الأرشفة في البيئة الإلكترونية

الأرشفة في البيئة الإلكترونية

*زينب البزال

في كلِّ مرة نقوم فيها بكتابة بريد إلكتروني أو التقاط صورة فوتوغرافية أو تدوين محاضر اجتماعات، فإننا نقوم من حيث لا ندري بتوثيق حياتنا والعالم المحيط بنا. هذه الوثائق تشكّل المصدر الأوّلي الخام والأثر الَّذي نتركه في هذا العالم. أما الكتب التي يتم تأليفها، فهي تمثل المصدر الثانوي الذي ينتج من دراسة المصادر الأولية ومعالجتها.

تكمن مهمة الأرشيفي في تحديد أنواع التسجيلات التي يجب أن يتمّ حفظها لتوثيق الماضي، فبمجرد أن يقوم بتنظيم التسجيلات وتوصيفها، فإنَّها تصبح جزءًا من قصَّة يمكن الوصول إليها في أيِّ وقتٍ أردنا.

أسلوب الوصف الأرشيفي

تتمّ عملية حفظ أيّ وثيقة من خلال تحديد مجموعة تعريفات تصف المادة التي نريد حفظها. يُطلق على هذه التعريفات اسم الميتاداتا أو البيانات التعريفية التي تصف تسجيلًا معينًا. تأتي أهمية الميتاداتا في أنها الوسيلة الرئيسية لجعل البحث عن المصادر الإلكترونية في شبكة الإنترنت أكثر قابليةً وإفادةً.

من جهة أخرى، تشكّل الميتاداتا مصدرًا أساسيًا لاختصاصيي المعلومات والمكتبات في بناء التسجيلات الببليوغرافية التي یعدّونها لوصف المصادر الإلكترونية في شبكة الإنترنت. مثلًا، لو أردنا وصف كتاب، فإننا نصفه من خلال مجموعة تعريفات مثل العنوان، المؤلف، الناشر، سنة النشر، عدد الصفحات (كتاب “من هو البحريني؟ بناء الدولة وصراع الجماعات السياسية 1904 – 1929″، المؤلّف علي الديري، الناشر مركز أوال للدراسات، سنة النشر 2017، عدد الصفحات 372). هذه البيانات التعريفية هي التي تمكّن المستخدم من البحث واسترجاع الكتب من خلال الميتاداتا، وكذلك تمكّنه من خلال الاطلاع على الميتاداتا معرفة مطابقة الكتاب لما يريده الباحث.

إذًا، من أجل الوصول إلى كتاب معيَّن، يتمّ ذلك من خلال البحث في أيِّ عنصر من عناصر تسجيلته الببليوغرافية المتاحة، عن طريق الفهارس الببليوغرافية الوجودة على الإنترنت. أما عندما يتعلَّق الأمر بالأرشيف، فإنَّ العملية مختلفة قليلًا، فبعد الاطلاع على أسلوب عمل الأرشيفيين والمفاهيم والمصطلحات المستخدمة لديهم، يصبح الأمر أكثر وضوحًا، ويصبح المستخدم أكثر قدرةً على إيجاد المادة الَّتي يبحث عنها.

عندما يقوم أيّ شخص بالبحث عن الوثائق، سوف يجد نفسه في نهاية المطاف يبحث من خلال الوصف الأرشيفي (archival description)، وهو ما يُسمّى عادةً بمساعدات الإيجاد. يقوم الأرشيفي بتحويل تراكمات من الوثائق إلى مجموعات ذات فائدة. يشمل هذا العمل البحث في سياق الوثائق وفي نشاطات الأشخاص الذين أنتجوا هذه الوثائق.

يعمل الوصف الأرشيفيّ بطريقة مماثلة للفهارس المكتبيَّة، فهي تمنح توصيفًا مختصرًا لما يمكن أن يعثر عليه الباحث في مجموعة أرشيفيَّة معيّنة وما تتضمّنه من عناصر، مشكّلةً بذلك أهميَّة للمستخدم الباحث عن مجموعة أرشيفية معيّنة ولأمين الأرشيف، من خلال تنظيم محتوى المجموعات الَّتي يعمل عليها، فمن دون هذه التوصيفات لا يمكن معرفة ما يمكن أن تحتويه المجموعة الأرشيفيَّة. هذه التوصيفات تُمثل نقطة البداية للباحث. إنها المقدّمة والدليل للمجموعة الأرشيفيَّة. كما أنَّ كتابتها تتمّ من خلال اتباع معايير مختصَّة بهذا المجال، تُحدَّد عبر السنين، وليس من خلال وجهة نظر أمين الأرشيف الشخصيَّة.

يتألَّف الوصف الأرشيفي من عناصر مماثلة للوصف المستخدم لدى المكتبات، فكما تحتوي التسجيلة الببليوغرافية للكتاب معلومات عن العنوان، المؤلف، دار النشر (كما يتضح لنا من الصورة أدناه)… فإنَّ المعايير الأرشيفية تصف عددًا من المجموعات – تسمى العناصر – يحدّدها الأرشيفي في كل مستوى من المجموعة الأرشيفية.

ومن أجل خلق طريقة موحّدة لتبادل التوصيفات بين جميع المؤسَّسات المتخصّصة بالأرشيف وفهمها، كانت الاجتماعات تُعقد بين المتخصّصين بالأرشيف في مختلف الدول، من أجل الاتفاق على معيار للوصف الأرشيفي يشكّل صبغة موحّدة متفقًا عليها، تلتقي عندها جميع الآراء، وتتفق على تطبيقها على المستوى العالمي. (صورة 1)

معيار الوصف الأرشيفي المكوَّد (EAD)

تمَّ عقد اجتماع من قبل مجموعة الأرشيفيين الأميركيين (Society of American Archivists)، في العام 1993 في كاليفورنيا، بهدف إنشاء معيار موحَّد. بدأ العمل على معيار EAD DTD من خلال مشروع كان يهدف إلى دراسة إمكانية إنشاء معيار للوصف الأرشيفي يمنح الوثائق إمكانية أن تكون مقروءة آليًا.

هذه التسجيلات يمكن أن تنتج من محتويات المخازن، السجلات، والوثائق الأخرى التي تتواجد في مختلف المراكز، مثل الأرشيف والمكتبات والمتاحف أو محفوظات المخطوطات، ما يسمح بالاستفادة من هذه الوثائق بشكل أكبر. في تلك الفترة، لاحظ المسؤولون عن هذا المشروع الدور النامي للشبكات في الوصول إلى المعلومات حول المقتنيات، وكانوا حريصين على تضمينها معلومات تتجاوز ما تم توفيره بواسطة سجلات الفهرسة (MARC).

اتفق المجتمعون على استخدام لغة SGML للمعيار، لكونها تقنية قادرة على تحقيق المتطلّبات التي تم تحديدها، إضافةً إلى كونها لغة مدعومة من قبل الكثير من البرامج المتوافرة والبرامج قيد التطوير في ذلك الحين، كما أنَّها تعمل على مختلف أنظمة التشغيل.

في خريف العام 1998، تم إطلاق معيار (EAD – Encoded Archival Descriptions)، الذي ساهم في جعل المحتويات التي ذكرناها سابقًا قابلة للبحث والحفظ والتبادل. ومنذ البداية، تمَّ اعتماد هذا المعيار من قبل العديد من مؤسَّسات الأرشيف والمجموعات الخاصَّة.

وإضافةً إلى ما قامت به مجموعة الأرشيفيين الأميركيين ومكتبة الكونغرس، قامت مجموعة المكتبات البحثية (RLG – Research Libraries Group) بتحديد مجموعة قواعد وممارسات لمعيار EAD، وذلك من أجل الحصول على نوعية معلومات أفضل. كذلك، قامت مجموعة RLG بتصميم RLG Report Card، وهو نظام مبرمج لفحص الجودة، يقوم بتحليل بيانات أرشيفية EAD، ويُنتج تقريرًا عن البيانات التي تبتعد عن معايير الجودة والممارسات المتبعة. وقد تمَّ تطوير معيار EAD في العام 2010، كما جرى آخر تعديل على هذا المعيار في آب 2015.

عناصر الوصف الأرشيفيّ المكوّد

سوف نستعرض في ما يلي بعض العناصر التي تتكون منها مساعدات الإيجاد في معيار الوصف الأرشيفي المكود:

  • الترويسة (Header): تشكّل الترويسة العنصر الأول في مساعدات الإيجاد في هذا المعيار، وهي تتضمن العنوان الأساسي والفرعي للمجموعة (title and subtitle)، إضافةً إلى بعض المعلومات حول عملية أرشفة هذه المجموعة، مثل الشخص الذي ألَّفها، تاريخ التأليف، الناشر، وتاريخ النشر، اللغة…

يتميَّز معيار الوصف الأرشيفي المكوَّد بإمكانية مطابقته مع معايير أخرى، ففي المثال الظاهر في الصورة أدناه، نجد في الترويسة relatedencoding=’DC’، ما يعني أنه يمكن المطابقة بين معيار دبلن كور ومعيار الوصف الأرشيفي المكوّد، فكل عنصر من العناصر التابعة للترويسة يوازي عنصرًا في معيار دبلن كور.

يتمّ تحديد ذلك داخل العنصر نفسه tag. مثلًا داخل عنصر encodinganalog=’Title'” “titleproper تعني أنَّ titleproper tag في معيار الوصف الأرشيفي المكوّد، تعادل “title tag” في معيار دبلن كور. تسمح هذه المطابقة بسهولة تحويل البيانات إلى معيار آخر، وبالتالي سهولة فهم البيانات وتبادلها.

  • عنصر Dsc: من العناصر الأساسيَّة في معيار الوصف الأرشيفي المكوَّد، وهي تحتوي على مخزون كامل عن المجموعة، مقسّم من خلال مجموعات هرمية. تحتوي هذه التاغ (tag) التقسيمات الفكرية للمادة، إضافةً إلى تفاصيل عن مكان التخزين الفعلي لهذه المواد، كما يوضح المثال في الصورة.

نموذج يوروبيانا – نحو الويب الدّلالي

تحدَّثنا أعلاه عن أحد أهم المعايير المتّبعة في عملية حفظ الأرشيف المستخدم لدى العديد من المؤسَّسات الأرشيفيّة وفهرسته. وإضافةً إلى ذلك، تُسَتخدم معايير أخرى مثل EAC-CPFDACS وغيرها.

مع الوقت، أصبحت البيانات الأرشيفية المختلفة تنتج من العديد من المصادر، ومنها المكتبات، المتاحف، مؤسسات الأرشيف، والمؤسسات السمعية – البصرية. ومع وجود معايير متعدّدة لحفظ الميتاداتا، نجد اختلافًا في المعايير المستخدمة بين مؤسَّسة وأخرى. وفي الوقت نفسه، يحتاج المستخدم الباحث عن التراث الثقافي إلى أن يجد البيانات التي يريدها بطريقة مفيدة في مكان واحد يشتمل على ثقافات ولغات متعددة.

من أجل هذا الهدف، قامت مجموعات متخصّصة، مثل Digital Nz في نيوزيلاندا، Library and archives في كندا، وكذلك يوروبيانا (Europeana) في أوروبا بالعمل على ما يُسمى (LAM- Library Archive Museum)، أي مساحة على الويب تضُم معلومات عن وثائق من ثلاث قطاعات: المكتبات والمتاحف والأرشيف.

وهنا، سوف نستعرض باختصار تجربة يوروبيانا في مجال اللام (LAM):

قامت يوروبيانا بالعمل على نموذج بيانات من أجل خلق بوابة موحَّدة يمكن أن تضمّ بيانات من مؤسَّسات متعدّدة تعتمد معايير متنوّعة. من أجل هذه الغاية، تم تصميم نموذج بيانات يوروبياناEuropeana data model الَّذي يجمع التراث الثقافي الأوروبي الموزّع بين مؤسَّسات متعددة. يبيّن لنا المثال التالي إحدى نتائج البحث من خلال يوروبيانا، بحيث تُظهر لنا النتيجة بيانًا نصيًا وآخر صورة، وذلك من مصادر متعددة.

يعمل نموذج EDM على استخدام معايير من الويب الدلالي (Semantic web)، أي الويب الذي يعتمد على معاني الكلمات ودلالاتها، ويشكّل بذلك مساهمة مهمة ليوروبيانا في مجال الويب الدلالي، فقد تم تصميمه بالاستفادة من معيار RDF الذي هو شكل مطوَّر للغة XML، يُمَكّن من تمثيل البيانات بطريقة تعطي الأشياء معنًى وترابطًا، فهو يعمل بشكل مستوى أعلى لهيكلية أنطلوجيا تتألف من عناصر مأخوذة من معايير مثل OAI-ORE5 Dublin Core, Terms 6, SKO7، مُشَكلًا بذلك ميتاداتا مُمَثلة بطريقة غنية وعلائقية، تضفي معنًى وفائدة أكبر إلى البيانات، بحيث تصبح إمكانيات البحث والاسترجاع أقوى.

يعطي نموذج يوروبيانا قابليَّة تمثيل الأشياء بطريقة سيميائية، وإمكانية تطبيق وظائف جديدة. وبما أنَّ نسبة كبيرة من البيانات المتوقّع أن تحتويها يوروبيانا تستخدم معيار الوصف الأرشيفي المكوَّد، فإنَّ من الضَّروري استخدام وسائل تحوّل من معيار EAD – encoded archival description إلى معيارEDM – Europeana data model . إحدى هذه الوسائل برنامج mint الذي قامت يوروبيانا بتطويره لتمكين المؤسَّسات من تحويل بياناتها إلى معيار EDM.

تضمّ يوروبيانا اليوم ملايين البيانات من جميع أنواع مؤسَّسات التراث الثقافي. فعند قيام أيّ مؤسسة (مكتبة، أرشيف، متحف) في أوروبا باستخدام نموذج يوروبيانا (EDM)، أي تزويد يوروبيانا ببياناتها المطابقة لمعيار EDM، تصبح البيانات متصلة ببعضها البعض، بحيث يمكن للباحث إيجاد بيانات من مكتبة أو متحف أو مؤسسة أرشيفية من خلال بوابة واحدة.

تتطوَّر التكنولوجيا يومًا بعد يوم، وتتطوَّر معها معايير الفهرسة وأنظمة المعلومات والمكتبات، والتي تهدف إلى خلق بيئة معلوماتية تمكّن الأرشيفي أو المكتبي من جهة، والمستخدم الباحث من جهة ثانية، من الاستفادة من البيانات بشكل أكبر.

إنَّ هذه المعايير تتطوَّر باتجاه تأمين إمكانيات حفظ البيانات واسترجاعها بشكل أكثر تطورًا وذكاءً، وبالتالي أكثر قيمةً وفائدةً للمستخدم. لذلك، ومن أجل توفير أكبر قدر من الفائدة، يتوجَّب على المؤسَّسات المعنيَّة بحفظ التراث الثقافي أن تكون مواكبة لتطور التكنولوجيا المتعلّقة بحفظ المعلومات، لأنَّ الهدف من المعلومات ليس الحفظ فحسب، إنما الهدف هو تمكين المستخدم من الوصول إلى المعلومة بأسهل الطرق وأسرعها، وذلك لا يتم إلا عبر استخدام أنظمة مواكبة لأحدث المعايير.

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

المراجع:
1 – انظر: الأمين، مرتضى بشير، التوثيق الإعلامي وتكنولوجيا المعلومات، عمان، الأردن، أمواج للنشر والتوزيع، 2016.
2 – انظر: Archives@PAMA (2015). How do archivists organize collections? Available at: goo.gl/2S17Dr
3 – انظر: Charles, Valentine (2013). Introduction to the Europeana Data Model EDM. Last viewed on 6 May 2018. Available at:
goo.gl/Xw9HWU
4 – انظر: Encoded Archival Description official site, last viewed on 5 May 2018. Available at: goo.gl/ydCFtj
5 – انظر: Europeana Data Model Documenatation, Last viewed on 6 May 2018. Available at: goo.gl/v8S2mB
6 – انظر: Hennicke, Steffen & Olensky, Marlies & Boer, Victor & Isaac, Antoine & Wielemaker, Jan. (2011). Conversion of EAD into EDM linked data. 801. Available at: goo.gl/eAEVN4

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

لتحميل المقال بصيغة PDF: الأرشفة في البيئة الإلكترونية

___________________________________________________________________________________________________________________________________________________________

*زينب البزال: اختصاصيَّة في مجال البرمجة، ومبرمجة محلِّلة في إدارة الإحصاء المركزي في لبنان.

للتواصل عبر الإيميل: albazzalzainab@gmail.com

أرشيفو  10 بصيغة PDF 

اقرأ أيضًا: 

 

 

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>