أرشيف التصنيف: مقالات

نقيق الضفادع.. ضفادع البرادعي والوفاق

تروي الأسطورة أن الرومي في أحد الأيام أراد التفكر قرب إحدى البرك لكن الضفادع أزعجته بنقيقها فقال لها ”إن تقلن أحسن من هذا فقلن حتى نصمت نحن، وإلا فاستمعن” ولأمد طويل لم يسمع نقيق الضفادع في تلك البقعة[1].
green-frog-1 الضفادع حيوانات برمائية لكن يمكنها أن تكون ظاهرة سياسية وإعلامية مهمتها إزعاج الميدان المشترك الذي تتبادل فيه الجماعات آراءها واختلافاتها وتدير فيه صراعاتها ومصالحها، بنقيقها الذي هو عبارة عن ضجيج مفتعل يأتي في صورة تهويل من خطر جماعة ما أو رأي ما أو ظاهرة ما أو خطاب ما. أو في صورة تسميم أو في صورة استنكار أو في صورة تحذير وتخويف بغرض إسكات الصوت الذي لا ترغب فيه.
يتحول الميدان المشترك أو الساحة العامة ”أجورا” بأجهزة الإعلام والصحافة والمنابر والمنتديات إلى مستنقعات ضجيج تترع فيها هذه الضفادع وتمرح وتستقوي على خصومها بفرض نقيقها على الساحة ولا تسمح لأي صوت أن يقول أحسن من نقيقها، بل إنها لا تسمح لأي صوت أن يتجرأ على أن يطلب منها أن تقول شيئا مفيداً أو تصمت، كما فعل جلال الدين الرومي، وتمكن بجرأته من أن يسكت نقيق الضفادع.
وجدت الدراسات المعنية بالضفادع ”أن ضفدعة السهام المسمومة الذهبية يفرز جلدها سماً يعد من أقوى أنواع السموم.. و تحتوي الضفدعة البالغة على سم يكفي لقتل 1500 إنسان”
والضفادع السياسية تملك سماً مدعوماً ونافذا ويملك قوة تدمير الحقائق، والمطالب الوطنية وتحويلها إلى مطالب تآمرية وتحويل الحقوق السياسية إلى حقول ألغام ترعب كل من يحاول مسها أو الاقتراب منها. إنها تسمم ظواهر الكلام وبواطنه فتتسبب بحالات إسهال حادة. والمثال البعيد القريب على تسميم هذه الضفادع السياسية للخطاب السياسي المعارض لبركها الآسنة، هو نقيق الضفادع التي اشتغلت على إيقاع رائحة ترشح محمد البرادعي للرئاسة دون أن تخشى من خبرته النووية والذرية.
لقد حرّك البرادعي بركته بحجر وصوله إلى مصر، وحركّت الوفاق بركتنا بخطاب أمينها العام، لقد كان حظي أسوأ من حظ الرومي فالرومي كان منزعجا من بركة واحدة وضفادعه احتكمت إلى كلامه العاقل، أما أنا فكنت واقعا بين بركتين، بركة الضفادع المصرية حيث كنت في زيارة إلى مصر، وبركة الضفادع البحرينية، وضفادع البركتين لا تحتكمان إلى حجة الرومي، بل تحتكمان إلى حجة ما الذي يريده منا صاحب البركة الذي هو صاحب البركة والذي هو صاحب المزرعة التي فيها البركة والبركة، بل إني كنت منزعجا من نقيق ضفادع حالتنا التي حالتها حالة، بسبب أني ظللت أياما أقلّب كلمات الخطاب الذي بلبل ضفادع البركة ولا أعثر فيه على شيء يفسر لي حالة استنفار الضفادع، وهذا ما ضاعف من حالة الانزعاج أكثر، حتى إني اضطررت أن أستعين بخبير نقيق الحالة البحرينية واللبنانية الشقيق حسين خلف، ولم يسعفني بما يخفف عني انزعاج عدم الفهم.
والضفادع السياسية لديها خبرة علمية بنقيق أخواتها الضفادع، وأعتقد أنه جمع تدليع وتمييع. وهذه الخبرة تمكّنها من استثمار الحقيقة العلمية التي تنق على أن صوت ضفدعتين يبدو كأنه صوت ملايين من الضفادع. وعليه فليس مهماً أن نقيقها يعبر عن غالبية الشعب أو إرادته في التغيير، فلديها القدرة مهما كان صوتها لا ينوب إلا عن عدد قليل أن تبدو كأنها تمثل الملايين.
بهذه الخبرة حرك صحفيان دعوى قضائية بمحكمة القضاء الإداري ضد وزير الداخلية لأنه لم يأمر أجهزته بالقبض على مؤسسي جمعية البرادعي ”الجمعية الوطنية من أجل التغيير” والتي أسسها 30 شخصية عامة، وتهدف للضغط على النظام المصري لتعديل الدستور. وجاءت نقنقتها في صيغة اتهام، فقد اتهمت الجمعية بإحداث ”فوضى عارمة عبر حثها للجماهير على أحداث شغب” مشيرة إلى أن ”أولى اجتماعات الجمعية السرية كان هدفها الإضرار بالوطن والمواطنين عبر التخطيط للضغط على النظام لإلغاء الدستور ووضع دستور جديد للبلاد، من شأنه قلب نظام الحكم. وأضافت أن أصحاب الجمعية لهم علاقات بمنظمات وهيئات دولية منها معادٍ لمصر دولة وشعباً[؟].
وتبلغ النقنقة مداها الأقصى حين تعتبر الضفدعة نقنقتها بياناً وضد الغباء، كما الأمر مع رئيس مؤسسة ”مواطنون ضد الغباء السياسي” والتي تأسست العام ,2007 الذي قدم أول بلاغ للنائب العام ضد البرادعي قائلا: إن الأخير ”يثير الفتنة السياسية ويستخدم كراهية الحركات والقوى السياسية للحكومة، بما يؤثر على أمن وسلامة البلاد في الفترة الحالية[؟].
ولسان الضفدع كثير الحركة وهو معلق في مقدمة الفم ويمكن قذفه بسرعة إلى الخارج للقبض على الفرائس الصغيرة، وهي بهذا اللسان يمكنها أن تحول عبارات من نوع ”تدخلات أجنبية، الشؤون الداخلية، القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، طاعة ولي الأمر، التحالف مع الكفار والمشركين والتآمر على الوطن. إقحام الأجنبي والتآمر على الوطن والتحالف مع أعداء الدين الإسلامي، تغيير نظام الحكم، الإساءة للعائلات” تحول هذه العبارات حين تمر عبر كيسها الهوائي إلى نقيق، فلا نعود نفهم شيئا ولا نسمع شيئا، سوى نقنقات الاتهام والتسميم دون منطق يبين عن مقاصدها.
والذي يمكنها من فعل ذلك بمهارة فائقة هو أن الضفدع يمتلك أطول لسان نسبياً بين الكائنات الحية، إذ يبلغ لسانه نصف طوله، وقد أعد بما عليه من مواد لزجة لصيد الذباب، وهو مثبت من الأمام وسائب من الخلف بعكس لسان الإنسان.
وربما لهذه الميزات صار يطلق على صوته عدة تسميات لعلها تفيه حقه: النقيق والنقنقة والكش والهدر والهدير. لكن أيا كانت التسمية، فهي لا تقول إلا ما في كيسها الخالي، وهي تزعج رأس جلال الدين الرومي الملآن بصمت التأمل والتفكر.
لقد تعددت أسماء الضفادع: العلجوم، الغيلم، العينوم، النقاق، أبو هبيرة، أبو معبد، أبو الضحضاح، أبو غائص. ويجمع الضفدع على ضفادع وضفاد. وتعددت أسماء أبنائها: الشرعوف والشرغوف والشرغ والشُّقدُع، وتعددت صيغ جمعها: ضفادع وضفاد. وظلت بركها آسنة بفعلها.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=12837
هوامش
[1] أنيماري شيمل، الشمس المنتصرة: دراسة آثار الشاعر الإسلامي الكبير جلال الدين الرومي، ص193
(؟)
http://www.shbeebnews.net/arab/1603-2010-03-02-09-32-10.html
(؟) Read more: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1235340234571&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout#ixzz0haMkHtEA

خارج ضمير الجماعة

 

ما الذي يجعل رواية صغيرة لا تتجاوز225 صفحة من الحجم المتوسط، مكتوبة بأسلوب بسيط ومن غير تقنيات روائية عالية، منشورة في,1957 قابلة للقراءة بل قابلة لأن تكون من الروايات الأكثر مقروئية؟
إنها «قرية ظالمة» الرواية الوحيدة لطبيب الجراحة المصري محمد كامل حسين (1901-1977) وقد أعادت طباعتها دار الشروق ثلاث مرات بين (2007-2009) وترجمت إلى لغات عديدة كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والهولندية والتركية، واستحق من أجلها unfair-villageجائزة الدولة في الأدب العام .1957
أعتقد أن السبب يكمن في قدرتها التفسيرية للسلوك الإنساني الذي يتجلّى في أفعال الفرد والجماعات على مرّ التاريخ، إذا تمكنت الرواية من تفسير جانب من هذا السلوك تفسيراً صالحاً لقراءة ما حدث في التاريخ وما زال يحدث اليوم، فإنها ستكون جديرة بالقراءة والخلود. فما الذي فسرّته هذه الرواية؟ لقد فسّرت ضمير الجماعة.
تقع أحداث الرواية في أورشليم «القرية الظالمة» في يوم الجمعة الذي صُلب فيه المسيح، تبدأ أحداثها في هذا اليوم الذي أجمع فيه بنو إسرائيل في دار الندوة على أن يطلبوا من الرومان صلب السيد المسيح. الرواية قائمة على جدلية أن الجماعة التي يقودها رجال المال والتجارة والصناعة وذوو النفوذ الدنيوي تريد صلب المسيح، فهو يهدد «حياة بني إسرائيل، شعبا وديانة ونظاما»، في حين أن ضمير الأفراد الشخصي الذي تتكون منه هذه الجماعة لا يريد صلبه، فهو يدعو إلى المحبة والسلام والتسامح مع بني الإنسان وجعل الإنسانية تعلو على القومية والوطنية. إنه ”لم يؤذ أي فرد من بني إسرائيل، ولن يؤذيه أي فرد منهم، لكنه يؤذي إسرائيل مجتمعة”[1] فلا بدّ أن تؤذيه إسرائيل مجتمعة، هذا هو منطق الجماعة.
في خارج دار الندوة علت الأصوات التي تنادي بقتله وحجتهم ”أن علماءهم قرروا ذلك وهم أدرى وأعلم ولا يمكن أن يجمعوا على خطأ”[2] في حين أنه داخل دار الندوة كان ضمير كل عالم من العلماء يعرف أنهم مخطئون في حكمهم الذي أفتوا به قبل يوم، لكن لا يجرؤ هذا الضمير أن يخرج إلى الناس ويعترف بالخطأ. النتيجة في ”ذلك اليوم أراد الناس أن يقتلوا ضميرهم”[3].
ليس عقلك فقط الذي تفقده مع الجماعة، بل حتى ضميرك، والضمير تكوين من تكوينات العقل، حين تكون في جماعة تفقد عقلك الفردي وتكون في آلة الجماعة، والآلة لا ضمير لها. الجماعة تحرق وتصلب وتقاطع وترجم وتكفّر وتقتل وتسحق دون شعور، دون ضمير، قد يستيقظ ضميرها لاحقاً، لكن بعد أن يكون فعلها تاريخاً من تاريخ جماعتها.
تستوي في ذلك الجماعات كلها، جماعة بنو إسرائيل حين صلبوا المسيح، وجماعة الاثينيين حين جرّعوا سقراط السُم، وجماعة فقهاء صلاح الدين حين حكموا على فيلسوف الإشراق السهرودي بالقتل، وجماعة فقهاء الخليفة المقتدر بالله حين حكموا على الحلاج بالقتل، وجماعة جمهور بني أمية حين قتلوا الحسين، وجماعة الرايخ الثالث بقيادة هتلر حين أحرقوا اليهود، وجماعة (…) حين نكّلوا بجماعة السفارة كما سمّوهم أو جماعة الأمر كما سمّوا أنفسهم، وجماعة المسيحيين حين سحلوا الفيلسوفة هيباتيا في شوارع الإسكندرية، وجماعة المسلمين حين حكموا على سليمان رشدي بالقتل.
سيبقى الضمير فرداً يخاطبه الوعاظ الذين يسلبون الجماعات ضميرها، وتلك مفارقة عجيبة، كيف يستفردونهم فيخاطبون ضميرهم حين يكون الذنب يتعلق بالله، وكيف يجمعونهم جماعات بلا ضمير حين يتعلق الذنب بالإنسان.
الضمير خارج الجماعة ”إن ضمير الفرد لا يمنع أن ترتكب الجماعة أعظم الذنوب، ما دامت ترتكب باسم الجماعة، والضمير وحده هو الذي يصرف الناس عن الشر، والجماعات لا ضمير لها”[4]
كأن التاريخ سلسلة من لحظات انعدام الضمير، وهي اللحظات التي تتيح للجماعات أن تشن الحروب وتتباهى بالقتل وتغتصب بالقوة. الله ليس مع الجماعة، الله مع الفرد في قلبه وإحساسه، تجد الله في لحظات الخطف الصوفي، أما لحظات الاهتياج الجماعية، فلن تجد غير الغضب والكره والجنون يُعلّق الله وأنبياءه في لافتات وشعارات تعبر عن النفس الأمّارة بالقتل لا القلب الأمّار بالحب.
الجماعة تخلق القوة والقوة عمياء لا ضمير لها. ومتى فكّر فرد أن يخرج من إجماع الجماعة ليذكرها بالضمير أو العقل، فلن يجد غير القوة تلجمه تحت سنابك خيلها. لحظتها حتى علماء الجماعة لا يمكنهم أن يراجعوا مواقفهم أو يتراجعوا، كما هو الأمر مع العالم (قيافا) الحكيم العادل الطيب الذي تولى شؤون بني إسرائيل وظل ضميره معذباً في ذلك اليوم، يوم موت الضمير، وموت الرأي الفردي.
لقد ظل (قيافا) ليلة اتخاذ قرار صلب المسيح، يقلّب ضميره ورأيه وعقله في حيرة واضطراب، توصل إلى معادلة يمكنها أن تفسر لنا منطق موت الضمير الجماعي ”إن أكبر الجرائم إذا وزعت على عدد من الناس أصبح من المستحيل أن يعاقب الله أحدا من مرتكبيها… وإذا كان الذي يعلم الجريمة لا يصنع أداتها، والذي يصنع أداتها لا يعلم عنها شيئا فإنها تتم بسهولة. إن هذا التوزيع يجعل الناس في حيرة، أين يقع عذاب الله. هكذا ترتكب أكبر الجرائم دون عقاب، ألا ترى الله والناس لا يعاقبون أحدا على ما يرتكب في الحروب من فظائع… لأنها ترتكب باسم الجماعة”[5]
لقد طورت الجماعات أشكال تنظيمها فصرنا نتحدث عن جرائم النظام أو السلطة أو الدولة بدل الحديث عن جرائم الجماعة أو الطائفة أو المذهب، لكنها لم تطور من ضميرها، بل صارت السلطة نظاماً بلا ضمير، يقتل ويعذب وينفي باسم الأمن القومي والوطني والديني والمصلحة العامة.
إذا أردت أن تبقي ضميرك حياً حسّاسا، فكن خارج الجماعة، لتشعر بصغائر الذنوب وكبائرها، مهما كان نصيبك منها.
هوامش
[1]، [2]، [3]، [4]، [5] محمد حسين كامل، قرية ظالمة، دار الشروق، ط,2009 ,3 ص,60 ص,76 ص,8 ص,28 ص26

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=12787

سقاية الثقافة.. ساقية الصاوي الثقافية

IMG_1104

سقاية الحجيج، كانت المهمة المقدسة التي يتنافس على تقديمها أشراف مكة، من يحظى بشرف هذه المهمة يصبح علماً يشار إليه. هناك في وسط مكة حيث الجدب يهدد حياة الناس، تصبح السقاية ضمان حياة، لكن حين يكون لديك النيل وثقافته الضاربة حضارتها في التاريخ، لن تحتاج أن تسقي أحداً ماء، لكن ستحتاج أن تسقي جيلا ثقافة في وسط كل ما فيه يهدد العقول بالتحجر والقلوب بالغلظة والنفوس بالكراهية. هذه هي مهمة ساقية الصاوي، مركز ثقافي يقدم سقايته ليست السنوية ولا الأسبوعية، بل اليومية لآلاف من الشباب والشابات بالدرجة الأولى والأطفال والكبار.
ليس مكاناً لصناعة الوجاهة، بل هو مكان لصناعة الوجوه المقبلة على الحياة بتعدد في الألوان والأفكار والفنون والاتجاهات. تقرأ في ملصقات المكان ما يشير إلى أنه في الساقية ليس أحد أفضل من أحد أو مقدم على أحد أو لديه واسطة لأحد، من أكبر مسؤول إلى أصغر عامل، هناك فقط، خلايا تعمل، وفق إيقاع حركة الساقية، من غير تراتبيات.
أنشأ الساقية محمد الصاوي نجل الأديب المصري عبد المنعم الصاوي في العام 2005 واستقى الاسم من خماسية الساقية التي تعتبر العمل الأشهر لوالده. تمّ اختيار المكان تحت كوبري 15 مايو بشارع 26 يوليو أمام سنترال الزمالك. تعتبر أول المراكز الثقافية الخاصة في مصر وأوسعها انتشارا وتطمح في مئوية الصاوي في 2018 أن يكون لها مائة فرع، وتعد نموذجاً للكيانات الثقافية في عصر ما بعد الثقافة الحكومية، أو يمكن القول بعد ثقافة «ما لا يُعول عليه».[1]
حين دخلت الأسبوع الماضي لأول مرة المكان، كنت أتلفت بحثاً عن آثار ساقية قديمة قد تكون الساقية قد أقيمت عليها، عرفت لاحقاً أن المكان كان خربةً وكاد أن يصبح مزبلة قمامة، قبل أن يهتدي المعماري المهندس محمد الصاوي إلى فكرة استثماره في مشروع ثقافي يخلّد فيه اسم أبيه الذي تولى وزارة الإعلام والثقافة في السبعينات، وكان مؤسس أول وكالة أنباء عربية وهي وكالة أنباء مصر.
ترتبط الساقية في الذهن بالزراعة والحقل والأرض والفلاحة، والثقافة في معانيها اللغوية والانثروبولوجية ترتبط بالزراعة والحرث والتشذيب والتقليب والتقويم والاستثمار في الأرض. لم يبتعد مدير الساقية وقلبها النابض بحركتها المهندس محمد الصاوي عن حقل الزراعة في مشروعه ساقية الصاوي، لكنه هذه المرة، سخّر أدوات الحقل للاستثمار في الإنسان، زراعة الإنسان وتقويمه وإثراء تربته بأقصى ما تسمح إمكاناته. الماء يرمز دوماً للحياة، يسقي كل ما هو حي، والساقية قرينة الماء، لذلك صارت الساقية تبعث الحياة في جيل متعطش لماء جديد.
وتكريماً لسقايتها للثقافة فقد حصلت الساقية على وسام الاستحقاق الألماني جائزة يمنحها الرئيس الألماني للأشخاص الذين يساهمون في توصيل الثقافة الألمانية للشعوب، كما حصلت على جائزة مؤسسة الفكر العربي في حقل الإبداع.
ثقافتها تسقي الحواس كلها، هناك الحفلات الموسيقية والغنائية والمعارض التشكيلية والورش الثقافية والمحاضرات والندوات والمسرح والسينما والحملات والمهرجانات. كل ذلك يقدم من خلال ثلاث قاعات، قاعة الحكمة وقاعة الكلمة والقاعة النهرية المفتوحة على طراوة النيل. ستسمع في هذه القاعات، إيقاعات أبرز نجوم فرق موسيقى الجاز والموسيقى الغجرية والراب وأخرى تعرض ثقافات مختلفة من أنحاء العالم. وستجد في كتيب برامجهم الشهري الأنيق إعلانات لموسيقى نصير شمة وعمر خيرت وعلي الحجار.
الرؤية التي تعمل من خلالها الساقية، الثقافة صناعة حياة، ليست الثقافة ترفاً فكرياً أو نظرية نتباهى بها بل هي ممارسة حياة، صناعة نغير من خلاها واقعنا ونمط حياتنا، وهذا ما يتبدى في صرامة السلوك الحضاري الذي تفرضه الساقية على روادها: لا تدخين، لا تأخير في مواعيد الفعاليات، وستقابلك لافتة حمراء شديدة التحذير من سلوكيات الإزعاج أو مضايقات الآخرين أو الإساءة إلى البيئة. تمارس الثقافة في الساقية ولا أقول تقدم الثقافة، لأنها معنية بأدق التفاصيل المتعلقة بالطريقة التي تقدم بها برامجها، لا يمكنك أن تكون عضوا فيها أو مرتاداً لفاعليتها دون أن تكيف سلوكك مع طريقتها التي تفرض عليك ذوق احترام كل الأشياء.
يقول الصاوي مهندس ماء ثقافتها، إنه مع حركة دوران الساقية تطور مفهوم الثقافة في مركز الساقية، فأصبحت الثقافة هي النور؛ لأن دور الثقافة لا يخرج عن إزالة الغموض، وتوضيح الطرق المختلفة للإنسان كي يختار منها من واقع ضميره ووعيه لما يناسبه، لذلك فشعار الساقية لعام 2010 هو عام النور. بعد أن كان العام الماضي عام الكرامة. الشعارات السنوية لا تضعها الساقية للاستهلاك الإعلامي، بل تتحول إلى مشاريع عمل جدية، وتجد محاولات تطبيقاتها في ثقافة الشارع المصري.
شعار النور يستعيد في الذاكرة مشروع التنوير في الثقافة المصرية الذي لم يتمكن من أن يحافظ على وهجه فانطفأ في الربع الأخير من القرن العشرين، في حين أن التنوير الذي كان الشرارة الأولى لنهضة أوروبا، قد أنجز مهماته الأساسية التي حددها الفيلسوف ايمانويل كانط في 1784 في تعريفه للأنوار بـ«أنها خروج الإنسان من قصوره الذي هو نفسه مسؤول عنه. قصور عجزه عن استعمال عقله دون إشراف الغير، قصور هو نفسه مسؤول عنه، لأن سببه يكمن ليس في عيب في العقل، بل في الافتقار إلى القرار والشجاعة في استعمال عقلك أنت: ذلك هو شعار الأنوار».
تبقى هناك إشكالية تتعلق بطبيعة الثقافة العربية والمصرية خصوصا، وهي التوفيقية، وهي إشكالية مازالت تستقي منها ثقافتنا ما يطمئنها ويهدئ من خوفها على ثوابتها، حتى لو أدى الأمر إلى أن تمسك بتناقضاتها بيدٍ واحدة، وتلك إشكالية تحتاج إلى سقاية أخرى.
سألت صديقي الأربعيني أسامة صلاح الدين أحد أعضائها عن الساقية، فقال: أبرمج شهري وفق فعاليات الساقية، وأضبط إيقاع عملي وفق أجندتها، صارت جزءا من حياتي ورافداً من روافد غذائي الروحي. أحيانا آتي في صباحات الصيف، حيث شرفتها المطلة على النيل (طراوة) كي أستقي منها ما ينعش كلي.http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=12739

مثل مكتبـة تشبه الكـون.. مثـل كتب لا نهايــة لهــا

أستحضر «لا نهائية» أبي في مكتبته، حين أدخلها أشعر به حياً بين هذه الكتب الباقية، تفتّح وعيي على مكتبته، وأرى تضاعف مكتبتي اليوم بفضل مكتبته، كأن في مكتبتي أضواء من مكتبته ومرايا أضواء كتبه. حلمت به مرة قادماً عليّ ببشاشة واشتياق، وأنا أهيئ كتبي للانتقال إلى مكتبتي الجديدة، كانت تساعدني جدتي التي لا تعرف القراءة ولا الكتابة. ولدي الأكبر باسل، حلم به أيضاً بعد وفاته بشهرين، في هيئة نورانية شديدة البياض، كان يزور مكتبتي وقد ملأها بأضوائه اللامتناهية.مكتبة
ما الذي يجعل المكتبة لا نهائية؟
يتخيل بورخيس المكتبة في صورة اللانهائي، تغدو في قصته «مكتبة بابل» كوناً لانهائيا، تتكون من أرفف وممرات وطوابق ومرايا ولغات وكلمات وأوراق. تستحضر صورة اللانهائي الله، فهو الواحد غير المحدود، وكماله يكمن في لا نهائيته، والفلسفة تقوم على إدراك سرّ هذه اللانهائية التي هي في معنى من معانيها الخلود والبقاء المطلق. يعرّف أخوان الصفاء الفلسفة بأنها التشبه بالإله في كماله بقدر الطاقة. يبدو الكتاب هو الكائن الأكثر قدرة على التعبير عن كمال الإنسان، وفي هذا الكمال يقترب الإنسان من التشبه بالإله، الكتاب هو المنتوج اللانهائي. اكتب لتبقى، لتكسر قانون الموت والنهاية. يشبه الكون مكتبة، ليس لأنه متعدد فقط، بل لأنه لا نهائي أيضاً، في المكتبة تبدو الكتب مرايا لبعضها، نور كل كتاب يضيء لكتاب آخر، كما نور الكواكب والنجوم تنير لبعضها بعضاً، بشكل لا نهائي. ليس للمكتبة حد أو نهاية، فكل كتاب يصدر عن إضاءة كتب تسبقه، وهو يحمل في كلماته ولادات لكتب أخرى تمتد بنوره. الكتب تتضاعف بسرعة وبكثرة انعكاس النور في المرايا، إنها تفيض، فتخلق في إفاضاتها ما لا يتناهى من الكائنات، وقد فسّر فلاسفة الأفلاطونية المحدثة الكون من خلال نظرية الفيض التي تنتج الكثرة غير المتناهية في العالم. هناك مادة كونية تفيض بشكل لا نهائي، هي المفسرة لسر الحياة الدائمة. الكتب كذلك تفيض من بعضها على بعضها، فتجعل من الحياة لا نهائية.
العصور التي لا تتضاعف فيها الكتب عن العصور التي تسبقها، هي عصور موت ونهاية، هكذا يمكننا أن نقيس الحياة بما يتضاعف من الكتب، لذلك فالمكتبة علامة حياة دوماً. في فيلم «أجورا» يرصد مخاضات القرون الوسطى بحادثة تحول مكتبة الإسكندرية إلى حضيرة أغنام، بعد أن تمّ تدمير مخطوطاتها العالمية وحرق كتبها وتحطيم تماثيلها وحرق فيلسوفتها هيباتيا عاشقة الفلك اللانهائي.
لقد وصف بورخيس قصته «مكتبة بابل» بأنها كافكوية، استحضر عندي هذا الوصف، كافكا بطل رواية «كافكا على الشاطئ» لقد هرب كافكا من العالم المتناهي ووجد في المكتبة بيته الثاني، يقول «لعلها كانت بيتي الحقيقي أكثر من المكان الذي عشت فيه» حين ضاق بسلطة أبيه المتناهية الإحكام فرّ إلى عالم لا متناهٍ، وجد في مكتبة كوميورا التذكارية ملاذاً آمناً لخيال شاطئ وعيه الواسع الامتداد، هناك أغرم بخيال ألف ليلة وليلة وقدرتها العجيبة للامتناهية على توليد قصص تفيض قصصاً أخرى. لم يجد في المدرسة مكاناً للامتناهي فقرر «لن أذهب إليها أبداً، المكتبة أفضل بديل». المكتبة ملتقى خيال حضارات وثقافات وحقب تاريخية وعقول استثنائية وآفاق لا متناهية. كما اللغات لا نهائية وتتبلبل وتتكثر، كذلك المكتبة. يتحدث بورخيس في قصته «كتاب الرمل» عن اللانهائي بقوله: يتألف الخط من عدد لا حصر له من النقط، والسطح من عدد لا حصر له من الخطوط، والحجم من عدد لا حصر له من الأسطح. ويقول إنه اشترى من بائع شعبي كتاباً اسمه كتاب الرمال، لأن الكتاب والرمل كلاهما لا مبتدأ لهما ولا نهاية، وتبدو أن صفحات هذا الكتاب تنبجس بشكل لا نهائي، وهذا ما يجعل عدد صفحات هذا الكتاب لا نهاية لها، فلا صفحة منه الأولى ولا صفحة منه الأخيرة. هكذا تبدو المكتبة، تنبجس من أضوائها كتبٌ لا نهاية لها، كأن صفحات كتبها مرايا تعكس نفسها في مرايا لا نهاية لانعكاساتها

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=199105

أن تكون عربياً في أيامنا «2-2»

المواطنة كعضوية في الدولة، بمعنى يمكن لأي فرد في الدولة أن يكون مواطناً، أما المواطنة كعضوية في القومية، فهذا يعني أن المواطنة مقصورة فقط على من هو قومي، كما جرى في التجارب العربية التي اقتصرت فيها المواطنة ليس فقط على المؤمنين بأيديولوجيا الحزب، بل b09615101523على المؤمنين بالحزب فقط، وبشكل أخص على الموالين لأب الحزب. وهذه حتى لا يمكن أن نسميها مواطنة. وتجديد الفكر القومي يمكن أن يكون ممكناً إذا راجع أطروحاته ضمن فكرة أمة المواطنين لا أمة القوميين ولا أمة حزب القوميين ولا أمة حزب رئيس القوميين.
المأزق الآخر للتصور القومي المتصلب، هو أنه يرى لغته تعبر عن حقائق لا تصورات، ومن ثم فالرؤية التي ترى من خلالها العالم حقيقية وواقعية. كانت عضو مجلس الشورى سميرة رجب قد اعتبرت مداخلتي عن اختلاف التصور اللغوي لمفاهيم القومية بين اللاتينية والعربية تعقيداً لا لزوم له، وأن المسألة بسيطة جداً، فالقومية هي الهوية. فحين تسأل عن هويتك تقول «عربي»، وهذا هو معنى القومية، والإسلام يعتبر عقيدة وليس هوية.
التصلب الذي هو قرين الأيديولوجيات، يميل دوماً إلى التبيسط وحسم الأمور الذهنية المعقدة في صيغ تبسيطية مختزلة، فهو يقدم تصوراً مبسطاً لا مركباً للواقع، والمراجعة النقدية لأي فكر تعمل على تفكيك هذه التبسيطات الاختزالية، وتقوم بإعادة تركيبها.
قلت لسميرة: الهوية موضوع مركب من ثلاثة عناصر، اللغة والدين والعرق، وتتفاعل هذه العناصر بشكل معقد، وحين يتوتر أحدها تتحول الهوية إلى هوية قاتلة، وندخل في حروب هويات كما هو الأمر الآن، وهذا ما يعبر عنه أمين معلوف في كتابه «هويات قاتلة».
لو كان مفهوم القومية بهذه البساطة والحزم كما تتصورها الأيديولوجيا القومية المتصلبة، لما كتب المفكر نصيف نصّار أكثر من 500 صفحة في تحليل تصورات من اشتغلوا بفكرة الأمة (أديب إسحاق، ابن باديس، سلمان البستاني، ساطع الحصري، أنطوان سعادة) التي هي أحد أهم عناصر مفهوم القومية في كتابه «تصورات الأمة المعاصرة: دراسة تحليلية لمفاهيم الأمة في الفكر العربي المعاصر».
حين نقول القومية تصور، فلا يعني هذا أنها تصور فردي، ناتج عن تصور مفكر أو منظر أو داعية لشكل من العلاقة بين عناصر مشتركة، بل هو تصور تصنعه حوادث وحروب وسياقات تاريخية، ويسهم في بلورته مفكرون ومثقفون ومناضلون ورجال دين وآباء مؤسسون، تصور الأمة الأميركية مثلاً كما يرصد تحولاتها هنتغنتون: إن الثورة أنتجت الشعب الأميركي، والحرب الباردة أنتجت الأمة، والحرب العالمية الثانية أنتجت ظهور انتماء الأميركان إلى بلدهم. وفي الستينات بدأت الهويات القومية الفرعية والهويات المزدوجة والعابرة للحدود، إلا أن حوادث 11/9 جلبت الهوية الوطنية للصدارة.[1]
القومية والأمة والمواطنة تصور، لذلك الناس في كل مكان (إيران، أميركا، العراق، ماليزيا، كندا) نجدهم يتساءلون، ويتفحصون ويعيدون تعريف ما يشتركون فيه وما يميزهم عن الآخرين: من نحن؟ إلى أي جهة ننتمي؟
الأمة كما يقول بنديكت أندرسون صاحب كتاب «الجماعات المتخيلة» مجموعة متخيلة.. «والقومية جماعة متخيّلة، ولكنها ليست متخيّلة من لا شيء، بل من عناصر قائمة في الواقع، مثل اللغة والثقافة وعناصر التاريخ المشترك»[2]. هذه العناصر القائمة في الواقع تركب وتفكك في كل مرة لصناعة هويات وطنية، والإنسان يمتاز بقدرته الفائقة على استخدام خياله الخلاق لتركيب عناصر واقعه بشكل مختلف مع كل حادث وتاريخ جديد.
الحرب هي أهم حادث تاريخي يلعب دوراً في تشكيل أو إعادة تشكيل مفهوم الأمة، الأمة الأميركية ولدتها حرب. وتاريخ الدول تشكله الحروب، مازلت أذكر الجملة التي كتبتها في 2 أغسطس/آب 1990 على دفتري الجامعي: «بعد غزو صدام للكويت، هل مازلتم تعوّلون على القومية؟ أما آن لكم أن تعطوا الإسلام فرصته ليحل لكم كل مشكلاتكم» لم أكن أعي حينها، أن هذه الحرب ستعيد تشكيل هوية هذه المنطقة برمتها، بقدر ما كنت مشغولاً بإثبات خطأ الأطروحات القومية الأيديولوجية من منظوري الإسلامي الأيديولوجي.
هناك حقب تاريخية يكون فيها الدين هو المشكل الأكبر للرابطة القومية كما في المرحلة المبكرة من القومية الأوروبية، كانت تحدد وطنيتها على أسس دينية، وهناك حقب يكون فيها العرق هو المشكل الأكبر، وهناك حقب تكون فيها اللغة هي المشكل الأكبر، وأحياناً يسهم أكثر من عنصرين في هذا التشكيل، كما هو أمر القومية الأوروبية في القرنين التاسع عشر والعشرين التي أصبحت قوميات علمانية تحدد نفسها من خلال اللغة والعرق والثقافة. وكان موسوليني يقول «إن الأمة هي أسطورتنا» وباسم هذه الأسطورة صنع كوارثه العنصرية الشوفينية.
تكوين قومية أو أمة لقومية ما، يشبه من ناحية لعبة ويشبه من ناحية قدراً تاريخياً ويشبه أحياناً قدراً غيبياً. هي عناصر تتركب وفق نسب متفاوتة بحسب سياق الواقع الذي تصنع الصراعات حوادثه. حين نقول تبدو عملية تكوين القومية أشبه بلعبة، فلا يعني هذا سهولة التحكم في عناصر هذا التكوين، بقدر ما يعني أن الحوادث التاريخية الكبرى تلعب بكل قوم وجماعة لتعيد تشكيلهم كل مرة وفق مشترك ما ينسبون إليه قوميتهم.
إشكالية أي قومية تكمن دوماً في طريقة تعريفها لنفسها، وهو تعريف يستند إلى مجموعة من العناصر: اللغة، الدين، العرق، الأرض، السلطة. ليس لأي اختيار من اختيارات التاريخ بحوادثه لهذه العناصر في تكوين أي أمة، طابع مقدس، لكن التقديس يأتي لاحقاً لتثبيت تركيب ما في مخيلة القوم وشعورهم.
لكن التصلب الأيديولوجي لتركيب ما واعتباره حقيقة بدهية لا تقبل الشك ولا النقض، هو ما يضفي على صيغة ما من صيغ تركيب القومية قداسة، وباسم هذه القداسة التي يتم سكها بنعوت الثوابت والمطلقات، يفرز الناس إلى خونة وعملاء.
التجارب القومية، احتكرت الدولة ليس في قومية واحدة فقط، بل في تركيب واحد يمثل هذه القومية، وبل في حزب واحد يمثل هذا التركيب، بل وفي شخص واحد يمثل الحزب. لذلك فهذه الدولة ليست حتى وفق نموذج الدولة/ الأمة، بل هي وفق نموذج الدولة/ الفرد، الفرد الواحد الممثل للأمة والقومية والدولة. الخروج من هذا النموذج يتطلب تخليص أمة الدولة من احتكار قومية واحدة وتخليص القومية من تركيب متخيل واحد، وفتح الأمة على المواطنين.
أمة المواطنين، كما يقدمها «بشارة» تتيح للفرد أن يشكل نفسه وفق ما يريده لمستقبله وحاضره، لا وفق ما أرادته له تكوينات تسبقه.لا يضع عزمي بشارة القومية في مرتبة الأمة، في الدولة الوطنية، بل يضعها في مرتبة تيار له برنامجه السياسي وهمومه المعيشية اليومية، ويمكن أن تكوّنه الغالبية التي تجمعها عناصر مشتركة أكبر من عناصر الطائفة. «ليست القومية العربية أيديولوجية شاملة، بل انتماء ثقافي يدعي العروبي أنه أصلح من الطائفة ومن العشيرة، لتنظيم المجتمع الحديث في كيان سياسي»[3].
أن تكون عربياً اليوم، يعني أنه يمكنك أن تتجاوز طائفتك وتكون ضمن تيار مشتركاته الوطنية أوسع، ويمكن لهذا التيار أن يكوّن مع جماعات أخرى أمة من المواطنين. ومع ذلك فـ «القومية وعملية بناء الدولة والأمة ليست نظرية تنكر وجود طوائف وعشائر، بل هي جواب عن تحديات بناء مجتمع حديث»[4].
ليست أمة الدولة محتكرة من قبل قومية ما، بل هي تمثيل لمواطنين مختلفين في جماعاتهم المتخيلة.
[1] انظر: صاموئيل هنتغتون، أميركا: الأنا والآخر، من نحن؟ الجدل الكبير في أميركا
[2]، [3]، [4] عزمي بشارة، أن تكون عربياً في أيامنا، ص,16 ص,70 ص70

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=12692