رؤى شمس الدين*
يعدّ معجم “المؤلفات الشيعية في الجزيرة العربية” أحد أبرز الأعمال التوثيقية التي شُغلت بتوثيق أعلام الشيعة على امتداد تاريخهم. استغرق العمل في هذا المعجم بأجزائه الأربعة ثلاثين عامًا. انطلق الشيخ حبيب آل جميع في رحلة جمع المؤلفات وتوثيقها في العام 1407هـ/ 1987م. كانت الانطلاقة والتأسيس في إيران، وكان العمل يقوم على رصد مؤلفات أعلام الشيعة في الجزيرة العربية وتوثيقها، وذلك في كبريات المكتبات العامة في إيران، من مثل مكتبة العتبة الرضوية في مشهد المقدسة، ومكتبة المرعشي النجفي في قم المقدسة، ومكتبة إيران الوطنية في طهران، ومكتبة مجلس الشورى الإيراني في طهران. واستدعى العمل السّفر إلى العراق ولبنان وسوريا من أجل توثيق ما كتبه أبناء الطائفة الشيعية في الجزيرة العربية في بلدان المهجر.
يشير الشيخ آل جميع إلى أنّ المعجم يتمحور حول أربع نقاط. أولًا: التأريخ لهذا الإنتاج الفكري الشيعي الإمامي في منطقة الجزيرة العربية، باعتبار ذلك من الأهداف العلمية المشروعة. ثانيًا: التركيز على الإبداع الشيعي الإمامي، لإعادة الاعتبار إلى أتباع هذا المذهب الذين عانوا الاضطهاد والتهميش طوال التاريخ، ولا يزالون يعانون أشكالًا متعددة من الحرمان والتهميش. كذلك، رصد إبداعاتهم الفكرية والعلمية، ذلك أنه يكشف عن حجم نشاطهم الفكري ومساهماتهم في مجالات المعرفة المختلفة والمتعددة، وفي ذلك إجابة مباشرة وردّ عمليّ وعلميّ على بعض الاتهامات التي تحاول النيل من كفاءة العقل الشيعي الإمامي وقدرته على التفكير والإبداع وإنتاج المعرفة العلمية والعقلانية البعيدة عن الخرافات والأساطير، كما تكشف تفاعله الإيجابي مع الواقع المحلي والإقليمي والعالمي، وما يحمله هذا الواقع من متغيرات وتطورات وأحداث مؤثرة، وهذا يؤكّد حيويته وانخراطه ومساهمته في معالجة قضايا الواقع والتفاعل معها، بحسب قوله.
كذلك، تتأتى أهمية هذا الرصد في كشف اتجاهات التفكير والمواضيع والقضايا التي حازت اهتمام العقل الشيعي الإمامي داخل هذه المنطقة وفي المهجر، ومعرفة مدى انشغاله بقضايا دون أخرى، والقضايا التي أهملها ولم يُعرها اهتمامه، وكذلك الاهتمامات الجديدة التي تفاعل معها بشكل إيجابي. ويرى آل جميع أنَّ هذا العمل يقدم خدمة معرفية مهمة للباحثين والدارسين والمهتمين بشؤون هذه المنطقة.
وكان الاهتمام أيضًا بمتابعة طرق العلماء الذين كانوا سباقين في ميادين إنجاز الفهارس، وتتبّع سير علماء الشيعة وآثارهم الفكرية، أمثال: الشيخ نصير الدين الطوسي، منتجب الدين ابن شهر آشوب، وآغا بزرك الطهراني، وغيرهم كثير ممن اهتموا بهذا المجال، وتمكَّنوا من الكشف عن الوجه المشرق والمبدع للتشيّع الإمامي، وحجم مساهمة علماء مذهب أهل البيت (ع) في الحضارة الإسلامية.
ويضيف الشيخ آل جميع: “كما كلّ عمل بببليوغرافي موسوعيّ يؤرخ لحقبة زمنية معينة، ويتخصَّص في مذهب معين، فإنّه يمر بمجموعة من الصعوبات والعقبات، ولكننا بتوفيق من الله تبارك وتعالى تغلّبنا على أغلبها، وبذلنا جهودًا مضنيةً لإخراج هذا العمل إلى النور، وتحمَّلنا المشاق الجمة في التنقيب عن تراث المذهب الشيعي في الجزيرة العربية، وجمع إبداعات رجاله وإعلامه وتوثيقه ورصده”.
لا شك في أنَّ هذا العمل المعرفي احتاج إلى جهود كبيرة وحثيثة تضافرت جميعها لإنتاجه. وفي هذا المجال، يقول سماحته: “ساعدني وأمدّني بالعون في جمع مادة هذا الكتاب وإعدادها عدد من الأصدقاء وأصحاب المكتبات، منهم الأستاذ عبد العزيز آل عبد العال، والأستاذ نزار آل عبد الجبار، والأستاذ حسن آل حمادة، الذين كانوا يرفدونني بالإصدارات الحديثة الخاصة بمحافظة القطيف، والأستاذ السيد عباس الشبركة الذي جنَّد نفسه لجمع الكتب الخاصة بأعلام القطيف من الماضين والمعاصرين وتوثيقها، حتى كوّن المكتبة القطيفية بجهوده الذاتية، فكانت أبواب مكتبته العامرة مشرعة أمامي للاستفادة منها عند الحاجة، فضلًا عن المهندس الأستاذ عبد الله الشايب والأستاذ أحمد البدر، اللذين كانا يزودانني بالإصدارات الحديثة الخاصة بمحافظة الأحساء”.
يطمح الشيخ آل جميع لأن يساهم المعجم في جزئه الرابع في رصد كلّ الكتاب والمؤلفين في الجزيرة العربية وتوثيقها. ويضيف: “لذا، ندعوهم جميعًا إلى التواصل معنا وتزويدنا بمعلومات شخصية عنهم وعن كتبهم ومؤلفاتهم في شتى الميادين المعرفية، كما أطمح أن تكون موسوعة المعجم بأجزائها الأربعة مصدرًا علميًا لكل من أراد الكتابة عن إعلام المنطقة وتاريخها”.
يوثق معجم “المؤلّفات الشّيعيّة في الجزيرة العربيّة” كل ما ينتجه المجتمع الشيعي الإمامي داخل الجزيرة العربية، ويتميز بكونه عملًا موسوعيًا متخصصًا.
وفي رأيه، يتميّز هذا المعجم بكونه عملًا موسوعيًا، يتخصَّص في الحديث عن مذهب معين، ويتناول منطقة جغرافية معينة، فهو معجم بيبليوغرافي يرصد كل ما ينتجه المجتمع الشيعي الإمامي داخل الجزيرة العربية ويوثقه، وهي ما يُعرف حاليًا بالمملكة العربية السعودية، وما ينتجه أبناء هذا المجتمع في بلدان المهجر من إبداع فكريّ في شتى المجالات المعرفية. يذكر أن الشيعة الإمامية يتواجدون في المملكة العربية السعودية – حاليًا – في الحواضر والبقاع التالية: القطيف والأحساء والدمام والجبيل والخبر والمدينة المنورة والرياض وجدة ووادي الفرع، يضيف.
وقد امتدَّت الفترة الزمنية التي يغطيها المعجم في جزئه الأول من بعد عصر الغيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي (عج) في العام 328هـ وحتى أواخر العام 1416هـ. ويغطي الجزء الثاني المرحلة الممتدة من العام 1417هـ وحتى العام 1424هـ، فيما يتناول الجزء الثالث المرحلة الزمنية الممتدة من العام 1425هـ وحتى العام 1431هـ.
وبلغ ما ذُكر في الجزء الأول من عناوين مؤلفات للكُتاب 232 عنوانًا، توزعت على 580 كاتبًا. وفي الجزء الثاني 2151 عنوانًا، توزّعت على 720 كاتبًا. وفي الجزء الثالث 2000 عنوان، توزعت على 720 كاتبًا من القدماء والمُحدثين. وبحسب الشيخ آل حبيب، يدلّ مجموع الأرقام المذكورة في الأجزاء الثلاثة، والذي بلغ 6453 عنوانًا، على وفرة مساهمات الشيعة في هذه المنطقة، خدمةً للفكر والعقيدة، ومواصلةً لرفع صرح الحضارة الإسلامية، وفقًا لرأي العلامة الراحل الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي، كما جاء في مقدمته الواردة في الجزء الثاني من هذا المعجم.
ولتنظيم المعجم، ارتكز العمل على ذكر اسم الكتاب أولًا، مرتبًا حسب الحروف الهجائية، واسم المؤلف رباعيًا، مع ذكر مكان ولادته وتاريخ ميلاده باليوم والشهر والسنة، مع توثيق اسم الناشر ومكان النشر، وسنة الطباعة بالتاريخ الهجري والميلادي، وعدد الصفحات وقياس الكتاب. أما الكتاب المخطوط، فقد ذُكر اسمه مع نبذة مختصرة لوصفه.
واشتملت الصفحات الأخيرة من كلّ مجلد على كشّاف خاص بأسماء المؤلفين الَّذين وردت أسماؤهم في ثنايا صفحات المعجم بأجزائه الثلاثة، واحتوى كلّ جزء من المعجم 24 فصلًا وعناوين فرعية، وبلغت عدد صفحات الجزء الأول 743 صفحة، والجزء الثاني 800 صفحة، والثالث 825 صفحة. وقد قدّم للجزء الأول سماحة الشيخ حسن الصفار، فيما قدّم للجزء الثاني العلامة الراحل الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي، والثالث العلامة الشيخ حسين المصطفى.
ويختم الشيخ حبيب آل جميع بالقول: “أظهرت هذه البيبليوغرافية في الأجزاء الأربعة من هذا المعجم كثافة مشاركة المرأة في الإبداع الفكري والعلمي والأدبي في المنطقة. وضمّ المعجم عدة كتب ومؤلفات بلغات أجنبية متعددة، كاللغات الإنجليزية والفارسية والأردية والسواحلية والإسبانية والصينية والآذربيجانية”.
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
لتحميل المقال بصيغة PDF: المؤلّفات الشّيعيّة في الجزيرة العربيّة.
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
*رؤى شمس الدين: :
حائزة على إجازة في الترجمة من الجامعة الإسلامية في بيروت. تعمل في مجال الترجمة في مركز أوال للدراسات والتوثيق.
للتواصل عبر الإيميل: roa.shamsedine@gmail.com
اقرأ أيضًا:
- الأرشيف السّحابيّ.. الثّورة التقنيّة الثالثة
- الكوديكولوجيا أو علم المخطوطات.
- الأرشفة في البيئة الإلكترونية
- المعايير وتطبيقاتها في إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي)
- دور المشاع الإبداعي في إتاحة المعرفة
- الضَّبط الاستنادي وتوحيد الجهد التوثيقيّ VIAF نموذجًا
- هل هناك ذاكرة خارج إطار الجماعة؟
- المستودعات الرقميَّة: حافظة للذاكرة الأكاديمية ومنصَّة لنشر الأبحاث العلميَّة
- أرشيف مركز الإسكندريَّة: حلم يبحث عن الاكتمال
- الساجات تستطيع كشف الكثير من الألغاز في التراث البحريني
- البيانات الضّخمة إعصارٌ يحتوي العالم
- الأرشيف السّمعي البصريّ : حفظ الذاكرة الجماعيّة
- اتّحاد مؤسَّسات ذاكرة الوطن تجربة نيوزيلاندا نموذجًا
- قطاع اللام: اتّحاد مؤسَّسات ذاكرة الوطن
- أرشيف الويب.. حفظ ذاكرة الإنترنت
- الميتاداتا وتوصيف المصادر الإلكترونيَّة
- تشريعات الأرشيف العربي بين الفراغ القانوني والتأثير السياسي
- التوقيع الرقمي .. نموذج للتحول من الورق إلى الإلكترونيات
- السجلات الوطنية في بريطانيا.. مفتوحة أمام العامة
- كيف تُصان الذاكرة من الإلغاء المتعمد؟
- الأرشيف الوطنيّ الأميركيّ حارس لتاريخ شعبٍ وبلد
- آلية التّصوير المصغر : أساليب حفظ المصغرات الفيلمية
- كيف يصنع الأرشيف التّاريخ؟
- المجلس الدولي للأرشيف
- التّدمير الممنهج والمنظم لأرشيف المحفوظات في جزر القمر (1975-2001)
- حق الوصول إلى المعلومات: بين مصالح الأنظمة وأحلام الشّعوب..
- آلية التّصوير المُصَغر وإسهاماتها في عالم الأرشيف والمحفوظات
- الأرشيف القومي الكندي
- المخطوطات العربية والعجمية في الكاميرون .. شاهد على تاريخ البلاد