الزجل.. حافظ تراث اللبنانيين وابن الناس الطيبين

الزجل.. حافظ تراث اللبنانيين وابن الناس الطيبين

*غنى مونّس

“ما زالت الحكايات المحكية أو المكتوبة بقوالب الأدب الشّعبي، أيسر سبل التّفاهم، فلا بدّ من أن يكون هناك بطل أو أبطال، توضع على ألسنتهم أبلغ تعابير الحكمة والحق والجمال المتفق عليها بين النّاس على اختلاف مستوياتهم”  (1)، وقد برز في السّاحة اللبنانية فرسان قدموا هؤلاء الأبطال في قالب من الشّعر الشعبي، ووثَّقوا أدب النّاس، وأدب البلد، وأدب التّاريخ، باللّغة المحكية، فاستحقوا عن جدارة لقب “فرسان الزّجل في لبنان”.

هذا الشعر ميزة أبناء البلد، “أبناء لبناني هم الذين يسكبون أرواحهم في كؤوس جديدة، وهم شعراء الفطرة الذين ينشدون العتابا والمعنى والزّجل” (2)، وفقًا لجبران خليل جبران، فعنده “أنّ في الموّال والزّجل والعتابا من الكنايات المستجدة، والاستعارات المستملحة، والتّعابير الرّشيقة المثستَنبطة، ما لو وضعناه بجانب تلك القصائد المنظومة بلغة فصيحة، لبانتْ كباقة من الرّياحين بقرب رابية من الحطب، أو كسرب من الصّبايا الرّاقصات، قبالة مجموعة من الجثث المّحنطة” (3)، مصدقًا بذلك أبيات أحمد شوقي:

والشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفة

أو حكمة فهو تقطيع وأوزان

هذا الزّجل ذاته هو “ابن القرية، ابن النّاس الطيبين، هو ذاكرتهم، سجلّ حكاياتهم، مرج مخيلتهم، وملعب أحلامهم” (4)، وقد فسّر طليع حمدان، أحد أبرز فرسان الزجل، مع آخرين، هذا بالرّدّات والقصائد، فعبروا عن خبايا هذه الذّاكرة، بكل أنواعها، خبايا الإنسان بوجدانه وعاطفته وحبه ومشاعره، وخبايا الحكايا العالقة بين الناس، وخبايا التاريخ، والذاكرة الشعبية، ليوثقوها في قالب لم يخلُ من اللّطافة والبلاغة والفكاهة في آن معًا.

عين على الزجل

قبل كل شيء، لا بدَّ لنا من الاطلاع على الزجل، ماهيته، قوالبه، وهو نوع من أنواع الشعر العامي، له صروفه وأوزانه وموسيقاه، ويقول البعض إنّه لا يُفهَم إلا إذا غُنّي. وقد عُرِف في بلاد العرب، وامتدت أصوله في التّاريخ، حيث إنّ كلّ شعر منظوم بلهجة محكية في أي بلد عربي.

في لبنان، أطلق اللّبنانيون كلمة “المعنى” على الزّجل اللّبناني المغني، وأطلقوا لقب “القوالين” على ناظميه، وكانت هناك “مشيخة” للقوالين، فلا يكون القوّال شيخًا إلا إذا تفوَّق على أقرانه بالارتجال والصّوت الجميل والشّكل الحسن.

ومن أبرز قوّالي الزّجل في لبنان، زين شعيب وطليع حمدان وخليل روكز وشحرور الوادي، وقد كان الأخير، واسمه الحقيقي “أسعد الخوري الفغالي”، من أشهر قوّالي زمانه، حتى بدأ بعض المعجبين بأدائه المتألق يطلقون عليه لقب شاعر، وجاء من يقول إنَّ شعراء الفصيح ينكرون على القوّالين لقب شاعر، فكان ردّه بليغًا:

أهل الفن شهدوا للمْعنى

غنائي وإرتجالي. وإن تغنى

على المنبر بصهوتنا تكنى

وإذا شي شاعر علينا تجنى

غضضنا الطرف حتى الشعر يبقى

إلو حِرمي وكرامي في وطننا

طه حسين يختبر الزجل في لبنان

لطالما كان الزّجل حاضرًا في المدح والرثاء، والانتخابات والتكريمات. ومن أطرف ما ورد في هذا المجال، ما حصل مع الأديب المصري طه حسين، فقد ورد أنّ بعض رجال الفكر في مصر كانوا قد تنادوا إلى إقامة حفل تكريم لشاعر القطرين خليل مطران، وجاء من يريد الاستئناس برأي الملك فاروق، الذي قال عندما قرأ اسم الدّكتور طه حسين بين أسماء أعضاء لجنة التّكريم: “إيه الأعمى ده!!!”.

وعلم طه حسين بكلام فاروق، فقال: “لم أكنْ أظنّ في حياتي أن تنالني مثل هذه الإهانة، وفي بلدي، وفي مثل هذه المناسبة”، واكتفى بالانسحاب من لجنة التّكريم.

وكان أن قدم طه حسين يومًا إلى لبنان، فأكرمه شعراء ذلك الزّمان وأدباؤه بما يناسب مكانته في دنيا الفكر. وقد بلغه أنّ شعراء الزّجل عندنا يرتجلون الشعر الشّعبي ويغنونه، حسب مقتضى الحال، فطلب أن يختبر الأمر بنفسه، وجيء به إلى حيث كانت فرقة “شحرور الوادي” تقيم إحدى حفلاتها. وما أن أطلَّ بطربوشه الطويل، ونظارتيه السّودوايين، حتى انتبه أحد الحاضرين وهتف: أهلًا وسهلًا بطه حسين!

وأخذ المبادرة شحرور الوادي مرحبًا:

أهلا وسهلا بطه حسين

ربي أعطاني عينين

العين الوحدة بتكفيني

خذلك عين وخلي عين

وضجت القاعة بالتّصفيق، وراح الجميع يرددون: “خذلك عين وخلي عين”، إلى أن وقف علي الحاج، الشاعر الثاني في الفرقة، منافسًا إيّاه:

أهلا وسهلا بطه حسين

بيلزملك عينين تنين

تكَرَّم شحرور الوادي

منّو عين ومنّي عين

وتناول الرّدة أنيس روحانا، الشّاعر الثالث في الفرقة، وقال:

لا تقبل يا طه حسين

من كل واحد تاخذْ عين

بْقَدِّملَك جوز عيوني

هْدية، لا قِرضة ولا دين

وختم طانيوس عبده، الشاعر الرابع في الفرقة التّرحيب ممعنًا في مدح الضيف المصون:

ما بيلزَمْلو طه حسين

عين… ولا أكثر من عين

الله اختصو بعين العقْل

بْيِقشع فيها عالميلين (5)

الزّجل بين الذاكرة والناس

تطرَّق شعراء الزّجل في “رداتهم” إلى الكثير من المعاني، وكانوا يصولون ويجولون، مرتجلين في أغرب المواقف وأصعبها، فتناولوا الغربة والوحدة، وغيرها من الموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومفاهيم الحياة والموت والوحدة وما إلى ذلك.

أما في السّياسة، فكان لهم صولات وجولات يحفظها التّاريخ، وثّقوا بها أبرز المراحل التي شهدها لبنان، فمثلًا، إبان حكم العثمانيين لبلادنا، درجت سياسة “فرق تسد” في حكمهم، فكانوا لا يوالون زعيمًا حتى يستدرجوا سواه إلى الموالاة حسب أهوائهم ومصالحهم.

وعند ظهور جمعية “تركيا الفتاة” على مسرح الأحداث في سلطنة بني عثمان، ظن الناس بها خيرًا، ولعل الأمير مصطفى أرسلان (وكان حاكمًا في لبنان آنذاك) توقَّع أن تكون سياستها إصلاحية، لكن سرعان ما بدا أن جماعة “تركيا الفتاة” كانوا لا يحفظون من إرث سلاطينهم غير سياسة “فرّق تسد”.

وفي هذا الإطار، ينقل سلام الراسي أنَّ أباه يونس وجَّه في إحدى المناسبات ردة زجل إلى الأمير مصطفى أرسلان، لعلها تلقي ضوءًا على مفهومه لتركيا الفتاة:

صيف وشتا عسطح واحد مهزلة

يا مير لازم تفقي هالدملة

ظنيت تركيا الفتاة كانت فتاة

لاقيتها من الأصل طلعت أرملة

وفي أعقاب انتخابات 25 أيار/ مايو 1947، الأولى بعد الاستقلال، وكانت من أشهر الانتخابات النّيابية في تاريخ لبنان، لما تخللها من تزوير وتلاعب وإرهاب، راجت ردة زجل تُذَكرنا بما حدث يومذاك:

يا حِسني بعد اللي صار

في خمس وعشرين أيار

صرنا بعهد الاستقلال

نترحم عالاستعمار

وهذه الردة لها حكاية معتبرة مفادها أنّ المحامي حسني أبو ظهر من صيدا، كان قد رشّح نفسه للنيابة في انتخابات 25 أيار/ مايو المشهورة. وعند فرز الأصوات، تبين أنّه لم ينل صوتًا واحدًا، فتساءل: “عائلتي أكبر عائلة في صيدا، ولو فرضنا أنّ عائلتي خانتني، فأين صوت زوجتي؟ ولو فرضنا أن زوجتي هي الأخرى لم تصدق معي، فأين صوتي؟”.

وصارت هذه الحادثة حديث الناس في ذلك العام. وقد تصدى لها الشاعر الشعبي “عباس الحاروفي”، نسبة إلى قرية حاروف الجنوبية، وأرّخها بهذه الرّدة، التي سرت بين الناس، حيث إنَّ هذه الانتخابات كانت أول انتخابات تجري في عهد الاستقلال، والأسوأ في جميع العهود، فكان اللبنانيون، كلَّما تذكروها، يرددون هذه الأبيات. وتشهد دواوين الزّجل اللبناني الكثير من الحوادث المماثلة.

للحرب في الزّجل نصيب

اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في أعقاب حادثة عين الرمانة الدامية في نيسان/ أبريل 1975، والتي كانت العاصفة التي دمَّرت سدود التّعايش بين اللّبنانيين، وأغرقتهم في طوفان من الدموع والدماء.

وخلّد الشاعر الشعبي كميل خليفة واقع الحال في هذه الأبيات:

إبدا بعين الرّمانة

بالتّاريخ خلَيفاني،

بدنا نوح بفلكو نسوح،

بهالطوفان اللبناني

ولبيروت نصيبها أيضًا، يخاطبها الشاعر عجاج المهتار من كندا، فيقول:

بيروت يا بيروت! لا تحرمينا طيبْ أنفاسك

خلّي التّصافي، متل ما كان، طولْ الدّهر، نبراسك

بترتاح أصوات المآذن حولْ أجراسك

ولا تِسألي عمّا جرى، ومين دمّر صروحك

إن دمَّروا ما دمّروا… ما دمّروا روحك

بيروت يا بيروتْ، قومي لملمي جروحك

وعن الحرب الأهلية اللبنانية، والواقع الاقتصادي المرير الذي تلاها:

سبعتعشر عام فوضى واقِتتال

بعدها، رخصت كرامات الرجال

جِبْلي مواطن آدمي وحر وتقي

وقادر يعيش اليوم، من “قرش الحلال”

حفظ الذاكرة

أدى الزجل دورًا كبيرًا في حفظ الذّاكرة اللّبنانية في بلاد الاغتراب، ومن أبرز ذلك ما رواه لفيف من الجالية المرجعونية في البرازيل لسلام الراسي عن بعض ذكرياتهم قبل اغترابهم.

أحدهم ترك بلدته جديدة مرجعيون عندما هاجمها الثوار سنة 1925 وأحرقوا بعض بيوتها، غير أنّه ما زال يذكر ردة من الحداء لها علاقة بما حدث في ذلك العام:

بارودتي حبوبتي

يحْلالي لبس جْنادها

نار الحرايب عَلَّقت

غطّاس كان سْبابها

وهو أيضًا [الزّجل] يوثق مشاعر أهلها في غربته، ومن أبرز ما قيل في هذا المجال عن حب الوطن:

جبت الدوا للشفا، أضنى الدوا بحالي،

همي وهم الوطن بيظل في بالي

بدي دوا للدوا، بدي صبر أيوب

ما أرخص الموت، لولا ما الوطن غالي

كما يوثق رسائل المغتربين إلى أهلهم، فيخاطب المغترب أمه، على لسان الشاعر اللبناني موسى زغيب:

باعت الك مكتوب يا امي

حامل عذابي بغربتي و همّي

مشتاق لجناحك الـ كان يضم

قلبي ويزرع ضحك عا تمي

ريح الدني بتفرط … وما بتلم

وانتي صغار البيت بتلمي

من هيك يمّي البعد منو مهم

بركة رضاكي وحدها مهمة

وكل ما عجز وعد التلاقي يتم

واشتقت من غمرك ع شي ضمة

بوعى بخبي صورتك بالكم

وبيصير قلبي يرقص بكمي

ورح ضل ابعتلك بعيد الام

دعوة بطول العمر والهمة

وانت ابعتيلي محرمة تا شم

ريحة بلادي بمحرمة امي (6)

النقد السياسي

من أجمل ما قيل عن سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها الأميركان، ردة اشتُهِرَت بعد أن قام الأميركيون بأفظع مجزرة في التّاريخ، حين ألقوا القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية في 6 آب/ أغسطس 1945، والتي أودت بحياة أكثر من ثمانين ألف ياباني، في حين أسّسوا من جانب آخر جمعيات الرّفق بالحيوان، التي راجت سوقها في لبنان والعالم. وقد قال فيها أديب حداد (وكنيته أبو ملحم)، وهو شاعر كان يتحسَّس الأحداث التاريخية ويعبر عنها بمفهوم شعبي بريء:

لا تِسألوا “شو صار” باليابان

وقدّيش قلّت قيمة الإنسان

بْيفتْكوا بالنّاس بالجملة

وبيبشّروا بالرفق بالحيوان

وفي الفترة ذاتها تقريبًا، أطلق الروس عربة فضائية إلى القمر، على متنها كلبة اسمعها “لايكا”، فقامت قيامة بعض الأوساط الإنسانية، ولا سيما الأميركية منها، إذ لا بد من أن يكون هلاكها [الكلبة لايكا] محتمًا من الخوف والوحدة على سطح القمر. وفي ذلك، أبيات للشاعر الزّجلي الجميل خليل روكز:

طلعة كلْب عالجو عملتْ مشكلهْ

ومن هون فرق العنصريّهْ بينجلي

هيروشيما دمرتها القنبلة

لا تظاهر العالم ولا ضَغطو عِلِي

الشعب “يؤلّف” تاريخه

“في لقاء لجمع من المثقفين، حاولوا أن يتذكروا متى هبط الأميركيون على سطح القمر، فعاجلهم أحد الحاضرين بقوله: “كان ذلك سنة 1969″، وأضاف أنّ الشّيخ علي الزين كان يؤرخ ما يحدث في كل سنة بردة من الزجل، وهو يقول عن سنة 1969:

“التسعة وستين”. هالسّنة شحّ المطرْ

فقر وغلا. و”مالوش” بالحقلة انتشرْ

فيها اليهود جالوا وصالوا عالمطار

وفيها أميركا نجّست وجه القمرْ”

ووفقًا للرّاسي، يكون الشيخ علي الزين قد أرّخ لخمسة أحداث تتراوح شعبية ومحلية وعالمية وتاريخية معًا، وهي:

أولًا: حال المطر

ثانيًا: الفقر والغلاء

ثالثًا: انتشار “المالوش” في الحقول، وهو عبارة عن حشرة لئيمة تقضم جذور المزروعات،

رابعًا: الهجوم الإسرائيلي على مطار بيروت

خامسًا: هبوط “آرمسترونغ” الأميركي على سطح القمر.

وقد كان للدكتور أنيس فريحة رأي في ذلك، إذ خاطب سلام الراسي عندما نقل إليه هذه الردّة:

“اكتب، على مسؤوليتي، أنّ ناظم هذه الرّدة من الزّجل هو معلمنا جميعًا في كتابة التّاريخ”.

الحب والمقاومة

الزّجل شعر مقاومة، وقد حضر في قصائد الشعراء الشعبيين الذين مجّدوا المقاومة، واعتبروا التّحرير من الاحتلال الإسرائيلي قيامة بعد الموت من جديد، وخاطبوا مقاوميه، وفي ذلك أبيات يهديها طليع حمدان لسناء محيدلي:

“يا مقاومة عا ترابنا جرْحك غلي

بالدّم لونتي الرّبيع المخملي

وإنسانك الغالي انفجر عالقنْبلي

وقِلتي لإسرائيل من هون ارحلي

إنتي اخترعتي قنبلة تفني البشر

نحنا اخترعنالك سناء محيدلي”

وللمقاومة يقول:

“يا مقاومة بدمّك كتبتي عالصخور

من الدّم يا حبر استحي فوق السّطور

ولمّا يفور الدّم ويبلّش يثور

تبقى يا بترول استحي حاجي تفور

طلْعِت قصور بشرقنا ونِزْلت قصور

وولّت عصور وبعدها طلّت عصور

ومجد العروبة عاد يخلق من جديد

بثورة مقاوم بين صيدا وبين صور”

كما يتناول في ردة أخرى قصف إسرائيل لجسر الأولي في لبنان خلال حرب تموز/ يوليو 2006:

كان الورد عم تنعس زرارو

بآخر ليل رح يطلع نهارو

قصف طيار من دوله عملية

طار حرامنا الغطّا زغارو

دمّر جسرنا بغابة ظليلة

ما دمر شعبنا الماكن عمارو

عا جسر الأولي بصيدا الجميلة

مرق جيش اليهودي بتقل عارو

لما دمّرو بضربة تقيلة

صار الجسر مبسوط بدمارو

تيْنّظّف من دَنَس هالإسرائيلي

وقَع بالنّهر تَا يغَسّل حجارو

، تخلد أيضًا هذا النّضال.

طليع حمدان ورفاقه من الشّعراء الزّجليين، لم ينسوا قصص حب المناضلين (7)، ولا الشهداء الذين ناضلوا من أجل الوطن وافتدوه بدمائهم. ننقل عن ذلك أبياتًا للسيد محمد المصطفى:

مجدك جبل عامل بهالتاريخ زيد

تا يعود يخضر الأمان بربوعنا

ونْشوف مطلع شمسنا وهلال عيد

يسْطَع علينا تا يشع وجودنا

وكلّ نقطة دم نزلت من شهيد

انْكَتبِت على صخرة خلودك يا جنوب

حتّى حَمَينا بدمانا حدودنا

لو أمعَنّا في البحث، لوجدنا أنّ الزّجل حفظ أبرز المحطات والأحداث في تاريخ لبنان، كما تطرق أيضًا إلى بعض الأحداث الخاصة التي شهدها النّاس في قراهم ومجتمعاتهم، وهو، كشعر شعبي، يُشهَد له بحسن الذائقة والمعاني، ويُشهَد “لقوّاليه” بأنّهم شعراء، يَصدُق فيهم قول الشاعر الزجلي خليل روكز:

إذا الشاعر ما بيهِز المشاعر

ضروري نسمع الأخرس بدالو.

ولكن يبقى هناك حائل بينه وبين التشكيل النّهائي لذاكرة البلاد، ألا وهو انعدام التّنظيم الذي يتعرض له، فغالبية الأعمال الشعرية الزّجلية يتم تنظيمها في دواوين خاصة، وغالبًا ما ينشرها الشعراء على حسابهم، الأمر الذي يضر بالموضوعات وبعمليات التوثيق والبحث في آن معًا.

وإذا ما أراد أحدهم البحث عن موضوع ما، على نسق الموضوعات الواردة في سياق هذا المقال، لوجد الكثير من العوائق، أولها غياب التبويب الموضوعي والفهرسة، وهو ما يُضر بهذا التراث. لذلك، من الحري بالقائمين على هذا المجال في لبنان، العمل على فهرسته وتنظيمه، ليُصار إلى الإفادة منه، سواء في توثيق الذاكرة الوطنية للبلاد (من خلال فهرسة الأعمال التي تتعرض للأحداث التاريخية والمواقف الوطنية) أو الموضوعات العامة، وهو إن كان ارتجاليًا وعفويًا في طبيعته، إلا أنه بحاجة إلى الكثير من التّخطيط، الأمر الذي يجب تشجيع المهتمين على العمل عليه، حفاظًا على هذا الإرث الوطني.

____________________

 المراجع:
1 – سلام الراسي، “الحبل عالجرار”، دار نوفل، الطبعة الثالثة، 2005، ص 13.
2 – جبران خليل جبران، المواكب، طـ 6، دار نظير عبود، شباط 2000، ص 46.
3 – المصدر نفسه، ص 68.
4 – سحر نصر ضو، “مسيرة الزّجل اللّبناني: طليع حمدان أنموذجًا”، الطبعة الأولى 2015، ص 35.
5 – سلام الراسي، “الحبل عالجرار”، دار نوفل، الطبعة الثالثة، 2005، ص 79.
6 – موسى زغيب، قصيدة “باعت الك مكتوب يا أمي”، انظر:  
https://www.youtube.com/watch?v=Ein0zofrGP0
7 – طليع حمدان،  قصيدة “مقاوم حب بالصدفة صبية”، انظر :
https://www.youtube.com/watch?v=_ohRYhjuuqg

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF:

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو  8 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا:

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>