أرشيف الوسم: إله التوحش

لرواية الوهابية التي لا يعرفها محمد بن سلمان

 

photo_2018-05-02_13-00-41

علي العلوي*

ينبغي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي صرح في حواره الأخير مع «الأتلانتك» أنه لا يعرف أي شيء عن الوهابية، أن يقرأ كتاب «إله التوحش» (2016 ـــ مركز أوال) للباحث والناقد علي الديري. هذا الكتاب يوثق رحلة الوهاب من العينية حتى الدرعي، ثم لقاءه بمحمد بن سعود عام 1745، ويدفع قارئه للتساؤل عن أساس فكرة عبد الوهاب، وعن أهداف دعوته السياسية.

لا يخرج الكتاب عن الرواية الرسمية السعودية المأخوذة من المؤرخيْن: ابن غنام الذي رافق عبد الوهاب في دعوته، وابن بشر الذي وثق قيام الدولتين السعوديتين الأولى والثانية في كتابه «المجد في تاريخ نجد». بحسب الرواية، كانت الدرعية لا تزال حيّاً فقيراً لا يتجاوز عدد منازله السبعين، عند وفود عبد الوهاب إليها. إلا أنها غدت بعد بروز دعوته وتحالفه مع محمد بن سعود، مكاناً يطفح بالبذخ، يزيّن فيه الرجال أسلحتهم بالذهب والفضة.

تذكر الرواية أيضاً أن الدعوة الوهابية كانت قائمةً على التوحيد والغزو، وأن عبد الوهاب الذي صنّف كل من ادعى معرفة الإسلام والتوحيد قبله «كاذباً ومفترياً»، هو سليلٌ للنبي في رسالته ومسيرته، وحتى في تحمله للأذى ونزول الوحي عليه. لاحقاً، يوضّح الديري في كتابه أن تفسير عبد الوهاب لمفهوم التوحيد يختلف عن تفسيرات غيره من علماء الدين. إذ إن التوحيد لديه يكمن في الاختصام مع عباد الله، قبل أن يختصم الله معهم، وأن الجسر الوحيد الذي يصل المؤمنين بربهم هو الطاعة.
الطاعة هنا، لم تعد طاعةً للخالق فقط، إنّما طاعة لعبد الوهاب والسلطة السياسية المتمثلة بآل سعود. هذه الاستراتيجية، هي التي مكنت عبد الوهاب في غزواته التي وصفها ابن بشر بأنها «أينما سلكت ملكت وأينما حلت فتكت وسفكت»، بعد سنتين من ولادة دعوته.
يسترسل الديري في شرح هذا المفهوم: «قد تبدو مفاهيم الانقياد والاستسلام والطاعة لله من الناحية النظرية صحيحةً ومسلّماً بها في تعريف الإسلام، لكن حين نعاينها في تطبيقها العلمي، فإنها تستحيل إلى استسلام آخر وطاعة أخرى وبراءة أخرى لغير الله، إنها استسلام إلى مفهوم التوحيد كما صاغه محمد بن عبد الوهاب، وطاعة للجهاز التنظيمي الذي أنشأه في دولة الدرعية، وصار في ما بعد جهازاً يحدد مفهوم الإسلام وتطبيقه الصحيح». تأسست الدولة السعودية الأولى (1745-1818) على فتاوى التكفير: فإما أن يكون المرء موحِّداً يغزو، أو كافراً يُغزى. هذا الأمر أنتج تاريخاً أُحادياً، وهوية لا تقبل التعدد. يسأل الديري عن رواية الأطراف الأخرى كالشيعة، الإسماعيليين، والمتصوفين، أو حتى المذاهب السنية المعارضة للدعوة الوهابية. ويعتبر أن الدولة السعودية فشلت في تطوير عقد اجتماعي حتى هذه اللحظة «الذين كانوا أعداء للدعوة وللدولة هم أيضاً أعداء للدعوة وللدولة اليوم، بل إن الذي لا يعتنق عقيدة الدولة في التوحيد هو خارج المواطنة ويقام عليه الحد الشرعي». ومن اللافت أن الديري لم يعتبر الممارسة العنفية التي رافقت تأسيس الدولة السعودية حالةً خاصة، مستدركاً بذلك ما توصّل إليه الكاتب والمؤرخ الفرنسي إرنست رينان حين قال: «وقائع العنف حصلت في بدايات كل التشكيلات السياسية». لكن المختلف في هذه الحالة، هو عدم تخلي المملكة السعودية عن العنف، بل تشريعها له كصيغة للمواطنة عن طريق الوهابية. يقول الباحث في هذا السياق: « لم يعد يكفي قول لا إله إلا الله للتوحيد، ولا الإيمان بذلك، لتكون موحداً، وبالتالي مواطناً يصان دمك وعرضك ومالك عليك أن تنضم إلى جيش الدرعية».
إن استراتيجية عبد الوهاب، على رغم نجاحها، تحمل مفارقة كبيرة. حين كان هذا الداعي يوعز بمحاربة «المشركين» كالحنابلة وغيرهم من طوائف المسلمين، كان أيضاً يطالب بطاعة آل سعود كأنهم «آلهة مفترضة». وقد أكد ذلك الديري عندما ذكر: «هذا ما فعلته الوهابية باسم التوحيد، حولت ولي الأمر وسلطته وأجهزة حكمه إلى خالق، يجب طاعته والامتثال لأمره والقبول بالمعنى الذي يعطيه للدين واعتبرت الخروج عنه أو عليه أو الاختلاف معه هو الكفر ودونه القتل».
مع تعاظم نفوذ آل سعود، أصبحت الوهابية أداة تتحكم بالدين بحسب إرادتهم. وتحولت معها الزعامة إلى دولة، والمشيخة إلى مؤسسات، كما حال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما هيئة كبار العلماء التي يعينها الملك، فباتت ممثل دين الدولة الشرعي. لذلك بتنا نجد أن المؤسسة الدينية التي تحرّم التقارب بين الأديان مثلاً، هي نفسها التي تبيح التمثيل الدبلوماسي للدول الغربية في السعودية، وتبرر تعاونها مع «جيوش الكفار» في حرب الخليج. وعلى المنوال نفسه، نرى فتاويها حول سياقة المرأة مثلاً تتراقص بين الإجازة والمنع، بحسب ما يقتضيه الموال السياسي.
يتيح لك «إله التوحش» أن تفهم الأدوار ومتغيرات المرحلة، وأن تستوعب الفكرة الوهابية من متنها. في ضوء كل ذلك، ستدرك أن ما يجري الترويج له اليوم في السعودية على أنه إصلاح وعودة للإسلام المعتدل، ليس إلا إعادة تموضع للمؤسسة الدينية الوهابية في السعودية، وتجديد للفتاوى لتتكيف مع المزاج السياسي الجديد وتصبغه بالشرعية. هكذا يصبح نافذاً وواجباً للطاعة، ويكون هو التوحيد ودونه الكفر.
* ناشط بحريني.

 

رابط الموضوع

طنين التوحيد مرض المملكة

رواية طنين للأمير السعودي سيف الإسلام بن سعود بن عبدالعزيز

على خلفية موجة الاعتقالات الأخيرة في السعودية، قال وزير الخارجية عادل الجبير “لقد فصلنا آلافا من الأئمة من المساجد بسبب التطرف، وقمنا بتحديث نظامنا التعليمي من أجل استبعاد إمكانية سوء تفسير النصوص”.

قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “يبدو أن لهذه الاعتقالات دوافع سياسية… ستضيع الجهود التي يبذلها السعوديون لمعالجة التطرف هباءً إن بقيت الحكومة تسجن كل شخص بسبب وجهة نظره السياسية”.

لا يمكن أن تحارب التطرف بانتهاك حقوق الإنسان، فذلك تطرف آخر ودعوة لممارسة تطرف مقابل، أنا من المشككين في إمكانية ولادة مشروع إصلاح سياسي في السعودية، والحجة التي أستند إليها تتعلق بفهمي لميثاق تأسيس السعودية وحضوره اليوم في الدولة. يقول محمد بن عبدالوهاب لمحمد بن سعود في هذا الميثاق الشفاهي “من عمل بكلمة التوحيد ونصرها، ملك البلاد والعباد”، ويبشره بالملك فيه وفي ذريته “فأرجو أن تكون إماما يجتمع عليه المسلمون وذريتكم من بعدكم”.

إنه، ميثاق المُلك السعودي، كلمة التوحيد هي كلمة السر، لا يمكن أن ينسى الإمام كلمة السر، فيخسر كنزه الدنيوي (الُملك). لقد نجح محمد علي باشا في تدمير (الدرعية) لكنه فشل في تفكيك هذه الكلمة، لقد أخذ معه 250 من العائلة السعودية أسرى إلى القاهرة، وأخذ معه 150 من عائلة محمد بن عبد الوهاب (آل الشيخ)، أخذهم من رمال نجد إلى ماء النيل وحضارته، لكنه لم يتمكن من نزع مفاعيل التوحيد الوهابي.

أبناء رجل الدعوة درسوا في الأزهر وخالطوا مدارس فقهية وعقائدية متنوعة، لكنهم ظلوا يحملون صلافة توحيد الدرعية، واحد من أهمهم هو الحفيد الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، لازم دروس جده قبل المراهقة فقرأ عليه التوحيد إلا قليلاً، وكان ضمن الأسرى الذين أخذهم إبراهيم باشا للقاهرة، هرب بعد عشر سنوات من الأزهر إلى الدرعية، وهناك أكمل دور جده في  فوضع شرحاً لكتاب جده (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد).

في رواية (طنين) الصادرة في العام 2006 يسرد علينا الأخ الشقيق لآخر أمراء الدولة السعودية الأولى (خالد بن سعود) وقائع تدمير (الدرعية) التي عايشها وهو ابن 14 عاماً. إنه يسرد هذا التاريخ بوعي مفارق لزمن الحادثة، فقد شب هذا الأمير في القاهرة، وشرب من ماء النيل، وتعرف على مشروع النهضة الذي حمله محمد علي باشا، وانفتحت له كتب العالم، وحفظ أقوال التنويريين في مصر وتركيا والبلدان الأوروبية عن ظهر قلب “لعلها تنفع وأنا أخاطب أهالي نجد” كما يقول.

بعد أن كان محصوراً في نجد في الكتب المحدودة الأفق التي يقررها محمد بن عبدالوهاب لأبناء العائلة الحاكمة. صار هذا الأمير الشاب بعد 18عاماً،، معداً كما خطط له باشا مصر، ليتولى حكم الدولة السعودية الثانية، بكلمة سر أخرى، هي الحضارة الحديثة والنهضة. يعود هذا الشاب متوجاً بجنود الجيش المصري إلى الرياض، ليعيد بناء دولة الدرعية بكلمة مصرية بدل الكلمة الوهابية، فيفشل بعد ثلاث سنوات، ويخرج خائباً طريداً ليموت منفياً في مكة تحت حكم العثمانيين.

اعتبره التاريخ خائناً وعميلاً، فجاءت هذه رواية (طنين) لتعيد له الاعتبار، عبر تقنية الرسائل التي ابتكرها مؤلف الرواية الأمير سيف الإسلام بن سعود بن عبدالعزيز، نقرأ في رسائله التي كتبها لصديق طفولته في الرياض، شهادته على تاريخ تشكل الدولة، من منظور مغاير للرواية الرسمية للدولة كما كتبه ابن غنام وابن بشر، ووجه المغايرة يكمن بالذات في نظرته النقدية لمفهوم التوحيد الذي جعل جعل الدعوة الوهابية تقود الدولة إلى التصرف بتطرف على قاعدة إن أبناء الدرعية هم “مصلحو الكون، خلفاء الله على الأرض وأمناؤه”.

يطرح الأمير في رسائله مجموعة من الأسئلة العميقة: لكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ماذا سيحدث إن توسع المُلك الديني إلى حد اصطدامه بالمُلك الدنيوي للأقوياء الآخرين؟ ماذا لو أن أحد الأطراف أخلّ ضمناً أو علانية ببنود الميثاق والعهد؟ وماذا لو تبين لأحد أطراف العهد أو كليهما أن آخرين يَدّعون أنهم يعملون بكلمة التوحيد، وإنهم يقومون بنصرتها، وأن الشيخ والأمير أو من يأتي من أعقابهما ليسوا مخولين بالانفراد بمهام فرز من هو مسلم حقاً ومن هو كافر؟ ماذا لو أعلنت طائفة مستجدة الحرب على أطراف الميثاق، بحجة خروجهم من مقتضى الإسلام الأعم أو الإيمان الأخص؟

إنها أسئلة راهنة، ويطرحها كاتب الرواية بحذر موارب على الدولة السعودية الحالية. تزداد هذه الأسئلة إلحاحاً مع تقدم الزمن، يجيب عليها الزمان بتأكيد أهميتها وثقلها وبيان حجم حرجها، لقد توسّع المجال الديني الذي يحمل رسالة التوحيد الوهابي الغليظة، احتل مناطق من العالم الإسلامي على تنوعه، وصار يزاحم عقائد الآخرين ويُكفّرها، ووصل إلى الغرب وصار يصنع خلايا متفجرة، باختصار أصبح عبئاً على العالم، ولا قدرة لأحد على مواجهة هذه الأسئلة بصراحة نقدية.

مع غياب الجرأة على مواجهة هذه الأسئلة، ظهرت داعش والنصرة، وقبلها جماعة التوحيد والجهاد (العراق)، جماعة التوحيد (ألمانيا)، جماعة التوحيد والجهاد (مصر)، التوحيد والهجرة (مصر)، التوحيد والهجرة (العراق)، حركة التوحيد والجهاد (غرب أفريقيا)، جماعة التوحيد والجهاد (بيت المقدس)، جماعة التوحيد والجهاد (المغرب الأقصى). صارت تتنازع هذه الجماعات تمثيل التوحيد الوهابي وامتلاكه. صاروا يزايدون على بعضهم في تطبيق شروطه من تكفير للآخرين وضيق بالمختلفين واعتبارهم مشركين ودعوة إلى التبري منهم بالتخلص والقتل.

مازال (طنين) التوحيد يُحرك البنية العميقة للمملكة، إنه مرضها المزمن، كما كان طنين الأذن مرض الأمير خالد بن سعود المزمن. كان رجال مخابرات الامبراطورية العثمانية يسجلون عليه يومياته الأخيرة، ويرسلون تقاريرهم اليومية، وبالتأكيد هناك رجال ورثوا مسؤولية القيام بهذه المهمة بعد أن صار مرض دولة لا مرض رجل في الدولة.


*مقال معد لصحيفة الاتحاد اللبنانية قبل إغلاقها

Dialogue on “God of Monstrosity”: The texts that laid the foundation for Wahhabism and the Saudi state form the framework of my new study

My book conveys answers to forbidden questions in Saudi Arabia
How did the father of Wahhabism became the founder of the Saudi State?
From Ash’ariyya to the cloak of Muhammad Ibn Abdul Wahhab… this is how Saudi Arabia stole the teachers of Al-Azhar.
Ibn Abdul Wahhab’s alliance with Ibn Saud “Blood for blood and destruction for destruction”.
The preachers of the Islamic University in Medina invaded Egypt, Malaysia, Europe and America.
Joint texts between Wahhabism and the Saudi state form the framework of my new study.
In the  official Saudi books, you can read the biography of Muhammad Ibn Abdul Wahhab as if you are reading the biography of the prophet.

Dialogue by: Intissar Rahdi
Translated by: Roa Shamsedine

The Bahraini Researcher Dr. Ali Al Dairy had already talked about political environments being an entry to dissect and analyze monstrous texts starting from the Seljuks and leading up to the Salafism of Ibn Taymiyya. He discussed these subjects in his controversial book “Texts of Monstrosity”, the third edition of which will be published soon.

Today, he comes back with a new publication, entitled “God of Monstrosity” to discuss Takfir as a killing as a killing scheme that is imposed by a political conflict. In his book, Al Dairy studies the state of Diriyah and Wahhabism by approaching the biography of Muhammad Ibn Abdul Wahhab and his Da’wa, its dissemination in Nejd until it turned into a state, political system, army and a power! The reader will be acquainted with the biography of Ibn Abdul Wahhab in its political context, and with his Takfirist texts that deny people their humanity and legitimize killing a Muslim who does not adopt the Wahhabi interpretation of the texts: the interpretation that legitimizes violence and hatred through the Wahhabi rhetoric that emphasizes what annuls Islam and faith!!

This book allows you to understand how this movement resulted in movements of violence and monstrosity that are now terrorising the world.

Now, we talk to Dr. Ali Al Dairy about his new book “God of Monstrosity”:

–  Let us begin with the word “Monstrosity”; don’t you think that the meaning of this word has deviated from the sense of savageness into another meaning that has become common after Abu Bakr Naji’s book (The Management of Monstrosity)? Isn’t the word “Monstrosity” now a term that indicates the state of chaos that is invading the countries after the power vacuum in Libya, for instance, after Gaddafi, and Iraq after Saddam… that state of political vacuum which your book does not discuss?

Al Dairy: Monstrosity is not a name or a term, it is a concept; and no one owns concepts, as monstrosity expresses an idea. It does not reflect a group, a sect or a person. Anthropologists may have been among those who have used this concept the most to point out uncivilised groups, then they backed away and apologized to these groups, and they called them primitive groups.

Monstrosity is a concept that describes the realistic situation which has occurred throughout history, and the theoretical texts legislating it; by this I mean the situation of the “other” who is different from us in sect, religion or politics. In our Islamic belief, we have doctrinal and juristic texts that are loaded with provocation, enmity, hatred and legitimized killing. There are also relevant practicable implementations over history of these texts. I am interested in these acts of implementations, and all the texts I have studied in my books “Texts of Monstrosity” and “God of Monstrosity” have documented cases of practicable implementations in reliable books of history.

–  Why Wahhabism? Isn’t it a trend on its way to inevitable end? What is the need for the book “God of Monstrosity” now?

Al Dairy: Why Wahhabism? Because it has succeeded in invading the world in the name of pure monotheism, true Sunnah (prophetic tradition) and Al-Salaf Al-Salih (the righteous predecessors). It has spread through the Islamic mind, and has been able to “steal its face”.

The talk about Wahhabism today, in its Takfirist speech, cannot be separated from politics. In my criticism in the “Texts of Monstrosity” and “God of Monstrosity”, I have proceeded from the idea that “Takfirism is a plan for killing dictated by political conflict”, and I see that Wahhabism is a form of examining this idea.

My book is not a study on the extent of the presence of Wahhabism in the Islamic world, but I will answer your question to emphasize the importance of critically studying the Wahhabi speech.

Let us take Egypt and Malaysia as examples of the spread and extension of the Wahhabi speech, in addition to the spread of hatred. In Malaysia, directly Saudi-backed universities have been able to turn the Shiite belief into a “banned religion” since it “houses various doctrinal deviations (Bid’ah) that exclude one from Islam”. In Malaysia, declaring Shiites as apostates is done based on a Malaysian Code. The state also bans, by a code, the use of the name of Allah in indicating the god of non-muslims. This has provoked a widespread campaign all over the country under the slogan, “Allah is for Muslims only”.

In Egypt, Saudi Arabia only backed private religious universities. It provided free education to the people of the Islamic world, it gave them high certificates equivalent to Al-Azhar’s— attested by Egyptian official authorities— it “stole” the teachers of Al-Azhar who started teaching in Al-Madinah International University, thus shifting it (Al-Azhar) from Ash’arism and placing it under the cloak of Muhammad Ibn Abdul Wahhab.

In Saudi Arabia itself, all facilitations are made to receive the people of the Islamic world, in return for producing graduates who become preachers that spread Wahhabism. Accordingly, Wahhabism has been able to control the largest mosques in Europe and America. The following are examples of preachers in the West, who are accused of delivering hate speeches. They are all graduates of the Islamic University in Medina: preachers Bilal Philips, Abu Usamah Al-Thahabi and Yasser Al-Qadi.

photo_٢٠١٦-١٢-١٢_١٦-٣٢-٢٨

– In your book “Texts of Monstrosity”, after discussing the roots of Takfirist minds invested in the thought of Ibn Taymiyyah, you talked about the views of Ibn Abdul Wahhab being a natural extension to those roots in your other book “God of Monstrosity”; will we soon read a book written by you tackling the subject of ISIS? What makes the biographies of persons with extremist minds and views an inspiration to numerous movements?

I am not interested in ISIS as much as I am interested in its legacy drawn from the texts. In my books”Texts of Monstrosity” and “God of Monstrosity” I looked into the political, doctrinal and jurisprudential contexts. These texts form the bedrock of what we are witnessing today of the endless emergence of monstrous movements, which must be criticized and whose political contexts must be revealed.

Thoughts and texts do not die. They can be recalled in accordance with the political and cultural environments surrounding them; i.e. thoughts that promote murder and hatred, and thoughts that promote life and love. Wahhabism recalls the texts of monotheism and Takfir written down by Ibn Taymiyya. The Mamluks’ authority thought that it had repressed the thought of Ibn Taymiyya when he was imprisoned, and when he made his call to adopt Ash’arism instead of Salafism, rendering it the image of “Ahlus Sunnah wal Jamaah.” This issue will always be the center of political and doctrinal dispute, and we saw that after the Grozny Conference entitled: ‘Who Are Ahlus Sunnah wal Jamaah?’

The death of Ibn Taymiyya was indeed the moment of his birth. His student, Ibn Katheer, recorded his life in a historical text in which he described Ibn Taymiyya’s funeral. This description was a mixture of exaggeration and sanctifying with the historical reality. Allow me to elaborate more in this context, and say that the life of thought is much more dangerous than the life of persons. Imam Ahmed Ibn Hanbal says; ‘The mass of a funeral determines whether the deceased is a man of Bid’ah [heterodox]’. Ibn Katheer wrote the text of Ibn Taymiyya’s funeral based on the context of this saying. We actually do not know the historical truth of this funeral’s mass, and what really happened, but we know that Ibn Katheer’s description has become a historic reality; Salafists do not hesitate to recall this text and celebrate it.

Some estimates state that the number of participants in the funeral ranged between 60,000 and 100,000, extending to even more. The number of women participating was estimated to have been 15,000. Ibn Katheer said that some people even drank the water that was left from Ibn Taymiyya’s Ghusl. It was also said that the Taqiyah (cap) which was on his head was bought at the price of 500 Dirhams, and that in the funeral, there was noise and sounds of crying and praying. Ibn Katheer said that people read the whole Quran multiple times, and that people frequented his grave for many days and nights; spending the night over there, and that many people saw good dreams of him. In addition, a large number of elegies were written about him.

So, this is how Ibn Katheer presents the mass of funerals, as if it were approval of the thought of Ibn Taymiyya, and of its continuity in the people who expressed their love and appreciation to him when they participated in his funeral as they did.

If Ibn Taymiyya’s funeral is considered an act of saving face after the imprisonment he suffered, then the biography of Muhammad Ibn Abdul Wahhab, as told by the official Saudi history book, is very similar to the biography of the prophet, filled with heavenly care and success.

Telling biographies in this manner makes them live within their followers. That is why the thoughts of these persons do not fade.

–  Do you think that the alliance of Ibn Abdul Wahhab and Ibn Saud was the main reason behind the spread of Wahhabism? Or is it that the rough bedouin nature of Nejdis was a bedrock to this fanatic and strict doctrine?

If it were not for this alliance, this Da’wa would have never succeeded. This is the Diriyah Agreement of 1744. Muhammad Ibn Abdul Wahhab made a great effort, and he nearly died several times so that he could achieve this alliance. It is noteworthy that this agreement is not written, it is rather backed with bloodshed and destruction “Blood for blood and destruction for destruction”. This alliance forms a crucial part of the detailed record of the Da’wa and the state. I have elaborated on this subject in the book.

This agreement stands as another evidence showing that the texts of monstrosity were the result of alliance between religion and politics, and that politics is the perfect environment to produce monstrous religious texts.

The Nejdi nature is filled with diversity, and it housed poets who celebrate life, admire beauty and enjoy nature. It is enough that it beheld the story of Qays and Layla (Layla and Majnun).

–  In light of the scientific research and the available documents relevant to Ibn Abdul Wahhab’s biography, how can you scientifically evaluate what was mentioned in the “Memoirs of Mr. Hempher, The British Spy to the Middle East”? Are their contents and sources credible enough?

I did not use these memoirs as a reference in my study, and I truly do not see any real value in them, as these memoirs do not exist in the British Archives. I also hadn’t used “ Lam’ al-Shihab fi Sirat Muhammad ibn Abd al-Wahhab” because its author is suspicious and his information about Ibn Abdul Wahhab’s biography are not reliable.

In my study, I referred to the official sources honored by Wahhabism and by the Saudi state. The two most important sources are Ibn Ghannam’s book “Rawdat Al-Afkar Wa Al-Afham Li Mortad Hal Al-Imam Wa Te’dad Gazawat Zawi Al-Islam”, and Ibn Bishr’s book “Unwan Al-Majd Fi Tarikh Najd”.

–  Amongst what was written about the Wahhabi movement, its founder and about the first Saudi state, what does “God of Monstrosity” have to offer to the reader, differentiating it from other available books and sources?

Every study has its own perspective and approach. I tried to apprehend how a state in the eighteenth century -the century of western modernity- could be established on the basis of a religious Da’wa that accuses all of those who have beliefs different from its fanatic concept of monotheism of being apostates. I wanted to understand how this man -Muhammad Ibn Abdul Wahhab- who is the center of this Da’wa became the founder of the Saudi State. How did he grant this state its legal identity? How did this state, with him calling for monotheism, become the only state that houses and practices violence at the same time, not against those who disobey the law, but those who disagree with its beliefs? These questions are prohibited in Saudi Arabia, and they cannot be approached with freedom and openness.

On the other hand, I wanted to know how the concepts of calling for monotheism, immigration and jihad result in movements of violence and monstrosity that frighten the world. The following are samples of different groups who adopt Monotheism (Tawhid) as its main title, and identify their beliefs and missionary using the same phrases used by Ibn Abdul Wahhab in his book “Monotheism”:
Jama’at al-Tawhid wal-Jihad (Iraq), Tauhid Group (Germany), Jama’at al-Tawhid wal-Jihad (Egypt), Al-Tawhid Wal-Hijra (Egypt), Al-Tawhid Wal-Hijra (Iraq), Al-Tawhid Wal-Jihad Movement (West Africa), Jama’at al-Tawhid wal-Jihad (Jerusalem), Jama’at al-Tawhid wal-Jihad (Morrocco).

–  If we take a look at the current Wahhabi religious establishment, can you see that it is abiding by the thoughts of Ibn Abdul Wahhab, precisely to that relevant to polytheism, monotheism, emigration, immigration and jihad? Or did it change under the pressure of international and local calls for reform?

“Obedience to the ruler” is equal to “Imamah” with regards to submission and obedience. This makes Wahhabism as an establishment for (Senior Religious Scholars) a tool that can be controlled and restrained under the rule of the ruler, but it cannot be restrained in relevance to Da’wa and speeches, and it might give birth to infinite number of groups resembling an endless mathematical equation.

There is a clear list to accuse people with unbelief which are: to denounce the infidels, not to admire their regulations, show gratitude towards them, follow their examples, adhere to them, and be close to them. Each title in this list is considered to annul faith; one is therefore, accused with unbelief when they  do not denounce the infidels, admire them, show them gratitude, follow their examples, adhere to them, or be close to them. But this list can be adjusted if it were to be connected to the ruler. Thus, it becomes permissible interests that is legislated, established for it, and those who reject it are accused with unfaith; everyone who opposes it are threatened to be at war with; this is all because these acts are considered to be deviation from the interests of the ruler.

But this list is not adjusted to produce speeches of forgiveness, peace and love between people. The essence of this Da’wa is based on fanaticism, charging with infidelity and hatred; it is rather adjusted on the basis of finding legal loopholes that are in accordance with the ruler’s political interests. This kind of adjustments occurred in the Afghanistan war, the invasion of Kuwait, calling for infidel troops of the Arabian Peninsula, and Decisive Strom Operation.

2

–  In your opinion, what will the Shia learn from this monstrous lesson? Doesn’t this call for a deep research in the origins of hatred in order to break it up whether it was amongst Sunnis or Shia?

Monstrosity, in the context I used, is a more critical state than not accepting the different people, and being different from others, it is more dangerous that each religion or sect considers that the others are corrupt or stray cattles. Talking about monstrosity makes us stand before a state that calls for killing and committing violations, where others are not stray sheep, but rather sheep meant to be slaughtered. I am talking about doctrinal and juristic texts that give orders to an army to kill and assault different groups of people, to attack their women and steal their wealth.

I hope we do not get confused between monstrosity and fanaticism or narrow mindedness; that is a different case. To emphasize, every act of monstrosity is fanaticism, seclusion and hatred, but not every feeling of hatred and seclusion is monstrosity. We have to distinguish between the two cases just as the law distinguishes between misdemeanour and crime.

I think that the Shiite intellect did not get involved in the production of monstrous texts in the context I wrote about, mostly because it represented minorities. On the other hand, the Shia did get involved in producing irrational texts, and they have established untouchable doctrinal concessions that are the product of history and politics. They moreover wrote down imagined historical events.

The Shiite thought must learn from the lesson of monstrosity. Shiites must not glorify their texts and writings, they must be brave enough to criticize their principles, and to detach their concessions from politics and history. Otherwise they shall be threatened to witness the birth of extremist groups to be engaged in political conflicts. I can recall several examples of those now, such as Yasser Al-Habib and his followers, Ahmed Hassan Al-Yamani, groups that assume they are followers of Al Mahdi, and groups that practice disgusting rituals.

لقراءة النص العربي

1

حوار جريدة (بين نهرين الثقافية) مع الباحث البحريني علي الديري: “إله التوحش”.. مضاد للحداثة والتنوع الخلاق

جر

جدل وحوار جريدة (بين نهرين الثقافية): يوسف محسن 

في كتابه (نصوص متوحشة من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية) فكك الباحث البحريني علي الديري، النصوص التكفيرية والتأويلات التي منحت العنف والكراهية شرعية ثقافية في مجتمعات العالم الإسلامي، نصوص فقهاء جعلت من التوحش عقيدة دينية، لا تعترف بالآخر، أما كتابه (إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية) الصادر حديثاً، فيدرس فيه الديري نصوص التكفير الوهابية التي تشكل جذر (داعش) الثقافي.

علي الديري ناقد وباحث من البحرين، متخصص في تحليل الخطاب، اشتغل في حقل الفلسفة واللغة والمجاز، أسقطت الجنسية عنه بمرسوم ملكي في كانون الثاني 2015، لأسباب تتعلق بآرائه السياسية، جريدة “بين نهرين الثقافية” حاورته بشأن الظاهرة السلفية الجهادية بوصفها ظاهرة ثقافية وبالذات الأكثر تجلياتها وحشية (داعش).

جريدة بين نهرين حوار مع علي الديري

بين نهرين: هل يمكننا القول إن السلفيات الجهادية وأقصد أحد التجليات الأكثر بروزا (داعش) تمتلك لغة خاصة داخل  الظاهرة الثقافية التي تنتجها؟ أم هي جزء من المنظومة الثقافية في السياقات العربية؟

الديري: ما يجمع السلفيات هو أنها ترجع إلى نص يسبقها، يسبق زمنها الذي تعيش فيه ولا تعيشه، ويسبق عقل الحضارة المعاصرة التي فرضت أدواتها على الجميع بما فيهم السلفيات. في كتابي (نصوص متوحشة) ذهبت إلى  النص الذي يشكل لها الأب المؤسس، لغة السلفيات الجهادية هي نفسها لغة هذه النصوص: تكرار ممل، إعادة بائسة للأقوال نفسها، استخدام الحجج والأدلة نفسها، معجم المصطلحات نفسه، العمى نفسه يورثه السابق إلى اللاحق.

خذ مثلا: ابن تيمية، وابن القيم الجوزي، ومحمد بن عبدالوهاب، وأبومحمد المقدسي، كأنهم يبيضون مسودة واحدة، تدور حول فكرة مغلقة واحدة هي فكرة التوحيد السلفي ولوازمه من البراءة والولاء، البراءة  من الطواغيت والآلهة التي تعبد من دون الله عز وجل والكفر بها، فهذه لا تُؤخر ولا تؤجل، بل ينبغي أن تظهر وتعلن منذ أول الطريق، والبراءة من الأقوام المشركين هم أنفسهم إن أصروا على باطلهم.

لا تخرج لغة الجماعات السلفية بكل تلاوينها عن معجم لغة البراءة، ربما تتنوع تطبيقات البراءة فتأتي في صور:مفخخات أو أحزمة ناسفة، تفجير مساجد أو مراقص، انتحاريون أو انغماسيون.

منهج البراءة هو لغة السلفية الجهادية، وهو ما تجده مشروحاً في كتاب المقدسي “ملة إبراهيم” فطريقة تحطيم أصنام المشركين، هي المنهج الذي يجب أن نتبعه، وهي اللغة التي يجب أن نتحدث بها معهم، وعلى هذا تصبح ملة إبراهيم في مفهومهم تعني القوة، والعنف، والذبح، وتمثيل الموت في أقسى حالته بشاعة ورعباً.

بين نهرين: شل الحرية التأويلية لجماعة دينية أو سياسية ما، تعد النقطة الحاسمة والتي تحمل داخلها جذور التوحش (امتلاك الحقيقة المطلقة ) ما هو رأيك بهذه الفرضية؟

الديري: إله التوحش يقول لك اعبد النص من غير تأويل ولا تكييف ولا تمثيل، أي عطّل طاقتك العقلية والخيالية والإبداعية في سؤال الكيف، ومجاز التشبيه، هذا ما ينتجه مفهوم التوحيد السلفي، إله من كلمات صماء، أصنام في شكل كلمات، ممنوع عليك أن تأولها أو تفهمها بطاقتك الإنسانية. ممنوع أن تسأل كيف هي صفات الله؟ ولا تشبهها بشيء.  صفات الإله غير قابلة للتأويل عند الجماعات السلفية، ومعاركهم الكبرى يشعلونها حول صفات الاستواء والجلوس.

عليك أن تُسلّم فقط، تسلم بهذه الصفات، وتسلم لولي الأمر أيضا بالطاعة العمياء، لتسلم روحك. لا تسأل كيف استوى الإله على العرش؟ ولا كيف استولى ولي الأمر على العرش؟

السلفية الجهادية، تبحث عن القوة المادية السياسية التي تمكنها أن تحظر وتمنع وتقطع، وتحد من التأويل. من يذهبون إلى التأويل تطبق عليهم السلفية الجهادية حد التبري، فيصبحون في دائرة من دمهم مستحل.

“ما نزل من القرآن آية إلا لها ظهر وبطن، ولكل حرف حدّ ولكل حد مطلع” الحد عندهم هو القطع هو امتناع التأويل، والمطلع هو العقوبة على تجاوز الحد. في مقابل هذا المعنى المغلق، يقدم الشريف الرضي تأويلا آخر، يرى في الحد ليس نهاية، بل وصول إلى مطلع تشرف من خلاله على معنى جديد.

إغلاق التأويل هو نهاية أي أمة، لأنه يعني الوصول إلى حائط مسدود، في حين التأويل يعني أنك يجب أن ترتقي بحركتك الروحية والعقلية لتصل إلى الحدود القصوى من المعرفة التي تطل من خلالها على العالم، لتفهمه وتستوعبه وتعيش تنوعاته كلها. الحد ليس سيفاً ولا حزاما ناسفا ولا مفخخة، بل الحد شرفة رؤية. الذين يحدون أسماء الله وصفاته ويمنعون السؤال، يحولون الله إلى صنم غير قابل للمعنى، ومتى فقد الإنسان المعنى اغترب وتوحش.

من يردد اليوم كلام الشريف الرضي في التأويل؟ من يقول لك إن التأويل يفتح معنى الألوهية على الحياة؟ من يحثّك على أن تصعد إلى أعالي التلال، لتطل من خلالها على معنى الله، ومعنى كتاب الله، ومعنى خلق الله وآيات الله. من يستحث في داخلك القدرة على أن تبذل ما في وسعك من أجل أن تطلّ على المعنى من غير سلطة الأقوال والمرجعيات الصنمية. من يردّد اليوم كلمات الشريف الرضي؟ الجواب: لا أحد.

في مقابل ذلك، من يردّد لغة السلفيات الجهادية؟ الجواب: كل أحد. حتى الذين لم ينخرطوا في أعمالها العنفية. إنهم يترددون في كل ما يُطلعك منهم (التأويل). لا يريدونك أن تدرك الله ورسالته بقلبك، بل يريدونك أن تدركه بلسانك، وتقرّ لهم بهذا الإدراك، وإن زلّ لسانك أَرسلوك إلى مقصلة الحدّ الذي يفهمونه عقوبة، ويفهمه الشريف الرضي مطلعاً للمعنى.  

لقد تحوّل الإيمان إلى حدٍّ تدخل فيه بكلمات وتخرج منه بكلمات، لا علاقة لها بالقلب ولا بالروح، وهذه هي إحدى نتائج تعطيل التأويل. وقد ناقشت ذلك مفصّلاً في الفصل الرابع من كتابي “إله التوحّش” عند الحديث عن كتاب “الإيمان” عند ابن تيمية.

مقابلة ملحق بين نهرين الثقافي حول كتاب إله التوحش2

بين نهرين: السلفيات الجهادية (داعش)، تسعى إلى تهديد وفناء الحداثة الغربية، عبر خطاب وسلوك معاد للعقلانية والمرح، وهذا الأمر نفذ في  باريس من خلال مهاجمة مسرح باتاكلان الذي كان يحيي حفلاً لرواد موسيقى الروك، التي تعد بمثابة شيفرة ثقافية تعكس حالة التنوع والتعايش الخلاق بين الأمزجة والأعراق والأديان والفنون، أو عبر الهجوم على مجموعة لمطاعم (لاكازا نوسترا) الذي يقدم وجبة البيتزا التي باتت بمثابة وجبة عابرة للجنسيات والثقافات، كيف تكون داعش إنتاج الحداثة والعولمة وفي نفس الوقت حركة مضادة للحداثة؟

الديري: الحداثة تتعلق بزمن العقل والروح والسلفيات الجهادية لا يتحرك عندها هذا الزمن، لو تحرك هذا الزمن في عقلها تفقد صفة السلفية، وتسقط من عوالمها المتوهمة، هي تستخدم أدوات التحديث والعولمة لتحصّن قلاعها وتعيد انتشارها في هذا الفضاء المعولم، هي تريد أن يبتلع الزمن السالف الزمن المعاصر، فيحدث هذا الصدام.

المخلوق (فرانكنشتاين) هو صناعة حديثة، لكنه يعاني من نقص في تركيبه الروحي والعاطفي، وهذا ما جعل منه مشوهاً، لقد كان صنيعة التحديث الصلب، كما الجهاديات السلفية صنيعة التحديث الصلب الذي أتاحه لها الانترنت والصناعة وأدوات التواصل الحديث، لكنها حركة مضادة للتحديث السائل المتعلق بالإنسان وحقوقه وروحه وأشكال وجوده المتعددة.

بين نهرين هناك جهود انثروبولوجين، مثل أوليفي روي في كتابه “الجهل المقدس: زمن دين بلا ثقافة”، وسكوت أتران مؤلف كتاب “الحديث إلى العدو، الدين والأخوة وصناعة الإرهابيين وتفكيكهم” والفرنسي إيمانويل تود في كتابه الإشكالي “ما هي شارلي؟ سوسيولوجيا أزمة دينية”، من وجهة نظركم هل يعد الخطاب السلفي الجهادي الداعشي خطاب خلاصي ام خطاب ترتسم فيه أزمة؟

الديري: كل خطاب خلاصي، يحمل في داخله نزعة تخلصية، يعني يدعو إلى التخلص من نماذج معينة وأعراق وأفكار وأديان. يعتقد أن خلاص البشرية يكمن في التخلص مما هو عالق فيها من الخارج، التوحيد هو مركز الخطاب الخلاصي عند الجماعات السلفية، يعادون الناس عليه ويقتلونهم عليه ويتبرأون منهم عليه، أي أنهم يتخلصون من الناس بحجة أنهم يريدون أن يخلصوا  العالم بالتوحيد.

مفهوم الخلاص، موجود في الديانات، فهي تبشر بالجنة وخلاص البشر من الشرور والخطايا، يتحول الخلاص في الحركات الدينية إلى تخلص من الناس الذين يختلفون معها، كما فعلت حركة الصهيونية، فالخلاص يتحقق بعد بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى، وللوصول إلى هذا الهدف، يمكنك أن تقتل الناس وتهجّرهم وتتخلص من كل الذين لا يؤمنون بمعتقدك اليهودي في محيط القدس.

كذلك، جاء محمد بن عبدالوهاب بدعوة تخليص الجزيرة من الشرك، فتحالف مع قوة سياسية لديها تطلعات للتخلص من خصومها السياسيين، فأعمل هذا الحلف السيف والقتل والصرم والتكفير في الجزيرة باسم تخليصها من شرور الشرك، وهذا هو منطق الحركات السلفية الجهادية.

صور كتاب إله التوحش، تصوير نتاليا

بين نهرين: إله التوحش، نقيض الإله الإنسانوي، أتساءل ما هي الشروط الثقافية والاجتماعية والسياسية التي أنتجت هذا الإله الوحشي؟

الديري: إله التوحش ليس في السماء، هو في الأرض، في قصور الخلفاء والسلاطين ومدارسهم الدينية التي تخلقه على مقاس حاجاتهم السياسية، بحثت عنه فوجدته في نصوص الغزالي يأمر بالقتل والسفك وانتهاك العرض ضد خصوم الخليفة العباسي والسلطان السلجوقي، خصومهم من المسلمين وليس الكفار والمشركين. ووجدته في نصوص مؤسس دولة الموحدين (ابن تومرت) وهو يُكفر ويُقتل ويستبيح خصومه المرابطين وهم من المسلمين من أهل السنة والجماعة، ما كان للخليفة عبد المؤمن بن علي أن يجلس على كرسي الحكم قبل أن ينزل إله التوحش ونصوصه إلى الأرض، ليستبيح بها الخلفاء المرابطين.

ووجدت هذا الإله متربعاً في نصوص ابن تيمية، يبحث عن إله في الأرض يتحالف معه، ليُمعن في القتل باسم التوحيد، فتُبسط له الأرض فيحكم باسم الله، ووجدت محمد بن عبدالوهاب، واسطة العقد بين إله ابن تيمية المتوحش وسيف محمد بن سعود، لقد صاغا عقد اتفاق الدرعية على قاعدة “الدم بالدم والهدم بالهدم” وبذلك فهي اتفاق على أن نص التوحيد ضمان لدم الدولة وضمان لدم الدعوة، وهدم أحدهما هدم للآخر. هي ضمان للتوحيد السياسي للدولة الخاضعة بالقوة لعقيدة إيمان مُوحدة ومُعَمّمة وغير قابلة لأي تأويل أو اختلاف، كما أنها ضمان لبقاء الدعوة ظاهرة وقوية ومهابة وناطقة في مراسيم الحكم وألسن الناس.

باختصار، يجد إله التوحش مكانته المقدسة في الأرض، حين تُعطي السياسة شرعية دينية للفتك المتوحش بالخصوم السياسيين. والنصوص المقدسة لهذا الإله في ثقافتنا، هي النصوص التي تصادر حق الإنسان في السؤال عن الله وصفاته وتصادر تأويله لها، وتستبيح دماء الآخرين باسم هذه الصفات.

بين نهرين: من المعروف أن ثقافة الخطابات السلفية الجهادية  تتغذي على منطق الانغلاق والعزلة على الذات، من جهة، والإحساس بالتعالي الذي يعتبر عاملاً مغذيًا لمنطق الغطرسة والغزو والإيمان الأرثوذوكسي بالأنموذج الواحد. أتساءل كيف تظهر تلك الثقافات وتعد قوة هائلة في التاريخ؟

الديري: (الإيمان الأرثوذكسي بالأنموذج الواحد) هو نفسه (السلفية) أو (أهل السنة والجماعة) أو (أهل الحق) هذا تعبير لا يشير إلى جماعة أو مذهب أو طائفة فقط، بل هو يشير إلى الطريق المستقيم الصحيح الّذي يفرضه إجماع السلطة كطريق للتدين.

هذه التركيبة من العقيدة والسلطة والقوة تحوّل الدين إلى ممارسة عنف وإكراه وتوحش، وهذا ما حاولت أن أدرسه وجعلته عنوانا فرعيا في كتابي (نصوص متوحشة من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية) لقد مارس السلاجقة توحشهم عبر سلفيتهم التي كانت عقيدة أشعرية مفروضة كطريق وحيد للإسلام المفروض بالسلطة السلجوقية، وكذلك فعلت الوهابية، فرضت التوحيد من منظورها السلفي كعقيدة بسيف سلطة آل سعود. داعش اليوم تريد أن تمارس ما فعلته الوهابية في تاريخ الدولة السعودية الأولى، باعتباره تاريخ صدر الإسلام الصحيح.

بين نهرين: نرى أنّ المواجهة العسكرية لداعش ليست كفيلة باستئصالها، بل إنّ المواجهة الثقافية والفكرية هي أجدر وأنجع. أتساءل  كيف ذلك؟

الديري: المعركة على كل الجبهات، والمثقف الذي يظن أنه سيهزم داعش بكتبه فقط، ستحرقه داعش بكتبه.وكذلك المثقف الذي يكتب من الحضن الذي فرّخ داعش، سيغلق عليه هذا الحضن يوماً ويجد نفسه بلا نفس ولا حرية ولا كرامة.

الهروب من الوحش

باسمة القصاب*
أعترف أني شعرت بنوع من التثاقل، قبل البدء بقراءة كتاب الصديق علي الديري، الصادر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق «إله التوحش.. التكفير والسياسة الوهابية» رغم إدراكي أهمية هذا الكتاب والعمق الذي يحويه. أقول تثاقلت، لأن التوحش الذي نغرق فيه، يجعلني -مثل غيري- نبحث عن كتاب نهرب به عن هذا الواقع الكريه، إلى نصّ أنيس، لعلّه يعيد لنا شيئاً من إنسانيتنا المفقودة، أو ينعش فينا حرارة الحب التي غابت عن قلوبنا وجوارحنا. وربما لأني أعتقد أن الخروج على الوجه القبيح للعالم يبدأ من إشاعة الحب، لا من إعادة نبش هذه النصوص القبيحة، كان داخلي يقول: قراءة نصوص هؤلاء المتوحشين، توحش آخر.

لكن ما إن دخلت، حتى وجدتني انزلق في قراءة سلسلة، ما يشبه رواية تاريخية مشوّقة ومتعمّقة، وإن كانت موجعة، رواية تعرض سيرة رجل وسيرة دولة، تمر عبر اتفاق تاريخي مفصلي، وقع شفاهة بين رجلين: رجل ملّة ورجل دولة. كان الأول بحاجة إلى قوة السلاح لينشر دعوته، والثاني بحاجة إلى العزّ والتمكين. هكذا أطلق رجل الدولة القوّة في يد رجل الملّة، مقابل ما وعده به الأخير “وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين”. كان ذلك اتفاق الدرعية في العام 1744م، بين الشيخ محمد عبد الوهاب، والأمير عبد العزيز بن سعود.

هذا التناول، صيغ بحسّ نقدي عميق، حسّ لا كراهية فيه، تناولٌ يتمنى تقديم مراجعة نقدية تؤسس لاستئصال هذه النصوص، التي لا ترينا غير صورة إله متوحش غريب، ودين روحه الكراهية والتقتيل.

لا يحمل هذا النقد مناكفة من ابن طائفة لطائفة أخرى، فعلي الديري الذي عُرف بمناكفته الثقافية اللاذعة لطائفته الاجتماعية ونقدها، لا يتناول في كتابه هذا طائفة تكفّر طائفة أخرى، بل (عقيدة) تكفّر المختلف وتستبيح دمه وماله وحلاله، مهما كان هذا الآخر مشتركاً معها في الطائفة نفسها، أو مختلفاً عنها في المذهب أو الدين. إنها عقيدة متطرفة عنيفة مبنية على البراءة والكفر، فمن لا يؤمن بـ(لا إله إلا الله) على طريقتها في التوحيد يُكفّر.

يأتي هذا الكتاب متقاطعاً ومتكاملاً مع كتابه «نصوص متوحشة» الذي صدر في 2015، فالديري مشغول بمحاولة فهم جذور التوحش الذي نعيشه اليوم، أو الوحش الذي سرق وجوهنا. وهو ينطلق من فرضية تقول أن خلف كل صراع عقائدي تقتيلي وتكفيري، أصل سياسي: “فتش في كل خلاف حول التوحيد وما يتصل به من صفات الألوهية عن السياق السياسي، لتفهم هذا الخلاف، وكذلك إذا أردت أن تفهم صراعات الفرق العقائدية والكلامية، فتش عن السياق السياسي”. ليس هناك أقوى من أن تضرب خصمك السياسي في عقيدته لتخرجه من الإسلام، فتشرعن قتله وتبيح التخلص منه.

يتتبع الديري في كتابه الأخير، كيف تحول كتاب دعوة هو «كتاب التوحيد»، إلى وثيقة حركة سياسية ودينية، ودستور دولة لاحقاً. وكيف صارت تلك (الدعوة) عقيدة حرب واختصام توسّع باب الشرك، وتفتح باب الكفر. كيف جُرّد مفهوم التوحيد من كل معاني الوحدة والإيمان ولم يعد يمثّل غير الخصومة والتبرؤ والتكفير والمحاربة فقط. وكيف جُرّد مفهوم الإسلام من كل معاني السلام، حتى أصبحت رسالته محصورة في الجهاد فقط. وكيف جرّد جميع المسلمين ممن هم خارج هذه (العقيدة) من الإسلام، حتى صار الاستثناء من الإسلام هو الأصل.

إنه ليس نبشاً للتاريخ، فالنبش يقتضي أن يكون المنبوش ميتاً أو منتهياً، لكننا هنا أمام حاضر له امتداد تاريخي. أمام نصوص معاشة وحيّة تعمل على تشكيل أتباعها وصياغة عقيدتهم وتوجيه تكوينهم وعلاقتهم بالآخر. نصوص لم يتم تجاوزها كتاريخ، بل ما زالت تدرس في المدارس وتنشر وتترجم وتعاد طباعتها وتوزيعها والتبشير بها والدعوة إليها في الداخل والخارج.

إنه الوجه الحقيقي الذي يلاحقني في حياتي ولا أستطيع الهروب منه مهما ذهبت إلى نصوص السلام والحب ونمت محتضنة إياها لعلها تراودني في أحلامي على هيئة حمامات سلام بيضاء.  ومهما هربت، عندما أستيقظ صباحاً، لن أرى غير جرائم الوحش وهي تزلزل أسى العالم!

*كاتبة من البحرين
رابط الموضوع