سيهات …نورس يطلّ علينا من قلب القطيف

سيهات …نورس يطلّ علينا من قلب القطيف

 

*أثير‭ ‬السّادة

ما بين الماء والماء

سيهات .. وطن للنّوارس كباقي المدن والقرى المطلة على الساحل في منطقة القطيف، يهبها الماء سيرتها الأولى التي تتقاسمها قوارب البحاّرة والغواصين في بحثها عن اللؤلؤ، وعن الأسماك، أحد الأطباق الرّئيسة على مائدة القوم.

المدينة الصّغيرة التي تتوسط مدينتين كبيرتين: الدّمام والقطيف، لا ترى نفسها إلا في دروس الجمع، فحتى اسم المكان مشتق من “سيحات”، جمع سيحة، أي البقعة الزراعية، حيث جُمِعَت الماء إلى الخضرة، وسيرة البحر إلى سيرة النخيل التي طَوّقت حدودها الشمالية الغربية، وجعلت منها واحة غناء، وما تزال،  على الرّغم من ملوحة التربة، وقسوة الشمس.

نداءات إردين

كان “عيال ردين” نداءً يجمع الناس في زمن الخوف  على الشجاعة والنخوة، وفروض الحرب التي كانت ترسمها طبيعة العلاقة بين أهل البلدة والغزاة من البدو، تلك العلاقة التي رسمت جغرافيا المكان عبر البوابات التي تحصن البلدة في ما كان يعرف بـ”الدّروازات”.

وما يزال هذا النداء كالماء يروي صورًا أخرى من الاجتماعات المنتجة للحياة، والصّائنة لها، فالنّاس الذين احتشدوا لنداء إردين بالأمس، وجدوا أنفسهم معنيين بالاحتشاد خلف أول جمعية خيرية في طول الوطن وعرضه، جمعية سيهات للخدمات الاجتماعية، التي تمثل لحظة تأسيسها في السبعينيات الهجرية حدثا لا يغفو في ذاكرة المكان، حيث الحلم بمدينة فاضلة يتكاتف فيها الناس مع بعضهم البعض، فكانت الجمعية محطة للأنشطة التي تبدأ بالفقراء واليتامى والعجزة ولا تنتهي عندهم، بل تمتد إلى كل أنواع العمل الخيري والإجتماعي.

نادي الخليج الذي كان يُعرَف بنادي “النسر” في منتصف الستينيات الهجرية هو باب آخر في كتاب حياة هذه البلدة، كان أول النّقش في دفاتر اللعب والفن والثقافة، وحين تطالع الأرشيف، لا تجد إلا حشودًا تتوازع المكان الصغير لتوسّع من أحلامه، وتطلعاته، تحدثك الأخبار عن أمسيات فنية ساهرة، ومعارض تشكيلية، وكائنات في صداقة دائمة مع ساعات اللعب الجميل، تنقّل النادي منذ ولادته، وعلى مدى عقود في مقرات عدة، قبل أن يحظى بمقر رسمي متكامل، يحوي كل المرافق اللازمة لممارسة مختلف الرياضات الجماعية والفردية، وفي مقدمتها كرة اليد التي ساهم نادي الخليج برواجها عبر المنطقة الشرقية، حتى أصبحت فرق السّاحل الشّرقي تتقاسم الدّوري السّعودي.

نسائم الفرح

يغمرهم الفرح في كل عرس يزين البيوت بالأفراح، وتهب في الأزقة نسائم مطرزة بنشوة البخور التي تحيل سيهات أسرة واحدة، لا يتبادل الأفراد فيها عبارات الفرح فقط، بل أشواط التعب في يوميات العرس التقليدية، حيث الذبح والطبخ والاغتسال في العيون الطبيعية بمثابة طقس جماعي يبَُجّله الناس، ويتباركون بالمشاركة فيه.

للأعراس تراتيلها المتواصلة في ليالي الفرح التي تبدأ غالبًا  ليلة الخميس وتستمر حتى عصر الجمعة، تجري فيها أنهار المدائح النبوية عبر مكبرات الصوت، والأراجيز المتعارف عليها في هذه المناسبات، لتصبح هي والأضواء المشعة دليلًا للعابرين من طرقات المدينة.

في العيد كان للفرح نافذة تطل من زاوية “المعيد”، حيث يستقر اليوم مسجد العيد، الذي أصبح اسمه مسجد عيد الغدير، هناك يجمع الرمل الناس من أصغرهم إلى أكبرهم حول أناشيد العيد وألوانه، أكمامهم البيضاء الطويلة كبياض قلوبهم التي تغتسل في هذا اليوم من همومها. في ساحة العيد، يتسابقون، ويتهادون، ويتركون ابتساماتهم قلائد تزين فضاء المكان.

أجراس الذاكرة

جامع الإمام المهدي (عج) يطل بمئذنته الرفيعة من وسط الديرة، كأول جامع بمنطقة القطيف، فكان قبلة المصلين في أيام الجمعات، وخاصة أتباع المدرسة الإخبارية والشيخ حسين العصفور البحراني، إذ كان التردد والامتناع عن إقامة الجمعة هو التّوجه السائد لدى المدرسة الأصولية بالمنطقة.

لم يبقَ الكثير من آثار مدينة سيهات وشواهدها التاريخية نتيجة للتّمدد العمراني باتجاه البحر واتجاه الرّقعة الزراعية، وكان آخرها عين “الكعبة” التي جرى هدمها في القريب، وهي من الينابيع التي تروي مزارع سيحة سيهات، وتعود تسميتها بحسب المصادر إلى القرن الرابع الهجري حيث يسود الاعتقاد أن القرامطة جلبوا الحجر الأسود إليها واتخذوها كعبة!.

هناك أيضا التل المعروف بـ”جبل القرين” والذي تسكن خلفه الكثير من الحكايات والأساطير المحلية ، ويقع في الطرف الغربي من المدينة، ويُرجّح الباحثون أن يكون مدافن عائدة لمرحلة قبل الإسلام، وقد يكون هذا الأخير الوحيد الذي مازال صامدًا وحاضرًا بين ظهراني الناس.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF: سيهات …نورس يطلّ علينا من قلب القطيف

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو 2 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا:

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>