“الدير” في صورة
جاءت الكلمة لتبدّد الصمت البشري، فأصبحت تتناقلها الألسن خبرا ووثيقة وتاريخا. لكنها قد تخطأ الوصف أحيانا، وتجانب الصدق في كثير منها، حتى جاءت الصورة لتحكي ما عجزت الكلمة عن وصفه، وما قد تنساه الذاكرة من تفاصيل، لتبقى الصورة خير شاهدٍ على التاريخ.
“الدير”.. الزمان والمكان
“الدير”، قرية بحرينية ارتبط اسمها بدير الراهب الذي لم يعرف اسمه تحديدا، لكن مكان تعبّده لايزال موجودا بعدما تحول إلى مسجد فوق أعلى ربوة في القرية، وعرف بمسجد الراهب. تقع “الدير” في أقصى شمال المحرق، يحدّها من الجنوب مطار البحرين الدولي، ومن الغرب البستين والبحر شمالا وسماهيج شرقا. مساحتها غير مستقرة حيث إنها تمتدّ من جهة الشمال.
أما عدد سكانها فحاليا يتجاوز 12 ألفا. “الدير” التي نتحدث عنها هي “الدير” السبعينات من القرن الماضي.
البحر هو قدر الدير وهي قدره
لقرية “الدير” إطلالة مميزة على البحر من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب شمالا. وكانت منازل الأهالي قديما تمثل شريطا ساحليا بالقرب من البحر، كانت مهنة البحر تفرض قوانينها وعاداتها على الأهالي، اذ تستوعب أهل البيت بما فيهم النساء. هو موطنهم وموطن رزقهم.
ويشير لوريمر إلى أن سكان “الدير” كانوا كلّهم يعملون في الغوص، اذا كان لهم 25 شوعا (نوع من المراكب) يستخدم منها 21 في صيد اللؤلؤ. واستمرت هذه المهنة حتى سنة الطبعة عام 1925م، حيث غرق نحو 15 سفينة من سفن “الدير” في عرض البحر. بعد هذه الحادثة،ت قلصت مهنة الغوص حتى جاء اكتشاف النفط عام 1932م فلفظت أنفاسها الأخيرة. وبقى الأهالي يتعايشون على صيد السماك حتى يومنا الحالي. وقد ارتبطت بهذه المهنة عدة صناعات أبرزها صناعة الأقفاص فيما تعرف محليا “القراقير”.
مسجد الخيف
لم يكن هذا المسجد هو أول مسجد في “الدير”، ولكنه أشهرهم وأكبرهم. تبدا قصة هذا الجامع مع نهاية العام 1953م، حين قررت إدارة المعارف أنّ ذاك بناء مدرسة في القرية، واختار مهندسو الوزراة الأرض التي بني عليها جامع الخيف، وبعد أن تمّ الحفر، اجتمع الأهالي وعارضوا بناء المدرسة بدعوة افساد أبناء القرية، فقررت إدارة المعارف انشاء مدرسة أخرى في سماهيج، وكان ذلك في العام 1945م. ولم تقم مدرسة في القرية إلا بعد عشرين عاما، وكانت هذه المرة للبنات، عام 1972م، وظلت الأرض متنازعا عليها حتى تمّ الاتفاق على بناء مسجد. فعلّق أحدهما متندرا :”هالله هالله.. مسجد الخيف” الموجود في منى”.. فأطلق عليه هذه التسمية. وقد أقام الشيخ إبراهيم المبارك (رحمه الله) صلاة الجمعة التي استقطبت جميع أبناء القرية والقرى المجاورة.
بيت بن مطر
تعدّ “الدير” مصيفاً لكبار تجار المحرق، حيث إنها تطلّ على البحر وتمتاز بالبساتين والعيون الارتوازية. فجاءت عوائل عديدة لتصيف في الدير منها عائلة بن مطر، الذين بنوا لهم بيتا كبيرا على البحر، وبقيت أطلاله حتى مطلع السبعينات، وعُرف محليا ببت بن مطر. هو بيت يرجع للتاجر البحريني سلمان بن حسين بن مطر، وهو مصيف له ولعائلته في قرية “الدير” ويقع بالقرب من بستان ريا. ولقد بني له مسجدا يحمل اسمه حتى اليوم حيث تم إعادة بنائه في السنوات الأخيرة.
لعب الأطفال والشباب
اتخذ الأطفال ساحات الفضاء البعيد عن القرية لمزاولة العابهم، خاصة كرة القدم، وبعض الالعاب الرياضية. كما كانت البساتين، والتي تعرف محليا بالدوالي، مكانا آخر للتسلية وقضاء الوقت بين الخضرة والساب (مجري الماء). وكان الأطفال يساعدون أمهاتهم في أعمال مرتبطة بخوص النخل ويطبق عليه “السف” لصناعة السلال المتعددة الأحجام والإستخدامات وسفر الطعام.
الزواج
للزواج ممارسات خاصة في قرى البحرين، و”الدير” لا تخرج عن هذا العرف. ففي صورة تبن زفة المعرس من بيته إلى المسجد، للصلاة ركعتان، ثمّ إلى بيت العروس محاطا بمجموعة من الشباب والأطفال وسط أهازيج الفرح.
نادي الدير
بدأت بوادر تأسيس النادي عندما أُسست أول فرقة لكرة القدم، حاملة اسم “فريق النهضة” في العام 1956م، وأخرى لتعليم اللغة الإنجليزية، ومنها اتفق الطرفان على تأسيس “نادي الدير الثقافي الرياضي”، في العام 1961م، وكانت البيوت هي مقر لهذه النادي حتى عام 1978م. ولقد تنوّعت نشاطات النادي، فشهدت صالاته في السبعينات جماهير حاشدة لمشاهدة عروض مسرحياته.
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
لتحميل المقال بصيغة PDF: الدير في صورة
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
اقرأ أيضًا:
- شريط مار مخايل بالأسود والأبيض
- نهايات النّبع الكبير
- عن صورة تُكَوِّن نفسها في زوايا الذاكرة: “معتقل أنصار”
- حي الأميركان.. ذاكرة شفهيّة حيّة
- قصصٌ من “ذاك المكان”
- مسارح بيروت: من الذّهب إلى اللّحد
- من يملك ذاكرة الأرض؟
- بيروت القديمة استقلَّت الترامواي ورحلت إلى اللاعودة
- حي النعيم.. حسراتٌ في نفوس كرام
- التأريخ بالصّور: الشّوير وبيروت مثالًا
- سند.. قصّة أرض بحرينية طيّبة
- المنامة مشي وسِيَر وصور ودكاكين
- سيهات …نورس يطلّ علينا من قلب القطيف
- بيت جدي