الشيخ الدكتور “جعفر المهاجر” المؤرخ العاملي الأول الذي يعيد للتاريخ بريقه
تحقيق عن المكتبة التاريخية التراثية وسيرة البحث التاريخي عند الشيخ المؤرخ المهاجر
هو كسر العرف الاجتماعي القائل إن الصبي الوحيد للعائلة يُدلّل حتى يُفسد، سار في درب مغاير تماماً. سأل جده الشيخ حبيب حين كان في الرابعة عشر من عمره بعدما عاد من حوزة النجف الأشرف:» كيف تمكنت من إرسالي للنجف وأنا في عمر عشر سنوات؟ فالتفت إليّ وقال لي :«يا جدي؛ أنت كنت في نظرنا كبيراً ..!!». هل يعقل أن ترى اليوم ابن عشر سنوات يقرأ أقدم كتب التراث التاريخي التي تحتكم إلى لغة عربية بلسان فصيح يحوي أعقد العبارات والمصطلحات؟!.. في أيامنا بات صعباً تصديق مثل هذه الرواية، ولكنّ المؤرخ العاملي الدكتور الشيخ جعفر المهاجر خُطّ لحياته هذا المسار من قبل عائلته وهو تقبّله سعيداً معتّزاً وبذل كل جهده ليكون فخر العائلة وفريدها.الرحلة مع الكتاب، قراءة ومطالعة واقتناء، بدأت وهو لم يتجاوز العشر سنين، وقع نظره على كتاب الشيخ أبي الفتح محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي، في مكتبة جده العلامة الشيخ حبيب آل إبراهيم المهاجر العاملي (1886 – 1965) ؛ كانوا يومها في خمسينيات القرن الماضي يستمعون إلى قصص الحكواتي وكان كتاب الكراجكي واحداً من الكتب النفيسة التي تروي القصص الغريبة. يروي الشيخ المؤرخ أن الكراجكي كان جوالاً بدءاً من العراق وكل الساحل وإلى فلسطين وفي طرابلس في لبنان، روى في كتابه قصص الإمارات الشيعية التي لا ذكر لها أبداً في كتب التاريخ المعتمدة. هذا الشيخ الكراجكي هو أول من أنشأ الصلة بين شيعة الشام وشيعة العراق حين ذهب إلى بغداد ودرس عند الشيخ المفيد ورجع إلى بلاده؛ ومنذ ذلك الوقت انفتح الطريق لتشكّل صلة فكرية وثقافية ودينية بين المنطقتين، حيث كان التشييع آنذاك مختلفاً عمّا نعرفه اليوم. هذا الكتاب تعلّق به وهو في تلك السن طلب من جده أن يسمح له بأخذه معه إلى النجف، بقي معه طوال سني دراسته حتى عودته إلى مسقط رأسه في بعلبك، ولا يزال إلى اليوم في مكتبته النفيسة. ويؤمن الشيخ المؤرخ أن القدر الإلهي شاء له أن يعود ويؤلف كتابا خاصا عن الشيخ الكراجكي، ولشدة فرادته أصبح الكتاب مرجعا أوحدا عن هذا العالم الجليل.
كان شغوفاً بالمطالعة وهو ابن سبع سنين، العائلة كلها كانت تصبّ اهتمامها عليه ليصبح ذي شأن، وكان لافتاً أن الصبي قد بدأ يقيم وزن الشعر العامودي، فعقد معه جده العلامة الشيخ حبيب صفقة بأن يعطيه ربع ليرة على كل بيت شعر ينظمه. وأضحت جيبه لا تخلو من القروش. كانت فيما بعد عونا له ليشتري ما يحلو له من الكتب.
وعلى حداثة سنّه يجمع الكتب، أضحى عنده اليوم وهو في عمر 74 عاما، أكثر من 20 ألف كتاب. إلا أن تلك المرحلة كانت ممهدة لمرحلة لاحقة، انتبه فيها الدكتور المهاجر إلى أن تاريخ الشيعة في العالم العربي وفي العالم عموما غير معنى به، هذا فضلاً عن التشويه الكبير الذي يلحق به في كتب التاريخ المعتمدة والتي تعدّ ذات ثقة رسمية من قبل الشعوب وأصحاب الحضارات في العالم. وهذا ما أرقّه للغاية. فاتخذ لنفسه منذ أربعين عاماً خطاً علمياً يولي اهتمامه بالتاريخ الشيعي في العالم، وبشكل خاص للتاريخ الشيعي في المنطقة الشامية.
يقول المؤرخ المهاجر : «نحن نعاني من أزمة مستحكمة مع التاريخ السبب أن من يكتب التاريخ يعبّر عن اعتزازه بحضوره في الحركة التاريخية، ونحن الشيعة غالبا لم نكن في موقع السلطة. وحتى الذين ينتسبون إلى التشييع لم يدخلوا إلى السلطة بهذه الصفة. فالبويهيون الذين حكموا قسما واسعا من مشرق العالم الإسلامي العراق والعجم وإيران هؤلاء دخلوا في سياسة المنطقة بصفتهم مغامرين عسكرين وليس بصفتهم شيعة. وعلى كل حال هم لم يكونو شيعة على الأرجح كانوا زيديين. لم نكن في مواقع تجعلنا نملك الحوافز لكتابة التاريخ. لذلك فأن وجودنا في التاريخ كانت تتلاعب به السلطات المحلية. وذلك لسببين: السبب الأول؛ أن كل من يملك السلطة يحاول أن يملك التاريخ، وهذه قاعدة معروفة وتقدم بشكل مبهرج. وقد يقال أن من يكتب التاريخ هو من يملكه. هذا وهم لا أحد يملك التاريخ. التاريخ نهر جارٍ نحن كلنا واقفون على ضفافه، فالتاريخ يملك الكل. إضافة إلى ذلك، انه جرت العادة أن من يكتب التاريخ يحتله ويغيّب الأخر. ومن هنا فإن المنطقة الشامية الممتدة بين عسقلان وبين الباب التركي ومن البحر إلى البادية منذ القرن الثاني إلى القرن السادس، ما عدا المدن الرئيسية، بشكل خاص دمشق حيث مركز السلطة وقوتها، كان تاريخ الشيعة فيها مقبولا على مستوى كبير دفعني لكتابة تاريخ الشيعة لأن هناك ما يستحق أن نحفره في ثنايا ذلك التاريخ لنستخرج منه تاريخنا الخاص..».
وكان لدى الدكتور المهاجر قناعة ثابتة دفعته هي الأخرى للنبش في التاريخ الشيعي والبحث عنه وكتابته، أن المنطقة الشامية كانت مليئة بالأسرار، «أسرار تاريخنا كلّه»، وكان هذا التاريخ مدفوناً عند أهله لا أحد يعرف عنه شيئاً. وفي هذا النطاق سادت أساطير عديدة تقدم تفسيرات خيالية لبعض الظواهر التاريخية التي هي محل تساؤل الناس. ومن ذلك مثلا : أن سبب تاريخية الشيعة في البقعة المباركة في جبل عامل يرجع إلى الصاحبي الجليل أبي ذر الغفاري. و»هذا تفسير علمي صغير»، كما وصفه الشيخ. إلا إنه في المقابل لم ينفِ كلية احتمال مرور الصحابي الغفاري على المنطقة والأثر الذي تركه فيها، إنما مروره هذا كان سريعاً وعابراً، وتالياً هو أصغر بكثير من ظاهرة كبيرة كانت تجتاح المنطقة الشامية كلّها. وهذه الراوية شفوية تناقلتها الأجيال، التي أردات تشريف تاريخها الضائع، بل إن ظاهرة التشييع في جبل عامل هي ظاهرة أكبر من جبل عامل تتصل بالتشيع في المنطقة الشامية التي كانت في البلاد ما قبل القرن الرابع.
ويتابع الشيخ المؤرخ روايته مع التاريخ الشيعي وقصة مكتبته التاريخية، ليقول إن هذا التاريخ الضائع وذلك «التفسير الصغير»، لم يقنعه، فبدأ بالبحث عن السرّ. فوجد أن المنطقة الشامية بُنيت لتكون ركيزة مناهضة الولاء لأل بيت النبي (ص)، والتي بقيت تحت حكم بني أمية ما يزيد عن قرن من الزمان. لكن مع واقعة كربلاء حين حُملت الرؤوس والسبايا والأطفال وسيق بهم في أنحاء الشام، مستعرضا (الطاغية يزيد) نصره الغبي مدعيا أنهم مجموعة من الخوارج على حكمه، انقلب المشهد كله وبانت خديعته للناس الذين أظهروا غضبا عارما على الواقعة الجريمة. فبدأ التشييع يظهر وجهه في هذه اللحظة، وهذا ما عرضه الشيخ المؤرخ في أول كتبه عن تاريخ تأسيس الشيعة في لبنان وسوريا. فتاريخ التشييع في المنطقة الشامية اجمالا هو جزء من الظاهرة الاكبر التي هي الهجرة الهادرة التي اتجهت من الحجاز والعراق صوب المنطقة الشامية، ومن خلال هذه الهجرة أثبت كيف جرت الهجرة الهمدانية الكبرى. ويؤكد الدكتور المهاجر :«في الحقيقة بدأتُ من هذه النقطة، حين فسّرتُ لغزاً تاريخياً كان مغلقاً..».
غير أن أدوات هذا البحث التاريخي المضني لم يكن سهلاً على الإطلاق، لأكثر من سبب، وأهمها تقصّد إغفال التاريخ الشيعي من قبل مؤرخي السلطات المتعاقبة. ويشبّه الشيخ المؤرخ الأمر بلوحة فيسفساء نادرة، يتمّ جمع حبّاتها بعناية ودقة حتى تشكّل وحدة متكاملة، فقد كان يجمع المعلومات، معلومة معلومة من مصادر ومراجع لا تحصى ويقابلها في ما بينها وبين سياق تاريخي كبير حتى صارت تضيء له الحقائق الواحدة تلو الأخرى. «فجأة يضيء لك الغامض حتى تنبثق أمامك مثل السحر» حين يتم الاطلاع على اللحظة التاريخية. ويلفت «المهاجر»، إلى أن هناك أمراً مهماً يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، «فمن يركب الفيسفساء يجب أن يكون هناك صورة في ذهنه مسبقا يطبقها على اللوحة التي يرسمها. يقابلها في العمل العلمي أن المؤرخ يجب أن يكون مستوعبا لكل الفترة حتى يعرف أين يركب كل معلومة بمكانها الصحيح فتنبثق أمامه رؤية تاريخية كبيرة «مثل غرفة دخلتها وهي مظلمة ثم تشعلين النور وإذ بكل شيء أمامك يصبح مرئيا».
المكتبة الأثرية.. تاريخ مضيئ في مدينة الشمس
من هنا أتت المكتبة المؤلفة من 20 ألف كتاب، متخصّصة فصّلت على قياس توجّهات الشيخ المؤرخ وهو البحث في تاريخ الشيعة في العالم وفي المنطقة الشامية تحديدا. والمكتبة القابعة في مدينة بعلبك الشامخة، هي في السنوات الأخيرة تنمو مع الحاجة التي يفرضها «مركز بهاء الدين العاملي»، وهو مركز مستحدث أنشأه الدكتور المهاجر ليكون حركة مكمّلة مع تواجد المكتبة الضخمة ممّا يفّعل من تراثها النادر في خدمة البحث التاريخي.
يحكي الشيخ المهاجر عن رحلات سفر عديدة وطويلة كان يقوم بها مراراً في سبيل تأمين ما يلزمه من كتب ومراجع ومصادر لمكتبته ولأبحاثة التاريخية الخاصة. مصر وسوريا كانتا البلدين الأبرز في هذه الرحلات إضافة إلى إيران والعراق، حيث يعود منهم بشحنات كبيرة من الكتب بلغات أربع: العربية والإنكليزية والفرنسية والفارسية، وهي اللغات التي يتقنها الشيخ ويقرأ بها.
مكتبة الشيخ المهاجر لضخامتها لا يسعها مكان واحد، لذا هي موزّعة بين مكانين أساسين: الأول في مركز «بهاء الدين العاملي» حيث تجري عملية بناء وتركيب في الوقت الراهن لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الكتب والمراجع. والمكان الثاني هو في منزل الشيخ نفسه حيث يخصّص لها الطابق العلوي متوزّعة على الغرف ورفوفها. والمكتبة، سواء في المركز أو في منزل الشيخ، هي منظّمة بشكل علمي ممنهج. والقسم الأكبر من هذه المكتبة الثرية يحتلّه التاريخ. ويشرح الشيخ المهاجر أن لكتب التاريخ في مكتبته قسمين : الأول تاريخ حدثي والثاني تاريخ شخصي. التاريخ الحدثي، يحكي الأحداث. وهو بدوره قسمان؛ قسم أمهات الكتب يُعنى بالاصول التاريخية؛ وقسم أبحاث ونصفه في تاريخ الأمهات ونصفه الأخر في الأبحاث. ولكن الأهم عند المؤرخ المهاجر «تاريخ الرجال»؛ الأشخاص؛ السير؛ أو ما يسمونه طبقات أو أعلام أو رجال أو تراجم؛ والمؤدى واحد. وهي مع كبرها تعدّ من أكثر المصادر براءة بالنسبة للمؤرخ.. إذ لا يؤمن الشيخ المهاجر بأن هناك مؤرخاً حيادياً. إذ دائماً المؤرخ يكون مرئياً من قبل السلطة ويراعيها، فالمسعودي وابن الأثير مشهوران بأنهما أكثر المؤرخين سلطوية، بشكل مغاير تماما للجوال اليوناني (نسبة إلى بلدة يونين البقاعية) الذي يعدّ كتابه أكثر الكتب براءة كونه كان يعتاش من الأرض ولم يكن يهمه أحد من السلطة.. لذلك الجزء الكبير المقتدى به هي سير الأعلام والتراجم والطبقات..
ولم يغفل العالم الفقيه الشيخ المهاجر أن تشكّل الكتب الفقهية جزءاً من مكتبته، وهي تحتل القسم الثاني من حيث الحجم والأهمية لكتب التاريخ.، ومن ثمّ تأتي كتب تفسير القرآن الكريم والحديث، والقسم الثالث الشعر والشعراء. والجغرافيا أيضا لها حيّز مهم في المكتبة الضخمة، حيث يراها «المهاجر»، مرجعاً أساسيا في العديد من المحطات وتزود بمعلومات مهمة لا تذكرها كتب التاريخ، ونجدها في البلدنيات وكتب الأنساب والتي يعتني بها المؤرخ كثيرا. كتب الأدب هي الأخرى لها موقعية خاصة في هذه المكتبة إذ تعدّ من المراجع الاساسية في كتابة التاريخ ففيها ما هو أقرب للواقع والحقيقة أكثر من كتب المؤرخين التابعين للسلطة.
أما المخطوطات فلها حكاية أخرى، هي ليست كثيرة ولكنّها مخطوطات نادرة توجد في هذه المكتبة البعلبكية العاملية التراثية. ويقول الشيخ المؤرخ إنه فعلاً لم يكن مهتماً بالمخطوطات غير أنه في رحلاته المتعددة وقع بين يديه عدد منها ويصل عددها اليوم نحو العشرين. منها واحدة لأحد علماء بلدة الكرك البقاعية الذين لا ذكر لهم في كتب التاريخ، وهي مكتوبة بخط يده. والمقصود بالمخطوطة أنها كتاب مكتوب بخط اليد في مقابل المطبوع. وقد تكون مكتوبة بخط صاحبها فنقول عنها أصلية. ويمتلك الشيخ في مكتبته مخطوطات لعالم من «أبي زيد» الذي انحدر من الكرك البقاعية إلى جزين الجنوبية، فأصبح لهذه العائلة فرعان شيعي ومسيحي. ومخطوطة أخرى جميلة جداً بخط النستعليق للملا الشيرازي. غير أن هناك مشكلة كبيرة يواجهها الشيخ للحفاظ على جودة هذه المخطوطات. إذ إنها تتطلب مكاناً خاصاً مجهّز علمياً ليحفظ هذه المخطوطات ويحافظ عليها من الرطوبة والتلف. وللأسف لا يوجد في لبنان مثل هذه الإمكانية تساعده في ذلك. لذا هو يقوم أحياناً بوضع بعض هذه المخطوطات في «البراد» لحمايتها والإبقاء على حياتها أطول فترة ممكنة.
«مركز بهاء الدين العاملي» والبحث في التاريخ :
باشر الشيخ الدكتور جعفر المهاجر رحلته في البحوث التاريخية منذ أربعين عاماً، يواصل فيها دأبه ويحفر في الماضي السحيق والقريب. ومثل أي عالم فذ قد يشدّه حدث ما إلى تتبع مسار محدد في حياته، وقع «المهاجر» تحت تأثير حبّه للشيخ محمّد بن الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي الجبعي العاملي، المعروف بالشيخ البهائي. وتعلّق به وكان كتابه «الكشكول» نقطة الانطلاق الأكبر له نحو متابعة البحث التاريخي بشكل أكثر جدية. إذ تبيّن له أن متابعة سيرة الشيخ البهائي يقتضي منه العودة إلى ذلك الماضي الذي تأسس به التشييع في المنطقة والذي انبثق فيما بعد في بلاد العجم «إيران». فالشيخ البهائي لا يزال إلى اليوم يعدّ الشخصية الأبرز في إيران، نظراً لدوره الكبير والساطع في إخراج التشييع في إيران من حال الميل الشخصي ذات الولاء الغامض إلى موقع الإمام العارف، اي من موقع المؤمن البسيط السطحي إلى موقع المؤمن العارف. من هنا أصدر المهاجر» كتابه الأول في رحلة بحثه الخاص عن «الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي».
ومن ثمّ اتجه أكثر إلى تأصيل التاريخ لمنطقة جبل عامل، انطلاقاً من إيمانه أن المنطقة الشامية «سرّنا كلّه فيها»، بدأ مع الشهيد الأول الشيخ محمد بن مكي العاملي الجزيني الذي أصدر عنه كتابا، قبل شهرين، وبناؤه للنهضة في جبل عامل التي استمرت قرنين من الزمن وانجبت مئات العلماء والاف المؤلفات. ففي مرحلة تاريخية محددة كان هناك منطقة وحيدة مضيئة في كل المنطقة الشامية اسمها «جبل عامل». وجبل عامل- كما يقول «المهاجر»- ليس له حدود جغرافية؛ هو ليس دولة بالمعنى السياسي بل هو حال ثقافية دينية غير محدودة بمكان. بدأت في جزين «بلدنا السليب»، وامتدت من مشغرة إلى كرك نوح في البقاع وإلى كل قرى البقاع الغربي والأوسط، «لذلك عندما تأخذين كتاب «أمل الآمل في علماء جبل عامل» للشيخ الحر العاملي تجدين أنه يهتم بالأعلام الكبار العظام الذين خرجوا من كرك نوح. ولاحظي أنه سمي «العاملي»..! من هنا نعرف أن جبل عامل ليس له حدود جغرافية..».
والجدير بالذكر أنه بعد هذه النهضة حدث انهيار كبير في جبل عامل بفعل اضطهاد العثمانيين الذين ظلوا يلاحقون العامليين حتى العام 1918، فحدثت هجرة جراء هذا الاضطهاد إلى أسيا وإيران والهند، فانتشر التشييع بشكل كبير في هذه الأقطار. كل هذه الموضوعات ألّف فيها الشيخ المهاجر الكتب والأبحاث.
إلى اليوم، وصل تعداد الكتب التي طرحها الشيخ المؤرخ نحو ثلاثين كتابا في تاريخ الشيعة في المنطقة العربية وفي العالم، وأخرها كان كتاب «التاريخ السرّي للإمامة»، بيّن فيه أسرار تاريخية حول العمل السري الذي قاده الأئمة (ع) منذ الإمام الصادق حتى الإمام العسكري. «في الحقيقة نحن موجودون بفضل هذه المرحلة التاريخية. وسابقا كانت المرحلة عبارة عن استيعاب للحدث وليس صنعه. فمع الإمام الصادق إلى الإمام العسكري بنيت ذاتنا كموالين لأهل البيت (ع)، وبدأ يصبح التشييع الظاهرة الأكثر نشاطا وفعالية».
المميز في «مركز بهاء الدين العاملي»، في مدينة بعلبك، أنه يقدّم مؤلفات الشيخ المهاجر بيسر وسهولة إلى كل المهتمين عبر طرحها في متناول اليد من جهة، إذ توزّع مجاناً، وإرسالها إلى دور النشر للمشاركة في المعارض العربية، ومن جهة ثانية ينشر هذه الكتب على الموقع الإلكتروني للمركز. وهناك تجاوب كبير مع هذه المؤلفات التي انفتحت أمامها الحدود الجغرافية بشكل كبير.
يختم المؤرخ الكبير الدكتور جعفر المهاجر حديثه إلى مجلّتنا :» الحمدلله قطعنا مسافة جيدة في كتابة التاريخ الشيعي، إذ خلقنا للجيل القادم عناوين مهمة وأرضية جيدة، والأهم عندي العناوين. ففي السابق لم يكن هناك من عنوان أصلا .. فسّلمنا لهذا الجيل المفاتيح التي سينطلق منها، وبشكل خاص لمنطقتنا الشامية، التي لم تحظ بتاريخ مشرّف إلا مع مجيئ النبي الأعظم (ص) ورسالته الإسلامية التي جعلت منّا أمة ذات حضارة.»..
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
لتحميل المقال بصيغة PDF: الشيخ الدكتور “جعفر المهاجر”
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
اقرأ أيضًا:
- جدليات تاريخية بنظرة مغايرة
- ابن الحكاية الدرزية المتأصّلة منذ أيام الفاطميين
- حصاد الهجرة وأشتات الذاكرة
- المؤرخ حسن نصر الله.. من أعمدة بعلبك
- التّأريخ الّلبناني معظمه مختلف
- دار حفظ التراث البحراني..
- التراث القديم يلتقي والحديث في “حوش الرافقة”
- العرائض السياسية البحرانية المفقودة في أرشيف الوكالة البريطانية
- من الأرشيف المحلي إلى العالم.. وثائق تاريخيّة تُنشر للمرة الأولى
