“الترجمة: التلةُ التي نصعد”

اتخذ مركز أوال شعار «التلة التي نصعد» (The Hill We Climb) للاحتفاء بيوم الترجمة العالمي في هذا العام. وكما عودناكم في مركز أوال، فإننا نتخذ في كل عام شعارًا نقارب من خلاله شقا من مفاهيم الترجمة.

شعار هذا العام هو «التلة التي نصعد» (The Hill We Climb) عنوان قصيدة لشاعرة سوداء نحيلة صغيرة اسمها «أماندا غورمان» (Amanda Gorman)، مكونة من 710 كلمة، وقد ألقتها في حفل تنصيب «جو بايدن» (Joe Biden) رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية بتاريخ 20 كانون الثاني/ يناير 2021م.

أثارت هذه القصيدة في ترجمتها جدلًا كبيرًا، بعد أن حاول ناشر ألماني أن يقوم بإسناد مهمة الترجمة إلى مجموعة من الأدباء المتخصصين. وطرحت أثناء هذه المحاولة مجموعة من الأسئلة كان أبرزها: «هل يمكن للأبيض أن يترجم معاناة الأسود؟ وهل يمكن للأبيض أن يترجم قصيدة تتحدث عن تجربة السود؟ أم هل يليق أخلاقيًّا أن نستعين بمترجم أبيض، في حضور المترجمين السود؟ هل يمكن أن يكون المترجم الأبيض أمينًا على ترجمة جرح الأسود؟ هل يمكنه أن ينصت إلى عمق هذا الألم الذي تحمله كلمات الأسود؟

التلة في قصيدة (أماندا) تُشير إلى مبنى الكونغرس الأمريكي، السلطة التشريعية في البلاد، ويبلغ ارتفاع المبنى مع التلة التي أقيم عليها 221 مترًا. صعود هذه التلة، هو بمثابة المشاركة في النظام السياسي، والهيئة التشريعية، ونظام الدولة ودستورها. خاض الأسود تجربة مريرة، ليصعد إلى هذه التلة، ويكون في مصاف الأبيض فوقها، عنوان القصيدة يُشير إلى هذا الصعود.

شُيِّد هذا البناء في العام 1793م، والأكيد أن العمال الذين شيّدوه في ذلك الوقت كانوا من العبيد السود؛ لم يصعدوا التلة حينئذٍ ليشاركوا في التشريع، ليحميهم من ظلم الأبيض، بل ليُسيّدوا البيض. لكن مكر التاريخ وتحولاته جعل هذه التلة مكانا لكل الألوان، ما بُني على أيديهم هو الذي حررهم وضمن لهم حقوقهم، والقصيدة تشير إلى ذلك.

اخترنا هذا الشعار لنشير أولًا إلى الجدل الحاصل حول ترجمة هذا القصيدة، وهو جدل نافع ومفيد، يفتح نقاشات حول مفهوم الترجمة.

كما أن هذا الشعار يشير إلى أن الترجمة ليست عملية تبديل كلمات ولا بحث عن مرادفات، إنما تقع في قلب الصراع، وفي قلب المعاناة.

هذا الشعار يؤكد أن الكلمات تحمل جرحنا الوجودي الناطق، وهذا ما شرحناه في شعارنا في العام السابق «الترجمة شق كلام»، والشق هنا يحمل معنى المشقة، وليس معنى «الفتحة» فقط، وهي جرح كذلك؛ ويشير إلى أن الترجمة هي جرح في الوجود، وليست فقط جرحًا في الفم الذي نتكلم منه ونترجم من خلاله. هذه القصيدة هي تعبير عن هذا الوجود. والشاعرة أثناء إلقائها القصيدة كانت تمثّل جرح العرق الأسود، والبحث عن مترجم ينصت إلى هذا الجرح هو كالبحث عن طبيب ومعالج على هيئة مترجم.

الترجمة تحمل المعانى والألم والمشقة، لذلك فضلنا ترجمة العنوان «التلة التي نصعد» على ترجمة «التلة التي نتسلق» لأن الصعود فيه المشقة والمعاناة، والاستخدام القرآني للصعود يشير إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ (سورة الأنعام، الآية 125)، كما أن المعجم العربي دائمًا ما يقرن الصعود بالألم وتنفّس الصعداء بعد أن يزول هذا الألم.

الترجمة بقدر ما تكون ناطقة ومتحدثة ومعبرة، تمتلك القوة، قوة الصرخة الموجودة في النص الذي قيلت فيه، والكامنة في الجرح الذي نطق بهذا النص.

مركز أوال للدراسات والتوثيق


أن تترجم يعني أن تعبر الحدود التي تفصل بين اللّغات والثّقافات والهُويات وتردم الهُوّة بينها. أن تترجم يعني أن تُشيّد جسراً تتعارف عنده الثقافات وتُعرّفُ عن نفسها وتتصالح مع هُجنتها بأن تؤسس لمفاهيم الاختلاف والحوار والانفتاح والتنوع.

أن تترجم يعني أن تعمل في الخفاء والعلن، أن تَصِلَ المجهول بالمعلوم بأن تشدّ رحالك مُسافراً في المجاهيل؛ أن تتفاوض، أن تقاوم، أن تفض النزاعات، لتتمكن في النهاية من «صعود التلّة» لتُشرِفَ على مشهدٍ جديد، فضاء معنى جديد لا ينشغل بثنائيّة الهامش والمركز وينفلت من قبضة الذات والآخر.

قصيدة «التلة التي نصعد» كشفت عن محنة الترجمة تحديداً بوصفها موضعاً للمفارقة، ولعلّ واحدة من أشهر المفارقات هي تعريف الترجمة الجيدة بأنها تلك التي لا يستطيع القارئ معرفة كونها ترجمة.

أي بعبارة أخرى، تثبت الترجمة قيمتها بالتخفي؛ بالانصياع لتوقعات ثقافة بعينها والرضوخ لنزعتها العِرقية التي لا ترغب باستقبال الاختلاف الثقافي ولا التعامل معه.

إنها شكل من أشكال العنصرية «المُقنّعة»، بتعبير شتراوس، تلغي التنوع الثقافي وتمحو كونيّة الأثر الإنساني وشموليته وتتمركز حول ذاتها ناسفةً فعل الترجمة بوصفها فن تخطي الحدود.

برأيي أن محاولة الأبيض للتعرف على «جرح» الأسود تمثل خطوة مهمة لنبذ العنصرية وللتقرّب من الآخر المختلف ولتبديد الظلام على اعتبار أن الجرح، بتعبير جلال الدين الرومي، هو الموضع الذي يدخل منه النور.

خالدة حامد تسكام

مترجمة وأستاذة جامعية/ بغداد


دائمًا ما يكون النص المترجم موضع انتقاد وتعليق وتقييم على يد كثيرين ممن قد ينصفون المترجم أو لا ينصفونه. لكن لا يمكن أن ننكر جهده وتخبطه بين لغتين وثقافتين، ناهيك عما يكون الكاتب قد صبّه في النص من شخصيته ومن نفسه ومن لسانه.

يقع المترجم في معظم الأحيان في شراك تحليل المقاصد والمعاني الخفية، فلا يدري هل يحتفظ بهويته أثناء الترجمة، أم هل يبتعد عنها ويحاول أن يضع نفسه مكان الكاتب.

وللأمانة، لا توجد قاعدة محددة لذلك، إنما يبقى ذلك رهنًا بما يريده المؤلف أو الناشر.

كثيرة هي الصعاب التي ينبغي على المترجم أن يتجاوزها، فعليه أن ينقل النص من لغته الرئيسة إلى لغة أخرى، محافظًا على اتساقه، ومضمونه، وملتزمًا بخلفيته، ومراعيًّا شخصية المؤلف، ومحاولًا أن يفهم المضامين الموجودة بين السطور.

لقد عملنا في مركز أوال على ترجمة عدد من الكتب، كان أبرزها «مجموعة أرشيف البحرين في الوثائق البريطانية الأصلية»، التي تتألف اليوم من ستة مجلدات مترجمة لوثائق بريطانية عن البحرين، يعود أقدمها إلى العام 1820م.

إن اختلاف اللسان، والثقافات، والعادات، أوجب علينا محاولة فهم البحرين كما رآها البريطانيون، كي نتمكن من مطابقتها مع لساننا وثقافتنا. كانت كأنها إعادة ترجمة لنص مترجم أساسًا. فالبحرين دولة عربية ذات لسان عربي، ترجمها البريطانيون في وثائقهم إلى الإنجليزية، ونحن أعدنا ترجمتها من جديد إلى اللغة العربية.

تحديات الترجمة كثيرة، وكل مترجم يجد منها زاوية مختلفة وجديدة، تفرضها طبيعة النص وطبيعة مؤلفه، وتصبح هذه التحديات تلة يجهد المترجم في صعودها ليصل إلى قمة يستطيع أن يرى منها النص بشكل أكثر وضوحًا وشمولًا.

رؤى شمس الدين

مترجمة / لبنان


ترجمة النصوص الأدبية تشبه المثل الإنجليزي الشهير

Put yourself in my shoes 

«ضع نفسك في حذائي»

بشرط امتلاكنا مقاس القدم ذاته.. سيكون «حذائي» وستكون «نفسك» لكنها التجربة المشتركة بيننا..

حشر القدم الكبيرة في الحذاء الصغير تضخم من المعاناة وانتعال القدم الصغيرة للحذاء الكبير يسخف من التجربة.

دعاء إبراهيم

مترجمة / البحرين


Words travel worlds, bridging distances and building civilizations and none of this could have been made possible without the bearers of words, the messengers and travelers: translators.

To translate is to be entrusted with a message, carefully carrying it along a challenging trek laced with hurdles and an arduous climb to the hilltop.

There is a widely adopted notion that a translation of worth is one whose translated nature is rendered invisible to the reader.

This cloak of invisibility is often thrown over translators as well, rendering them forgotten instruments and nameless soldiers, literally “lost in translation”.

However, when speaking of Amanda Gorman’s poem, The Hill We Climb, a debate has emerged pushing the translator into the spotlight.

Upon looking into this debate, one can conclude that it is rather a debate over trust in whether the translator has the ability to convey this culturally significant work in another language based on the translator’s background, race, culture or lived experience.

In such cases, one can argue that choice of the translator could hold as much significance as the message behind Gorman’s poem and her voice as a young, outspoken woman of color, given that black women are often systematically marginalized. This begs the question: Does the visibility and identity of the translator matter?

Yes, it does matter because context matters, and “who translates” here could be seen as part of the context. As words are not mere letters on a page; words have memories and a history of their own. And in the words of Anthony Burgess: “Translation is not a matter of words only: It is a matter of making intelligible a whole culture.”

Batoul Assi

Translator from Lebanon


للتحميل بصيغة PDF: الترجمة التلةُ التي نصعد
نسخة الهاتف

عن الكاتب


اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تتميز بـ *


يمكنك استخدام HTML وسوم واكواد : <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>