المستودعات الرقميَّة: حافظة للذاكرة الأكاديمية ومنصَّة لنشر الأبحاث العلميَّة

[et_pb_section admin_label=”section”]
[et_pb_row admin_label=”row”]
[et_pb_column type=”4_4″]
[et_pb_text admin_label=”Text”]

المستودعات الرقميَّة
حافظة للذاكرة الأكاديمية ومنصَّة لنشر الأبحاث العلميَّة

*فاطمة البزال

بعض الحكم لا تموت، لأنها تكون الأكثر صدقًا وقدرةً على التعبير عن واقعنا. أحسن الفيلسوف اليوناني هيراقليطس عندما قال: “التغيير هو الشيء الثابت الوحيد في حياتنا”، فعندما نتطلَّع إلى حياتنا بمناحيها كافّة، ومدى تغيّرها في السنوات الأخيرة فقط، نجد الكثير لنقوله في هذا الصَّدد.

ثبت أنَّ التطور التكنولوجي هو أكبر تغيير حاصل في العصر الحديث، لأنَّه أنتج قطاعات جديدة، وساهم في تغيير الكثير من القطاعات الأخرى، وكان لقطاع المعلومات الحصَّة الكبرى، فقد أحدث التطور التكنولوجي تغييرات جذرية فيه، من حيث اختلاف طبيعة المعلومة من ناحية، ووسائل حفظها وبثّها وإتاحتها من ناحية أخرى.

هذا التطور في قطاع المعلومات تزامن مع نشأة حركات عالمية تدعو إلى حرية الوصول إلى المعلومات في ظل غياب القيود الزمانية والمكانية على الوصول إليها. بات بإمكان أيِّ شخص الوصول إلى المعلومة التي يريدها بمجرد الاتصال بشبكة الإنترنت؛ تلك البوابة إلى العالم الافتراضي الَّذي يشكّل مرآة للعالم الواقعي بكلّ جوانبه.

تسعى المكتبات الأكاديمية التي تعتبر الحاضنة الأولى للإنتاج الفكري الأكاديمي إلى الاستفادة من هذه الحركات، ومن التطور التكنولوجيّ، في سبيل إتاحة إنتاجها الأكاديمي وتسهيل الوصول إليه، من دون أية قيود أو شروط، من خلال إنشائها المستودعات الرقمية المؤسّسية. من هنا، سنتطرَّق إلى فكرة المستودعات الرقمية للمؤسَّسات الأكاديمية بشكل أساسي، ونعرض لأهمّ الجهود والمشروعات في هذا السّياق.

 

ماهيَّتها وارتباطها بحركة الوصول الحرّ إلى المعلومات
تمثّل المستودعات المؤسَّسية مجموع الإنتاج الفكري الرقمي للمؤسسة الجامعية أو البحثية. تنشئ المؤسَّسات هذه المستودعات لأهداف شتى، إلا أنها تضمن من خلالها في كثير من الحالات إتاحة مفتوحة لإنتاجها الفكري. تتنوع هذه المؤسَّسات تبعًا لجهتها المنشئة أو تخصّصها في المجال الذي تخدمه، فنجد انتشارًا واسعًا للمستودعات المؤسسية، أي تلك التابعة للمؤسَّسات الجامعية ومراكز الأبحاث، يتبعها في الانتشار المستودعات الموضوعية المتخصّصة التي تهتم بالمجال العلمي في مجال واحد أو عدّة مجالات موضوعية.

وبينما تستقطب المستودعات المؤسسية الإنتاج العلمي للمنتسبين إليها في مجال واحد أو في عدة مجالات، وتتيحه للمستفيدين داخل المؤسسة وخارجها، نجد أن المستودعات المتخصصة تابعة لإحدى الكليات أو الأقسام والمعاهد العلمية أو يدعمها عدد من المؤسَّسات المتخصّصة في المجال الموضوعي للمستودع.

تزامنت انطلاقة المستودعات الرقمية المؤسسية مع نشأة حركة عالمية تدعو إلى إتاحة الوصول إلى المعلومات من دون قيود. هذه الحركة التي تربط دعوتها بحق كل المواطنين والناس بالوصول إلى المعلومات العامة والأكاديمية، من دون أن تقيدها شروط مالية أو مادية أخرى، عزَّزت من دورها من خلال ربط هذه الإتاحة بسهولة الوصول إلى المعلومات، من خلال محركات البحث العامة عبر شبكة الإنترنت، وهذه المحركات التي تعتبر بوابة ربط المستخدم الفعلي بعالم المعلومات العالمي، ساهمت في دفع المؤسَّسات الأكاديمية نحو الاستفادة منها قدر المستطاع، من خلال جعل إنتاجها الأكاديمي متاحًا عن طريقها.

ترتبط المستودعات بمجموعة من المعايير التقنية الخاصة بإيداع المواد فيها بالدرجة الأولى، إذ تسمح هذه المعايير للمودع، وهو صاحب العمل الفكري، بأرشفة عمله مباشرة عند الإيداع. إنَّ الارتباط بهذه المعايير يسمح بتوحيد طريقة إضافة الميتاداتا إلى العمل، ويساهم في تحسين الوصول إليه، سواء عبر المستودع نفسه أو من خلال محرك البحث غوغل أو غوغل الباحث Google Scholar.

تتألَّف الميتاداتا المضافة من العناصر التالية: اسم المؤلف، الرتبة الوظيفية، عنوان المقال، تاريخ المقال، إضافةً إلى مستخلص موضوعي لها. تساهم هذه الأرشفة في زيادة المحتوى الموضوعي للمستودع، وتخفّف على المؤسسة الأعباء المرتبطة بهذا الجهد. بالتالي، تزيد بذلك مساهمة المؤسَّسة في تطوير مجالها الموضوعي من خلال زيادة الأبحاث العلمية المنشورة عنه.

تتعزَّز قيمة المستودعات المؤسسية باعتبارها منصّات لنشر الأبحاث العلمية، إذ يبرز من خلالها دور المؤسسات الأكاديمية وقدرتها على تقديم الأبحاث العلمية في مجالات تخصّصها. وهي تشكّل، بالنسبة إلى الباحث، واجهة له لعرض بحثه للجمهور المتخصّص، فيرفع بذلك من فرص الوصول إلى هذا البحث والاستفادة منه في أبحاث لاحقة، نتيجة سهولة إتاحته من خلال هذه المستودعات ومجانيتها.

إن نشر الأبحاث العلمية في الدوريات المحكمة يعطي مصداقية للباحث والبحث المقدّم، إلا أنه في الوقت نفسه يشكّل عائقًا بحدّ ذاته، نتيجة الأسعار المرتفعة للاشتراك الشخصي أو المؤسّسي بهذه الدوريات. تتعزَّز قيمة البحث العلمي بقدرته على أن يكون جسرًا أو محطة مستخدمة لبحث علمي آخر يثبت النظرية المقدمة أو ينفيها، لذلك، يكون بلا قيمة إذا بقي مجرد حبر في ورق دورية مرتفعة الثمن. عملت المستودعات المؤسّسية على كسر احتكارات الناشرين، وساهمت في دفع النشر العلمي قدمًا، إذ قدَّمت فرصة رائعة للوصول إلى الأبحاث السابقة في المجال الذي هو شرط أساس لإنتاج الجديد المعرفي.

 

مستودع الجامعة الأميركية في بيروت نموذجًا
بدأت الجهود العربية المرتبطة بإنشاء المستودعات الرقمية المؤسسية متأخرة نوعًا ما عن مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. سنتحدث هنا بالتحديد عن المستودع الرقمي الذي أنشأته الجامعة الأميركية في بيروت Scholar works العام 2012، وجعلته منصَّة لأكاديميي الجامعة وطلابها وفريقها العامل لنشر إنتاجهم الفكري عبره وعرضه للجمهور العام.

يُعتبر هذا الجهد من أوائل الجهود اللبنانية والعربية في هذا السياق، فهو وإن بدأ فقط بأطروحات الطلاب الجامعية، إلا أنه ما لبث أن توسَّع سريعًا ليتضمَّن أنواعًا أخرى من الإنتاج الفكريّ. يضمن هذا المستودع استمراريَّة العمل من خلال مراكمة الإنتاج الفكري والعمل على حفظه على المدى الطويل وتأمين إتاحته للجمهور العام. نجد في محتواه أطروحات ورسائل جامعية وتقارير ومقالات وملصقات وخرائط وخطط مشاريع وغيرها، وهي جميعها تنتجها مجموعة واسعة من الأقسام الأكاديمية والمشروعات المرتبطة بالجامعة، ندرجها كالتالي: معهد أسفاري للمجتمع المدني والمواطنة، بنك معلومات الجامعة الأميركية في بيروت، كلية العلوم الزراعية وعلم الأغذية، كلية الفنون والعلوم، كلية الهندسة والعمارة، كلية العلوم الصحية، كلية الطب، معهد عصام فارس، مبادرة حسن الجوار، كلية رفيق الحريري للعلوم التمريضية، منشورات الطلاب، كلية سليمان عليان لعلم الأعمال ومكتبات الجامعة.

بذلك، نجد أنَّ الجامعة بكلياتها كافة تشترك في هذا المستودع، من خلال إيداع كل الأعمال الفكرية التي تنتجها على مستوى أساتذتها أو طلابها أو فريقها العامل. تعتمد الجامعة على برنامج Dspace المفتوح المصدر في إدارة هذا الكم الكبير من الإنتاج الفكري، وهو يسمح لصاحب العمل ومودعه أن يقوم بأرشفة ذاتية لعمله، من خلال إضافة بيانات الميتاداتا المرتبطة بالعمل.

مشكورة هي كلّ الجهود التي تساهم في إتاحة العمل الفكري، فهي بذلك تساهم في إثراء المحتوى الأكاديمي على شبكة الإنترنت. إذا اطَّلعنا سريعًا على المحتوى العربي الرقمي المتاح، نجد أنَّ نسبة الأكاديمي منه تكاد تنعدم. لذلك، تشكّل نماذج المستودعات الرقمية فرصةً وتحديًا في آن معًا، وعلى المؤسَّسات الأكاديمية العربيَّة أن تحذو حذو مثيلاتها في الدول العربية والعالم نحو إتاحتة محتواها الأكاديمي من خلال هذه المستودعات، علّنا بذلك نخطو خطانا الأولى نحو فكر جديد قد يحمل معه أملًا بتغيير الواقع الأكاديمي، ومن خلفه المجتمع بكليّته.

____________________

 المراجع:

1 – شاهين، فاطمة (2015)، المستودعات الرقمية المؤسسية: AUB Institutional Repository نموذجًا.

2 – فرج، حنان أحمد (2012)، المستودعات الرقمية المؤسسية ودورها في دعم المحتوى العربي وإثرائه على الإنترنت، نُشر في مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، مجلد 18، عدد 2.

3 – انظر:

Giesecke, Joan (2011). Institutional repositories: keys to success. Faculty Publications, UNL Libraries.

4 – انظر:

Robinson, Mary (2007). Institutional repositories: staff and skills requirements.

5 – انظر:

Yakel, Elizabeth and others (2008). Institutional repositories and the institutional repository: college and university archives and special collections in an era of change. In: The American Archivist, volume 17.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF: المستودعات الرقميَّة: حافظة للذاكرة الأكاديمية ومنصَّة لنشر الأبحاث العلميَّة

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو  8 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا: 

[/et_pb_text]
[/et_pb_column]
[/et_pb_row]
[/et_pb_section]

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>