أرشيف التصنيف: مقالات

الأب الجامع والولي القاهر

كان الصديق حسين خلف قد مرر لي مقالة عالم النفس اللبناني عدنان حب الله، (من دون أب: المجتمع اللبناني في محنته الوجودية) وهي المقالة الأخيرة له التي نشرها في جريدة الحياة قبل وفاته يوم السبت 22 أغسطس/ آب (1935-2009). وفيها يرجع كثرة الانقسامات اللبنانية في شكل طوائف متحاربة وفشل قدرة الاجتماع اللبناني على تكوين دولة جامعة، إلى غياب الأب الجامع. قال لي الصديق خلف، تذكرت قتلك للآباء، ودعوتك للتخلص منهم، حتى كأنك صرت ابناً غير شرعي. كان يحتجّ بمقالة حب الله وبمكانته العلمية في تأكيد فكرة الحاجة إلى الأب.
قلت له: أنت تعرف أني مازلت موجوعاً بفكرة غياب الأب بالمعنى الخاص، لكن لوجهة نظر حب الله مقصداً، يحتاج تبيانه إلى مقالة تفيه حقه.
في كتاب (حب الله) الأخير الصادر2008 ”إشكاليات المجتمع العربي” الذي هو عبارة عن حوار مع عالم النفس مصطفى صفوان يقول أدونيس في مقدمة الكتاب ”الإنسان يولد في الثقافة الإسلامية كأنه نقطة أو حرف أو كلمة في كتاب هو الأمة”. النقطة تظل دوماً في حاجة إلى شيء يهبها معناها أو تبقى من غير معنى، هي بحاجة إلى أب تغيب فيه، وليس أماً تخرج منها. الأب هو رمز السلطة والحضور الطاغي والقهر، لكن (حب الله) يستخدمه في مقاله الأخير بمعنى الإطار الجامع لا القاهر، ولنوضح ذلك بالاستعانة بآباء مؤسسي الديمقراطيات لا الديكتاتوريات.
في كتابه (جرأة الأمل) يعود (أوباما) باستمرار إلى الآباء الاثني عشر المؤسسين للديمقراطية الأميركية بعد التحرر من الاستعمار الإنجليزي. وهو لا يمل من تكرار دعوته إلى تأكيد أهمية الرجوع إلى مقاصد الآباء من هذه الديمقراطية، وضرورة استيعابها واستلهامها لتجاوز أزمات الحاضر وتصحيح أخطاء السياسات التي سارت ضد مقاصدها، خصوصاً سياسات اليمين المحافظ، وكما تجلت في أسوئها في عهد جورج بوش، ”وهكذا حين نتجادل بحدة حول الإجهاض أو حرق العلم، نلجأ إلى سلطة عليا، متمثلة في الآباء المؤسسين ومصدقي الدستور، لإرشادنا وتوجيهنا”[1].
إنّ العودة إلى هؤلاء الآباء ليست نكوصاً إلى الماضي، بل فتحاً للمستقبل، والمثال على ذلك انتخاب (أوباما) فلو كانت هذه الأبوة نكوصاً لما فتحت المستقبل للسود ليتولوا قيادة الأمة التي حلم بها هؤلاء الآباء، من هنا يمكننا القول إن ولادة ابن أسود لرئاسة أميركا، هي ولادة مدينة في شرعيتها إلى صلب هذه الأبوة المؤسسة. وهذا ما يعطي لهذه الولادة إجماعاً وطنياً يحافظ على وحدة الولايات، ويمنع حدوث انقسامات وطنية تهدد البلد بالانفصالات. تسمح هذه الأبوة باختلافات الأبناء ضمن إطارها، وتحميهم من الانقسام إلى جماعات يتيمة لا أبوة لها.
يبلغ إعجاب (أوباما) بإنجاز هذه الأبوة حد تشبيه عملهم بالوحي الإلهي ”أتساءل دوماً: هل أدرك الآباء المؤسسون آنذاك مدى وحجم الانجاز الذي حققوه؟ لم يكتفوا بصياغة الدستور في أعقاب ثورة؛ بل كتبوا الأوراق الفيدرالية لدعمه، وحافظوا عليها حتى تصديقها، وعدلوها بإعلان حقوق المواطنين. أنجزوا ذلك كله في بحر سنوات. حين نقرأ هذه الوثائق تبدو صحيحة وصائبة إلى حد غير معقول بحيث يسهل الاعتقاد بأنها نتيجة للقانون الطبيعي إن لم يكن وحياً إلهياً”[2].
نحن لا نشبه عمل (أبوتنا) بالوحي، بل نتعبره وحياً، فنحن نرجع إلى أبانا الذي في السماء أو من يمثله حد التطابق في الأرض، فنغيب كنقطة في سمائه وولايته، ولا يكون لنا وجود في الأرض. بمعنى أن الآباء الذين نرجع نحن لهم، نعتبرهم آلهة أو ممثلين للآلهة حد التطابق معها، وفي أحسن الأحوال قريبين منها، وبدل أن نختلف إليهم، نختلف بهم، ومازالت صراعاتنا حول أبوة (أول الأمة) تعيد إنتاج نفسها.
نحن بحاجة إلى أب جامع يعددنا، لكن لسنا بحاجة إلى أب قاهر يصهرنا في واحد، بحاجة إلى أب نختلف إليه، لا أب نختلف به ونحترب باسمه. أب يتيح لنا أن نتأوله تأولاً حديثاً وجديداً، ويهبنا في كل تأويل حياة جديدة، لا أب يهبنا حياة واحدة غير قابلة للتصريف، كما هو الأمر معنا، في رغبتنا في استعادة أبوة دولة الخلافة أو دولة الإمامة أو دولة النبي أو دولة أول الأمة. لقد أحسن (أوباما) التصرف في أبوة أميركا، فجدد حياتها السياسية بشعاره التغيير، في حين نحن لا نرفع غير شعار التطابق مع الأب.
الأب متى صار سلطة مفترضة الطاعة، صار الأبناء يتوقون إلى الخروج عليه، وقتله، فيبدأ الانشقاق والانقسام، فتكون الجماعات والطوائف. من هنا، لسنا بحاجة إلى ولي أمر يقهرنا بسلطته، فالسلطة تفترض المعارضة وهي لا تشكل إجماعا، في حين وظيفة الأب تحقيق الجامع الوطني. لذلك الأب ينبغي أن ينأى به عن السلطة، ويبقى في منطقة إطار المرجعية التي نعود إليها.
في كتابه (روح الدستور) يستعيد المحامي والإعلامي الكويتي محمد الجاسم روح الآباء المؤسسين للكويت، يستعيدهم آباءً، يمكن استلهام روحهم التي ترجع إلى المجتمع الكويتي القديم الذي كان مجموعة من العائلات المهاجرة تراضت فيما بينها على تنصيب أو انتخاب أحد أفرادها ليكون حاكماً. وقع الاختيار على أحد أفراد عائلة آل صباح. في البداية، لم تكن الأمور تبلورت أن يكون الحكم وراثياً في هذه العائلة. كانت السلطة تعتمد على روح التشاور والاتفاق والتفويض من قبل جماعات العائلات المهاجرة التي شكلت المجتمع القديم، من دون استفراد ومن دون قهر ومن دون غلبة. وقد استلهم هذا الروح أب الدستور الكويتي الحديث عبدالله السالم، فأصبح بحق أبا للديمقراطية الكويتية الحديثة ومرجعاً يعاد إليه لتصحيح مساراتها وبعث حياتها كلما ضعفت روحها.
هكذا، نحن بحاجة إلى أب يظللنا، وليس إلى أب يقهرنا. وعلى هذا النحو يمكنني أن أقول لصديقي حسين خلف: أنا خرجت على الأبوة القاهرة ولم أعد ابناً لولاية مفترضة الطاعة، لكني ابناً لآباء حضارتي التي تصلني بالحضارات الأخرى، وابناً لآباء الحضارات الأخرى التي تصلني بتراث حضارتي، ابناً لسقراط، أفلاطون، أرسطو، ديوجين، ابن عربي، التوحيدي، ابن حزم، أخوان الصفاء، علي، الجاحظ، وإلخ.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=11755

هوامش
[1]،[2] باراك أوباما، جرأة الأمل، ص 95,94

الولاية والتحديث السياسي

ما علاقة مفهوم الولاية بالتحديث السياسي؟
الولاية لغويا تعني القرابة، وسياسيا تعني السلطة. كيف صار القرب يعني السلطة؟ القرابة في الدم تعني الجماعة المتصلة النسب، واتصال الجماعة يولد قوة والقوة تفرض سلطة. السلطة القائمة على عصبية الدم هي موضوع ابن خلدون في تحليل جسد الدولة. القرب هنا حقيقي من حيث صلة الدم، لكن ما يترتب علp33_20090212_pic2ى هذا القرب من مقتضيات ليس حقيقيا، بل ثقافيا أي أن القوانين والأعراف التي تشرّع لهذا القرب وتحدد مراتبه ليست حقيقية.
ولاية الفقيه، لا تتحدد بهذا القرب الحقيقي، وإن كانت تعتمده، فهي ولاية قائمة على قرب مجازي، الفقيه قريب من الإمام، والإمام قريب من النبي والنبي قريب من الله. في (ولاية الفقيه) ينوب كل قريب عن قريبه، ويتبادل الأقربون الوظيفة، فالفقيه قريب من الإمام وينوب عنه في غيابه، لكن هناك اختلاف في حدود هذه النيابة وما يترتب عليها. القرب المجازي هو مسافة اعتبارية، يعتبرها ذهن ما أو مدرسة ما أو مذهب ما، وفق تأويل معين، وما تراه جماعة ما قريب، تراه جماعة أخرى بعيدا، وبحسب اختلاف الجماعات في اعتبارياتها التقريبية يختلفون في الأولويات التي يرتبونها على اعتبارياتهم التقريبية. هذا ما حدث بين الإمامية الذين اعتبروا الإمام قريبا من النبي حد النيابة المطلقة عدا النبوة، وأهل السنة الذين اعتبروا الإمام قريبا من الصحابة ولا نيابة خاصة له عن النبي.
شرعية القرب هي ما يستند إليه الفقيه في ولايته، والولاية سلطة، والسلطة نظام حكم وإدارة، والتحديث تغيير في شكل ممارسة السلطة، لقد غيّر الإمام الخميني في شكل ممارسة سلطة الفقيه، فأخرجها من مجال الممارسة الفردية، إلى الممارسة المؤسسية، أي حوّلها من فقيه يفتي، إلى دولة تقرر. كيف فعل ذلك؟ وكيف نقيّم عملية التحويل هذه؟ وهل هي عملية تحديث؟
في كتابه حدود الديمقراطية الدينية، يفرد الباحث الصديق توفيق السيف المختص بمفهوم السلطة في تاريخ الفقه الشيعي، فصلا معمقاً يتناول فيه ( دور الإمام الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة: مقاربة جديدة). في مقاربته الجديدة فعلاً يلفت (السيف) إلى أن الولاية في مشروع الإمام الخميني (الحكومة الإسلامية) قد تمّ تحديثها ومصالحتها مع مفهوم الدولة، وأنهى هذا التحديث القطيعة بين الفقيه والدولة، وبهذا أصبحت هناك دولة لها شرعيتها ويتوافر لها إجماع شعبي عام. فالناس لا ترى في الدولة جهازاً خارجهم ولا علاقة لهم بها، ولم يعدوا يرونها سلطة قد اغتصبت حق الإمام المهدي الغائب. لقد حلّ تأويل الولاية ”مشكلة الإجماع السياسي الذي كان غيابه سبباً في العلاقة المتأزمة بين المجتمع والدولة الإيرانية خلال معظم القرون الخمسة الماضية، ولا سيما منذ انتهاء الثورة الدستورية وقيام النظام البهلوي في ”1920[1]
تستهدف – بحسب مقاربة السيف – فكرة الولاية المطلقة التشديد على الطبيعة الشاملة لسلطة الدولة وخضوع جميع المواطنين لمقتضياتها. بينما يشدد مفهوم مصلحة النظام على أن تشخيص الحكومة للمصالح العامة هو المعيار الرئيس لتبرير عملها، مقارنة بالفهم السائد الذي يذهب إلى أن المصالح المعتبرة هي تلك التي عرّفها الشرع والتي يرجع في تشخيص موارد انطباقها إلى الفقيه. الدولة لها حق شرعي في إنشاء إلزامات قانونية بناء على تشخيصها الخاص، مقارنة بآراء المجتهد غير الحاكم الذي تصنف كفتاوى غير ملزمة على المستوى العام[2].
إذن، سلطة الإمام الغائب لم تنتقل إلى فقيه، بل انتقلت إلى الدولة، لكن هل الدولة صارت هي ولياً، أو ولي الفقيه صار هو دولة؟
لقد أعطى الفقيه شرعيته للدولة، وأخذ منها قوتها وإلزامها ووسائل إكراهها، فصار هو وليّها، وشرعيتها تتوقف على ولايته، فالدولة التي لا تخضع لولي فقيه لا شرعية لها.هكذا صار ولي الفقيه دولةً.
يشبه (غابرييل الموند) الدور الوظيفي للشرعية بالروح التي تسري في كل مفصل من مفاصل العلاقة التفاعلية بين المجتمع والدولة، فتضمن كفاءة النظام السياسي في العمل ومتانته في مواجهة التحديات[3].
لقد بثّ الإمام الخميني روح الولاية في جسد الدولة ومفاصلها، فصارت الولاية المطلقة هي الروح التي أخذت تسري في مفاصل العلاقة التفاعلية، والوظيفة التي هي مسؤولة عن الاطمئنان على هذه الروح والتأكد من تمكنها من القبض على مفاصل الدولة هي وظيفة (المرشد الأعلى)، هو ولي هذه الروح وصاحب شرعيتها وبذلك فهو ولي الدولة ومناط شرعيتها معقود به.
لم يتمّ تحديث مفهوم الولاية، بل تمت إعادة إنتاجه في جهاز أكثر تركيبا وتمكُّناً وتأثيرا وقدرة وقوة وحاكمية، إنه الدولة. الولاية صارت سلطة قاهرة. لم تعد الولاية لطفاً إلهياً كما هو الأمر مع تأويل العرفاء والصوفيين، بل صارت سلطة مادية قاهرة وتلك هي الولاية التي يتحدث عنها الفقهاء.
الولاية في مفهوم الإمام الخميني، لم يتم تحديثها، بإجراء تغييرات على مفهومها وأفقها التاريخي وتأويل مقاصدها، كي تلائم مفهوم الدولة الحديث، بل جرى تكييف الدولة كي تكون على مقياس روحها. وهذه إحدى مظاهر مشاكل التحديث في العالم العربي والإسلامي، لا نتغير نحن كي نلائم ما يستجد، بل نكيّف ما يستجد مع أوضاعنا، كي نبقى كما نحن، والشاهد على ذلك القبيلة، فهي قد كيّفت الدولة بالتصرف في جسدها، ولم تتغير هي، كي تتلاءم مع الدولة.
الولاية نظرية في السلطة يحضر فيها مفهوم المؤمن ويغيب عنها مفهوم المواطن، لأنها مشغولة بسؤال: كيف يكون الحكم مطابقا للسماء؟ في حين الدولة الحديثة يشغلها سؤال: كيف يكون الحكم ملائماً للأرض؟
لقد تمّ توليد الشرعية للدولة في التجربة الإيرانية بإعادة إنتاج (الولاية) في شكل دولة، لا بتحديث الولاية. لقد مدتّ القبيلة الخيمة على الدولة فصارت مضرباً من مضاربها، ومدّت الولاية على الدولة عباءة الفقيه، فصارت طائفة من المؤمنين لا جماعة من المواطنين. نحن تحت ظلال الخيمة التي جامع جماعتها الدم والنسب وظلال العباءة التي جامعها جماعتها العقيدة والمذهب.
صار ولي الفقيه دولة يحكمها فقهاء شرعيون، ولم تتحول الدولة ولياً يحكمها فقهاء دستوريون. من هنا لست مع صديقي توفيق السيف، في تقرير أن الاستبداد القائم ليست علته ولاية الفقيه، بل أراها علته، وهي علة تستلزم إصلاح مفهوم الولاية نفسه.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=11671
هوامش
[1]، [2]، [3] انظر: توفيق السيف، حدود الديمقراطية الدينية، دار الساقي،.2008

علي ولي الإنسانية

لماذا الكتابات الأكثر أهمية عن علي كتُّباها مَنْ هم خارج دائرة التشيُّع؟ لماذا الكتابات التي تجعل علياً مشتركاً إنسانياً لم يكتبها شيعته؟
أسألُ عن علي، وفي ذهني – على الأقل – كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وموسوعة علي صوت العدالة الإنسانية لجورج جرداق.
من خلال هذين النموذجين سأفترض جواباً قابلاً للمراجعة، وهو أن الذين كتبوا عن علي من دائرة التشيع كتبوا عنه بوصفه ولياً أو ”إماماً مفترض الطاعة”، والذين كتبوا عنه من خارج دائرة التشيع كتبوا عنه بوصفه ولياً مفترض المحبة. إنها الولاية إذن، فما الفرق بين أن تكون الولاية ولاية محبة، وأن تكون ولاية طاعة؟073
ولاية الطاعة هي ولاية الأتباع الذين يشكلون جماعة تنتظم في شكل طائفة تُغلق وليَّها على ذاتها، فلا يعود الولي حاضراً إلا فيها وبها، تُخضعه إلى ما تريده هي، وتدعي أنها تَخضع إلى ما يريد، تستعدي الآخرين به، ومن لا يوافقها في شكل الطاعة التي تريدها تضعه في خانة العاصين والضالين والمخالفين، تشق به الناس، وهي تزعم أنها تريده لكل الناس. ولاية الإمام المفترض الطاعة، لم تجعل لعلي حضوراً كونياً، هو حاضر في شيعة أو جماعة أو طائفة، وهو بهذه الولاية مفترض الطاعة التشريعية التي تنتظم في شكل مذهب وطائفة وأئمة وفقهاء ومراجع وفتاوى.
يقول جورج جرداق ”وهكذا أخذتُ أقرأ ما كتب عن الإمام في مؤلفات السابقين والمعاصرين .. تبين لي أن معظم ما قرأته يدور حول أمور تاريخية محدودة بزمان ومكان معينَين، وقد تعني فئة من الناس .. وأكثره يدور حول حقه في الخلافة ومقدار هذا الحق في نظر المؤلفين، ولكل منهم دوافع تحركه ولا علاقة متينة لها .. بنظرة الإمام إلى معنى الوجود ونواميسه الثابتة، وشروط الحياة التي لابد من إجرائها في المجتمع الإنساني ليكون مجتمعاً سليماً في تركيبه، معافى في مسيرته، كريماً في غايته”.[1]
ما الذي رآه جورج جرداق في علي ولم يره شيعته فيه؟ هذا هو السؤال، السؤال عن العمى الذي أصاب شيعته، فلم يعودوا يرون وليَّهم ولا يسمعونه، هم واهمون إن ظنوا أن شهادة (جرداق) هي تصديق على ولايتهم، ولاية الطاعة، بل هي نقض لشهادتهم، هي تقول لهم: إنكم لم تشهدوا علياً، ودعوني أريكم إياه، هي ليست من قبيل وشهد شاهد من أهلها، هي من قبيل وشهد شاهد بما عمينا عن مشاهدته.
هو ليس شاهداً على ولاية الطاعة التي ترى في (علي) خليفةً اغتصب حقه في الطاعة، طاعة الناس له، وهو ليس شاهدا على ولاية ترى أن علينا ألا نطيع غيره؛ لأنه ليست هناك طاعة شرعية إلا له، إنها الطاعة السرمدية المؤسسة على خلاف تاريخي غير سرمدي، خلاف محدود في زمان ومكان، هي ولاية لا تستطيع أن تقرأ علياً إلا في بؤرة الطاعة، وتنصت إلى كلّ ما قاله علي من منظار الطاعة.
ولاية (جورج جرداق) هي ولاية المحبة، وهي ولاية الأفراد الذين لا ينتظمون في جماعة يقودها إمام مفترض الطاعة، بل هم أفراد ضلوا جماعاتهم الضيقة وراحوا يلتقون بأمثالهم مَنْ هم خارج جماعتهم وفوقها وأكبر منها. هي ولاية المحبة التي مكنته من أن يرى علياً ”الصيغة الكونية المثلى للفكر الإنساني المستمد من نواميس ثابتة لا يبدل المكان من جوهرها كثيراً أو قليلاً، ولا الزمان! كما أنه الصيغة الكونية للضمير العملاق والشعور العميق بوحدة الكائنات المتكافئة المتفاعلة المتكاملة”.[2]
اشتغل (جرداق) في هذه الولاية الكونية التي تجعل عليا حاضرا في المشهد الكوني كما سقراط حاضر في المشهد الكوني، هما حاضران معاً بمحبتهما للحكمة، والفلسفة هي محبة الحكمة، ومن يشترك في هذه المحبة يغدو صديقاً لا تابعاً، من يوالي الحكمة يصادق الإنسانية، فيكون وليّها بالمحبة، هكذا خرج علي من مجتمع الصحابة وخلافاتهم حول ولاية الطاعة (من له الطاعة)، ودخل مجتمع الفلاسفة ومحبي الحكمة واختلافاتهم حول الصيغ التي يعبرون فيها عن الحقيقة والعدل والجمال والخير.
في بحثه عن محن علي الثلاث (محنة التاريخ ومحنة التشيع ومحنة الإنسان) يتساءل علي شريعتي ”لماذا نذكر كل هذه المكارم والفضائل والمدائح عن علي، ونسمع ونطيع، ولكن لا نسمع علياً يتحدث معنا أبدا؟”.[3]
لأننا لم نحب حكمة علي ولم نوالِها، فولاؤنا لخلافات علي التاريخية، وهي ليست خلافاته بقدر ما هي خلافاتنا، محبتنا له متأسسة على هذه الخلافات، فنحن لا يمكن أن نسمعه خارج ما تتأسس عليه طائفتنا، أي خارج هذه الخلافات. هل يجرؤ أحد أن يخرج بعلي من ولاية الطائفة إلى ولاية الإنسانية. قلت يخرج ولم أقل يجمع بين ولاية الطاعة وولاية المحبة لعلي، والذين يمكنهم أن يجمعوا ولاية الطاعة التي تنتظم في شكل طائفة، وولاية المحبة التي تنتظم في شكل إنسانية، لم يسمعوا علياً يتحدث إلى الإنسانية بقدر ما سمعوه يتحدث إلى الطائفة.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=11622
هوامش
[1]، [2] انظر: حوار مع جورج جرداق. http://www.14masom.com/leqaa/02/02.htm
[3] الإمام علي في محنه الثلاث، علي شريعتي، ص109
– من أسرة تحرير «الوقت»

بسط حروف الولاية

يقول السيدحيدر الستري، في معرض دفاعه عن تشبيهه (قاسم، علي هذا العصر في البحرين) ”أنا على يقين مليون بالمائة، لو أنني – أبان حياة الأب القائد الراحل سماحة الشيخ الجمري (طاب ثراه) – لو استخدمت اسمه بدلاً من آية الله قاسم، فلن يفتح أحدٌ فمه، مع أن الرجلين قائدان من قادة التيار، كما أنه لم تكن هناك هجمة صريحة على المرجعية العلمائية في حياة الشيخ الجمري تستدعي استخدامي لذلك.. وهنا علامة استفهام كبيرة على المحتج06-04-07-Mahrajan%20(15)ين أن يجيبوا عليها”[1].
لقد وصف الشيخ عيسى قاسم هذا التشبيه بالخطأ: ”إنها كلمة خاطئة، وقد تجاوزت كثيراً تجاوزا غير مقصود، وسجلت جرأة غير محتملة”[2]، وهو وصف لا يغلق موضوع هذا التشبيه، بل أراه يفتحه، لكن لا يفتحه على التصيد والتشمت والمناكفة بين الخصوم السياسيين، بل على المراجعة والنقد لذهنية الخطاب الذي يصدر عنه هذا التشبيه.
ليست المشكلة في التشبيه، بل في البنية الذهنية التي يصدر عنها خطاب التشبيه. وهي التي تعطي للتشبيه معناه، ما البنية التي يصدر عنها تشبيه السيد حيدر الستري؟
يصدر عن بنية، ترى في ولاية الفقيه سلطة الأمر والقيادة ومكان الطاعة. وهي بنية عقائدية وسياسية وثقافية تجد في مفهوم الولاية أصلا تصدر عنه، من هنا سأخصص مقالاتي المقبلة في مراجعة هذا المفهوم من زاوية نقدية فكرية وليس من زاوية سياسية، لكنها زاوية تتخذ من خطابات السياسة موضوعاً لها تحلل من خلاله تطبيقات حضور هذا المفهوم في المجال العام من خلال خطابات السياسيين.
(المرجعية العلمائية) في السياق البحريني والتي يتحدث باسمها الستري تقدم نفسها، باعتبارها الممثل الشرعي لمفهوم الولاية، و(الهجمة الصريحة) على هذه المرجعية، هي في نظره ضرب لمفهوم الولاية، والتنافس السياسي والحركي بين (الوفاق) و(الوفاء الإسلامي)، هو تنافس على من يمثل هذه المرجعية. ويأتي تشبيه الستري، في سياق هذا التنافس. فالطاعة تستمد إلزامها وشرعيتها من هذه المرجعية.
هناك فرق بين الولاية بمعنى المحبة وما تقتضيه من تعلق روحي ووجداني، والولاية بمعنى السلطة وما تقتضيه من إلزام وفرض وطاعة وانقياد.
أتفق تماماً مع يقين السيد الستري (مليون بالمئة) فيما يتعلق بحال أفواه المعترضين على تشبيهه لو كان المشبه هو الشيخ الجمري، فالناس كانت ستفتح فمهما بالمحبة للشيخ الجمري، لأنه كان (ولي) بولاية المحبة التي له في الناس، لم يكن السياق السياسي في حياة الشيخ الجمري، قد فرز بعد تيار الولاية بمعناها القهري الذي يفرض الطاعة والإلزام في الانتخابات وفي طريقة العمل السياسي لجماعة سياسة معينة تمثل خط الولاية.
كانت الناس ستفهم التشبيه في سياق التمجيد والمحبة والتقدير للجانب الوطني الجامع الذي مثله الشيخ الجمري، تشبيه الستري لم يكن في موضع احتفاء بالشيخ عيسى، بل في موضع تعبئة جماهيرية، التشبيه يريد صياغة آلية اتخاذ القرار، وليس صياغة صورة احتفائية للشيخ، غاية تشبيهه الطاعة، طاعة ولي الأمر. وهذا ما أوضحه بيان المجلس العلمائي التبريري الترقيعي حسب وصف الزميل لبيب الشهابي، المساند لخطبته ”نحن نؤمن بمرجعيّة وقيادة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى) للساحة في البحرين، باعتباره الفقيه العادل الأمين، الشجاع المخلص الحكيم، ونوصي جميع المؤمنين بالالتفاف حول هذه القيادة الرشيدة”.[3]
الاحتجاجات التي أوردها الستري، كانت ستشفع له، لو كان غرض تشبيهه الاحتفاء الروحي والتمجيد الأخلاقي، لا الزج باسم مقدس في ميدان مدنس، وهو ميدان السياسة بملمحها التنافسي والصراعي واليومي.
من جانب آخر، ليس الموضوع موضوع التشبيه، بل الموضوع غرض التشبيه. لقد أخرج الستري غير الإسلاميين من دائرة الاختصاص بموضوع جواز التشبيه بالمعصوم، باعتبارها دائرة شرعية دينية ”غير الإسلاميين الذين يفترض عدم علاقتهم بالموضوع”[4]، لكن فاته أن الموضوع هو الغرض من التشبيه، وهذا لا يقع في دائرة الاختصاص الشرعي، بل في دائرة تحليل الخطاب، وهي دائرة تتسع للمختصين بتحليل الخطاب، وحتى للصحفيين المعنيين بمتابعة الشأن العام.
التشبيه الذي يقوله السياسي، يُؤوّل في سياق الأحداث السياسية التي تحف بخطابه. وفي تحليل الخطاب السياسي، علينا أن نلتفت إلى من يقول، وليس فقط إلى ما يقال.
من هنا لا معنى لسردياته التشبيهية في الاحتجاج لشرعية تشبيهه الخطأ ”سأسرد لعبدة الحروف، بعض الشواهد الدالة على صحة استخدام التعبير، تكفي أغبى الأغبياء”[5]
ربما له أن يحتج على من أشكلوا عليه بأنه أساء للإمام علي من الناحية الدينية بأنهم عبدة حروف، لكن ليس له الحق أن يشكل على من تجاوزوا منطوقات حروفه وراحوا يقرأون مقاصدها السياسية وأغراضها الحزبية وأصولها الفكرية، فهؤلاء ليسوا عبدة حروف، وليسوا عبدة نصوص.
نحن مع السيد حيدر في الخروج من عبادة الحروف، الذي يمليه شعار ”نحن عبيد النص” ونتمنى أن يفتح هو مفهوم الولاية إلى ما يتجاوز حروف الوصاية والطاعة والانقياد، وأن يُعرب هو حروف (قانون الأحوال الشخصية) إعراباً يخرجه من منطق الولاية بمعناها المنقبض، ليبسطها على قضايا الناس الملحة، كي نخرج من عبادة الحروف.
خطبة الستري هي نموذج لأزمة اشتغال مفهوم الولاية في الخطاب السياسي الشيعي، وهي تؤكد بأخطائها، حاجة هذا المفهوم لإصلاح حديث.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=11574
هوامش
[1]،[4]، [5] انظر خطبة السيد حيدر الستري 28 أغسطس/ آب 2009م:
http://may2009.no-ip.biz/showthread.php?t=241167
[2] انظر خطبة الشيخ عيسى قاسم 28 أغسطس/ آب 2009م:
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=177780
[3] انظر موقع المجلس الإسلامي العلمائي: www.olamaa.com

معادلة الولاية.. قاسم كعلي

قال النائب حيدر الستري في خطبة الجمعة بمسجد فاطمة في سترة ”توهين القيادات العلمائية التي تدور في فلك الولي الفقيه هو توهينٌ لرسول الله (ص) وتقليل من شأن الأئمة المعصومين (ع)، وDSC08513لا يبرّر احتمال خطأ غير المعصوم التقليل من موقعه لأن الله سبحانه وتعالى والرسول (ص) والأئمة المعصومين (ع) هم الذين قلّدوه هذه القيادة الإسلامية، القيادة الدينية الشرعية، على رغم عدم عصمته وإمكان وقوعه في الخطأ”[1]

إحدى التعليقات الظريفة في موقع جريدة ”الوقت”، التقط بسخرية بليغة مأزق استدعاء عصر أول الأمة، عصر الخلفاء الراشدين والأئمة المعصومين:”نعم قاسم كعلي(ع) في هذا العصر والسيستاني كمحمد(ص) والجودر كأبوبكر(رض) والمعاودة كعمر(رض) والمحمود كعثمان(رض)”.

حين تستدعي هؤلاء الفضلاء لن يأتوا وحدهم بصورتهم المثالية، بل سيأتون بسياقاتهم التاريخية الشديدة الاختلاف والتباين والخلاف، ستستعديهم، سيتحول استدعاؤك إليهم استعداء بينهم، بل واستعداء لوضعك السياسي والاجتماعي المبتلى بخلافات أول الأمة.لكن لماذا يستدعي السيد الستري، الإمام علي؟ ليس بالتأكيد لتنزيه الشيخ عيسى قاسم، فليس هناك اختلاف حول نزاهته وورعه وتقواه، وحنكته السياسية وحكمته الدينية.هو يستدعيه في سياق الاستعداء بينه وبين خصومه من حركة حق والتحرك الجديد (الوفاء الإسلامي)، وذلك من أجل إسكات حجج الأصوات المعترضة، إنه يريد أن يقطع، بحماسة مفرطة، على المشككين بصواب موقف الوفاق ومرجعيتها. الفيلسوف الإنجيلزي برتراند راسل ينبهنا إلى أنه ”كلما قل ما يبرر صواب رأي المرء زادت حماسته في توكيد عدم وجود ظل من الشك في أنه على الحق المبين”.

كيف ينفي السيد الستري ظل الشك؟ ليس بالحجة ولا بالعقل ولا بالإقناع بل بالتقديس الذي لا يقبل الرد، وباستدعاء التشبيهات الإسقاطية، وبالتفكير الأعوج الذي يعتمد مقدمات مغلوطة وتركيب أوجه شبه مزعومة وتحكيم أهواء سياسية وحزبية وعقدية. هذه التركيبة الإقناعية أو الإسكاتية تجسّدها ما سأسميه بمعادلة ولاية الفقيه.

معادلة الولاية عند أصحاب ولاية الفقيه تقوم على أن الولي الفقيه= الإمام المعصوم= الرسول. هذه المساواة تقتضي السلطة والحاكمية والتقديس والموالاة والطاعة وعدم الاعتراض والشبه الذي يصل حد التطابق إذا ما استثنينا العصمة. مأزق هذه المعادلة أنها تصادر على المعترضين، ليست هناك معارضة حقيقية في نظام هذه الولاية، فالمعارضة هي توهين للقيادة العلمائية التي تدور في فلك الولاية بما هي حاكمية إلهية.

إنه إذن، ليس مأزق خطبة السيد حيدر الستري، بل مأزق خطاب ولاية الفقيه الذي يصدر عنه الستري، والذي يصدر عن الشيخ حمزة الديري[2]، فهذا الخطاب قائم على معادلة الولاية، بتبسيطها المخل، وتسطيحها الشديد، تبسيطها الذي يسقط تاريخاً طويلا مليئا بالالتباسات، وتسطيحها الذي لا ينفد إلى عمق اختلافات المناخ السياسي. وإحدى علامات هذا التبسيط والتسطيح تحول هذه المعادلة إلى شعار جماهيري يستخدم من قبل السياسيين للتحكم في الشارع، ومغالبة الخصوم المنافسين، وتحولها كذلك إلى عقيدة ترفع في وجه المخالفين، للتكفير أو التشكيك أو التسقيط. المقولات الفكرية تختبر، حين تنزل أرض الواقع، وواقع مقولة ولاية الفقيه تعادل ولاية الإمام المعصوم التي هي نفسها ولاية النبي، في مختبرها البحريني، تنبئ بنتائج كارثية، في نظام التمثيل البرلماني. فإذا كان نظام التمثيل مضروباً أصلا من الحكومة، فهو مضروب كذلك من مقولة ولاية الفقيه. فالنائب السيد حيدر، هو ناقص التمثيل من جهتين، من جهة الحكومة وديمقراطيتها المنقوصة التمثيل، ومن جهة المرجعية الولائية التي تجعل نيابته تمثيلا لمعادلتها لا تمثيلا لإرادة الشعب الحرة من أي عصمة تقيدها.

معادلة الولاية هي توهين لنظام التمثيل الديمقراطي نفسه. لأنها تجعل من الديمقراطية تمثيلية، اللاعب فيها هو الفقيه، بولايته المطلقة وسلطته القاهرة، والقيادات العلمائية التي تدور في فلك ولاية الفقيه.

”أقول دون مبالغة أو مزايدة إن سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم هو علي هذا العصر في البحرين، ومن اشتاق لرؤية علي بن أبي طالب (ع)، ومن يتوق أن ينظر إلى عليّ (ع)، فلينظر إلى وجه سماحة الشيخ عيسى قاسم، لأنه كما ذكرت هو علي هذا العصر في البحرين في سماحته وحزمه، في رفقه وصراحته، في تواضعه وشجاعته، في زهده وعبادته، في وعيه وبصيرته، وفي تنمرّه في ذات الله والتزامه بقضايا دينه ووطنه وجعلها فوق كافة حاجاته ومصالحه الخاصة مهما بلغت أهميتها وخطورتها"[3].

الخطاب إساءة للشيخ عيسى قاسم، واستخدام لاسمه، وإحراج لمكانته، ومصادرة على الأطراف المناوئة له وللوفاق، لن نقول إن الوفاق تتحمل مسؤولية خطبة السيد حيدر، ولن نقول إن الشيخ عيسى يتحمل مسؤولية هذا التشبيه، لكنها تتحمل مسؤولية معادلة الولاية ونتائجها في خطابها العام، وخطبة الستري ومن قبله الديري، إحدى هذه النتائج.ولنا عودة لمعادلة الولاية.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=11515

 

هوامش

[1]،[2] انظر جريدة «الوقت»،السبت 22 أغسطس .2009

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=176994

[1] انظر: علي الديري، عزازيل الوقت والتحرك الجديد، جريدة الوقت.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=11322