص من مجلس الأمة نهائياً، وبالتالي الحرية بالكويت هي التي تلفت النظر. أما التجربة البرلمانية، فتوجد فيها سلبيات كبيرة، إضافة إلى ذلك أنا لست من أنصار تعميم النماذج؛ لأن لكل دولة الحق في تصميم برنامجها بما يتناسب مع واقعها، فلكل دولة أهداف وظروف وتطبق برنامجها بما يتناسب مع واقعها. لا يمكن تطبيق الدستور الكويتي في دولة مثل البحرين، ولا السعودية، فلكل دولة خصوصيتها وعليها أن تضع النظام المناسب لها. لكن الحرية قيمة إنسانية. من حق الإنسان في الكويت أن يكون حراً وكذلك الإنسان في أدغال إفريقيا. هذه قيمة مرتبطة بالوجود الإنساني.

حقيقة، لدي رأي ربما يختلف مع الآخرين، هل الناس ترغب في الديمقراطية التي هي آلية، أم ترغب في الحرية؟ دائما أقول أعطوا الناس حريتها، والإدارات الحكومية وغيرها تعمل كما تشاء. في أميركا عندما يقال عن الانتخابات الأخيرة، إن نسبة التصويت تصل إلى نسب عالية فإنهم يتكلمون عن 60% فقط. في الأحوال الطبيعية قد لا تصل حتى إلى 50% فليس هناك اهتمام كاف بالممارسة. ولكن كل أميركي يتمتع بحريته. بينما دولة مثل الكويت قد تجد أن نسبة التصويت للبرلمان ربما تصل إلى 90%، لكن هذا ليس دليلاً على وجود درجة عالية من النضج السياسي، هناك اختلاف بين الحرية والديمقراطية. البعض يرى أن حق الانتخاب هو قمة الحرية، بينما الواقع يفترض أن يكون اهتمام الشباب ببناء مستقبلهم الشخصي واقتناص فرص للحياة والعمل أفضل. في منطقتنا، المسائل متداخلة جداً، هناك خلط دائم بين الحرية والديمقراطية.

* ما الذي يجعل الممارسة البرلمانية الكويتية بهذه المثالب، هل قوة التيار الديني وحضور القبيلة واستخدامهما في مشروع الدولة؟

– من بين المستجدات تعاظم قوة التيار الديني في الكويت، ونتيجة انفصال مشروع الحكم عن مشروع الدولة اتجه الحكم منذ العام 1965 حتى الآن إلى الاستقواء بعناصر موجودة في المجتمع، فسعى إلى الاستقواء بالقبيلة لمواجهة التيارات الليبرالية، القومية التحررية آنذاك. سعى الحكم إلى فرض معادلة أخرى من خلال تكثيف الوجود القبلي وتحويل القبيلة من وحدة اجتماعية إلى وحدة سياسية. كذاك في منتصف السبعينات سعى إلى تقوية التوجه الديني، وهو يدرك تماماً أن التوجه الديني الفائز في الكويت لم يكن توجهاً فطرياً. سعى الحكم إلى تعزيزه من خلال دعم جمعياته ذات النفع العام، وتمكينه من تولي كثير من مناصب القرار. مشروع الحكم في صراعه مع الديمقراطيات ومشروع الدولة، استعان بالقبيلة تارة واستعان بالتيار الديني تارة أخرى، هذه الاستعانة ليست بلا ثمن، تم تعظيم قوة القبيلة وتم تعظيم قوة التيار الديني. تحولت القبيلة من وحدة اجتماعية إلى سياسية. في شهر مايو/ أيار الماضي صارت مصادمات بين قوات الأمن وكل القبائل. كل قبيلة على حدة. مصادمات استخدم فيها الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية وغيرها. كل هذه لا تنتمي إلى تاريخ العلاقة بين الحكم والقبيلة، لكن الحكم ربما لأسباب عدة، أراد تقزيم القبيلة، والنتيجة أنه فشل فشلاً ذريعاً.

القبيلة انتصرت في نهاية المقام على الدولة بالرسائل وإقامة الانتخابات الفرعية. القبيلة أصبحت الآن أكثر قوة من السابق، وجاءت الحكومة كمجلس الوزراء وتحالفت مع التيار الديني بشقيه السلفي والإخوان. مقابل هذا التحالف هناك ثمن يدفع، ليس فقط منح التيار الديني مقاعد في مجلس الوزراء، وإنما الخضوع لسطوة التيار الديني الذي دائماً يطالب ولا يعطي. تم تغيير هوية المجتمع الكويتي بسبب التحالف بين التيار

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=153558&hi

سوق جنة صفاء الناصر

دمه المسرطن يجري في روحي.. وروحي تجري في دمه

سوق جنة  صفاء الناصر

New Picture

”قال لي أحد المى: ما الجدوى من آلامي؟ لست شاعرا حتى استثمرها أو أفتخر بها” ليس الشعراء وحدهم الذين يستثمرون آلامهم أو يفتخرون بها، كل من يتألم يمكنه أن يستثمر ألمه في جنة تروي بفخر سيرة مرضه. في هذه الجنة تروي صفاء الناصر بفخر سيرتها مع مرض ابنها ماجد علي إسماعيل بسرطان الدم.

 

أرشيف المرض

* بداية ظهور عوارض المرض في الأسبوع الأخير من أكتوبر/ تشرين الأول 2004

* لم يتمكن من المشي تماما في الأسبوع الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2004

* اكتشاف المرض رسمياً وتشخيصه (لوكيمياء) 25 أبريل/ نيسان 2005

* عاود المشي مع عرج في رجله اليمنى في أبريل/ نيسان 2006

* إنهاء العلاج الكيماوي في يونيو/ حزيران 2007

* عودة المرض في أكتوبر/ تشرين الأول2007

* علاج الكيماوي للمرة الثانية من أكتوبر/ تشرين الأول2007 إلى يناير/ كانون الثاني 2008

* المغادرة إلى الأردن في 8 فبراير/ تشرين الثاني 2008

* إجراء عملية زراعة النخاع في 21 سبتمبر/ أيلول 2008

* في 8 فبراير/ تشرين الثاني 2009 يكمل عاما من رحلة العلاج بالخارج.

طاقة الطفولة

طاقة الطفولة، تكمن في الرجلين، لا تهدأ رجل الطفل من الحركة حتى يكون رجلا، الطفل يكبر حين تعقل رجلاه، حين تُضبط حركتهما.

بدأت حكاية ماجد من رجليه، كانت طاقة طفولته قد توقفت عن الحركة يوماً، الحركة المشاكسة التي لا تعرف الهدوء ولا الضبط. كم تسلقت من جدران، وكم 1224articles_imagesاشتكى منها الجيران، وكم قفزت مسافات، وكم أشعلت أماكن الطفولة بشقوتها المبهجة.

فجأة توقفت، ليس لأنه صار رجلا برجلين عاقلتين؛ بل لأن حكاية جديدة في فصل طفولته ستغير مسار حركته من جدران الجيران وملاعب الطفولة إلى جدران الغرف المعقمة والأسرة البيضاء وروائح الكيمياء، كيمياء المرض لا كيمياء المحبة.

صارت رجلاه التي لم تمر بالمستشفى إلا يوم ولادته، محل تأويلات واجتهادات، الجميع راح يؤول طاقتها المفقودة، أحد الأطباء قال هي حالة نفسية سببها غيرته من أخته الصغرى مريم، أراد أن يلفت الانتباه إليه بالعضو الأكثر تميزاً فيه. بعضهم ممن لا يحسن الإصغاء إلى رهافة طاقة الرجل قال إنه كاذب ويجب أن يعاقب في رجليه.

رحنا نبحث عن تأويل يقنع قلوبنا المشدودة لطفولة رجله، ألفنا زيارة المستشفيات الخاصة، ولم تكن مختبراتها قادرة على تفسير لغز طاقة رجله، نتائجهم لا تشير إلى أمر غير اعتيادي، الحالة غريبة والنتائج مألوفة، وضاعف الاستغراب أن رجله كانت قادرة على ركوب الدراجة الهوائية ببراعة، لكنها لا تستطيع المشي.

سرّ الدم

هل هناك سرّ؟ المختبرات تعرف الأسباب، لكنها لا تعرف فك الأسرار، ذهبت إلى مفككي الأسرار، أخذته إلى شيوخ الأسرار، وقد أجمعوا على أنها حالة مس من جان. صار الجن في رؤوسنا، وظل السرّ لا يكشف بل صار يتمادى في اللعب برؤوسنا المجنونة.

توقفت رجلاه، لكنه لم يتوقف، في البيت كان يحبو كطفل في شهره التاسع، وحين تعبت ركبتاه أخذ يزحف، لم يكن يتوقف، فقد ظل متوهجاً بحركة روحه. لم يكترث بالخجل، ولا بالآخرين، كنا نحمله إلى صفه بالمدرسة، ونجلسه كطفل لم تستوِ رجلاه بعد. كان الضعف الذي أصاب رجله، قد عوضه في روحه التي ظلت قوية ولم تعرف الخجل أبداً رغم الحرج الذي كان توقعه فيه رجلاه. وربما هذا ما ساعده في هزيمة المرض في حربه الأولى قبل أن يعود ثانية بضراوة أشد. أراد رؤية بيت لله، فأخذته على كرسي متحرك فكان كالمشلول الذي استطاع أن يصل إلى أعلى قمة في العالم بصموده وصبره. بعد ستة أشهر من المعاناة العمياء التي لم تشكف لنا عن سبب يرينا علة المرض، بدا جسمه يضعف وظلت حرارته مرتفعة مدة شهر كامل. في العلاج الطبيعي، فرض عليه أن يمارس المشي بطريقة قاسية، فأصيب بعدة كسور، وفقدت رجلاه استواءهما، وكانت هذه أول خسائر الحرب، وحتى اليوم لم تعد رجلاه لميزانهما الطبيعي.

بعد يوم من حادثة الكسر أصيب بالسلمونيلا التي تصيب الجسم الضعيف، فتقضي عليه، وأثناء علاجه بالمضادات والتغذية عبر الوريد، اكتشفنا الكارثة الكبرى الكامنة في دمه منذ ستة أشهر، إنه مصاب بلوكيميا الدم، وهي نوع من السرطانات الشائعة.

باشر العلاج الكيماوي وهو على سريره برجليه المكسورتين، فكانت قروح جسده من جهة وقروح دمه من جهة أخرى، الأمر الذي جعل من حالته استثنائية بكل المقاييس.

who is Majed?

أ1226articles_images عشق التدريس بالفطرة، كأني خلقت معلمة، هذا ما أشعر به، وربما هذه الفكرة هي التي استطيع أن أفسر بها جزءا كبيرا من سيرتي واختياراتها المتعبة. الفطرة تجعلك دوما مشدودا إلى صوتك الداخلي الخاص، وفي التدريس تكون مشدودا أكثر إلى هذا الصوت، وبه تصنع شخصيتك الخاصة. أجد في الكتاب المدرسي أداة للذين لا يحسنون التدريس، أولئك الذين فطرتهم غير مفتوحة على موهبة التدريس.

تسألني طالباتي دوما متى نفتح الكتاب؟ أقول لهن الكتاب ليس في الورق، الكتاب ما يعبر بيني وبينكم، في هذه المنطقة أجد متعتي الخاصة، وتجد طالباتي كتابهن الخاص الذي نصنعه معا. ذات يوم أحضرت لهن قصة عنوانها ”ماجد الطفل الشجاع يهزم السرطان” كانت القصة منشورة في إحدى الجرائد المحلية باللغة العربية، كانت دهشتهن تقول: لماذا القصة باللغة العربية؟ والمادة لغة انجليزية ومعلمتنا المفطورة على الخروج عن الكتاب، لا تخرج لغتها عن الإنجليزية في حصتها. ما الذي تضمره لنا من مفاجأة؟ كنَّ مشدودات لقراءة القصة من أجل اكتشاف سرّ هذه المغامرة الجديدة على حصة اللغة الإنجليزية. بمجرد أن بدأن قراءة القصة راح يسيطر عليهن حزن عميق، وصمت رهيب أخذ يحكم أجواء الصف الذي لا يعرف الهدوء، لفرط حيوية طالباتي. كنت أتجلد وأنا أقرأ صمتهم، وخشية تتملكني من أن يثيرهم اسمي الوارد في القصة، كنت لا أريدهم أن يسألن:

Teacher: your name is written. who is Majed?

إنه السؤال الذي فطر قاعة الدرس، حتى فطرتي لم تسعفني لحظتها لمواجهة هذا السؤال، كنت أريدهم أن يترجموا القصة بلغتهم الخاصة، لكنهم بللوها بدموعهم المفطورة على ماجد، صار ماجد موضوعاً لحكاية مفتوحة على مفاجآت لا أعرفها، وأحزاناً أنتظر وجوهها، وشمعة أتوجس أن تفقد شيئا من وهج تألقها، وحرب انتصاراتها أن تقبل الخسائر ولا تنكسر.

لقد أعطتني طالباتي قلوبهن كلها، وقلبي الذي ادخرته فيهن صار قلوباً ناصعة بياضها، صار قلبي قوياً، لكن ليس بالفطرة هذه المرة، بل بالقلوب المفطورة.

كيمياء المرض

كل من عرف ماجد، تلمس كيمياء دمه الموزون وفق مقاسات الفرح والبهجة وحب الحياة، لم يفقد ماجد هذه الكيمياء رغم عنف الخلايا السرطانية التي تلعب بكيمياء دمه بشقاوة لا تشبهها إلا شقاوة مرحه.

في ليلة سفرنا نحو رحلة العلاج الأخيرة ضمن سلسة رحلات سابقة، ليلة 8 فبراير/ تشرين الثاني ,2008 احتفلنا مع مجموعة من الأصدقاء في إحدى مطاعم المنامة، اخترنا مكاناً لا ينـــام طــــوال 24 ساعة، فطاقة المرح التي يختزنها دم ماجد لا تكفيها ليلة كاملة. إنها تفيض على ساعات الصباح.

أخرج أحد الأصدقاء كاميرا الفيديو ليسجل مع ماجد لقطة مرح يحتفظ بها لزمن ربما لا يعود، استطالت اللقطة لتكون ساعة ونصف الساعة، كانت شاشة الكاميرا كلها وجه ماجد، وهو يروي بسخرية لاذعة سيرة دمه والمرض ومن تعاقب عليه من أطباء وممرضات. كان يبتكر صيغه اللغوية الساخرة من أبيه وأمه وجدته وإخوته وكل من حوله. كانت حفلة مبهجة لم يوقفنا فيها ماجد لحظة لاسترداد أنفاسنا الذاهبة معه في رحلته الطويلة.

من يتوفر دمه على كيمياء هذا المرح، كيف تتجرأ خلايا تدمير بهجة الحياة من الاقتراب منه؟ سألت ماجد ذلك، فنظر إلى كتاب كان يقرأ فيه أبيه منذ أسابيع، كان الكتاب رواية (جاك المؤمن بالقدر) لديدرو. حفظنا جميعاً عنوان هذه الرواية؛ لفرط ما كان ماجد يردده بسخرية لاذعة من جاك ومن أبيه ومن مرضه. كان ماجد مؤمن بالفرح الذي هو قدره الوحيد، وما عداه عرض زائل، وقد مكنته كيمياء هذا الإيمان من مواجهة أشدّ لحظات آلام العلاج الكيماوي الذي أخذ كل شيء في جسده، لكنه لم يتمكن من أخذ مرحه. لقد لعبت أدوية بنسب كيميائية مختلفة بدمه، لكنها لم تتمكن من اللعب بنسبة كيمياء مرحه، حتى صار يسخر من أدويته:

6 septrinprednisolon=

,prograf,syclosporin,tidilor,chemo theraphy"flag",mycosat,t=

,morfen,hexetidine,ezilax,)

كلها أسلحة كيماوية فتّاكة، مرة تفتك بلونه ومرة بوزنه ومرة بشعره ومرة بصلابة عظامه ومرة بشكله، ومرة بعينه اليمنى، لعبت بخلقته حتى لم يعد له شكل ثابت، ومع كل ذلك بقيت عاجزة عن أن تفتك بروحه العصية على الهزيمة.

مـــــــريم

”أعرف أنكم تواجهون صعوبات مع مريم، تتعلق بعنادها وسلوكها العنيف أحياناً، وعدم استجابتها لm24 توجيهاتكم، أرجو أن تتفهموا أنها تعاني من مشكلة في الاتصال العاطفي مع الآخرين، لم أستطع أن امنحها من أمومتي ما يشبع طفولتها، والسبب في ذلك أن أخاها الذي يكبرها بخمس سنوات يعاني من مرض لوكيمياء الدم منذ ولادتها، لقد أخذ كل شيء فينا، وأنا روضت مريم قبل مغادرتي إلى رحلة العلاج بالخارج التي تدخل اليوم شهرها الثالث عشر من دون استراحات توقف. جاءت مريم في 2003 وجاء مرض ماجد وهي للتو بدأت تدخل عامها الثاني.

فأخذني ماجد في رحلة مرضه، ومازالنا في أعماق هذه الرحلة منذ الأسبوع الأخير من أكتوبر/ تشرين الأول .2004

اعتادت في سنوات حضانتها مع أمي أن ترفع يدها بعد كل صلاة وتدعو لماجد بالسلامة. كانت تتحدث إلى السماء، لكنها لم تتمكن من أن تتحدث إليّ. الأمومة لغة حوار، وحين فقدتها مريم، أخذت تبتكر لها حيلاً تعويضية، ظلت تتحدث مع نفسها كثيرا، كما لاحظها الكثيرون، تتخيل شخصيات تحاورها، لست أدري ماذا تفعل في هذا العالم المتخيل، لكنها حتما كانت تخاطبني وتبحث عني وتوبخني، وتعوض عن فقدي.

أستحضر دوماً قصة الأولاد الثلاثة الذين أزعجوا أحد ركاب القطار لفرط حركتهم، فاضطر إلى أن يوجه كلامه إلى الأب الذي كان لائذا بصمته وحزنه: ألا يسكت أحد هؤلاء الأولاد. فقال له الأب: ماذا تريدني أن أٌقول لأولاد للتو عادوا من دفن أمهم؟!! ماذا أقول أنا إلى صبية فقدت أمها حية، لم تعد لها أمها بعد، أشعر كأن مريم تناديني دوما بحركاتها وأصواتها وعنادها وتصلبها، كأنها تحتج على أمومتها المفقودة، كأنها تلفت من حولها إلى أن من يفقد حنان الأمومة يفقد السكينة. هي لم تفقد أمومتي فقط، بل فقدت أمومة الوطن وأمومة اللغة وأمومة صديقاتها، فقد اضطرت إلى أن تغادر الوطن وروضتها وصديقاتها ولهجتها المحلية، لتلتحق بنا في رحلة العلاج، حيث ماجد في المركز وهي في هامشه تتحرك بلغة الاحتجاج التي لم تتقن أكثر منها لغة. صار احتجاجها يحمل تهماً وإدانات قاسية، كانت تقول لي: أنت حرمتني من ربعي، أنت لا تحبيني، أنت لا تريديني أن ألعب. كأنها كانت تقول لي أنت لست أمي. أرادت الرجوع إلى البحرين، ولم نستطع أن نقنعها أن تبقى في روضتها الجديدة إلا بعد أن تمكنت من أن تألف لهجتها غير المألوفة على طفولتها.

المرض تجربة في التوغل

”المرض منفذ لا إرادي إلى ذواتنا، يجبرنا على التوغل في العمق” المرض تجربة بقدر ما يتيح لنا التوغل في أعماق ذواتنا، مرض ماجد، كان تجربة حقيقية لذاتي وذاته، أو لأقل ذاتنا؛ لأننا فعلا لم نعد في هذه التجربة نعرف حدود ذواتنا، أين تنتهي حدود ماجد فيّ؟ وأين تنتهي حدودي في ماجد؟ على المستوى الفيزيولوجي كنا نعرف حدود أجسادنا، لكنا لم نكن نعرف حدود الألم، كان دمه المسرطن يجري في روحي، وكانت روحي تجري في دمه. كنا معاً في التجربة، وحتما نحن معا في عمق التوغل الذي ما زال المرض يجبرنا عليه.

صارت طاقة رجل ماجد في قلبي، المرض أخذ العضو الفيزيولوجي، لكنه وهبني الطاقة، أحسست في أعماق قلبي بشجاعة لم أعرفها من قبل.

1227articles_images كان ظلام الغرفة يخيفني، فصار ظلام الغربة يحرضني على المواجهة والتحدي. كان النوم وحدي في غرفة يثير أشباح الخوف، فأبحث عن بصيص ضوء يطمئني قلبي الوجل من تحرك الأشياء في الظلام، صرت الآن أضيء الظلام بقلبي، فيتبدد الخوف وأحرك الأشياء في مخيلتي بحرية المطمئن. تجربة التحدي دفعتني إلى مواجهة معوقات الغربة حتى صرت مركزا يلجأ إليه أهالي المرضى الذين يدخلون على وجوههم تجربة مرض السرطان وينسون قلوبهم، ينسون أن القلب مركز الشجاعة.

الشجاعة اختبرتها في صناعة القرار وسرعة الحسم وتحمل نتائجه، كانت أعماقي مرجعيتي التي أضاءها المرض، دافعت عن قرارات وقف ضدها الجميع، الأهل ومن يوهمونا أنهم وحدهم القادرين على التحكم في مصيرنا، والخائفون من هؤلاء. مرة حملت رسالة احتجاج وضعتني في مواجهة إدارة المستشفى الوحيد في معالجة السرطان، المستشفى الذي لا بديل له لمعالجة ماجد، تركت قلبي يدير الأمر، فكانت النتيجة، معاملة طبية غير، وخدمات صحية غير، ووضع نفسي جديد لجميع العائلات المغتربة بأمراضها.

أحد المسؤولين قالي لي إذا كنت واثقة من كفاءة العلاج من الناحية الفنية، فلم هذه الاحتجاجات على أساليب التعامل والخدمات المساندة.

قلت له أنت لا تعرف معنى أن المرض تجربة فريدة محلها أعماق النفس، والدم ليس مجموعة كريات بقدر ما هو مجموعة خليات تسكن فيها أرواح نفوسنا، وأنا سأدافع عن كريات ماجد وعن روح خلاياه حتى آخر نقطة في عمقها.

أن لا ننقص واحداً

15 فبراير هو اليوم العالمي لسرطان الأطفال، كان هناك ملصق إعلاني مكتوب عليه (سرطان الأطفال يخسر كثيرا في حربه معنا) وأسفله مسابقة تطلب من الأطفال أن يحكوا قصة سعيدة، طلm23 بت من ماجد أن يحكي لي قصة سعيدة احتفالا بهذا اليوم، قال لي: أن تجتمع العائلة. تلك هي القصة. كيف تجتمع عائلة يوزعها سرطان ماجد في أمكنة متباعدة، عائلتي تسكن في البحرين، في منطقة جدحفص التي تبعد عن قلب مدينة المنامة بمسافة بسيطة، يأخذني السرطان وجزءا من عائلتي إلى الأردن، إلى مركز الحسين للسرطان، أنا وأمي هنا منذ 8 فبراير/ تشرين الثاني ,2008 أبي الأستاذ بجامعة البحرين يدير ما تبقى من العائلة في البحرين، ويدير معها قلبه الذي ما زال على سفر بين جغرافيات العائلة المتباعدة، لا يكاد يستقرّ في مكان، كأنه ربان فقد بحر سفينته، وأخي الأكبر محمد في ماليزيا، ذهب منذ عام حاملا حلم أبي وأمي كي يكمل دراسته الجامعية، فيما نحن ذهبنا منذ عام إلى هنا، كي نحلم بسعادة الانتصار على مرض السرطان. نحن في ثلاث جهات من الأرض، أن نلتقي في جهة واحدة، فتلك قصة السعادة بالنسبة لي، وهي تستحق أن تروى وأن أتذكرها باستمرار. في أغسطس/ آب 2008 التقت الجهات الثلاث في جهة العقبة بالأردن، كأن ماء البحر قد جمعنا، وصار يغسل أجسادنا بفرح، التقينا هناك، فكانت السعادة أن لا ننقص واحداً، أمي وأبي ومحمد وميثم ومريم وأنا. صارت السعادة بالنسبة إلى ماجد في بحر العائلة كاملة.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=153425

مدونة الباحث د.علي الديري