الأرشيف القومي الكندي

الأرشيف القومي الكندي

*آلاء هاشم 

انتهجت الجهات الحكومية في غرب أوروبا ووسطها أسلوب الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في حفظ وثائقها في أماكن خصصتها لذلك. و كانت فكرة تركيز الأرشيفات في جهة حكومية واحدة تُطبّق في فرنسا باستمرار، فدار الوثائق الرسمية في باريس كان مستودعًا لأرشيفات الحكومة المركزية أثناء الثورة الفرنسية، كما أُنشِئت هيئات أرشيفية تابعة لها في المحافظات مسؤولة عن وثائق المؤسسات البلدية والهيئات المحلية الأخرى.  وقد دفع هذا الأمر معظم دول أوروبا الغربية والوسطى الى الاقتداء بالتجربة الفرنسية وإنشاء شبكات من الهيئات الأرشيفية تتبع للتنظيم الإداري في الدولة.

أمّا في الولايات المتحدة الأميركية فقد صدر قانون إنشاء الأرشيف القومي في واشنطن في العام 1934، وتلتها كندا فأنشأت الأرشيف القومي library and archives Canada في أوتاوا، الذي يشكل إحدى أهم المؤسسات الأرشيفية في العالم، على أن تحتفظ ولاياتها بأرشيفاتها الخاصة.

كيف أنشِىء الأرشيف الكندي؟

في العام 1872،  تمّ تأسيس أرشيف دومينيون كقسم في وزارة الزراعة، ومع تشكيل الاتحاد الكونفدرالي في العام 1867، أُطلِق اسم “كندا” اسمًا رسميًّا للدولة، في حين تم اختيار “دومينيون” كلقب للدولة، ومع اتساع الحكم الذاتي لكندا عن المملكة المتحدة، استخدمت الحكومة الكندية اسم كندا على نحو متزايد في وثائق الدولة والمعاهدات الدولية.

وفي العام 1912، تمّ تحويل أرشيف دومينيون الى مؤسسة عامة مستقلة، وأُطلِق عليه اسم المحفوظات الوطنية في كندا في العام  1987.

وفي 21 مايو 2004 تمّ توحيد المجموعة الأرشيفية والمكتبية من الأرشيف الوطني لكندا والمكتبة الوطنية الكندية تحت مسمّى المكتبة والأرشيف الكندي، على أن تكون تحت مسؤولية وزير الثقافة والتراث.

ومنذ تأسيسه، وضع الأرشيف القومي الكندي مجموعة الأهداف التالية:

  • الحفاظ على التراث الوثائقي الكندي لصالح الأجيال الحالية والمقبلة.
  • وضع هذه الوثائق في متناول الجميع كمصدر للمعرفة، نظرًا لمساهمتها في التقدم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي في كندا.
  • تسهيل التعاون بين المجتمعات المحلية المعنية في مجال اقتناء وحفظ ونشر المعرفة، لتكون بمثابة الذاكرة الجماعية لحكومة كندا ومؤسساتها.
  • الحفاظ على  سجلات الدولة والمؤسسات الحكومية والهيئات المحلية لضمان الشفافية والمساءلة.

الأرشيف القومي الكندي مؤسسة عامة تُعنى بجمع الوثائق وإتاحتها، فهي تُشَكّل التراث الوثائقي المشترك لجميع الكنديين إذ تشتمل  على تاريخ الدولة الكندية وتتضمن موادًا  مختلفة  من جميع أنحاء كندا، من صور وصحف ونصوص وغيرها…  وكذلك تضم وثائق خارجية لها علاقة بالتاريخ الكندي أو ما فيه مصلحة للكنديين.

محتويات الأرشيف القومي الكندي وأهدافه

يضم الأرشيف الكندي مجموعة من الوثائق تم تجميعها خلال ال140 سنة الأخيرة، وهي التالية:

 نحو 20 مليون كتاب بلغات مختلفة، منها كتب فنية نادرة والطبعات الأولى من الأدب الكلاسيكي وقصص الخيال الشعبي.

   مجموعة كبيرة من السّجلات الحكومية والخاصة.

    أكثر من 3 ملايين وثيقة من الرسوم المعمارية والخطط والخرائط، ويعود بعضها الى القرن الثّامن عشر.

    كمية كبيرة من المعلومات المحفوظة إلكترونيًا ، بما في ذلك آلاف الأطروحات والدوريات والكتب الإلكترونية.

   30 مليون صورة فوتوغرافية، بما في ذلك الصور المطبوعة والإلكترونية.

   أكثر من 90 ألف فيلم، بما في ذلك الأفلام القصيرة والطويلة والوثائقية وبعضها  يعود تاريخها الى العام 1897.

     أكثر من 550 ألف ساعة من تسجيلات الفيديو والتسجيلات الصوتية.

 أكثر من 42ً5 ألف عملًا فنيًا، بما في ذلك اللوحات الزيتية والرسومات والكاريكاتير والمنمنمات، وكذلك الميداليات والأختام والملصقات والشعارات.

   أرشيف البريد الكندي.

   نصوص  لمختلف الأفراد والجماعات الذين ساهموا في تطوير الدولة الكندية على المستوى  الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

         صحف وطنية.

         الأعمال الموسيقية المختلفة.

ويسعى الأرشيف القومي الكندي إلى الحفاظ على التراث الوثائقي الكندي لصالح الأجيال الحالية والقادمة، وإتاحته  للجمهور باعتباره مصدرًا للمعرفة ووسيلة للّتقدم الثّقافي والإقتصادي، كما أنه يضمن الشفافية بين الدولة والمواطن من خلال حفظ السجلات الحكومية وأعمال البلديات وغيرها من الهيئات العامة ، الأمر الذي يتيح مساءلة الدّولة ومحاسبتها للمواطن الكندي.

الوثائق النادرة في الأرشيف القومي الكندي:

  • وثائق تتعلق بالهجرة: كندا متميزة بالتنوّع الثقافي والعرقي واللغوي لسكانها، وهذا نتيجة لعمليات الهجرة التاريخية اليها، ويضّم الأرشيف الكندي مجموعة من المقتنيات النادرة التي تعكس هذه الظاهرة، وتشمل: سجلات الهجرة، وقوائم بأسماء المسافرين، ورسائل ومذكرات وخرائط وصور وغيرها.
  • وثائق تتعلق بالحرب العالمية الأولى من العام 1914 الى العام 1918، وهذه الوثائق تمّت رقمنتها وهي متوفرة إلكترونيًا ويمكن لأس شخص تحميلها من الموقع الإلكتروني.
  • وثائق تتعلق بالحرب العالمية الثانية من العام 1939 العام 1945، والتي شاركت فيها كندا،   ولا توجد أي قيود للوصول الى ملفات الخدمة لأفراد القوات المسلحة الكندية الذين لقوا حتفهم في الحرب.
  • الخرائط القديمة: منذ تأسيس الأرشيف الكندي في العام 1872 حصلت كندا على مجموعة من الخرائط وخطط رسمها، وحاليًا فهي تحفظ نحو مليوني وثيقة خرائطية.
  • الأنساب وتاريخ العائلات: بحيث يحوي الأرشيف القومي الكندي مجموعة كبيرة من الوثائق حول تواريخ الولادة والزواج والدفن والتي كانت تحفظها الكنائس في قوائم وفهارس، ومنذ الثمانينات طبّقت المقاطعات التسجيل المدني للتواريخ، كما ويتضمن الأرشيف الكندي مجموعة من الوثائق للنساء والرجال الذين خدموا بلادهم خلال الحروب وغيرها…..
  • تسجيلات الصوت: يحتوي الأرشيف الكندي على التسجيلا الصوتية في كندا من العام 1900 الى العام 1950، والتسجيلات الصوتية الخارجية للفنانيين الكنديين، ويقدّم معلومات حول هذه التسجيلات كالعنوان والفنان والتاريخ وغيرها…
  • الإحصاءات السكانية: هي بيانات رسمية حول عدد السكان في كندا، وتشمل المعلومات التالية: العمر والمهنة والأصل العرقي والطائفة ومكان الولادة. من العام 1851الى العام 1901جرى الإحصاء كل 10 سنوات، وكان الهدف تحديد التمثيل البرلماني على أساس عدد السكان.

الموقع الرسمي الإلكتروني للأرشيف القومي الكندي:

واكب الأرشيف القومي الكندي  التّطور، ووفر محتوياته على الشّبكة العنكبوتية، بحيث أصبح الحصول على خدماته  ممكنًا من  خلال موقعه الإلكتروني: http://www.bac-lac.gc.ca/ .

كما أنه يوفّر المعلومات عبر مواقع التواصل الإجتماعي من خلال تويتر والفايسبوك والإنستغرام، وفليكر، ويوتيوب، وخدمة الأخبار العاجلة “RSS”.

ويقدّم الأرشيف القومي الكندي الخدمات لمختلف فئات المجتمع وفقًا للتّقسيم التّالي:

    • عامة الجمهور والباحثين: يتيح الأرشيف الكندي لعامة جمهور المستفيدين قاعدة بيانات واسعة من نصوص، صور، خرائط، فيديو وغيرها، كما أنه يقدّم خدمة المراجع التي تمكن المستفيد من العثور على المعلومات التي يبحث عنها، ويقدّم دليل حول كيفية البحث في الأرشيف.
  • الناشرين: يتيح الأرشيف الكندي للناشرين بوابة خاصة بهم تساعدهم تحتوي على مجموعة واسعة من البرامج والخدمات لمجتمع الناشرين الكنديين كتقارير الرأي العام وإعطاء الرقم الدولي المعياري للكتب والدوريات والموسيقى بوصفه أحد أنظمة التقييس الدولية وأداة عصرية سهلة، تٌمكّن الباحث أو القارئ من التعرف على أحد العناوين أو الطبعات الصادرة عن ناشر معين في بلد معين. إنّ الرقم الدولي الموحد هو أقرب إلى رقم الهوية الذي يعطى للأفراد للتعريف بهم، ولكنه رقم عالمي يعمل به على مستوى العالم.
  • الجامعات الكندية: يتيح الأرشيف الكندي للطلاب في الجامعات الكندية بوابة لأطروحات الدكتوراه الكندية للإستفادة منها، كما ويتيح منتديات للنقاش الأدبي والفكري بين الطلاب.
  • المكتبات والمكتبيين: يقدّم الأرشيف الكندي مصادر معلوماتية للمكتبات الكندية لإنجاز بحوثها، كما أن الموقع الإلكتروني  يقدّم للمكتبات معلومات حول سياسات ومعايير الفهرسة، ويوفّر من خلال خدمة الإعارة المتبادلة بين المكتبات إمكانية استعارة الكتب أو الحصول على نسخ من الوثائق التي تملكها مكتبة أخرى، وغيرها من الخدمات…
  • الأرشيف والأرشيفيين: يحفظ الأرشيف الكندي السجلات الحكومية عبر تحويل المؤسسات الحكومية الوثائق التي انتفت الحاجة منها الى الأرشيف الكندي ويقوم بحفظها نظرًا لأهميتها التاريخية والعلمية والبحثية، كما أنه يوفّر خدمة إخبارية مجانيّة متاحة لعامة الجمهور إلكترونيًا، تغطي قضايا حديثة عالمية ليبقى الجمهور على اطلاع واسع كالمؤتمرات والندوات وورش العمل وغيرها….
  • الحكومة الكندية: يُدير الأرشيف القومي الكندي مجموعة السجلات الحكومية بعد معالجتها، ويحافظ على خصوصية بعض الوثائق الحكومية الغير متاحة لعامة الجمهور، كما أنه يساعد الحكومة في الحصول على الوثائق التي تحتاجها.

بحفظها لأرشيفها الوطني، تحمي الدّولة الكندية الذّاكرة الجماعية لشعبها، وتبرز الأهمية التاريخية الدائمة لها، مؤكدة بذلك أنه لا يمكن قراءة التاريخ والتعرف على أحوال  أي من الأمم الغابرة من دون وجود وثائق شاهدة عليها. هذه الوثائق تلعب اليوم دورًا رئيسيًا في إبراز الهوية الثقافية للمجتمع الكندي، وتشكّل مرتكزًا رئيسًا للباحثين والمؤرخين، ففهم الماضي يقود الى فهم الحاضر، وينير آفاق المستقبل، والتّجربة الكندية في مجال الأرشيف تشكل نموذجًا يمكن الاقتداء به في عالمنا العربي الذي يفتقد إلى مثل هذه المبادرات لا سيما على المستوى الرّسمي.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF: الأرشيف القومي الكندي

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو 2 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا: 

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>