اتّحاد مؤسَّسات ذاكرة الوطن تجربة نيوزيلاندا نموذجًا

 اتّحاد مؤسَّسات ذاكرة الوطن

تجربة نيوزيلاندا نموذجًا

*غادة دمشق

يعود تاريخ تأسيس مشروع نيوزيلاندا الرقميّ إلى العام 2008، لكنَّ فكرة التأسيس سبقت ذلك الموعد بسنتين، عندما طُرح على رئاسة مجلس الوزراء في نيوزيلاندا في العام 2006 مشروعان هما: “أونلاين نيوزيلاندا” (New Zealand Online)، و”أسس الإتاحة” (Foundations for Access)، ليتمّ لاحقًا دمجهما تحت عنوان “نيوزيلاندا الرقمية” (Digital New Zealand).

في العام 2007، صار هذا المشروع جزءاً من “استراتيجية المحتوى الرقمي” التابع للحكومة النيوزيلاندية، فعمدت إلى تمويله، وأناطت إدارته والإشراف عليه إلى المكتبة الوطنية النيوزيلاندية، التي احتضنت مقرّ فريق عمل نيوزيلاندا الرقمية. هكذا، وفي العام 2008، تم إطلاق المشروع على الشبكة. انضم إلى هذا المشروع أكثر من 120 مؤسَّسة، من بينها أرشيف لمحطات إذاعيَّة، مكتبات وطنية، مؤسَّسات جامعية، مراكز أبحاث، متاحف وطنية ومتخصصة، معارض فنية، أرشيف صور، وثائق، أفلام وموسيقى. ومن هذه المؤسَّسات، أرشيف المحطة الإذاعية 95 ب. أف. أم.، المكتبة الوطنية النيوزيلاندية، المتحف الوطني لنيوزيلاندا، المكتبة النيوزيلاندية للموسيقى (Audio Culture)، ومؤسَّسات جامعية من نيوزيلاندا.

ورغم أنَّ الجزء الأكبر من هذه المؤسَّسات من داخل نيوزيلاندا، فإننا نلاحظ مشاركة مؤسسات من خارجها، من مثل موقع يوروبيانا، المتحف العسكري الوطني الأسترالي، مركز الأبحاث الأسترالي، باثي نيوز البريطاني (Pathé News)، المكتبة الألمانية الرقمية، المكتبة العامة الرقمية الأميركية (Digital Public Library of America)، وأرشيف الإنترنت (Internet Archive)…

أهداف التعاون

يهدف هذا المشروع إلى تقديم المصادر المختلفة حول نيوزيلاندا، من خلال نافذة بحث واحدة، وهو يعدّ من أوائل نماذج اللام في العالم، إذ يهدف إلى جعل الذاكرة الرقميَّة لنيوزيلاندا متاحة على الشبكة، ليكون من السَّهل الوصول إليها والتفاعل معها (Share) واستخدامها.

يدعم مشروع نيوزيلاندا الرقميّ مشاريع الرقمنة للمواد الجديدة، ويشجّع على الاتجاه نحو المشاع الإبداعي (Creative Commons)، لجعل هذه المصادر متاحة للجميع، ويكون لهم الحريَّة في إعادة استخدام المواد من دون قيد أو شرط. وما قام به مشروع نيوزيلاندا الرقميّ، هو إنشاء موقع “اجعله رقميًا” (Make it Digital) في العام 2009. تم إنشاؤه لدعم عملية الرقمنة في نيوزيلاندا وإدارتها، وخُصِّصَ له ميزانية بلغت حوالى 20 مليون دولار. من مهام “اجعله رقميًا”، إعداد سياسات وأدلَّة لتوجيه المؤسسات نحو عملية الرقمنة، ومن مبادئه الأساسية اختيار المواد التي يجب رقمنتها، ومن ثم تحويلها، وصفها، إدارتها، حفظها، وجعلها متاحة لتسهيل عملية استخدامها.

ومن أبرز ما قام به مشروع نيوزيلاندا الرقمي هو تنظيم مسابقة سُميت “Mix and Mash” لأجل التَّشجيع على الإبداع في إعادة استخدام المواد المرقمنة. هذه المسابقة تقام سنويًا، ويشارك فيها متسابقون من جميع أنحاء العالم. إضافةً إلى ذلك، نظّم المشروع مسابقة أخرى، سميت “GIF it UP”، وهي قائمة على إعادة استخدام الصّور الموجودة في موقع نيوزيلاندا الرقميّ، و”يوروبيانا”؛ المكتبة العامة الرقمية الأميركية. والمطلوب فيها إعادة استخدام الصور الموجودة في هذين الموقعين وتحويلها إلى صورٍ متحركة. أيضًا، تقام هذه المسابقة سنويًا، ويشارك فيها متسابقون من جميع أنحاء العالم.

كذلك، تمّ ضمّ أبحاث نيوزيلاندا (New Zealand Research)، التي تتضمَّن مجموعة ضخمة من الأبحاث الجامعية وأبحاث المؤسسات وأبحاث المعاهد، إلى موقع نيوزيلاندا الرقمي، من أجل دعم عملية الوصول إلى نتائج الأبحاث. إضافةً إلى ذلك، يسمح موقع نيوزيلاندا الرقميّ للمستفيد بجمع مواد بأشكال مختلفة حول موضوعٍ ما، وحفظها في مكانٍ واحد، ويمكن لاحقًا مشاركة ما تم جمعه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. ولدعم مشروع نيوزيلاندا الرقمي، قامت المكتبة الوطنية النيوزيلاندية باقتناء طاولة رقمية (Life Lines Touch Table)، يستطيع المستفيد من خلالها تصفّح جميع المواد التي تمَّت رقمنتها.

أما الأهداف المستقبليَّة للمشروع، فتتمحور حول زيادة عدد المؤسَّسات المشاركة، ليصل إلى حوالى 300 مؤسسة، وزيادة عدد المواد على الموقع ليصل إلى 30 مليون مادة. ويسعى إلى تحسين الميتاداتا التي يتمّ جمعها من مختلف المؤسَّسات، ليس فقط من خلال إضافة رؤوس الموضوعات إلى المواد، وإنما أيضًا من خلال تحسين عمليَّة جمع الميتاداتا وإدارتها، عبر توسيع نطاق المواضيع التي يتم جمعها لتشمل العلوم والبيئة، وجعل المحتوى مفتوحاً ومتاحاً للملكية العامة (Open Content License). كما أنه يهدف دائمًا إلى التنويع في أشكال المحتوى: سمعي، أفلام، ثلاثي الأبعاد، الكتب الرقمية، البيانات والإحصاءات، الخرائط والجرائد.

   مجموعة نيوزيلاندا الرقميَّة

الهدف من مشروع نيوزيلاندا الرقميّ هو جمع كلّ ما يتعلَّق بتاريخ نيوزيلاندا وحاضرها من مواد، بأشكالها المتعددة. وحتى الآن، تضمّ مجموعة نيوزيلاندا الرقميَّة حوالى 33 مليون مادة، تم جمعها من أكثر من 120 مؤسَّسة ثقافية، حكومية، تربوية، بحثية، ومؤسسات خاصّة ومدنيّة… (Digital NZ, 2016).

تتضمَّن المجموعة 26.5 مليون مقالة تم جمعها من Papers Past، حوالى 3.7 مليون تسجيلة من المكتبة الوطنية النوزيلاندية، وحوالى 3 مليون تسجيلة من المؤسَّسات المشاركة (Digital NZ write up 2015).

كما تتضمَّن المجموعة أكثر من مليون صورة، أكثر من 150 ألف تسجيلة صوتية ومقابلات، أعمالًا فنية، ملصقات، خرائط، جرائد، قصصات صحافية، دوريات، كتبًا، 316 كيلو من المواد الأرشيفية، موسيقى، أفلامًا، أعمالًا فنية، 214 كيلو من أرشيف محطات إذاعية… تغطّي الحقبات الممتدّة من القرن التاسع عشر حتى القرن الواحد والعشرين.

أما بالنسبة إلى قيود الاستخدام، فتتوزع على الشَّكل الآتي:

  •       1.4 مليون تسجيلة، الحقوق محفوظة.
  •       1 مليون تسجيلة للمشاركة (Share).
  •       860 كيلو من التسجيلات، يمكن التعديل عليها.
  •       509 كيلو من التسجيلات، يمكن استخدامها للإعلانات والدعايات.
  •       330 كيلو من التسجيلات، غير محدّد.

هذه التَّسجيلات كان معظمها قبل العام 2000، كما أنَّ أغلبها يغطي فترة الحرب العالميَّة الأولى.

   عملية جمع التَّسجيلات

     تتمّ عمليَّة جمع الميتاداتا من خلال نظام سوبليه جاك لجمع الميتاداتا (Supplejack metadata harvesting system). هذا النظام يقوم بمطابقة البيانات بمخطط (Schema) مبنيّ على أسس “دابلين كور”. بعدها، تصبح هذه البيانات متاحة في الموقع، من خلال واجهة برمجة التطبيقات التابع للمشروع (Digital NZ API).

إنَّ سوبليه جاك (Supplejack)، هي أداة أنشأتها كلٌّ من نيوزيلاندا الرقمية والمكتبة الوطنية النيوزيلاندية للجمع والبحث وتبادل تسجيلات الميتاداتا. يُستخدم سوبليه جاك لجمع الملايين من الميتاداتا من مختلف المصادر ومختلف نماذج البيانات، مثل HTML, XML, RDF وغيرها من النماذج. هذه البيانات على اختلافها، انضوت ضمن فهرس بحث موحّد، بحيث تسمح للميتاداتا بأن تكون متاحة من خلال خدمة واجهة برمجة التطبيقات المفتوحة (Open API).

هكذا، مهما كانت معايير البيانات المتّبعة من قبل المؤسَّسات المشاركة وقواعد وصفها، فهي لا تعد مشكلة أمام عمليَّة جمع التسجيلات والميتاداتا. وبالتالي، فإن أداة سوبليه جاك وفّرت على نيوزيلاندا الرقمية عملاً شاقاً في توحيد معايير وصف البيانات. وبات هذا المشروع أفضل أسلوب لتقديم المساعدة لبعض المؤسَّسات المشاركة في عملية وصف الميتاداتا للمواد التي تقتنيها، ما يسهل عليهم لاحقًا عملية جمع المواد وفرزها.

رسم توضيحي (1): طريقة عمل نيوزيلاندا الرقمية

    عملية البحث في موقع نيوزيلاندا الرقمي

تتمّ عملية البحث في موقع نيوزيلاندا الرقميّ من خلال نافذة بحث واحدة:

رسم توضيحي (2)

بعد إدخال مصطلح البحث، تظهر النتائج كالآتي: جميع النتائج، بحيث يمكن تصفّح جميع المواد بأشكالها المختلفة، أو البحث بحسب نوع المادة فقط، مثل البحث في نتائج الصّور فقط، أو المصادر السّمعية فقط، أو المصادر السمعية والبصرية، كالأفلام فقط… كما يمكن رؤية ما تمّ جمعه من خلال المستفيدين حول موضوع البحث في خانة المجموعة (Set)، إضافةً إلى تصفّح الجرائد، المقالات، الكتب، المواد الأرشيفية، الدراسات، والمخطوطات… كلّ واحدة على حدة.

رسم توضيحي (3)

كما يمكننا ملاحظة أنّ هذه المواد تمّ أخذها من موقع “يوروبيانا”:

رسم توضيحي (4)

إضافةً إلى ذلك، يمكننا أيضًا تقليص نتائج البحث، من خلال تحديد الفترة الزمنية للموضوع الذي يتم البحث فيه.

رسم توضيحي (5)

وعندما يتمّ اختيار المادة التي نريد تصفّحها، يظهر لنا أولاً عنوان المادة، والمكان التي نستطيع تصفّحها من خلاله، والمؤسَّسة التي تمتلكها، ويمكن الولوج إلى هذه المؤسَّسة من خلال موقع نيوزيلاندا الرقمية. إضافةً إلى ذلك، يتمّ تحديد الميتاداتا للمادة – نوع المادة – رؤوس الموضوعات. وما يميّز هذا الموقع عن غيره، أنه يسمح بإضافة تعليقات ونقاشات حول المادة التي يتمّ تصفحها. وأخيرًا، يسمح الموقع للمستفيد إمكانية إضافة هذه المادة ضمن مجموعة (Set) حول موضوعٍ محدد. فمثلاً، قد يرغب المستفيد بجمع كلّ ما يتعلّق بالأفلام النيوزيلاندية، أو كلّ ما يتعلق بالشاطئ… تتم هذه العملية من خلال “أضف إلى المجموعة” (Add to Set).


رسم توضيحي (6)

وهكذا، أصبح في الصَّفحة الرئيسية للموقع رابط يحيلنا إلى ما تمّ جمعه من خلال المستفيد:

رسم توضيحي (7)

 

يعدّ مشروع نيوزيلاندا الرقميّ من أوائل نماذج قطاع اللام. يهدف هذا المشروع إلى جعل الأشكال المختلفة للمواد مترابطة مع بعضها البعض، ويقدّم للمستفيد بياناته المترابطة، ويجعلها مفتوحة له، فتقوي العلاقة بين المستفيد والمحتوى الرقميّ، وتشجّعه على مشاركة هذه المواد وبياناتها وإعادة استخدامها لإنتاج محتوى جديد، وتنمّي الإبداع والابتكار لدى مستفيديها. اللافت أيضًا في هذا المشروع، أنَّه تابع للحكومة النيوزيلانديَّة، ويدار من قبل المكتبة الوطنية النيوزيلاندية، إضافةً إلى أنه يضمّ مؤسّسات من خارج نيوزيلاندا، من مؤسّسات أميركية وأوروبية. وقد أجمعت جميع المؤسَّسات المشاركة على أنَّ هذا الموقع ساهم في تحسين رؤية مواقعهم ومجموعاتهم.  

واستطاع المشروع أيضًا أن يثبت إمكانية إعادة استخدام البيانات وتقديم ابتكاراتٍ جديدةٍ. وسمح للمستفيد بالتعامل مع المواد وبياناتها بحريةٍ مطلقة، إذ يستطيع تحويل الصّور الثابتة إلى صورٍ متحركةٍ، أو دمج المواد المتعددة الأشكال لإنتاج مادة جديدة، أو السَّماح للمستفيد بجمع المواد بحسب موضوعٍ يهمه… هذه الحرية في التعاطي مع المواد تشجّع المستفيد على الاتجاه نحو الابتكار.

ونلاحظ أنَّ أكثر ما يرضي المستفيد، هو وصوله إلى المواد بأشكالها المختلفة من خلال مصدرٍ واحدٍ. هذا الأمر وفّر الوقت عليه، وسهّل عملية وصوله إلى المعلومات التي يحتاجها. لقد استطاع المشروع أن يثبت أنّ المستفيد بات مرتبطاً بشكل وثيق بالمحتوى الرقميّ، كما أنه يفضّل أسرع طريقة للوصول إلى ما يريد، وهذا ما يتيحه له مشروع نيوزيلاندا الرقمي.

____________________

 المراجع:
1 – لمراجعة عمل الرابحين في مسابقة “Mix and Mash”، انظر: http://cutt.us/JSv6.
2- لمراجعة عمل الرابحين في مسابقة “GIF it UP”، انظر: http://cutt.us/roCwx.
3- لمراجعة أرشيف الصور التي أُعيدَ استخدامها في مسابقة “GIF it UP”، انظر: http://cutt.us/9zn2b
4- انظر:
About Digital New Zealand. Retrieved from Website: http://cutt.us/OCeRb.
5- انظر:
Digital NZ. Retrieved from Website: http://cutt.us/j5Qd.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF:  اتّحاد مؤسَّسات ذاكرة الوطن تجربة نيوزيلاندا نموذجًا

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو  6 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا: 

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>