حياة الناس في القرية البحرينية ” قبل النفط “

حياة الناس في القرية البحرينية ” قبل النفط “

*أمينة الفردان

قديماً، عاش الناس حالاً من الفقر الشديد، نتيجة لعدم توافر الأعمال. يقول المرحوم “الحاج جعفر” الثمانيني: “ففي تلك السنوات العصيبة التي سبقت اكتشاف النفط، لم تتوفر إلا أعمالاً قليلة يعتاش منها الناس، فلم يجدوا بديلاً إلا العمل مع عوائلهم تحت ظروف القهر في أحايين كثيرة من أجل أن يحظى الفرد منهم بطعام يسدّ رمقه. وفي تلك السنوات، برزت ظاهرة التسول عند بعض الناس، وبخاصة عند أبواب العوائل الميسورة ومجالسها ممن يمتلكون المزارع لكي يحصلوا على الطعام ولو كانت تمرة تسدّ جوعهم”.

وقالت المرحومة الحاجة التسعينية “كلثم مرهون”: “في أيامنا كان القحط، وتلك السنوات الصعبة سمتها الناس “سنوات الرحمة”. ومن شدة الفقر كان الناس يرتدون الملابس المرقّعة بالإضافة إلى أنهم كانوا يمشون حفاة، فكانوا يذهبون مشياً على أقدامهم إلى قرية صدد البعيدة قليلاً  لكي ينالوا نصيبهم من التموين الذي كانت تدفعه الدولة آنذاك”.

وفيما بعد انتقل مكان توزيع التموين إلى قرية كرزكان. فكما يقول “الحاج جعفر” : “أتذكر التموين الذي كان يوزعه الفرساني. وهو عبارة عن أكياس تمر، توزع للأسر. كنت طفلاً حينها، فجربت أن أقترب من الفرساني لأطلب منه حقي في كيس العطاء، إلا أني حصلت على لشطة  ضربة، فغضبت وهربت بعيداً”.  

بعدها استلم مهمة توزيع التموين “الحاج إبراهيم بن كاظم الفردان” والذي كان يصرفه على الأسر المحتاجة في القرية تبعاً لعدد أفرادها. وهذا التموين هو عبارة عن طعام وملابس مدفوعة من قبل الدولة.

لقد جاءت البشرى في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، حين بدأت الطفرة النفظية، وما تبعها من تحول إقتصادي، فتحسّنت أحوال الناس. وكانت أولى بوادر الخير الأنشطة التجارية داخل البيوت، مثل دكان “الحاج إبراهيم بن كاظم الفردان”، والذي كان يذهب لسوق المنامة لشراء بضاعته من هناك، ثم يأتي ويبيعها في القرية. وتركّزت تلك البضاعة على الكثير من المواد الغذائية الأساسية كالرز والسكر. وكان آنذاك يعدّ شراء هذه المواد من اختصاصات الرجل لا المرأة.

في تلك السنوات برز نشاط آخر لـ”الحاج محمد حسين الفردان“، وهو عبارة عن بيع الأقمشة للنساء والرجال على حدٍّ سواء. فكان الأهالي آنذاك يلقبونه بـ “البزّاز” أي بائع الأقمشة. وكان الحاج محمد (البزّاز) يتنقّل على حماره حاملاً بضاعته من الأقمشة المتعددة الأنواع والألوان والأشكال قاصداً القرى المجاورة مثل قريتي المالكية ودار كليب.

ومع وجود البزاز، كانت العوائل تحدّد لنسائها شراء “الكسوة” مرة إلى ثلاث مرات في السنة الهجرية. والكسوة تعني كل ما تحتاج إليه المرأة آنذاك من أساسيات فقط مثل الملابس ودهن للشعر والمشط والنعال. إذ تخبرنا الحاجة فاطمة أنها عاشت في بيت عمها (والد زوجها)، وقد تمّ تحديد ثلاث مناسبات في السنة لإعطاء النساء كسوتهن، وهي كسوة العيد أي عيد الفطر وعيد الأضحى، وكسوة محرم. .وتتابع : “عندما يحين وقت الكسوة، كنا نذهب إلى الحاج محمد البزاز لشراء القماش، وفيما بعد تقوم العائلة التي تقع المرأة في كفالتها والمتمثلة بكبير العائلة وهو الجد، بدفع المبلغ المستحق“.

ويمكن أن أذكر هنا بأنني سمعت من أبناء المرحوم الحاج محمد البزاز “جدي” عن دفتر الديون، والذي ما زالوا يحتفظون به لكنهم تحفظوا بعرضه عليّ لأنه أمر حساس، يكشف عن أسماء أصحابها، فالله سبحانه وتعالى أمر بالستر.

وبالرجوع إلى موضوع الكسوة، كان هناك بعض العوائل التي تقوم بدفع مبلغ من المال لكل امرأة في وقت الكسوة وذلك بإعطائها “دينارين” من أجل شراء ما تحتاج إليه من ملابس ومستلزمات أساسية.

ومع ذلك، هناك الإخبارية السبعينية “أم السادة”، التي تتحدث لنا عن وضعها المادي وكيف كان صعباً للغاية نتيجة لوفاة والدها، ولم تحصل على كل ما حصلت عليه تلك النسوة. إذ تقول: “في ذلك الزمان، عشنا حياة صعبة لأننا يتامى، فقد كان اليتيم يعاني بحق لأنه لا يجد من ينفق عليه ويرعاه. وكنتُ مع أخواتي نقوم بعمل السميم، وهو نوع من البساط الخوصي المنسوج يدوياً يستخدم لأسقف الدور. كنا نبيعها آنذاك بخمسين فلساً، هذا المبلغ كنا ندخره لنقوم فيما بعد بشراء ما نحتاج إليه”.

كل ما ذكرته الإخباريات هنا يتعلق بصعوبة الوضع المعيشي الذي تغير إلى حد ما نتيجة  لخروج الرجال للعمل في شركة بابكو (الجبل) مقابل 150 فلساً يحصل عليها العامل يومياً إلى أن ارتفع الراتب شيئاً فشيئاً. وهذا ما انعكس على الحال الشرائية عند بعض الأسر. إذ تقول الحاجة “أم أحمد” التي كان زوجها الحاج “صالح الشيخ” من أوائل الرجال الذين عملوا في الجبل ” بابكو “: قديماً كنت أشتري الأقمشة من الحاج محمد البزاز، لي ولبناتي مرة واحدة في الشهر. وعندما تعترضني بعض الظروف القاهرة وأتأخر عن الذهاب إليه، يحرص على عزل أقمشتي التي أعتدتُ على أخذهاً جانباً، حتى أذهب وآخذها بنفسي”.

وفيما يتعلق بأسواق القرية، فمثلها مثل الأسواق الأخرى هي غير ثابتة، وإنما يقوم الباعة بعرض بضائعهم على قارعة الطريق وينادون عليها أو يتجولون بين البيوت وهو ينادون على نوع البضاعة التي يبيعونها فيخرج الناس لشرائها أو مقايضتها.” (157)

هذا ويحدّثنا الحاج جعفر الفردان عن “دكان صالح”، وهو أول محل تجاري مستقل (أي خارج البيوت) لبيع المواد الغذائية. فقد كان الحاج صالح يشتري بضاعته من سوق المنامة ثمّ يأتي ليبيعها في القرية. ولقد اعتاد الأهالي قديماً على الحاج صالح وهو يجول في القرية منذ الصباح الباكر حاملاً بضاعته التي لم يألفها الناس من قبل كخبز العجم، والبخصم، حين يأتي بهما مُحمّلَين على مراحل ليبيعهما للناس.

وقتها، كانت مسألة البيع والشراء مرتبطة في الغالب بشراء الأساسيات فقط، حتى يستطيع الناس مواصلة الحياة والبقاء على حدّ الكفاف.

قديماً، عاش الناس حالاً من الفقر الشديد، نتيجة لعدم توافر الأعمال. يقول المرحوم “الحاج جعفر” الثمانيني: “ففي تلك السنوات العصيبة التي سبقت اكتشاف النفط، لم تتوفر إلا أعمالاً قليلة يعتاش منها الناس، فلم يجدوا بديلاً إلا العمل مع عوائلهم تحت ظروف القهر في أحايين كثيرة من أجل أن يحظى الفرد منهم بطعام يسدّ رمقه. وفي تلك السنوات، برزت ظاهرة التسول عند بعض الناس، وبخاصة عند أبواب العوائل الميسورة ومجالسها ممن يمتلكون المزارع لكي يحصلوا على الطعام ولو كانت تمرة تسدّ جوعهم”.

وقالت المرحومة الحاجة التسعينية “كلثم مرهون”: “في أيامنا كان القحط، وتلك السنوات الصعبة سمتها الناس “سنوات الرحمة”. ومن شدة الفقر كان الناس يرتدون الملابس المرقّعة بالإضافة إلى أنهم كانوا يمشون حفاة، فكانوا يذهبون مشياً على أقدامهم إلى قرية صدد البعيدة قليلاً  لكي ينالوا نصيبهم من التموين الذي كانت تدفعه الدولة آنذاك”.

وفيما بعد انتقل مكان توزيع التموين إلى قرية كرزكان. فكما يقول “الحاج جعفر” : “أتذكر التموين الذي كان يوزعه الفرساني. وهو عبارة عن أكياس تمر، توزع للأسر. كنت طفلاً حينها، فجربت أن أقترب من الفرساني لأطلب منه حقي في كيس العطاء، إلا أني حصلت على لشطة  ضربة، فغضبت وهربت بعيداً”.  

بعدها استلم مهمة توزيع التموين “الحاج إبراهيم بن كاظم الفردان” والذي كان يصرفه على الأسر المحتاجة في القرية تبعاً لعدد أفرادها. وهذا التموين هو عبارة عن طعام وملابس مدفوعة من قبل الدولة.

لقد جاءت البشرى في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، حين بدأت الطفرة النفظية، وما تبعها من تحول إقتصادي، فتحسّنت أحوال الناس. وكانت أولى بوادر الخير الأنشطة التجارية داخل البيوت، مثل دكان “الحاج إبراهيم بن كاظم الفردان”، والذي كان يذهب لسوق المنامة لشراء بضاعته من هناك، ثم يأتي ويبيعها في القرية. وتركّزت تلك البضاعة على الكثير من المواد الغذائية الأساسية كالرز والسكر. وكان آنذاك يعدّ شراء هذه المواد من اختصاصات الرجل لا المرأة.

في تلك السنوات برز نشاط آخر لـ”الحاج محمد حسين الفردان“، وهو عبارة عن بيع الأقمشة للنساء والرجال على حدٍّ سواء. فكان الأهالي آنذاك يلقبونه بـ “البزّاز” أي بائع الأقمشة. وكان الحاج محمد (البزّاز) يتنقّل على حماره حاملاً بضاعته من الأقمشة المتعددة الأنواع والألوان والأشكال قاصداً القرى المجاورة مثل قريتي المالكية ودار كليب.

ومع وجود البزاز، كانت العوائل تحدّد لنسائها شراء “الكسوة” مرة إلى ثلاث مرات في السنة الهجرية. والكسوة تعني كل ما تحتاج إليه المرأة آنذاك من أساسيات فقط مثل الملابس ودهن للشعر والمشط والنعال. إذ تخبرنا الحاجة فاطمة أنها عاشت في بيت عمها (والد زوجها)، وقد تمّ تحديد ثلاث مناسبات في السنة لإعطاء النساء كسوتهن، وهي كسوة العيد أي عيد الفطر وعيد الأضحى، وكسوة محرم. .وتتابع : “عندما يحين وقت الكسوة، كنا نذهب إلى الحاج محمد البزاز لشراء القماش، وفيما بعد تقوم العائلة التي تقع المرأة في كفالتها والمتمثلة بكبير العائلة وهو الجد، بدفع المبلغ المستحق“.

ويمكن أن أذكر هنا بأنني سمعت من أبناء المرحوم الحاج محمد البزاز “جدي” عن دفتر الديون، والذي ما زالوا يحتفظون به لكنهم تحفظوا بعرضه عليّ لأنه أمر حساس، يكشف عن أسماء أصحابها، فالله سبحانه وتعالى أمر بالستر.

وبالرجوع إلى موضوع الكسوة، كان هناك بعض العوائل التي تقوم بدفع مبلغ من المال لكل امرأة في وقت الكسوة وذلك بإعطائها “دينارين” من أجل شراء ما تحتاج إليه من ملابس ومستلزمات أساسية.

ومع ذلك، هناك الإخبارية السبعينية “أم السادة”، التي تتحدث لنا عن وضعها المادي وكيف كان صعباً للغاية نتيجة لوفاة والدها، ولم تحصل على كل ما حصلت عليه تلك النسوة. إذ تقول: “في ذلك الزمان، عشنا حياة صعبة لأننا يتامى، فقد كان اليتيم يعاني بحق لأنه لا يجد من ينفق عليه ويرعاه. وكنتُ مع أخواتي نقوم بعمل السميم، وهو نوع من البساط الخوصي المنسوج يدوياً يستخدم لأسقف الدور. كنا نبيعها آنذاك بخمسين فلساً، هذا المبلغ كنا ندخره لنقوم فيما بعد بشراء ما نحتاج إليه”.

كل ما ذكرته الإخباريات هنا يتعلق بصعوبة الوضع المعيشي الذي تغير إلى حد ما نتيجة  لخروج الرجال للعمل في شركة بابكو (الجبل) مقابل 150 فلساً يحصل عليها العامل يومياً إلى أن ارتفع الراتب شيئاً فشيئاً. وهذا ما انعكس على الحال الشرائية عند بعض الأسر. إذ تقول الحاجة “أم أحمد” التي كان زوجها الحاج “صالح الشيخ” من أوائل الرجال الذين عملوا في الجبل ” بابكو “: قديماً كنت أشتري الأقمشة من الحاج محمد البزاز، لي ولبناتي مرة واحدة في الشهر. وعندما تعترضني بعض الظروف القاهرة وأتأخر عن الذهاب إليه، يحرص على عزل أقمشتي التي أعتدتُ على أخذهاً جانباً، حتى أذهب وآخذها بنفسي”.

وفيما يتعلق بأسواق القرية، فمثلها مثل الأسواق الأخرى هي غير ثابتة، وإنما يقوم الباعة بعرض بضائعهم على قارعة الطريق وينادون عليها أو يتجولون بين البيوت وهو ينادون على نوع البضاعة التي يبيعونها فيخرج الناس لشرائها أو مقايضتها.” (157)

هذا ويحدّثنا الحاج جعفر الفردان عن “دكان صالح”، وهو أول محل تجاري مستقل (أي خارج البيوت) لبيع المواد الغذائية. فقد كان الحاج صالح يشتري بضاعته من سوق المنامة ثمّ يأتي ليبيعها في القرية. ولقد اعتاد الأهالي قديماً على الحاج صالح وهو يجول في القرية منذ الصباح الباكر حاملاً بضاعته التي لم يألفها الناس من قبل كخبز العجم، والبخصم، حين يأتي بهما مُحمّلَين على مراحل ليبيعهما للناس.

وقتها، كانت مسألة البيع والشراء مرتبطة في الغالب بشراء الأساسيات فقط، حتى يستطيع الناس مواصلة الحياة والبقاء على حدّ الكفاف.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF: حياة الناس في القرية البحرينية قبل النفط

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو  1 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا:

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>