مدونة بسايدبار مختلف

هكذا تذكر محمد جواد ظريف

هكذا تذكر محمد جواد ظريف في “سعادة السفير”

هذا الكتاب هو مذكرات محمد جواد ظريف إذ إن دراسة سيرته تقدم نموذجًا قيّمًا لدراسة سلوك الدبلوماسيين الإيرانيين مع العالم الخارجي، ضمن إطار السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

صدر أخيراً عن مركز أوال للدراسات والتوثيق في بيروت كتاب لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بعنوان “سعادة السفير”.

هذا الكتاب ليس سيرة ذاتية تهدف لذكر الجيد والسَيِّئ، وبالنتيجة الحكم على طبيعة وعاقبة صاحبه، كما أنّه ليس تاريخًا شفهيًا كما هو متعارف عليه اليوم. وعلى الرغم من احتوائه الكثير من هذين النوعين، إلّا أنّ القصد الأساس منه، هو فهم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية على أرضية تجربتها التاريخية، لا سيّما وأنّ العلاقات الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في التاريخ المعاصر مرّت بمراحل حسّاسة وظروف صعبة، لا سيما بعد انتصار الثورة الإسلامية.
في تلك المرحلة، وبموازاة عزل الكثير من موظفي ودبلوماسيي نظام الشاه محمد رضا بهلوي، كان من الضروري الاستفادة من قدرات وتجربة جيل جديد من الشباب الثوري وتوظيفه بسرعة في الأجهزة التنفيذية والعلمية للنظام الحاكم الجديد.
هذا الكتاب رواية شفهية لأحد هؤلاء الشباب الثوريين الذين تشكّل سيرة حياتهم السياسية جزءًا من تاريخ الدبلوماسية الإيرانية، ويمثل التأمل في سلوكهم الحرفي أحد أفضل الطرق لفهم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو محمد جواد ظريف.
حضور ظريف في الأمم المتحدة لمدة ربع قرن جعل منه شخصية دولية ممتازة. بدايةً، كان هذا الحضور في السنين الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية، حينما كان طالبًا في مرحلة الدكتوراه في جامعة كولومبيا، وجامعة دنفر كموظف محلي في البعثة الإيرانية في نيويورك، حتى أصبح السفير الأول والمندوب الدائم للجمهورية الإسلامية فيها.
إن سعي ظريف الدولي لاسترجاع حقوق إيران إبّان الحرب العراقية – الإيرانية، والمناقشات المتعلقة بالقرار 598 ، وكذلك المناقشات المتعلقة بالنشاط النووي الإيراني مع الدول الغربية، وأهمية دوره في مناقشات مؤتمر بون الأول فيما يخص مستقبل أفغانستان، ثمّ العراق، قبل وبعد الغزو الأميريكي لهما؛ وعضويته في فريق الشخصيات البارزة الرفيعة المستوى للأمين العام للأمم المتحدة في مشروع حوار الحضارات، وترؤسه للعشرات من المسؤوليات الجزئية أو المصيرية دوليًا، وحضوره في المجتمع الأميركي وقدرته على التأثير على الرأي العام والإعلام فيه، جعلت القاصي والداني مقدّرًا لدوره.
لقد حاز سعي ظريف الدؤوب للدفاع عن أهداف وقيم نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقدرته على إقناع نظرائه، مرارًا على تقدير السلطات العليا، ليس في إيران وحسب، بل إنّ كثيرًا من الإعلاميين والشخصيات الدولية كانت السبّاقة في ذلك. الاحتفال المهيب لتوديعه في مقرّ الأمم المّتحدة والصف المزدحم بزائريه الأجانب شاهدان على ذلك، بل إنّ الاحتفاء به وصل إلى أن يكتب هنري كيسنجر ـ وزير الخارجية السابق للولايات المتحدة الأمريكية ـ في الصفحة الأولى من كتابه «الدبلوماسية» حين إهدائه: «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف».
يُعَد هذا الحوار الذي امتدّ لأكثر من أربعين ساعة مع الدكتور محمد جواد ظريف ـ الدبلوماسي والسفير السابق لإيران في الأمم المتحدة ـ من التجارب التي لا يُحتمل تكرارها بسهولة. رواية جزئيات الدبلوماسية الإيرانية بلسان ظريف الذي  هو بلا شك أحد أبطال هذا المجال في عصره، مِصداقٌ كامل للسهل الممتنع. سهلٌ؛ لأنّ ظريف يتمتع بشخصية عطوفة، مؤدّبة، بسيطة ومتواضعة، ويظهر هذا العمل عند التعرّف عليه سهلًا، لكنّه ممتنعٌ؛ لأنّ ظريف في مجال تخصصه الحرفي جاد، متابع، منظم، وملتزم بالقيم والأصول التي يعتقد بها.
أثناء الحوار، كان ظريف يتجاوب مع ما يرويه، تستشعر منه الإحساس بالأحداث، كأنّها اليوم، وليس بوصفها أحداثًا جرت منذ أمدٍ بعيد. فهو يحزن ويكتئب من تلك الأحداث التي يراها جانبت الصواب، أو أنّ النجاح فيها كان جزئيًا، ويغضب لعدم استفادة الموظفين الجُدد في وزارة الخارجية من التجارب والأخطاء التي ارتكبها السابقون. وحين يأتي الحديث عن إيران وسيادتها ونجاحه وزملائه في الدفاع عن مصالحها الوطنية، يفرح بتواضعٍ لتلك الذكرى الباعثة للافتخار والغرور. وبحسب الضرورة، وبنظرة دقيقة، يناقش وينتقد الأحداث، ومنها ـ من دون استشعار الحرج ـ ما يتعلق بسيرته أو بالجهاز الدبلوماسي، وما كان يُعتقد في بداية العمل الدولي. معظم جلسات هذا الحوار ـ عدا تلك التي كانت في جامعة آزاد الإسلامية ـ كانت في غرفته في كلية العلاقات الدولية في وزارة الخارجية؛ من شتاء العام 2010 وحتى ربيع العام 2012. واختلفت مدّة الجلسات بين أقل من ساعة وأكثر من ثلاث ساعات؛ إذ لم يكن من السهل الحصول على موافقة ظريف لهذا الحوار، حيث إنّه لم يقبل بأيّ حوار أو خطاب عام منذ رجوعه من آخر مَهمَّة سياسية في نيويورك. فقد اقتصرت محاضراته ـ في كلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية ـ على تحليل المواضيع والأحداث من ناحية أكاديمية. وقد اشترط لبدء الحوار عدم تناول الوثائق السريّة وأسرار النظام، وخصوصًا ما تعلق بالمناقشات المرتبطة بالشأن النووي، ولم يكن من السهل تجنّب هذه القيود. ودراسة سيرة ظريف والانتباه للجوانب الإيجابية والسلبية لعمله، تقدم نموذجًا قيّمًا لدراسة سلوك الدبلوماسيين الإيرانيين مع العالم الخارجي، ضمن إطار السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. الخصال العامة والخاصة لعلاقة إيران بالعالم والتقارب والتباعد التاريخي في السياسة الخارجية والعنصر الجيوسياسي وتأثيره في القدرة الإقليمية لإيران والقراءة الثورية للأحداث الدولية والمستقاة من تعليمات التشيع والميزة الواضحة للدبلوماسيين والدبلوماسية الإيرانية عند مقارنتها بالمعايير العالمية ونظام الحوار الخاص ومستويات مختلفة من التباين والصراع حتى الاشتراك والتعاون، هي نقاط سترافق القارئ في رحلته في هذا الكتاب.

حوار حول كتاب “إله التوحش”

حوار حول كتاب “إله التوحش”: النصوص المؤسسة للوهابية والدولة السعودية هي ورشة عمل دراستي الجديدة

أجرت الحوار/ د.انتصار رضي

سبق أن تناول الباحث البحريني ” د. علي الديري ” البيئات السياسية كمدخل لتفكيك النصوص المتوحشة من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية في كتابه الذي أثار جدلا (نصوص متوحشة) الذي ستصدر طبعته الثالثة قريبا.

يعود اليوم في إصداره الجديد ( إله التوحش) ليناقش التكفير كمشروع قتل يميله صراع سياسي عبر دراسة دولة الدرعية والوهابية متناولا في ذلك سيرة مؤسسها محمد بن عبدالوهاب ودعوته وتوسعها في نجد حتى صارت دولة وسياسة وجيش وقوة! سيتعرف القارئ على سيرة محمد بن عبدالوهاب في سياقها السياسي  ونصوصه التكفيرية التي جرّدت الإنسان من إنسانيته وشرعنت الموت المستحق لمسلم مقرّ بالشهادتين لا يتوافق مع التأويل الوهابي للنصوص، التأويل الذي شرعن العنف والكراهية عبر الخطاب الوهابي  لنواقض الاسلام ونواقض الايمان!!

يقودك هذا الكتاب لمعرفة كيف ولدت من هذه الحركة حركات العنف والتوحش التي باتت  ترهب العالم ..! مع د.علي الديري وجديده  (إله التوحش):

لنبدأ من مفردة التوحش، ألا تعتقد معي أن مفردة التوحش الآن انزاح معناها من الوحشية إلى معنى آخر اشتهر بعد كتاب أبو بكر ناجي (إدارة التوحش). أليس التوحش الآن أصبح مصطلحًا يطلق على حالة الفوضى التي تعم البلدان بعد وجود فراغ في السلطة مثل ليبيا بعد القذافي والعراق بعد صدام .. حالة الفراغ السياسي تلك، التي لا يناقشها كتابك طبعا؟

الديري: التوحش ليس اسمًا أو مصطلحًا هو مفهوم، ولا أحد يملك المفاهيم، بمعنى أنه يعبر عن فكرة ولا يشير إلى جماعة أو مذهب أو شخص. ربما يكون الانثروبولوجيون أكثر من استخدم هذا المفهوم للدلالة على الجماعات غير المتحضرة، ثم تراجعوا واعتذروا لهذه الجماعات، فصاروا يسمونهم الجماعات البدائية.

التوحش مفهوم يصف الموقف العملي الذي وقع بالتاريخ والنص النظري الذي شرّع له، وأقصد هنا الموقف من الآخر المختلف معنا في المذهب أو الدين أو السياسية. لدينا في تراثنا الإسلامي نصوصٌ عقائدية وفقهية مشحونة بالتحريض والعداء والكراهية والتشريع للقتل، ولدينا تطبيقات عملية لها في التاريخ. أنا مهتم بهذه التطبيقات، وجميع النصوص التي درستها في كتابي (نصوص التوحش) وكتابي (إله التوحش) كان لها تطبيقات عملية موثقة في كتب التاريخ المعتمدة.

لماذا الوهابية؟ أليست هي موجة وفي طريقها للزوال الحتمي. ما هي الحاجة إلى كتاب إله التوحش في هذه الآونة؟

الديري: لماذا الوهابية؟ لأنها نجحت في أن تغزو العالم باسم التوحيد الخالص والسنة الصحيحة والسلف الصالح، لقد اخترقت العقل الإسلامي، وتمكنت من سرقة وجهه.

الحديث عن الوهابية اليوم بخطابها التكفيري لا يمكن فصله عن السياسة، لقد انطلقت في نقدي لنصوص التوحش وإله التوحش من فكرة مفادها أن “التكفير مشروع قتل يمليه صراع سياسي”، وأجد الوهابية نموذجًا لاختبار هذه الفكرة.

كتابي ليس دراسة عن حجم حضور الوهابية في العالم الإسلامي، لكني سأجيب عن سؤالك لأوضح أهمية دراسة الخطاب الوهابي دراسة نقدية.

لنأخذ مصر وماليزيا نموذجين لانتشار الخطاب الوهابي وتوسعه، ونشر الكراهية؛ في المشهد الماليزي، تمكنت الجامعات المدعومة بشكل مباشر من السعودية بأن تحول المذهب الشيعي الاثني عشري، إلى “ديانة محظورة” كونها “تحمل العديد من الانحرافات العقائدية المخرجة من ملة الإسلام”. في ماليزيا تكفير الشيعة يتم بقانون رسمي ماليزي. كذلك تحظر الدولة، بقرار رسمي أيضًا، استخدام لفظ الجلالة للإشارة إلى الرب عند غير المسلمين، ما أثار حملة واسعة في البلاد تحت شعار “الله للمسلمين فقط”.

في مصر دعمت المملكة الجامعات الدينية الخاصة، وفرت الدراسة المجانية لأبناء العالم الإسلامي، منحتهم شهادات عالية موازية للأزهر ومصدقة من الجهات الرسمية المصرية، سرقت أساتذة الأزهر، وصاروا يدرسون في (جامعة المدينة العالمية) لتأخذه من الأشعرية إلى عباءة محمد بن عبدالوهاب.

في السعودية نفسها الأبواب والتسهيلات مفتوحة لاستقبال أبناء العالم الإسلامي، مقابل أن يتخرجوا كدعاة لتصدير الوهابية، بموجب ذلك تمكنت الوهابية من وضع يدها على أكبر المساجد الأوروبية والأميركية، وهذه عينة من الدعاة في الغرب المتهمين بخطاب الكراهية، وكلهم خريجو الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة؛ الداعية بلال فيلبس، الداعية أبو أسامة الذهبي، الداعية ياسر قاضي.

بعد أن ناقشت في (النصوص المتوحشة) جذور الفكر التكفيري المتمثل في آراء ابن تيمية، ثم تحدثت في (إله التوحش) عن آراء ابن عبدالوهاب كامتداد طبيعي لتلك الجذور، فهل سنرى قريبا لك كتابًا يتحدث عن (داعش)؟ وما الذي يجعل سير أصحاب الفكر المتطرف وأفكارهم ملهمًا ومولدًا لحركات لا تنتهي؟

الديري: لست مهتمًا كثيرًا بداعش، بقدر اهتمامي بتراثها المستخدم من النصوص، في (نصوص متوحشة) وفي (إله التوحش) ذهبت إلى سياق هذه النصوص السياسي والعقائدي والفقهي. تمثل هذه النصوص الأب المؤسس لما نشاهده اليوم من ولادات لا تنتهي من حركات التوحش، نحتاج إلى نقدها وكشف سياقاتها السياسية.

الأفكار والنصوص لا تموت، إنما تُستعاد وفق ما يتوافر لها من سياقات سياسية وثقافية، الأفكار التي تعطي القتل والكراهية، والأفكار التي تعطي الحياة والحب. والوهابية هي استعادة لنصوص التوحيد والتكفير عند ابن تيمية. ظنت سلطة المماليك أنها قضت على أفكار ابن تيمية، حين سجنته ولم تستجب لدعوته في استبدال الأشعرية بالسلفية على طريقته، لتكون هي عنوان أهل السنة والجماعة، وستظل هذه القضية محل نزاع سياسي وعقائدي، كما شاهدنا بعد مؤتمر غروزني “من هم أهل السنة والجماعة”.

كانت لحظة وفاة ابن تيمية، هي نفسها لحظة حياته، وقد سجل تلميذه ابن كثير شهادة حياته في نصه التاريخي الذي وصف جنازته وصفًا تختلط فيه المبالغة والتقديس بالحقيقة التاريخية، واسمحوا لي أن أتوسع قليلًا هنا لأوضح أن حياة الأفكار أخطر من حياة الأشخاص. هناك مقولة للإمام أحمد بن حنبل “بيننا وبين أهل البدع يوم الجنائز”، وتروى بصيغة أخرى “بيننا وبينكم شهود الجنائز”. كتب ابن كثير نص جنازة ابن تيمية على وقع هذه المقولة، ونحن في الحقيقة لا نعرف الحقيقة التاريخية لحجم الجنازة وما حدث فيها، لكننا نعرف أن وصف ابن كثير صار حقيقة تاريخية، والسلفيون لا يملون من استعادة هذا النص والاحتفاء به.

بعض التقديرات تقول إن عدد من شاركوا في الجنازة ستين ألفا إلى مائة ألف إلى أكثر من ذلك إلى مائتي ألف والنساء بخمسة عشر ألف، ويقول ابن كثير بلغ الأمر أن شرب جماعة الماء الذي فضل من غسله، وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دُفِعَ فيها خمسمائة درهم، وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير، وتضرع، وخُتِمَت له ختمات كثيرة، وتردد الناس إلى قبره أيامًا كثيرة ليلًا ونهارًا، يبيتون عنده ويصبحون، ورؤيت له منامات صالحة كثيرة ورثاه جماعة بقصائد جمة.

هكذا إذن يقدم ابن كثير شهود الجنائز وكأنها تصويت على أفكار ابن تيمية واستمرار أفكاره في الناس الذين عبروا عن حبه وتقديره بالمشاركة على هذا النحو في جنازته.

إذا كانت جنازة ابن تيمية رد اعتبار لما وقع عليه من سجن، فسيرة محمد بن عبدالوهاب كما ترويها كتب التاريخ الرسمية السعودية، تشبه السيرة النبوية، محاطة بالعناية الربانية والتوفيق.

حكاية السير بهذه الطريقة تجعلها حية ومُولدة في نفوس الأتباع، لذلك لا تموت أفكار أصحاب هذه السير.

 هل تعتقد أن تحالف ابن عبدالوهاب مع ابن سعود كان السبب الرئيس في انتشار الدعوة الوهابية، أم أن الطبيعة النجدية البدوية القاسية كانت مهيأة لهكذا فكر جاف ومتشدد؟

الديري: لولا هذا التحالف ما نجحت الدعوة، إنه اتفاق الدرعية 1744، وقد بذل محمد بن عبدالوهاب جهدًا كبيرًا، وكاد أن يموت مرات حتى نجح في الوصول إلى هذا التحالف، وهو بالمناسبة تحالف غير مكتوب، لكنه مدعم بالدم والهدم “الدم بالدم والهدم بالهدم”. يشكل هذا التحالف جزءًا أساسًا من سيرة الدعوة والدولة، وهو موضوع توسعت في عرضه في الكتاب.

هذا الاتفاق نموذج آخر على أن نصوص التوحش نتيجة تحالف السياسة والدين، وأن أفضل بيئة لإنتاج نصوص دينية متوحشة هي السياسية.

الطبيعة النجدية متنوعة وأنتجت شعراء يحتفون بالحياة ويتغزلون بالجمال ويستمتعون بالطبيعة، ويكفي أن على أرضها قصة قيس وليلى.

 على ضوء البحث العلمي والوثائق المتاحة في ما يخص سيرة ابن عبدالوهاب، كيف تقيمون علميًا ما ورد في (مذكرات الجاسوس البريطاني همفر)؟ وما مدى مصداقيتها مضمونًا ومصدرًا؟

الديري: لم يشكل مصدرًا في دراستي، ولا أجد له قيمة حقيقية، وليس لهذه المذكرات وجود في الأرشيف البريطاني، كذلك لم أعتمد كتاب “لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب” فمؤلفه مشكوك فيه ومعلوماته عن السيرة غير معتمدة.

اعتمدت في دراستي على المصادر الرسمية التي تحتفي بها الوهابية والدولة السعودية، وأهم مصدرين هما كتاب ابن غنام “روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعدّد غزوات ذوي الإسلام” وكتاب ابن بشر “قصة المجد في تاريخ نجد”.

في خضم ما كتب عن الحركة الوهابية ومؤسسها والدولة السعودية الأولى، ما الذي يضيفه (إله التوحش) للقارئ خلاف ما هو متوفر من مصادر وكتب؟

الديري: لكل دراسة منظورها ومقاربتها، أنا حاولت أن أفهم كيف تتأسس دولة في القرن الثامن عشر وهو قرن الحداثة الغربية، على دعوة دينية جوهرها تكفير من يختلفون معها في مفهومها المتعصب للتوحيد، أردت أن أفهم  كيف صار رجل هذه الدعوة (محمد بن عبدالوهاب) أبًا مؤسسًا للدولة؟ كيف منح الدولة هويتها الشرعية؟ وكيف صارت الدولة بدعوته للتّوحيد الجهة الوحيدة المحُتكِرة للعنف والممارسة له في الوقت نفسه، ليس ضدّ من يخالف القانون بل ضد من يخالف معتقدها؟ هذه الأسئلة ممنوع طرحها في السعودية، ولا يمكن مقاربتها بعقل حر وفضاء مفتوح.

من جانب آخر، أردت أن أفهم كيف تولد من مفاهيم هذه الدعوة للتوحيد والهجرة والجهاد حركات عنف وتوحش تُرهب العالم، وهذه عينة من تنظيمات متطرفة، تتخذ من عنوان التوحيد اسمًا لها وتُعرّف عقيدتها ومهمتها الرسالية بالعبارات نفسها التي يستخدمها محمد بن عبدالوهاب في كتابه (التوحيد): جماعة التوحيد والجهاد (العراق)، جماعة التوحيد (ألمانيا)، جماعة التوحيد والجهاد (مصر)، التوحيد والهجرة (مصر)، التوحيد والهجرة (العراق)، حركة التوحيد والجهاد (غرب أفريقيا)، جماعة التوحيد والجهاد (بيت المقدس)، جماعة التوحيد والجهاد (المغرب الأقصى).

لو نظرنا إلى واقع المؤسسة الدينية الوهابية الحالية، هل تجدونها ملتزمة بأفكار ابن عبدالوهاب -خصوصا في ما يخص الشرك والتوحيد والغربة والهجرة والجهاد- أم أنها انحرفت تحت الضغوط الدولية وضغوط أصوات الإصلاح الداخلية؟

الديري: “طاعة ولي الأمر” تكاد تعادل فكرة الإمامة من حيث الانقياد والطاعة، وهذا ما يجعل الدعوة الوهابية كمؤسسة (هيئة كبار العلماء) أداة يمكن التحكم فيها وضبطها عبر ولي الأمر، لكن كدعوة وخطاب لا يمكن ضبطها، ويمكنها أن تنتج جماعات لا نهاية لها، كدالة رياضية لا نهائية.

هناك قائمة للتكفير وهي: عدم البراءة من الكفار، والإعجاب بتشريعاتهم، وإظهار المودة لهم، والتشبه بهم، واتباعهم، والتقرب منهم. كل عنوان في هذه القائمة يعتبر ناقضًا من نواقض الإسلام، ويُحكم عليك بالكفر حين لا تتبرأ من الكفار، أو تُعجب بهم، أو تتشبه بهم، أو تتبعهم، أو تتقرب منهم. لكن يمكن أن يتم تكييف هذه القائمة إذا ما تعلق الأمر بـ (ولي الأمر) فتصبح [هذه القائمة] مصالح مباحة، يُشرع لها ويؤصل لها، ويُكفر من يعترض عليها، وتُشرّع الحرب على من يقف ضدها، لأنها بمثابة الخروج على مصالح (ولي الأمر).

لا تُكيف هذه القائمة لإنتاج خطاب تسامح وسلام ومحبة مع الآخر، فجوهر الدعوة، قائم على التشدد والتكفير والكراهية، لكنها تكيف وفق قاعدة المخارج الشرعية لمصالح ولي الأمر السياسية، حدث هذا التكيف في حرب أفغانستان وغزو الكويت واستدعاء قوات الكفار للجزيرة العربية وعاصفة الحزم.

باعتقادك ماذا سيتعلم الشيعة من درس التوحش هذا؟ ألا يستدعي هذا البحث في الجذور العميقة للكراهية وتفكيكها سواءً أكان ذلك لدى الشيعة أو السنة؟

الديري: التوحش بالمفهوم الذي استخدمته، حالة متقدمة على حالة عدم القبول بالمختلف، والاختلاف مع الآخر أو حالة اعتبار كل دين أو مذهب أن الدين الآخر والمذهب الآخر ضالين أو خرافًا ضالة. في التوحش، نحن أمام حالة دعوة للتقتيل والاستباحة، الآخر ليس خروفًا ضالًا بل خروفًا للذبح. أنا أتحدث عن نصوص عقائدية وفقهية، تُعطي لجيش الإذن والأمر بقتل جماعة أخرى واستباحتها وسلب مالها ونسائها.

أرجو أن لا نخلط حالة التوحش بحالة التعصب وضيق الأفق، فتلك حالة أخرى، بمعنى أن كل توحش هو تعصب وانغلاق وكراهية، لكن ليس كل حالة تعصب وانغلاق توحشًا. علينا أن نميز بين الحالتين كما يميز القانون بين حالات الجنح وحالات الجنايات، وهذا مثال للتقريب فقط.

في تقديري، لم يتورط الفكر الشيعي في إنتاج نصوص متوحشة بالمعنى الذي شرحته، لأنه كان في الغالب يمثل الأقلية والهامش، لكنه تورط في إنتاج نصوص غير معقولة، وثبت مسلمات عقائدية مغلقة، هي من صنع التاريخ والسياسة، وأنتج سرديات تاريخية متخيلة.

على الفكر الشيعي أن يتعلم من درس التوحش، عدم تقديس نصوصه ومدوناته، عليه أن يكون شجاعًا في نقد أصوله وتفكيك مسلماته من شباك التوظيف السياسي، والانغلاق التاريخي، وإلا فهو مهدد بظهور جماعات متطرفة يتم توظيفها في الصراعات السياسية، والأمثلة الحاضرة في ذهني الآن، ظاهرة ياسر الحبيب وجماعته، وظاهرة أحمد حسن اليماني، وظاهرة الجماعات المهدوية، وجماعات الشعائر المقززة.

لتحميل الحوار بصيغة PDF

نعم أنا الوحش وهذه قصتي

السعودية حين تحكي: نعم أنا الوحش وهذه قصتي

تحتاج نصوص التكفير إلى تفكيك، لا إلى تفسير أو تأويل. يحفل التراث الإسلامي بنصوص التكفير، لكن لا تكمن الخطورة هنا، بقدر ما تكمن في النصوص التكفيرية التقتيلية، هنا يكمن الوحش الذي يلاحقه الباحث البحريني علي الديري.

في مساره البحثي سعى إلى تثبيت فرضيته التي ينطلق منها:التكفير مشروع قتل يُمليه صراع سياسي”. أفرز هذا المسار عن إنتاج كتاب نصوص متوحشة… التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية”(عام 2015)، لاحق فيه نصوص التوحش من خلال ثلاثة نماذج متمايزة من حيث وجودها الجغرافي ومن حيث ظهورها الزماني، أبي حامد الغزالي في بغداد وابن تومرت في المغرب العربي، إضاف إلى ابن تيمية في الشام. في النماذج الثلاثة نجح الديري في إثبات أن سياقات التكفير المتوحش أتت كنتائج فرضتها الظروف السياسية.

يستكمل الديري مساره البحثي، هذه المرة بكتابه الصادر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق “إله التوحش.. التكفير والسياسة الوهابية”، متوقفاً عند باعث وجوه التكفير المتوحش “محمد بن عبد الوهاب”.

تناول الديري سيرة ابن عبدالوهاب من خلال مصادره الرسمية. غاص في المصادر التي عاصرت ابن عبدالوهاب وأرّخت له، وفكك نصوصه نفسها، ليقدم لنا الهوية السردية للتوحش.

أواخر العام 2015، وبمشاركة الدكتور علي الديري انطلقت حلقة الدراسات الوهابية، التي تناولت سيرة محمد ابن عبدالوهاب، ومسار ما عُرف بـ “الدولة السعودية الأولى”. اعتمدت الحلقات البحثية على المصادر الرسمية التي عاصرت ابن عبدالوهاب، والتي لاتزال تطبعها دارة الملك عبدالعزيز، المهتمة بتوثيق تاريخ المملكة العربية السعودية وشبه الجزيرة العربية. شكلت كتب المؤرخين حسين ابن غنام وعثمان بن بشر، أهم المصادر التي اعتمدتها الحلقة. ورغم التنقيحات المتكررة التي أُدخلت على هذه المصادر في طبعاتها المتعددة، ظلت هذه الكتب تحمل تعقيدات مزعجة تتعلق بمعجمها التكفيري وحوادث العنف التي تسردها  كبطولات للآباء المؤسسين للدولة والدعوة.

في كتابه “إله التوحش التكفير والسياسة الوهابية”، نجح الكاتب في تفكيك هذه السردية. وإلى حد كبير تميّز بقدرته على استلاب اهتمام القارئ بسلاسة وجاذبية هي بعيدة كل البعد عن جمود التوحش الذي يستلزمه تناول موضوع للتكفير.

القارئ الذي لا يعرف سيرة محمد بن عبدالوهاب ولا سيرة رجال الدولة السعودية الأولى، سيهوله حجم العنف والتوحش المروي في هذه المصادر الرسمية، والقارئ خصوصا السعودي المشبع بهذه السيرة التي يدرسها ضمن تربيته الوطنية والدينية باعتبارها صاحبة الفضل في تأسيس هذه الدولة، ستصدمه أسئلة الكتاب النقدية، فهي أسئلة صادمة للوعي السعودي، فالكتاب يخاطب: من يرفض التكفير، ومن يقدس رجالاته.

أتوقع أن كل الأسئلة التي يفتتح بها الديري كل فصل من فصول الكتاب، ستشكل  صدمة للوعي السعودي الذي تربى على التعاطي مع سيرة محمد بن عبدالوهاب كمقدس، أو التي تعاطت مع سيرته على أنها سيرة مقدسة للرجل الذي “أحيا الدعوة النبوية”، وشكل الهوية الدينية والوطنية. وهذه هي بحسب تسمية الباحث (الهوية السردية) التي سرد قصصها (تاريخ ابن غنام) بشكل يفضي إلى المفخرة والاعتزاز بأمجاد وغزوات وفتوحات جيش الدرعية. على وقع هذه السردية تربى العقل السعودي وعلى وقائع غزوات جيش المسلمين كما يسميهم ابن غنام، تكون وجدان هوية المواطن السعودي.
نجح الديري في تعرية هذا المقدس وبالتالي نجح في ضرب أو تهشيم صورة هذه الهوية، دون أن يقع في فخ الأدلجة ودون أن ترتد إثاراته سلباً على قوة ما نقله.

في كتابه يسأل علي الديري: كيف يرى الذين وقع عليهم الغزو من قبل ذوي الإسلام (حسب تسمية عنوان كتاب ابن غنام) هويتهم اليوم؟

من هم “الذين وقع عليهم الغزو”؟ أليسوا هم أنفسهم من يدرسون اليوم سيرة ابن عبدالوهاب كهوية مقدسة لـ”الأمة السعودية”؟ أليسوا هم أنفسهم من يدافعون عن السيرة التي توثق وقوع الغزو على أجدادهم الذين اتهمهم محمد بن عبدالوهاب بالشرك والكفر؟

ما الذي أراده الديري من خلال سؤاله هذا؟ لعلها الصدمة التي ستسهل تهشيم شي من السردية السعودية لسيرة الرجل. وهي الصدمة التي ستشكل استفزازاً يستدعي اهتمام القارئ لمعرفة ما يود الكاتب قوله… وبمعزل عن النتيجة فإنه سيسجل للكاتب أن فتح منفذاً في العقول التي دُجنت على تقديس سيرة محمد بن عبدالوهاب، وأنه نجح في إحالة هذا المقدس إلى النقد الذي يهشم صورة هذه القداسة .

“أين هم الذين كان سيف ذوي الإسلام ضدهم؟ أين مكانهم في هذه الهوية؟”

“من هم الذين يقعون خارج الأمة التي رسم حدودها محمد بن عبدالوهاب؟”

يطرح الديري سؤاله من ضمن إثاراته النقدية، هو يسأل بالفعل عن مكان المكونات السعودية غير المتوافقة مع أطروحات ابن عبدالوهاب في الخارطة السعودية المجتمعية. ينتقد حدود الأمة التي رسمتها معتقدات ابن عبدالوهاب، والتي شكلت لاحقاً دولة ضمت كفاراً ومشركين أُعملت سيوف الوهابية في رقابهم باسم التوحيد. ويتساءل عن هوية المجتمع التي محتها الدولة السعودية الأولى، لتعيد صياغتها مجدداً على مقاس دعوتها الدينية ومصالحها السياسية. يغيب عن هذه الهوية السردية (أو المسرودة من قبل ابن غنام)  كل ما قبل ابن عبدالوهاب، ويغيب عن هذه السردية كل ما هو متعلق بتاريخ وهوية كل من ناوئ أو عارض الرجل. لعل الديري يسأل السعوديين اليوم:

أين تاريخكم الذي استبق ظهور ابن عبدالوهاب؟

أين الإنتاجات الفكرية لمجتمع الأكيد أن عمره لم يرتبط بولادة ابن عبد الوهاب فقط؟

كيف كانت نجد، التي وصفها مؤرخو المملكة بأنها كانت بلاد شرك، قبل مجيء الرجل؟

كيف كانت الحركة العلمية فيها؟ من هم أبرز علمائها قبل عميد الوهابية؟

في تساؤلاته التي تركها مفتوحة بلا إجابات، حاول الديري تحريك الوعي السعودي الذي دفنته هذه السيرة، وروضته ليقبل بأن لا تاريخ لمجتمعه وأجداده استبق تاريخ محمد بن عبدالوهاب. هكذا تحدث تساؤلات الكتاب صدمة لا يمكن الهروب منها، ولا بد من التوقف عندها، وهكذا تدفع الأسئلة القارئ للتعاطي مع النص بأسلوب مختلف، وعلى النظر إليه من زاوية مختلفة.

ليست هذه الأسئلة المثارة من خلال هذه (الهوية السردية) موجهة للقارئ أو المواطن السعودية فقط، بل هي برسم الدولة السعودية اليوم، إنها أسئلة تضرب صورة المملكة السعودية بواقعها الحالي الذي يفخر بماضيه القائم على غزو القبائل وقتل المعارضين وتكفير المخالفين وصرم نخيلهم وتخريب زروعهم وسلب أموالهم باسم الدين. بل ويُمعن واقع الحال في سياق هذا الفخر بإعادة طبع الكتب التي تروي هذه الوقائع وتوثق هويته السردية، ليقول: هذه هويتي وهذا أصلي وهذا توحيدي المتوحش… وعليه فإنه واقع حالي.

إسراء الفاس*
*إعلامية وصحافية من لبنان.

نصوص متوحشة

حوار مع البحريني علي الديري: “داعش” تجلٍّ للنصوص المتوحشة للإسلام السلجوقي

“نصوص متوحشة.. التكفير من سنة السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية”

كتاب الناقد والكاتب البحريني الدكتور علي أحمد الديري. يُتوقع له أن يثير جدلاً واسعاً، وذلك لسخونة الأحداث التاريخية الذي يبحث فيها.

يقتحم الديري بمشرط نقده منطقة تاريخية ملتهبة، وفترة زمنية متأججة بالصراعات العقائدية والحروب السياسية. المنطقة هي مصر والشام والعراق، في الفترة بين القرنين الخامس والسابع الهجري تحديداً، ومن هناك يبحث في نصوص الفقهاء التي جعلت من التوحش عقيدة دينية، وشرعنت التكفير والقتل، بل جعلته فرضاً جهادياً واجباً، كما يدخل في تناول السياقات التاريخية والسياسية التي صنعت هذه النصوص ووجهتها.

ما علاقة كل هذا بوقتنا الحاضر؟ ولماذا العودة إلى هذه النصوص؟ ولماذا هذه الفترة وهذه البقعة الجغرافية بالذات؟ وما الذي يريد الديري الوصول إليه؟ هذا ما سيتبدى لنا من خلال الحوار التالي.

  1. سؤال: التوحش صفة في الغالب ترتبط بالحيوان فتصنفه ضمن دائرة الحيوانات المتوحشة. في حديثك عن النصوص المتوحشة، ما هو مفهومك للتوحش؟ وماذا تقصد بالنص المتوحش؟

يحيل موضوع التوحش إلى عالم الحيوان، حيث لا مكان لعقل يتحكم بغريزة. وتوحش الإنسان يتحقق بفقدانه لعقله فيغدو مسيَّراً بالغريزة. وبالعادة الغرائز تضيق بالآخر وتتسع للأنا، فيها الأنانية والعنف. ما أقصده بالتوحش، هو حالة فقدان الإنسانية التي من أهم سماتها العقلانية لصالح سيطرة الحالة الغريزية المحكومة بالغضب والاستحواذ.

يلفتنا الفيلسوف سلوترداك في كتابه (بنك الغضب) إلى أن طاقة الغضب التي في الإنسان وما يرتبط بها من دوافع أولية مثل الفخر والاعتزاز والانتقام والحسد والغيرة والتنافس، هي عرضة للاستثمار، عبر الخطابات التي تفجرها.

والنصوص المتوحشة، هي النصوص التي لا تعترف بالآخر، فلا تكتفي بتكفيره بل توجب قتله. فهي النصوص التكفيرية التقتيلية.

الظروف التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية، وظواهر التطرف والتكفير، أحالتني إلى مراجعة نصوص التراث الإسلامي، للبحث عن الأسباب المغذية لهذه النصوص التي تنضح بالكراهية فحسب، بل  بإعطاء المبررات الدينية للقتل، إنها تخلع شرعية دينية على فعل القتل.

  1. سؤال: هل نفهم أنّ أحكام التكفير تستدعي القتل بشكل حتمي؟

يلفتنا الباحث الانثروبولوجي المرحوم فؤاد الخوري، أنّه ما من دين أو طائفة أو ملّة أو فرقة إلّا وتعتقد أنّ الله عزّ وجلّ قد خصّها برسالة مميزة أو ميثاق مميّز، وأنّه في سبيل ذلك فهو يقف إلى جانبها يشدّ أزرها ويعمل على انتصارها بطريقة أو بأخرى. كلّ الأديان “شعوب مختارة”، وإلّا لما بقي المؤمنون على إيمانهم.

علينا أن نميز بين التكفير والقتل، فالحكم بكفر الآخر يأتي من باب تحديده وفقاً لمنظور عقائدي معيّن، فالكافر هو الذي لا يؤمن بمعتقدات دينية لجماعة معينة، ونعته بالكافر تأتي من باب تحديد أنه خارج الإطار الديني الذي يجمع أفرادها. وقريب من هذا ما أسماه الشيخ أكرم بركاته في أطروحته للدكتوراه عن التكفير، بالإيمان المذهبي والإيمان الإسلامي، لكن هذا المصطلح قد لا يتوقف عند تحديد النظرة الدينية للآخر، بل قد يوجب قتله، وهنا يتحول النص الديني من مجرد نص تكفيري إلى نص متوحش، وهذا ما أهتم بمتابعته.

  1. وضع نص الغزالي في قائمة نصوص التوحش صادمة، فنصوصه المعروفة تحتفي بالتصوف والحكمة؟

أنا أتحدث عن الغزالي حين كان في بلاط السلاجقة قبل أن يدخل تجربته الروحية،  أبي حامد الغزالي صنف الآخرين من غير أهل السنة بين: ضال وكافر ومرتد، حتى وضع الإسماعيليين والفاطميين في خانة الفئة الأخيرة، وهي خانة تستوجب على الخليفة قتل المرتد وقتل زوجته وقتل ابنه إن لم يقبل الإيمان على منهج الخليفة.

لكن الغزالي وتحديداً في كتابه “فضائح الباطنية” لم يعمد إلى رسم هذه الحدود وفق معيار ديني خالص، فموقفه من الإسماعيليين والفاطميين كان مبنياً على خلفية موقفهم من الخلافة العباسية، وبتعبير أدق جاءت هذه التصنيفات نظراً لعداوة هاتين الفئتين مع السلاجقة، الذين كانت بيدهم الشوكة، حسب تعبير الغزالي، وحكموا باسم المدافيعن عن الأرثوذكسية السنية، أي الطريق المستقيم الوحيد لفهم الإسلام وسنة النبي.

في كتابه (فضائح الباطنية) يقول الغزالي “…وَإِنَّمَا الْوَاجِب قَتلهمْ وتطهير وَجه الأَرْض مِنْهُم هَذَا حكم الَّذين يحكم بكفرهم من الباطنية وَلَيْسَ يخْتَص جَوَاز قَتلهمْ وَلَا وُجُوبه بِحَالَة قِتَالهمْ بل نغتالهم ونسفك دِمَاءَهُمْ فَإِنَّهُم مهما اشتغلوا بِالْقِتَالِ  جَازَ قَتلهمْ”

إنه نص مرعب، وحين تقرأ تفصيله لهذه الأحكام، يصاب بدنك بالارتعاش، لكم العنف والتوحش الذي فيها.

  1. أعلنت أنك “خارج الطائفة” يوما.. وها أنت “خارج الوطن”. ألم تكن متهيئا لذلك وعدّتك الفكر ومناقشة التراث؟

لم تكفرني طائفتي حين كتبت كتابي، ولم تهدر دمي، ولم أعزل اجتماعياً، أقصى ما حدث كان صراعات كلامية، لكني حين صرت (خارج السلطة) أصبحت في دائرة الاستهداف وأسقطت جنسيتي.

المحنة تلاحق المثقف حين يكون (خارج السلطة أو السلطنة) ومنذ الخلافة الإسلامية، تمّ تحديد الكافر بأنه الخارج عن سلطة الخليفة، وخطاب التكفير مصاغ في تراثنا على هذا المقاس، وما زال حتى اليوم مقاساً فاعلاً، وأستطيع القول من جانب ما، إن التكفير في عصر الخلافة بمثابة إسقاط الجنسية في عصر الدولة الوطنية، وكلاهما يستخدمان أداة ضد المعارضين لسياسة الخليفة أو سياسة الحاكم.

(الغزالي) مثلا كتب نصوص التكفير بإملاء الوزير السلجوقي الداهية، نظام الملك، وقد صاغ خطاباً فقهياً اعتبر فيه معارضي السلاجقة والخلافة العباسية مرتدين، يجب قتلهم وسبيهم، هكذا بجرة فتوى صارت الدولة الفاطمية بعظمتها خارج الإسلام، ومن يؤمن بخلافتها كافر مرتد.

  1. كيف يمكن أن نكوّن مقاربة بين الكتب التراثية والحداثة، أو سمات العصر الحديث؟

عليك أن تخرج منها أولاً، ثم تجعلها موضوعاً للاشتغال النقدي، أو أنك ستتسمم بها وتموت وتميت الآخرين معك. المثال الأكثر وضوحاً هنا هو بعض الجامعات السعودية المتخصصة في الدراسات الإسلامية، تستميت في في تحقيق كتب ابن تيمية وفتاويه وتعممها وتعد حولها مئات الدراسات، لكن ليس بهدف فهمها كجزء من التراث والماضي، بل بغرض بعثها والعيش عليها والتعلم منها وإنتاج نسخة من الإسلام مطابقة لها، تحت عنوان الإسلام السلفي أو الإسلام الحنبلي أو إسلام العصر الذهبي: إسلام النبي والصحابة والتابعين وتابعي التابعين.

الموت الذي نعيشه اليوم هو نتيجة للموت الذي بعثناه من نصوص ابن تيمية، والقنابل التي تفجر اليوم في أجساد المصلين، شفراتها منصوص عليها في حروف ابن تيمية المتوحشة. يقول محقق كتاب ابن تيمية (اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم) “أما بعد فهذا الكتاب قنبلة من أقوى ما ألقى شيخ الإسلام على حزب الشيطان من قنابل الحق والهدى”

  1. ماذا تعني بعنوان الكتاب الفرعي (التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية)؟

أظن أن التكفير صار سياسة ممنهجة ضمن إدارة الدولة ومصالحها، في القرن الخامس الهجري، حين وصل السلاجقة إلى بغداد 447 هـ/ 1055م وصارت الخلافة العباسية تحت سلطتهم.

هذا لا يعني أن السلاجقة اخترعوا التكفير، أو المعنى الأحادي لمفهوم سنة النبي، فقبل أن يدخلوا إلى بغداد كان هناك المعتقد القادري الذي هو النموذج الرسمي المقنن للمعتقد الصحيح لسنة النبي، وهو مرسوم أصدره الخليفة العباسي القادر بالله، وفيه يحدد مفهوم الألوهية والصفات والأسماء المثبتة لله، ومفهوم الإيمان والكفر، والاعتقاد الواجب تجاه الله وتجاه الصحابة.

وجد السلاجقة مهمتهم في الدفاع عن الإسلام والسنة، تتمثل في تبني هذا الاعتقاد والدفاع عنه، كان هذا المعتقد يُخرج ويقرأ على الناس في المشاهد والمجامع العامة، وفي المساجد والجوامع، وعند حدوث الاضطرابات والنزاعات العقدية بين الفرق والمذاهب، اعتبر هذا اعتقاد المسلمين، ومن خالفه فقد فسق وكفر.

  1. ماذا تعني بالسنة أو الأرثوذكسية السلجوقية؟

يعتبر المفكر الجزائري محمد أركون، أول من أستخدم  مصطلح تفكيك “الأرثوذكسية” في قراءته للتراث الإسلامي و”الأرثوذكسية” في معناها الحرفي تشير إلى الطريق المستقيم؛ بما يتقاطع مع مفهوم الفرقة الناجية والسلفية، والطريق المستقيم هو بمثابة السنّة الصحيحة المعتمدة من قبل السلطة السياسية.

احتاج السلاجقة إلى جيش من الفقهاء والقضاة والعلماء والخطباء والمحدثين، لتثبيت مهمتهم الدينية المتمثلة في الدفاع عن السنة الرسمية وتثبيت (الأرثوذكسية السنية السلجوقية) وهذه المهمة تعطي لوجودهم شرعية وتعطي لحروبهم ضد أعداء الخلافة العباسية شرعية مضاعفة.

السلاجقة المعروفون بأنهم جماعات قتالية، أخذتهم شهوة الجهاد، وأعطوا لـ(السنة) مفهوما أحاديا وقطيعا لا يقبل التعدد والاختلاف، صارت (السنة) أيديولوجيا جهادية، مشبعة بشهوة القتل وغريزة التوحش.

  1. هل يمكن اعتبار الجماعات المتشددة الحالية امتدادا للسلاجقة؟

أنا أعتبرها كذلك في جانب من جوانبها، فالسلاجقة جماعات مقاتلة لم تكن تجيد حتى العربية، ليس لديها خلفيات ثقافية، وجدت لذتها في الجهاد والقتال. جيوش السلاجقة وجدت في (تثبيت الأرثوذكسية السنية) فرصة لتثبيت شرعيتها في العالم الإسلامي السني، فالسلاجقة كمحاربين أتراك أشداء كانوا يفتقدون إلى العمق الحضاري أو الثقافي الذي يعطي لوجودهم معنى، إضافة إلى أنّهم بحاجة إلى شرعية تجعل من سلطتهم مبررة تحت مظلة الخليفة العباسي.

وقبل أن يجدوا في الصليبيين العدو الذي يهدد الإسلام والخلافة الشرعية، وجدوا ذلك في الباطنية، وحين بدأت الحروب الصليبية تمّ توسيع دائرة العدو، فألحق الباطنية بالصليبيين، وتم تعميم صورة أكثر تشويهاً للفاطميين، فاعتبروا خونة وحلفاء مع الصليبيين وسببا في هزيمة المسلمين واحتلال بيت المقدس.

لقد خلعت (الأرثوذكسية السنية السلجوقية) مدعومة بالسلطة السياسية (السلاجقة، الزنكيون، الأيوبيون) كل المعاني التأثيمية على كلمة (باطني)، وصار معنى السنة يتوضح بمعارضته لمدلول (الباطنية) التي صارت تدل على معاني متعددة وربما متضاربة من نحو: كافر، مرتد، منافق، إسماعيلي، فاطمي، رافضي، شيعي، يضمر الشر للإسلام، معادي للسنة، يكفر الصحابة، عدو، خائن، متهتك، ضال، مبتدع.

صار الجهاد هو القيمة الأكثر حضوراً فترة الحكم السلجوقي وما انبثق عنه من حكم الزنكيين والأيوبيين، وصارت الأرثوذكسية السنية كما تبناها هؤلاء هي الأيديلوجيا المعبرة عن فكرة الجهاد، فصار قتال الصليبين والباطنيية مهمة جهادية أولى.

شهوة الجهاد عند المقاتلين الأتراك أعطت لـ(السنة الصحيحة) مفهوما قاطعا كحد السيف، لا يقبل التعدد والاختلاف. فراحوا يوحدون الجغرافيا والأفكار والعقائد. هكذا تداخلت العملية العسكرية مع العملية الدينية عبر تجيير جيش من العلماء والقضاة والمحدثين والفقهاء وكتاب التاريخ، ليكتبوا بأقلامهم حدود العداوة والتكفير التي رسمها سيف الجهاديين الذين كانوا حماة الخلافة الإسلامية وشوكتها كما عبر الغزالي.

رابط الموضوع

عن صراع الجماعات

عن صراع الجماعات في البحرين والخليج

يُظهر التحليل الاختباري الذي أجراه الباحث على عينة تمثيلية وطنية من 500 منزل عشوائي، أن الآراء السياسية وسلوك البحرينيين العاديين لا تُحدد استناداً إلى الاعتبارات المادية، بل إلى الموقف المُحدد مذهبياً للفرد كعضو في المجموعة السياسية.

  قراءة: عزيزة السبيني*

  يستقرئ الكاتب جستن غينفلر في كتابه “صراع الجماعات والتعبئة السياسية في البحرين والخليج” الصادر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق، المشهد السياسي في البحرين منذ الإصلاحات البريطانية في عشرينيات القرن الماضي وحتى اللحظة الراهنة.وكان جستن قد قدم إلى البحرين في العام 2009، لإجراء دراسة ميدانية حول الصراع بين الجماعات، ودراسة مكونات المجتمع البحريني.بداية، أنشأ جستن مدونة دوّن فيها مقالات وملاحظات حول الوضع السياسي والاقتصادي في دول الخليج عموماً، ومملكة البحرين على وجه الخصوص، حيث باتت – أي المدونة جزءاً من تاريخ انتفاضة 14 شباط/ فبراير2011. ثم بدأ عمله الأكاديمي الذي كان نتاجه الكتاب الذي نقوم بمراجعته. والكتاب ليس العمل الأحدث بين أعمال العلوم السياسية والاجتماعية المتخصصة في البحرين، لكنه الأكثر جرأة في استقصاء وتفسير الواقع المتأزم في البحرين ودول الخليج، بانقلابه على نظرية الدولة الريعية، التي ظلّت تسود هذا الفهم على مدى أكثر من ثلاثين عاماً.
البحرين: أول دولة في مرحلة ما بعد النفط
يبدأ الكتاب بمقدمة تاريخية حول اكتشاف النفط والغاز في البحرين، وحول إمكانية نفاده، الأمر الذي استدعى البحث عن موارد أخرى لتحقيق التوازن الاقتصادي، وبقدر ما تخالف البحرين وصفها كدولة ريعية، ليس على أساس افتقارها للموارد، بل لعدم قدرتها – ومنذ فترة طويلة – على تحويل هذه الموارد إلى نتاج يستفاد منه اجتماعياً وسياسياً. كما لم يدم فيها طويلاً أفق الثروة النفطية اللامحدودة، كذلك لم يدم أفق الانسجام الاجتماعي المتولّد عن مدّ اقتصادي متنامٍ، وعدم الانسجام هذا أدى –حسب المؤلف- إلى انتفاضة الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011، التي شكّلت إطاراً يمكن من خلاله رؤية الحلقة الأخيرة من تاريخ سياسي مضطرب.وبالرغم من تركيز المؤلف الأولي على مملكة البحرين، إلا أنه يسعى إلى دراسة فئة أكبر من الحالات التي لا يشكّل فيها هذا الأرخبيل الصغير في المياه الضحلة في السعودية إلا أفضل مثال معاصر.هذه الفئة يطلق عليها المؤلف اسم الدولة الريعية الفاشلة، (دولة ثرية ذات مستويات تاريخية من حيث إيرادات الموارد، لكنها غير قادرة على شراء الإذعان السياسي لمواطنيها).ويُظهر التحليل الاختباري الذي أجراه جستن على عينة تمثيلية وطنية من 500 منزل عشوائي، أن الآراء السياسية وسلوك البحرينيين العاديين لا تُحدد استناداً إلى الاعتبارات المادية، بل إلى الموقف المُحدد مذهبياً للفرد كعضو في المجموعة السياسية الداخلية أو الخارجية. بل أكثر من ذلك، هو يكشف كيف أن الأرباح المادية التي تجمعها الدول الريعية لا توزع بطريقة محادية سياسياً، بل تهدف بشكل رئيس إلى مكافأة الموالين-كما يُظهر السجل المعاصر للسياسة في الخليج- ومملكة البحرين ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي تشهد على مايبدو انهياراً لانفاق الثروة مقابل الإذعان المفترض تطبيقه في المجتمعات الريعية، بل في عموم دول الخليج العربي ولكن بنسب متفاوتة.
التعبئة السياسية على أساس الجماعات في البحرين ودول الخليج 
قسّم جستن غينلفر كتابه إلى ستة فصول، اختلفت فيها المحاور التي ناقشها لكنها تصب جميعها في الإطار المفاهيمي للجماعات المكوّنة للمجتمع البحريني، ومفهوم الدولة الريعية.تحدث في الفصل الأول عن التعبئة السياسية على مستوى الجماعات في الدول العربية الخليجية، متحدياً أربعة عقود من الحكمة الواردة عن نظرية الدولة الريعية، وقدم حججاً على دور المؤسسات السياسية والاقتصادية التي لا تساهم في منع التنسيق السياسي الشامل، بل تفضل أنواعاً محددة من التعاون السياسي الجماعي، وهو التعاون القائم على أساس الانتماء العرقي أو الديني، أو القبلي، أو حتى الإقليمي، وهو ما يضع سياستها في إطار (المجموعة المنسوبة)، التي لا تتنافس فقط في الحصول على مخصصات إضافية من أرباح الدولة، بل تتنافس للسيطرة على النظام السياسي.وفي هذا السياق يطرح غينفلر السؤال الذي يؤرق حكام المجتمعات الريعية، وهو كيفية تحقيق التوازن الأمثل بين الاستقلال الاقتصادي والسياسي، وبمعنى أدق، كيف يمكن تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستمتاع الخاص والتصرف الحر بالثروة المتأتية مباشرة من الموارد، والتحرر من المساءلة الشعبية عبر الإرضاء الاقتصادي من خلال التوزيع.ومن الحلول المختلفة لهذه المعضلة الريعية، استراتيجية التجزئة السياسية، التي تكافئ فيها الدولة، طبقة من المواطنين المؤيدين، وتستثني على نحو غير متناسب الطبقات الأخرى. وبهذه الطريقة، لا تبدد الفوائد الريعية، لكنها تركز على دائرة محدودة، وهي الدائرة الداعمة لضمان استمرارية النظام، وهذا ما يعزز النزاع داخل المجتمع، بين السنة والشيعة، أو بين التشكيلات القبلية، أو غير ذلك من التجمعات الاجتماعية الأخرى. وهنا ذهبت الأسر الحاكمة في الخليج إلى أساليب مختلفة لتضخيم الفروق بين هذه الجماعات، وتمثّل مملكة البحرين النموذج الأمثل لاستمرارية التقسيم المجتمعي الموجه.
 الفاتح والمفتوح: العلاقات السنية- الشيعية في البحرين
يقدم الكاتب في الفصل الثاني لمحة تاريخية عن أرخبيل البحرين المكون من 33 جزيرة، والواقع على بعد 15 ميلاً من الساحل الشرقي للسعودية في الخليج، وهو بحسب المؤلف، الموقع المثالي لدراسة التأثير المدمر للتعبئة السياسية على أساس الجماعات، وعلى العمل الاعتيادي للدولة الريعية. كما يتناول بالتفصيل كيف وصل آل خليفة إلى الحكم، بالاعتماد على كتاب فؤاد خوري (القبيلة والدولة في البحرين)، ومذكرات (تشالز بلغريف) وهو ضابط الانتداب البريطاني الذي شغل منصب المستشار الشخصي لحاكم البحرين بين عامي (1926-1957).وبرغم عدم وجود ما يمكن اعتباره هجوماً مباشراً على آل خليفة في الكتابين المذكورين، إلا أنهما ممنوعان من التداول بسبب تعارضهما مع الرواية الرسمية لتاريخ البحرين والتي عمل النظام بقوة على ترسيخها، وحجب تفاصيل تاريخ البحرين ما قبل النفط، من أجل إعادة صياغة هوية الدولة بعيداً عن جذورها الشيعية، وهذا ما يفسّر ظاهرة (التجنيس السياسي) للسنة العرب وغير العرب، التي تساهم في القضاء على الأغلبية الديمغرافية التي يمثلها البحارنة، الأمر الذي  سينعكس على تاريخ البلد وهويته الثقافية، وأسس المواطنة، وشروط الخدمة في الحكومة والأجهزة العسكرية.وقد التقى الباحث جستن من أجل دعم دراسته البحثية عشرة زعماء سياسيين ورجال دين بحرينيين، أربعة منهم يقضون حالياً مدة حكمهم في السجن على خلفية أدوارهم في انتفاضة الرابع عشر من شباط منهم (سامي قمبر، وعيسى أبو الفتح، خليل المرزوق، عبد الهادي الخواجة، وغيرهم…)، وتوصل في بحثه إلى تحديد التصور المعياري للعلاقات بين المواطن والدولة بطريقة منهجية، وهي أن حالة البحرين تعطي الحق في التشكيك بفكرة مفادها أن فرض الضرائب والمطالبة بالتمثيل السياسي يجب أن يكونا متلازمين في الممالك العربية على طريقة الاقتصاد التأسيسي في أوروبا في القرن الثامن عشر!.
 الدين والسياسة في البحرين
يتناول المؤلف في الفصل الثالث التقسيم الطائفي في البحرين بين السنة والشيعة، وهذا التقسيم يبدو واضحاً في الممارسات اليومية لكل طائفة، وكذلك في الاحتفالات الدينية، وخاصة، عند الطائفة الشيعية في ذكرى عاشوراء، لكن هذا التقسيم ليس مقتصراً على الناحية الدينية، بل يطال الجانب السياسي الذي عجزت فيه البحرين عن إيجاد تعاون سياسي بين الطائفتين، وفي الوقت نفسه، استهدفت الداعين إلى تحرك مشترك من أجل معالجة المظالم المشتركة، كالفساد واستغلال الأراضي ونقص المساكن، والتجنيس غير المقبول وانعدام المساءلة السياسية.وقد حدد المؤلف سببين للنزوع إلى السياسة في الدولة الخليجية يتخطيان الاقتصاد، وهما: التنافس في المجموعة النسبية (مسألة كيفية وجوب تقسيم الأشياء داخل المجتمع بين السنة والشيعة)، والدين بحد ذاته في مسألتين، الأولى: في تاريخ الإسلام الفعلي والخلافة المتنازع عليها، والثانية: وضع الدين في خدمة السياسة.
 الدلالات المنهجية لاختيار البحرين موضوع البحث
يحدد المؤلف في الفصل الرابع أسباب اختياره البحرين، لتكون أرضية اختبار تجريبي لدراسة صراع الجماعات في الدولة الريعية، فالبحرين تمثل للمؤلف حالة فريدة وفقاً لمستوى الانقسام الجماعي الذي بدأ بالانتشار سواء بشكل خارجي نتيجة لمصادقة تاريخية، أو بشكل ذاتي النشوء كنتيجة لعوامل تخصيصية استثنائية، تاريخية على وجه الخصوص (سكان شيعة، وقبائل سنية)، شارحاً بالتفصيل طريقة المسح الفعلي، الذي قدم من خلاله أول صورة مباشرة موثوق بها للديموغرافيات الطائفية في البحرين منذ مسحها في العام 1941.وفي الفصل الخامس يبدأ بدراسة أنماط توفير السلع العامة والخاصة، وتحديداً فيما يتعلق بالتوظيف الحكومي، كما أنه يقيّم الأدوار النسبية للاقتصاد في مقابل ديناميات الجماعة في تحديد التوجهات والسلوك السياسي. وفي هذا الإطار يستخدم بيانات المسح على المستوى الفردي لاختبار مواقف المواطنين تجاه الدولة، كذلك تصرفاتهم السياسية إن كانت موالية لها أو ضدها، وهذا كله ينضوي بشكل أساسي تحت مستوى الرضا المادي، بحسب فرضية الدولة الريعية، أو أنها تتأثر بالانتماءات والتوجهات الدينية والطائفية.في الفصل السادس والأخير، يدعو الباحث إلى ضرورة مراجعة الإطار الموجود للدولة الريعية في البحرين، ويرى أن المنافع المادية لا تستخدم لشراء أنصار سياسيين جدد بل لمكافأة الأنصار الموجودين- وبحسب قوله فإن “الإذعان السياسي المتزايد على المستوى الفردي هو بالتالي سبب رئيسي للحصول على مكافآت اقتصادية أكبر من الدولة، وليس نتيجة لذلك، كما يرى منظرو الريعية”.إن غرابة المشهد السياسي في البحرين، وتعقيداته، وتركيبته الديموغرافية، هي التي جذبت المؤلف للقيام ببحثه الميداني، مقدماً من خلاله أدلة عملية وإطاراً نظرياً جديداً لفهم مواقف المواطنين العاديين الذين يشكّلون المجتمع البحريني. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن تطبيق دراسات هذا البحث الميداني على أي دولة ريعية، في حال توافرت فيها ظروف مماثلة للانقسام السياسي؟.

سعادة السفير

«سعادة السفير» لمحمد جواد ظريف… رحلة في الخصال العامة والخاصة لعلاقة إيران بالعالم

كتاب يُنشر في العالم العربي، وباللغة العربية، للمرّة الأولى، إذ انتشر منذ فترة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحقّق نسبة مرتفعة جدّاً من الإقبال عليه. إنه كتاب «سعادة السفير»، للوزير والدبلوماسي الإيراني الفذ محمد جواد ظريف، وهو موجود هذه الأيام في متناول القرّاء، في جناح مركز «أوال للدراسات والأبحاث» في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب بدورته الستين.

هذا الكتاب ليس سيرة ذاتية تهدف إلى ذكر الجيد والسيّئ، وبالنتيجة الحكم على طبيعة صاحبه وعاقبته. كما أنّه ليس تاريخاً شفهياً كما هو متعارف عليه اليوم. وعلى رغم احتوائه الكثير من هذين النوعين، إلّا أنّ القصد الأساس منه، فهم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية على أرضية تجربتها التاريخية، ولا سيّما أنّ العلاقات الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في التاريخ المعاصر مرّت بمراحل حسّاسة وظروف صعبة، لا سيما بعد انتصار الثورة الإسلامية.

في تلك المرحلة، وبموازاة عزل كثيرين من موظّفي النظام البهلوي ودبلوماسيّته، كان من الضروري الاستفادة من قدرات جيل جديد من الشباب الثوري وتجربته، وتوظيفها بسرعة في الأجهزة التنفيذية والعلمية للنظام الحاكم الجديد.

هذا الكتاب رواية شفهية لأحد هؤلاء الشباب الثوريّين الذين تشكّل سيرة حياتهم السياسية جزءاً من تاريخ الدبلوماسية الإيرانية، ويمثّل التأمّل في سلوكهم الحرفي أحد أفضل الطرق لفهم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو محمد جواد ظريف.

حضور ظريف في الأمم المتحدة لمدّة ربع قرن جعل منه شخصية دولية ممتازة. بدايةً، كان هذا الحضور في السنين الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية، حينما كان طالباً في مرحلة الدكتوراه في جامعة «كولومبيا»، وجامعة «دنفر» كموظّف محلّي في البعثة الإيرانية في نيويورك، حتى أصبح السفير الأول والمندوب الدائم للجمهورية الإسلامية فيها.

إنّ سعي ظريف الدولي إلى استرجاع حقوق إيران إبّان الحرب المفروضة، والمناقشات المتعلّقة بالقرار 598، وكذلك المناقشات المتعلّقة بالنشاط النووي الإيراني مع الدول الغربية، وأهمية دوره في مناقشات مؤتمر «بُن الأول» في ما يخص مستقبل أفغانستان، ثمّ العراق، قبل الغزو الأميركي لهما وبعده وعضويته في فريق الشخصيات البارزة الرفيع المستوى للأمين العام للأمم المتحدة في مشروع حوار الحضارات، وترؤّسه العشرات من المسؤوليات الجزئية أو المصيرية دولياً، وحضوره في المجتمع الأميركي وقدرته على التأثير على الرأي العام والإعلام فيه، وغيرها الكثير جعلت القاصي والداني متحدّثاً عن دوره ومقدّراً له.

سعي ظريف الدؤوب إلى الدفاع عن أهداف نظام الجمهورية الإسلامية وقيمه، وقدرته على إقناع نظرائه، حاز مراراً على تقدير السلطات العليا، ليس في إيران وحسب، بل إنّ كثيرين من الإعلاميين والشخصيات الدولية كانوا السبّاقين في ذلك.

الاحتفال المهيب لتوديعه في مقرّ الأمم المتحدة والصف المزدحم بزائريه الأجانب شاهدان على ذلك، بل إنّ الاحتفاء به وصل إلى أن يكتب هنري كيسنجر ـ وزير الخارجية الأسبق للولايات المتحدة الأميركية ـ في الصفحة الأولى من كتابه «الدبلوماسية» حين إهدائه: «إلى عدوّي المحترم محمد جواد ظريف».

يُعدّ هذا الحوار الذي امتدّ لأكثر من أربعين ساعة مع الدكتور محمد جواد ظريف الدبلوماسي والسفير السابق لإيران في الأمم المتحدة من التجارب التي لا يُحتمل تكرارها بسهولة. رواية جزئيات الدبلوماسية الإيرانية بلسان ظريف الذي هو بلا شكّ أحد أبطال هذا المجال في عصره، مِصداقٌ كامل للسهل الممتنعز سهلٌ لأنّ ظريف يتمتّع بشخصية عطوفة، مؤدّبة، بسيطة ومتواضعة، ويظهر هذا العمل عند التعرّف إليه سهلاً، لكنّه ممتنعٌ لأنّ ظريف في مجال تخصّصه الحرفي جاد، متباع، منظّم، وملتزم بالقيم والأصول التي يعتقد بها.

أثناء الحوار، كان ظريف يتجاوب مع ما يرويه، تستشعر منه الإحساس بالأحداث، كأنّها اليوم، وليس بوصفها أحداثاً جرت منذ أمدٍ بعيد. فهو يحزن ويكتئب من تلك الأحداث التي يراها جانبت الصواب، أو أنّ النجاح فيها كان جزئياً، ويغضب لعدم استفادة الموظفين الجُدد في وزارة الخارجية من التجارب والأخطاء التي ارتكبها السابقون. وحين يأتي الحديث عن إيران وسيادتها ونجاحه وزملائه في الدفاع عن مصالحها الوطنية، يفرح بتواضعٍ لتلك الذكرى الباعثة للافتخار والغرور. وبحسب الضرورة، وبنظرة دقيقة، يناقش وينتقد الأحداث، ومنها من دون استشعار الحرج ما يتعلّق بسيرته أو بالجهاز الدبلوماسي، وما كان يُعتقد في بداية العمل الدولي.

معظم جلسات هذا الحوار ـ عدا تلك التي كانت في جامعة آزاد الإسلامية، حينما كان نائب الدكتور جاسبي في الشؤون الدولية كانت في غرفته في كلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية من شتاء العام 2010 وحتى ربيع العام 2012.

واختلفت مدّة الجلسات بين أقلّ من ساعة وأكثر من ثلاث ساعات إذ لم يكن من السهل الحصول على موافقة ظريف لهذا الحوار، حيث إنّه لم يقبل بأيّ حوار أو خطاب عام منذ رجوعه من آخر مَهمّة سياسيّة في نيويورك. فقد اقتصرت محاضراته في كلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية على تحليل المواضيع والأحداث من ناحية أكاديمية. وقد اشترط لبدء الحوار عدم تناول الوثائق السرية وأسرار النظام، وخصوصاً ما تعلّق بالمناقشات المرتبطة بالشأن النووي، ولم يكن من السهل تجنّب هذه القيود.

ودراسة سيرة ظريف والانتباه إلى الجوانب الإيجابية والسلبية لعمله، تقدم نموذجاً قيّماً لدراسة سلوك الدبلوماسيين الإيرانيين مع العالم الخارجي، ضمن إطار السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. الخصال العامة والخاصة لعلاقة إيران بالعالم والتقارب والتباعد التاريخيين في السياسة الخارجية، والعنصر الجيوسياسي وتأثيره في القدرة الإقليمية لإيران والقراءة الثورية للأحداث الدولية والمستقاة من تعليمات التشيّع والميزة الواضحة للدبلوماسيين والدبلوماسية الإيرانية عند مقارنتها بالمعايير العالمية ونظام الحوار الخاص ومستويات مختلفة من التباين والصراع حتى الاشتراك والتعاون، هي نقاط سترافق القارئ في رحلته في هذا الكتاب .

رابط الموضوع

إله التوحش

بعد «نصوص متوحشة»… «علي الديري» يبحث بناء الدولة السعودية الأولى في كتاب «إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية»

مرآة البحرين (خاص): من منفاه بمدينة «ويندسور» الكندية، أصدر الناقد البحريني علي الديري كتاب «إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية»، وهو مؤلّف بحثي مكثّف يسعى لقراءة السياق السياسي والعقائدي لنصوص التكفير والتقتيل الوهابية في تجربة الدولة السعودية الأولى.

وصدر الكتاب عن «مركز أوال للدراسات والتوثيق»، ودشّن في جناح المركز بمعرض بيروت الدولي للكتاب، يوم الخميس الماضي 1 ديسمبر/كانون الأول 2016، وهو يأتي مكمّلا لكتاب «نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيميه»، الذي صدر العام الماضي لذات المؤلف.

والديري، أكاديمي وناقد بحريني، اشتغل في حقل الخطاب والفلسفة واللغة والمجاز، على مدى أكثر من عقد، وحاز على درجة الدكتوراه في تحليل الخطاب حول أطروحته «مجازات الفلاسفة: كيف يفكر في الفلاسفة؟». وأسقطت الجنسية البحرينية عن الديري بمرسوم ملكي في يناير/كانون الثاني 2015، لأسباب تتعلق بآرائه السياسية.

ويطالع الديري في كتابه الجديد سيرة بناء الدولة السعودية الأولى قبل 270 سنة، على يد محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب، ويضعها في سياقها الفكري القائم حتى اليوم.

يقول في المقدّمة إنه يحاول في الكتاب من خلال نصوص محمد بن عبد الوهاب، أن يبرهن فرضيته المتعلقة بنصوص التوحش، وهي الفرضية التي تنص على أن التكفير مشروع قتل يُمليه صراع سياسي، وهو تجريد الإنسان من إنسانيته (حرمة دمه، وماله، ونفسه، وعرضه، وعقله) لغاية سياسية.

وكان الكتاب السابق قد اختبر الفرضية في سياق السياسة السلجوقية في القرن الخامس الهجري، والسياسة الموحدية في القرن السادس الهجري، والسياسة الشرعية عند ابن تيمية في القرن السابع والثامن الهجريين والتي لم تجد من يتبناها تبنيا سياسيا بالكامل حتى اتفاق الدرعية في 1744.

اله التوحش

الكتاب الجديد اتّجه للمثال الأبرز في التاريخ الحديث على فاعلية هذه النصوص وتأثيرها الفاقع في السياسة والمجتمع. يقرأ الديري في كتابه كيف بقيت نصوص التكفير الوهابية تكوّن التاريخ الرسمي للدولة السعودية، وهويّتها التي تنكر بشكل صريح المشاركة والتعدّد، وتلغي منها كل من لا يؤمن بالعقيدة الوهابية.

«أدرك محمد بن عبد الوهاب، أنه لا يمكن للمكتبة وحدها أن تُحَوّل نص التكفير إلى فعل قتل، فكَفَر بها، وراح يبحث عن قوة تجعل من خطابه وحشًا ضاريًا في صحراء نجد. أراد أن يُنبت لنصوصه التكفيرية مخالب ضارية، فكان سيف الدرعية» يقول الكتاب.

واعتبر الديري وثيقة الدرعية بين ابن عبد الوهاب وابن سعود، والتي تقوم على قاعدة “الدم بالدم والهدم بالهدم”، أنها اتفاق على أن نص التوحيد ضمان لدم الدولة وضمان لدم الدعوة، وأن هدم أحدهما هدم للآخر «هي ضمان للتوحيد السياسي للدولة الخاضعة بالقوة لعقيدة إيمان مُوحدة ومُعَمّمة وغير قابلة لأي تأويل أو اختلاف، كما أنها ضمان لبقاء الدعوة ظاهرة وقوية ومهابة وناطقة في مراسيم الحكم وألسن الناس… وثيقة الدرعية هي تحالف بين رجل الدعوة ورجل الدولة أو تحالف بين ما يمكن أن أسميه إله التوحش وسيف الوحشية».

ويبحث الكتاب سيرة محمد بن عبد الوهاب، وتفسيره الغريب لشهادة التوحيد، والتأسيس لفكرة غربة الإسلام بين المسلمين ومجتمع الغرباء، الذين يستثنون غالبية المسلمين من الإسلام.

«إله التوحش هو هذا الإله الذي خلقته سيرة رجل الدعوة بتفسيرها الغريب لشهادة التوحيد، وتكوينها لجماعة الغرباء الذين يجدون رسالتهم في استثناء الآخرين من الحياة (التكفير)».

كتاب «إله التوحش» متوفر للبيع على الإنترنت أيضا، من خلال:

موقع أمازون

متجر جملون

رابط الموضوع

معرض بيروت الدولي للكتاب

مركز أوال ومرآة البحرين يشاركان في معرض بيروت الدولي للكتاب بإصدارات جديدة بينها كتاب لـ«خوري» وآخر عن جواد ظريف

مرآة البحرين (خاص): تشارك «مرآة البحرين» و«مركز أوال للدراسات والتوثيق» في معرض بيروت الدولي للكتاب، الذي يقام من 1 وحتى 14 ديسمبر/كانون الأول 2016.

وللعام الثاني على التوالي، تعرض المؤسستان إصداراتهما من الكتب والمطبوعات في ركن مشترك.

«مرآة البحرين» عرضت للجمهور لأول مرة النسخة المترجمة من كتاب «دعوة إلى الضحك» لعالم الاجتماع اللبناني، فواد خوري، وهو بمثابة سيرة ذاتية لبروفيسور جامعي وعالم أنثروبولجيا عربي، قّدم واحدا من أهم المؤلّفات الاجتماعية والسياسية عن البحرين، وهو كتاب «القبيلة والدولة». وتحتل البحرين جزءا هاما من سيرة خوري التي يوثقها في «دعوة للضحك»، الذي ينشر بالعربية لأول مرة.

كتاب القبيلة والدولة في البحرين، يحضر هو الآخر في المعرض، في طبعة جديدة من مركز أوال بعد 40 عاما من صدوره لأول مرة.

وخلال المعرض، أطلق «مركز أوال» أحدث إصداراته لهذا العام، كتاب «سعادة السفير: محمد جواد ظريف»، وهو حوار سياسي ودبلوماسي واسع أجري مع وزير الخارجية الإيراني الذي كان قد شغل في وقت من الأوقات منصب السفير الإيراني للأمم المتحدة. ونال الإصدار إعجاب الكثير من زوار المعرض، كما وضعته صحيفة الأخبار اللبنانية من بين 15 كتابا في معرض بيروت رشحتهم للقارئ.

وأصدر مركز «أوال» كتاب «إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية»، للدكتور علي الديري، وهو مؤلّف بحثي يسعى لقراءة السياق السياسي والعقائدي لنصوص التكفير والتقتيل الوهابية في تجربة الدولة السعودية الأولى، ويأتي مكمّلا لكتاب «نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيميه»، الذي صدر العام الماضي للديري أيضا.

كتابان قام بترجمتهما مركز أوال، يحضران أيضا في ركن المركز بالمعرض، وهما «صراع الجماعات والتعبئة السياسية في البحرين والخليج»، للمحلل المختص بشئون البحرين جستن غينغلر، وكتاب «ما بعد الشيوخ…   الانهيار المقبل للممالك الخليجية»، للدكتور كريستوفر ديفيدسون.

كما يتواجد في المعرض كتاب «مرافعة كرامة: الشهيد النمر»، الذي أصدرته «مرآة البحرين» بالتعاون مع مركز «كيتوس» الثقافي.

وتعرض في الركن الإصدارات الفنية والثقافية المميزة لـ«مرآة البحرين»، وأهمّها «جدران 14 فبراير… غرافيتي الثورة»، و«الصورة دونها الموت»، فضلا عن الكتب والوثائقيات الأخرى ككتاب «داعش بيننا… الدولة البحرينية وصعود الإسلام الجهادي»، كتاب «شوكة الأطباء»، و«القضاء البحريني وذرائع الإرهاب، و«نصوص النتائج من تقرير بسيوني»، وكذلك تتواجد سلسلة حصاد الثورة، التي تصدرها المرآة سنويا.

وكذلك تعرض الإصدارات الأخرى لـ«مركز أوال»، ومن بينها كتاب الباحث السعودي فؤاد إبراهيم «داعش من النجدي إلى البغدادي… نوستالجيا الخلافة»، وكتاب «سيرة احتجاج… السيرة النضالية لعبد الهادي الخواجة» للباحث البحريني عباس المرشد، وكتاب المرشد الآخر «جدار الصمت: انهيار السلطوية».

هناك أيضا كتاب «أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين طوال 14 قرنا» لسالم النويدري، و«ديوان الشيخ جعفر الخطي»، والسلسلة التاريخية التي أصدرها المركز.

1

2

3

5

6

7

8

10

رابط الموضوع

«سعادة السفير: محمد جواد ظريف»

أثار جدلا واسعا في إيران… مركز بحريني يصدر النسخة العربية من كتاب «سعادة السفير: محمد جواد ظريف»

مرآة البحرين (خاص): دشّن «مركز أوال للدراسات والتوثيق»، يوم الخميس الماضي 1 ديسمبر/كانون الأول 2016، أحدث إصداراته لهذا العام، كتاب «سعادة السفير: محمد جواد ظريف»، وذلك في ركنه الخاص بمعرض بيروت الدولي للكتاب.

وكتاب «سعادة السفير» هو حوار سياسي ودبلوماسي واسع أجراه باحث أكاديمي مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي كان يشغل منصب السفير الإيراني للأمم المتحدة حتى العام 2007.

مركز أوال قام بترجمة الكتاب عن الفارسية، ونال الإصدار إعجاب الكثير من زوار المعرض، كما وضعته صحيفة الأخبار اللبنانية من بين 15 كتابا في معرض بيروت رشحتهم للقارئ.

وقالت الصحيفة إن ظريف يحاول في الكتاب قدر الإمكان الإجابة على أسئلة كثيرة تخطر في بال القرّاء، والباحثين، وكذلك السياسيين حول حياته والدبلوماسية والسياسة عموماً. وأضافت يحاول الكتاب إماطة اللثام عن حياته وتفاصيل مشواره الطويل داخل أروقة الدبلوماسية لبلاده، وقد أثار ضجة كبرى في الوسط الإيراني، ونُفِّذ في أكثر من سبع طبعات.

يذكر أن الحوارات الموثقة في الكتاب أجريت بين العامين 2010 و2012، لكنّه منع من النشر حتى انتهاء ولاية الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في أغسطس/آب 2013، لما أثاره من جدل بلغ حد الاتهام بالخيانة، كما جاء في مقدمة المترجم.

من طرائف الكتاب، التي أشار إليها مركز أوال في مقدّمته، أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، كان قد أهدى ظريف نسخة من كتابه «الدبلوماسية» موقّعة بـ «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف».

مقدّمة الطبعة الفارسية، قالت إن حضور ظريف في الأمم المتحدة لمدة ربع قرن جعل منه شخصية دولية ممتازة واعتبرت هذا الكتاب رواية شفهية لأحد هؤلاء الشباب الثوريين الذين تشكّل سيرة حياتهم السياسية جزءًا من تاريخ الدبلوماسية الإيرانية.

وذكرت أن دور ظريف الدبلوماسي الواسع ممثلا لبلاده في الأمم المتحدة، وكذلك حضوره في المجتمع الأمريكي بذات السياق، وقدرته على التأثير على الرأي العام والإعلام فيه، جعلت القاصي والداني متحدثًا ومقدّرًا لدوره.

وبحسب الكتاب فإن هذا الحوار الذي امتدّ لأكثر من أربعين ساعة يعد من التجارب التي لا يُحتمل تكرارها بسهولة» رواية جزئيات الدبلوماسية الإيرانية بلسان ظريف الذي وه بلا شك أحد أبطال هذا المجال في عصره، مِصداقٌ كامل للسهل الممتنع. سهلٌ؛ لأنّ ظريف يتمتع بشخصية عطوفة، مؤدّبة، بسيطة ومتواضعة، ويظهر هذا العمل عند التعرف عليه سهلًا، لكنّه ممتنعٌ؛ لأنّ ظريف في مجال تخصصه الحرفي جاد، متابع، منظم، وملتزم بالقيم والأصول التي يعتقد بها».

و«دراسة سيرة ظريف والانتباه للجوانب الإيجابية والسلبية لعمله، تقدم نموذجًا قيّمًا لدراسة سلوك الدبلوماسيين الإيرانيين مع العالم الخارجي، ضمن إطار السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. الخصال العامة والخاصة لعلاقة إيران بالعالم والتقارب والتباعد التاريخي في السياسة الخارجية والعنصر الجيوسياسي وتأثيره في القدرة الإقليمية لإيران والقراءة الثورية للأحداث الدولية والمستقاة من تعليمات التشيع والميزة الواضحة للدبلوماسيين والدبلوماسية الإيرانية عند مقارنتها بالمعايير العالمية ونظام الحوار الخاص ومستويات مختلفة من التباين والصراع حتى الاشتراك والتعاون، هي نقاط سترافق القارئ في رحلته في هذا الكتاب.»

كتاب «سعادة السفير» متوفر للبيع على الإنترنت أيضا، من خلال:

موقع أمازون

متجر جملون

رابط الموضوع

النصوص التي تلهم التكفيريين

ما هي النصوص المتوحشة التي تلهم التكفيريين؟

يجب قراءة النص المتوحش في سياقه السياسي أي سياق اقترانه بالسلطة أو سياق سعيه لامتلاك السلطة، إن السلطة هي التي تمتلك قوة الأمر وقوة التنفيذ، والخطورة تكمن في أن تكون نصوص التوحش برسم السلطة.

 قراءة: باسمة عيسى*

يتألف كتاب “نصوص متوحشة … التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية” لمؤلفه الباحث والصحافي البحريني علي أحمد الديري والصادر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق، من تمهيد ومدخل وثلاثة فصول، في كل فصل دراسة معمقة لتراث واحد من رموز فقهاء التوحش ومنتجي شعارات التكفير، الأول أبو حامد الغزالي (ت 505هـ / 1111م) في كتابه (فضائع الباطنية وفضائل المستظهرية) في المرحلة السلجوقية، والثاني محمد ابن تومرت (ت 524 هـ / 1130م) في المرحلة الموحدية، والثالث ابن تيمية (ت 728 هـ/ 1328م) في المرحلة المملوكية. حاول الديري الرجوع إلى المنابع المؤسسة لثقافة التوحش وإهدار الدم بذريعة الدين، وربط سياق الجذور التاريخية لهذه المفاهيم بما يجري في عالم اليوم من مآسٍ وحروب باسم الدين، بغية تعرية هذا التراث الدموي وإدانته، وتأسيس رؤية دينية أكثر تسامحاً وإنسانية تحترم إنسانية الإنسان، وتصون حقوق البشر، وتنصف محاسن الحياة بكل تجلياتها الإنسانية.
يقرأ الباحث في كتابه “نصوص متوحشة … التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية”، نصوص التوحش كما يطلق عليها، كمشاريع سياسية أو مرتبطة بالسياسة، ويؤكد أن الإيمان ممارسة وعمل وليس مجرد عقيدة، وكذلك التكفير ليس مجرد معتقد، بل هو عبادة في خطاب التكفيريين تستدعي الممارسة. ويناقش الكاتب تلك النصوص من التراث الإسلامي باعتبارها نصوصاً فُرضت كعقيدة دينية وجهادية قامت بتكفير بل أوجبت تكفير كل مخالف لها، في الفترة الممتدة بين القرنين الخامس والسابع الهجري في الشام والعراق ومصر.
من هنا يجب قراءة النص المتوحش في سياقه السياسي أي سياق اقترانه بالسلطة أو سياق سعيه لامتلاك السلطة، إن السلطة هي التي تمتلك قوة الأمر وقوة التنفيذ، والخطورة تكمن في أن تكون نصوص التوحش برسم السلطة. اذاً التكفير بنظر الكاتب هو موضوع سياسي من حيث الدوافع والخلفيات، وهو بمثابة استراتيجية تضعها السلطة السياسية لمواجهة معارضيها، بل هو العدو الذي تصنعه الأحزاب الأيديولوجية أو الأحزاب الحاكمة في الدول الحديثة، لتحشد قواها الاجتماعية والسياسية ضده، وتحقق عبرها وحدة جبهتها الوطنية.
لقد صاغ الغزالي والسلاجقة وابن تيمية والمماليك وابن تومرت والموحدون، فصولاً وفتاوى متوحشة بحسب الكاتب، هذه الفتاوى أسست للتعاون بين رجال الدين ورجال السياسة، فالقتل والتكفير كانا دائماً لأسباب سياسة هدفها الترويج لمنهج الخليفة ولازمة سيطرته.وبحسب الكاتب، فإن تنظيم داعش وجبهة النصرة والجماعات الإسلامية المتطرفة التي ظهرت اليوم في المناطق نفسها التي تناولها كتاب الديري، ليست عملية مستجدة أو غريبة عن تراثنا، وليست نتيجة حتمية للجهل والتطرف التكفيري كما يروج لها البعض، بل هي صنيعة الفتاوى والمعتقدات القديمة والتي أسست عليها دولنا.وقد انطلق الكاتب من فرضية أن (الوحش يكمن في أرثوذكسية السنة السلجوقية)، وحاول تفسير السياق التاريخي والسياسي من خلال هذه الفرضية، مما أعطى مبرراً ومكّن هذه النصوص من أن تكون لها شرعيتها الدينية ومكّنها من تثبيت أطروحاتها ضمن الحس الإسلامي العام. ويستغرب الكاتب كيف أصبح التكفير موضوعاً سياسياً يشرعنه الفقهاء (رجل الملة) ، ضمن أجهزة الخلافة الإسلامية (رجل الدولة).
هنا فسّر الديري معنى الأرثوذكسية من خلال عرض تفسير المفكر الجزائري محمد أركون، الذي يعتبر أول من استخدم مصطلح تفكيك الأرثوذكسية في قراءته للتراث الإسلامي، والتي تشير في معناها الحرفي الى “الطريق المستقيم” الذي يعتبر بمثابة السنّة الصحيحة، أي طريق النبي، حيث دعا اركون الى تفكيك هذه الأرثوذكسية، أي تفكيك النصوص التي تّدعي أنها وحدها تمثل الإسلام الصحيح، والمراد من تفكيكها هو إعادة إنتاجها، بعد تفكيك السياقات السياسية والتاريخية التي تقوم عليها. وقد صاغت خطابات التكفير والتوحش في ثقافاتنا، أسماء كثيرة، منهم الغزالي في كتابه (فضائح الباطنية ) و(الاقتصاد في الاعتقاد)، وابن تومرت في كتابه (أعز ما يطلب) وابن تيمية في كتابه (العقيدة الواسطية)، مجمل هذه الكتب مبنية على خطاب التكفير.

 الغزالي والتفكير السلجوقي

توقف الديري في الفصل الأول من كتابه عند فكر أبي حامد الغزالي، ودرس كتابه (فظائع الباطنية وفضائل المستظهرية)، وانطلق من هذا الكتاب لإيضاح المقصود من نصوص التوحش، لافتاً القارىء إلى الفصل الثامن من الكتاب والذي تناول فيه الغزالي قضية تكفير الباطنية التي يقصد بها الإسماعيليين على وجه الخصوص، وضمناً تدخل فيها باقي الفرق الشيعية، ووجوب سفك دمائهم. سنرى الموت الجديد مبعوثاً من نصوص الغزالي الذي صنّف مَن ليس من أهل السنة الصحيحة بنظره، بين كافر ومرتد. قصد بذلك الإسماعيليين والفاطميين في عهده الذين اتهموا بالتحالف مع الصليبيين، مما أدى إلى هزيمة المسلمين واحتلال بيت المقدس.
فقد أُخفي جزء كبير من تاريخ الإسماعيليين والفاطميين، فقط لأنّهم لم يكونوا على مذهب الخليفة العباسي والسلاجقة الحاكمين باسمه. هكذا عمل نظام الملك، عبر أجهزة الدولة، وأحد أهم ادواتها المدارس النظامية على صياغة الأرثوذكسية السنية، بمعنى أنه وضع التسنّن المستقيم الصحيح الذي على الجميع أن يلتزم به، وأن العقيدة الصحيحة هي العقيدة التي أرساها الأشعري وما عداها ضلال وباطل وكفر. فقد أنشأ نظام الملك العديد من المدارس النظامية في العراق بهدف مواجهة المد الاسماعيلي الذي كان يقوم على اجتذاب الموالين له عبر القدرة الإقناعية المبنية على المنطق والفلسفة وأساليب الدعوة، حيث كان الدُعاة الاسماعيليون متمكنين تماماً من الحجة والمنطق والفلسفة.
وأراد نظام الملك أن ينشئ جهازاً يبرمج العقول وينتج جيشاً من الفقهاء يقومون بعمل مضاد لعمل هؤلاء، حيث اعتمدت المدارس النظامية المذهب الشافعي وطرحته بطريقة متعصبة جداً، وقد أفسح نظام الملك المجال للمذهب الحنفي لأن السلطان السلجوقي كان حنفياً. واستطاع نظام الملك أن يُخرّج في كل عام فريقاً كبيراً من طلاب العلم المشبعين بالبرنامج الذي أراده وأقرّه، كما استطاع تسميم عقائد الاسماعيليين وكل الفرق التي لها يتفق مذهبها مع مذهب الدولة.في كتاب “فضائح الباطنية” للغزالي، يتوغل الديري في نصوص التوح، التي تضيق بالمختلف الآخر الى درجة تكفيره وتضليله وسفك دمه، ويقول إن موقف الغزالي من الباطنية أساسه عدم إيمان هؤلاء إيماناً يتوافق مع أرثوذكسية إسلام السلطة في نهاية القرن الخامس الهجري.
وضع الغزالي الباطنية في مرتبتين: إحداهما توجب التخطئة والتضليل والتبديع، والأخرى توجب التكفير والتبرّي، وتحدث عن الصريح والكفر، الصريح في القرآن لا يقبل التأويل، وتأويله يُعد تكذيباً، ومن يكذب صريحاً في القرآن يعد كافراً، هكذا وظف الغزالي معرفته بالمنطق الأرسطي. وتحدث عن إنكار الحور العين، في سياق تدعيم فكرة تكفير من يكذب الصريح، حيث استخدم الغزالي افتراضاً يقول فيه “لو صرّح مصرّح بإنكار الجنة والنار والحور والقصور في ما بين الصحابة، لبادروا الى قتله واعتقدوا ذلك منه تكذيباً لله  الرسول”، والى ما ذلك من النصوص.ويستعير الديري ما يطلق عليه “فرهاد دفتري” أبرز المؤرخين المتخصصين في التاريخ الإسماعيلي في عالم اليوم، مصطلح (الخرافة السوداء) لوصف عمليات التشنيع التي مارسها الغزالي وغيره من علماء الخلافة العباسي ضد الإسماعيليين، كما أسهم الصليبيون الذين اشتبكوا مع الإسماعيليين في صناعة هذه الخرافة.يتوقف الكاتب عند الجزء الثاني من عنوان كتاب “فضائل المستظهرية” ليشير به إلى لقب الخليفة العباسي المستظهر بالله، فقد أراد الغزالي فيه تركيز شرعية الخليفة العباسي كخليفة حق، وولي أمر مفترض الطاعة، مقابل الباطنية كأهل باطن خارجين على ولي الأمر والإسلام وإجماع الأمة، مستنفراً جميع قدراته الأصولية والمنطقية بالقدر الذي يفوق ما بذله في فضح الباطنية وإثبات كفرهم.لقد بلور نظام الملك أطروحة سياسية بالغة الدقة في كتابه الذي يعد واحداً من النصوص الدينية المتوحشة، وهي سياسة مثّلت الخلافة العباسية التي كان يحكم السلاجقة باسمها.
هذه النصوص بقيت ولا تزال تعمل إلى اليوم، وسياسة نظام الملك هي التي أنتجت هذه النصوص التي أتت في فترة متأخرة عنها. من هنا يرى الديري أن هذا النص الذي تركه الغزالي لنا في التعامل مع المختلفين سياسياً في لحظة صراع سياسي، يؤسس لحالة تفتح مجال التكفير على مدى الزمان، لأن الغزالي لم يشرّع لحرب هؤلاء لأنهم فقط باغون، أو لأنهم ضد الدولة، أو لأنهم أعداء، وإنما هو أسس نصاً خطيراً في تكفيرهم. نص التكفير يبقى لأنه بمثابة الحكم الشرعي الباقي ما بقي الزمان، بل إن نص التكفير يبقى ويستخدم ويولّد نصوصاً أخرى، ويجعل الاختلافات السياسية حالة عداء لا تنتهي، في حين أن الخلاف السياسي قد ينتهي.

 ابن تومرت ونصوص التوحش الموحدية
وإلى المغرب العربي والأندلس حيث يدرس الفصل الثاني من الكتاب نصوص الفقيه المغربي ابن تومرت رجل دولة الموحدين الأول، فقد بذل ابن تومرت مجهوداً كبيراً، ليأخذ العلم ويطلع على مكونات العقل الأرثوذكسي في أرضه الخاصة بالذات ويكتسب المشروعية الدينية. وتقول الروايات إنه تأثر كثيراً بالغزالي حتى أنه إلتقاه ودرس في المدارس النظامية التي أسسها الغزالي، والتي تعد جهازاً لتكوين نسخة مسيّسة من العقيدة الأشعرية.
ويعتبر ابن تومرت أحد الشخصيات الدعوية التي بنت دولتها على هذه العقيدة، وقد وجد ابن خلدون في هذا البناء إحدى ركائز نظريته في الدولة التي تقوم أولاً على العصبية القبلية وثانياً على الدعوة العقائدية.عاش ابن تومرت في بيئة أضعفها التفكك وأنهكها التهديد الصليبي للوجود الإسلامي في الأندلس والمغرب، وقد جاء وهو يفكر في مشروعإانقاذي يعطي للمسلمين بعضاً من هيبتهم المفقودة وعزهم المسلوب. ويرى الكاتب أن ابن تومرت هو أحد منتجي نصوص التوحش، وقد تعززت هذه الرؤية بعد دراسة شخصية ابن تومرت الذي قام برحلة مشرقية كونت مفهومه للسُنة، أي مفهوم العقيدة الأرثوذكسية أو الطريق المستقيم والصحيح، أو الإسلام الذي يراه من وجهة نظره إسلاماً صحيحاً يقود الى آخرة مضمونة للجنة.
ابن تومرت ابن عشيرة (هرغة) المنتمية الى قبيلة (المصمودة ) البربرية، احتاج الى بلورة عقيدة صلبة تنظّم قوة قبيلته لبناء دولة قوية، على الرغم من توافر الركن الأول لبناء الدولة لديه، وبدأ يشتغل على العقيدة، فكان المشرق المكان والرحلة والمدرسة، في نظرة ابن تومرت نجد لذة الجهاد هي نفسها عند السلاجقة، ومدرسة المعروف والمنكر أيضاً هي ذاتها كانت عند السلاجقة، أي أنهم ينطلقون من النسخة الأرثوذكسية نفسها، والعدو الخارجي نفسه (الصليبيون)، غير أن العدو الداخلي كان مختلفاً، السلاجقة كان عدوهم الباطنية، وابن تومرت عدوه المرابطون. وسيحتاج جهداً مضاعفاً لصناعة نصوص التوحش، وهو بحاجة الى أن يرد على الفقهاء المالكيين الذين يقفون معه على الأرضية نفسها.بلوّر ابن تومرت رؤيته عبر خطبه ورسائله ومناظراته التي ستُجمع فيما بعد، حين تتمكن دعوته من تكوين دولة، في كتاب أطلق عليه “أعز ما يطلب” الذي أصبح فيما بعد دستور الدولة الموحدية، وبدأ في تحديد ما هو الإيمان الصحيح وعلى أساسه بدأ دعوته وخاض مناكفته للدولة المرابطية. وبهذه الطريقة وظف مفهومه للسنة والألوهية توظيفاً سياسياً.
وفي الكتاب المذكور لابن تومرت، يذكر الديري أن نصوص التوحش والتكفير التي احتواها الكتاب، فاقت بكثير نصوص التوحش عند الغزالي، حيث نجد شرعنة القتل وسفك دماء كل من يختلف عن الدولة الموحدية.يقدم ابن تومرت كتابه باعتباره يفتح أبواب العلم الذي جعله الله سبب الهداية الى كل خير، إنها أبواب تفتح لنا أعز ما يطلب، كما يقول، ولكن حقيقتها تفتح أبواب جهنم على المرابطين. ومن عناوين هذه الأبواب: (باب في وجوب بغضهم ومعاداتهم على باطلهم وظلمهم )، ( باب في تحريم طاعتهم واتباع أفعالهم)، (باب في وجوب جهادهم على الكفر والتجسيم وإنكار الحق واستحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم)، (باب في وجوب جهاد من ضيّع السنة ومنع الفرائض)، ( باب وجوب جهادهم على ارتكاب المناكر والفجور وتماديهم على ما لا يؤمرون به). ويحشد في هذه الأبواب الكثير من الآيات والأحاديث لكي يطبقها على المرابطين. ويذهب المؤلف في مناقشة تفاصيل الصراع الذي نشب بين فقهاء المالكية والموحدين، إذ اعتبروهم من الخوارج بسبب العنف الذي قاموا به وبسبب خطابهم التكفيري لأهل السُنة.
ومن المفارقات الغريبة أن ابن تيمية وتلميذه الذهبي يستنكران على ابن تومرت ودولته سفك دماء المسلمين، والحكمة بشرعنة هذا السفك، ويتناسيان أنهما حين جاءا بعد وفاة ابن تومرت بأكثر من 130 عاماً، قد أنتجا نصوصاً أكثر توحشاً وتشدداً.
ابن تيمية والتكفير المملوكي
 في الفصل الثالث يستعرض الديري نصوص ابن تيمية وأثرها في تأسيس بذور الخطاب التكفيري في التراث الإسلامي، ويؤكد على مساعي ابن تيمية لتكوين العقيدة الرسمية للمماليك وهي عقيدة ابن حنبل، ولكنه لم ينجح وكان مصيره السجن. وبقيت نسخة ابن تيمية لعقيدة أهل السنة والجماعة تنتظر لحظة محمد عبد الوهاب، الذي نجح في جعلها عقيدة رسمية للدولة السعودية الأولى بعد ميثاق الدرعية عام 1745م بين رجل الملة محمد عبد الوهاب ورجل الدولة محمد ابن سعود.

يستعرض المؤلف نصوص ابن تيمية وأثرها في تأسيس بذور الخطاب التكفيري في التراث الإسلامي، ويذكر بعض النقاط التي أثّرت في تكوين ملامح الخطاب السياسي لدى ابن تيمية، الذي جاء في عصر انتهت فيه الدولة الأموية والدولة العباسية في مرحلتيها الأولى والثانية، وانتهى عصر الخلافة الراشدة. مع ولادة ابن تيمية، مضت خمس سنوات على سقوط  بغداد على يد المغول، واهتزاز المركز الإسلامي للخلافة الإسلامية، وانتهينا من دولة السلاجقة الي كانت ضمن الخلافة العباسية، وانتهينا من الدولة الزنكية التي كانت امتداداً للدولة السلجوقية وسلاطينها، وانتهينا من الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، القائد العسكري في الدولة الزنكية.لمع اسم ابن تيمية عقب الانتصار الذي تحقق للمماليك على المغول المسلمين في حرب إسلامية – إسلامية في معركة ” شقحب”، فقد وضع مشروعية لهذه الحرب وأنتج من خلالها نصوصاً تكفيرية متأثرة بهذا الجو، وقد أفتى لهم بالإفطار في رمضان ليتمكنوا من تحسين أدائهم في المعركة. وخرج ابن تيمية من كل ذلك بنجومية كاسحة نافس بها السلطان المملوكي نفسه، لذلك خشي السلطان الناصر بن قلاوون أن ينافسه أو ينقلب عليه، من هنا جاءت مقولة ابن تيمية الشهيرة “أنا رجل ملة لا رجل دولة” بمعنى أنه قال للسلطان: “لا تخشَ أن أنازعك في الملك”.يجري خطاب التكفير عند ابن تيمية وفق محددات السياسة، بمعنى أن ما حددته السياسية أنه كفر فهو بالنسبة لإبن تيمية كفر، وهذا ليس بمعنى الامتثال المباشر أو الخضوع إلى قرار سياسي، وليس بمعنى أنه لا يراعي الضوابط الشرعية، لكن باعتبار أن خطاب من يتحدث باسم أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يخرج على خطاب السياسة، ذلك فإن إحدى مقتضيات الدين الأساسية عند أهل السنة والجماعة، هو عدم جواز الخروج على الإمام أو الخليفة حتى لو كان فاسقاً أو مغتصباً للخلافة أو شارباً للخمر أو ظالماً أو مستولياً على السلطة بالقوة، كما يوضح الكاتب.تحدث الديري عن ابن تيمية ونقده للأشعري، حيث أصبح سلفياً يرفض فكرة التأويل ويأخذ الصفات كلها حتى لو فهم من ظاهرها أنها تمثل تجسيماً أو تجسيداً.
وبرغم أن ابن تيمية وأتباعه يرفضون فكرة التجسيم والتجسيد والتشبيه، ويقولون نحن لسنا من أهل التجسيد، لكن خصومهم يقولون لهم إنكم بالإيمان بهذه الصفات على ظاهرها تجسمون وتجسدون. هنا أعاد ابن تيمية الخلاف مع الأشعري والأشعرية بعد أن أصبح هذا المذهب سائداً ومعروفاً ومسلماً به، أراد ابن تيمية أن يقول إن مذهب أهل السلف ليس هو مذهب الأشعرية، بل المذهب الصحيح هو مذهب أحمد بن حنبل، وهو مذهب الأشعري في كتابه “الإبانة”، وأن الأشعري قد تم تأويله من جماعته تأويلا خاطئاً.
وقد كتب ابن تيمية مطلِق القرن الرابع عشر الميلادي فتوى تاريخية شهيرة أرسلها إلى سلطان الممالك الناصر بن قلاوون، أعطى فيها المشروعية الدينية لتنفيذ مذبحة كسروان التي قام بها 50 ألف جندي من المماليك ضد الشيعة فيما عرف بـ(فتوح كسروان) وهي تسمية مشتقة من تهنئة الفتح التي وردت في نص الفتوى. ويعتبر المؤلف أن فتوى ابن تيمية يمكن عدّها فصلاً ملحقاً بكتاب (فضائح الباطنية) للغزالي، فهو يستعمل بعد 217 عاماً، تسميات الغزالي وتوصيفاته، ويتتطابق مع موقفه الشرعي والسياسي وعرضه لعقائد الإسماعيليين وكل ما هو مكوّن في الصورة الذهنية عن هؤلاء.أصبحت نصوص التكفير والتوحش لوائح اتهام سياسي جاهزة للاستخدام والتوظيف ضد الخصوم السياسيين والعقائديين، والفرضية التي ينطلق منها الديري في دراساته صاغها في هذه الجملة المختصرة: (الوحش يكمن في – أرثوذكسية السنة السلجوقية – هذا هو الوحش الذي يسرق وجوهنا) فـنص التكفير يبقى ويستخدم ويولّد نصوصاً أخرى، ويجعل الاختلافات السياسية حالة عداء لا تنتهي، في حين أن الخلاف السياسي قد ينتهي. ويصف الكاتب أفكار ابن تيمية بالمضطربة في مسألة التكفير بشكل عام، فقائمة ابن تيمية للتكفير تزيد وتتناقص،  وقد لخص الديري قائمة التكفير من وجهة نظر خطاب ابن تيمية، التى تشمل الفلاسفة والصوفية والباطنية والرافضة والجهمية، وتشمل حالات يمكن أن تنطبق على شخص مسلم أو جماعة مسلمة أخرى.

 *كاتبة وإعلامية لبنانية