حادثة الأسد

حادثة الأسد

*أحمد محمد حسن آل خرفوش

ضمن سياق توثيق الحوادث المهمة، التي مرت بذاكرة البحرين عموماً وقرية سماهيج خصوصاً، سعينا في (موسوعة سماهيج) لتوثيق أكبر عدد من الحوادث التي مرت على تاريخ هذه القرية، سواء تلك الموثقة في المصادر أو المتناقلة في الموروث الشفهي، وهي مهمة شاقة وشيقة، لما تكتنفه من تهافتات وتضاربات ومغالطات وتحريفات وزيادات، وقد بذلنا بمعية ابننا الباحث الأستاذ سماحة الشيخ جمال آل خرفوش جهوداً مضنية في ذلك الصدد، حتى جرى إنجاز الجزء الخاص بالحوادث، الذي أطلقنا عليه عنوان: (تراث مزيج من ذاكرة سماهيج)، المشتمل على أربعة فصول تحت العناوين التالية:

  1.   الحوادث التاريخية.
  2.   حوادث مؤلمة.
  3.   حوادث ومواقف طريفة.
  4.   وقفات تراثية.
  5.   محطات من العمل التطوعي.

تأتي حادثة (الأسد) ضمن الفصل الأول الذي حوى مجموعة من الحوادث المهمة والممتعة، وهي من أشهر الحوادث التي يتناقلها أهالي قرية سماهيج، وأبطالها ثلاثة هم: الحاج يوسف آل خرفوش، الحاج حسن علي المؤذن، الشيخ خليفة بن محمد رئيس الشرطة، وإليكم التفاصيل:

في تمام الساعة الثامنة ليلاً، أعلنت الجهات الأمنية هروب أسد من قفصه من مطار البحرين الدولي، أثناء إنزاله من الطائرة، مشددة على ضرورة أخذ الحيطة والحذر، ووجوب لزوم أهالي جزيرة المحرق، وخصوصاً القريبين من المطار كسماهيج والدير وقلالي وعراد منازلهم، إلى حين القبض عليه وتأمين حياة المواطنين، فساد تلك المناطق الهلع والخوف. أما عن الأسد فلم يعرف مكانه، إلا أنه على ما يبدو هرب معرجاً على قرية سماهيج، باحثاً عن مخبأ له، فاخترق المطار من جهة القرية مختبئاً بين بساتين النخيل العامرة إلى أن وصل إلى الساحل، فقرر أن يقضي تلك الليلة في قارب من القوارب القريبة التي انحسرت عنها مياه البحر في حالة الجزر، وهو قارب الحاج حسن بن علي المؤذن رحمه الله، وبعد ساعات قليلة عادت مياه البحر إلى الساحل في حالة المدّ حتى وصلت إلى أوجها، فلم يتمكن الأسد من النزول بعد أن فاجأته مياه المد، فاضطر إلى البقاء في القارب إلى حين عودة حالة المياه للجزر مرة أخرى.

ومنذ الصباح الباكر جاء المرحوم الحاج حسن بن علي المؤذن كعادته إلى قاربه، ليبدأ يوم عمل جديد في صيد البحر، ولم يعر تلك التحذيرات أهمية كبيرة، خصوصاً أن قوت يومه مسألة مهمة لكونه فقير الحال، فلما وصل إلى قاربه ورفع المرساة (السن) المربوطة بحبل قوي ممدود عدة أمتار من القارب، وأراد وضع المرساة في القارب وقبل أن يصعد على متنه، فوجئ بوجود دم على أطراف القارب، وهو دم لطير من طيور البحر افترسه الأسد، ثم صدمه وجوده ففر هارباً مذعوراً، وأخبر أهالي القرية بذلك، فهرعوا إلى الساحل لشعورهم بالأمان من الأسد نظراً لحالة المدّ.

كان المرحوم الحاج يوسف بن أحمد آل خرفوش لا يعلم بحادثة الأسد؛ لأنه يعمل كحارس أمن في مدرسة سماهيج، ولما وصل الخبر إلى المدرسة وعلم بذلك الحاج يوسف، طلب منه مدير المدرسة آنذاك الأستاذ محمود المحمود أن يرجع جميع الطلبة إلى منازلهم، شريطة أن يسيروا بقيادة الحاج يوسف آل خرفوش كمجموعة واحدة غير متفرقة، خوفاً عليهم من ذلك الأسد، الذي يعتبر قريباً من المدرسة في ذلك الوقت. فهرع الحاج يوسف لتوصيل الطلاب، ثم جاء مسرعاً مع جموع أهالي القرية إلى الساحل، مزمعاً على الذهاب إلى الشرطة، محذراً الأهالي من الاقتراب أو السماح لأحد بذلك. وعلى الفور توجه الحاج يوسف آل خرفوش إلى منزل الشيخ خليفة بن محمد بن علي آل خليفة، رئيس الشرطة آنذاك بقرية البسيتين، وكانت تربطه به علاقة وطيدة؛ إذ كان منذ وقت سابق حتى تلك اللحظة مستأجراً (متضمناً) مزرعته الكائنة جنوب مقبرة قلالي، الواقعة ضمن حدود قرية سماهيج، وأخبره بأن الأسد الهارب موجود في سماهيج، وهو محاصر إلا أنه يشكل خطراً كبيراً، وقام الشيخ خليفة بدوره باتباع الاجراءات اللازمة، فسارع إلى الذهاب إلى القرية برفقة الحاج يوسف آل خرفوش ومجموعة من رجال الشرطة، وحال وصولهم إلى موقع الحدث، أمر الشيخ خليفة رجال الشرطة بالاقتراب من القارب ورمي الأسد بالرصاص، فخاف الجميع لعدم تمكنهم من رؤية الأسد داخل القارب إلا إذا اقتربوا منه كثيرا، وفي ذلك مجازفة، الأمر الذي يتطلب أن يتقدم أحدهم من الأسد ليحدد موقعه داخل القارب، لإصابته مباشرة بالرصاص، إذ إن إطلاق الرصاص بشكل عشوائي من دون إصابته سيدفعه لمحاولة الهرب من الموقع، وهذا يعني تهديدا للمنطقة مرة أخرى، فلم يتجرأ أحد من رجال الشرطة على الاقتراب، حتى انبرى الحاج يوسف آل خرفوش متصدياً للمسألة، مبدياً استعداده للذهاب بنفسه لمعاينة موقع للأسد المختبيء داخل القارب بشكل دقيق، وسط تحذيرات الشيخ والشرطة والأهالي والمشفقين، إلا أنه لم يكترث. فتوجه بحذر ليقترب من القارب، واطلع بدقة على المكان الذي يختبيء فيه الأسد، إذ أشار إلى الشرطة فبادر الشيخ خليفة بإطلاق الرصاص عليه فخر بلا حراك، ولم يُعرف هل الأسد ميت أو مخدر.

وفي كتاب سماهيج في التاريخ جاءت الرواية على الشكل التالي: (بعدها جاء رئيس الأمن إلى القرية برفقة قوة من الشرطة، فأمرهم بقتل الأسد ولكنهم لم يجرؤوا على ذلك لخوفهم منه، فما كان من الشيخ إلا أن أخذ سلاحه ورمى القارب بالرصاص فنهض الأسد من القارب، ونزل إلى البحر محاولاً الهروب، ولكن الذي حدث أن الشرطة  هربت خوفاً منه، إلا أن الشيخ رماه بالرصاص، ثم نزل إليه المرحوم الحاج يوسف أحمد خرفوش، وحمله من البحر ووضعه في سيارة الشيخ، وبعد ذلك أعطى الشيخ خليفة 60 روبية للمرحوم الحاج حسن علي المؤذن لتعويضه عن الضرر الذي أصاب قاربه و100 روبية للمرحوم الحاج يوسف أحمد خرفوش تكريماً له على إبلاغه بالخبر الذي أدى إلى إبعاد الذعر عن الأهالي).

وقد أدرج الكتاب في الصفحة نفسها قصيدة طويلة لشاعر سماهيج آنذاك الملا عبدالله محمد بن ناصر المطوع دعبل، تصف تلك الحادثة من بدايتها حتى نهايتها بتفصيلها الدقيق، فاشتملت على (47) بيتاً وهي مهمة لكون صاحبها أكثر قرباً من الحادثة بالرغم من (كثرة التكسير) بوزن القصيدة ولعل السبب راجع إلى الناقل لا إلى الشاعر. والقصيدة كالتالي:

بلدنا صارت أمينة واللي يقصدها افتخر                  خالق العالم حباها بالتأيّد والنصر

خالق العالم حباها شلون صارت رابحه                  إسمها إمنوه وأهلها أهل عقول راجحه

واليريد المكر بيها كل أعماله طائحة                     رفعها الباري على كل المدائن بالفخر

بلدة سماهيج ما تقبل أعمال فاسده                   واليضدها ما يحصل مصلحه ولا فائده

أو بعد دسمع ياعزيزي الكيد يرجع كايده                او صاحب النيه الشينه ما يحصل من أجر

يوم عشرين الظهر بالناس صارت زلزلة                   إنخبصت العالم او صارت للمشاعب شايلة

كلّمن يلقا صحيبه يناشده ويسايله يصيح                 دوقف يا نديمي إشها الحكاية وش الخبر

عثر هي صارت الوقعة يا أخي شنهو السبب            الناس كلها خايفه ليكون ثار إهنا الحرب

إيقله دسكت يكفي الله وينا اوين                          الحرب هاي أصحاب الطناطر بالتفاكة والسمر

مدري وش جاري علينا يكفي الله العالمين               طبت العسكر إطبابة التفاكه مسلحين

حرب ثاير في بلدنا لو ضياعة فاقدين                        هاي أبناء الخليفة في مواترها تجر

إيقولوا هلنقلوا الخبر صكوا حفايزها التجار                   حتى من أرض المنامة جاي عاني المستشار

اموجبّه تسعين سيارة وقد ثار الغبار                         عثر صارت زلزله يا مسلمين اشها الخبر

تسعمائة سنطري إبكل الحديد مسلحة                     ابهيئه حربيه يقولو هالحكاية اموضحه

والابواب امغلقة من عقب ماهي مفتحة                     والبوليسية تحوط إعلى الشوارع بالسمر

راحوا الناس انشدوهم شلجرا ويش السدا                  أشوف هيئتكم عجيبة والدروب مسددة

صار وقت الظهر وامن الخوف ما انطيق الغدا                  قالو أنتو غافلين او ما دريتو شالخبر

ما دريتو شلجرا وهاي الركض ويا الطرد                       البارحه الساعه ثمان إنفلت من عندنا أسد

قصد بلدتكم ولا إتخلوا بعد يطلع أحد                          إحنا مسئولين عنكم مابرح هذا الخطر

أو يوم أراد الله الفرج للخلق من ذلك اللعين                  قصد يتمشى ولايندل بعد دربه منين

ابهوري لمأذّن إنخش او ساقه رب العالمين                  ساعه لن صاحب الهوري جاي يمشي في البحر

بس وصل حملة الهوري رفع راسه او عاينه                  شافه بمنظر كديش إعليه ريحه معطنه

صاح به دبشر قصر عمرك بعد يا ابن الخنا                   يا خلايق دبشروا في وسط هوريي النمر

طلع مدّوده سريع وما أدري شنهي حالته                   خايف ويركض ومثل الطير صارت مشيته

من كثر طرده يقولوا بعد طارت غترته                          قصده يروح الحكومه بالعجل يعطي خبر

طلع يوسف بن أحمد خرفوش ثوبه يسحبه                  وصّل وعاين الأمه مصدقة ومكذبة

قال باطب البحر صارت العالم تنعبه                            ما سمع قول الأوادم بالعجل طب البحر

وراح يمشي يقول أنا ما أريد أحيا بالوطن                   قالت الناس تركوا يوسف تراهو مستجن

لكن نروح ابعجل للسوق نشري له كفن                    مدري هوه شاله العزم لو هو عايف للعمر

من وصل هوري المؤذن صار قلبه يرتجف                    من كلام الناس لكن مارجع ولا انحرف

وصّل وعاين الى نسل الخبيثه منعطف                      صاح البشاره ابحيل الله لفا لينا النصر

هذا نسل إبن اللعينه رفع راسه يهزهزه                     كان ما يشرد وأنا ملزوم أبغي الجائزة

ساعه لن أهل التفاكه لفت عند بارزه                        ركب يوسف ويا أهل الموتر او جوا للنمر

ثوروا عشرين زهبه وسط جسمه ما خذت                  التاليه صارت قويه ارويحته بيها اطلعت

وعقب ذاك الخوف جملة الناس كلها آمنت                    نالي إبتشت العالم وإرتفع عنها الضجر

فرت العالم جراد أو بالعجل راح البشير                            بالخبر يلعن بعد قرت عيونك يا أمير

قتلنا الفاجر وجينا دعطنا خير كثير                                قال هذي الجائزة للي قتل هذا النمر

أسمع يقولون خمس امية حصل من تعبته                      والمؤذن قد حصل ستين هللي إنتابته

هلي حصل مايعمر له بعد شتوارته                                وأما يوسف حصل عشرين إبراحه المندمر

ملا عبدالله بأمركم يا اخواني يالحبايب                          قصد بالونسة جميع أو تذكرونه يلصحاب

أمتثل أمرك يا بوصفوان يا نسل لطياب                            يا حسن وين  الرهش والحلوا والخبز الحمر

تعبتي عندك يا بوصفوان ما تمضي بلاش                        أنا مئمل لا خلص هالقول اتمشي لي معاش

بلاليط اوبالدهن ما ريده لو ترشه رشاش                       إبها النظم ظليت ساهر والسهر يعمي النظر

جايزة عطني يبوصفوان حقي وتعبتي                           رهش أو حلوى دعطني وخلني باكل شبعتي

عقب ما أشبع أباودي الفضيل لعيلتي                           قول إن شاء الله ولا تبدي كلام ولا عذر

الخاتمة صلوا على خير البشر المصطفى                       وبن عمه حيدر الكرار الله مشرّفة

أو فاطمة الزهراء البتولة وأسباط المصطفى                 خصهم المعبود من دون العوالم والبشر

 

      هذا ولنا على ما أورده كتاب سماهيج في التاريخ عدة وقفات نجملها في التالي:

  1.   تاريخ الحادثة: لقد أرخت الحادثة في كتاب سماهيج بتاريخ 20 صفر الموافق 1374هـ المصادف (1954م)، ولا أعلم مصدراً له البتة إلا ما ذكره الشاعر الملا عبدالله المطوع في قصيدته بقوله في الشطر الأول من البيت السادس: (يوم عشرين الظهر)، ولم يحدد أي عشرين وفي أي سنة، فلا نعلم الشهر هل هو هجري أو ميلادي كما لا نعلم السنة. غير أن عدم ذكر الشاعر لأي قرينة تحدد لنا يوم العشرين دلالة واضحة على أنه يقصد يوم العشرين الذي يتبادر إلى الأذهان دائماً عن أهالي القرية خصوصاً والشيعة عموماً، وهو يوم العشرين من صفر الذي يصادف أربعين استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وعلى هذا الأساس بنى كتاب سماهيج على أن الحادثة كانت في العشرين من صفر على ما يبدو، وما يؤيد كون المقصود، هو العشرين من صفر، أن القصيدة قد كتبت، ثم ألقاها الشاعر في أحد المجالس العامرة بالقرية، وربما هو مجلس الحاج حسن أبو صفوان رحمه بطلب منه، وأن الطابع الغالب عليها هو الطابع الفكاهي، وذلك بعد أن انتهت أيام الحزن ودخلت أيام ربيع الأول بأحداثها المفرحة كما هو متعارف عند الشيعة. ولكي نكون أكثر دقة فإن الشاعر يعني بيوم العشرين من صفر اليوم الذي وصل فيه خبر فرار الأسد(النمر)، فيما كان فراره في ليلة ذلك اليوم أي ليلة العشرين من صفر، الساعة الثامنة المصادف للتاسع عشر من صفر، وأما مجيء الحاج حسن المؤذن إلى قاربه فقد كان عصراً، بعد حصول حالة المد للبحر، من الأرجح أن الحاج حسن المؤذن لم يكن يريد التوجه للصيد؛ لأن الشيعة لا ينطلقون إلى أعمالهم يوم العشرين من صفر وترى فيه كراهة شديدة، ومن الأجدر بالحاج حسن أن يتوقف هو أيضاً عن العمل، لما عرف عنه من تقوى وورع وزهد، بل كان الحاج حسن يريد الاطمئنان إلى قاربه، أو يريد تقريبه إلى الساحل أو أي غرض آخر، ينشده البحارة فصادف أن شاهد الأسد فيه. وعليه فقد حُدّدت السنة الهجرية التي حصلت فيها الواقعة، بعد الظفر بالسنة الميلادية ومعادلة الأولى بالثانية، فلما عُلم بأن الحادثة حصلت عام (1954م) عُلم أن الحادثة كانت في عام (1374هـ) الهجري، والبركة في معرفة سنة الحادثة بالميلادي تكمن في مولد الأستاذ الفاضل عبدالله خليل مريضي في السنة نفسها بل ربما في اليوم نفسه أو في الأيام القريبة حتى لقب بالأسد، ومن المعلوم أن الأستاذ عبدالله خليل قد ولد عام (1954م). ولما علمنا أن الحادثة كانت في العشرين من صفر عام (1374هـ) صار من السهل معرفة التاريخ الميلادي كاملاً باستخدام البرامج المخصص، فتأكد لنا أن الحادثة وقعت في الأحد 17/10/1954م، إلا أن الصحيح أنها وقعت في 20 صفر عام 1372هـ الموافق للسبت 9/11/1952م كما سيأتي فتابع.
  2.   المستشار بلجريف: جاء في القصيدة ذكر المستشار، والمقصود به البريطاني تشارلز بلجريف مستشار حاكم البحرين الذي تسلم تلك المهمة في فترة ما بين عامي (1926م-و1957م)، وبالتالي فإن الحادثة كانت قبل خمس سنوات من إعفائه من منصبه ورجوعه إلى بلده، والغريب أن مذكرات بلجريف التي يعول عليها كثيراً في تدوين تاريخ البحرين، والتي سردت العديد من القضايا التفصيلية، لم تذكر حادثة الأسد على الإطلاق، بالرغم من أنها كانت تمثل أهمية تفوق عددا من القضايا التي ذكرها بشكل مفصّل!! وفي قصيدة الملا عبدالله المطوع آل دعبل رحمه الله التفصيلية للحادثة ذُكر وصول المستشار إلى سماهيج قادماً من المنامة بتسعين سيارة، تُقلّ تسعمئة شرطي (سنطري) مجهزين بالأسلحة، وعلى ذلك يمكن القول إن كل سيارة شرطة كانت تنقل عشرة من أفراد الشرطة. واقعاً لا نستطيع الاعتماد على قصيدة الملا عبدالله بشكل دقيق لأنه كتبها كما هو واضح، بشكل ساخر (كوميدي) موغلاً في الطرافة والدعابة أكثر من الجدّ، ونحن هنا لا نستطيع أن ننفي وصول المستشار إلى قرية سماهيج إلا أن أحداً غيره لم يذكر ذلك، وهذا لا يبرر قطعاً عدم ذكر بلجريف للحادثة في مذكراته، إلا أن الكلام هنا عن مدى صحة قدومه لسماهيج من عدمه. وقد ذكرت المصادر شخصية حكومية أمنينة مهمة هو رئيس الشرطة الشيخ خليفة بن محمد آل خليفة، فما الداعي إلى عدم ذكر المستشار؟! وعلى أيّ حال فمن الواضح في القصيدة أن تسعمئة شرطي عدد  كبير جداً قياساً بالمهمة فضلاً عن مهمة حماية المستشار، وبالتالي فإن عنصر المبالغة واضح في القصيدة طلباً لتعظيم الواقعة وبيان خطرها على الناس في ذلك الوقت. 
  3.  وقت رؤية الحاج حسن المؤذن للأسد: يفهم مما ذكر في كتاب سماهيج أن الحاج حسن المؤذن رحمه، ذهب إلى قاربه، ومن ثم رأى الأسد هنالك للمرة الأولى عند الصباح الباكر، حيث إن الأسد فرّ في حدود الساعة الثامنة ليلاً كما هو مشهور ومذكور في القصيدة أيضاً، وكان البحر في حالة الجزر الأمر الذي مكّن الأسد من الصعود على القارب، وبعد أن عاد البحر إلى حالة المد تعذر على الأسد الخروج فجاء الحاج حسن المؤذن إلى القارب ووجد الأسد هناك. وهذا الأمر مطابق أيضاً للرواية المنقولة شفوياً من خارج كتاب سماهيج في التاريخ، إلا أن ثمة إشكالات تعصف بها، تتمثل في مخالفة ذلك السيناريو لما ذكره الملا عبدالله في القصيدة، حيث بيّن أن الأسد، وإن كان قد فرّ من القفص في الساعة الثامنة ليلاً، إلا أن الأهالي لم يبلغهم الخبر إلا ظهر اليوم التالي، حتّى إنه نغّص عليهم طعام الغداء، وهذا يعني أن حالة الجزر بالليل قد تحولت إلى مد في الصباح، ثم رجعت إلى الجزر، ثم عادت إلى المد ظهراً، ومن المفترض أن الحاج حسن المؤذن- رحمه الله – قصد قاربه في المد الذي حصل ظهراً، وهو نفسه الوقت الذي وصل فيه خبر هروب الأسد، كما وضحت القصيدة، إلا أنه كتاب سماهيج يروي الحادثة، وكأنها كانت في المد التالي للجزر الأول، الأمر الذي يناسب الساعة الثانية صباحاً، وهو غير مقبول البتة، وأما الموروث الشفوي فيحاول أن يوصل المستمع إلى فهم ما مفاده، أن الحادثة كانت في صباح تلك الليلة، وهو أيضاً متعارض مع القصيدة من جهة، ومع ورع الحاج حسن المؤذن الذي يستحيل أن يسمح له بالسعي في الرزق، في العشرين من صفر، وهو ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام من جهة أخرى. وعلى المبنى الذي ذهبنا إليه القائل: إن الموقف حدث في المدّ الثاني، الذي يقدر أنه في الساعة الثانية ظهراً، نقع في المحذور نفسه، إلا أن توجّه الحاج حسن المؤذن إلى قاربه في ذلك الوقت يكون مبرراً أكثر من الصباح، كما أن سيناريو القضية بحسب الموروث والقصيدة منسجم معه تماماً، ولكنه يجبهه إشكال آخر، يتمثل في سر بقاء الأسد في القارب 18 ساعة تقريبا، من دون محاولته الهرب في وقت الجزر الثاني، الذي يوافق الساعة الثامنة صباحاً تقريباً، وهو أمر يسهل توجيهه خصوصاً حينما نضع في الحسبان كون ذلك الصباح مقدساً، فتتعطّل فيه النشاطات جميعاً ولا سيما البحرية منها، فيكون الساحل هادئاً وخالياً من الناس منذ ليلة العشرين من صفر، وهي ليلة هروب الأسد إلى آخر ساعات نهار العشرين من صفر، الأمر الذي أشعر الأسد بأمان تام، ربما دفعه للخروج من القارب من دون أن  يلحظه أحد ليصطاد ما يسد جوعه، إذ تؤكد الرواية أن الحاج حسن المؤذن قد رأى آثار دم طير افترسه داخل القارب، ومن ثم يعود لمخبئه مرة أخرى، ليتوارى عن الناس من جهة، وينجو من الغرق وقت المد التالي من جهة ثانية. وأما عن سبب دخول الحاج حسن البحر في ظهر يوم العشرين من صفر، فلربما كان لسبب آخر غير الإبحار كالتهيئة للدخول ليلاً أو في اليوم التالي، أو ليتفقد قاربه، أو ليضعه وقت المد قرب الساحل، ليسهل عليه صعوده حيث إن الجزر يمنعه من تقريبه إلى الساحل، كما هي عادة كل البحارة.
  4.   قاتل الأسد وطريقة قتله: من الواضح في رواية كتاب سماهيج، أن الشيخ خليفة قام بنفسه بإطلاق الرصاص على الأسد وقتله، ثم قام الحاج يوسف آل خرفوش بانتشاله ووضعه في سيارة الشيخ، وأن الأسد قد قتل بعد محاولة الهرب إلى البحر. وهذا السرد ناقص، وفيه خلط، فلم يذكر دور الحاج يوسف آل خرفوش في تجشمه عناء الذهاب إلى القارب، لتحديد موقع الأسد بدقة، كما أسلفنا، لتسهل عملية إصابته بالرصاص مخافة أن يُفلت ويزرع الهلع والخطر، وهي مهمة استراتيجية لم يجرؤ أحد عليها، فكانت البطولة الكامة من نصيب المرحوم الحاج يوسف آل خرفوش، مع أنه كان لا يملك سلاحاً. وأما كون الشيخ خليفة رئيس الشرطة قد أطلق النار على القارب ما أدى إلى نزول الأسد من القارب، فهو بعيد عن الموروث الشفوي للحادثة، إلا أنه مقارب لمعاني القصيدة، التي نظمها المرحوم الملا عبدالله المطوع آل دعبل رحمه الله، الذي ذكر أن الأسد قد رُمي بـ(عشرين زهبة) أي عشرين طلقة قوية، إلا أنها لم تأخذ من جسمه مأخذها، وكانت الطلقة الحادية والعشرون هي القاضية، إلا أن الشاعر لم يذكر أن الطلقات كانت طائشة وتسببت في فرار الأسد من القارب، بلحاظ أن عدد الطلقات، الذي حدده بعشرين طلقة ما هو إلا تقديري لبيان كثرة عدد الطلقات. ويبدو أن الشاعر المطوع- رحمه الله – كان يروي القصة شعراً، بحسب ما فهم هو لا كما هو الواقع، إذاً الطلقات التي أطلقها الشيخ خليفة لم تصب جسم الأسد مباشرة، وإنما كانت عبر مرحلتين على ما يبدو، فالأسد لا يرى عن بعد غير أن موقعه في القارب محدد، فبادر الشيخ خليفة إلى إطلاق النار بعد أن اقترب من القارب، وهي شجاعة مشهودة إذ جبن باقي أفراد الشرطة، وكان إطلاق الشيخ للنار عن قرب، إلا أنه يصوب ناحية القارب، كي تخترق تلك الطلقات القارب الخشبي، وتستقر في جسد الأسد القابع في موقع التصويب، وأخال أن الأسد حين بدأ إطلاق النار نحوه قام على رجليه، محاولاً الهرب إلا أنه كان محاصرا بمياه المد التي تحيط به من كل جانب، فبقي حائراً إلى أن أصابته الطلقة القاضية أو الطلقات القاضية، بعد أن أصبح مرئياً لدى الشيخ خليفة. وبعد أن خر الأسد بلا حراك داخل القارب، تحير رجال الشرطة في انتشاله من موقعه، خوفاً من أن يكون الأسد لا يزال حياً، وهنا كان الدور البطولي الأخير للحاج يوسف آل خرفوش الذي توجه إلى الأسد، ورفعه من مكانه ووضعه في سيارة الشرطة. 
  5.   التعويض بين الحاج يوسف والحاج حسن: بعد انتهاء الحادثة بوضع الحاج يوسف آل خرفوش للأسد في سيارة الشرطة، وتفرق الجموع من مكان الحدث إلى منازلهم، وقفل رجال الشرطة مع الشيخ خليفة عائدين، قام استدعى الشيخ خليفة بطل الحادثة، الحاج يوسف آل خرفوش لتكريمه على دوره الوطني والاجتماعي، وبسالته في حفظ الأمن والأمان، فكرّمه بتقديم مبلغ له قدره (100) روبية، وحينما تسلّم الحاج يوسف جائزته بادر إلى طرح فكرة تعويض صاحب القارب، لما أصاب قاربه من أضرار جراء إطلاق النار عليه، خصوصاً أنه مصدر رزقه الوحيد، فرحب الشيخ خليفة بالفكرة وطلب من الحاج يوسف آل خرفوش إيصال الرسالة للحاج حسن المؤذن، كي يحدد قيمة تلك الأضرار التي لحقت بقاربه، فأوصل الحاج يوسف الرسالة إلى الحاج حسن إلا أن الأخير لم يعر الأمر اهتماماً، بداعي أن الأضرار التي لحقت بقاربه بسيطة جداً، ولم يوافق على أن يطلب لنفسه مبلغاً محدداً، فقررت له الجهات المختصة (60) روبية، وهي قليلة قياساً بالأضرار التي نجمت عن الحادثة، ولذلك لامه الحاج يوسف آل خرفوش، كما لامه أهالي القرية، وهذا ما عناه الملا عبدالله المطوع في قصيدته بقوله: (هلي حصل ما يعمر له بعد شتوارته). وبالرغم من اتفاق كل الروايات على أن الحاج حسن المؤذن، قد حصل على (60) روبية إلا أنهم اختلفوا في قيمة جائزة البطل الحاج يوسف آل خرفوش، فقد ذكر كتاب سماهيج، أن الجائزة كانت (100) روبية، في حين أن الشاعر المطوع آل دعبل يشير إلى حصول الحاج يوسف على (500) روبية، بقوله: (أسمع يقولون خمس امية حصل من تعبته)، وهو الرقم الأوجه الذي يبين مدى تقدير جهود الحاج يوسف آل خرفوش وبطولته ، والغريب أن الشاعر في السياق نفسه، قد ذكر حصول الحاج يوسف على عشرين روبية، وذلك في قوله: (وأما يوسف حصل عشرين براحة المندمر)، بعد قوله في الحاج حسن المؤذن: (هلي حصل ما يعمر له بعد شتوارته)، فيظهر أن الحاج يوسف، حصل على مبلغ آخر بقيمة (20) روبية، ولا يعلم السبب، فلعل قاربه قد تضرر لكونه قريباً من قارب المؤذن، وهذا ما لم نسمع به، أو توهم الجهات المختصة بأن قارب الحاج يوسف قد تضرر هو الآخر، وأخال أن هذا المبلغ الإضافي نظير تعويض الحاج يوسف عن مصاريف الذهاب للشيخ خليفة لإخباره، والله العالم، ولو دققنا في قصيدة الملا المطوع لوجدنا أن كلمة (المندمر) التي تعني سعيد الحظ والموفق، تفيد أن العشرين روبية هي مبلغ إضافي، كما يفيد ذلك البيت كاملاً بأن التعويض الإضافي للحاج يوسف، الذي هو محض زيادة كان قريباً من مبلغ تعويض الحاج حسن المؤذن عن أضرار قاربه، فالأخير لم يؤمن له التعويض حاجته، في حين أن باقي تعويض الثاني كان مقارباً لتعويض الحاج حسن فلاحظ. 
  6.   أسد أم نمر أم فهد: اشتهرت الحادثة باسم حادثة الأسد، إلا أن الحيوان المفترس الذي سبب الرعب للأهالي لم يكن كذلك، إذ كان كبار السن سابقاً يسمون النمر بالأسد، ولذلك نجدهم تارة يسوقون القصة على أنه نمر، وأخرى على أنه أسد، غير أن ذكر الأسد كان المرجّح. في الواقع وعلى وجه الدقة لم يكن ذلك الحيوان نمراً، فضلاً عن أنه لم يكن أسداً أيضاً، بل هو فهد أسود والنمر والأسد لا يمكن أن يكون لونهما أسود.

اشتباه في كتاب (العقد الثمين في تاريخ البسيتين):

       ذكر الباحث الفاضل عبد الرحمن بن شاهين المضحكي، قصة مشابهة لحادثة الأسد، ونسبها إلى قرية البسيتين راوياً عن عبدالله العبيدلي، وهذا نصها: (في الخمسينيات هرب فهد من القفص، خلال نزوله من الطائرة في مطار المحرق، الأمر الذي جعل المنطقة في حالة خوف وهلع، وصدر أمر من الحكومة بعدم الخروج من المنازل، حيث جرى[حضر التجوال] وبحث رجال الشرطة عنه في منطقة المحرق إلى أن وجدوه في منطقة البسيتين، وهو رابض تحت قارب قديم، وقام أحد أنجال الشيخ علي بن خليفة آل خليفة برميه في الموقع المذكور فأرداه قتيلاً). وعلى ما يبدو فإن الكاتب لم يكن يعلم بتفصيل حادثة الأسد، لذلك اعتمد على رواية، أُحاد رواها له أحد رجالات البسيتين وهو عبدالله العبيدلي، والتي فيها الكثير من الخلط والاشتباه، حتى في تحديد اسم الرامي الذي كان أوضح من الشمس، وهو الشيخ خليفة رئيس الشرطة، بينما لم يذكر العبيدلي اسم الرامي مكتفياً بالقول إنه أحد أنجال الشيخ علي بن خليفة آل خليفة. ومن المعلوم أن حادثة الأسد واحدة، ولم يذكر لنا تاريخ البحرين حادثة شبيهة لها، فكيف ستتكرر الحادثة مرتين، وفي منطقة واحدة هي جزيرة المحرق وفي الفترة نفسها وهي الخميسنيات؟!! وعليه فإن الحادثة التي نقلها الكاتب المضحكي عن  العبيدلي، إنما هي حادثة الأسد في سماهيج نفسها ، إلا أنها قد شابها الخلط والاشتباه ونقص في التفاصيل، فالواقعة لم تكن في البسيتين ولكن نظراً لكون البسيتين داخلة في التفاصيل من قبل الشيخ خليفة، الذي كان قاطنا هناك، ما اضطر الحاج يوسف آل خرفوش للذهاب إلى تلك القرية الكريمة، ثم إن قاتل الأسد والمتصدي للمسألة، وأحد أبطال القصة الرئيسيين هو الشيخ خليفة نفسه ، فقد سبب ذلك في توهم الكاتب والراوي بأن الحادثة حصلت في البسيتين.

ومما أحسبه سبباً رئيساً للخلط والاشتباه هو حصول حادثة هروب مجموعة من القردة من دائرة الشحن، وتفرقها في مزارع البسيتين في نهاية الخميسنيات ومطلع الستينيات، وهي فترة زمنية قريبة من حادثة الأسد، وقد ذكرها الكاتب المضحكي قبل حادثة الأسد، بعد أن عنون الحادثتين بعنوان جامع هو: (البسيتين وهروب القرود والفهد). يذكر الكاتب المضحكي أن الذي اصطادها هو أحد رجالات البسيتين واسمه راشد الطبشي، حيث اصطاد اثنين منها أحدهما في بستان سيادي والآخر في منزل علي مبارك البوسميط.

ويبدو أن القردة التي هربت أكثر من اثنين، إلا أنه لم يُعثر إلا على اثنين فقط، ولا يعلم أين ذهبت البقية، إذ من الممكن أن يكون بعضها قد مات أو هرب إلى مناطق أخرى، كما يمكن أن يكون قد هرب إثنان منها فقط والله العالم.

وإذا لاحظنا طريقة الكاتب المضحكي في التوثيق للحادثتين، فسنجد الفرق واضحاً، إذ إن حادثة القردة موثقة بصورة تفصيلية، حيث لم تهمل الرواية ذكر الشخص الذي اصطاد القردين، كما أن المكانين اللذين جرى فيهما اصطيادهما هما مزرعة ومنزل معروفان بالاسم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى طريقة الاصطياد، إذ بينت الرواية أنه قتلهما كان بالرصاص. أما حادثة الفهد فقد كانت مبهمة من أولها لآخرها، فلم يعرف اسم الشخص الذي اصطاده، ولا ملكية القارب الذي كان الفهد رابضاً فيه، ولا سيناريو الاصطياد التفصيلي، الأمر الذي يشير إلى أن حادثة القردة قريبة جداً من ذاكرة الموروث الشعبي التاريخي البسيتيني، فيما لفّ الغموض حادثة الفهد لكونها بعيدة كل البعد عن الموروث البسيتيني. والعكس صحيح فلو سألت الموروث السماهيجي عن حادثة القرود، لما كان فيه ما يشير إليها، وأنا شخصياً لم أعلم بحدوث حادثة كهذه إلا حينما رأيتها في كتاب العقد الثمين في تاريخ البسيتين، بينما الوضع يختلف تماماً فيما لو سألت الموروث السماهيجي عن حادثة الأسد، حيث ستجد التفصيل الدقيقة والمعالجات التحقيقية والروايات المختلفة حول تفاصيل مألوفة، إذ أفرد كتاب سماهيج في التاريخ لهذه الحادثة صفحتن ونصف الصفحة (214-216)، فيما أوردنا نحن في كتابنا هذا عدداً كبيراً من الصفحات، أنتم أعلم به فراجعوه؛ لأنه ما زالت في جعبتنا بعض النكات والمعلومات بخصوص الحادثة والتي لم ننته بعد، فتابعونا.

كبار السن بالمحرق وحادثة الأسد:

       لا يزال كبار السن بمدينة المحرق يتذكرون جيداً حادثة الأسد، ويتذاكرونها فيما بينهم، كلما دعا داعٍ، ويسردون الحادثة كما هي ولكن بتفاصيل مختلفة قليلاً، لكونهم لم يشهدوا الحادثة وإنما نقلت إليهم عن طريق الشياع أو من شهود عيان، وهذا بطبيعة الحال يفقد السرد أجزاءً،  قد يصعب استرجاعها. وكذلك فإن رواية أهالي القرية للحادثة تكون قطعاً مرتكزة على قواعد سماهيجية، من حيث المعالم والأماكن والأسماء المرتبطة بها من دون سواها، فنجد التركيز على اسم البطل الأول والأكبر، وهو الحاج يوسف آل خرفوش، وكذلك على صاحب القارب الحاج حسن المؤذن، وبالرغم من سرد تفاصيل شجاعة الشيخ خليفة رئيس الشرطة وجرأته إلا أن تأكيد جرأة الحاج يوسف آل خرفوش كان أكبر، وهو صحيح لكن كان لجرأة رئيس الشرطة دور كبير في إنهاء الحادثة على خير، كما أنه هو الذي أصاب الأسد بلا منازع.

       وإذا ما رجعنا لرواية أهالي مدينة المحرق فسنجد أن تركيزهم كان على بطولة الشيخ خليفة وجرأته وشجاعته وحنكته ومهارته ، ويسردون الحاثة على أساس أنها من أمجاد الشيخ خليفة، ولكن لا يذكرون شيئاً من مآثر الحاج يوسف آل خرفوش ومواقفه؛ لأنهم أصلاً لا يعرفون تفاصيل الحادثة، وإن علموا أن هناك بطلاً قد عرّض نفسه للموت، في سبيل حماية الأهالي، فإنهم لم يكونوا يعلمون أنه الحاج يوسف آل خرفوش، بالرغم من علاقات الأخير الوطيدة حتى مع أهالي المحرق.

الأستاذ عبدالله خليل الأسد:

       من أجمل والطف وأهم ما يربتط بحادثة الأسد علاقتها الوثيقة بمولد أحد أعلام القرية، وهو الأستاذ الفاضل الحاج عبدالله بن خليل بن إبراهيم مريضي (قريص)، حيث لقب بالأسد نسبة إلى تلك الحادثة الشهيرة، ومن المُتيقّن أن الأستاذ قد ولد في عام الحادثة نفسه، إلا أن اليوم والشهر غامضان، فلا يُعلم هل كان الأستاذ قد ولد في يوم الحادثة نفسه أو الشهر نفسه أو بعد ذلك ؟

       ومن المؤكّد أن توثيق كتاب سماهيج لسنة الحادثة وهو عام (1954م) إنما كان من خلال معرفة العام الذي ولد فيه الأستاذ عبدالله خليل، ولكن الكتاب لم يناقش الأمور التفصيلية الخاصة بتلك السنة، كما أنه لم يتطرّق لأي علاقة بين الحادثة وسنة وقوعها وبين الأستاذ عبدالله خليل، وليس ثمة ما يوثق التاريخ الحقيقي لمولد الأستاذ وبالتالي التاريخ الحقيقي للحادثة، ولو علمنا بالفارق الزمني الفاصل بين الحادثة ويوم مولد الأستاذ، لاستطعنا توثيق مولد الأخير على وجه الدقة باليوم والشهر.

       في الحقيقة لا يمكن الركون إلى القول: إن الحادثة كانت في عام (1954م)، لأن الأستاذ عبدالله خليل لم يولد كذلك في تلك السنة، فهو من مواليد عام (1952م) حقيقة لا كما هو مذكور في جواز سفره، إضافة إلى أن الأستاذ الفاضل قد ولد فعلاً يوم العشرين من صفر، وهو ما يصطلح عليه عند الشيعة (ردود الراس) أي اليوم الذي رُدَّ فيه رأس الإمام الحسين عليه السلام إلى قبره الشريف، بعد أن فصله بنو أميه وطافوا به في الشوارع والبلدان تشفياً بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، إلى أن أرجعه ابنه الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام يوم العشرين من صفر إلى كربلاء، حيث موضع قبره، وهذا أمر مُتيقَّن وواضح ولا لبس فيه.

وعليه فإن الحادثة وقعت في العشرين من صفر عام (1372هـ) الموافق ليوم السبت 8/11/1952م، فيما كان هروب الأسد في ليلة الحادي والعشرين من صفر الموافق للجمعة 7/11/1952م فدقق.

وجدير بالذكر أن سلمان بن حميد بن محسن ياجدك، قد ولد في يوم ولادة الأستاذ عبدالله خليل مريضي نفسه، إلا أنه لم تُسلَّط عليه الأضواء، ولم يرتبط ميلاده بالحادثة كما عليه حال الأستاذ عبدالله.

المصدر: تراث مزيج من ذاكرة سماهيج، ج3 (موسوعة سماهيج)-قيد الطبع.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF: حادثة الأسد

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

أرشيفو 2 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا:

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>