أرشيف التصنيف: بروفايل

«شذول» سجل السيد عدنان… بيت الأوقاف

سجل السيد عدنان
سجل السيد عدنان

حين سألت رئيس دائرة الأوقاف الجعفرية سيدمصطفى القصاب، ما هو سجل السيد عدنان؟ ولماذا لا يراه الآخرون؟ تبسّم السيد، وقرأ في نبرتي، نية من يبحث عن تاريخ لا من يبحث عن فضيحة أو إثارة. قلت له، أنا قصدتكم من أجل سجل السيد عدنان فقط، أريد أن أراه.
قال لي: هو يراه الآخرون، بدليل انك الآن هنا والسجل سيكون بين يديك، لكننا لا يمكن أن نجعله مبتذلاً، هو وديعة السيد عدنان، وظلت الإدارات حريصة على صيانته باعتباره المرجع التاريخي الوحيد على أوقافها. سجل السيد يراه الآخرون في الدوائر الخاصة، كدائرة حوارنا هذا، وكدائرة المحاكم الشرعية التي تطلبه مرات لتتأكد من موضوع ما، فيذهب به مندوب خاص من الأوقاف. السجل يراه الآخرون، لكن ليس كل الآخرين.
على رغم أنني احتجت إلى شهرين لترتيب هذا اللقاء، إلا أن الحوار بدا ودياً مع السيد والمهندس عبدالأمير الجمري القائم بأعمال مدير إدارة الأوقاف، والملا جواد الحلواجي الباحث الشرعي بالدائرة.
بدا الجميع متحمساً في الحديث عن السجل وتاريخه ومآلته وعن السيد عدنان وجهوده ونظامه الدقيق وجديته. كان السجل بيننا أثناء الحوار، نقلب صفحاته وتاريخه، كانت الأصوات تتداخل، بعضها يفيض على بعض لإكمال تاريخ هذا السجل ومحتواه، مع كل ذلك بدا لي أن هناك مساحات غائبة من تاريخ هذا السجل، وتاريخ الرحلة التي استغرقت عاماً كاملاً تقريبا لإنجازه، لم يكن مع السيد حينها سوى حمارته الأصيلة التي لولاها لفقدنا جزءاً أصيلا من تاريخ هذه الأرض.
أول رئيس
من هو السيد عدنان؟
في الجزء الثالث من كتاب الذريعة يعرف (اغابزرك) الطهراني السيد بقوله: هو السيد عدنان بن السيد علوي بن السيد علي بن السيد عبد الجبار الموسوي القاروني البحراني عالم بارع وفاضل جليل. كان من أهل العلم البارعين، ورجال الفضل الكاملين، درس على علماء عصره ومشاهيره حتى حاز قسطاً وافراً من المعرفة، وحظي بسمعة في بلاده، وأحبه الناس فصار موجها مبجلا، وولي القضاء والأوقاف ونحوها وكان إماماً للجمعة والجماعة، ومرشداً هادياً لكثير من الناس إلى أن توفي في سنة 1347هـ [1928م] وولده السيد محمد صالح من الخطباء المعروفين في البحرين. السيد عدنان هو أول من تولى إدارة الأوقاف، قام بجهد عظيم، تمثل في عملية حصر كل وقفيات الطائفة الشيعية.كان يعتمد على المعلومات التي يتلقاها من الأهالي.
شمس السيد
ما الذي بقي من السيد؟
كان صاحب موسوعة الذريعة، يُعرّف السيد بأنه صاحب كتاب ‘’الشموس الدرية’’، لكن الشموس الدرية ليست هي ما بقي من السيد، وليست هي التي تدل عليه اليوم، فما بقي من السيد هو سجله (سجل السيد عدنان).
لا نبالغ إذا قلنا إن إدارة الأوقاف هي إدارة سجل السيد عدنان، فالإدارة لم يكن لها أن تعرف بدون هذا السجل فهو الشاهد التاريخي عليها، فما تديره لا يتجاوز دائرة هذا السجل. إنها تدور في خارطته التي رسمها قبل وفاته بعام واحد، خارطتها التي وضع معالمها وجهاتها برجليه التي طافت أراضي البحرين من أقصاها إلى أقصاها. مستعيناً في ذلك بأرجل حمارته الوفية التي ندين لها بما حملته لنا من وثيقة تاريخية بالغة الدلالة. إدارة الأوقاف هي بيت هذا السجل اليوم، كما أنه بيتها، هي بيته لأنها الجهة التي توارثته وحفظته من الضياع وأبقته حياً بالإحالة إليه فيما يتعلق بشؤونها مع إدارات الدولة ومع الأهالي. وهو بيتها، لأنه ملجأها الآمن حين تهتز ملكية أراضيها الوقفية أو يهتز وجه من أوجه صرف أوقافها.
الملا جواد
الملا جواد الحلواجي الباحث الشرعي في الإدارة، يكاد يكون قد حفظ مسميات الوقفيات، لفرط معايشته لهذا السجل، يحتفظ في مكتبه بنسخة منه، وكل ما طرأت قضية فتح صفحة أرضها في السجل، فتأتيه تحديدات السيد دقيقة، وليس مثل الملا جواد معرفة بلغة السيد وألفة لشكل حروفه الجميلة. وقد عزز من ألفته لهذا السجل، أنه اعتمده مرجعاً في رسالته للماجستير التي تناولت مشكلة البحث الذري في البحرين. قلت للملا جواد: افتح لي صفحة أوقاف الدير في ,1928 فتناول دليل السجل وهو بمثابة فهرس بالمناطق والوقف يُسهّل الرجوع إلى مجلدات السجل الستة، قال لي اسمع، هناك: جامع الدير ومأتم الدير ومأتم محمد علي ومسجد أحمد ومسجد الشيخ عيسى ومسجد الشيخ محمد ومسجد الشيخ أحمد.
لا يكفّ الملا جواد، عن الإشادة بدقة السيد البالغة، وجمال خطه وحسن تنظيمه للصفحات وجداولها وبين كل جملة وأخرى يتوقف ليبدي إعجابه بالتفاصيل الدقيقة التي يوردها السيد في سجله، خصوصاً ما يتعلق في وجوه صرف الوقف، يذكر أنها مخصصة مثلا إلى أواني المأتم أو لإصلاح مسجد ما، أو إلى درس ما، أو إلى أكفان المؤمنين أو إلى العبرة التي تنقل الزوار في النبيه صالح أو لليلة معينة من ليالي محرم.
تضمّن سجل السيد كما أحصاه الملا جواد، ما يقارب 1678 وقفا مكونة من أراضي وبساتين وأشجار وبيوت وحظور لصيد الأسماك، موزعة على مدن وقرى البحرين بحرا وبرا، حد فيه مواقعها وحدودها مع ذكر واقفيها والموقوفة عليه من مساجد ومآتم ومقابر وغيرها، مع تعيين المتولين عليها وجهات صرفها.

المسح العمومي
المسح العمومي

السجل مكون من 1678صفحة ويقع في 6 مجلدات من الحجم المتوسط وهو مقسم إلى عدة أعمدة يبين في أعلاها التعريف بالوقف ويحدد مكانه وحدوده ومسماه، وتحوي الأعمدة الأقسام التالية: عمود يحتوي اسم الوقف وعمود يحوي اسم الواقف وعمود بمسمى الموقوف له وعمود مخصص لجهات الصرف وعمود للملاحظات. وكان السيد يستخدم مصطلحات نمرة وريجستر.
لقد استخدم السيد حبراً صينياً فاخراً لذلك ما زال الحبر محتفظاً بلونه وبهائه، كما أن ورق السجل كان من نوع الأصطمبولي المميز، وهي مازالت محتفظة بقوتها ولونها.
«شذول» السيد
كيف وثق السيد سجله؟
لقد اعتمد سيد عدنان من خلال تجواله، على الأهالي وشهاداتهم وما يشيع بينهم، وقد أفرد لكل منطقة صفحات خاصة، يذكر فيها أوقافها من الحظور والأراضي والنخيل والمزارع، فمثلاً في الصفحات الخاصة بجداول أوقاف جد الحاج يذكر الأوقاف التالية: حظرة بسطوة جد الحاج، نخل بسيحة جد الحاج لمأتم جد الحاج.
وكي يستكمل عمله في المنطقة، يضطر إلى أن يبيت ما بين ليلة وثلاث ليالٍ. وفي الحقيقة كان السيد يقوم بعمل شبه رسمي لأنه كان في منصب إداري، وهو رئاسة دائرة الأوقاف، مع أنها كانت إدارة أهلية حينها. وقد تزامن عمله مع أعمال المسح العمومي الذي بدأته إدارة الطابو بالاعتماد على مهندسين هنود من العام 1926 وحتى العام 1937م. وربما يكون السيد قد استفاد من نظام دفاتر هؤلاء المهندسين، فنظم سجله على منوال شذولهم (سجلهم) في تسجيل الحيازات.
‘’يعرف سجل الملكيات المستخدم في المسح العام الذي أجري في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، بدفتر (الشذول) وذلك تعريب لكلمة schedule الإنجليزية والمشتقة أصلا من اللغة العربية من كلمة (جدول). وقد كانت جميع البيانات الواردة فيه باللغة الإنجليزية والتي يدونها المساحون الهنود أثناء عملهم في الموقع’’[1]
السيحة وأخواتها
ما التسميات التي اعتمدها السيد في سجله. وكيف نعرف موقع الأرض اليوم؟
اعتمد السيد التسميات المعروفة للأراضي، وهي الجوبار والدالية والدولاب والسيحة وغيرها، وكل تسمية من هذه التسميات تحيل إلى نوع خاص من الأراضي الزراعية، فـ’’الصرمة عبارة عن بستان صغير من النخيل يتراوح عرضه بين 9 أمتار و15متراً وطوله بين 15 و30متراً، يقع عادة بالقرب من القرية، وكثيرا ما يستخدم في زراعة الخضار’’ و’’الدالية بستان من النخيل مربع الشكل وأكبر من الصرمة إذ يتراوح طوله بين 18و30 متراً. واسمه مشتق من ‘’دلو’’ وهو الوعاء المستخدم في الري’’، و ‘’الدولاب بستان كبير للنخيل يتراوح بين 60 و122متراً وعرضه ما بين 30 و60 متراً وسمي بالدولاب لأنه يروى بالدولاب أي الناعورة التي تحركها الثيران’’ أما ‘’النخل فيشكل ثلث المساحات المزروعة ويختلف في شكله وحجمه عن الآخرين، وقد يكون مربع الشكل أو مستطيلا أو دائريا أو نصف دائري، ويتراوح عرضه بين 60 و153مترا وطوله بين 300 إلى 1524متراً’’ [2].
و’’الجوبار: هي الأرض الزراعية التي غالبا ما تكون مستطيلة الشكل ومساحتها بين الدولاب والدالية’’، و ‘’السيحة: هي الأرض الزراعية الكبيرة أو المنطقة الزراعية التي تحد القرى باستثناء البيوت الموجودة فيها’’[3]
بحسب إحصاءات خرائط التسجيل العمومي، كان عدد الملكيات المسجلة في العشرينيات والثلاثينيات، من الجوبار 1211 ومن الصرمة 1334 (للأوقاف الجعفرية منها 9,17%) ومن الدالية 1254 (للأوقاف الجعفرية منها 2,19%)ومن الدولاب 514 (للأوقاف الجعفرية منها 12%) ومن النخل 3349 (للأوقاف الجعفرية منها 9%)[4] ولمزيد من التحديد، كان السيد يذكر ما يحيط بالأرض من الأملاك من جميع الجهات أياً كانت جوبار أو دالية أو صرمة، لكنه لم يكن يرسم خرائط أراضي الوقف. وبالاستعانة بخرائط المسح العمومي يمكن معرفة الأرض بسهولة. هناك خرائط وهناك دلائل أسماء، وباعتماد هذه الخرائط وهذه الدلائل من الأسماء، يمكن بسهولة أن نعرف الأرض المعنية في سجل السيد. يقول المهندس عبد الأمير الجمري ‘’نحن نرجع إلى المسح العمومي كي نقرأ سجل السيد بدقة أكبر، وجدنا بعض الأراضي التي ثبّتها السيد لا توجد لها طرق أو تتداخل مع أرض أخرى.مخططات المسح العمومي كانت تُعطي أرقاماً للأملاك.المسح يغلق الأرض ويعطيها رقما، حتى لو لم تكن هناك وثيقة رسمية، يمكننا أن نعرف أن هذه الأرقام، بفضل سجل السيد، ترجع بعضها إلى الأوقاف’’
بيت الوقف
هل حمى سجل السيد الأوقاف من الاستيلاء أو الاستملاك؟
الدولة حين بدأت التخطيط كانت تضع في اعتبارها الأوقاف. وأحيانا تتجنب المساس بالأراضي الوقفية. أحد أهدف السيد كانت حماية الوقف. وإدارة الطابو كانت تأخذ بسجل السيد وتسجل الأراضي الوقفية باسم إدارة الأوقاف. وحتى أيام بلغريف Charles Belgrave (1926-1956) كان مسموحاً لإدارة الأوقاف أن تسجل ما يقارب في الشهر من30 قطعة استناداً إلى سجل السيد وشهادة شاهدين. كان سجل السيد بمثابة وثيقة ملكية لكل الأراضي الوقفية المسجلة في جداوله الأنيقة. فسجل السيد كان أماناً للوقف من الضياع والإنكار والشتات، لذلك لا عجب أن يكون السجل بيتاً للوقف، بما يمنحه من سكينة وأمان لأراض يتهددها الضياع والتشرد والاستيلاء.
واستمر السجل مرجعاً وأماناً للأراضي غير المسجلة بعد حتى بعد تحول إدارة الطابو إلى إدارة التسجيل العقاري سنة ,1970 صرنا، كما يقول السيد مصطفى، فيما بعد نحتاج إلى أن نرفع قضايا في المحاكم من أجل تثبيت الأراضي وتسجيلها، وكنا نلوذ بالسجل ونستند إليه مع شاهدين، فيتم التسجيل، فبيت السيد لا يخذل من دخله على الرغم من بعض التلكؤات التي نواجه بها.
الوقف الخراب
استمر سجل السيد مرجعاً في التسجيل إلى أن جاء حكم محكمة التمييز في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني ,1993 فقد أصدرت محكمة التميز حكمها النهائي في القضية 5460/1985م، كان الحكم ‘’لا وقف إلا بملك’’ أي لا وقف إلا بوثيقة رسمية معتمدة تثبت الملكية، ويبدو أن سجل السيد لم يعد بتاريخه الحافل وثيقة حتى محترمة في نظر هذه المحكمة.
لقد أرسى هذا الحكم قانوناً أوقف الأوقاف، لكنه لم يوقفها على مواردها التي حفظها لنا السيد في سجله، بل أوقفها على الخراب. هناك ما يقارب 600 قطعة أرض، منها أراض شاسعة وبعضها يحتل مواقع استراتيجية، كلها منذورة للخراب، لا هي مسجلة ضمن إدارة الأوقاف ولا هي مستملكة من قبل الدولة، هي موقوفة على التعطل والخراب وعدم الاستثمار. نحاول نحن أن نحتال بقانون وضع اليد، فنضطر إلى أن نؤجرها حتى لو تحت مسمى خرائب، على أمل أن تعمر في المستقبل بقرار سياسي يفكها، لتكون معلماً من معالم الوقف المستثمر بطريقة حديثة. لقد ألغى حكم محكمة التمييز، ليس فقط سجل السيد عدنان، بل ألغى حتى سجل الدولة، فسجل السيد عدنان كان سجلاً رسمياً مقراً من قبل الدولة كما هي سجلات المسح العمومي في العشرينيات، كما أنه ألغى قانون الطابو الذي كان يعتمد هذا السجل في تثبيت الأراضي وتسجيلها، وألغى حتى قيمة الوثائق التي اعتمدها السيد في تسجيل بعض الأوقاف. لدينا كما يقول ملا جواد أوقاف عمرها 200 سنة ومحكمة التميز لا تقبلها، لدينا مثلا وثيقة وقفية عمرها 120 سنة وموثقة من العلماء، وموثقة في سجل السيد، وهي تخص مأتم السدر بالبلاد القديم.
السجل ممسوحاً
السجل أو الشذول الذي مسح البحرين، حان الوقت اليوم ليُمسح إلكترونياً، تضع الإدارة الآن لمساتها الأخيرة لأرشفة هذا السجل إلكترونياً، سينضم السجل بعد أن تمّ مسحه إلكترونياً إلى أرشيف الأوقاف الإلكتروني، سينظم كل وقف إلكترونياً ضمن الأرشيف الإلكتروني للإدارة بحيث تكون وثيقة الوقف مربوطة بخارطة الأرض والمستأجر ومساحته، وسترفق بها صورة من جدول الورقة التي وردت فيها في سجل السيد عدنان.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=60047
هوامش
[1]،[3] معجم التعمير والخرائط والوثائق العقارية البحرينية، مناف حمزة، ص,50 ص49
[2]، [4] انظر: القبيلة والدولة، فؤاد خوري، ص.63

الطرق إلى الأراضي بأنفاس..الاستملاك والتملك والحيازة والاستيلاء

خريطة البحرين 1890

حين جاءت الإصلاحات الإدارية البريطانية في 1923 بالبيروقراطية، التي هي بحسب عالم الاجتماع ماكس فيبر ‘’تنظيم يؤمن الدقة والسرعة والثبات وسهولة الوصول إلى السجلات والاستمرارية والسرية الممكنة والوحدة والتعاون الشديد والحد من أسباب الاحتكاك وتقليل النفقات وعدد الموظفين’’. [1]
كانت إدارة الطابو أول إدارة تم تأسيسها وفق النظام البيروقراطي، وقد سميت في 1970 إدارة التسجيل العقاري والطابو كلمة تركية تعني وثيقة الملكية. لقد أدركت البيروقراطية أن الأرض هي ميدان تحركها الأول، لن تكون هناك دولة مركزية ذات سلطة مطلقة ما لم يكن للأرض التي تحكمها وتقف عليها سجل يثبّت ويُعرّف ويرسم وينظم ملكيتها. ونحن هنا مدينون للكفاءات الهندسية الهندية التي أسست هذه الدائرة بمهنية فائقة الحرفية.
كانت البيروقراطية تريد لجسد الدولة أن يستمد قوته من القانون لا من القبيلة. لذلك واجهت البيروقراطية البريطانية وإصلاحاتها الإدارية مهمة شاقة، وهي تنظيم هذا الجسد تنظيماً يؤمن الدقة والسرعة والثبات والتعاون والسرية والوحدة. وهذا يعني أن يخضع هذا الجسد لقانون عام يكون بمثابة القوة التي تدير هذا الجسد الذي تتناهبه قوى المجالس القبلية، بأعرافها. [2]

هيبة الدولة

الأراضي هي ميدان تجسد الدولة وهيبتها وقوتها وإدارتها وسلطتها، الأرض هي أول ما يُضرب في الدولة، تضربه الدولة المعتدية، وتضربه القوى التي تريد أن تكون فوق الدولة. والأراضي اليوم وشوارعها هي ميدا ن اختبار حقيقي للدولة وهيبتها، وإذا لم تستطع أن تثبت الدولة (وليس القوى التي في الدولة) وجودها في هذا الميدان ستعرض مصداقيتها لحجب الثقة، وإذا حجبت الثقة من الدولة، فلا يمكن أن نستبدلها بوزير جديد، لأن الدولة ليست وزارة.
منذ دخلنا عصر البيروقراطية والإدارة المركزية للدولة، عبر المسح العمومي الذي بدأته في 1926 مع تأسيس إدارة الطابو في 1924 ثم تحولها إلى إدارة التسجيل العقاري وأخيرا إلى جهاز المساحة والتسجيل العقاري، نظّمت عملية الاستملاك والحيازة والملك والاستيلاء، عبر ما شرعته من إعلانات وقرارات وقوانين ومراسيم وأوامر.
لكنها فعلت ذلك عبر الناس المتنفذين فيها، أكثر مما فعلته عبر جهاز بيروقراطيتها الذي لا يعرف الأشخاص إلا كمواطنين ينتمون إلى أرض جسدها واحد، تديره سلطة واحدة.

علامة الجودة
وهذا ما جعل قوانين البيروقراطية تحقق النظام لكنها لم تحقق العدل. وهذا ما جعل أيضاً من استملاك الأراضي (بالمعنى العام، وليس بمعنى المنفعة العامة) محنة، الأمر الذي تسبب في جعل فكرة الدولة محنة أيضا. ولا نبالغ إذا ما قلنا إن الدولة تظهر قوتها التنظيمية المتجاوزة للناس بقدر ما يتوفر نظامها في استملاك الأراضي على قدر عال من الاستقلال عن الأشخاص المتنفذين.
لقد ظلت الضيع والقطع والإقطاعيات والأراضي والمزارع التي تمنح للمتنفذين في الدولة، في أي دولة كانت علامة على الفساد، فساد الدولة وانعدام عدالتها.
وربما تكون هذه العلامة أكثر وضوحا في الدول الأصغر مساحة، فالفساد يظل يتجسد مقروناً دوماً عندنا بشواهد من الاستيلاء غير العادل على الأراضي.

أربع طرق للأرض
ليس هناك أرض واحدة، هناك أراض مختلفة، ولكل أرض حالتها الخاصة، وتاريخها الخاص، ونظام التسمية الذي نطلقه على الأراضي، هو جزء من تاريخ الأرض وعلاقة الناس بالأرض وعلاقتهم ببعضهم فوق هذه الأرض.
هناك أربعة مصطلحات متشابكة تدل على الطريقة التي نمتلك فيها أرضاً، وكل مصطلح من هذه المصطلحات يحمل في مدلوله شيئاً من تاريخ الأراضي في البحرين وحالاتها، وهذه المصطلحات، هي: الاستملاك والاستيلاء، والحيازة، والمُلك.

الاستملاك
الاستملاك: وهو نزع ملكية الأرض لمصلحة المستملك وعادة هو الدولة وتمثلها في ذلك وزارة الإسكان، بقصد تأمين متطلبات المشاريع ذات المنفعة العامة، وتنظم عملية الاستملاك في البحرين بموجب المرسوم بقانون رقم 8 لسنة ,1970 بشأن استملاك الأراضي للمنفعة العامة. [3]
(عادة هو الدولة) هناك إذاً ما يخالف هذه العادة، وهناك ما يلتبس مع هذه العادة، والالتباس ناشئ من أن الدولة لا تحيل على ما هو فوق الناس، بل تحيل في سياقنا البحريني إلى الناس الذين عادة يتنفذون في الدولة، فتكون دولتهم. الدولة عندنا تحيل إلى الوزراء والحكومة والمسؤولين وكبار الشخصيات والمتنفذين، إنها لا تحيل إلى فكرة ولا إلى حالة ولا إلى نظام بل إلى شخص.

الاستيلاء
الاستيلاء: هو وضع اليد على الشيء، والتمكن منه والغلبة عليه، وهو أحد أسباب كسب الملكية. ويعرف بأنه كسب الملكية ابتداء، فمن وضع يده على منقول مباح بنية تملكه ملكه، لذا فإن القانون المدني البحريني استبعد الاستيلاء كسبب من أسباب التملك العقاري، حيث اقتصر الاستيلاء على المنقول من دون الثابت كالعقار، كما جعل كل عقار لا مالك له ملكاً للدولة. [4]
دولة البحرين في القانون معرفة تعريفاً لا لبس فيه ‘’يشمل إقليم دولة البحرين وجزرها والمياه الإقليمية، والجرف القاري، وأية منطقة أو المناطق الاقتصادية الخالصة، وأية أراض أخرى، والمجال الجوي، والبحار التي تمارس دولة البحرين سيادتها أو تتمتع بحقوق السيادة عليه وفقا لأحكام القانون الدولي’’ وهو تعريف لا التباس فيها من حيث الصياغة القانونية، لكن الدولة بحكم الواقع ليست معرفة تعريفاً لا التباس فيه، بل فيه التباس واشتباه، فالدولة ليس ما يحيل إليه القانون بل ما يحيل إليه مالك سلطة تنفيذ القانون.
لذلك فيمكننا أن نقرأ (القانون المدني البحريني استبعد الاستيلاء كسبب من أسباب التملك العقاري). بمعنى أنه استبعد الذين لا يملكون سلطة تنفيذ القانون، هؤلاء لا يمكنهم أن يستولوا، أي لا يمكنهم أن يملكوا أرضا بالاستيلاء، فالاستيلاء لابد أن يكون بالقانون ومن يستولي يستولي باسم القانون والدولة.
بل إن القانون أو المحاكم التي تملك تفسير القانون وتطبيق حالاته، سيشرع قوانين تلغي وثائق ملكية من أجل أن يُمكّن من يلتبسون بفكرة الدولة من أن يستولوا على ما يريدون. لدينا مثال حكم محكمة التمييز الذي يقول (لا وقف إلا بملكية). بهذا الحكم تمت مصادرة أراض وقفية غير مسجلة، وغير المسجلة تعني في عرف القانون ليس لها ملكية، فتؤول ملكيتها للدولة، لكن أي دولة، الدولة التي يعرفها القانون بوضح لا لبس فيه، أم الدولة التي هي جيش من المتنفذين.
نص مرسوم بقانون رقم (24) لسنة2001 بشأن التصرف في الأراضي التي تعتبر من أملاك الدولة، يقول ‘’في تطبيق أحكام هذا القانون يعتبر من أملاك الدولة جميع الأراضي التي ليس لها مالك بموجب وثيقة ملكية أو بحكم قضائي. باستثناء الهبات التي يقررها أمير البلاد، لا يجوز التصرف في الأراضي المشار إليها في الفقرة السابقة إلا بأمر من الأمير’’.
لقد جاء هذا القانون ليقاوم جيش المتنفذين من الاستيلاء على الأراضي باسم الدولة، لكنه لن يلغي تاريخ الأراضي التي استولوا عليها بالفعل طوال الثلاثين سنة الماضية أو أكثر. كما أنه لن يوقف المتسللين الذي يعرفون حيل الطرق الفرعية وشرعيتها.

الحيازة
الحيازة: هي وضع اليد على الشيء والسيطرة عليه سيطرة فعلية، والانتفاع به واستغلاله بكافة الوجوه المادية القابل لها، سواء استندت إلى هذه السيطرة على حق من الحقوق أو لم تستند، وإذا استمر الحائز واضعاً يده المدة المقررة قانوناً فإن ذلك مما يؤدي إلى اكتساب الملكية بوضع اليد. [5]
قانون الحيازة لا يفرق بين اليد التي تستند إلى حق وذاكرة مشتركة مع مكان الأرض، وبين اليد التي تستند إلى قوة من غير ذاكرة. لذلك فالحيازة وإن شرعها القانون بحكم الواقع، لكنها ستبقى قانوناً عدالته عمياء.

الملك
الملك: في اللغة هو احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به والتصرف بانفراد، وفي اصطلاح الفقهاء هو الحيازة، ومن أساس الملك الاختصاص والمنع والتعامل، وتقسم أسباب الملك إلى ثلاثة أنواع، الأول وهو الابتداء وهو الاستيلاء والثاني نقل للملك بعد ثبوته مثل البيع، والنوع الثالث مبق للملك على الورثة والموصي له. [6]
مهما تعددت الطرق، فكلها توصل في النهاية للتملك، حيث تستقر الأرض على أي تاريخ كان، سواء كان على تاريخ اليد والقوة والاستيلاء والفتح أو على تاريخ الذاكرة.
يصف أحد الخبراء الاقتصاديين والسياسيين تاريخ الملكية في تجربة أراضي بالسر الكبير، ولعل في هذا الوصف ما يلخص عنوان هذه المقالة: الطرق إلى الأراضي بأنفاس: الاستملاك والتملك والحيازة والاستيلاء، يقول ‘’التجربة تقول بأن موضوع ملكية وتوزيع الأراضي سر كبير لا تود السلطة «أي سلطة» فتح ملفاته لأنه يكشف كيف انتهت كل الأراضي والبحار من ملكية الدولة إلى ملكية مجموعة قليلة من الأفراد استغلوا مواقعهم لأخذ حصة كبيرة من الأرض فيما ينتظر عشرات الآلاف من المواطنين في طوابير انتظار تعدت الخمسة عشر عاما علهم يحصلون على أرض ومنزل لا تتجاوز مساحته 300 متر مربع’’.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=60046
الهوامش:
[1] القبيلة والدولة، فؤاد خوري، ص.133
[2] تقبيل المجلس، على الديري، صحيفة الوقت، 17 مايو.2007
[3]، [4]، [5]، [6]، معجم التعمير والخرائط والوثائق العقارية البحرينية، مناف حمزة.

دِلالـة محـمـد عـلـي المـزعــل

الحاج محمد علي المزعل
الحاج محمد علي المزعل

الدلال.. شاهد سجل الأرض
الدلالة هي مهنة الوساطة بين طرفي البيع البائع والمشتري، وتكون للدلال نسبة حددها القانون وهي 1%من قيمة العقار يقبضها من كل من طرفي البيع، وقد صدرت مجموعة من القوانين لتنظيم الدلالة منها الإعلانات 532/,1348184 ,134462 ,1344 و23/1353 والذي يعرف بقانون الدلالين، والذي ألغي بالمرسوم بقانون رقم (21) لسنة 1976 بتنظيم مهنة الدلالة في العقارات.
الدلال، بهذا التعرف هو شاهد على تاريخ بيع الأراضي وشرائها، وهو شاهد على قوانين تنظيمها وتحولاتها وإلغائها، هو شخصية لا يمكن تجاوزها في الشهادة على تاريخ استملاك الأراضي في البحرين.
محمد علي المزعل واحد من الدلالين الذين يروون هذا التاريخ بشيء من الحذر، وبكثير من السخط، وشيء من الاعتداد.
تجربته مع الدلالة بدأت في نهاية الستينات، دخلها وهو يحمل تجربة الإدارة العقلانية الحسابية من شركة بابكو، التحق  بها في العام 1951 وهو يحمل خبرة طالب بالصف الرابع ابتدائي بمدرسة سترة الابتدائية للبنين.
في بابكو تعلم الحسابات وظل يتمرس فيها مدة 14 عاماً وفي 1964 خرج منها لكنه لم يخرج من الحسابات، التحق بشارترد بنك، وفرت له تجربة الحسابات حكمتين، الأولى ‘’كل حركة بركة’’ والثانية ‘’فاز باللذات من كان جسورا’’. شكلت هاتين الحكمتين سيرة الدلالة في تاريخ شخصية محمد علي المزعل.
هو لا يدين لأحد في تعلم صناعة الدلالة، يدين للحسابات فقط، الحسابات التي ستكسبه حركة تتجاوز بيئته الساكنة بالخضوع والإذعان لتاريخ طويل من الحكم الدينية التي يتلوها رجال دين ينتظرون عالماً لا يأتي، لم يتعلم (المزعل) من هؤلاء الرجال، بل كان خصماً لهم، لهم في سكونهم، وليس في تدينهم، فقد كان رجلا شديد التدين، وربما تكون هذه واحدة من خصال نجاحه التي أكسبته مصداقية لم يتوفر عليها منافسوه. لقد أكسبته الحسابات درس الحركة، والحركة لا يمكنها أن تعطي ثمارها من غير جسارة، لذلك أضاف إلى بركة الحساب جسارة الحركة، ويعينه في ذلك سيارته (المرسيدس) التي لم يكن يملك أحد حينها في محيطه الستراوي مثلها، وفرت له السيارة سرعة في الحركة وجسارة في شق طرق لم يطرقها أحد قبله.
الحركة الأولى
الإنسان لا ينسى حركته الأولى التي ستؤسس لبركته التالية، كانت مساحة الأرض الأولى التي بدأ منها مهنة الدلالة لا تتجاوز ستين قدماً في ستين قدما، ولم تتطلب منه حركة بعيدة، فقد كانت قريبة من بيته، كانت في مهزة، شراها بسبعين ديناراً، وحرك سعرها بخبرته الحسابية وجسارته الشخصية، فباعها بثمانمائة دينار. لقد اشترى الأرض دكتور الأسنان الهندي قيومجي، لم يعد قيومجي موجوداً في البحرين، لكن الأرض ما زالت موجودة، ومازالت وثيقة ملكها باسمه.
سيستثمر خبرة الحركة الأولى في العاصمة المنامة، هناك سيعمق خبرت الحركة الواحدة، وسيتعلم كيف يضاعف من الحركة الواحدة في الأرض الواحدة خمسة أضعاف، فيصير كأنه باع أرضا واحدة خمس مرات، أو كأنه تحرك في خمس أراض، أو كأنه تجاسر بقوة خماسية، فكيف كان ذلك؟
في السبعينيات في فريق المخارقة، كانت هناك أرض مبنية مساحتها 1200قدم مربع، يملكها راشد أحد سكنة الرفاع، بعتها عصراً بـ 700 دينار، وفي اليوم الثاني دللت عليها فبعتها بـ 900 دينار، وظهراً أعددت التدليل عليها فبعتها بـ 1200 دينار، وقبل العصر كان قد شراها مني أحمد منصور العالي بـ 1800 دينار، وختمت اليوم بالبيعة الخامسة وكانت .2200 كان البيع على ورقة العقد فقط، ولم نكن نسجل، كان التوثيق في المحكمة القديمة، وحين أنهيت اليوم أحضرت المالك وأعطيته 700 دينار، وقد دهش حين سجلنا البيعة الأخيرة بثلاثة أضعاف عرضه. قلت له: هل ظلمتك؟ قال لا. لكن، كيف أمكنك أن تحرك السعر خمس مرات خلال 24 ساعة في أرض واحدة لا تتحرك؟
شيــخان
كان (المزعل) يحرك السوق، لكنه لم يكن يرفعه، كان التاجر الكويتي أحمد شيخان الفارسي هو المسؤول عن ارتفاع أسعار الأراضي في ذلك الوقت، والقانون البحريني كان يسمح للكويتي بأن يشتري ويتملك، وقد تميز شيخان بشخصيته المحبة لبناء المساجد في البحرين، وقد ربطته معرفة وثيقة بـ (المزعل) ويدعوه في العادة لحضور عزوماته الخاصة. وفي إحدى هذه العزومات في 1980 باعه أرضه التي اشتراها في 1974 بثلاثة آلاف دينار. طلبها شيخان بـ 150 ألف دينار.
انفتحت حركة الأراضي، وصار (المزعل) يبيع بسمعته، ويكسب بسمعته، ويدلل بخبرته، صار يطلبه الكبار، ويمنحونه ثقة التقييم ويعترفون له بخبرة لحظة البيع والشراء.
محرك السوق
بلغت حركة (المزعل) الشيخ محمد بن سلمان، فيرسل عليه المراسيل، حتى يصير من رواد مجلسه العقاري، كان الشيخ يطلب منه تسعير الأراضي، ويستشيره في البيع والشراء، ويعهد إليه بيع بعض أراضيه، ظل يطلبه مرتين في الأسبوع، فيذهب إليه بسيارته المرسديس السبعينية التي ظلت ترافقه إلى عهد قريب، لم يكن الهاتف قد انتشر بعد، فكانت نشرة أسعار السوق العقاري يذيعها بسيارته، مقابل فنجان قهوة و10 دنانير. حين طلب الشيخ من (المزعل) أن يوقف السوق، كان يوقفه، لم يكن له منافس في الدلالة، حين احتج أحد الدلالين الكبار على تفضيل الشيخ له، قال له: المزعل صادق وأنت كاذب. ظل المزعل يحكم تدينه في حركته في السوق، فكسب ثقة الكبار.
البعض كان يأتيه ليلاً ليحسم أمر صفقة فيها مستقبله التجاري، جاءه في إحدى الليالي السبعينية يوسف خليل المؤيد، ليسأله عن أرض مساحتها 600 ألف مربع ببربورة قرب نويدرات، فنصحه بشرائها، ففتحت له مستقبلاً متحركاً بالخيرات.
كانت تقديراته، يختصرها في (بع) أو (لا تبع)، ولم تخذله يوماً أمام الناس الذين كانوا يجدون فيه جهة تقدير الأرض والعقار.
كان الكبار يقرؤون المستقبل بتقديرات (المزعل) وخبرته في الحركة، لكن الصغار الفقراء لم يكونوا يقرؤون ولا يرون ولا يحلمون بمستقبل. مازال (المزعل) بحسه الديني الحريص على مصلحة من يتوسطه في الدلالة يتذكر بمرارة بالغة القسوة، كيف فرط هؤلاء بمستقبل أراضيهم وأبنائهم، كما فعل أحدهم بدولابه في سار، باعه وسافر لزيارة العتبات المقدسة، لم يسمع اعتراضاته، ولم يصغ إلى تقدير (لا تبع). فباع، والمفارقة التي أبكت قلب الدلال الجسور الذي صار فيما بعد مقاولا كبيراً يبني الفلل الفخمة، أن مناقصة بناء الدولاب وقعت عليه، وكان أحد العمال قد جاءه يوماً يستحث ذاكرته، فلم يذكره، فقال له: أنا ابن ذاك الذي باع هذا الدولاب يوم قلت له (لا تبع)!!
يطلق (المزعل) زفرة طويلة وهو يروي عشرات القصص التي تشبه هذه القصة، ويتبعها بلعنات غاضبة، وتجهيلات قاسية، ولا يسكته غير السؤال عن جزء آخر من قصته الجسورة بالحركة.
الأراضي هي التي صنعت تجار اليوم وجعلت من فقراء الأمس أغنياء اليوم، والأغبياء وحدهم من باعوا حيث كان التقدير يقول (لا تبع).

من الطابو إلى دائرة التسجيل العقاري
من الطابو إلى دائرة التسجيل العقاري

الفرائض
‘’الفريضة الشرعية هي الشهادة التي تصدر عن المحكمة الشرعية، وتبين نصيب كل من الورثة بمستحقه من التركة، أو عدد الأسهم التي له من إجمالي عدد السهم من الميراث، وفقا للشريعة الإسلامية’’.
كانت جسارة ‘’المزعل’’ في حركة الفرائض تبلغ حد أن يصفها البعض بالجنون، كان يشتري التركات من المزارع والأراضي من دون أن يكون لها وثائق ملكية، أي أنه يشتري أرضاً أو مزرعة من ورثة لا يملكون وثيقة تثبت ملكيتهم لهذه الأرض أو المزرعة، كان يغامر هو في حركته بين أروقة المحاكم، وذلك بعد أن يعمل فريضة للورثة، وينشط ذهاباً وإياباً بسيارته مع الشهود، جاهدا كي يستحصل حكماً من المحكمة تثبت ملكيتهم، غالباً ما كان ينجح في ذلك، ويكون قد كسب وأكسبهم، لكن هناك خمس حالات خذلته فيها جسارته وحركته، ثلاث حالات في سترة، وحالتان في شهركان، لكن لم تخذله الخبرة التي ضاعفت من تجربته ومعرفته بتاريخ الأراضي وحالاتها.
في إحدى المرات، بعد أن عمل فريضة للورثة عن أرض لهم بكرانة، وكسب القضية في المحكمة، وتناول مع الورثة عشاء الأرض، جاءته إحضارية، تفيد بأن الأرض ليست لهؤلاء الورثة، بل هي لجدة متنفذ في الحكومة، وعلى الورثة أن يدفعوا إيجار ثلاثين سنة من الاستخدام، المفارقة أن الشهود كانوا من كرانة.
في إثباتات الملكية ينفتح تاريخ يُروى لكنه لا يكتب، فالقوة واليد تفرض حيازتها للأرض، أكثر مما يفرض الحق والقانون والقضاء. و(المزعل) لديه معرفة تاريخية طويلة بالملكيات منذ بدأ في الستينيات يسجل الأراضي ويدفع بالناس لتسجيل أراضيهم وعقارتهم
الجهل العالم
‘’العلماء العلماء العلماء’’ هكذا تفسر تجربة (المزعل) الدلالية ضياع حقوق بسطاء الناس، وبقدر ما كان قريباً من العلماء الكبار، كان يختلف معهم وعنهم، منذ أن أصر أن يدخل بناته المدرسة ويكون شريكاً حقيقياً في بناء مدرسة للبنات في سترة. لم يجامل عمه لزوجته الشيخ إبراهيم آل مبارك، على الرغم من سطوته ومكانته في الثقافة الدينية في ذلك الوقت، كان يجادله بحجج من جنس حجج رجال الدين الكلامية وحين يضيق عليه بالحجة كان الشيخ يقول له: خذ عمامتي، فيرد عليه: لا أريد عمامتك أريد دليلاً.
كان يحاججهم بـ(مال خديجة) ويستنكر على علماء الدين إشاعة ثقافة الزهد والترفع عن استملاك المال والحرص على تنمية موارد الناس المالية، حتى بلغ الأمر بهم ألا يسجلوا ممتلكاتهم الثابتة. كان المزعل يعول على (مال خديجة) في فهمه للدين، لذلك كان متديناً (من الدين بكسر الدال) ولم يكن متديناً (من الدين بفتح الدال).

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=60049

لماذا الذهاب إلى الضاحية؟

إذا كان ‘’بروفايل’’ همه أن يفهم شقوق مجتمعه البحريني المواربة، فلماذا الذهاب إلى ضاحية بيروت الجنوبية أو الضاحية الجنوبية، أو الضاحية أو ضاحية المحرومين أو ضاحية البؤس أو ضاحية المستضعفين، فلماذا الذهاب إليها؟ لماذا الذهاب إلى الضاحية؟
كل (أو) تحيل إلى تسمية لها تاريخها وبروفايلها الخاص لهذه الجغرافيا التي كانت هدفاً لآلة الحرب الأخيرة.
لكن، أياً كانت التسميات التي تعاقبت على هذه الجغرافيا، فنحن قد ذهبنا إليها لنفهم خولة مطر البحرينية التي تجد في الضاحية صورة بيروت الحقيقية وصورة المحرق الحقيقية. ولنفهم عباس ميرزا البحريني الذي وجد في الضاحية ذاته الضائعة هويتها في جماعة. ذهبنا إليها لنفهم البحريني الذي تمثله تجربة عباس وخولة. ذهبنا إليها بيقين أننا سنعثر في سفر هذا الذهاب على صورة من صور مجتمعنا البحريني المواربة. فسيرة الذات وسيرة المجتمع يمكنها أن تُحكى حين يُتاح لها السفر عبر ثقافة أخرى.
جزء من ذاتي أفهمه الآن عبر الضاحية التي مشيت في زواريبها وساحاتها، وأفهمها أكثر عبر تجربة خولة في الضاحية، وعبر عيش عباس في برج براجنة الضاحية، وعبر زينب رحال التي مازالت ذاكرتها تحفظ خرائط البنايات التي دمرتها آلة الحرب في الضاحية.
لقد اخترنا مناسبة إعلان مشروع إعمار الضاحية (وليس مع ذكرى الحرب) لنفتح ملف الضاحية أو لنقل لنفتح ملفنا في الضاحية، وذلك لأن الإعمار يعني أن الضاحية تحب الحياة بكرامة أكثر، ونحن في هذا الحب نشبهها.
لقد ابتعدنا في هذا الذهاب عن زواريب السياسة، لأننا لم نشأ لها أن تفسد فهمنا لتجربة الإنسان في الاجتماع في المكان. بما تخلقه فينا من حب أعمى أو كره متحامل أو انحياز متعصب.

ليلة الرابع من المحرم..مجلـــــس مــآتـــم الحــــاج طـــرار

  باسمة القصاب، فضاء عباس: 

 

في هدوء محبب تجلس الحاجة سلامة قيمة مآتم الحاج طرار إلى ركن مأتمها الصغير. يتغشاها السواد فلا يخطئ من بياضها شيء. لا يشذ منها غير جزء عصي على الاحتواء. إنها يدها البيضاء. تبرز من شق عباءتها كحمامة لم يمسسها لون. يتوسط أصابعها فص في هيئة خاتم فيروزي. فيروزته ركن يدها، كما هي ركن مأتمها. يمكنك حين تجلس في أي مكان في المأتم، أن تلمح بريق معاضدها الذهبية. لا تفارق المعاضد معصم يدها حتى في الحزن. ينزع الأسود عن جدار مأتمها بياضه في شهري الحزن، لكنه لا ينزع معاضدها الذهبية، ولا يحلحل خاتمها الفيروزي. إنهما علامتها لا علامة حزنها. مأتمها بيتها. ومن يصير مأتمها بيتاً لها، يصير عالمها مأتمها. تسكن فيه وحدها على رغم كبر سنها. لا تقبل أن تتحول عنه إلى أي مكان آخر، حتى لو كان هذا الآخر، بيت ابنتها القريب. لا يخلو بيتها -مأتمها- من رواده -روادها-. كاريزمتها المحبوبة جعلتها جهة قلب تقصدها النسوة والفتيات على حد سواء.

كبر سنها لا يتيح لها الحركة والتنقل بسهولة. لكنها تدير مأتمها من مكان جلوسها. من ذلك الركن تمارس سيادتها كما تمارس عنايتها. لا يفوتها أن ترحب بالمستمِعات بحفاوتها البالغة، لا يفوتها أن تحيطهن بعباراتها الذهبية كما تحيط معصمها بمعاضدها الذهبية. لا تغيب عن نظرها من تحضر، لا تغيب عن وعيها من تتخلف. لا تغفل من لا تصلها بعد انتهاء القراءة والضيافة. فالوصل في نظرها تقدير، وإهمال الوصل تقتير وقطع. إنها ليلة الرابع من محرم، تبكر خادمات الحسين بالحضور إلى المأتم. يقمن بتوظيب المكان وتهيئته للقراءة. في المطبخ، يجلس قِدْرٌ كبير من الحليب فوق النار، يمتزج بياض الحليب بخيوط الزعفران وماء الورد. يتمكن اللون من اللون والرائحة من الرائحة. ليس مثل الحراة تذكي الكيمياء بالكيمياء. تنتج كيمياء جديدة. حليب وزعفران، أو حليب زعفران؛ سمه ما شئت. يعبق به المكان. يمتلئ المأتم برائحة الزعفران قبل أن يمتلئ بسواد النسوة. تبدأ النسوة بالتوافد. رائحة الزعفران تهيئ لدفء يكسر برد الشتاء. تغيرت بعض ملامح المأتم النسائي في السنوات الأخيرة. أُدخلت المحاضرة الدينية تقليداً جديداً. يريد التقليد الجديد أن يستقطب الفتيات اللاتي لا يجدن في النواح والبكاء كفاية لعقولهن. يريد أن يقارب بين مأتم الرجال الذي يقدم عزاءه في قالب خطابي، وبين مأتم النساء الذي يقدم عزاءه في قالب لطمي. التقليد النسائي الجديد يتمثل أداء الخطيب. يقلّده. يتشبه الأداء النسائي (المُحاضِرة) بالأداء الرجالي (الخطيب)، فيشتبه الصوت النسائي (دون قصد) بالصوت الرجالي. اللحن والترنيمة والرتم والقوة والجهور. لكن يبقى ثمة خيط زعفراني يفرق بين الصوت والصوت، بين لغة الخطاب ولغة الخطاب. على غرار المآتم النسائية الأخرى، يشهد هذا المأتم محاولة تحديث أو إصلاح. يتبنى المحاولة عدد من شباب القرية في نهاية الثمانينات. يحاول هؤلاء تهيئة المأتم لدخول المحاضرة الدينية. لكن قارئات المأتم يجابهنهن بالرفض القاطع. يبقى المأتم في قالبه التقليدي طيلة السنوات السابقة. في السنوات الأخيرة القليلة تتقلص التحفظات. تتسرب المحاضرة إلى داخل المأتم أحياناً. لكنها أحيان قليلة. جهة الحديث مأتم القرية لا يشبه مأتم المدينة. والنسوة في مأتم القرية لا يشبهن النسوة في مأتم المدينة. في تلك الليلة لم يزد عدد الحاضرات عن الأربعين. لا يزال محرم في لياليه الأولى. ليس بين الحاضرات من لم تتجاوز العقد الثالث من عمرها أو قريباً من ذلك. أغلبهن كبيرات في السن. تعلو وجوههن البساطة والعفوية والتلقائية. تجلس بعضهن (ممن لا يستطعن الجلوس على الأرض) فوق كراسي. الكرسي تقليد جديد في المأتم أيضاً. لكنه تقليد له أسبابه الصحية لا الإصلاحية. للمأتم حرمته الخاصة. تلبس النسوة في المأتم عباءة الرأس، لا الكتف، إمعانا في الاحترام. في المدينة الأمر ليس كذلك، لمأتم النساء في القرية حظوة تفوق حظوة مأتم النساء في المدينة. تبدأ إحدى القارئات بقراءة الحديث [1]. تواصل النسوة أحاديثهن الجانبية. تسير أحاديثهن جهة حاضرهن. وحديث كربلاء يسير بهن جهة التاريخ. كأنهما يسيران في خطين متوازيين، لا يتقاطعان، ولا يلتقيان. لا تنقطع أحاديث النسوة الجانبية حتى تنقطع قراءة الحديث، ويبدأ القصيد. تبدأ القارئة بقراءة القصيد. هنا يخفت صوت النسوة. يغيب حديث جهتهن حتى يتلاشى. تغطي النسوة وجوههن. ويبدأ صوت النحيب. تتفاعل الحاضرات. تعلو أصواتهن. يشاركن القارئة ترديد الأبيات التي يحفظنها. يصير المأتم كله صوتاً واحداً ونحيباً كثيراً. تتوقف القراءة الحسينية. يأتي دور المحاضَرة الدينية (لعلها الليلة الأولى للمحاضرة في هذا المأتم). تحمل المحاضِرة معها دفتراً مدوناً فيه عدد من المحاضرات. تحمله معها في أي مأتم تذهب إليه. تتوسط المحاضرة المجلس. تبدأ النسوة بكشف وجوههن. تداخل إحدى النسوة: ليش ما جبتون لينا عيش الحسين؟ حديث الساعة تبدأ المحاضِرة بآية من سورة طه. تشرح مفرداتها. تنتقل بترتيب مقصود إلى استشهادات حسينية. تقدم حواراً يدور على لسان بعض شهداء الواقعة. لعل النسوة تستسيغ المحاضرة الذي قطعت خلوة بكائهن. تسترسل المحاضِرة في الكلام. لا العزاء. تبدأ بعض النسوة في التثاؤب والتململ. تقف بدفترها وسط المستمعات. تتحدث المحاضرة عن محاسبة الذات. تكشف إحدى النسوة عن وجهها وتقول: لا تجيبين عن القبر ولا الموت. تتناول المحاضرة بعض أحداث الساعة. تنتقد إحدى الكاتبات الصحفيات. تسميها ”بحرانية بعثية”. تأتي اللعنات من بعض النساء، تشاركهن الباقيات اللاتي لا يعرفن معنى ”بعثية”. تأتي المحاضرة على سيرة صدام حسين. تشير إلى تاريخه ونهايته. تقارن بينه وبين محمد باقر الصدر الذي أعدمه صدام. تقول المحاضرة ”عندما نبش قبر الإمام الصدر بعد 20 سنة، تفاجأ الجميع بما رأوا. كأنه مات الساعة”. تقاطعها إحدى الحاضرات ”أبي رحمة الله عليه، عندما فتحوا قبره بعد سنوات أيضا، وجدوه على حاله”. تجيبها المحاضرة ”عليه بالعافية”. تبسط المحاضرة الكلام. ومن العراق تنتقل إلى لبنان. ومن صدام حسين إلى حسن نصر الله. فينتقل الكلام من الذم إلى الإطراء. يسترسل الكلام ولا ينقطع. الشاهد يجر الشاهد. تعلن إحدى المستمعات امتعاضها: إذا كل ليلة محاضرة ما بجي. تدخل إحدى المستمعات متأخرة : ”كل شي تقولينه نعرفه، أنا تأخرت لين تنتهي المحاضرة”. تبتسم المحاضِرة، لكنها لا تستسلم، تنتقد لبس البالطو (الجلباب الأسود) المزركش، تستاء من ملابس حفلات الزواج غير المحتشمة. تدعو المستمعات إلى التوقف بعد عشرة محرم، ومحاسبة أنفسهن ليكون حب الحسين قولاً وفعلاً، لا قولاً فقط. تختم محاضرتها بأبيات حسينية وتنتهي. يشكرها النسوة، يرتفع صوت إحداهن من آخر المأتم: ما تقرين عاد جت آخر الليل (تعني الملاية). إنها الملاية الآن. ها هي تمسك دفترها وتقف في صدر المأتم. تغطي شيئاً من وجهها وتظهر ما يمكنها من القراءة والنعي. ها هي الوجوه تتبدل حالاتها. ينتفض الملل الذي كان جاثماً على بعضها، وتدب فيها شهوة النواح. تعتدل الأجساد وتتهيأ للدخول في مساحات البكاء. البكاء غسل للروح وترقيق للقلب. البكاء توجه خالص لنصرة الحسين. البكاء اشتراك في فجعة الفاجعة. البكاء مواساة لصبر زينب. البكاء اعتذار يتجاوز التاريخ. هكذا تفهم النسوة البكاء. وهكذا تقدم النسوة نفسها بين يدي العزاء. حديث الواقعة تبدأ الملاية. يغطي النسوة وجهها مرة أخرى. تطلق الملاية ونّتها الأولى. يضج المكان بالونين والآهات. تقرأ روايتها بإيقاع يفجع السواد. فتزيد السواد لوعة وأسى. يسكب النسوة أصواتهن في دموعهن. يطأطئ النسوة رؤوسهن فيرتفع نواحهن. تتمايل جذوعهن يمنة ويسرة. تهتز أجسادهن من فرط البكاء، وتنفرط أصواتهن من صوت الواقعة. كلما اشتد خطب بأحد أبطال كربلاء أو سار بخطواته نحو الموت صفقت النسوة مولولات. تصفق الملاية على ظهر كتابها وتعلي وناتها وآهاتها. لا تتمالك النسوة أنفسهن، يناجين السيدة زينب في نحيب كسير: ”غريبة يا بعد عمري”، ”الله يساعدش يا زينب”، ”جوش الشباب يا زينب”، ”ما قصرت يا عيوني”. تناجي النسوة الإمام الحسين بصوت باكٍ متهدج ” يا حبيبي يا غريب”. تمد ونتها ”واحسيييييين واحسييييين”. تلطم صدرها ”على الشهيد، على الغريب، على الوحيد، على العطشان،..”. يختلط صوت المستمعات مع صوت القارئة في تداخل يستدر الدمعة ويزيد من حدة الفجيعة. في المراد (اللطمية)، يضرب النسوة بيدهن على صدرهن أو رجلهن أو رأسهن. لا يهدأ صوت النحيب حتى تختم الملاية. ”إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”. فيأتي وقت الدعاء. حديث الحليب ها هن النسوة يجففن دموعهن. يستعدن شيئاً من هدوئهن. يسكنّ إلى الدعاء. كأنهن ينزعن عنهن ثوب الواقعة. تدور خادمات المأتم بحليب الزعفران الدافئ. ترتشفه النسوة بروية، فتعود إلى وجوههن التي أرهقها البكاء، شيء من لون الحياة. تفرش السفرة على الأرض. يتوسطها عيش الحسين وخيرات المأتم. تتقابل النسوة. ينفتح الحديث على الحديث مرة أخرى. يصير الحديث جهة الحاضر لا التاريخ مرة أخرى. تبدأ حميمية الكلام والطعام. تعود للوجوه الابتسامات والضحكات. قبل أن تغادر النسوة، يتجهن ناحية ركن المأتم. حيث صاحبة المأتم. يسلمن عليها، يشكرنها، يستمتعن بحلو عباراتها، ثم ينصرفن. من ذلك الركن، بإصبعها ذي الخاتم الفيروزي، تشير صاحبة المأتم، تلتفت لمن لم تتناول حليب الزعفران هنا، ومن لم تأكل هناك. تتأكد أن الجميع قد تمت ضيافتهن، وأن الأمور تسير بشكل مرض. تحيط بنظراتها الجميع، ويسبق سلامها سؤالها عن من لم تحضر من المستمعات والصديقات.

[1] الحديث هو بمثابة التهيئة للدخول إلى القراءة. يقرأ الحديث أولاً، ثم يأتي بعده القصيد، ثم الرواية، ثم المراد.