المخطوطات العربية والعجمية في الكاميرون .. شاهد على تاريخ البلاد
تعدّ المخطوطات العربية والعجمية في الكاميرون تراثًا فكريًا وإنسانيًا وشاهدًا على المراحل التّاريخية التي شهدتها البلاد. ولقد قدم الطالب “حمادو آداما” دراسة في جامعة نجاونديري في الكاميرون، تناول فيها تاريخ هذه المخطوطات، وأسباب ظهورها مسلطًا الضوء على الطريقة التي أصبحت بها الأبجدية العربية قيد التّداول في نسخ هذه المخطوطات والعمل بها.
وأشار “حمادو آداما” إلى أن المخطوطات العربية والعجمية في الكاميرون برزت منذ منذ القرن الثامن عشر للميلاد. ويعود وجود هذه المخطوطات فيها إلى ما يمكن لنا تسميته بـ “التّبشير” الإسلامي وأيضًا النشاط التجاري للشعوب الأفريقية وكذلك المسافرين الأوروبيين القادمين إلى هذه البلاد، من أفريقيا الغربية.
وفي حين تشق الأبحاث حول هذه المخطوطات طريقها بين كثير من الموضوعات الأخرى، مع أنه لم يتم إلا تصنيف عدد قليل منها، إلا أن إعادة اكتشاف هذه المصادر لتاريخ الكاميرون، من الباحثين الشّباب، تشكل بادرة مشجعة في هذا المجال.
وأفاد “آداما” بأن كتابة هذه المخطوطات هي في الواقع تقليد بدأ مع حلول الخلافة الإسلامية في البلاد، إثر حرب قادها الأمير موديبو آداما دي يولا، الملازم الأول في جيش الشّيخ عثمان دان فوديو، مؤسس خلافة سوكوتو في نيجيريا حاليًا. وقد انتشرت من خلال المدارس القرآنية الموزّعة على طول الساحل، قبل دخول الاستعمار إلى هذه المناطق المتأثرة بالعرب والبربر.
كما أوضح بأن عدة أحداث تاريخية ساهمت في صنع هذا التّقليد المتمثل بكتابة المخطوطات العربية والعجمية في الكاميرون. وقد لفت انتباهنا عدة أحداث أبرزها وصول إدريس ألوما إلى البورنو في العام 1581 للميلاد.
وأوضح الباحث في دراسته أنه يشار بـ “عجمي” إلى كل ما هو بعيد عن الثقافة والتقاليد العربية. وهنا، يشير المصطلح إلى كل النّصوص المكتوبة بأحرف عربية، ولكن بلغات محلية مثل الفولفود أو الهوسا أو الكانوري. ويعود استخدام الأحرف العربية في استنساخ اللّغات الأفريقية إلى البدايات الأولى للإسلام في أفريقيا، حيث إن هذه التّجربة الأدبية بدأت بالنّسبة لشعوب السّاحل التّشادي منذ القرن السّادس عشر من جهة، لدى القبائل المجاورة للجنوب، ومن جهة أخرى، من خلال حركة الجهاد التي قادها الأمير موديبو، بناء على تعليمات الشّيخ عثمان دان فوديو دي سوكوتو (نيجيريا حاليًا) في العام 1806.
وأشار “آداما” إلى أن هذين العاملين شكلا مفصلًا مهمًا في تاريخ الكاميرون، حيث إنهما أدخلا الأبجدية العربية إلى الجهات الجنوبية من ساحل التّشاد، لتنتشر لاحقًا عبر المدارس القرآنية ومراكز التّنشئة الإسلامية. وزاد من انتشارها المسافرون والأولياء المغاربة الذين يزورون المنطقة. وقد أدت المخطوطات العربية والعجمية دورًا مفصليًا في التّنظيم الإداري بالنّسبة إلى كل من الكيان السّياسي الإسلامي وكذلك الاستعماري في المنطقة.
ولدى دراسته لبعض هذه المخطوطات، اكتشف “آداما” أن كًتًبتها كانوا من دون أدنى شك طلابًا لسنوات في المدارس القرآنية، خضعوا لتدريبات مكثفة ومارسوا كتابة النصوص المقدسة لمدة طويلة، قبل أن يعرضوا خدماتهم، مقابل الحصول على أجر، على الملوك، الحريصين على سمعة بلاطهم. وقد سهل الأمر إذكاء جذوة الكتابة العربية، إذ وضعها في قلب الإدارة الاستعمارية. وبشكل غير مباشر، ساهم توظيف المترجمين والمحررين المسلمين في مجالات تختص بالتّواصل للحفاظ على النّظام الاجتماعي، في زيادة “التبشير” الإسلامي.
وتركزت الدراسة التي تناولت هذه المخطوطات على المسار الأكاديمي للكتبة، وكذلك موضوعات وأنماط الكتابة، والأدوات المستخدمة في التّوثيق من ورق وقماش وما إلى ذلك، ليصار إلى لحظ الصعوبات في ترجمتها وتصنيف المحتويات؛ وكذلك المجالات التي يمكن سبرها للإحاطة بالموضوع بشكل أفضل، بحيث يتم إيلاء هذه المخطوطات الأهمية التي تستحقها في مجال أرشفة العلوم القديمة.
واختتم الباحث دراسته بالإشارة إلى بعض الملاحظات التي توصل إليها، منها أن كتابة المخطوطات العربية والعجمية تتعلق بالمستوى الفكري للكتبة، وتعاونهم مع الأمراء الحاكمين وبقربهم من مراكز إنتاج المعرفة الإسلامية التي ينتمون إليها، حيث يتواصلون معها كما يتبادلون معها الأفكار.
ولفت كذلك إلى وجود مراسلات عديدة، شكّلت وسائل إخبارية لصالح الإدارات الاستعمارية المتعاطفة، مشيرًا إلى أن منطقة بانيو في الكاميرون كانت المركز الأبرز لإصدار صحف عسكرية تنقل الإنجازات الحربية للمجاهدين في المنطقة الاستوائية. وأخيرًا، قال الباحث إنه من دون هذا التّبادل في الخدمات بين السّلطة في الكاميرون والسّلطات الدّينية، ومن دون تعاون مفيد على نحو متبادل بين الزعماء المحليين وإدارة الاستعمار، حيث كان كل منهما يفيد ممّا يعدّه تسوية تاريخية فعلية، لما كان كتبة المخطوطات والناسخون وكل رجال الآداب أنجزوا على الأغلب أعمالًا بمثل هذا الجمال.
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
لتحميل المقال بصيغة PDF: المخطوطات العربية والعجمية في الكاميرون .. شاهد على تاريخ البلاد
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
اقرأ أيضًا:
- المستودعات الرقميَّة: حافظة للذاكرة الأكاديمية ومنصَّة لنشر الأبحاث العلميَّة
- دور المشاع الإبداعي في إتاحة المعرفة
- أرشيف مركز الإسكندريَّة: حلم يبحث عن الاكتمال
- الساجات تستطيع كشف الكثير من الألغاز في التراث البحريني
- البيانات الضّخمة إعصارٌ يحتوي العالم
- الأرشيف السّمعي البصريّ : حفظ الذاكرة الجماعيّة
- اتّحاد مؤسَّسات ذاكرة الوطن تجربة نيوزيلاندا نموذجًا
- قطاع اللام: اتّحاد مؤسَّسات ذاكرة الوطن
- أرشيف الويب.. حفظ ذاكرة الإنترنت
- الميتاداتا وتوصيف المصادر الإلكترونيَّة
- تشريعات الأرشيف العربي بين الفراغ القانوني والتأثير السياسي
- التوقيع الرقمي .. نموذج للتحول من الورق إلى الإلكترونيات
- السجلات الوطنية في بريطانيا.. مفتوحة أمام العامة
- كيف تُصان الذاكرة من الإلغاء المتعمد؟
- الأرشيف الوطنيّ الأميركيّ حارس لتاريخ شعبٍ وبلد
- آلية التّصوير المصغر : أساليب حفظ المصغرات الفيلمية
- كيف يصنع الأرشيف التّاريخ؟
- المجلس الدولي للأرشيف
- التّدمير الممنهج والمنظم لأرشيف المحفوظات في جزر القمر (1975-2001)
- حق الوصول إلى المعلومات: بين مصالح الأنظمة وأحلام الشّعوب..
- آلية التّصوير المُصَغر وإسهاماتها في عالم الأرشيف والمحفوظات
- الأرشيف القومي الكندي