أرشيف التصنيف: مقالات

حاوية الخصوصيات

مرّر مجلس النوّاب في جلسته الاستثنائية التي عقدها الخميس، وبسلاسة، الشق السنّي من مشروع قانون أحكام الأسرة، بأغلبية 18 صوتاً مقابل معارضة 3 نواب من كتلة الأصالة، فيما غادر نوّاب كتلة الوفاق قاعة الجلسة أثناء مناقشة المشروع.[1]555113
لماذا غادر نواب كتلة الوفاق الجلسة؟ ليس احتجاجاً على مخالفة الشريعة ولا تحفظاً على غياب الضمانات الدستورية ولا معارضة للحكومة، يجيب على هذا السؤال، النائب رئيس كتلة الوفاق خليل المرزوق بقوله «نحن مع احترام الخصوصية الدينية والمذهبية واختيارات المواطنين فيما يخصّ تعبدهم وشرعهم؛ لذلك فكتلة الوفاق تترك المجال للإخوة فيما يختارون».
إلى أي حد يمكن أن يكون احترام الخصوصية المذهبية مبرراً فعلاً لهذا الانسحاب؟ ولو كان هناك نائب شيعي شيوعي أو قومي أو ليبرالي أو بعثي مستقل، هل كان عليه أن ينسحب احتراماً لهذه الخصوصية؟
مبرر الخصوصية حمّال أفعال، بمعنى أن أفعالاً كثيرة تجد في الخصوصية محملاً لتبرير تصرفها، الحكومة لا تريد من المعارضة أن تتصل بمنظمات دولية حفاظاً على الخصوصية، الكتل الإسلامية لا تريد حفلات غنائية حفاظاً على الخصوصية الإسلامية، ديوان الخدمة المدنية ووزارة التربية وجهاز الإحصاء لا يريد أن يقدم كشوف بأسماء مواطنين حفاظاً على الخصوصية، كتلة الوفاق تنسحب من التصويت على قانون الأحوال الشخصية السنية حفاظاً على الخصوصية المذهبية. هكذا يمكنك أن تضيف الخصوصية لأي فعل تريد أن تقوم به، وستجد فعلك مبرراً، لقد غدت الخصوصية حاوية تتسع لكل أفعال السياسة، وإذا أردت أن تبحث عن تفسير لأي فعل سياسي، فيمكنك أن تذهب إلى حاوية الخصوصيات.
الاحترام موقف أخلاقي، وحين يستخدمه السياسيون، فعليك أن تكشف ما وراءه من موقف سياسي، والموقف السياسي هنا، يتعلق بصوغ موقف مستقبلي، وكأن كتلة الوفاق تريد أن تقول: احترمنا خصوصيتكم ولم نتدخل في قانون أحوالكم الشخصية، فاحترموا خصوصيتنا ولا تتدخلوا في قانون أحوالنا الشخصية ولا تدفعوا باتجاه إقراره، ولا تتعاونوا مع الحكومة للضغط علينا. هنا الاحترام، يغدو لا فعلاً أخلاقياً، بل فعلاً مصلحياً تمليه السياسة.
والاحترام متى كان يمليه موقف سياسي لا أخلاقي، سنجد هناك ما يكشفه، فخطاب السياسي فيه ثغرات تتيح اختراقه، في تعليقه على مسمى القانون يبدي – بثغرة كبيرة – رئيس كتلة الوفاق الملحوظة التالية «من الممكن أن أبدي بملاحظة بشأن مسمّى المشروع، حيث أقترح استبدال عبارة ”القسم الأول” بعبارة ”الدائرة الشرعية السنيّة”»، وقد عارض النائب عبدالله الدوسري هذه الملحوظة، ولم يصرّ عليه المرزوق، وعند بدء التصويت حاول النائب جلال فيروز التأكيد على مقترح المرزوق، إلاّ أن الأخير طلب منه عدم الاستمرار في الحديث، وغادر الاثنان القاعة.[2]
التسمية فعل، وهي فعل تمييزي، فأنا أسمي الأشياء كي أميزها، والتسمية التي يقترحها المرزوق (الدائرة الشرعية السنية) تضغط على شق الطائفة، وهو شق تمييزي، لقد أبدى المرزوق ملحوظته باحترام، لكن ليس بدافع الاحترام، بمعنى ليس حرصاً منه على إعطاء هذا القانون واجهة أفضل أو موقعاً أعلى أو تسمية أكثر وقعاً، بل من أجل التأكيد أن المسألة شرعية، وأن الدائرة الشرعية تقوم أساساً على التمييز، وهي تستدعي ذكر اسم الطائفة لتمييزها عن الطائفة الأخرى. فضلاً عن أن تسمية القسم الأول تعني أن القسم الثاني آتٍ آتٍ، مهما كانت المناكفات السياسية والدينية. ومادام هو آتٍ فقانون الأحوال الشخصية المتعلق بالشق الشيعي، يريد أن يحجز له تسمية تميز طائفته، ليكون (الدائرة الشرعية الشيعية).
هذا الاحترام الذي لم يظهر إلا في الفعل الذي يمثل في النائب طائفته، ليس فيه احترام للحيز العام المشترك الذي يمثله البرلمان، البرلمان مكان الإرادة العامة، ونتوقع منه أن يكون مكاناً لإظهار هذه الإرادة وتمثيلاً لها، وذلك ليس بأن يصدر البرلمان تشريعات لا تراعي خصوصيات التنوع والتعدد، لكن بأن يصدر ممثلوه عن روح هذه الإرادة. من المؤسف أن نجد أمثلة كثيرة على تمثيل الأعضاء لطوائفهم، ولا نجد أمثلة لتمثيلهم لتعدد الوطن. بمعنى لا نجد ممثلاً برلمانياً يدافع عن التعددية ممثلة في جماعات لا ينتمي إليها، بما هي تعددية تمثل هوية الوطن، لكن نجد أمثلة كثيرة يدافع فيها ممثلون برلمانيون عن طوائفهم.
في حلقة (هنّ) بقناة الحرة الخاصة بقانون الأحوال الشخصية بالبحرين، سألت في كواليس الحلقة إحدى المتضررات المتدينات من آثار غياب هذا القانون في المحاكم الشيعية، قالت: أبسطها، أنك لا تشعر بأدنى درجة من الاحترام، في هذه المحاكم. أتوقع أن القانون سيضع حداً أدنى من الاحترام لنا.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10612

رسائل الرئيس

 

إذا كانت لديك مشكلة فأرسل رسالتك إلى الرئيس مباشرة، لكن إذا كانت مشكلتك أنك تريد أن تصور فيلماً عن رسائل الرئيس فلا ترسل رسالة، بل أرسل كاميراتك ودعها ترى وترسل رسائلها المواربة عن رسائل الرئيس.
فيلم المخرج التشيكي الأصل بيتر لوم ”رسائل إلى الرئيس” يروي قصة هذه الرسائل، فقد أرسل iran_230907_1 الإيرانيون عشرة ملايين رسالة إلى الرئيس محمود أحمدي نجاد منذ توليه منصبه، طالبين منه مساعدتهم ماليا.
كان هذا الفيلم الوثائقي المثير للجدل، أحد أفلام مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية في دورته الخامسة الذي أقيم في 13-16 إبريل تحت شعار سنوات الأمل، بمشاركة 454 فيلما. وقد عرض هذا الفيلم في إطار الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان برلين السينمائي، وقوبل بمظاهرات من قبل الإيرانيين المقيمين في ألمانيا، واتهم مخرجه بالقيام بحملة إعلامية لصالح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من خلال عدم تعرضه إلى ممارسات النظام الحاكم.
«فيلم يحتاج إلى مشاهد دقيق الملاحظة ليفهم الرسائل المستترة التي أرسلها مخرج الفيلم» هذا ما ورد على لسان أحد النقاد وهو أفضل تعليق يمكن أن يقال عن هذا الفيلم، وأقول أفضل تعليق قياسا إلى ردود الفعل السياسية التي قوبل بها الفيلم حين عرض في مهرجان برلين. فالمعارضات السياسية دائما تريد إدانة واضحة وصريحة للنظام الذي تعارضه، وتريد من الفن أن يكون ناطقا بما تريد. الفيلم الوثائقي فن وليس بياناً سياسيا، لأنه بقدر ما يسجل من وقائع بالكاميرا، فإنه يعيد تركيبها وفق اتساع عدسته في حدود الممكن، وفي هذا الاتساع يكمن الفن.
اختلافنا في تقدير اتساع العدسة وإمكانه من ناحية سياسية وفنية، هو ما يجعل من الفيلم حمّال رسائل مستترة.
استمتعت بحركة اتساع كاميرا المخرج التشيكي ”بيتر لوم” في قاعة المجلس بفندق شيراتون الدوحة، وهي تريني السياقات الاجتماعية والدينية والثقافية التي تنطلق منها رسائل الناس إلى الرئيس. فالمرسل لا يرسل رسائله في سياق واحد والمستقبل لا يستقبلها في سياق واحد. أرى أن المخرج نجح في اللعب على تنويع هذه السياقات وفي بث رسائل مواربة من خلالها، في حدود الممكن السياسي الذي كانت عدسته تتحرك من خلاله. وهذه بعض المشاهدات حمّالة الأوجه التي التقطتها في ذاكرتي.
في ديوان الرئيس، كانت هناك جموع كبيرة تنتظر مقابلة الرئيس، التقطت الكاميرا بينها حالتين، الأولى لرجل دين من عامة الناس يجلس على كرسي خشبي، ويبدي ارتباكاً لا يخفيه، لأنه سيقابل الرئيس، ويطلب من المصور أن يمهله حتى يخرج كي يجيب على أسئلته، لكنه يكتفي بالقول سأتحدث معه عن أهمية التمسك بالحق النووي، بعد خروجه يحدثه عن يقينه بقرب ظهور الإمام المهدي، لأن التكنولوجيا بلغت أوج تطورها والأمور جاهزة للظهور.
الحالة الثانية امرأتان تجلسان على الأرض، ويدور بينهما حوار طويل يتخلله بكاء إحداهما من وضع حالتها المعيشية، وتذمر الأخرى من طول الانتظار وصعوبة لقاء الرئيس، وتقارنه بسهولة مقابلة أختها التي تعيش في بريطانيا للملكة إليزابيث الثانية. فجأة ينقطع كل شيء، فالرئيس ألغى مقابلاته.
في لقطة أخرى تطرق الكاميرا شقة أحد المواطنين، وتسألهم إن كانوا قد أرسلوا رسالة إلى السيد الرئيس، فيتوارى الرجل خلف الباب، فيما تبقى زوجته مسندة ظهرها للباب تضحك على زوجها، وهو يقول ليس لديه رسالة ولا يريد أن يرسل شيئا، وإذا كان الشاه الذي تسلم رسالة من أبيه يدا بيد، لم يرد عليها، فكيف سيرد نجاد على رسالة بريدية.
في لقطة أخرى يتحدث نجاد عن ملايين المشردين في أميركا، لجمهور في قرية لا يصلها الماء ولا الكهرباء، ويطلب منهم أن يجيبوا الغرب بهتاف يؤكد صمودهم، فيهتفون بشعار الحق في النووي، وهم يرفعون صور شهدائهم في الحرب العراقية، يجمع الرئيس رسائلهم بيده، ويعدهم عبر وزير الكهرباء، أن تصل الكهرباء لهم خلال عام.
في مشهد آخر، تتحرك الكاميرا بين رجل متحمس لنجاد وللثورة، ويقول هناك حرية بدليل ألا أحد يمنعكم من التصوير، وبين رجال أمن أو مخابرات يمنع المخرج من التصوير. وفي مشهد آخر ترينا الكاميرا أحد رجال الرئيس وهو يهيئ المزارعين لاستقبال الرئيس ويقول لهم كيف يتحدثون معه، وفي المقابل ترينا صحافيا شابا، يحرّض المزارعين، أمام رجل السلطة، على أن يقولوا كل شيء وبطريقتهم التي يريدونها، ويشير لهم إلى المزارع الممتدة قائلا كل هذه الخيرات، لكنها ليست لنا.
تتحرك الكاميرا نحو النساء المحتشدات أمام بوابة الرئيس الحديدية، وهن ممسكات برسائلهن، ورجال الأمن يمنعنهن من الدخول. وصوت إحداهن يجهر بالتحدي ويقول كيف ليس لديه وقت لنا ولديه وقت للخطب الطويلة، دعه يختصر خطبه ويمنح رسائلنا وقتا أطول.
بيروقراطية النظام، أظهرتها الكاميرا في مكتب تسلم رسائل الرئيس نفسه، من خلال ردود أحد الموظفين الصلفة والمعبرة في الوقت نفسه عن الوضع الاقتصادي المتردي للبنوك، تجاه فلاح يعاني من مديونية تهدد رزقه.
قلت لعائشة سلدانة البريطانية في نهاية الفيلم، ما رأيك في «رسائل الرئيس» قالت جعلتني أشاهد إيران التي لم أزرها، ولكن..
كانت الرسالة الأكثر قوة، قد ادخرها المخرج إلى ما بعد الفيلم، حين ظهر في الشريط المكتوب أنهم طلبوا منه أن يسمي الفيلم «تطبيق الديمقراطية». وكأنه بهذه المعلومة المسربة، يسأل: هل الديمقراطية رسائل الرئيس؟
الرسائل كانت للرئيس، لكنها في الفيلم، كانت للمشاهدين، ليس فقط كي يعرفوا الرئيس، بل ليعرفوا كيف يدير الرئيس الناس عبر رسائلهم، وماذا تحكي رسائلهم من واقعهم. وهل تطبيق الديمقراطية يعني أن ترسل رسالة للرئيس. هل «رسائل الرئيس» دليل الديمقراطية أم دليل غيابها؟

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10543

مدينـــــــة أبـــــــــي

على قبر الوالد في مقبرة بهشت ثامن الأئمة (2009)
على قبر الوالد في مقبرة بهشت ثامن الأئمة (2009)

مشهد مدينة أبي، هذا ما كنت أعتقده، واليوم هذا ما أتيقنه، اليقين يتحقق في لحظتين، لحظة الحب ولحظة الموت، وقد جمع أبي اللحظتين في هذه المدينة، أحبها ليس فقط حد الموت، بل حد أن مات فيها. كانت روحه تسكن حيث سرها المقدس، والمقدس لا يعرف غير اليقين، وروح أبي لم تعرف غير هذا اليقين، يقين دونه الموت والحب.
كانت رهبة الموت تقف بي في صباح جمعة بهشت رضا (مقبرة أو جنة الإمام الرضا) حيث جسده المسجى في كفن الموت، كان مسؤول الموتى يفك رباطة الرأس بحياد الموت وببرودة ثلاجة الموتى، كان قد مضى على راحته 36 ساعة وعلى شقائنا آلاف من ساعات الحزن. ما إن قرأت في وجهه نداوة الحياة الذي توفر عليه بفضل يقين الحب، حتى استحال كل حزني يقين فرح، ذهبت رهبة الموت وحل بياض الأبدية، وصرت أشتاق رؤية طراوة وجهه أكثر، طلبت أن ندخله على الوالدة في غرفتها، لتقرّ عيون قلبها بقين فرح وجهه، حين رأته قالت لم أره شباباً أكثر من هذا اليوم، لن أبكي إلا فراقه، لن أبكي موته. قرت عيوننا بيقين حبه، وحين وضعناه حيث تراب سر المدينة المقدس، لم نعد بحاجة إلى فرح يجيء، فقد وجدناه في وجه أبي.
كنت في الصيف الماضي برفقته طوال شهر أغسطس/ آب في هذه المدينة، كان يقلقني سؤال كيف تكون المدن مقدسة؟ فالمدن مكان الشك والقرى مكان اليقين. كيف صارت مشهد مدينة بعد أن كانت مجرد قرية صغيرة تابعة لطوس القديمة؟ كيف صيّر هذا المقدس (مرقد الإمام الرضا) القرية مدينة فيها مكتبة )مكتبة الأستانة الرضوية) تعد من أهم أربع مكتبات في العالم الإسلامي وتضم 78000 مخطوطة؟
لم أسأل أبي، لم أكن أريد أن أقلق لذة يقينه بلذة شكي، اكتفيت أن أسمع مروياته عن هذه المدينة، وسيرة يقينه فيها. حدثني عن طفولتي التي لا أتذكرها فيها.
كان يحدثني عن عمرانها، فقد كان شاهدا عليه طوال ما لا يقل عن خمسة عقود. فأبي يجد في العمران دوماً ميدان اختصاصه، فالبحرين حين بدأت تدخل ورشة العمران الحديث، كان هو واحدا من الذين انخرطوا في هذه الورشة عبر شركة أحمد منصور العالي، ويحفظ في ذاكرته وأرشيفه مشروعاتها الكبرى التي دخلتها.
هذا الرقم (33567) لن ينساه أبي، إنه رقمه في شركة بابكو التي سيغادرها باكراً بعد سبع سنوات، حاملاً درس هذا الرقم الذي علمه معنى النظام والتخطيط، معنى أن يكون لكل عمل خطة زمنية وخطة تنفيذية وخطة مالية مجدولة.
ظل عمله دوماً في الإنشاءات، كانت البلاد مقبلة على عهد جديد، جيوش الموظفين والمهندسين الغربيين التي ستبني إنشاءات البلاد الجديدة. تريد من يهيّئ لها فللها ومساكنها على مقاس خرائط العمران الغربية، هكذا جاءت مدينة عوالي، كان مازال حتى لحظته الأخيرة يصف لي مواقع البيوت التي أشرف على إنشائها في عوالي. رسم لي جدول العمل، وقال هكذا علمتنا بابكو أن نحسب الوقت بدقة ونضع خطة العمل بوضوح.
أمي تنظر إلى مقتنياته التي تسلمتها من المستشفى بعد وفاته وهي تقول: ”لا يمشي إلا بقلمه وساعته وخاتمه” يجدول الوقت بساعته، ويكتب أحداثه بقلمه، ويحفظه من السوء بخاتمه، هكذا كان يرى الوقت بحاجة إلى جدولة وتدوين وحفظ. في مكتبته أرشيف غزير يحكي قصص إنشاءات أشرف عليها، ومشروعات انخرط فيها، ومراحل كان شاهداً عليها. إنه أرشيف العمران.
يحتوي دفتر دائريه السنوي، كل تفاصيل يومياته، تواريخ سفره ورجوعه وأرقام الاتصالات والأماكن التي يزورها، وفي هوامش الدائري الطرائف التي تمره في قراءاته، وشيء من الفوائد الصحية والنصائح وأسعار السكن، والشيكات المدفوعة والمستلمة والأشخاص الذين يمرون به والذين يتدينون منه.
في سفرته العلاجية للهند قبل سنتين، كتب يومياته في المصحة بطريقة تفاصيل الأرشيف البريطاني، أسماء الأطباء والممرضات والأكلات وتحركاته في المصحة وتقارير الأطباء وتعليقاتهم وأحواله الصحية اليومية. وأجواء المصحة والطقس الخارجي وأحاديثه اليومية، واستجابات جسده.
نقل درس بابكو إلى شركة أحمد منصور العالي وأسس فيها نظاماً دقيقاً، هو حصيلة السنوات السبع التي قضاها في (أكاديمية) بابكو. كان الخال الحاج عيسى الفن يأخذ مقاولات بناء من شركة العالي، لاحظت الشركة أن مناقصاته تأتي محسوبة بشكل دقيق ومجدولة وفق نظام واضح الترتيب. وحين عرفوا أن الوالد هو من يصوغها، جاءه الحاج عبدالعزيز العالي إلى مجلس بيت والده، وطلب منه شخصيا الالتحاق بشركته، كانت مجازفة كبيرة أن يترك بابكو وهو في بداية تألقه ومستقبلها المضمون ينتظره، ليراهن على شركة مازالت واعدة، أصرّ العالي عليه ووعده بمرتب يفوق بابكو، فكان التحاقه بشركة العالي بعد مشاروة والده، وهناك سيعمل مع المهندس البريطاني (إينكل). سيكون درسه امتدادا لبابكو، يقول أبي: إنه مدين لهذا الشخص بكل ما يعرفه في هندسة الإنشاءات، خصوصا عملهم في مشروع (هدم الكوري).
في رحلتنا الأخيرة، حاول ابني باسل (10سنوات) أن يحاكي جده في كتابة مذكراته، فجلس إلى يمينه وأخذ يكتب ”8/8/2008 رحلة إيمانية إلى مشهد مكونة من الجد أحمد والجدة صباح وأبي علي وعمي إسماعيل وعمتي عرفات وعمتي معصومة وعمتي زكية وعمتي زينب وأمي فضاء وابن عمتي هشام وأختي أماسيل وعمتي زهراء وعمتي صفاء.
أقلعت الطائرة من مطار البحرين الساعة الحادية عشر والنصف مساء وهبطت الطائرة في مطار مشهد الواحدة والنص صباحاً وكان باستقبالنا أبو مصطفى، وأول الأحداث هي ضياع هشام لمدة دقائق في المطار ولكن وجدناه بعد ذلك قرب الألعاب. بعد ذلك غادرنا المطار للسكن حيث سكنا في عمارة الإيمان وهنا اكتشفنا نسيان حقيبة جدي أحمد وجدتي صباح في المطار استرحنا حتى الصباح ثم ذهب أبي علي وجدي أحمد إلى المطار واستلما الحقيبة المنسية”.
قلت له: الحفيد سر جده.
وجدت صعوبة كبيرة في قراءة سورة الفاتحة على روح أبي، كنت بحاجة إلى الصلاة من أجل استحضار روحه، لا من أجل شيء آخر، كانت حروف الفاتحة تفتح ذاكرة صوت أبي وهو يقوّم قراءة الفاتحة في لساني، كنا نفترش فضاء السطح العلوي من بيت العائلة الكبير، ونتخذ صفوفنا خلف صلاة أبي، قبل أن يسلمني المهمة تالياً. كلما فتحت فمي لأقرأ انعقد بالبكاء، كأني أفتح دروس أبي التي لم تنته، دروسه حين يحلّقنا حول متن الأجرومية لنقرأه على يدي الشيخ حسين الستري، ودروسه حين كان يفاجئنا بتصحيح أخطائنا في تلاوة القرآن في ليالي رمضان وليس أمامه مصحف. كنا نتعجب كيف يعرف حركات الكلمات ويصوبها من ذاكرته حين نخطأ. كيف حفظ أبي القرآن بهذه الدقة، هو ليس رجل دين، ولم يكن يوما مدرس لغة عربية، وانشغالاته في الهندسة والنجارة والأعمال اليدوية لا علاقة لها بحركات الكلمات، بقدر ما لها علاقة بحركات اليد. لاحقا في مدينته مشهد، سيحكي لي قصته في قراءة القرآن وحفظه على يد ملا علي بن عبدالله بن جاسم.
كان هذا الدرس وحده كافيا، لأعرف البراعة اللغوية التي توفر عليها الوالد، وتقديسه للكتابة والقراءة، ولأعرف مكتبته التي كانت تضم مراجع، لم أكتشف أهميتها إلا حين دخلت الجامعة.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10396

ملاك الشعر ونــــزوة اللــــون

ما الذي يجعل الحرف جزءاً أصيلاً من جمال لوحة لبنى أمين؟ أو دعني أعيد صوغ السؤال، لماذا تجربة لبنى أمين الفنية مفتونة بتشكيل الكتابة في لوحاتها؟ أو دعني أقول الأمر بشكل آخر، لماذا تفتنني الكتابة حين أراها في لوحات لبنى أمين؟

هناك فروقات بين هذه الأسئلة، لكن هناك مشتركاً واحداً هو الكتابة، وأنا أسأل عن الكتابة، الكتابة التي تبدع لبنى في جعلها لوحة أخّاذة بجمالها. وهو سؤال على علاقة بذائقتي الجمالية أكثر من علاقته بتجربة لبنى التي هي أوسع من سؤالي بالتأكيد، فكل متلق يقيم علاقته باللوحة التشكيلية من زاوية إدراكه الخاصة، وزاويتي تدرك اللوحة من خلال الكتابة.لبنى

علاقتي بلبنى تأتي من أفق الكتابة، هي ليست كاتبة وأنا لست فناناً تشكيلياً، لكن الكتابة فن والتشكيل فن، وكلاهما يخرجان الذات من فرديتها الخاصة ويتيحان لها أن تتصل بما يتجاوزها، تعرفت على لبنى من خلال هذا الاتصال الذي وصلني قبلاً بالصديق عباس يوسف وجبار الغضبان، كان محترفهما التشكيلي، ورشة عمل تضج بالكتابة والرسم والتشكيل والمعدن واللون والمرح، أخذتني هذه الورشة إلى تجربة في الاتصال، الاتصال عبر الجماليات، عبر تجلي الجميل، صرنا نقرأ في هذا المحترف ابن عربي وتجلياته التي ترى في كل لون من الخلق مظهراً لجمال من جماليات الألوهة. صرت أحب أن أتعرف على الألوهة، من خلال خلق اللوحة وألوانها المشكلة بحساسية فائقة الإنسانية.

صار الفن طريقي إلى المطلق، صرت أتصل بهذا المطلق عبر الفن، قلت للبنى مرة في رسالة مسجية إن هيغل يقول «إذا بلغ الفن غايته القصوى، فإنه لا يلبث أن يسهم مع الدين والحياة في تفسير المطلق وإلقاء الضوء على جوانبه، وكذلك في إيضاح كل ما يتعلق بحقائق الروح والأفكار الإنسانية الأشد عمقاً»[1].

قالت لي إن صديقك ابن عربي يقول:

وما الوجه إلا واحد غير أنه

إذا أنت عددت المرايا تعددا

هنا تلتقي مثالية هيغل تلتقي مع صوفية ابن عربي، كما تلتقي الكتابة والرسم في قدرتهما على أن يكونا مرايا تفسير للجمال وللمطلق وللغامض وللمجهول وللمستحيل الذي نسعى لبلوغه. يمكنا أن نرى العالم بالفن حين يبلغ غايته القصوى في لوحة يؤلف ألوانها فنان استثنائي، وبالفكر حين يبلغ غايته القصوى في كتابة يؤلف حروفها مفكر استثنائي، كما هو الأمر مع هيغل وابن عربي.

كان ابن عربي يرى «العالم كله مظاهر هذه الأسماء الإلهية»[2] الأسماء التي هي مطلق الكمال والجمال، أو لنقل بعبارة هيغل الفن في غايته القصوى أو لنقل الفن في مراياه المتعددة التي تشكل بإبداعها وجه العالم.

في محترف عشتار كما في محترف لبنى، تجد الكتب في مجاورة جمالية مع اللوحات، تلك تؤلف الكلمات لنرى في مرآتها العالم في أقصى حالاته تجلياً، وهذه تؤلف الألوان لنرى في مرآتها العالم في أقصى أبعاده. في سهرتنا الأخيرة في مرسمها، كانت لبنى تقلب كتبها القديمة وتستعيد تاريخ سيرتها معها، وهي تهيئها للانتقال إلى مرسمها الجديد، قلت لها تخلصي من بعضها كما فعلت أنا مع مكتبتي، قالت لي: لا أستطيع أن أتخلى عن ورقة واحدة فيها، كتبي لوحاتي المكتوبة، أحب أن أرى سيرتي من خلال تآلف هذه الكتب مع هذه اللوحات. الكتب جزء من لوحاتي، وكل جزء مرآة للجزء الآخر. الكتابة مرآة لألواني وألواني مرآة للكتابة.

مهمة الفن والكتابة إعادة «هندسة المعنى»، عبر تداخل الفنون والحقول أو عبر نقل المعنى من حقل إلى حقل، كي يعيد تجديد حياته. في هذه الهندسة وخرائطها الأقل تعيد لبنى وقاسم هندسة معنى الملاك والنزوة، يخرجانهما من الهندسة الدينية وفضاء المقدس والمدنس، أو قل يحرران الملاك من أجنحته الدينية ويمنحانه أجنحة من ألوان وكلمات وتأويل ومعان جديدة. يجعلانه مرآة لحالة تمازج الكتابة واللون.

الملاك ليس فقط روحاً سماوية نورانية لطيفة، كما يخبرنا النص الديني، فالمعجم الذي هو أوسع من النص الديني يخبرنا «المَلاَكُ: المَلَكُ وهو جسم لَطيف نُورَانِيٌ يتشكّل بِأشكالٍ مختلفة/ مَلاَكُ الأمْرِ هو قِوَامُهُ وخلاصَتُهُ أو عنصُرُه الجوهريّ؛ القلبُ مَلاَكُ الجِسْم. مَلاَكُ الْحُبِّ: سُلْطَتُهُ وَقُوَّتُهُ. المِلاَكُ الطريقِ: وسطه/ هذه الناقة مِلاَكُ الإِبل، أي تَتْبَعُهَا الإبلُ» هو روح أيضاً، أرضية تتجسد في شكل سلطة حب أو قوة كتابة أو دفقة لون أو طريق جديد يفتح لك تأويل، تعلمك بما في الأرض وما في الإنسان من أسرار.

هكذا يمكننا أن نتحدث عن ملاك الكتابة وعن ملاك الفن وعن ملاك اللوحة وعن ملاك اللون، فكل هذه الملائكة تتوفر على روح لها أمرها وقوتها وسلطتها وطرقها الجديدة في تأويل العالم.

هكذا الملاك يأخذك إلى ما يفتح عليك وبك، وهو يفعل ذلك بما يتوفر عليه من نزوة، والنزوة ليست الخطيئة، بل الخطأ الذي يجعلك في توثّب دائم وعدم استقرار، إنها هوى التجريب والاكتشاف الذي يجعلك عابراً دوماً بين حقول معرفية وفنية مختلفة وحالات متناقضة.

وفي المعجم «النَّزْوَةُ: الوثبْة، هوى مفاجئ شديد لشيء ما وسُرعان ما يزول؛ هو ذو نَزَواتٍ، أي لا يستقرّ على حال».

وكأن النفري كان بعبارته «العلم المستقر كالجهل المستقر» يريد أن يخلصنا من أوهام Lubna%20AlAminالثبات والاستقرار التي تجعل من النزوة شيئاً شيطانياً عابراً ولا يستحق الاحتفاء والاتصاف. الفن نزوة ملاك، كما الكتابة نزوة ملاك. وهو ليس بالضرورة نزوة شيطان، فشياطين الشعراء يمكن أن تكون ملائكة والنزوة يمكن أن تضاف إلى الملاك أيضاً.

والفن متى فقد نزوته وملاكه صار كالجهل المستقر والكتابة من غير نزوة ملاك يحررها ويفتح لها الطريق جهل آخر مستقر.

يفتتح قاسم ديوانه الأخير «دع الملاك» بقصيدة ملاك:

«دع الملاك يتولاك

يرويك ويروي عنك

دعه، يفتح لك الطريق

ويصقل لك يقظة التأويل

دعه، ينالك مثل برق العشق،

ملاك الكتابة»

«نزوة الملاك» هو الفن في سفره وترحله، وقدرته على أن يكون وسيط اتصال بين العناصر عناصر الكتابة والألوان. الفن بتقلباته وسرعة تحول ألوانه وتلاشيها وانثيالها، من هنا يأتي اسم المعرض المشترك بين ملاك قاسم وملاك لبنى «نزة ملاك».

«الفن هو أيضاً وسائط للسفر والإقامة

حيث العناصر

تتحِول وتتلاشى وتنثال

في خفق المعدن وشهوة الحجر

لوحات مثقلة بالكائنات الشاهقة».

أعود لسؤالي: لماذا تفتنني الكتابة حين أراها في لوحات لبنى أمين؟ يفتنني نزوة ألوانها التي تضج بالملائكة الحافين بها.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=160265

هوامش

[1] هيغل. رياض عوض، ص .258

[2] ابن عربي، الفتوحات المكية، السفر ,11 ص .455

البهائية.. ظَل أم ضلال؟

هل يمكن أن نصف ديناً ما بالضلال؟

هذا السؤال أطرحه في سياق الحملة التي تتعرض لها الديانة البهائية في مصر، ومع الأسف دخول كتاب وصحافيين في سياق تأجيجها، فعلى سبيل المثال الكاتب الصحافي محمود عيسى أورد على «حادث إحراق مواطنين بإحدى قرى محافظة سوهاج بصعيد مصر، لمنازل أربعة من جيرانهم بسبب اعتناقهم البهائية» مجموعة ملحوظات تأجيجية وهي: خطأ توصيف البهائية بأنها ديانة، وجود دعاة ومبشرين لهذا الفكر الضال، وأن هناك إغراءات غالباً ما تكون مادية لجذب هؤلاء البسطاء، لأنه ليست ثمة مغريات روحانية في فكر البهائية. المؤسسة الدينية كان يفترض أن تكون أكثر يقظة، ولديها خطط لمواجهة هذا الانحراف الخطير، لأنها ستصنع من أصحاب هذه الضلالة أبطالاً وشهداء[1].

من الناحية الدينية يمكن أن نصف دين ما بالضلال، بل كل الأديان تصف الأديان الأخرى التي تليها بالضلال. لكن لا يمكن ذلك من الناحية المعرفية ولا من الناحية السوسولوجية ولا من الناحية القانونية خصوصاً المتعلقة بحقوق الإنسان. والناحية القانونية ليست هي الناحية الشرعية الدينية. القانون مفهوم حديث يشير إلى ما يبتكره العقل البشري من ضوابط لتنظيم الحياة تنظيما حراً يكفل للإنسان الأمان والعيش بحرية وعدالة، والقانون اجتهاد بشري قابل للتعديل، وتعديله ليس ضلالاً ولا هرطقة، لكن الشرع لا يمكن تعديله، وما يليه من شرع آخر يعتبر ضلالاً وهرطقة.

الدين البهائي من الناحية الاجتماعية هو جماعات بشرية من أعراق مختلفة تمارس حياتها وفق تعاليم تعتقد أنها من الله، ولها طقوسها ونصوصها وأنظمة اتصالها ورؤيتها للعالم. لا يمكن أن نصف هذه الجماعات بالضلال، فالقانون العام الذي يحكم أية دولة عصرية، يحتم حماية الجماعات المختلفة في مفهومها للضلال. لا أن يتبنى وجهة نظر جماعة دينية في مفهومها للضلال ضد جماعة أخرى، لذلك فالدولة الحديثة محايدة تجاه الأديان.

في الفيلم القصير الذي أعده المدون أحمد عزت، كانت الفتاة البهائية تقول «موش حاسة أنا في مجتمع طبيعي» وكان الشاب البهائي يقول «البهائيون يسمح لهم أن يعيشوا لكنهم غير موجودين في نظر الدولة»[2].

إذا كانت الدولة ترى جماعة دينية أنها ضالة، فإنها لا تستطيع أن تنظر إليها، والنظرة اعتراف بالجماعة، والجماعة متى فقدت اعتراف الدولة بها، لا تستطيع أن توجد وجوداً طبيعياً في المجتمع. الدولة بنت القانون الحديث، لا بنت الشرع.

الشرع يعترف بالإنسان وفق مفهومه للضلال، والدولة تعترف بالإنسان وفق مفهومها للشخص، الشخص هو ذات لا يوصف بالضلال والهداية بل يوصف بالوجود والعدم. متى كان موجوداً تعترف به الدولة في سجلاتها، ومتى مات سقط من سجلها ودخل في أرشيفها.

الدين في مفهوم الدولة ليس مجموعة اعتقادات نصفها بالحق والهداية أو بالباطل والضلال، الدين مجموع حيوات البشر بأشكالها المختلفة، ولهذه الأشكال حق الوجود والاعتراف في الدولة.

شخصياً لي تجربتي القريبة جداً من البهائيين، وقد قابلت الكثير منهم وحضرت حفلات زواجهم ومناسباتهم الدينية وجلساتهم الاجتماعية. وهي معرفة تتيح لي أن أكوّن معرفة عملية بطبيعة المناخ الديني الذي يحكم رؤيتهم ويضبط نظامهم الأخلاقي. وهو نظام شديد الصرامة من حيث العفة والروحانية ويعوّل دوما على الصوت الداخلي للفرد. وعلم الاجتماع يعلمنا أن الأقليات دوماً تعوّل على النظام الأخلاقي الداخلي أكثر من النظام الخارجي كما هو الأمر مع جماعات الأكثرية.

والبهائية ليست استثناء في ذلك، فهي لو تحوّلت في أي مكان إلى أكثرية سينطبق عليها القانون الاجتماعي في التحول إلى نظام له سلطته الخارجية أكثر من سلطته الداخلية. وهي ليست استثناء أيضاً من الأديان فيما يتعلق برغبتها في الانتشار واعتقادها بالأفضلية والعقلانية والشمولية والحقانية والمحاججة اللاهوتية واعتبار دينها خلاصاً للبشرية، واعتماد الأمثلة والقصص والمجازات والأحلام في عملية الإقناع والتربية.

في إحدى حفلات عقد القران البهائي بالبحرين، كنت والصديق علي الجلاوي الذي أصدر كتابه عن البهائية في البحرين، لفت انتباهي في هذا الحفل الحضور الطاغي للغة العربية، حتى في صيغة عقد القران والأدعية التي تقرأ معه، رغم أن جميع معتنقي البهائية بالبحرين من أصول إيرانية. كان الدعاء الذي قرأ في جلسة العقد: «إلهي إلهي هذان القمران قد اقترنا بحبك واتحدا في عبودية عتبة تقديسك واتفقا على خدمة أمرك. فاجعل هذا الاقتران تجليا من فيوضاتك» علق الدعاء في قلبي مباشرة، كما يعلق قمر في قلب عاشق، وذلك لفرط الحب والروحانية التي تفيض بها كلمة «القمران».

الديانة البهائية كما عايشتها عن قرب، تفيض بهذه الروح القمرية، بل إنها تُقمر في الإنسان، وتجعل روحه قمرية، في إحدى زياراتي أهداني الصديق البهائي «ورقاء» كتاب مثنوي، قال لي الدين البهائي يعلمنا المحبة والعشق، محبة النور والبهاء والإنسان، ستجد جلال الدين الرومي، يعبر عن جوهر ذلك في ديوانه هذا. فتحت الكتاب فقرأت جلال الدين يقول «عن ماذا تبحث فأنت ذاك». كل الأديان تبحث عبر الإنسان عن الله ذلك المطلق، فكل طرق البحث تستحيل فيك ديناً وطريقا يصلك بالله.

كان المتصوف الكبير ابن عربي يقول «قل في الكون ما شئت»[3] لن تضل طريق الله، فالله في كل الكون، وكل قول تقوله سيصلك بالله من أي جنبة كانت.

يقول بهاء الله «إن الكلمة هي المعلم الأول في جامعة الوجود وهي النقطة الأولى التي ظهرت من الله. كل الأسماء نابعة من اسمه والبدايات والنهايات لكل الأمور في قبضة يده[4]».

والمتصوف المسلم ابن عربي كان يرى في الأسماء الإلهية مظاهر وجود الله، وكان في كتابه فصوص الحكم يقدم قراءة للعالم والوجود من خلال أسماء الله، باعتبارها مجازات وطرق لرؤية العالم وفهمه والعيش فيه.

هل يمكن أن نصف دين ما بالضلال؟ إذا كان ثمة ضلال، فهو أن لا ترى ظلال الله في كل الطرق وفي كل الأغصان التي تحدث عنها بهاء الله في ندائه للعالم «يا أهل العالم إنكم ثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد ورود بستان واحد وقطرات محيط واحد فلتتخلقوا بالمحبة الكاملة والاتحاد والصداقة والفهم»[5].

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10257

 

هوامش

[1] محمود عيسى، الفتنة البهائية، جريدة الوطن القطرية، 10-4-,2009

http://www.al-watan.com/data/20090410/innercontent.asp?val=writer/mahmodesa1_1

[2] انظر:

http://www.youtube.com/watch?v=drAe_hSCaxI&feature=PlayList&p=841A4BCE9E873E26&index=0&playnext=1

[3] ابن عربي، فصوص الحكم.

[4]، [5] انظر:

http://rands1957.spaces.live.com/blog/cns!7CE1906B800AE160!128.entry?_c=BlogPart