أرشيف التصنيف: مقالات

أن تكون عربياً في أيامنا «1-2»

 

جانب من ندوة كتاب  آن  تكون عربيا

17467_1347109721448_1342458236_31001914_4734988_n

 

هل القومية فكرة فاشية بالضرورة؟ هل هي فكرة يمينية؟ هل هي أيديولوجيا عرقية؟
في خطاب عزمي بشارة هي ليست كذلك، هو يعمل على تحريرها من الفاشية واليمينية والأيديولوجيا العرقية والثقافية. وهو يقرّ أن المشروعات السياسية التي قامت على فكرة القومية في العالم العربي، كان مصيرها الفشل، وأنها لم تستطع أن تخلق لها مناخاً ديمقراطياً، وهذا ما جعل القومية قرينة الدكتاتورية، وهذا ما جعل من القوميين ديناصورات آيلة للانقراض.
يضع عزمي بشارة القومية على طريق الديمقراطية، منطلقاً من يقين صارم، أن الديمقراطية هي الإكسير الناجع لجعل القومية ممكنة الحياة بفاعلية في المجتمع السياسي والمدني. في طريق الديمقراطية ليس هناك يقين مطلق، والقومية حين تكون في هذا الطريق تتخلى عن مطلقاتها ويقينياتها ووثوقياتها، تغدو طريقة من طرق تكوين المجموعات. كيف يضعها عزمي بشارة على هذا الطريق؟
بإعادة فهمها بالاستعانة بالعلوم الإنسانية الحديثة لتخليصها من يقين الأيديولوجيا، وبإعادة إنتاجها وفق مقاس الدولة الوطنية لتخفيف نبرتها الرومانسية المتخيلة، وبإعادة صوغها ضمن مفهوم أمة المواطنين لتخليصها من الشمولية والاستبداد. بهذه الإعادات الثلاث يمكن الحديث اليوم عن القومية لا كتاريخ منقضٍ، بل كجواب لما يحدث اليوم من تشرذمات طائفية وعشائرية، هي تشرذمات وليست تعدديات.
في الحلقة النقاشية التي نظمها شباب «كلنا نقرأ» عن كتاب عزمي بشارة «ماذا يعني أن تكون عربياً» طرحت مشكلة لغوية تتعلق بالاشتقاق اللغوي لمفاهيم: أمة وقومية وجنسية. قلت إنها مشتقة من مواد لغوية مختلفة في لغتنا، وهذا سبب من أسباب اضطراب هذه المفاهيم في تصوراتنا الأيديولوجية المركبة لها. في مقابل ذلك هناك مادة لغوية واحدة تشتق منها هذه المفاهيم الثلاثة في اللغة اللاتينية «Nation» (أمة) و«Nationalisme» (قومية) و«Nationalite» (جنسية).
بسهولة نسبية يمكن للذهن أن يركّب علاقة أو أن يتخيل علاقة بين هذه المفاهيم منسجمة، كأنها تصدر عن شيء واحد، فالأمة مكونة ممن ينتسبون لقومية واحدة وحقوقهم الوطنية القومية مشتقة من هذه الرابطة الوطنية المجسدة في أرض جغرافية واحدة تحكمها هيئة سياسية واحدة.
كان اعتراض عضو مجلس الشورى سميرة رجب، يذهب إلى أن اللغة العربية ثرية في مفرداتها، ولسنا بحاجة لفهم هذه المفاهيم للغة أخرى، وتكفينا لغة القرآن، وقد ورد ذكر القوم في القرآن عشرات المرات. خالد الخاجة، وهو أحد الشباب النابهين من أمة «كلنا نقرأ» أجاب على اعتراض سميرة بأن اللغة ليست مجموعة من الكلمات فقط، كما أن القومية ليست مجموعة من الأفراد فقط.
الخطاب الذي تنطلق منه سميرة، هو نفسه الذي يراجعه عزمي بشارة ويدعونا لتجاوزه، كي نعيد فهمنا لمفهوم القومية بشكل آخر، يخرجها من مآزقها الأيديولوجية المغلقة والسياسية الفاشلة بامتياز.
أحد هذه المآزق، يكمن في تصورها اللاهوتي للغة، التصور اللاهوتي يقوم على الأفضلية، فهناك دين أفضل من دين، ومذهب أفضل من مذهب، ولغة أفضل من لغة، وعرق أشرف من عرق. ليست اللغة العربية بعدد كلماتها ولا بعراقتها، بل بالمحمول الذهني الذي ترينا من خلاله العالم، وهذا ما أردت أن أبينه في بداية مداخلتي للدخول على كتاب «معنى أن تكون عربياً اليوم». فليس اشتقاق اللاتينية لثلاثة مفاهيم من جذر واحد نقصاً فيها، وليس اشتقاق العربية لثلاثة مفاهيم من ثلاثة جذور لثراء فيها. ليست المسألة هنا في الأفضلية، بل في اختلاف تجربة اللغة مع الواقع أو لنقل مع واقع الناس الذين استعملوها. فالناس في اللغة اللاتينية عرفوا في واقعهم المدينة والقانون الذي يحكم المدينة وحقوق من يعيشون في المدينة في مجموعة مدنية، فجاءت لغتهم حاملة تجربة هذا الواقع. ولغتنا العربية لم تعرف هذا الواقع. وحين أهلها عرفوا هذا الواقع في عصر النهضة من خلال تجربة الآخر، أرادوا للغتهم أن تترجم واقع الآخر، ليستفيد منه واقعنا، فاجتهدوا من خلال ثلاثة جذور لغوية. وكل جذر له تجربته في الواقع الذي عاشه العربي مع قومه وجنسه وأمته.
ونحن حين نعرف تصورات اللغات لمفاهيم الأمة والقومية والمواطنة، إنما نتعرف على تصورات اللغات للعالم، وكيف يبني ناسها تصوراتهم لأمتهم «الناس لا يُولدون أمة، الأمة تُبنى»[2]، ولا نبحث عن أفضلياتها، فكل لغة ناقصة للغات الأخرى؛ لأنه لا يمكنها أن تكتفي بتصورها. من هنا فالترجمة تلبي حاجة إلى فتح نافذة رؤية للعالم، وليس لسد نقص في معلومة فقط أو معرفة مقابلات الكلمات ومرادفاتها في اللغات.
التصور القومي العربي في صورته المتصلبة، ظن أن جميع اللغات مدينة للغته، ومشتقة من لغته وهو ليس بحاجة لبقية اللغات ليكتشف ما لم تمكنه لغته من رؤيته. وإحدى علامات التصلب لجوء الخطاب إلى الإحالات اللاهوتية لتثبيت حججه، كما هو الأمر مع «خطاب سميرة» الذي يعتقد أن آدم وحواء نزلا من الجنة إلى أرض العراق، ومن هناك تبلبلت اللغات عن اللغة الأم التي نزل بها آدم العراقي، وستبقى اللغات المبلبلة (من برج بابل) جميعها ناقصة، وهي دون اللغة الأم التي نزل بها آدم التي هي اللغة العربية.
إذا كان الفقيه ابن حزم الظاهري تجاوز ذلك، ورفض أن تكون اللغة العربية لغة الجنة واعتبر ألا تفاوت بين اللغات، فإن التصور القومي في صيغته الطفولية (على صيغة اليسار الطفولي) لم يتجاوز ذلك. من هنا الحاجة إلى المراجعة العميقة التي يقدمها عزمي بشارة لمفاهيم القومية والأمة والعروبة.
في مراجعته الناضجة، يقول عزمي «سوف يضطر الفكر القومي إلى تجديد نفسه في الشأن الديمقراطي ومسألة المواطنة كعضوية في الدولة لا عضوية في القومية» [3]ما الفرق بين العضويتين؟
للحديث بقية.
[1] انظر: وجيه كوثراني، بين فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه: الدولة والمواطن، دار النهار، ص.25
[2]، [3] عزمي بشارة، أن تكون عربياً في أيامنا، ص,58 ص.16

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=12645

استقامة «أجورا»

agora_5%20%D9%82%D8%B5%D9%8A%201

يجري التحريض ضدّ هيباتيا في أجورا: الساحة العامة، في الدائرة المشتركة لسكان مدينة الإسكندرية، لقد تم تسميم بئر هذه الدائرة وصارت خاصة بجماعة، ولم تعد صالحة ليرتوي منها الناس ثقافة جامعة مشتركة، من هنا خطورة تسميم هذه الدائرة المشتركة، وهي دائرة تجد فيها السلطة المستبدة دوماً مكانها المفضل لتسميم الأفكار والشخصيات التي لا ترغب فيها، السلطة تريد أن تكسب قوة الناس (الشعب) بسلب قوة العقل، ليغدو من في هذه الساحة أداة سهلة الاستعمال والتحريك والإخضاع والركوع.
تحرك السلطة يد أجورا، لترمي من تشاء بحجارتها. لقد جرى رمي هيباتيا وسحقها وسحلها بالعبث في شكل هذه الساحة الدائرية بتحويلها من الانحناءة إلى الاستقامة، حتى صارت مصدر خوف (Agoraphobia أجورا فوبيا)[1] الخوف من جماهير الساحات العامة، والضحية دوماً هم الأقلية أو المثقف الذي يفكر خارج السلطة ولا تسعفه أدواته في تهييج الجمهور، هكذا ذهب الحلاج والسهروردي وكتب ابن رشد وابن عربي ضحية تهييج هذه الساحة من قبل السلطة السياسية في حلفها المقدس مع السلطة الدينية. في لحظات معاناة أبيها «ثيون» الرياضي الفيثاغورثي من آثار الضرب الذي تلقاه من عبده «ميدروس» الذي كشف عن إيمانه المسيحي في لحظة اهتياج أجورا، وهي لحظة قد ساهم في تأجيجها هذا العالم الرياضي الفذ، حين لم يسمع اعتراض هيباتيا، ودعا إلى ضرب المسيحيين الذين تمادوا في السخرية من آلهة الوثنيين، في هذه اللحظات أدرك خطأه فقال لابنته في اعتذار نادم، أردت لك أن تكوني حرة دوماً. فقالت له: أنا حرة.
هو كان يشير إلى حريتها العقلية التي أتاحها لها بتعليمها الرياضيات والفلسفة، وحريتها في المشي في «أجورا» والحديث فيها مع الناس وإثارة أسئلتها فيهم، وبعد هذا الاهتياج الذي تسبب هو أيضاً فيه، أصبح متعذراً عليها الخروج إلى الساحة العامة وصار عليها البقاء خلف أسوار المعبد والمكتبة، لم تعد تملك حرية الكلام، وحين نفقد هذه الحرية نقترب من الموت.
وجواب هيباتيا يشير إلى أنها حرة من ضغط الساحة العامة والخوف من جماهيرها (أجورا فوبيا)، كان خوفها فقط على مخطوطات مكتبة الإسكندرية، فهي تجد حريتها العقلية والدينية مدينة لهذه المخطوطات التي ابتكرها العقل الإنساني واعتبرتها المسيحية هرطقة ووثنية ومرضاً وسماً، فقد أطلق القديس غريغوريس (330 – 390م) هجاءه على مدينة أثينا (إنّ أثينا لمشؤومة) ومن قبله كان القديس هيبوليتس (ت236م) الذي كان يطيب له أن يلقب نفسه بأسقف روما قد قال: وراء كل هرطوقي فيلسوف. وأصدر الإمبراطور قسطنطين في العام 323م مرسومه بحرق كتب الفيلسوف فرفوريوس. ولاحقاً الإمبراطور يوستنيانس (527 – 565م) أمر بإغلاق جامعة الفلسفة في أثينا في 529م، ومنع الفلاسفة الذين سمَاهم (المرضى بالجنون الإغريقي) من التدريس.[2]
في 415م تمّ رجم هيباتيا أو سحلها أو حرقها أو كشط جلدها على اختلاف الروايات في تصوير بشاعة اغتيالها، لم يكن هذا الفعل وليد لحظة وشاية أو خيانة، بل هو محصلة (عذابات الفلسفة في المسيحية الأولى) كما يسميها جورج طرابشي، وهي تسمية دالة تجمع بين الحقيقة التاريخية التي واجهتها الفلسفة وبين المحنة النفسية التي عاشها الفلاسفة.
حين قالت هيباتيا: أنا فيلسوفة وأؤمن بالفلسفة، كانت تثبّت على نفسها تهمة الهرطقة والشؤوم. الساحات العامة التي كان يشغلها سقراط بمهاراته الحوارية، رافضاً أن يعتزل في الأوراق أو في الجبال، مفضلاً أن يمشي في الأسواق ليعلم الناس الفلسفة بحواراته المولدة للمعرفة عن الحق والعدل والفضيلة والحقيقة والجمال والإنسان، صارت هذه الساحات طرقاً إلى كنائس لا تتسع لغير المؤمنين. في لحظة ما لم تعد الساحات العامة تتسع لدائرة سقراط الفلسفية ولم تعد تسع مشيه في الأسواق وهو يقول «ليس بإمكان الأشجار التي في الجبل أن تعلمني شيئاً».
وحين حكم عليه بالموت رفض أن يهرب بعد أن مهّد له تلاميذه طريقاً للهرب، وفضل مواجهة الموت، لأنه مشروع بقاء أبدي، فتجرّع سم الشوكران الذي حكم عليه به. ويبدو أن هيباتا قد أتقنت درس سقراط وجعلت من موتها درساً فلسفياً، درساً يقول إن الساحة العامة متى تم العبث بها بإشعالها بمهيّجي الجماهير فقدت قدرتها على أن تكون ساحة مشتركة للحوار والجدل والبحث عن الحقيقة. والفيلسوف أو المثقف متى خضع لسلطة الحلف المقدس بين السياسي ورجل الدين، فقد صدقيته وانسجامه الداخلي وقدرته على أن يتكلم بما يراه. في هذه اللحظة يبرز الموت مقابلاً للكلام، وهذا ما يشي به كتاب مصطفى صفوان «الكلام أو الموت»[3].
في مشهد الركوع، كما يحلو لي أن أسميه، في فيلم «أجورا»، وقف الأسقف «سيرل» يتلو من الكتاب نصوصاً تحقّر المرأة وتحتكر الحقيقة فيما ينص عليه الكتاب المقدس فقط، وتفرض على الجميع الامتثال لهذه النصوص. بعد موعظته رفع الكتاب المقدس إلى الأعلى وأمر جميع رجال الدولة بالركوع لهذه النصوص تعبيراً عن الامتثال لها وتعبيراً عن صدق إيمانهم بالمسيح، ركع الجميع على مضض ورفض المحافظ تلميذ هيباتيا وعاشقها «أوريسيوس» الركوع وسط ضغط توتر جمهور «أمونيوس» الذي كان يهتف له بأن يركع. لم يركع وكان يصرخ أنه مسيحي، لكنه لن يركع لتلاعبات «سيرل» بالنصوص المقدسة للنيل من هيباتيا، فقال له صديقه وزميله السابق في دائرة درس هيباتيا الأسقف «سينيوس»: لكنه (سيرل) كان يقرأ من الكتاب المقدس ولم يكن يفسره، فاضطر أن يركع لاحقاً، ليحافظ على منصبه السياسي. في الحقيقة لم يكن «سيرل» يقرأ النصوص المقدسة بقدر ما كان يضع قانوناً للكلام في أجورا «إن قانون الكلام هو المؤسس للكلام»[4].
الركوع خضوع لسلطة من يُمثل الله في الأرض أو من يدّعي ذلك، يريد «سيرل» ممثل التحالف المقدس أن تركع أجورا كلها لقانون كلامه، ليس بقوة الحجة بل بحجة القوة. أي الركوع لقوة السلطة الدينية المسنودة بقوة سلطة السياسة، وليس لقوة حجة العقل والخطاب. حجة العقل تصنع دائرة وحجة السلطة تصنع خطاً مستقيماً. صنعت هيباتيا دائرة بطلابها وأرادت لأجورا الإسكندرية أن تكون دائرة تتسع لخطابات الجميع، والمسيحية في تحالفها المقدس مع روما صنعت خطاً مستقيماً وفرضت على الجميع أن يتطابق معه ويركع له، والنقطة التي تخرج عن الخط، سيكون مصيرها المحو، وإلى هذا المصير آل جسد هيباتيا، لكن بقيت هالة دائرتها ترفرف في التاريخ، في حين أن الذين تماثلوا مع الخط فقدوا حتى ظلهم.

[1] http://en.wikipedia.org/wiki/Agoraphobia
[2] انظر: الفصل الثاني من: كتاب مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام، جورج طرابيشي.
العقل المستقيل في الإسلام؟، جورج طرابيشي، ص.134
[3]، [4] الكلام أو الموت: اللغة بما هي نظام اجتماعي: دراسة تحليلية نفسية، مصطفى صفوان، ترجمة د.مصطفى حجازي.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=12596

دائرة هيباتيا

 240000120432_600x400q100

«جعل شكل الفلك كروياً لأنه أفضل الأشكال الجسمية»[1]
بشيء من التصرف يمكنني أن أعرف أجورا ذات الأصل اليوناني، أنها دائرة الساحة العامة التي يلتقي فيها الناس وأصحاب الأفكار من المثقفين والفلاسفة والشعراء ورجال الدين، ليعبروا عن أفكارهم ومواقفهم وانحيازاتهم. هذه الدائرة هي الميدان المشترك بين الناس في المدينة، وهي إحدى سمات المدينة.
في فيلم «أجورا» Agora للمخرج الإسباني أليخاندرو امينبار، كانت الفيلسوفة هيباتيا وريثة الفلسفة اليونانية، مهمومة بفكرة الدائرة. تعلم تلاميذها في مكتبة الإسكندرية إلى جانب أبيها (ثيون) الرياضي الفيثاغورثي رئيس مكتبة الإسكندرية، تعلمهم أن الدائرة أتم الأشكال، لأن جميع النقاط فيها على مسافة واحدة من المركز.
شاهدناها طوال الفيلم ترسم الدوائر الفلكية لتكتشف تمام الأشكال الفلكية محاولة معرفة أسرار مساراتها. وشاهدناها تدور بين أفلاك أديان الناس، لتقنعهم أن دائرة الساحة العامة (أجورا) تتسع لوجودهم في مدينة الإسكندرية. كانت تعوّل على تلاميذها ليكونوا رسل دائرتها ذات المركز المحايد تجاه جميع النقاط الموجودة في الدائرة، لكن تعويلها لم يكن في محله، فمركز الدولة صار مسيحياً والتلاميذ عَلِقُوا في هذا المركز، من هم من صار محافظاً فيه ومنهم من صار أسقفاً، ومنهم من صار تابعاً لجماعته المتطرفة.
في مقابل الدولة التي لم تتسع دائرتها لغير المسيحية في شكلها المتطرف، اتسعت دائرة درس هيباتيا للتشكيك والسخرية والتأييد والرفض والنقد لكل ما يصدر عن مركزها من أفكار، حتى أنها كانت تستخدم ببراعة اعتراضاتهم التي تأتي في شكل ساخر لمراجعتها لنظريات الفلاسفة حول دوران الأفلاك.
حين أراد أحد تلامذتها (أورستس) أن يجعل منها تامة منسجمة بمركزها من دون نقاط تلامذتها، رمت في وجهه خرقة ملطخة بدم نقصها (دم الدورة الشهرية) وأشارت له لينظر إلى السماء ويتأمل انسجام دائرة الفلك وتمامها، فكأنها تقول له: نحن دائرة تامة، أنا أصير دائرة تامة بكم، أما أنا وحدي فلست تامة، بل ناقصة. المركز إذاً يصير دائرة حين يجعل المسافة بينه وبين كل ما يقع في محيط الدائرة على قدر واحد.
لقد فقدت (أجورا) الإسكندرية تمام شكلها حين ضيّقت على بقية النقاط واتسعت لنقطة واحدة، بمعنى حين انحازت للمسيحية واتخذتها مركزاً كلياً للحقيقة، وأقصت بقية النقاط الأخرى من الدائرة (الوثنية واليهودية والتأويلات المسيحية الأخرى التي عدت فيما بعد هرطقات). لقد شاهدنا في الفيلم كيف خرقت هذه النقاط كلها عقد الدائرة، الوثنية حين هاجمت المسيحيين في الساحة العامة بسكاكينها وسيوفها وفؤوسها، والمسيحية حين دمرت علوم مكتبة الإسكندرية وتماثيلها وجعلت منها زريبة وأعملت سيفها في رقاب الوثنيين وحجارتها في رؤوس التي لم تتعمد بمائها، وأجبرت الجميع على التماثل مع مركزها، واليهودية حين ردت بحجارتها على حجارة المسيحيين المهتاجة بتحريضات (أمونيوس) في (أجورا) الإسكندرية التي فقدت شكلها الدائري.
وحدها هيباتيا بقيت تحمل هم الدائرة، دائرة السماء ودائرة الأرض. دائرة الأديان وأشكال تصوراتها للسماء، ودائرة المدن وأشكال تجسداتها في الأرض. ظلت هيباتيا منسجمة تماماً مع فكرة الدائرة، محترمة المسافة بين النجوم والكواكب وبين الأديان وبين التأويلات. بقيت هيباتيا تامة وعظيمة بهذا الانسجام الذي لم يخترق إيقاع المسافة، حين استنطقوها عن ديانتها وإيمانها ليحكموا عليها، قالت: أنا فيلسوفة، أؤمن بالفلسفة.
من خرقوا عقد الدائرة لم يحترموا المسافة ونسبها الرياضية. لقد تعلّمت وعلّمت هيباتيا الرياضيات ووظفته في فهمها للفلك السماوي وفي فهمها للفلك الأرضي، حيث الإنسان يصنع نقاطه في صورة دوائر مطلقة يسميها أديان ومذاهب وطوائف، وباسمها يحتل ساحة الدائرة العامة ويريد من الجميع أن يمتثل له، والدولة متى سلمت ساحتها العامة المشتركة لمركز حكمت على نفسها بالانغلاق والنهاية.
الدولة دائرة تامة، متى كان مركزها محايداً تجاه النقاط التي في دائرتها (الأديان والمذاهب والطوائف والتأويلات والأيديولوجيات). الإمبراطورية الرومانية المشهورة بمسارحها الدائرية وساحاتها العامة التي ورثتها عن الثقافة اليونانية، بدأت تفقد تمامها حين بدأت تفقد حيادها تجاه الفلسفة اليونانية خصوصاً واعتبرتها هرطقة وأخذت تنحاز تجاه نقطة المسيحية وسلمت أجورا إلى أمثال الأسقف (سيرل) الذي قاد الدعوة إلى اعتبار الفتك باليهود المقيمين بالإسكندرية واجباً مقدساً، وهو الذي صلى على جثة (أمونيوس) واعتبره شهيداً، واعتبر من فضائله تهييج الجماعات المسيحية لاقتحام مكتبة الإسكندرية.
سلطة الدولة لم تُبق لأحد أن يختار نقطته في محيط الدائرة، بل لم تعد هناك دائرة، منذ توطدت الوحدة المقدسة بين الكنيسة والدولة في الربع الثاني من القرن الثالث الميلادي، الجميع عليه أن يتماثل مع المركز، غير أن هيباتيا عشقت الدائرة وفضّلت الموت على أن تعيش من دون دائرتها، وكأنها كانت تتحدى سلطة الدولة في تحالفها مع سلطة الكنيسة. فكان ثمن تحديها أنها صارت شهيدة الدائرة، الدائرة بما هي علامة فلسفية ووجودية للتمام والحياد والتوازن والانسجام والتعايش مع المحيط.
الدولة لم تترك خياراً حتى لتلاميذ هيباتيا الذين كانوا بقلوبهم في دائرتها، وبأيدهم في جسد الدولة القابضة على كل الدائرة حد هصرها، وكانت يد دافوس تلميذها العبد الذي حررت عقله بعلمها ورقبته بعطفها، يد الدولة في وحدتها المقدسة مع الكنيسة حين أطبقت على نفسها، لتغادر أجوراً الإسكندرية وهي تنظر إلى السماء من خلال الدائرة.
«عذابات الفلسفة في المسيحية الأولى»[2] وجدت مظهرها الأكثر إيلاما في عذابات هيباتيا، كما وجدت البشرية بحسب وجهة نظر المسيحية عذاباتها في جسد المسيح المخلص، غير أن جسد هيباتيا لم يكن يزعم أنه جاء ليخلصنا من عذاباتنا، بل جاء شاهدا ليرينا كيف نصنع نحن عذاباتنا الدنيوية.
هوامش
[1] أخوان الصفاء، رسائل أخوان الصفاء، ج,4 ص.197
[2] انظر الفصل الثاني من: كتاب مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام، جورج طرابيشي.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=12547

إسطرلاب العارف

جريدة أوان الكويتية

السبت 21/11/2009 العدد:728

http://www.awan.com/pages/culture/253334

«الإنسان إسطرلاب الحق، والإسطرلاب لا محالة يحتاج إلى منجم عارف كي يستعمله، ألم تر البقال يعرض الإسطرلابات في دكانه، إلا أنه لا يستفيد منها. إذن الإسطرلاب مفيد في يد المنجم فقط»

جلال الدين الرومي

الإسطرلاب مقياس السماء، أو لنقل مقياس الأرض للسم اء. فالإسطرلاب يقيس زوايا النجوم ومسافاتها ويحدد اتجاهاتها، ويدل الإنسان على جغرافيا الأرض من خلال خارطة السماء. الإسطرلاب دليل السماء. هو مرآة السماء في الأرض، بمعنى السماء تُعرف بهذه المرآة، هو يرصد Astrolabe_planisf%C3%A9riqueالسماء كي يصل الإنسان إلى أماكنه في الأرض. من السماء نرى الأرض رؤية مركبة غير مباشرة، فالإسطرلاب ليس مرآة مسطحة، هو مركب من صفائح ودرجات ومؤشرات شديدة التعقيد، والإنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه القدرة على التركيب ورؤية الأشياء من خلال أشياء أخرى.

قيل إن الإسطرلاب كلمة يونانية الأصل تتألف من مقطعين: أسترون astron وتعني نجماً، ولامبانين lambanein وتعني «الأخذ»، أي هي «أخذ النجوم» star taking. وقيل إنها لفظة فارسية عُرِّبت، «ستاره ياب» ومعناها مدرك النجوم. أطلق عليه القدماء اسم (آخذ النجوم)، ويمكننا أن نتأول هذه التسمية وفق ما نريد ونقول: هو يأخذ النجوم إلى الأرض، يقربها من الأرض، ويصلها بها، ويجعلها تتمرأى فيه، كي يمكن رؤيتها.

الإسطرلاب يأخذ السماء إلى الأرض، السماء البعيدة المتعالية الأخّاذة، يجعلها الإسطرلاب في متناول تصرف الأرض، في متناول حركتها وحركة إنسانها، وحركة ملاحته البحرية، وأعماله في المساحة والتثليث الخاصة بقياس الأرض، السماء المجهولة الغامضة وغير المدرَكة، يجعلها الإسطرلاب في متناول معرفة الأرض، كأن الإسطرلاب حاسة الأرض التي تُدرك بها السماء، ولأن الإنسان منجذب إلى السماء بطبعه، فقد أوجد الإسطرلاب، ليكون مرآتها، فهو أَخْذُها وهو إدراكها وهو صورتها.

بكل ما يتوافر في الإسطرلاب من هذا، وجد المتصوفة فيه صورة الإنسان، فأطلقوا على الإنسان إسطرلاب الحق، لأن ما وراء السماء، لا يمكننا أن نراه أو نعرفه أو ندركه إلا بهذا الإسطرلاب (الإنسان).

وقد أدرك السفسطائيون ما في الإنسان من إسطرلاب فقالوا: الإنسان مقياس الأشياء كلها، أي مقياس حقائق الأشياء، فالأشياء لا نعرفها حين تكون مجردة من ذات الإنسان، بل نراها عبر مقاييس فهمه الذاتية (إسطرلابه) للحق والحقيقة والجمال والعدل والألوهية، هكذا نعرف ربنا وعالمنا وحقائق كثرته، عبر إسطرلاب الإنسان. ويقول الرومي «إن الإنسان الذي يتعرف إلى ربه ويسعى باستمرار إلى معرفته يمكنه من خلال إسطرلاب وجوده أن يرى تجلي الخالق عز وجل وجماله الذي لا مثيل له لحظة بلحظة، ولن تخلو مرآته بتاتا من ذلك الجمال». الإنسان يأخذ جمال الخالق يأتي به إلى الأرض، فيجعله مُدرَكاً بالحواس. يعدد لحظاته ويعدد تجلياته ويعدد وجوداته ويعدد مراياه من خلال إسطرلاب وجوده (تجاربه وتجلياته وحكاياته). من يأتي إلى الأرض بغير الجمال، فهو لا يأتي به من السماء، وهو في غير ما فيه من إسطرلاب الحق، بل في كتاب الرومي (فيه ما فيه) يقول: «الإسطرلاب مرآة الأكوان»، أي أن الإنسان بما فيه من أكوان تتجلى في إسطرلاب وجوده.

الإسطرلاب يرسم من يستخدمه، وهو لا يكون مرآة الأكوان ما لم يكن في يد منجّم أو منجِّمة تعرف كيف يمكنها به أن ترى وتحسب وتقيس وترصد وتراكم وتدرك وتأخذ. من هنا فالفلاسفة منجمو حقائق العالم. يحسنون استخدام تجارب الإنسان وقصصه مقياساً لتشييد حقائق العالم. الفلسفة ضرب من ضروب التنجيم، أو فن من فنون استخدام الإسطرلاب. لقد طوّرت البشرية بحضاراتها المختلفة أنواعاً كثيرة من الإسطرلابات، لتدلها على العالم وسمائه، كذلك ابتكر الفلاسفة مقاييس كثيرة للإنسان لرؤية العالم بأرضه وسمائه بمقاسات مختلفة وزوايا مختلفة.

من لا يحسن استثمار تجارب الإنسان وحكاياته لرؤية العالم، يشبه بقّالاً لا يحسن استخدام الإسطرلابات المصفوفة في دكانه.

لهذا كان الإنسان إسطرلاب المتصوفة والفلاسفة والعرفاء والعلماء، وخارج هذا الإسطرلاب لا يمكنك أن تدرك سماء أو تهتدي إلى أرض أو تأخذ حقيقة.

الأب وشدائد الترك

”أن يكون لك أب تفتقده، فتلك حالة طبيعية، وأن يكون للجماعة أب تفتقده، فتلك حالة ثقافية”. ما الفرق بين شعور ولا شعور حالتي الطبيعية حين أفقد أبي، وبين شعور ولا شعور حالة الجماعات الأصولية والدينية التي تحس بأنها فقدت أبوَّتها الرمزية، وتعيد استعادتها؟
arton2319 حين فقدت أبي في أبريل/نيسان الماضي كنتُ في محنة شخصية، خرجتُ منها بالتسليم باستحالة استعادته، واستحالة أن أكون نسخة طبق الأصل منه، آمنتُ بأبوَّته الروحية الجامعة للعائلة، ولم أحوله إلى سلطة قاهرة تفرض عليّ التماثل معها. الأمر في حالة الجماعات الأصولية على العكس من ذلك تماماً، تستميت في الرغبة استعادة الأصل والتطابق معه وتحويله إلى سلطة قاهرة تقسّم الجماعة إلى جماعات متحاربة. من هنا تحتاج هذه الجماعات إلى مقاربة التحليل النفسي.
في كتابه ”الإسلام والتّحليل النّفسيّ” يدعونا المحلّل النفسانيّ أستاذ علم النّفس العلاجيّ، عميد وحدة التّكوين والبحث في علم النّفس السّريريّ والمرضيّ بجامعة باريس 7 (فتحي بن سلامة) إلى وقفات تأمّل في ”هذيان اللّجوء إلى الأصل”، وما قام عليه من عمليّات مخبّلة.
يفتح بن سلامة أرشيف الأب الذي نرجع إليه كرد على وضعنا الحضاري المأزوم، يفكك ما في هذا الأرشيف من قصص وأحداث وأوامر كانت مخابر لبناء الأصل وتخييله. الأب يأتي في صورة أصل، نبي، إمام، ولي، زعيم مؤسس، شريعة، قانون، أمر، لحظة ولادة. ويمتد هذا الأب في الزمان في شكل سلطات تمثله وتنطق باسمه، وتؤوِّل كل الأشياء وما يحدث إليه، وهي كسلطة تؤول في البداية والنهاية إليه.
ما علاقة الأب بالأصل؟
الأب يفسر الأصل، الأصل أبونا الذي نعود إليه، لنؤكد وجودنا وهويتنا وأصالتنا وصحتنا وحقيقتنا، فنحن لسنا خطأ، نستميت في الدفاع عن أصلنا وإثبات صحته وأبوَّته السابقة على الجميع. الحاجة إلى الأب ليست حاجة فردية فقط، هناك حاجة جماعية، تمر بها جماعة ما في لحظات حضارية ما. كما هو الأمر مع الجماعات الأصولية التي تعاني من (شدائد الترك)، وهي معاناة نفسية تخشى فيها الذات الجماعية فقد وصاية الأب الذي يمنحها الحماية والطمأنينة وسط هذا العالم المضطرب. هناك قوة جبارة تصلنا بالأب، وهي قوة الوهم، والوهم ليس هنا الخطأ أو التزييف أو نقيض الواقع، الوهم قوة لها قدرة على أن تنشئ واقعها، ويخبرنا (فرويد) أنه لا مثيل للأديان في خلق هذه القوة والتخويف من فقدها.
”تتمثل فرضية فرويد في أن القدرة على الإيهام هي أحد المصادر التي تستمد منها الأديان نجاعتها، الوهم قوة، قوة مرتبطة بشوق قديم يطمح إلى الإشباع، زاهداً في كل تصديق يمكن أن يأتيه من الواقع، ويعود أصل هذه القوة إلى الجزع الطفولي من شدائد الترك، وهي معاناة لا بد أن يذوقها كل شخص في حياته، كما يعود إلى إرادة الوقاية منها باستنباط سلطة ذات وصاية، شبيهة بتلك التي ننسبها إلى الأب”.[1] نحتاج إلى شيء من الصبر كي نفهم فرضية فرويد التي سأحاول تبسيطها.
أن يكون لك أب تفتقده، فتلك حالة طبيعية. وأن يكون للجماعة أب تفتقده، فتلك حالة ثقافية. (الجزع الطفولي من شدائد الترك) حالة طبيعية بالنسبة للشخص، وحالة ثقافية بالنسبة للجماعة، فالجماعة تتكون حين تكون لها ثقافة تجمعها من قيم وعادات ومنظورات وتشريعات، وهي كي تعطي لما يجمعها أهمية استثنائية، فإنها تسبغ عليه مشاعر الأب، وتعتبره الأصل الذي تعود إليه، والسلطة التي تحرسها من الضياع والشتات، وكلما واجهت شدة أو محنة وجودية أو حضارية لجأت بجزع إلى هذا الأب، وحمَّلته ما يواجهها، هي تخشى أن يتركها هذا الأب الذي هو أصل قيمها وتشريعاتها وعرفها، لذلك تزداد أصوليتها، بمعنى يزداد تمسكها بالأصل وإعادة تأصيله، كطفل جزع يخشى أن يتركه أبوه فيتمسك به، ويسبغ عليه مشاعر القوة التي تحميه، والمكان الذي يأمن فيه، والسلطة التي لا يمكنه الاستغناء عنها. الجماعة حين ترتد بها حالتها الثقافية إلى الطفولة تحتاج إلى عيادة التحليل النفسي.
أبوَّة الأصل لديها القدرة على الإيهام، إيهام الجماعة بقدرة هذه الأبوَّة على أن تمنحهم الثقة والحماية والأمن والتمكن من مواجهة ما يستجد في حياتهم ويهددها. الحركات الأصولية تواجه شدائد الحاضر وقوته التي تفوق واقعها باستحضار هذه الأبوَّة والنطق باسمها.
حين تختل علاقتنا بالأب لسبب ما نحتاج إلى عيادة نفسية تفتح أرشيف أبوَّتنا، بما فيه من أحداث وتحولات ووقائع وأوامر ونواه وبدايات. هذا ما يفعله فتحي بن سلامة في كتابه الصعب (الإسلام والتحليل النفسي). يفتح عيادته النفسية ليضع الحركات الأصولية على سرير هذه العيادة؛ ليتفحص أرشيف أبوَّتها، ويرينا حالات لا شعورها وهي تحاول استعادة أبوَّتها المستحيلة.
الجاهلية في مفهوم الحركات الأصولية، هي حالة جهل بالأبوَّة، والخروج من الجاهلية يتمّ بالتعرف على الأب، وصحوتها تتحقق بالتعرف على هذا الأب وإعادة إحيائه ”اللجوء إلى الأصل أملا في إعادة بناء سور الوهم الديني، إلا أن هذا السور داخلته الثقوب والشروخ بفعل محنة العالم التاريخي والعلمي المعاصر [2].
إنه السور الفاصل بين هذه الحركات وبين العالم وما يحدث فيه، الأب يبني أسوارا تفصل وتقسّم ولا تصل.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=11851

هوامش
[1]،[2] الإسلام والتحليل النفسي، فتحي بن سلامة، ترجمة رجاء بن سلامة، ص,60 ص63