مدونة بسايدبار مختلف

“أرشيفو” محاولة تأصيلية لحفظ التاريخ والذاكرة الشعبية

من دون وثائق ينتفي وجود المرء أيضا”، بهذا العنوان يفتتح رئيس تحرير مجلة “أرشيفو” العدد الأول مسوّغا إطلاق المجلة بـ”كي لا ينتفي وجودنا ولا تنتفي الحقيقة ولا تنتفي جهود الذين يشتغلون في الوثيقة، تأتي (أرشيفو)، أردناها شاهدة على وجودنا حيث ما كان وكيف ما كان”.

“أرشيفو” هي نشرة تهتم بموضوعات الأرشيف تصدر عن مركز “أوال” للدراسات والتوثيق، ترى أن هدفها الاهتمام بالأرشيف المكتوب والشفهي وقضاياه وإشكالاته على مستوى العالم العربي، ستصدر كل شهرين في سنتها الأولى، وهي تدعو جميع المهتمين بالأرشيف إلى المشاركة في صياغة خطابها وتحرير موادها.

ويقول رئيس التحرير إن رسالتهم في المركز هل العمل على تحرير الأرشيف من السيطرة وتسهيل عملية الوصول إليه، في حدود إمكانياتهم، بحيث تمكنوا من الوصول إلى الأرشيف البريطاني المتعلق بالبحرين (18 مجلدا) وشرعوا في ترجمته، وسيكون للمرة الأولى متوافرا الوصول إليه.

كما قاموا بتأسيس أرشيف الكتروني لتاريخ البحرين، وقريبا سيتاح للجمهور الوصول إليه عبر الإنترنت. كما أطلقوا سلسلة أبحاث تاريخية معنية بالبحرين. وقد صدر منها خمسة كتب حتى الان والبقية تأتي. وفي هذا السياق تأتي مجلة “أرشيفو” إنه سياق تعزيز حرية الوصول إلى ارشيف المعلومات “فالديموقراطية الحقيقية يمكن قياسها دائما في حرية الوصول إلى الأرشيف”.

 وتناول العدد الأول عدة موضوعات نذكر منها: تحقيق عن المكتبة التاريخية التراثية وسيرة البحث التاريخي عند الشيخ المؤرخ جعفر المهاجر، أجرت اللقاء زينب الطحان، و”دار حفظ التراث البحراني .. مؤسسة تجمع بين فلسفة العمل الفردي والالتزام بالرؤية المؤسسية” للكاتب وسام السبع،  وكان تحقيق حول مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت لحسن زراقط، وتحقيق خاص حول السجلات الوطنية في بريطانيا قام به قسم الترجمة في المركز.

وحفلت المجلة أيضا بعدد من القصص والروايات التراثية الطريفة لها علاقة بالذاكرة الشعبية ومنها : حياة الناس في القرية البحرينية قبل النفط، لأمينة الفردان، “حديث الحمير .. حكايات أيام زمان”” لحسن الوردي. وخصص ملف “متابعات” موضوعه لـ”وثائق نجد” .. تقارير امراء العثمانيين المعاصرين.

الرابط الأصلي

أعداد أرشيفو بصيغة PDF

مركز أوال يصدر النسخة المترجمة لكتاب «جستن غينغلر»: صراع الجماعات والتعبئة السياسية في البحرين والخليج (رسالة دكتوراه)

مرآة البحرين (خاص): أصدر مركز أوال للدراسات للتوثيق، ومقرّه بيروت، النسخة المترجمة من كتاب «صراع الجماعات والتعبئة السياسية في البحرين والخليج»، للمحلل السياسي المتخصص في شئون البحرين، جستن غينغلر، وهي رسالة حاز بها على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، من جامعة ميتشيغان.

ويعتبر الكتاب العمل الأحدث من بين أعمال العلوم السياسية والاجتماعية المتخصّصة في البحرين، وقد وصفه المركز بالعمل الأكثر جرأة في استقصاء وتفسير الواقع السياسي المتأزّم في البحرين ودول الخليج العربية.

النسخة الأصلية للكتاب صدرت مطلع العام 2015، عن مطبعة جامعة إنديانا الأمريكية، في حين حاز مركز أوال على حقوق ترجمتها ونشرها باللغة العربية.

وكان من المثير أن الكتاب استعرض تصريحات تنشر لأول مرة من قادة بحرينيين التقاهم غينغلر بين عامي 2008 و2009، وعلى رأس هؤلاء الأستاذ عبد الوهاب حسين، الحقوقي عبد الهادي الخواجة، والقيادي في الوفاق خليل المرزوق، وسياسيين من الطائفة السنّية على رأسهم الشيخ جاسم السعيدي، نبيل أبو الفتح، وعلي أحمد.

وعلى صفحة منفصلة، برزت في مقدّمة الكتاب اقتباسة شهيرة للشيخ عيسى قاسم، عن معسكر الحسين ومعسكر يزيد، استند عليها غينغلر كثيرا في فهم التداخل بين الدين والسياسة في البحرين، وفهم الاستفزاز أو الجدل السياسي من الباب الديني، ومحاولة الوقوف على مدى تأثير الدين في التحفيز على التنسيق السياسي الجماعي.

جستين

وقال المركز في مقدّمة المترجم إن أهمّية كتاب غينغلر، تأتي من جرأة طرحه في استقصاء وتفسير الواقع السياسي المتأزّم في البحرين ودول الخليج العربية، وانقلابه على نظرية الدولة الريعية، التي ظلّت تسود هذا الفهم على مدى أكثر من 30 عامًا.

وغينغلر محلل سياسي معروف لدى وسائل الإعلام ومراكز البحث والتفكير، وقد كتب العديد من الأوراق والمقالات حول البحرين منذ اندلاع انتفاضة 14 فبراير، في كبريات الصحف والمواقع الإخبارية، وعلى رأسها فورين بوليسي، وفورين أفير.

وضمن رسالته للدكتوراه، بدأ غينغلر في قراءة وبحث الصراع السياسي بين الجماعات في البحرين، منذ العام 2009.

وتجاوز في بحثه الجانب النظري إلى التجريبي، ليجري مسحا سياسيا جماهيريا اعتبره الأوّل على مستوى البلاد، قاس فيها المواقف والاتّجاهات السياسية، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية، لعيّنة تمثيلية مكوّنة من 500 عائلة بحرينية.

وتميّز المسح أيضا ببيانات ديموغرافية عن الانتماء الجماعي لكل عائلة، ما أنتج لديه خارطة طائفية للبلاد، وجد فيها أن نسبة السكّان الشيعة في ذلك الوقت كانت عند 57% بحسب بيانات المسح.

يجيب هذا الكتاب على سؤال مهم يؤثّر في مستقبل المنطقة وشكل الأنظمة فيها: لماذا يظل المواطن الخليجي صامتًا سياسيًا – إن كان كذلك فعلًا – ومتى يمكن أن يتوقّف هذا الصمت؟

وباختياره البحرين لتكون مثالًا نموذجيًا على فرضية الرسالة، التي تقول إن صفقة الرفاه الاقتصادي مقابل السكوت السياسي ليس لها وجود في دول الخليج، يقوم الكتاب بقياس محدّدات النشاط والسلوك السياسي على مستوى الفرد في دولة شهدت فشلًا ذريعًا في الحصول على الاستقرار السياسي المزعوم عبر الآليات الريعية. ومن هذا المنطلق، يذهب الكتاب إلى توسيع نطاق الفرضية، لتشمل كل دول الخليج الريعية، في حال توفّرت فيها ظروف مماثلة للانقسام السياسي الذي تشهده البحرين.

خريطة الصراع

وبعيدًا عن الاستسلام لما يبدو بديهيات في الصراع السنّي الشيعي، القائم على أساس ديني، والذي يُعزى له أي اضطّراب سياسي يحدث في هذه المنطقة، يذهب الكتاب بالتساوي إلى استشراق آفاق النشاط السياسي الذي يمكن أن يصعد وسط الجماعات السنّية، تحديدا في البحرين، ومن ثم في الخليج، مُرَجِّحًا أن يكون هو الناتج الفعلي للتعبئة السياسية المضادّة، التي رعاها النظام الحاكم.

ويذهب الكتاب أيضًا، عبر تحليل بيانات المسح والآراء التي جمعها من القادة السياسيين، إلى الاستنتاج بأن الصراع بين الجماعات في البحرين، هو صراع على هوية الدولة وشكل النظام السياسي، وموقع كل جماعة فيه، وليس تنافسًا على منافعها الاقتصادية، ثم يذهب إلى تحليل إمكانية أن تشهد دول الخليج الأخرى، ذات الصراع، بعيدًا عن العوامل الاقتصادية، وهو ما سيؤدّي بالضرورة إلى توقف حالة “الصمت السياسي” التي استقرّت بفضلها الممالك الخليجية، كل هذا الزمن، رغم احتكارها السلطة بشكل كامل.

مركز أوال، الذي سبق وأن أصدر النسخة المترجمة لكتاب «ما بعد الشيوخ» لكريستوفر ديفيدسون، قال إن كتاب غينغلر عمل علمي متخصص، محايد، رصين، وإنّه سيضيف قراءة متأنّية، مشوّقة، وجديدة للمشهد البحريني.

وامتدح باحثون كتاب غينغلر، واعتبرته الفرنسية لورنس لوير من أفضل التحليلات السياسية المعاصرة للبحرين، في حين قالت الباحثة البريطانية في معهد تشاتم هاوس “جين  كينينمونت”، بأنّه “لا بد  من قراءة هذا الكتاب لكل من يهمّه فهم العوامل الاجتماعية-الاقتصادية والسياسية التي تساعد على رسم الموجة الطائفية الحالية، التي ضربت الشرق الأوسط، وإثارتها.”

يتوفّر الكتاب للبيع على موقع أمازون في هذا الرابط
وفي متجر جملون في هذا الرابط

رابط المقال

عبد الوهاب حسين في كتاب «جستن غينغلر»: الفرق بين السنة والشيعة في البحرين هو الفرق بين «الفاتح والمفتوح»

مرآة البحرين (خاص): عبد الوهاب حسين، الذي راهن على خياراته، فرفض كل النداءات بالتوقّف، وخرج في مثل فجر هذا اليوم قبل 5 سنوات، ليطالب بسقوط النظام الحاكم، يحتل حيزّا رئيسيا في كتاب «صراع الجماعات والتعبئة السياسية في البحرين والخليج» للمحلل السياسي الأمريكي «جستن غينغلر»، الذي صدرت نسخته المترجمة مؤخّرا عن مركز أوال للدراسات والتوثيق.

تلمّس «جستن غينغلر» مدى التأثير الذي يلعبه عبد الوهاب حسين، على المسرح السياسي في البحرين، منذ أن التقاه في العام 2009، ولم يغفل أن يشير إلى ما عبّر عنه بتأثيره القوي في انتفاضة التسعينيات. شاء القدر أن تتسارع وتيرة الأحداث ويشهد غينغلر انتفاضة 14 فبراير بينما كان لا يزال يكتب رسالته للدكتوراه، وعليه بدا تأثير شخصية عبد الوهاب  حسين على الكتاب واضحا، خصوصا بعد الدور الكبير الذي أدّاه في 2011.

«الفاتح والمفتوح»

أطلق غينغلر توصيفا سمعه من الأستاذ عبد الوهاب على عنوان فصل كامل من كتابه «الفاتح والمفتوح… حالة العلاقات السنّية-الشيعية في البحرين».

كان الأستاذ عبد الوهّاب قد قال لجستن في مقابلة خاصة في مايو/أيار 2009، ردا على سؤال عن الفرق بين السنّة والشيعة في البحرين، بأنّه الفرق بين “الفاتح والمفتوح”، التعبير الذي وصفه المؤلّف بالتعبير البليغ.

تعليقا على ذلك، يقول جستن في الهامش، إنه لم يكن وليد الصدفة أنّ “الفاتح” سرعان ما ظهر كرمز فعلي للحركة الموالية للحكومة التي يقودها السّنّة التي أثارتها انتفاضة فبراير 2011. مشير إلى اتخاذ مسجد الفاتح قاعدة لانطلاق الاحتجاجات المناهضة للتظاهرات الثورية من قبل السّنّة الموالين للنظام، واستخدامه في تسمية عدّة تيارات سنّية سياسية شعبية جديدة، من أهمّها صحوة الفاتح وائتلاف شباب الفاتح. وحتّى أنّه ظهرت جماعة تدعى مجموعة الفاتح للجهاد الإلكتروني.

«تاريخ معارضة القوى السّنية»

في تفسير الكتاب لافتة الشيخ عيسى قاسم عن معسكر الحسين ومعسكر يزيد، يستخدم جستن عبارة أخرى للأستاذ عبد الوهاب “تاريخ التّشيع هو تاريخ معارضة القوى السّنية”، يعلّق الكاتب على هذه العبارة في الهامش: “نتيجة هذا الرأي بالتحديد، ولرفضه أي مساومة مع الأسرة الحاكمة، تمّ اعتقال عبد الوهّاب حسين والحكم عليه بالسجن المؤبّد في مطلع العام 2011”.

يسترجع غينغلر هذه العبارة مجددا، في استعراضه ما شاهده من طقوس وخطابات خلال إحياء ذكرى عاشوراء في المنامة “تخليد هذه الحلقات المؤثرة من الغدر السّياسي والتّضحية في طقوس سنوية كتلك التي في عاشوراء، مع مسرحياتها المثيرة للعاطفة، والمواكب التي في الشّوارع، وجلد الذّات، يؤكّد أن لا أحد، سواء كان سنيًا أو شيعيًا، سينسى قريبًا درس الأستاذ عبد الوهاب حسين بأن “تاريخ التّشيع هو تاريخ المعارضة ضد القوى السّنية”.

مواجهة السلطة الدينية بالسلطة الدينية

يصنّف الكتاب الأستاذ عبد الوهاب حسين بأنّه من أنصار الانفصال الكلي عن النّظام، وفي إطار مناقشة توظيف جميعة الوفاق ما قيل إنه فتوى من المرجع السيستاني لدعم المشاركة في الانتخابات عام 2006، يعتبر جستن غينغلر أن عبد الوهاب وقادة المعارضة الانفصالية بدأوا ردا على هذا التطوّر بالبحث عن شرعية دينية، أو دعم من سلطة دينية، وهو ما سّماه مواجهة السلطة الدينية بالسلطة الدينية.

يقول غينغلر إن هذا الطرف من المعارضة (عبد الوهاب حسين، عبد الهادي الخواجة، مشيمع، وغيرهم) كان يعاني من  نقطة ضعف استراتيجية هي الاعتماد الديني، ولمعالجة هذا الخلل، يضيف الكاتب “ترك الأستاذ عبد الوهاب حسين دوره القيادي طويل الأمد في حركة حق في وقت ما من العام 2008، لينظّم ما أشير إليه في بادئ الأمر ببساطة على أنّه “الحركة الجديدة”. هذه الحركة، التي أُطلق عليها لاحقًا اسم حركة الوفاء (في ضربة واضحة للوفاق) – الفرق بين اسم الوفاء واسم الوفاق حرف واحد من حيث الكتابة –  ستحاكي الوفاق من حيث التّصميم، مخضعة نشاطها السّياسي لتوجيه سلطة دينية معروفة جيدًا، تتمثّل في الشّيخ عبد الجليل المقداد”.

“وكما سيفسر الأستاذ عبد الوهاب في منزله في قرية النّويدرات، في حين تقتصر حركة حق على كونها حركة سياسية يقودها “الحرس القديم”، يمكن لحركة الوفاء أن تكون “حركة كاملة” -“دينية وسياسية ومجتمعية”- لكونها تحديدًا ذات “أسس قرآنية” على اعتبار أنّها موجهة من قبل زعماء دينيين” «صراع الجماعات والتعبئة السياسية في البحرين والخليج»، ص 185

قواعد اللعب: الاستمالة السياسية

يعتبر غينغلر أن الخشية التي دفعت الأستاذ عبد الوهاب حسين، كتلك السّائدة في خطاب عبد الهادي الخواجة في عاشوراء، وتلك التي كشف عنها السّنكيس في ملاحظته بشأن وجود “طعم لكل سمكة” لدى الحكومة، هي الاستمالة السّياسية.

يشير غينغلر إلى أنّه خلال الحملة الثانية لتسجيل الجمعيات السياسية ماقبل انتخابات 2010، والذي كانت ترفضه حركة حق وحركة الوفاء، واصل زعماء المجموعتين تحديهم الصريح لهذه العملية، على الرّغم من دعوتهم شخصيًا للاجتماع مع وزير العدل الشّيخ خالد بن علي آل خليفة.

يوضّح الأستاذ عبد الوهاب حسين “في بعض الأحيان، ترسل الحكومة رسالة إلى الجمعيات المعارضة [غير المسجلة والمحظورة بالتّالي] بأنّها مستعدة للسّماح لهم باللعب وفقًا لقواعدها، وبأن تصبح مستمالة. ولكن، في حال رفضهم، فإنها ستلعب من دون أي خطوط حمراء، ولن تتوقف عند أي ممارسات غير أخلاقية” في حربها ضدهم. على سبيل ضرب مثال، ادعى أن الملك البحريني “التقى أكثر من مرة” بأرفع شخصيات المعارضة، على وجه التّحديد مشيمع في لندن في العام 2008. ورغب الملك حمد، بحسب وصف الأستاذ عبد الوهاب، “أن يرى إن كانوا مستعدين للحوار”. ولكن، وفقًا لقوله، لم يكن اللّقاء “للحوار بل للاستمالة كما حصل مع الوفاق”.

يتوفّر الكتاب للبيع على موقع أمازون في هذا الرابط

وفي متجر جملون في هذا الرابط

رابط المقال

الأخبار: إعادة إصدار كتاب «القبيلة والدولة» للكاتب فؤاد إسحاق خوري

 يبدأ المؤلف خوري مقدمة كتابه «القبيلة والدولة» بهذه العبارة: «ما هذا الكتاب عن القبيلة والدولة في البحرين سوى محاولة متواضعة للوقوف على المتغيرات المستجدة في نظام السلطة والحكم خلال القرنين الماضيين». وكان يقصد بالقرنين التاسع عشر والعشرين، لأنه كتب هذا المؤلف عام 1975 تقريباً. لكن منذ ذاك التاريخ حتى اليوم، ومع أنها مجرد حوالى 40 سنة من عمر الزمن البحريني، فإنها قد جلبت على تلك الجزر الصغيرة الآمنة الوادعة في الخليج وعلى سكانها، أضعاف ما جره عليها القرن ونصف القرن الماضيين.

ليس من باب الويلات والحروب، بل من باب التغيير الديموغرافي والاجتماعي، وحتى البيئي، الذي فعلته القبيلة مستغلة صفة الدولة التي أسبغتها عليها سلطات الحماية البريطانية، منذ ما عُرف في تاريخ البحرين بإصلاحات (الميجور ديلي) بعد عام 1920، ثم التغييرات التي قادها المستشار (تشارلز بلجريف) من 1926 حتى رحيله عام 1957، ورسخت جذور الدولة التي تلقفها آل خليفة، معتقدين أنهم ــ بطبعهم القبلي البدوي ــ يستطيعون إدارتها قهراً، أو قسراً، أو اضطهاداً تارة، أو ترغيباً وترهيباً بدعم القوي البريطانية، تارة أخرى.

هذه السنوات الأربعون أضافت تغييرات عديدة أثرت في المجتمع بتماسكه وعفويته وصفائه، بتلوث آخر من نوع جديد لم يكتب عنه خوري آنذاك لأنه لم يلحظه كليا، وهو التغيير الديموغرافي بالتجنيس السياسي، ومحاولات طمس الهوية الوطنية الأصيلة، وتشويه تاريخ الوطن وحصره في فئة قبلية طارئة واحدة تمثل عنوان حضارة الجزر ولا أحد سواها.

يبحث الكتاب في معظم فصوله، في تلك العلاقة غير الطبيعية التي نشأت بين القرية البحرانية بمدلول الكلمة اللغوي والاجتماعي للسكان الأصليين لجزر البحرين، وبما أفرزته على مدى قرون سابقة؛ والمدينة الحديثة التي أنشأتها القبائل الغازية للجزر في نهاية القرن الثامن عشر، وما تبعتها من تنظيمات إدارية انكليزية الصنع والتنفيذ على أرض الجزر لتثبيت حكم القبائل الخارجية ضد النسيج الاجتماعي الديني للقرية البحرانية. ذلك أن القبلي البدوي الآتي من صحراء الجذب والقحط، لا يمكنه إنشاء قرية زراعية، أو بحرية يعتاش منها، ولذا فضل أن يكون عالة على حياة القرى باعتماده أساسا على سياسة النهب منها.

تحولت الحالة في البحرين طوال القرن التاسع عشر حتى العقد الأول من القرن العشرين، بالنسبة إلى القبائل الغازية، من حالة سلب ونهب بمفهوم الصحراء؛ إلى سلب ونهب في المجتمع القروي البحراني، وفي ثرواته من الصيد البحري وبالذات اللؤلؤ، دون العمل وتعلم المهنية في الكسب، حتى في مجال صيد اللؤلؤ. وهذا ما رفضه المجتمع البحراني في القرى الصغيرة الغنية المتناثرة على رقعة الجزر، لكن هذا المجتمع القروي في أساسه وتكوينه النفسي والاجتماعي ليس مجتمعا معسكَراً بطبعه، ولا يقوم أساساً على العقيدة القتالية ولا يتبناها لأسباب دينية عقيدية مذهبية خاصة. لذا فهو لم يتحول بين ليلة وضحاها إلى مجتمع مقاتل متوحد في عقيدته القتالية، لأنه في الأصل، برغم تجانسه المذهبي تقريباً، فهو مفكك في وحدة المواجهة وتبرير تلك المواجهة مع العدو الغازي من الخارج مهما كانت أنواع تلك التبريرات.

هذا الأمر يمكن ملاحظته طوال تاريخ البحرين القديم، والإسلامي، والحديث. فحتى حضارة أو مملكة دلمون الذائعة الصيت؛ لم نسمع عنها عند أي باحث، أو مؤرخ، أو آثاري، بأنها كانت مملكة حربية غازية أو مهاجمة لقوى خارجية إقليمية أو دولية، أو حتى صاحبة عقيدة حرب نظامية أو حرب العصابات أو مقاومة مسلحة ضد أى غزو للجزر. وهذا ما ساعد كافة القوى الخارجية، ومنها القبائل الوافدة من شبه الجزيرة العربية في حركة العتوب منذ عام 1783 التي يُطلق عليها المؤلف لفظة «احتلال آل خليفة»، أن تنجح في التغلغل والسيطرة النارية على الجزر دون وجود أو بروز مقاومة حقيقية فعالة على الأرض ضدها.

أيضا هذا ما درسه الإنكليز وفطنوا إليه، وبدهائهم وقفوا بجانب القوى القبلية الغازية المقاتلة ودعموها بالسلاح في أكثر الأحيان للسيطرة الدائمة على جزر البحرين، بل دافعوا عن هذا الوجود الطارئ القبلي بأن عملوا على تثبيته لأسرة آل خليفة ببعض التنظيمات الإدارية الحديثة منذ عهد (ديلي)، وإن كانت بداية لم تعجب هذه الأسرة لأن ذلك أشعرها بأنها يجب أن تتحول من سياسة النهب والسلب غير المنظم إلى نوع من التقشف في ذلك السلب، وترك بعض الثروات لإدارة الدولة الحديثة، التي ستدر موارد أكثر على الأسرة نفسها.

تلك التنظيمات التي سرعان ما حولتها رغبة القبيلة إلى نوع آخر حديث لا يخلو من السلب والنهب. حتى اليوم ضمن عقيدة الغزو والفتح البدوية، لم تستطع كل تنظيمات الإنكليز ــ منذ (ديلي) ومروراً بـ(بلجريف) وغيرهما من المعتمدين السياسيين حتى الاستقلال الشكلي عام 1971 ــ من مسح كل ترسبات عقيدة البدوي بنهب مال غيره، فهي أصيلة في كيانه، وتكوينه، وعقليته. وهذا ما أوجد إشكالية حكم القبيلة في صورة الدولة التي لم يسمح لها بأن تنضج بكل مكوناتها الحضارية الحديثة من ديموقراطية، وحرية الرأي، وحقوق الإنسان، وبرلمان منتخب، والاعتراف بالآخر الذي لا يدخل في نسيجها القبلي أو لا يعترف بذلك النسيج الهش أساساً اقتصادياً، لكونه قائما على سياسة النهب والسلب بالطرق الحديثة في ما يُطلق عليه (الفساد الحكومي). بل تحولت إلى نوع من الدول القائمة على احتكار السلطة الدائم من القبيلة الواحدة، وتحويل المجتمع إلى مجموعة من المفارقات والتناقضات بين مختلف فئاته الاجتماعية.

يمكن زيادة مثل هذه المفارقات وفق الحاجة إليها، حتى إن وصلت لتشطير المجتمع عرقياً، ومذهبياً، واجتماعياً، من أجل بقاء قبيلة الدولة المصطنعة. فهل هي قبيلة في صورة دولة، أم دولة في صورة القبيلة؟
لم يكن هدف «مركز أوال» من إعادة طبع ونشر كتاب «القبيلة والدولة» بعد حوالى 32 عاماً من صدور طبعته الأولى، مجرد إضافة رقم طبعة جديدة للكتاب الذي أضحى تحت إلحاح وسؤال القراء خلال المدة الأخيرة بهدف الحصول على نسخ منه؛ بل أعدنا قراءة متأنية له من جديد، ليس بهدف صياغة مادته أو تغيير محتواها، فهذا من شأن وحقوق المؤلف فقط. بل جرى إلباس الكتاب ثوباً تحديثياً في معلوماته بعد مضي كل تلك السنوات وما ران على المجتمع البحريني خلالها من تغييرات جمة متسارعة، غيّرت تماماً أو حذفت بعض القضايا التي كانت مؤثرة في الساحة السياسية في حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، ولم تعد كذلك الآن، وخصوصاً ما يتعلق منها بالنخب السياسية والمثقفة ودرها في مجتمع تلك المرحلة.

كما صُوّب ما علق بمتن الكتاب وترجمته منذ الطبعة الأولى؛ من أخطاء تاريخية ومطبعية ولغوية بعضها لافت للنظر، وذلك إما عن طريق مبضع الجراح اللغوي أو الثقافي داخل النص، وإما بمعالجات خارجية، بإضافة هوامش على كل فصل لتوضيح ولتصحيح ولتحديث كل الإحصاءات والمصطلحات، وبعض الترجمات غير الدقيقة للنص الأصل، والمسميات، والمواقع، والأحداث، التي وقعت على أرض جزر البحرين ووردت ضمن النص الأصل وأُهملت منذ الصدور الأول، بالإضافة إلى وضع بعض المعلومات المشوشة أو القديمة في عدد من الجداول، والرسوم البيانية، والهوامش الواردة في المتن، على السكة الصحيحة ضمن مسار الكتاب.

حرصنا أيضاً على توضيح بعض الملابسات في الرأي التي أوردها المؤلف تجاه بعض نواحي المجتمع البحراني وفعالياته الدينية العقيدية، دون تحريف رأيه الخاص، عن طريق وضع هوامش توضيحية لأي وجهة نظر أو رأي، كان في حاجة، من واقع علاقتنا ومعرفتنا بمجتمعنا، والمؤثرات الداخلية والخارجية التي أدت، ولا تزال، دوراً مهماً وحيوياً في مسيرته التاريخية.

أخيراً، نشرنا في هذه الطبعة ترجمة للفصل الخاص بتجربة المؤلف في العمل الميداني بالبحرين في السبعينيات، وقد نشره في سيرته الذاتية (دعوة للضحك: عالم انتربولوجيا لبناني في العالم العربي) وقد طبع الكتاب باللغة الإنكليزية بعد وفاة المؤلف في 2003.

* «مركز أوال للدراسات والتوثيق» 14 شباط 2016

رابط المقال 

الأخبار: قراءة في كتاب «صراع الجماعات والتعبئة السياسية في البحرين والخليج»

كتاب «صراع الجماعات والتعبئة السياسية في البحرين والخليج»، للدكتور جستن غينغلر، هو قراءة متأنية للمشهد البحراني، لم تبدأ في عام 2011 مع الانتفاضة فقط، بل مع الإصلاحات البريطانية منذ العشرينيات. قابل المؤلف بين نظرية الدول الريعية القائلة إنه لا بد للرفاه الاقتصادي للمواطنين من دفعهم إلى الإذعان السياسي، وبين المشهد الحقيقي في دول الخليج عامةً والبحرين خاصة.

انطلق غينغلر في كتابه من مفردات ونظرية الدولة الريعية التي تقول إنه إذا أمّن الحاكم الرفاه الاقتصادي والراحة للمواطنين، فإنه سيحصل مقابل ذلك على الإذعان أو الصمت السياسي أو ما نسميه نحن بالعامية «راحة البال». لكن غينغلر يرى أن هذا لا ينطبق على البحرين انطلاقاً من المسح الذي أجراه وتابع فيه محددات السلوك السياسي والتصرفات السياسية للفرد وللمجتمع البحراني. وقد ذهب أبعد من ذلك بالقول إنه إذا تأمنت الظروف التي تشهدها البحرين في الدول الخليجية الأخرى، فإن ذلك لن يحصل أيضاً. بمعنى آخر: الصراع في البحرين صراع سياسي بامتياز ولا علاقة له بالاقتصاد.

المشهد السياسي، الذي نستقرئه من كتاب «صراع الجماعات»، ظهر من المسح الذي أجراه جستن غينغلر ليبيّن لنا أن هذا الصراع سياسي بحت، برغم محاولة الطبقة الحاكمة الزج به في خانة الصراع الديني الطائفي «السني ــ الشيعي»، وهو مطالبة من المواطنين بتحديد هوية الدولة وتحديد شكل النظام السياسي بإبعاد فئة معينة عن احتكار السلطة السياسية في البلاد والتحكم بممتلكات هذه البلاد على جميع الأصعدة. أكبر مثال على ذلك ما ذكره المؤلف عن محاولة الملك حمد تخصيص مكافأة مالية معيّنة لكل أسرة ولكل فرد في الأسرة البحرانية، وقد رفض البحرانيون ذلك، وهذا الأمر يبعده أيضاً عن كونه صراعاً اقتصادياً. إنه صراع يحاول تحديد مسار الحكم في البحرين والعودة به إلى الملكية الدستورية الديموقراطية التي تطالب بها المعارضة منذ سنوات خلت.

في بداية انطلاق المسح، حاول المؤلف العمل مع «مركز البحرين للدراسات والبحوث»، لكنه أبلغ لاحقاً بتعذر الأمر نظراً إلى الرغبة عن مخاطرة المركز بإجراء مسح ميداني قد تكون نتيجته سبباً لغضب الحكومة. لذلك، اضطر غينغلر إلى تنفيذ هذا المسح وتنظيمه وحده، بمساعدة متطوعين ومحاورين ميدانيين أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، حاول إجراء مقابلات مع مكونات الطيف السياسي البحراني كافة، وشارك في أمور ميدانية متعددة؛ منها مراسم إحياء «عاشوراء» والاستماع إلى خطاب عبد الهادي الخواجة والمشاركة في مجالس سياسية لنواب «سنة» وما إلى ذلك للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات الميدانية.

عمل الكاتب أيضاً على عينة عشوائية، وحاول أن تكون عينته بقدر الإمكان تمثيلية لمختلف أطياف ومكونات الشعب البحراني، وقد درس فيها مختلف المؤشرات الوظيفية والتعليمية والاقتصادية. ولإجراء هذا المسح، كان لا بد للمحاورين الميدانيين الذين عملوا مع غينغلر، من زيارة بعض البيوت، ولكن نظراً إلى التركيبة الطائفية الخاصة في البحرين ولقصور أهل البلاد (وفقاً لمصطلح استخدمه الكاتب بنفسه للتعبير عن هذه الحالة) في إخفاء هويتهم الطائفية، كان لا بد من زيارة المناطق «الشيعية» من محاورين ميدانيين «شيعة»، وكذلك الأمر في المناطق «السنية». أما في المناطق أو المجمعات المدنية الكبيرة، كما في المنامة وغيرها، فكان لا بد من حصول مقابلات «سنية ــ شيعية» مع الأفراد.

في ما يتعلق بطبيعة المسح، لا نستطيع القول إنه كان إحصائياً بل كان مسحاً جماهيرياً يعتمد على عينة تمثيلية مكونة من 500 وحدة أو منزل، وهي تمثل جميع طوائف أو مكونات الشعب البحراني. وما يساهم في كونها تمثيلية حصول المؤلف عليها من «مركز البحرين للدراسات والبحوث» قبل أن يتخلى هذا الأخير، كما ذكرنا سابقاً، عن مساعدته في إجراء البحث.

تطرق غينغلر في الكتاب، أو في استمارة المسح (أي أداة البحث)، إلى مجموعة من الأسئلة الحساسة نوعاً ما. عالج تقييم انتخابات 2006 لدى المواطنين البحرانيين، وتكلم على احتمالات مشاركة هؤلاء المواطنين من «السنة» و«الشيعة» في التظاهرات، وعن تقييم الأداء الاقتصادي للدولة لديهم مقابل مؤشرات؛ منها المستوى الاقتصادي للأسرة. درس أيضاً مراتب هؤلاء المواطنين ووظائفهم في الدولة مقابل المستوى العلمي والطائفة التي ينتمون إليها. وكان هناك عدة أمور لافتة في النتائج التي حصل عليها؛ منها نسبة المواطنين «الشيعة» في كل من الشرطة والجيش ووجود مواطنين «سنة» يتمتعون بمستويات علمية أقل من نظرائهم «الشيعة»، ولكنهم يحصلون على وظائف أفضل.

كان لافتاً أيضاً عن تأثير التديّن في السلوك السياسي وعلاقة التدين بالاعتزاز الوطني لدى كل من «السنة» و«الشيعة»، وقد كان هذا التباين ظاهراً في الوظائف العسكرية وفي غيرها وكذلك في وجهات النظر والسلوك السياسي لدى البحرانيين. وتطرق الكاتب أيضاً إلى دعمهم لكل من الحكومة والمعارضة ومدى تقييمهم للحراك وأمور أخرى.

بخصوص المعوقات التي واجهها المؤلف في عمله، لا نستطيع الكلام على وجود مضايقات فعلية بقدر ما نستطيع الكلام على إعاقات. نذكر على سبيل المثال الخوف لدى المحاورين من إجراء مقابلات في بعض المناطق لخشيتهم من تبليغ جيرانهم عنهم للحكومة وهو أمر قد يضرهم كثيراً.

كتاب «صراع الجماعات والتعبئة السياسية في البحرين والخليج» يتضمن ستة فصول. في الأول، نجد تفصيلاً لما يطلق عليه نظرية التعبئة السياسية على مستوى الجماعات في الدول العربية في الخليج، ويناقش المؤلف فيه فرضية مفادها أن المهمة الأساسية للحكومات الريعية ليست توزيع ثروتها على السكان، بل إنها تحاول فعل ذلك بأبخس ثمن ممكن.

وهناك إضافة في الفصلين الثاني والثالث إلى هذا التوضيح النظري، فيدرس المؤلف التعبئة السياسية الطائفية في البحرين ويحاول تقييم وضعها. ويأتي هذا التقييم من مقابلات مع حوالى عشرة زعماء سياسيين ودينيين بحرانيين. في الواقع، أربعة منهم يقضون حالياً مدة طويلة في السجن على خلفية أدوارهم في انتفاضة الرابع عشر من شباط. يتكلم غينغلر أيضاً على استبدال سياسات التنافس الاقتصادي بتنافس قائم على أساس الجماعات لتحديد ما تكلمنا عليه سابقاً، أي تاريخ الأمة وهويتها الثقافية وأسس المواطنة أيضاً.

في الفصل الرابع، يقدم تمهيداً عملياً لتحليل المسح الشامل الذي أجراه للبحرين. بمعنى آخر، يُبرز طريقة المسح الفعلي ويتطرق إلى الأسئلة النظرية التي واجهها وكذلك الأسئلة على مستوى منهجية البحث، ليقدم ما يعتبره أول صورة مباشرة موثوق بها لما نسميه الديموغرافية الطائفية في البحرين منذ المسح الأول الذي تم إجراؤه في 1941.

في الفصل الخامس، يحلل الكاتب البيانات ليقيم النظرية أو الفرضية الأساسية للكتاب، فيتكلم على التوظيف في القطاع الحكومي ويقارنه بالانتماء السياسي للفرد. كما يستخدم بيانات المسح على المستوى الفردي لمعرفة هل كان التصرف أو السلوك السياسي للمواطنين يتأثر بطريقة ما بالوضع الاقتصادي أو بما يمكن تسميته الرضى المادي، وهذه هي الفرضية الأساسية للدولة الريعية. ويتطرق أيضاً إلى تأثير الانتماءات والتوجهات الدينية الطائفية على السلوكيات السياسية ليخرج بخلاصة مفادها أن فرضية الدولة الريعية لا تتحقق في البحرين.

أما في الفصل السادس، فيستذكر المؤلف كل ما تقدم ذكره ليعتبره خلاصة يمكن الانطلاق منها إلى بحث أوسع على مستوى الدول الخليجية العربية، وذلك لمقارنة أو معرفة الاتجاهات السياسية في المنطقة، ويُلَمّح أيضاً إلى إمكانية إجراء هذه التجربة في الممالك الخليجية الستّ وقياس فرضية الدولة الريعية في كل منها.

غنى مونس
* باحثة ومترجمة من لبنان

رابط المقال

السفير: ممالك النفط: الصمت مقابل الإنفاق

تتسم الأنظمة السياسية والاجتماعية في دول الخليج والممالك العربية، بتعقيدات قلما وُجدت في غيرها من الدول، ومن النادر أن نجد نظامًا سياسيًا، او دولة او مملكة في العالم تشبهها. ولعل بعض الأنظمة العربية الأخرى تتشارك في صفات عديدة، منها المبدأ نفسه في التوارث، أو الانقلابات، أو القمع، من التي لفحتها مؤخرّا رياح الأحداث التي بدّلت في وجه المنطقة منذ إحراق البوعزيزي نفسه في تونس، لكنها لم تصل بعد إلى الأنظمة الريعية، التي تعتمد على الأموال وسيلةً لتثبيت حكمها، والتي قد نجحت في خلال العقود غير القليلة الماضية في البقاء صامدة في وجه الأعاصير السياسية والأمنية التي واجهها العالم والمنطقة، وأُطيحت فيها رؤوس وأيديولوجيات وأفكار كانت تمثّل احلامًا لمئات الملايين من العرب وكوابيس لكثير منهم أيضًا، ونرى إليها قد نجحت في أن تبقى موجودة خلف هذه الأسوار العالية.

يقول الخبير لدى الأمم المتحدة في شؤون السياسة والتنمية في الممالك الخليجية كريستوفر ديفيدسون: «منذ تأسيسها، وفي بعض الحالات منذ استقلالها في منتصف القرن العشرين، ظلت الممالك الخليجية خاضعة لأنظمة استبدادية للغاية وقديمة جدًا، ومع ذلك، أظهر حكّامها قدرةً مذهلة على التأقلم برغم الصراعات الدموية التي شهدتها على عتباتها… من الواضح أن الممالك الخليجية أكدت من جديد، وللوهلة الأولى، أنها معقل الاستقرار الحقيقي الوحيد في الشرق الأوسط. وحتى عند اندلاع العنف والاضطرابات في بعض مدنها، تم احتواء ذلك في أغلب الأحيان، ما حفظ سلامتها بشكل ظاهري، كأنظمة شرعية».

السؤال المركزي المطروح دائمًا، يتمثّل في ماهية العامل الوازن الذي يسمح لعروش بُنيت على أساس عائلي توريثي قمعي تسلطيّ، من البقاء، وعدم اكتفائها بالمحافظة على سلطتها، بل نرى إليها تمدُّ يدها باستمرار للعبث بأمن الدول التي تخاصمها أو تختلف معها في السياسة، أو الرؤية أو في العقيدة.

فما هي هذه الصفقة المعقودة بين المواطن والسلطة في هذه الدول الريعية، أو ما هي هذه الوصفة السحرية التي تجعل من أنظمة متخلّفة في عصر بلغ من التطور والحداثة ما بلغ، في المحافظة على كياناتها وعروشها من التغيير والإطاحة؟

برأينا أن ثمة عوامل عديدة ساهمت في بقاء هذه الأنظمة وعدم تأثّرها إلى اليوم بعوامل التغيير المحيطة.
سنعالج في هذه المقالة اثنين منها: يتمثّل الأول في النظام الاقتصادي الذي ينهض على الريع، والذي تتبعه هذه الممالك والإمارات في تعاملها مع مواطنيها، والذي يمثّل رشوة مقنّعة إن لم تكن سافرة في شراء صمت الأفراد.

يقول الباحث الأميركي جستن غينغلر في كتابه «صراع الجماعات والتعبئة السياسية، في البحرين والخليج» الصادر في الولايات المتحدة الأميركية من جامعة أنديانا، وترجمه بالعربية وأصدره «مركز أوال للدراسات والتوثيق» في نهاية العام 2015 وقارب فيه تاريخ البحرين وحاضرها، وعلاقتها بدول الخليج، ولا سيما السعودية، إنّ «الصفقة السياسية المقصودة التي سمحت بالطول غير المتوقع لعمر هذه الدول الريعية، والممالك الخليجية خصوصًا، منذ صعودها إلى دائرة الضوء على مدى نصف القرن الماضي، أن المواطنين العاديين راضون بالتنازل عن دورهم في صناعة القرار مقابل دولة رفاه معتمدة على الموارد، خالية من الضرائب». ويتجلى تفسير ذلك في حصول هذا المواطن على أكثر مما يستحقه، وممّا ينتجه، وحصول السلطة على دعم سياسي أكثر مما تستحق، ليتحوّل المواطن في هذه الدول القائمة على الريع، إلى زبون تجاري. ويأتي ما قاله الإيراني حسين مهدوي في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، في السياق نفسه من «أن الدولة الريعيّة لا تحصل على مواردها من الضرائب التي تفرضها على مواطنيها، وبالتالي فهي لا تخضع إلى محاسبة هؤلاء، فتصبح «مستقّلة سياسيّاً» انطلاقاً من «استقلالها الضريبي» وأنّ هذه الدولة تعتمد «سياسات توزيعيّة تؤدي إلى إخراج السكان من الحيّز السياسي وبالتالي من أي مطالبة بالديموقراطيّة».

وينقل غينغلر عن كتاب لنزيه الأيوبي بعنوان «البيروقراطيات العربية: حجم متضخم، أدوار متغيّرة» أن الوظيفة الضريبية تصبح في الدول النفطية معكوسة «حيث تفرض الدولة عادة الضرائب على المواطن مقابل خدماتها، في حين أن المواطن الخليجي هو الذي يفرض الضرائب على الدولة، من خلال اكتساب دفعة مالية من الحكومة، أي راتبًا، مقابل بقائه هادئًا، وعدم اللجوء إلى الخصومات القبلية، وعدم تحدي وضعية الأسرة الحاكمة»، إضافة إلى عدم تفكيره أو عمله أو تخطيطه للمشاركة في الحكم والسلطة، أو العمل على تغيير القوانين الموضوعة على قياس الحاكم نفسه، من خلال الثورات وغيرها.

ويؤدي العامل الثاني دورًا فاعلًا لا يقل أهمية عن الأول، بل لعلّه يتقدّم عليه، وهو الدعم الأميركي الغربي المتواتر والثابت لهذه الأنظمة.

لذلك، فمن اللافت والمستهجن أننا لا نسمع من الأميركيين والغربيين، أي إشارة أو تصريح أو حثّ على تداول السلطة في السعودية والخليج وبعض الأنظمة الموالية لهم، والمنطقة تعيش في ذروة التغييرات التي أنتجت حروبًا دموية بحجة المطالبة بالديموقراطية والتغيير في كثير من البلاد العربية. وما غضُ النظر هذا، والتعامي عما يحصل في تلك الممالك، إلا تغطية لها وحمايتها من أي مجازفة قد تؤدي الى التفريط بالمصالح الأميركية في منطقة شديدة الأهمية في الاقتصاد والسياسة والأمن العالمي، برغم ارتكاب هذه الأنظمة أو مواطنيها «فاولات» كبيرة في أزمنة متعددة، لم تجعل الولايات المتحدة بإدارة المحافظين الجدد، وفي ذروة انفعالها من نتائج الحادي عشر من أيلول 2001 ووجود خمسة عشر سعوديًا في العملية، أكثر من الطلب بلطف من السلطات السعودية التعديل في بعض المناهج الدراسية التي تحثّ على العنف والقتل. ولكنها استمرت في دعم حكمها الى يومنا هذا. وربما تكون صورة السفير السعودي السابق، ومدير المخابرات لاحقًا بندر بن سلطان، وهو يجلس مبتسمًا في لباسه الغربي على حافة الأريكة التي يجلس عليها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، ودماء الأميركيين لا تزال على الارض؛ خير معبّر على عمق التقاطع في المصالح بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية.

فإذا كانت معادلة الإنفاق مقابل الصمت هي رافعة هذه الأنظمة وبقاؤها على قيد الحكم، فإنّه قد يصبح سلاحًا يحمل مفاعيل ارتدادية مدمّرة إذا ما تراجع منسوب الموارد الاقتصادية للدولة وبالتالي للمواطنين.
لذلك تحضر الفرضية الأخرى، عن البديل الذي سيملأ فراغ الرشوة الجمعية للمواطنين بعد الاقتراب من الخطوط الحمراء في عجز الموازنات التي تـنبئ بمشكلات اقتصادية وإنفاقية جسيمة، وعن النتائج المرجوة من التحول البنيوي في السلوك الاقتصادي الريعي القائم على الانفاق. ويتبدّى ذلك بوضوح بعد الهبوط الحاد في اسعار النفط، وهو المورد الرئيس التي تنهض عليه اقتصادات دول الخليج، مما أدى إلى فرض ضرائب على المواطنين في السعودية على سبيل المثال، في اعقاب الإعلان عن العجز السنوي في الميزانية العامة للعام 2015 والذي بلغ 87 مليار دولار أميركي، وعزم المملكة على بيع جزء من أسهم «أرامكو» الشركة الأكبر للنفط فيها وفي العالم، في ظل الحرب التي تخوضها على اليمن التي تكلّفها اكثر من مليار دولار شهريًا، وإضافة إلى الدعم المادي المفتوح والمكلف للمسلحين في كل من سوريا والعراق.

فهل إن تغيير السلوك الاقتصادي، بعد ما تشهده هذه الدول من مشاكل، والتحوّل عن الريع الذي ينتج الرضى والصمت، يحفّز المواطنين إلى التطلع نحو تغيير سياسي؟ وهل يستطيع المواطن الخليجي أن يقوم بثورة على أنظمة متمرسة في الحكم والقمع والتسلط؟ هذا ما سنقاربه إن شاء الله في مقالة لاحقة.

رابط المقال 

نصوص متوحشة

الكتاب : نصوص متوحشة..
التكفير من ارثذوكسية السلاجقة الى سلفية ابن تيمية

تأليف /  علي أحمد الديري
عرض / أزهر الموسوي

سيمضي وقت طويل حتى يدرك المسلمون “والمتضررون” العلاقة بين الجرائم المتوحشة التي ترتكبها المنظمات التكفيرية وعلى راسها داعش ومنظومات الافكار الفقهية والتاريخية الموروثة عن بعض الاسلاف. لكن المؤلف فالبحريني علي احمد الديري يتوغل سريعا في هذه الغابة الكثيفة من الاحداث والصور رابطا ربطا تعليليا وبلغة ادبية شفافة وجميلة بين وقائع الحاضر الصعب وجذورها في التاريخ العربي الاسلامي. في كتاب “نصوص متوحشة.. التكفير من ارثذوكسية السلاجقة الى سلفية ابن تيمية” الصادر عن مركز اوال للدراسات والتوثيق يفاجئ قراءة بنصوص متوحشة اخذت صفة العقيدة الدينية التي اوجبت كفر المخالفين خاصة بين القرنين الخامس والسابع الهجري في اغلب حواضر الاسلام الرئيسة وبالذات في العراق.

ركز الكاتب اكثر على شخصية خطيرة هي شخصية الامام الغزالي خاصة في كتابه “فضائح الباطنية” وكذلك على ابن تومرت الذي عمل في ظل دولة الموحدين فقيها لها وعلى ابن تيمية في كتابه الشهير”العقيدة الواسطية”. صنف الامام ابو حامد الغزالي بحسب بحث الكاتب من لا ينتمي الى “اهل السنة الصحيحة” الى كافر او مرتد. فيقول الكاتب ان الغزالي كان يقصد بذلك الاسماعيليين والفاطميين في عهده الذين اتهمهم الاسلام السني المغالي بالتحالف مع الصليبيين فيما اخفى حسب راي المؤلف كل النقاط المضيئة في تاريخهم لانهم ليسو على مذهب الحاكم العباسي او السلاجقة الذين هم الحكام الفعليون. يركز الكاتب ايضا على المدارس النظامية التي اسسها الوزير نظام الملك 1067 م. وهي المدارس التي عممت منظومة الوعي التكفيري وكانت مهمتها حسب وصف الكاتب الترويج لـ”الارثذوكسية السنية”  وذلك باستخدام نتاجات الباقلاني والجويني وبالذات الغزالي. يعتقد الكاتب ان التوحش يبدا من هنا وخاصة من نصوصهم التي خدمت السلطة فاستخدمتها جهازا ايديولوجيا وسياجا منيعا ” متوحشا ” ضد مخالفيه “حتى السلميين منهم”.

لقد تمت الاجراءات لضمان واستمرارية هذه المواقف لهؤلاء الثلاثة وتثبيتها بتقادم الزمن حتى اليوم باعتبارها شعيرة دينية عنوانها حسب راي المؤلف “اقتل ولك الجنة”. يسال الكاتب سؤالا ويجيب عنه وهو: لماذا نفتح نصوص التوحش في تراثنا الان؟ ويجيب لان هناك وحشا حقيرا يسرق وجوهنا باسم الدين والخلافة الاسلامية والمدارس الاسلامية والائمة الاسلاميين حيث يعتبرنا هذا الوحش اعداءه الذين يجب قتلهم وسبيهم وهو ينظر الى ممارساته هه كعبادة كما سائر العبادات من حيث كون التكفير شعيرة دينية. يتهم الكاتب المدارس والجامعات العربية والاسلامية “بعقد تحالف” مع ابن تيمية فصارت كتاباته وفتاواه “دستورا” يحكم وفقها ملوك السلطة وولاة الامر والوحوش القاتلة. ويضيف: لن تجدي معنا كل عمليات التجميل والترقيع ولن تتمكن شركات العلاقات العامة مهما ملكت من اساطين الاعلام واساطيره من تحسين صورة وجوهنا الكالحة فلابد من قتل وتفكيك ادواته الفتاكة.

يعتبر هذا الكتاب اضافة مهمة جدا للمكتبة العربية والثقافة العربية في هذا الزمن لعدة اسباب لعل اولها جراة الكاتب في تسميته الاشياء باسمائها الصريحة الواضحة من غير تزويق ولا شعور كاذب بـ”مشاعر الاخرين” فمشاعر هؤلاء تمت مراعاتها قرونا طويلة رغم انها مشاعر وحشية وفتاكة.

علي الديري: أردت وضع إصبعي في وجه الوحش الذي يهدّدني

حاورته جنى فواز الحسن

علي الديري، كاتب بحريني شاء أن يضع إصبعه على مكمن الجرح، فكان مصيره النفي والإبعاد عن وطنه الأمّ. سحبت السلطات البحرينية الجنسية من الكاتب والأكاديمي والصحافي بسبب تعبيره عن رأيه بشكل واضح وصريح بلا مواربة، حسب تعبيره.

صاحب كتاب “خارج الطائفة” طرح تساؤلات حول ثنائية الخارج والداخل، الوجود خارج الطائفة وداخل المدينة والدولة والوطن، مدافعاً عن علمانية الفكر. لكنّ إلى أيّ مدى نتمكّن النفاذ فعلياً من مجتمعات تدفعنا إلى مذاهبنا حتّى إن شئنا أن نترك معتقداتنا الدينية للممارسات الخاصة؟

تجربة الديري مؤلمة وموجعة من دون شك، ليس له فقط، بل لمن يشاركه همّ رفع الهوية الإنسانية أعلى من أيّ هوية أخرى. عاد مؤخّراً الديري بمؤلّف جديد  «نصوص متوحشة… التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية»  صادر عن (مركز أوال للدراسات والتوثيق)، يناقش فيه الكاتب نصوصاً “متوحشة” من التراث الإسلامي ليحفر في التأريخ بحثاً عن أجوبة لمأساة الحاضر.

كان لموقع (إرفع صوتك) هذا اللقاء مع الكاتب علي الديري حول مؤلّفه الجديد وتجربته الشخصية وما يمكن القيام به لمواجهة “وحش التطرف” الذي يغزو منطقة الشرق الأوسط اليوم.

علي الديري: يجب على المثقف أن يكون خارج الطائفة

ثم سألناه: تعود في كتابك “نصوص متوحشة” إلى التأريخ والنصوص التي يستند عليها نهج التكفير. هل أزمتنا الحالية أزمة نص أو أزمة سلوك – أي لو لم يكن النص موجودًا كمسوّغ للتطرف، هل كان المتطرفون ليجدوا مسوّغاً آخر؟

الديري: نحن أساساً حضارة نص. حركتنا محكومة بمدونة من النصوص هي كتب الأحاديث. نحب بنص ونكره بنص ونتزوج بنص ونأكل ونشرب بنص ونحارب ونسالم بنص. حركات التطرف اليوم تجيد اللعب بالنصوص والنطق بها وإعادة الواقع وما يحدث فيه إلى هذه النصوص. تأمل في أفواه من يأمرون بالقتل ويرسلون مفخخاتهم إلى المختلفين معهم، ستجدها تنطق بنصوص التوحش، تقذفها وفق بوصلة التجاذبات السياسية. لا يمكن لأي جماعة أو حركة أن تنشئ خطاباً جديداً في المجتمع بدون نص يعطي لخطابها مشروعية. نحن أمة من النصوص المسيجة بالتقديس المحمي بالسياسة. الدليل هو النص وما يقتضيه، وتميل مجتمعاتنا حيث يميل طرف النص، ولا دليل خارج النص، والعقل في خدمة النص، والنص مقدم على العقل.

وسألناه: حين ندرك أنّ التطرّف أو التكفير متجذّر في مجتمعاتنا، يصبح بهذا أيضًا جزءا من تراثنا. هل تعتبر هذه النصوص تأريخا أو تراثا؟

الديري: دعنا نسأل هل صار ابن تيمية تأريخا أم ما زال موروثاً ناطقا بكل ما فيه في واقعنا. هذه النصوص ما زالت تراثاً، لم تتحول إلى تاريخ. نحن ورثة ماضٍ لا يمضي، يشبه نهراً يتدفق بالنصوص. تركتنا ثقيلة، وهناك صراع رمزي ومادي حول استملاك هذا التراث. منذ 14 قرناً لم يتوقف جيل من أمتنا عن توريث صراعاته وأنماط حياته. حين يتوقف ذلك ستكون هذه النصوص تأريخاً للتأمل والفهم. نصوص الغزالي في تكفير الباطنية والشيعة ومختلف الأقليات وتقتيلهم وسبي نسائهم مازالت تُوَرّث. ولولا هذا التوريث ما شاهدنا هؤلاء الأبناء يستخدمون هذه النصوص بحرفيتها.

سؤال: في ظلّ صعود التشدّد والنزعة للإقصاء، ما الثمن الذي دفعه علي الديري لتطرّقه إلى الموضوع؟

الديري: حالياً أنا من غير جنسية وخارج وطني، وكتابي ممنوع في بلدي البحرين، وأنا في إعلام بلادي خارج عن طاعة ولي الأمر، وخائن لوطني وغير مسموح لأي وسيلة إعلامية هناك أن تجري حواراً صحفيا معي حول كتابي. ولو كنت هناك، من المؤكد أني سأحاكم وأسجن بتهمة إهانة رموز إسلامية كشيخ الإسلام ابن تيمية، وسيضاف لها قائمة تهم طويلة، لن يكون أقلها التعريض بأهل السنة والجماعة والسلف الصالح.

الديري: حين خرجت عن السلطة السياسية.. تمّ إسقاط الجنسية

سؤال: تتبعت تطوّر المفهوم التأريخي للتطرّف من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية. لماذا لم توسّع دائرة التطرّق لمذاهب وديانات مختلفة كي لا تنهال عليك الاتهامات بمهاجمة الإسلام فحسب؟

الديري: أنا لم أوسع دائرة نصوص التوحش. لا يمكنني القول إن مشكلة التوحش موجودة في الأديان كلها، وفي المذاهب كلها، والطوائف كلها، ولا تخلو منها  الفترات التأريخية كلها. ومن ثم فإنّ ظاهرة داعش وأخواتها ليست وحدها. هذا النوع من التوسعة يضيع الجواب، ويريح أصحاب ظاهرة التوحش. أردت أن أضع إصبعي في عين الوحش الذي يهددني الآن. أردت أن أعري مرجعيته النصية التي يتحدث باسمها وينطق بمسلماتها. صغت فرضية ضد مسلماته التي تنص على أنّ نص التوحش نص سياسي، وإن إنتاج هذه النصوص صار سياسة ممنهجة في الدولة السلجوقية في منتصف القرن الخامس الهجري تقريبا.ً العلماء الكبار الذين عاشوا في بلاط سلطة السلاجقة هم من صاغوا هذه النصوص في سياق الحرب بين الخلافة العباسية الممسوكة بسلطة السلاجقة والخلافة الفاطمية.

سؤال: نسمع دائماً النداءات حول الإسلام الحقيقي وجوهره. ما هو الإسلام الحقيقي من وجهة نظرك، وهل من ضرورة لإعادة فتح باب الاجتهاد لتصويب المفاهيم الدينية؟

الديري: الإسلام الحقيقي يقدم نفسه في صيغة أرثوذكسية مفروضة من قبل سلطة سياسية، بدا في عصر السلاجقة هو إسلام الأشاعرة، أي الإسلام الذي يقدم الأحاديث والروايات ويرفض الفلسفة والتأويل العقلاني على طريقة المعتزلة. وهذا الإسلام تحول إلى سلطة سياسية تنطق باسمه، سلطة السلاجقة بالعراق وفارس وسلطة الزنكيين بالشام وسلطة الأيوبيين بمصر. والإسلام الحقيقي بدا في عصر المماليك هو إسلام السلفية على طريقة ابن تيمية وأحمد بن حنبل، ولم يجد هذا الإسلام سلطة سياسية تتبناه حتى ميثاق الدرعية في 1745م بين رجل الملّة محمد عبدالوهاب ورجل الدولة محمد بن سعود، فصارت عقيدة ابن تيمية السلفية عقيدة رسمية للدولة السعودية الأولى. وهي تقدم نفسها اليوم باعتبارها تمثل الإسلام الحقيقي.

سؤال: كيف يمكن محاربة توحش النصوص؟

الديري: يمكن محاربة الوحش في هذه النصوص بتفكيك سياقه السياسي بالدرجة الأولى. نحتاج حركة نقدية تقرأ هذه النصوص قراءة تاريخية، تبين كيف وضعت السياسية هذه النصوص في خدمتها ضد خصومها السياسيين. وهذا ما فعلته في هذا الكتاب (نصوص متوحشة… التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية) بتفكيك السلطة السلجوقية والزنكية والأيوبية والموحدية والمملوكية. وهذا ما تعلمته من المفكر محمد أركون الذي عمل منذ فترة مبكرة على نزع القداسة عن هذه النصوص وكشف تكوينها السياسي والتأريخي، وهو أول من استخدم مصطلح الأرثوذكسية لوصف السلفيات التي تقدم نفسها تمثل حقيقة الإسلام ضد خصومها.

“عبدالحميد” حول كتابها “العبور نحو الدولة الحديثة”: منذ 1923 والمطالب هي المطالب، إخضاع مؤسسات الدولة للشعب

تجد الباحثة البحرينية (رملة عبدالحميد) علاقة بين مطالب الشعب البحريني في الفترة ما بين 1919 – 1939 ومطالبه في الألفية الجديدة، وهي تقول إن نجاحا نسبيا حققه البحرينون في العبور إلى الدولة، إلا أنهم يطالبون اليوم بإخضاع مؤسساتها في سلطاتها المختلفة إلى سلطة الشعب.

ويظهر كتابها “العبور نحو الدولة الحديثة” الذي صدر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق حالة انقسام مشابهة بشأن الإصلاحات التي ناضل لأجلها البحرينيون ودفع بها الإنجليز آنذاك، بين عائلة حاكمة ومتحالفين معها، وغالبية شعبية تدفع باتجاه التخلص من النظام القبلي وإيجاد مؤسسات تمثيلية للشعب وتأسيس أجهزة أمنية شاملة.
(عبدالحميد) التي حاورها مركز أوال، تنقل عن مصادر تاريخية تأكيدها أن الحاكم عيسى بن علي آل خليفة “لم يكن يميل إلى الجديد والتجدد، بل كان محافظا كل المحافظة على القديم، فلا يغير شيئا مما درج عليه، ولا يرغب بشيء فيه الخروج عن المألوف” وكان من أشد المقاومين لحزمة الإصلاحات التي دفع بها الإنجليز… وفيما يلي نص الحوار:

أوال: لماذا “العبور نحو الدولة الحديثة “؟ وهل تم ذلك فعلا؟

رملة عبد الحميد: التاريخ ليس سردا، بقدر ما هو تأمل وعبرة، واستنطاق للمستقبل، هو تاريخ شعب، أما البحث في الحقبة المقررة في الدراسة فهو للوقوف على مرحلة جديدة بناها البحريني لينتقل من القبيلة إلى الدولة، وبفضل حراكه انطلقت البحرين نحو الحداثة والتنظيم والتطور، فالعبور نحو الدولة الحديثة هو عبور تاريخي انتقلت فيه البحرين من حالة القبيلة الى حالة الدولة ذات المؤسسات الرسمية والميزانية، وإن كانت دولة مركزية، السيادة فيها للحكومة ولكنه يعتبر حراك وتغيير ينبغي الوقوف عليه.

أوال:  ما الذي يميز الفترة ما بين 1919-1939 لكي يتم الكتابة عنها تحديدا؟

رملة عبدالحميد: الفترة الممتدة من 1919 – 1939 هي فترة مهمة في تاريخ البحرين؛ لأنها شهدت بداية انطلاقها نحو الحداثة والتنظيم، ففي الجانب السياسي، انتقلت البحرين من النظام القبلي التقليدي إلى الحكم المركزي القائم على أساس التنظيم الإداري والمالي، وتشكيل المجالس البلدية المنتخبة، كما أنها فترة سياسية مضطربة عرفت فيها البحرين المعارضة السياسية بشكليها السلمي والثوري.

أما الجانب الاقتصادي فقد شهدت البحرين انتكاسة الغوص، بظهور النفط الذي غيّر مجرى الحياة الاجتماعية، فقد غير في أنماط العيش والتفكير الناتجين عن الوفرة المالية والتنمية البشرية والاحتكاك بالعمالة الأجنبية المرتبطة بالنفط. وفي المجال التعليمي والثقافي، أٌنشأت لأول مرة المدارس النظامية، التي بدأت بإدارة أهلية ثم خضعت للحكومة، ومع النهضة التعليمية انطلقت الأندية الأدبية الثّقافية والرياضية، وبرزت الصحافة، والمجالس الأهلية، والمسارح الفنية.

أوال: لكن هناك جدل كبير حول إصلاحات 1923؟

رملة عبدالحميد: لا يوجد جدل في سير الأحداث والإصلاحات إنما الجدل حول أسبابها وتباين موقف القوى والتيارات السياسية والمجتمعية آنذاك حيالها. وللتوضيح، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أرادت بريطانيا فرض هيمنتها على الخليج وذلك برسم سياسة جديدة للمنطقة، لكنها اصطدمت في البحرين بمقاومة من حاكمها الشيخ عيسى بن علي، القابض على البلاد لما يزيد على ثلاثين عاما، كان رافضا للتغيير، ثابتا على نمط حكمه التقليدي وفقا لما يشير إليه الريحاني بقوله “لم يكن الشيخ عيسى يميل إلى الجديد والتجدد، بل كان محافظا كل المحافظة على القديم، فلا يغير شيئا مما درج عليه، ولا يرغب بشيء فيه الخروج عن المألوف”.

حيال الوضع القائم في البحرين شعرت بريطانيا بأن حكومة الشيخ عيسى بن على لم ترتق إلى مستوى الدولة وفقا لما يشير إليه لوريمر بقوله “كانت ثمة شعور بأن جوانب كثيرة من الإدارة الداخلية في البحرين لم تكن على مستوى الدولة التي تفرض عليها الحماية”. ولذلك عزمت بريطانيا على المضي في التغيير والإصلاح في البحرين. وذلك بتفعيل مجموعة من الإجراءات منها القضاء على النظام القبلي، إعطاء المجلس البلدي صلاحيات واسعة، تشكيل جيش منظم بعيد عن نظام الفداوية وإعطاء المعتمد سلطات واسعة في البحرين.

أوال: ما الموقف الشعبي من هذه الإصلاحات؟

رملة عبدالحميد: إزاء هذا الإجراء أصبح المجتمع البحريني منقسما إلى عدة تكتلات ذي اتجاهات مختلفة، فكانت الأسرة الحاكمة ترفض الإجراءات البريطانية بشدة لأنها تقلص من صلاحياتها، أما السنة -وغالبيتهم من القبائل العربية التي دخلت مع آل خليفة إلى البحرين، وهم يشتغلون في أعمال التجّارة والبحر- فقد عارضوا الإجراءات البريطانية، لأنها تؤثر سلبا على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية المرفهة.

وعلى الطرف النقيض كان الشيعة، وهم الغالبية من الفلاحين وصيادي السمك والغواصين وأصحاب الحرف اليدوية  وكانوا يعانون من الضرائب المثقلة عليهم سواء من ضريبة الرقبية أو ضريبة النخيل والسمك. لهذا كانوا يتحينون الفرص المواتية لتحسين أوضاعهم، ويبدو أنهم وجدوا ضالتهم في الإجراءات البريطانية التي دعموها بشدة، وخاصة بعد ما منحهم المعتمد مزيدا من الطمأنينة وحرية التعبير، الأمر الذي دفعهم لتقديم الشكاوى والعرائض ضد الشيخ وأسرته.

أوال: هل تجدين أن هناك علاقة بين هذه الإجراءات في 1923 والإصلاحات التي تطالب بها القوى السياسية البحرينية اليوم؟

رملة عبدالحميد: نعم، الشعب آنذاك كان في حراك واسع من أجل تحويل الوضع السياسي القائم إلى دولة ذات مؤسسات رسمية ونجح في ذلك لحد ما، والمطالب التي يرفعها الشعب اليوم تؤكد على التحول إلى نظام حكم ديموقراطي،  وأن تخضع جميع المؤسسات الرسمية في السلطات المختلفة إلى سلطة الشعب.

أوال : نسمع عن ثورة الغواصين هل كانت هذه الصورة ضد إصلاحات 1923؟

رملة عبدالحميد: ثورة الغواصين هي ثورة أقرب ما تكون إلى احتجاجات عمالية قادها الغواصون ضد الإجراءات التي قام بها المستشار البريطاني بلجريف على إصلاحات الغوص خاصة في مسألة تقليل القرض المعروف ب(السلفة). إذ إن هناك عدة أنظمة تعارف عليها المشتغلون في البحر وأصبحت بمثابة سنن موروثة كما يشاع “الغوص عادة والصلاة عبادة” وهذه الأنظمة قائمة على أساسين هما: التنظيم المالي من جهة، والتنظيم الاجتماعي الهرمي من جهة أخرى.

من أهم هذه الأنظمة المالية نظام السلف (سلفية الغوص): وهو المبلغ الذي يحدده مجلس الغوص –أشخاص تعيّنهم الحكومة– ويدفع إلى النوخذة مباشرة من قبل الدائن الممول للرحلة قبل حلول موسم الغوص، يقوم النوخذة بصرف جزء منه لشراء ما تحتاجه الرحلة من المؤن والزاد. والباقي يعطيه البحارة على ثلاث دفعات وفقا لما يحدده مجلس الغوص.

وثورة الغاصة حدثت (الخميس 26 مايو/ أيار 1931) فقد انتفض عدد كبير من غواصين البحرين، إذ تجمعوا في مدينة المحرق وانطلقوا منها إلى المنامة، وهناك اقتحموا مركز الشرطة وكسروا نوافذه، وأطلقوا سراح زملائهم من الغواصة الذين تم اعتقالهم سابقا بسبب اعتراضهم العلني على إصلاحات الغوص. وقد خلفت هذه الانتفاضة عددا من القتلى وعشرات الجرحى.

أوال: كتاب فؤاد الخوري “القبيلة والدولة” كتاب مهم ناقش انتقال البحرين من القبيلة إلى الدولة… كيف استفدت من أطروحته؟

رملة عبدالحميد: كتاب الخوري من المراجع الهامة التي اعتمدت عليها خاصة في الباب الأول المعني بالوضع السياسي، فقد تعرض لوضع الحكم القبلي والتقسيمات الطائفية والتعايش في بينها في ضوء التمييز الطائفي الذي تعيشه البحرين، وقد سلط الخوري الضوء على معاناة الشيعة أثناء حكم الشيخ عيسى بن علي ودور الإنجليز في الحد من سلطة القبيلة في الفترة الزمنية محل بحث كتاب “العبور نحو الدولة الحديثة”.

أوال: نلاحظ ان كتاب ناصر الخيري ” قلائد البحرين في تاريخ البحرين غير مدرج ضمن قائمة مصادر كتابك علماً بأن ناصر الخيري مؤرخ ومثقف كان يعمل في دار المعتمدية البريطانية وكان شاهداً على أحداث 1932. لماذا؟

رملةعبدالحميد: للأسف الشديد لم أستطع الحصول على كتابه لكني تحدثت عن شخصيته في الحراك الثقافي.

أوال: ماذا عن حركة 1938 كانت هناك مطالب إصلاحية للتجار الشيعة والسنة وقد رفع فيها مطلب (حق تقرير المصير) ؟

رملة عبدالحميد: أشرت إلى هذه الحركة وهي حركة 1938 الإصلاحية وأوردت فيها فصلا كاملا ولها مطالب إصلاحية واضحة، لكنني لم أشر إلى مطلب حق تقرير المصير، إذ لم أقرأ في تلك المطالب سوى مطالب لإصلاح الحكم من حيث مجلس تشريعي ومجلس للتعليم وإصلاح الشرطة والقضاء وتكوين نقابة للعمالكما تطرقت لدور بلجريف المستشار البريطاني في وأد الحركة وتشتيت زعماء الحركة الوطنية.

“جماعات العنف التكفيري “الجذور، البنى والعوامل المؤثرة “

شارك مركز أوال للدراسات والتوثيق في مؤتمر حول التكفير تحت عنوان: جماعات العنف التكفيري “الجذور، البنى والعوامل المؤثرة “ الذي أقيم في فندق “رامادا بلازا بيروت”.
وقد تضمّنت مشاركة المركز عرضاً لآخر إصداراته من الكتب، مثل كتاب نصوص متوحّشة، كتاب ما بعد الشيوخ، وأخيراً كتاب داعش من النجدي إلى البغدادي .


مؤتمر التكفير

مؤتمر التكفير

مؤتمر التكفير

 مؤتمر التكفيرمؤتمر التكفير

مؤتمر التكفير   مؤتمر التكفير

مؤتمر التكفير