يقول المفكّر الألماني فالتر بنيامين: “لا توجد وثيقة للحضارة إلا وبجانبها وثيقة للبربرية”. هكذا يعمل الأرشيف، يستحضر جيرة الأضداد، يضعها وجهًا لوجه، لتتمحّض الحقيقة من هذا التقابل. من يعمل على جانب واحد في التاريخ، يكون قد أحرق ببربرية الحقيقة، وهنا يتبدّى صراع الأرشيف مع السّلطة، هي تريد أن تسيطر عليه وهو يريد أن يكشف جنباتها التي تَسْتَعِر منها.
يعمل الأرشيف في فيلم “أميستاد Amistad” على إظهار بربرية الإنسان الغربي المتحضّر ضد بني جنسه من الأفارقة الذين اتخذهم عبيدًا يتاجر بهم. يحكي الفيلم قصّة سفينة إسبانية كانت تُستخدم لنقل العبيد من كوبا إلى أمريكا. في العام 1839، تمكّن المُختطفون من تحرير أنفسهم والسيطرة على السفينة، لكنهم لم يكونوا يعرفون كيف يقودونها لتعود بهم إلى أفريقيا، فقرّروا أن يُبقوا على حياة اثنين من البحارة، فمارسا الخداع وأوصلاها إلى أمريكا. وهناك، تمّ اعتقالهم، وجرت محاكمة مثيرة لهم وسط صراع بين المنادين بإلغاء العبودية، استنادًا إلى ما جاء صراحةً في إعلان الاستقلال الأمريكي، والآخرين من المنادين بالإبقاء على العبودية لضرورات اقتصاديّة، وتتداخل مع هذا الصراع تضارب مصالح دول، كإسبانيا، التي تستفيد من تجارة الرقيق، وينتهي الصراع بانتصار العبيد وتحريرهم.
لقد دخلت سفينة “أميستاد” التاريخ العالميّ كوثيقة تستحضر الصراع بين جنبتي الإنسان، تَحضّره من جانب وبربريته من جانب آخر.
“أميستاد” كلمة إسبانية تعني الصداقة، لكنها صارت وثيقة أرشيفية تعني صداقة الحضارة والبربرية معًا. ذلك هو تاريخ الإنسان.
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
لتحميل المقال بصيغة PDF: “أميستاد” الأرشيف
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
اقرأ أيضًا: