آلية التّصوير المُصَغر وإسهاماتها في عالم الأرشيف والمحفوظات
كيف بدأ التصوير المُصَغّر؟
أحدثت الثورة المعلوماتية انتعاشًا على مستوى إنتاج المعلومات وتداولها. فلقد باتت المعلومات ركيزة في جميع أركان الحياة سواء الاجتماعية أو الثّقافية أوالسّياسية وغيرها، وأساسًا في خدمة المؤسسات والمراكز المعلوماتية التي تعتمد على إنتاج المعلومات وحفظها وإتاحتها لجمهورها.
ولذلك، لجأت المؤسسات المعلوماتية إلى تقنيات بهدف تلبية حاجاتها الكامنة في حفظ المعلومات من الضّياع والنّسيان ومعالجتها وتسهيل استرجاعها. ووفقًا لتعريف مجموعة تقنية المعلومات الأمريكية ITAA، فإن تقنية المعلومات هي “دراسة، تصميم، تطوير، تفعيل، دعم وتسيير أنظمة المعلومات التي تعتمد غالبًا على تطبيقات وعتاد الحاسوب”.
في هذا المجال، نلقي الضّوء هنا على “التّصوير المُصَغّر”، وهو إحدى التّقنيات الحديثة التي ظهرت بعد الثّورة الصّناعية. فقد كانت المحاولة الأولى للتّصوير المُصَغر على يد الإنجليزي “جون بنيامين دانسر” الذى نجح، بعد تجارب متعددة، فى تسجيل أول صورة مصغرة، وواصل الفرنسي لويس داجير محاولات دانسر لتطويرها إلى أن جاءت الحرب الفرنسية البروسية ( بين العامين 1870 و1872) وكانت باريس محاصرة آنذاك. في تلك الظّروف، برزت الحاجة إلى إرسال معلومات إلى الجنود الفرنسيين الموجودين خلف الحصار فكان الاستخدام العلمي الأول للمصغرات الفيلمية على يد الفرنسي رينيه داجرون الذى استطاع تسجيل 2,5 مليون رسالة على أفلام خلال ثمانية أسابيع وإرسالها خلف خطوط القتال بواسطة الحمام الزاجل.
ومع الزّمن، تطورت تقنية التّصوير المُصَغر لتصبح أكثر دقة، وأكثر إحاطة بكافة أنواع المحفوظات، ووفّرت للمكتبات ومراكز المعلومات فرصة تسهيل تبادل المعلومات والإحاطة بها، وحمايتها من السّرقة والإتلاف وغيرها من الأخطار. ومن الوثائق التي يمكن توفيرها عليها: المخطوطات والكتب النّادرة والثّمينة، والوثائق الرّسمية ذات القيمة التّاريخية، ومصادر البحث الأولية، والمطبوعات الحكومية، والدّوريات من صحف ومجلات، والخرائط بكافة أنواعها ومعلوماتها، وملفات القصاصات الصّحفية والإعلامية، والملفات الإدارية الرّسمية، وفهارس المكتبات.
المُصَغرات الفيلمية
ليست عملية التصوير المصغرعملية عشوائية، بل هي عبارة عن مجموعة من الإجراءات الفنية والتّقنية لتحويل المعلومات من وعائها الورقي الى وعائها الفيلمي المصغر (أي ما يُسَمى بـ “المُصَغرات الفيلمية”) غير المقروء بالعين المُجردة. وتعتبر المُصَغرات الفيلمية قفزة نوعية في مجال تقنيات حفظ المعلومات والوثائق، فهي إلى جانب عيوبها، تتمتع بعدد من الميّزات التي تجعلها تُستَخدَم في المكتبات ومراكز المعلومات، حيث إنها تُشَكل الحلّ المناسب لمشكلة تضخم الوثائق الورقية في المؤسسات ومراكز المعلومات، كما أنها تضمن الحفاظ على سرية الوثائق وحمايتها من العبث والتّزوير.
وتتلخص إجراءات إعداد المُصَغرات الفيلمية بالتّالي:
1- مرحلة الإعداد الفني والعلمي: ويشتمل على المواد المطلوب تصويرها بحيث تتم معالجتها في حال كانت قد تعرضت للتلف نتيجة لتقادم الزمن عليها أو حفظها في بيئة لا تحوي الشّروط المناسبة للحفظ، ويُصار بعد ذلك إلى تصنيفها وفهرستها لتسهيل استرجاعها.
2-مرحلة التّحويل التّصويري: وتشتمل على عملية التّصوير الميكروفيلمي وما يتبع ذلك من تحميض للأفلام، وتقطيعها.
3- مرحلة الحفظ والاستخدام: وتشمل هذه المرحلة تداول المواد من قبل المستفيدين وتسويقها، وذلك من خلال أجهزة خاصة لقراءة المُصَغرات.
تختلف المُصَغرات الفيلمية من حيث الأحجام والأشكال والمواصفات، ويأتي أغلبها في شكلين: الأشكال الميكروفيلمية الملفوفة والاشكال المسطّحة، ويضم الشكل الملفوف ثلاثة أنواع هي:
- الميكروفيلم الملفوف على بكرة مفتوحة: يُخَصّص هذا النّوع لإنتاج النسخ الميكروفيلمية الأصل أو الجيل الأول من الأصول الورقية ويتم حفظه من التّداول حيث يتم صنع نسخ أخرى منه للاستخدام.
2.الميكروفيلم المحفوظ داخل غلاف ورقي.
3.الميكروفيلم المحفوظ داخل غلاف كارتردج.
أمّا الأشكال المسطحة فتقسّم إلى:
- الميكروفيش وهي عبارة عن بطاقة فيلمية مسطحة تترتب فيها اللقطات بشكل أفقي وعمودي، وتكون عدد اللّقطات ما مجموعه 60 لقطة بشكل عام وبالإمكان زيادة عدد اللقطات في حالة زيادة نسبة التصغير.
2.الحوافظ: تمتاز بإمكانية تحديث المعلومات والبيانات لكونها عبارة عن جيوب يمكن تفريغ محتوياتها أو إضافة ما هو جديد عند الحاجة.
3.البطاقة ذات الفتحة.
غني عن القول إن اختيار المصادر التي سيتم تحويلها إلى مُصَغرات فيلمية يخضع لعدة معايير منها حجم المادة وندرتها ودرجة السّرية والأمن المطلوبة لها، بالإضافة إلى قيمتها الوثائقية وصعوبة تداولها واستخدامها. كما أنه يتوجب حفظ هذه المُصَغرات الفيلمية وفقًا لطرق وأساليب خاصة، بهدف حمايتها من العوامل الطبيعية والبشرية التي قد تؤدي إلى تلفها تلفًا كليًا أو جزئيًا. وهو ما سنطلع عليه في مقال قادم بإذن الله.
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
لتحميل المقال بصيغة PDF: آلية التّصوير المُصَغر وإسهاماتها في عالم الأرشيف والمحفوظات
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
اقرأ أيضًا:
- المستودعات الرقميَّة: حافظة للذاكرة الأكاديمية ومنصَّة لنشر الأبحاث العلميَّة
- دور المشاع الإبداعي في إتاحة المعرفة
- أرشيف مركز الإسكندريَّة: حلم يبحث عن الاكتمال
- الساجات تستطيع كشف الكثير من الألغاز في التراث البحريني
- البيانات الضّخمة إعصارٌ يحتوي العالم
- الأرشيف السّمعي البصريّ : حفظ الذاكرة الجماعيّة
- اتّحاد مؤسَّسات ذاكرة الوطن تجربة نيوزيلاندا نموذجًا
- قطاع اللام: اتّحاد مؤسَّسات ذاكرة الوطن
- أرشيف الويب.. حفظ ذاكرة الإنترنت
- الميتاداتا وتوصيف المصادر الإلكترونيَّة
- تشريعات الأرشيف العربي بين الفراغ القانوني والتأثير السياسي
- التوقيع الرقمي .. نموذج للتحول من الورق إلى الإلكترونيات
- السجلات الوطنية في بريطانيا.. مفتوحة أمام العامة
- كيف تُصان الذاكرة من الإلغاء المتعمد؟
- الأرشيف الوطنيّ الأميركيّ حارس لتاريخ شعبٍ وبلد
- آلية التّصوير المصغر : أساليب حفظ المصغرات الفيلمية
- كيف يصنع الأرشيف التّاريخ؟
- المجلس الدولي للأرشيف
- التّدمير الممنهج والمنظم لأرشيف المحفوظات في جزر القمر (1975-2001)
- حق الوصول إلى المعلومات: بين مصالح الأنظمة وأحلام الشّعوب..
- لأرشيف القومي الكندي
- المخطوطات العربية والعجمية في الكاميرون .. شاهد على تاريخ البلاد