«أرشيف» لفظة لاتينيَّة مشتقّة من الكلمة اليونانيَّة أرشيوم «archium»، وتعني مكان إقامـة القاضي أو المكتب العـام أو السّلطة. هكذا، يذكّرنا أصل كلمة أرشيف بالارتباط بالسّلطة، فالقاضي والنيابة العامة أجهزة تابعة للسّلطة، وبهذا تكون هذه الأجهزة بيت الأرشيف والقانون والحقيقة، وهذا ما يجعل الأرشيف مشروع صراع حول الحقيقة، حين لا تكون هذه السلطة ديمقراطية، ولا تخضع لمراقبة المجتمع المدني ومشاركته في صياغة الحقائق العامة، كما هو الأمر في الأنظمة الشمولية ذات الرواية الأحادية غير المؤتمنة على شعبها وتاريخه.
القضايا العامّة في المجتمع الشمولي محكومة بما تسمح به السلطة، ووثائق هذه القضايا تتحكَّم بها السلطة، ويؤول أرشيف هذه الوثائق إلى بيتها (المحاكم، النيابة العامة، المكتبات العامة، الوزارات). وتَعتبر السّلطة تأسيس مشروع أيّ بيت خاصّ للأرشيف خارج بيوت الدولة، خروجًا على الدولة، وتأسيسًا لحقيقة مضادّة لشرعيتها، وتهديدًا لأمنها القومي في احتكار الحقيقة.
في رائعة جورج أورويل «1984»، يقوم بطل الرواية، العضو في الحزب الحاكم، والموظّف في وزارة الحقيقة «بيت أرشيف الأخ الأكبر»، بتكييف التاريخ وفق ما يريده الحزب، فهو يقوم بإعادة كتابة المقالات القديمة، ويعبث بالوثائق التاريخية لتتفق مع ما يعلنه الحزب، كما يتولى محو أيّ إشارة إلى اللاأشخاص، وهم أولئك الذين «تبخّروا»، أي من لم تكتفِ السلطة بقتلهم، وإنما أنكرت وجودهم أصلًا، سواء في التاريخ أو في الذاكرة.
إنَّ تأسيس بيوت خاصَّة للأرشيف يعتبر عملية نضالية في مجتمعاتنا العربية، لأنها ستكون في مواجهة مع وزارات الحقيقة وأرشيف الأخ الأكبر ومهمّاته المقدّسة. وأرشيف مركز «أوال» واحد من هذه البيوت الَّتي تناضل من أجل تحرير الأرشيف من سيطرة الأخ الأكبر.
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
لتحميل المقال بصيغة PDF: أرشيف الأخ الأكبر
___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
اقرأ أيضًا:
