أرشيف التصنيف: مقالات

وهم الخديعة الكبرى

هناك صناعة مبدعة للأوهام، وهناك عقول جبارة تنتجها وتروجها وتدير عبرها الواقع. وحياتنا بدون هذه الأوهام تكاد تكون مستحيلة، فنحن لا يمكن أن نتخيل حياتنا من دون أوهام شركات الدعاية والإعلام، وبدون أوهام الدعاة التي تضمن لنا الجنات الخالدة وتمحنا الامتيازات المتفردة، ولا حتى بدون أوهام رجال السياسة التي تجعلنا مسؤولين عن العالم وعن تغييره وحتى لو كانت النتيجة تدميرنا. لكني لا أتكلم عن صناعة الأوهام وترويجها، بل أتكلم عن الأوهام التي تنتج عن بعض الأمراض النفسية التي يصاب بها بعض الناس، والأوهام التي يحملها صاحبها نتيجة الشطط والمبالغة في التقدير والتفكير "ثمة أوهام تنتج عن بعض الأمراض النفسية يصاب بها بعض الناس، وثمة أوهام يحملها صاحبها نتيجة الشطط والمبالغة في التقدير والتفكير"[1]

(الخديعة الكبرى) نتاج هذا النوع من الأوهام، أوهام الشطط والمبالغة في التقدير والتفكير، والوهم الأكبر أنها تعتقد أن القضية منطقيا الآن يجب أن يكون موضوعها التحقيق في دعاوي كتابها عبر لجنة يمثلها الملك والشيخ أحمد عطية الله حافظ أسرار الملك ومستودع أمانته.

هي تدعوك لتحقق في أوهامها، لا أن تحقق في مرضها، وأنا هنا لا أقصد المرض النفسي بمعناه الطبي لأني لست طبيبا، لكني أقصد المرض النفسي بمعناه الفكري، هي تدعونا للتحقيق في أوهامها باعتبارها أطروحات فكرية معقولة ومتماسكة، وإذا لم نستجب لذلك، فوهمها يصفنا بأننا نتعمد حرف الموضوع والابتعاد عن القضية الرئيسة والمهمة. هي تريد أن تقرر أين تضع الجميع وفق خارطة وهم خديعتها الكبرى.

مصدر الوهم يمكن التحقق منه ودراسته فهو يشكل موضوعا للطب النفسي ولعلم الاجتماع وكذلك لعلم تحليل الخطاب. فالوهم مادامت تنتجه ذات وتصدقه فهو مرض يختص به الطبيب النفسي، ومادام هذا الوهم يتعلق بمعتقدات جماعية ويصدر عن تصورات جماعية فلعلم الاجتماع أن يهتم فيه بوصفه ظاهرة اجتماعية، ومادام هذا الوهم مصاغ في خطاب مكتوب فلعلم تحليل الخطاب أن يدرسه ويحلل تركيبته الخطابية.

الوهم بالنسبة لهذه العلوم موضوعا للدراسة من أجل فهم الإنسان والمجتمع والجماعات الخلاصية وأمراضها. من هنا فخطاب الخديعة الكبرى يصلح أن يكون موضوعا لهذه العلوم، ولا يصح أن تتعامل هذه العلوم معه كأطروحة فكرية متماسكة وجديرة بالنقاش والرد، من هنا فدعوة الكاتبة لا تصح علميا.

كيف يمكن أن نحقق في دعاوي لا يحتملها منطق مجريات الأحداث السياسية اليومية، من مثل "حركة حق الأكثر تورطا في التعاون المباشر مع المخابرات الامريكية عبر وسطاء منهم (البندر وآخرين) وحسن مشيمع وعبد الجليل  السنكيس معروفان بتنسيقهما مع الهيئات الامريكية وسفرهم المتواصل للغرب… الحركة الشيرازييه بقيادة الشيخ محفوظ والسيد جعفر العلوي لها دور في هذا المخطط الإنقلابي وهو يتناسق مع أهداف المخابرات الامريكية التي تستهداف الجمهورية الاسلامية مع ولاية الفقيه"[2]

وفي مقابل هذا التواطئ، يبرز الشيخ أحمد عطية الله ضحية عليها أن تدلي بشهادتها لتأكيد حقيقة تواطئ هذه الشخصيات مع المخطط الأمريكي "الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة هو المؤهل لتمثيل الملك في لجنة التحقيق لكشف المخطط، لقد جاء تقرير البندر لدق اسفين بين الشعب وهذه الشخصية" (انظر الكتاب، ص493)

لن أحتاج إلى صياغة حجج منطقية للتدليل على أن صاحبة (الخديعة الكبرى) تصدر عن وهم، وهم مصاغ في خطاب ميلودرامي، المركز فيه هو ذات الواهمة أو المتوهمة المتورمة بالشطط، يأتي هذا الشطط في تشكيلة خطابية مكونة من الأحكام والتنبؤات والاتهامات والقذوفات والتخوينات والفضائحيات التي لم تستثن جهة ولا شخصية سوى المجلس العلمائي وجلالة الملك والشيخ أحمد عطية الله، كل ذلك من أجل أن تنسج مؤامرة كبرى تزعم أنها تستهدفها وتستهدف من خلال اختراقها البحرين. بل إن الأحداث العالمية لا يمكن تفسيرها إلا من خلال تحركاتها التي لا مكان فيها للصدفة "هل من عجائب الصدف التي لا تعترف بها المخابرات الامريكية أن الكاتبة (نرجس طريف) كانت قبل يوم واحد فقط من حادثة تدمير البرجين في الولايات المتحدة الامريكية في رحلة قصيرة لإعادة إبنتها إلى البحرين"[3]

        جميع الشخصيات الواردة في الكتاب تقوم بأفعال غالباً مركزها ذات الكاتبة، وهي لن تتردد في استخدام أي شخصية استخداماً غير أخلاقي من أجل أن تحبكها ضمن سياق المؤامرة التي تستهدف اختراق جدار الكاتبة المحصن بالذكاء والوعي واليقظة والقدرة على الكشف وقلب قواعد اللعبة، لقد قادها هذا الذكاء لاكتشاف موظفين مندسين يعملون في مؤسستها "اكتشفت الكاتبة أكثر من خمسة عملاء تولوا مراقبة ورصد تحركاتها على مدى ثمانية سنوات منذ خروجها من السفارة"[4]

إن خطاب الوهم، لا يعرف حداً عقلانياً يوقف به جموحه المخترق للمكن وللمستحيل، هكذا يضرب يمينا وشمالا فـ"منصور الجمري وجريدة الوسط ضالعة في إنجاح المخطط الامريكي الانقلابي وهو يدعم السفارة إعلاميا من أجل انجاح هذا المخطط … جمعية الحور النسائية التي تديرها زوجة أحد القضاة (الشيخ حميد المبارك) احدى الواجهات السفارية غير المعلنة … زهراء مرادي احد اتباع السفارة السريين المنتسين في الوفاق"[5]

في مقالة سابقة تساءلت: هل لدى سياسينا خيال؟ وكنت أدافع عن أهمية الخيال وقدرته على أن يمكننا من فهم الواقع وكيف أنه يسمح لنا بأن نحلم بتغيير الواقع لا تغييبه. ما يغييب الواقع هو الوهم لا الحلم، فـ "الوهم حلم كاذب ، حب تكشَّف عن خيانة ،ومن يحمل الوهم لا يعرف أنه وهم ، بل يعتبره حلماً وطموحاً وسعياً مشروعاً، وبعد ذلك يأتي الانكشاف والتثبت. بين الحلم والوهم خيط رفيع ، ثمة أرجوحة تنقل الحلم الى مكان الوهم، والوهم الى مكان الحلم"[6]

الأكيد أن الخديعة الكبرى، أخذته الأرجوحة إلى مكان الوهم، هناك يسقط العقل وحين يسقط العقل، لا يعود ثمة واقع، لقد أسقط الوهم الكاتبة في خديعته الكبرى، فراحت تطلق عقلها وتطلق معه أوهامها، ووفق هذه الأوهام راحت تتخيل الحكومة الجديدة " وزيرة الاعلام في الحكومة الجديدة التي ستتولى حكم البحرين بعد تنفيذ المخطط الإنقلابي المدعوم امريكيا وصهيونيا هي باسمة القصاب التي تمثل الخلاص الامريكي  فهي لديها مؤهلات شخصية وتدريبها المهني لهذا الدور اخذ يتصاعد تدريجيا في الفترة الآخيرة من خلال بروزها الإعلامي والصحافي الذي دشنته الرواية الامريكية التي سوقتها باسمة، و الدكتورة صفية البحارنة وزيرة للتربية، ود. بتول أسيري وزيرة للمالية والاقتصاد" [6].

كل الحوادث توضع على مقياس سرير هذا الوهم، كما هو الأمر مع سرير بروكست قاطع الطريق في الأسطورة الرومانية، الحادثة التي تقصر عن طول هذ السرير تُمط بقوة الوهم، حتى تأخذ مقاس السرير، والحادثة التي تطول على السرير، تقطع بقوة الوهم لتكون بمقياس السرير بالضبط. تباً لهذا السرير الذي يفصل الوطن على مخدعه ليوهمه بالخديعة.

هكذا يفسر هذا السرير النرجسي نشر صور الملك "نشر صور عملاقة للملك في كل شوارع البحرين على غرار صور الطاغية صدام حسن، يقف وراءها رجل الدولة الأقوى رئيس الوزراء بقصد أن يحفر له خاتمة كخاتمة صدام" [7].

والآن، من كان منكم عاقلا، فليحقق في هذا الوهم.

هوامش

[1]،[6] جورج طرابشي، صناعة الأوهام.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=32024

[2] نرجس طريف، الخديعة الكبرى، دار الإبداع (وهي دار وهمية)،ص 449 

[3] المصدر نفسه، ص436

[4] المصدر نفسه، ص373

[5] انظر المصدر نفسه، الصفحات: 448،377،251

[6] المصدر نفسه،ص448

[7] المصدر نفسه، ص241

 

 

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10185

هذا هو اسمك.. الخديعة الكبرى

 

تدعو نرجس طريف في كتابها الصادر حديثاً (الخديعة الكبرى)، إلى تشكيل لجان تحقيق في دعوى كتابهاuntitled.
ما هي دعواها؟
هناك خديعة كبرى تقودها الولايات المتحدة الأميركية لخلق نظام سياسي جديد في البحرين يتفق مع خططها المعلنة عن الشرق الأوسط الجديد. والخديعة مرتبطة بمؤامرة خفيّة متصلة بتنظيم ديني (جماعة السفارة أو الأمر) كانت تعمل قبل تخلصها من الصبغة الدينية وفق عقيدتها السريّة على تمهيد أرض مملكة البحرين (فدك الصغرى) لتكون بمثابة قاعدة مناصرة لدول الإمام المهدي (الإمام الغائب حسب عقيدة الشيعة الإثني عشرية) على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية (فدك الكبرى). ويكشف الكتاب خيوط الخديعة عبر استعراض وتحليل لأهم التقارير التي تتناول الأوضاع السياسية والأمنية لمملكة البحرين مثل تقرير البندر وتقرير مركز أوال، وهذا التقرير أعدته صاحبة الكتاب وكانت قبل نشر الكتاب تنفي بإصرار مسؤوليتها عنه وتهدد بمقاضاة كل من يتهمها علنيا بذلك[1].
هي تدعو في نهاية الكتاب إلى لجنة تحقيق في كل ما ورد في الكتاب، تتشكل من أعلى رأس في الدولة، وبعض الأطراف الدينية والسياسية الفاعلة كشخصية الشيخ علي سلمان. وتمهيدا لهذه اللجنة الأهلية، هي تدعوني وتدعو مجموعة من الكتاب ممن وردت أسماؤهم في الكتاب إلى تكوين لجنة تحقيق تخضع الكتاب إلى التمحيص.
لماذا لا يمكنني قبول دعوتها؟
أنا لا يمكنني قبول دعوتها لأنها قائمة على وهم، وعلى استخدام غير أخلاقي لاسمي في سياق تعزيز تأويلات أوهامها الكبرى.
لا أكتب عن كتاب الخديعة الكبرى تفنيداً للوهم الذي يقوم عليه، ولا استجابة إلى التحقيق الذي دعت صاحبته أطراف عدة إلى فتحه، ليس الأمر كذلك، ولو لم يرد اسمي ورودا لافتاً ومزعجاً فيه، لما كتبت عنه. فالنقد وهي مهمتي التي عرفتني بها الكاتبة في كتابها ذي الصفحات الـ ,500 لا يرد على الوهم أو الشخص الواهم، بقدر ما يتخذه موضوعا لدراسة كيف يشتغل الوهم في إنتاج خطاب الشطط والمبالغة في التقدير والتفكير. وخطاب الخديعة الكبرى نموذج للوهم الذي ينتجه الشطط في اصطناع المخاطر والتحذير من الكوارث.
سأشير في هذه المقالة إلى الاستخدام غير الأخلاقي لإسمي، وفي مقالة أخرى سأشير إلى وهمها الكبير. ليس لأن اسمي ماركة مسجلة، وليس لأنه يحمل قيمة رمزية، بل لأنه اسمي الذي يحمل شخصيتي الاعتبارية أمام الناس وقد ورد توظيفه توظيفا غير أخلاقي في الكتاب عشرات المرات، ويحمل كذلك موقفي الفكري من تنظيم جماعة الأمر ومن تجربة خروجها من الجماعة، وهي تفتتح الكتاب في فصله الأول بالحوار الذي أجريته معها في 1999 وهو يحمل هذه المرة اسمي الذي كان غفلا سابقا، ويحمل جزءا من خطابي تجاه تجربة الجماعات وتشكلاتها.
هي لم تسئ لشخصي طوال الكتاب، بل إنها نزهتني وبجلتني ومع ذلك هي استخدمت اسمي استخداما غير أخلاقي. من الصفات التي أسندتها لي في إطار التبجيل والتنزيه وظللت ترددها طوال الكتاب في متنه وهوامشه الحافلة بالإحالات الشخصية والسيرية (وهي من تعرف جيدا مبادءه وأخلاقه. كانت أخلاق التزام، الحداثي المحايد، الوسيط الذي يصعب اختراقه. شخصية يصعب تطويقها بالنفاق السفاري حتى لو صعب عليه اكتشافه، الناقد الحداثي) [2] هي صفات في الحقيقة تمجد بها خطابها عبر تمجيدي، هي لعبة خطابية، وكأنها تسند لخطابها هذه الصفات، باعتباري الناقد الحداثي الأخلاقي المحايد الذي حاور تجربتها وكتب ضد خصومها. والحوار يتضمن اعترافا بجدارة من تحاوره وأهميته، فإذا كان من يحاور نقادا ومحايدا وحداثيا، فهو يحاور من موقع قيمة تجربتها وخطابها وحمولاته الفكرية.
لقد استخدمت اسمي في كتابها استخداما غير أخلاقي، لأنها وظفته في سياق حربها الشخصية مع جماعة الأمر (السفارة)، وهي من جانب آخر لم تستأذني في نشرها حوار (تعاقبات العمى والبصيرة) باسمي الشخصي الذي كان غفلا حين نشرناه في الانترنت في ,1999 ولم تستأذني في استخدام مراسلاتي معها، ولا في استخدامها للنقاشات والحوارات والمسجات التي جرت بيننا، ولم تراجعني حتى في التدقيق في صحة بعض الحوادث والمعلومات التي ورد فيها اسمي وأسماء أخرى، وفي كثير مما نقلته أخطاء فادحة، وفي كلها تأويلات مريضة، وحبكات شططها يفوق الوهم ويقترب من حد الهلوسة.
هناك إساءات شخصية وأحكام بالنفاق والغرور والاندساس والعمالة والسفارة وجهتها لزملاء وأصدقاء قريبين مني، وقد استخدمت اسمي استخداما غير أخلاقي لتثبيت دعاواها عليهم، فالصديق حسين مرهون، منافق وسفاري مندس[3] ويتخذ من الحداثة غطاء لمحاولة اختراقي واختراق الوسط الثقافي من أجل الوصول إليها لمعرفة تحركاتها ومحاولة ضربها، من أجل توصيل القيم الأميركية الجديدة المضادة لقيم القيادة المركزية التي تحملها مدرسة الإمام علي والإمام المهدي ومدرسة الإمامة.
ولا تستبعد في تأويلاتها المستمرأة بالأوهام أن يكون مرهون المنافق المندس الذي تمكن من أن يكون أحد مشرفي بحرين أونلاين هو المسؤول عن تدمير بحرين أونلاين وضياع جزء من أرشيفها في فترة من فترات نشاط الكاتبة المحموم ضد السفارة. وقد خصصت لمرهون عشرات الصفحات والهوامش، كي تثبت نفاقه واندساسه وعمالته، مستخدمة في كل ذلك اسمي استخداما غير أخلاقي، ولم تتحرج أخلاقيا في الاستشهاد بأحاديثي العابرة ما تضمنته من معلومات عفوية لتصوغه في حبكة تأويلاتها الشاطة حد الشطة.
هكذا يكون مرهون أحد الشركاء الفاعلين في الخديعة الكبرى، بخطابه الحداثي وعلاقته المباشرة بي ومحاولاته لاختراق الوسيط الناقد الحداثي المحايد، يبدو أني كنت وسيطا في استخدامها غير الأخلاقي لاسمي، وهي كي تغطي على هذا الاستخدام غير الأخلاقي من قبلها، حاولت أن توهمنا بأني كنت استخدم كوسيط من قبل المندسين السفاريين. من المرجح أن اسمي قد ضاع وسط هذه الاستخدامات الوسيطة.
هكذا يحضر اسمي لتعزيز شهادتها على الخديعة الكبرى، وما دامت الخديعة الكبرى غير أخلاقية، فلتكن وسائل كشفها غير أخلاقية أيضا، وكان اسمي إحدى هذه الوسائل.
ولا عزاء لمن ضاعت أسماؤهم وسط أوهام الآخرين، سوى أن يرددوا فوق جدارية درويش:
هذا هو اسمك
قالت امرأة وغابت في ممر بياضها
هذا هو اسمك، فاحفظ اسمك جيدا
لا تختلف معه على حرف
ولا تعبأ برايات القبائل،
كن صديقا لاسمك الأفقي
جربه مع الأحياء والموتى
ودربه على النطق الصحيح برفقة الغرباء
واكتبه على إحدى صخور الكهف،
يا اسمي: سوف تكبر حين أكبر
سوف تحملني وأحملك…

هوامش
[1] أحمد رضي، عرض كتاب الخديعة الكبرى، جريدة الوقت، العدد 20 ,1124 مارس 2009
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=156349&hi=
[2]، [3] انظر: نرجس طريف، الخديعة الكبرى، دار الإبداع (وهي دار وهمية مثل مركز أوال الوهمي)، الصفحات 339- .360

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10111

هل لدى سياسيينا خيال؟

 

«الخيال ليس إلا العقل في أكثر حالاته قوة وإثارة».[1]
«في الأحلام تبدأ المسؤولية. لا يمكن أن تنشأ المسؤولية بلا قدرة على التخيل»[2].
لماذا يحتاج السياسي إلى الخيال؟ لأنه الأكثر مسؤولية عن الواقع، والواقع لا يقبض عليه، بل يُقترب منه بخطط تصنعها الأحلام، ويوسّعها الخيال. «يرتبط الحلم ارتباطاً وثيقا بالخيال، ويمكن تعريف الحلم بأنه خيال يسعى إلى هدف، أمنية يتلبسها طموح، رغبة ما لتجاوز ما هو قائم إلى شيء آخر»[3] السياسي الذي لا يتوفر على هذه القدرة. يفلت منه الواقع وينعدم عنده الحس بالمسؤولية العاقلة بالخيال. فلا يمكن لك أن تعقل الواقع من غير صور الخيال، التي تتيح لك اللعب فيه وإدارته، بل وصناعته. العقل ينشط ويمارس فاعليته المسؤولة بالخيال، وينشط كذلك ويمارس فاعليته بالمتخيل، لكنها فاعلية غير مسؤولة، ذلك لأن المتخيل نشاط جمعي يقوم على تصورات وجدانية غير حقيقية وغير واقعية، والمتخيل يجد تصوراته الأثيرة في التاريخ، التاريخ يمده بوقائع لم تحدث وشخصيات لم توجد، وأحداث مختلقة وسير مركبة، وبطولات وهمية. الخطاب السياسي العربي في مجمله موجه في الغالب إلى جماهير تعيش في التاريخ المتخيل، لذلك ينشط هذا الخطاب بالمتخيل الجمعي لا بالخيال الفردي. الخيال نشاط العقل الفردي حين يحاول أن يدرك المستقبل أو يفسر الماضي، أما المتخيل فهو نشاط البنية اللاشعورية الجماعية حين تحفزها صور رغبوية في التاريخ، أي التاريخ كما نرغب أن يكون أو أنه قد كان.
كما هو حلم الجماعات الدينية في استعادة دولة الخلافة الراشدة وعصور الإسلام الذهبية ودولة الإمام علي ودولة الرسول. الأمثلة على الخطاب السياسي الذي يشتغل بالمتخيل لا بالخيال كثيرة، مثلا الخطاب السياسي الطائفي بين الخصوم السياسيين، يقوم على إذكاء المتخيل التاريخي لصراع الطوائف السياسي والديني وفقه هذا الصراع، ولعل في تحديد عالم الاجتماع العراقي فالح عبدالجبار لمقوم الطائفية ما يؤيد ذلك، فهو يقول «رغم أن الطائفية تقوم على إذكاء الخلاف الديني فقها ومؤسسات، فإنها في واقعها صراع مرير على الموارد والسلطة».[4] السياسي في صراعه المرير على الموارد والسلطة يُشغل معجم المتخيل من قبيل (الفرقة الناجية، أهل البدع، النواصب، نصرة الطائفة، أهل الجماعة، الدفاع عن السنة، سب الصحابة، كسر ظلع فاطمة، الكفر، الروافض، الخطر الشيعي، ولاية أهل البيت، التبرؤ والتولي، طاعة ولي الأمر، الصفويون، أبناء المتعة). مفاهيم هذا المعجم ومفرادته، تشتغل في الخطاب السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر، لا تتوفر هذه المفاهيم على خيال ينتج صوراً ترسم للفاعل السياسي وشارعه الملتهب مستقبلاً محكوما بالمسؤولية والحيوية والإثارة، إنها تستعيد حروبه التي لا تنتهي، وصراعاته السياسية الأزلية. السياسي حين يفتقد الخيال يستعين بهذا المتخيل كي يعود بواقعه للوراء. الملك الحسن الثاني، في خلافه مع الإمام الخميني، استند في خطابه السياسي إلى تمثيل نفسه بمتخيل الخلافة الديني، أمير المؤمنين المدافع عن أهل السنة وعن المذهب المالكي ضد انتشار التشيع الذي ازدادت حدته بعد انتصار ثورة الإمام الخميني. وانحدارهما من سلالة السادة لم يزد خطابهما السياسي إلا تنافسا ونفرة. والأزمة السياسية الحالية بين المغرب وإيران، تعود في جانب منها إلى صراعات هذا المتخيل في الخطاب السياسي. الخيال يُوسّع الواقع ليستوعب الجماعات المختلفة والمتخيل يضيّق التاريخ والواقع. إحدى أزمات خطابنا السياسي أن خطب الجمعة هي إحدى مكوناته بل هي مرجعيته، وعلاقة المسجد بالتاريخ تقوم على التقديس المتخيل، وعلاقته بالواقع تقوم على الحلال والحرام والظالم والمظلوم، والحق والباطل، لا وسائط بين هذه الثنائيات. المتخيل، يمكن أن يكون مُكوّنا فاعلا في خطاب الثورات والانتفاضات والمقاومات، لكنه لا يمكن أن يكون كذلك في خطاب الدولة والاستقرار والمجتمع المدني إلا حين يوظف بمسؤولية عاقلة، حينها يكون خيالا يفتحنا على المستقبل.
المتخيل في خطاب السياسي يحرض جمهور شارعه على القيام برد فعل نافر (صدامات، تسميمات، تهويشات، تخريب إعلانات، ترويج إشاعات، طرد من مجالس، تسقيطات..الخ) لكل من يصنفهم مخياله الجمعي بأنهم أعداء.[5]
خطاب النائب البرلماني الشيخ جاسم السعيدي، نموذج للخطاب السياسي الذي يشتغل بالمتخيل في إنتاج أفعال نافرة في الحياة السياسية بين الجماعات المختلفة دينيا وعرقيا وثقافيا، وبيانه الأخير عن احتفالات عيد النيروز يضج بهذه الأفعال النافرة «جميع الاحتمالات ستكون مفتوحة في حال تم السماح بالاحتفال بهذا العيد أو الترخيص لأية جهة للاحتفال به، على أية جهة رسمية قد رخصت لهذا الاحتفال أن تسحب ترخيصها فورا وإلا فإنها ستعرض نفسها للمساءلة النيابية.. لا يعقل أن يتم الاحتفال بمثل هذه الأعياد في دولة إسلامية والشريعة الإسلامية مصدر تشريعها وتقام فيها مثل هذه الاحتفالات المحرمة شرعا».[6] المتخيل الديني والتاريخي للدولة الإسلامية والشريعة في هذا الخطاب السياسي غير المسؤول، يضيّق الواقع والدولة والمجتمع والأعياد، على العكس من ذلك فالخيال في خطاب السياسي يحرّض جمهور شارعه على القيام بأفعال يرون من خلالها واقعهم بشكل مختلف، ويرون مآزقه الحقيقة في الحاضر لا في الماضي، ويسعون إلى توسيع هذا الواقع عبر القبول بالجماعات المختلفة معهم، ويعددون من إمكانات الحلول لأزماتهم السياسية.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10058

هوامش
[1] وردزورث، من كتاب الخيال: من الكهف إلى الواقع الافتراضي، شاكر عبدالحميد.
[2] هاروكي موراكامي، رواية كافكا على الشاطئ، ص.192
[3] جورج طرابيشي، صناعة الأوهام.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=32024
[4] فالح عبدالجبار، من يعيد تأسيس الوطنية العراقية؟،
http://www.iraqiwriters.com/inp/view.asp?ID=1586
[5] باسمة القصاب، مخيال الشارع الانتخابي، صحيفة الوقت، العدد 25 ,278 نوفمبر 2006
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=28095&hi
[6] جاسم السعيدي، من بيان أصدره مكتبه، وأرسل إلى الصحف المحلية.

ما الذي لا نحترمه في السلطة القضائية؟

هذا السؤال، استوحيته من ظلال متابعتي لقضية الزميلة لميس ضيف، فالقضايا متى ارتبطت بأحداث تجري في الميدان العام المشترك، تطرح معها أسئلة هي أبعد من الأطراف المشاركة في صنع الحدث. والأبعد في سؤالي يحاول أن يفهم العبارة الشديدة التداول وهي عبارة ‘’نحن نحترم القضاء، ونثق فيه’’.
ما الذي نحترمه في القضاء وفي السلطة القضائية؟ هل هذه العبارة تعني فعلاً ما تقوله؟ أي هل هناك احترام يحمل درجة من القناعة الداخلية بالسلطة القضائية؟ أم هناك مراوغات خطابية؟ بمعنى هل نحن نقول هذه العبارة، لأننا نخشى من سلطة القضاء والقضاة، ونخاف أن نتورط في التفوه بجمل قد تعتبرها هذه السلطة مساساَ بها؟ أم نحن نقول هذه العبارة لأننا نثق بقضائنا وبنزاهته؟
يبدو في سياقنا، أن الأمر لا يمليه الاحترام، بقدر ما تمليه لا سلطة القضاء وهيبته بل تسلطه ونفوذه. هل علينا مثلاً أن نحترم سلطة القضاء الذي أصبح طرفاً وخصماً في قضية الزميلة لميس ضيف؟ وننتظر بفعل هذا الاحترام وما يستلزمه، رأي القضاء في قضية هو طرف فيها. لا أملك جواباً على ذلك أكثر من أسئلة أحركها من أجل فهم ما نحترمه في السلطة القضائية.
ولكي أفهم ما الذي أحترمه في السلطة القضائية، ربما من المفيد أن أفهم ما الذي لا أحترمه في السلطة القضائية.
لقد فصّل منتسكيو السلطة الكلية في الدولة إلى ثلاث سلطات. السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وهو بهذا الفصل قسّم الاحترام من أن يكون في رجل واحد يملك كل السلطات، صار الاحترام موزعاً على ثلاث جهات لها شخصياتها الاعتبارية. وقد خص منتسكيو شخصية القضاء باحترامها الخاص. والذي يهدد هذا الاحترام ليس الصحافة، بل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، متى أخلتا بشيء من استقلال السلطة القضائية تحت أي ذريعة من الذرائع. خصوصا ذريعة التعاون.
يقول منتسكيو مؤلف كتاب روح الشرائع ‘’إن الحرية تنعدم ان لم تكن سلطة القضاء منفصلة عن سلطة التشريع، لأن حرية أبناء الوطن وحياتهم تصبحان تحت رحمتها ما دام القاضي هو المشرع، أما إذا كانت السلطة القضائية متحدة مع السلطة التنفيذية فإن القاضي يكون طاغياً’’
أعود إلى سؤالي المقلق، ما الذي لا نحترمه في السلطة القضائية؟
لا نحترم فيها أن تكون أداة من أدوات إعدام الحرية أو المسّ بها. لا نحترم فيها الفساد الذي يخطف منها شخصيتها الاعتبارية المستقلة. لا نحترم فيها أن تكون طرفاً يُحرِّك مؤسسات المجتمع المدني لإصدار بيانات تنتصر لها. لا نحترم فيها أن ترهن شخصيتها الاعتبارية بشخصيات غير اعتبارية تسيء إلى نزاهتها. لا نحترم فيها أن يتخطفها الخوف من صحافة تنبهها إلى ما يعتور في أطرافها من فساد ينبغي لها التخلص منه. لا نحترم فيها أن تكون نافذة فيما هو أقل منها، من أجل أن تستر عورات فتقرن وجودها الاعتباري المجرد بوجود هذه العورات المصلحي. لا نحترم فيها كل ما لا يجعلها منفصلة ومتمايزة عن أطراف التنفيذ والتشريع والنزاع. لا نحترم فيها أن تكون أداة تسلط.
متى صار ما لا نحترمه أكثر مما نحترمه، فإن الأمر يصبح بحاجة إلى مراجعة ومساءلة وإصلاح، وإصلاح القضاء مطلب تفرضه الشخصية الاعتبارية للقضاء، فالحفاظ على هذه الشخصية يحفظ للقضاء هيبته واحترامه، ويحقق للدولة استقرارها، وللدستور معناه الفعلي في حياة الناس.
أما بعد، فسنترك للقضاء أن يقول كلمته الأخيرة، ونحن نثق في القضاء وفي نزاهته وعدالته ورجاله، ونحترمه، ولا نشك في استقلال السلطة القضائية، وفي تمكنها من إقرار العدالة وتخليصنا من عار الظلم الكبير.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9954

الوطن مادة لاصقة

‘’الإنسان الذي يحترم نفسه ليس له وطن، الوطن مادة لاصقة’’ [1] تبدو مقولة فوضوية، وصادمة. فوضوية لأنها تبدو غير عابئة بفكرة الوطن كشكل تنظيمي يحقق استقرار الإنسان والدول في علاقتها ببعضها، وكأنها تدمر المؤسسات التي يدير من خلالها الإنسان وجوده. 
وصادمة لأنها تصدر عن نفس يخالف الأنفاس المجمعة على أن الوطن مفهوم مقدس، لا يليق أن يذكر إلا بعبارات التبجيل والتعظيم والفداء، فكيف يوصف بأنه مادة لاصقة، فالمادة تحيّز وتحدد وتجعل المفهوم قريبا من الحواس، والحواس ضد التقديس، 414806681_16eec691b7فالأشياء التي نقدسها لا نتحسسها بل ولا نقبل أن نجعلها في صيغة تتعرف عليها حواسنا. وصفة اللصق تمعن في تبخيس المادة، فاللاصق شيء ملحق ودخيل وليس جزءا أصيلاً من المادة ولا من نسيجها، ويمكن استعماله في مواضع متفاوتة القيمة، حتى لو أدى ذلك إلى إحداث إخلال في نسيج المادة الملصق بها.
المادة اللاصقة مادة استخدامية محايدة لا تعرف المشاعر ولا الأحاسيس ولا الانحياز، ولا تملك قيمة أخلاقية، فهي برسم أخلاق من يستخدمها. كم هو صادم أن نتصور الوطن على هذه الصورة المجازية. مادة يلصقها من يشاء في أي موضع كي ينتفع بها أو لنقل كي يتمصلح بها. يبدو هذا الوطن اللاصق، مركب وعرضة للبيع والشراء وسوء الاستخدام. ولا ينتج عن لصقه غير وطنية سهلة القلع وسهلة التغيير. وهي غير جديرة بالاحترام، الإنسان الذي يحترم نفسه ليس له وطن لاصق ولا وطنية لاصقة.
يبدو أن لهذه المقولة قدرة على أن ترينا جوهر عملية التجنيس في صورتها غير الأخلاقية أي غير المحترمة. وكأن التجنيس عملية لصق وطن، ليس منك. تستخدم شيئا لا ينتمي إليك استخداما لا يجعلك جديرا بالاحترام. كأنك تنتقي بشكل غير أخلاقي مجموعة عناصر يطلق عليها انتماءات وحقوق وواجبات وهوية ونسيج، وتلصق بطريقة لا أخلاقية أي شيء من هذه المجموعة بك لصقا غير محترم. الإنسان الذي يحترم نفسه لا يلصق وطنا على هويته، فالهوية ما تهواه لا ما تلصقه.
لست أدري لماذا هذه المقولة الصادمة استدعت في ذاكرتي صورة لاصقة لم تفارقني للصديق حافظ الشيخ، حين دخل أحد مراكز الاقتراع على الميثاق في 2001م وهو يحمل على جسده ملصقات لا للتجنيس، في سياق مناهضته للتجنيس الذي دفع وزارة الإعلام حينها إلى مقاضاته برفع دعوى ضده بتهمة المساس بالوحدة الوطنية، وقد أوردت الوزارة حينها بيانا قالت فيه:’’ دأب الكاتب على كتابة مقالات داخل البحرين وخارجها لا تتماشى وروح ميثاق العمل الوطني والدستور.حيث إن هذه المقالات قد تسيء إلى الوحدة الوطنية، فقد باشرت الإدارة آسفة باتخاذ الإجراءات لرفع دعوى قضائية ضد الكاتب المذكور وذلك وفقا للقوانين المرعية في البحرين وبناء على ما تقتضيه مصلحة الوطن وترسيخ دولة النظام والقانون’’[2].
إن ملصقات حافظ كانت ضد تحويل الوطن مادة استعمالية لاصقة، كان حافظ يرى أن الوحدة الوطنية لا تتحقق بالمواد اللاصقة، وكانت الدعوى القضائية ترى في ملصقات حافظ ما يهدد نسيج ملصقات الوحدة الوطنية.حينها لم يكن أحد يتوقع أن يكون لدينا، نصف مليون وطنهم مادة لاصقة.
حين يكف الوطن عن أن يكون جوهرا مكونا لإنسانه، ويتحول إلى مادة لاصقة تخدم أسبابا سياسية لا إنسانية، يكف الإنسان الذي يحترم نفسه وعقله ووجوده ووطنيته، عن أن يكون ابنا لوطن لاصق.
المادة اللاصقة لا يعول عليها، في صناعة نسيج وطني، ولا في صناعة إنسان يحترم نفسه، فضلا عن أن يحترم وطنه. المادة اللاصقة تخشى أن تفتضح فضلتها وإضافاتها الغريبة، فتتصنع ولاءات كاذبة ومزيفة، تمدها بحبل من المصالح والمنافع لكن لا تمد نسيج المجتمع بحبل متين، وهي بهذا التصنع تخفي حقيقة جوهر مادتها اللاصقة بالمصلحة.لذلك فالمادة اللاصقة تنفصل أمام أي هزة امتحان، وتكشف عن تكوينها الغريب.
الآن، من منكم يحترم نفسه؟

هوامش
[1] لو كان آدم سعيدا، إميل سيوران، ص.48
[2] من موقع الكتروني مغلق لمخالفته الأنظمة والقوانين في مملكة البحرين، حسب وزارة الثقافة والإعلام.

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9827