سعادة السفير

محمد جواد ظريف… لقطة مقرّبة

عبد الرحمن جاسم

من الطبيعي أن يحظى كتاب «سعادة السفير: محمد جواد ظريف» (دار أوال) بكل هذه الضجّة. كيف لا والرجل هو وزيرُ الخارجية الأشهر عالمياً ــ لربّما ــ خلال الأعوام العشرة الماضية؟ يأتي وزير الخارجية الإيراني الحالي (وسفير/ ممثل إيران لدى «الأمم المتحدة» منذ عام 2002 إلى 2007) محمّد جواد ظريف بخلفيةٍ لا مثيل لها: قاهر الأميركيين في معركتهم الدبلوماسية مع بلاده؛ وصاحب الصورة الشهيرة والضحكة العارمة أمام وسائل الإعلام بقدّها وقديدها. الخارج عن معتاد الدبلوماسية العالمية بضحكته الشهيرة، لا ريب أنه يعدّ واحداً من أشهر رجال القرن الحالي، حيث لا يمكن لأحد نسيان اسم وزير خارجية الجمهورية الإسلامية في إيران.

الرجل المتواضع، المتقن بمهارة للغة الإنكليزية، وُصِف يوماً بأنّه «أنجح دبلوماسي حظيت به إيران منذ الثورة، والرجل الوحيد في العالم الذي يستطيع أن يتحدّث إلى جون كيري في يوم، ثم إلى علي خامنئي في اليوم التالي، وأن يقنع كلاً منهما بأن يشاركه وجهة نظره» (الكلام لكريم سجادبور المحلل في معهد «كارنغي للسلام الدولي»). هذا الأمر عينه يوجد على مقدّمة كتاب «الدبلوماسية» لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق الذي أرسل له الكتاب موقّعاً بإهداء «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف». ترجم محمد العطّار الكتاب إلى اللغة العربية بعد حصوله على اهتمامٍ محلي إيراني واسع، ما أدى إلى طباعته سبع مراتٍ متتالية (بلغته الأصلية الفارسية).

يأتي «سعادة السفير» أشبه بمقابلةٍ طويلةٍ على شكل «أسئلةٍ» و«أجوبةٍ» بين مُحاوِرٍ (هو محمد مهدي راجي ضمن دراسة أعدّت للماجستير) ومُحاور اعتاد أن يكون في قلب الحدث السياسي حاملاً منطق السياسي المحنّك والدبلوماسي في آنٍ معاً.

تشرح مقدّمة الناشر (أي دار أوال) أنَّ النص بين دفتي الكتاب هو ما قاله «السفير» بين عامي 2010 و2012، مؤكدين: «أنه يكتسب أهمية كبرى بعد توليه وزارة الخارجية وبعد النجاح الذي حققه الملف النوي الإيراني في عهده، ولأنه كان حاضراً في كثير من الأحداث والاستحقاقات، ما أعطاه الأهلية الكافية لتولي عملية تفاوضٍ بهذا الحجم». ويثير المترجم في مقدّمته أسئلة حول بعض الأمور التي لم يتطرّق إليها السفير (والكتاب حكماً) كالربيع العربي أو الشأن الداخلي الإيراني، أو حتى علاقاته الخاصة ببعض أركان النظام الحاكم في الجمهورية آنذاك.

الكتاب الذي لخّص أكثر من أربعين ساعةً من اللقاءات بين المتحاورين، قدّم تقريباً شخصية الرجل القادم من العاصمة طهران، والمولود في 8 كانون الثاني (يناير) 1960، لعائلةٍ «ثرية» (إذ يشير في الكتاب إلى أنَّ والدته ابنة لتاجرٍ كبيرٍ معروف ووالده تاجرٌ معروفٌ كذلك). درس ظريف في المدرسة العلوية الخاصة، وصولاً إلى خروجه من إيران وهو لا يزال في 17 من عمره، حيث درس في «مدرسة درو» التحضيرية في سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، ثم في جامعة المدينة نفسها ليحصل على ليسانس العلاقات الدولية (1981) ثم الماجستير (1982)، ثم الدراسات العليا من «كلية جوزيف كوربل» (من جامعة دنفر في كولورادو)، ليتبعها بماجستير ثانٍ (1984) ثم الدكتوراه في القانون الدولي والسياسة (1988).

ما لا يعرفه كثيرون عن الرجل أنه من أوائل من عملوا في البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة، إذ قضى ما لا يقل عن 25 عاماً في أروقتها (دخلها بدايةً – وبعد انتصار الثورة الإسلامية مباشرةً عام 1979 ـــ وهو لا يزال طالباً في الدكتوراه في «جامعة دنفر»، ثم لاحقاً موظفاً محلياً في البعثة الإيرانية هناك)، أي أنّه كان يعرف «كيفية» الحراك بداخلها قبل وصوله إلى رئاسة البعثة. لقد تشرّب كل وسائلها وطرقها و«دهاليزها» قبل أن يحقق انتصاراته المبهرة لاحقاً. يفصّل «السفير» إنجازاته في الشأن الدبلوماسي، فيتحدث عن واحدٍ من أهمها: «لم يكن ثمة شك في أن العراق هو من بدأ الحرب، ولكن كان من الواجب أن تؤيد الأمم المتحدة هذا الأمر، وهو أمر صعب بحسب الظروف آنذاك. ولهذا كان عملاً شاقاً بذلنا فيه الكثير من الجهد. إن أحد أفضل أوسمة الشرف في حياتي هو تمكني من إنجاز هذا الأمر، وأفضل نجاح سياسي للجمهورية الإسلامية في الحرب، هو الحصول على تقرير من الأمين العام للأمم المتحدة يصف فيه العراق رسمياً بأنه المسؤول عن الاعتداء على إيران» (في إشارة طبعاً إلى الحرب العراقية الإيرانية). يتميز الكتاب بنوعٍ من المباشرة والبساطة الشديدة وإن ظهرت مهارات السفير الدبلوماسية المختلفة، التي تروي العديد من التفاصيل الحميمة في حياته.

في الإطار عينه، برزت آراء ظريف السياسية واضحةً في الكتاب، إذ يشير مثلاً: «لو لم تكن العلاقة الإيرانية – الأميركية بهذا الشكل، لم تكن تركيا لتبرز في العالم الإسلامي كنموذج جيد للحكم»، مؤكداً أن «راية الرئيس محمد خاتمي» التي «أراد رفعها في العالم الإسلامي، أي راية الاعتدال، راية الحوار، راية المخالفة العقلانية ضد إسرائيل، والاستقلال عن أميركا، أصبحت اليوم في يد تركيا»، مشيراً إلى الفارق الكبير بين حركة خاتمي التي يصفها بأنّها «مبدئية» وبين حركة تركيا التي يجد أنّها «سياسية».
إنه كتاب مليء بتفاصيل داخلية وحميمة ليس فقط حول رمز من رموز السياسة الخارجية لبلاده، بل حول مفاصل في الحياة السياسية والدبلوماسية، سواء في إيران أو في العالم بأسره.

 

كلمات

العدد ٣١٢٥ السبت ١١ آذار ٢٠١٧

الدبلوماسية الإيرانية-صدق النبوءات

«سعادة السفير»: عن الدبلوماسية الإيرانية وصدق النبوءات…

 

جنيف، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.. الساعة 3.03 صباحا

«لقد توصلنا إلى اتفاق»

تغريدة تلقاها العالم كله، السياسيون والدبلوماسيون ووسائل الإعلام من وكالات أنباء وتلفزيونات ومواقع تواصل اجتماعي، وكذلك الشعوب، بعد ترقب وتأهّب مهيبين.

كيف حصل ذلك؟

في الساعات الأولى من الصباح، اختار محمد جواد ظريف، أن يطلق نبوءته، ويزفّ للعالم، على طريقته، اتفاقاً نووياً تحقق بعد مرور ثلاثة أعوام، غير أنه لم يكن الأمر الأكثر إثارة للدّهشة من قبل دبلوماسي يجيد التواصل بمختلف آلياته، فقد سبقتها تغريدة أخرى صدمت الكثيرين: الرجل كان قد وجّه، بعد فترة من تكليفه بوزارة الخارجية الإيرانية، معايدة عبر حسابه على تويتر أيضاً. وما المانع في ذلك؟ ليس غريباً أن يستخدم وزير للخارجية موقع تويتر في 4 أيلول/ سبتمبر 2013 بعد فترة وجيزة من تسميته لهذا المنصب، ويقول فيها: «آمل أن أكون قادراً على التّواصل معكم بشكل دائم».

الذي يراقب مسيرة ظريف سيعرف أنّ تألقه لم يتوقف على هذه اللّحظات، بل برز منذ الأعوام الأولى لمسيرته الدّبلوماسية: الموظف الجديد في البعثة الدّائمة لإيران في الأمم المتحدة، في أعقاب التغييرات التي أحدثتها الثورة الإسلامية، لم يجد فارقاً في السّياسة الإيرانية، بين عهد الشاه وعهد الثّورة، إلا في ما تقدّمه البعثة الإيرانية – التي تقيم في مانهاتن، في مبنى نيوكلاسيكي أنيق، مشيّد على الطراز الفرنسي- لضيوفها: «قد لا نقدّم الشامبانيا أبداً بعد الآن في إشارة إلى الحفلات الباذخة التي كان يشهدها مقرّ البعثة في عهد الشاه ، لكننا سنعوّض لكم عنها بالطّعام الإيراني الفائق الجودة».

ما الذي ستتضمّنه لائحة التعويض التي وعد بها؟ الكثير، في الواقع. بدءاً بمظهره الخارجي، الذي حافظ فيه على قوميته الإيرانية، وبقي على الرّغم منه مُحَبباً في أروقة واشنطن، بالإضافة إلى لغة إنجليزية ذات لهجة أميركية ممتازة، حملت صوت إيران إلى الولايات المتحدة والعالم، وحسّ دبلوماسي رفيع – دفعه إلى مصافحة صدام حسين في أوج أيام الحرب الإيرانية – العراقية، وإلى مناداة وزير الخارجية الأميركي كيري بـ «جون» في اللقاء الأول الذي جمعهما في أروقة الأمم المتحدة على الرّغم من العداوة البارزة بين البلدين، وسرعة بديهة جعلت من خطاباته ومقالاته موضع اهتمام الكثيرين من سياسيين وأكاديميين وغيرهم، وليس انتهاء باتفاق نووي كان هو عرابه.

لطالما جذب الدبلوماسي الإيراني الأنظار، واعترف بمناقبه العدو قبل الصّديق. الرجل وجد فيه ثعلب الدّبلوماسية الأميركية هنري كيسنجر نداً، فأهداه كتابه «الدّبلوماسية» مُذيّلاً بعبارة «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف»، وتبعت ذلك شهادات مختلفة من خصومه السّياسيين وآخرين. حضوره وعلاقاته في الولايات المتحدة، وكذلك في الأمم المتحدة، دفعا نائب الرّئيس الأمريكي جو بايدن إلى وصفه في إحدى المرات بأنه «مدافع شرس، ولكنه عملي وحاسم» في الوقت ذاته.

غير أنّ ظريف قدّم ذلك، من دون أن يرضخ أو يساوم، لا على الكرامة، ولا على الاحترام، وهما «غير قابلين للتفاوض، وليس لهما سعر محدّد»، بل حافظ على إرادة شعبه الحرة وحقه في تقرير المصير: «لقد منّ الله علينا بإرادة حرة تمنحنا القدرة على تقرير مصيرنا».

تلك الإرادة التي ولّدت ثورة شعب، أعطته، ولشعبه، «القدرة على أن نقف مراراً في وجه الطغيان، وأن نطالب دوماً باحترام إرادتنا الحرة».

وهو يوضح جيداً في أحد خطاباته أنّ الأمر ليس «عناداً أو رفضاً لوجهة نظر الآخرين، إنما هي الإرادة الحرة المتأصّلة في تكويننا، في حمضنا النووي».

كيف يفعل «سعادة السفير» ذلك؟ كيف يحافظ على تلك الإرادة بمعزل عن كلّ التنازلات؟ الجواب بسيط: سرّه يكمن في ابتسامته. قد تظنّون أنّ الأمر سهل. لكن، لنكن واقعيين، في الكواليس التي ذكرناها، من الصعب جداً أن تحمل ابتسامة أيّ شخص معاني ابتسامة ظريف.

غنى مونس
باحثة ومترجمة من لبنان

رابط الموضوع

هكذا تذكر محمد جواد ظريف

هكذا تذكر محمد جواد ظريف في “سعادة السفير”

هذا الكتاب هو مذكرات محمد جواد ظريف إذ إن دراسة سيرته تقدم نموذجًا قيّمًا لدراسة سلوك الدبلوماسيين الإيرانيين مع العالم الخارجي، ضمن إطار السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

صدر أخيراً عن مركز أوال للدراسات والتوثيق في بيروت كتاب لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بعنوان “سعادة السفير”.

هذا الكتاب ليس سيرة ذاتية تهدف لذكر الجيد والسَيِّئ، وبالنتيجة الحكم على طبيعة وعاقبة صاحبه، كما أنّه ليس تاريخًا شفهيًا كما هو متعارف عليه اليوم. وعلى الرغم من احتوائه الكثير من هذين النوعين، إلّا أنّ القصد الأساس منه، هو فهم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية على أرضية تجربتها التاريخية، لا سيّما وأنّ العلاقات الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في التاريخ المعاصر مرّت بمراحل حسّاسة وظروف صعبة، لا سيما بعد انتصار الثورة الإسلامية.
في تلك المرحلة، وبموازاة عزل الكثير من موظفي ودبلوماسيي نظام الشاه محمد رضا بهلوي، كان من الضروري الاستفادة من قدرات وتجربة جيل جديد من الشباب الثوري وتوظيفه بسرعة في الأجهزة التنفيذية والعلمية للنظام الحاكم الجديد.
هذا الكتاب رواية شفهية لأحد هؤلاء الشباب الثوريين الذين تشكّل سيرة حياتهم السياسية جزءًا من تاريخ الدبلوماسية الإيرانية، ويمثل التأمل في سلوكهم الحرفي أحد أفضل الطرق لفهم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو محمد جواد ظريف.
حضور ظريف في الأمم المتحدة لمدة ربع قرن جعل منه شخصية دولية ممتازة. بدايةً، كان هذا الحضور في السنين الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية، حينما كان طالبًا في مرحلة الدكتوراه في جامعة كولومبيا، وجامعة دنفر كموظف محلي في البعثة الإيرانية في نيويورك، حتى أصبح السفير الأول والمندوب الدائم للجمهورية الإسلامية فيها.
إن سعي ظريف الدولي لاسترجاع حقوق إيران إبّان الحرب العراقية – الإيرانية، والمناقشات المتعلقة بالقرار 598 ، وكذلك المناقشات المتعلقة بالنشاط النووي الإيراني مع الدول الغربية، وأهمية دوره في مناقشات مؤتمر بون الأول فيما يخص مستقبل أفغانستان، ثمّ العراق، قبل وبعد الغزو الأميريكي لهما؛ وعضويته في فريق الشخصيات البارزة الرفيعة المستوى للأمين العام للأمم المتحدة في مشروع حوار الحضارات، وترؤسه للعشرات من المسؤوليات الجزئية أو المصيرية دوليًا، وحضوره في المجتمع الأميركي وقدرته على التأثير على الرأي العام والإعلام فيه، جعلت القاصي والداني مقدّرًا لدوره.
لقد حاز سعي ظريف الدؤوب للدفاع عن أهداف وقيم نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقدرته على إقناع نظرائه، مرارًا على تقدير السلطات العليا، ليس في إيران وحسب، بل إنّ كثيرًا من الإعلاميين والشخصيات الدولية كانت السبّاقة في ذلك. الاحتفال المهيب لتوديعه في مقرّ الأمم المّتحدة والصف المزدحم بزائريه الأجانب شاهدان على ذلك، بل إنّ الاحتفاء به وصل إلى أن يكتب هنري كيسنجر ـ وزير الخارجية السابق للولايات المتحدة الأمريكية ـ في الصفحة الأولى من كتابه «الدبلوماسية» حين إهدائه: «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف».
يُعَد هذا الحوار الذي امتدّ لأكثر من أربعين ساعة مع الدكتور محمد جواد ظريف ـ الدبلوماسي والسفير السابق لإيران في الأمم المتحدة ـ من التجارب التي لا يُحتمل تكرارها بسهولة. رواية جزئيات الدبلوماسية الإيرانية بلسان ظريف الذي  هو بلا شك أحد أبطال هذا المجال في عصره، مِصداقٌ كامل للسهل الممتنع. سهلٌ؛ لأنّ ظريف يتمتع بشخصية عطوفة، مؤدّبة، بسيطة ومتواضعة، ويظهر هذا العمل عند التعرّف عليه سهلًا، لكنّه ممتنعٌ؛ لأنّ ظريف في مجال تخصصه الحرفي جاد، متابع، منظم، وملتزم بالقيم والأصول التي يعتقد بها.
أثناء الحوار، كان ظريف يتجاوب مع ما يرويه، تستشعر منه الإحساس بالأحداث، كأنّها اليوم، وليس بوصفها أحداثًا جرت منذ أمدٍ بعيد. فهو يحزن ويكتئب من تلك الأحداث التي يراها جانبت الصواب، أو أنّ النجاح فيها كان جزئيًا، ويغضب لعدم استفادة الموظفين الجُدد في وزارة الخارجية من التجارب والأخطاء التي ارتكبها السابقون. وحين يأتي الحديث عن إيران وسيادتها ونجاحه وزملائه في الدفاع عن مصالحها الوطنية، يفرح بتواضعٍ لتلك الذكرى الباعثة للافتخار والغرور. وبحسب الضرورة، وبنظرة دقيقة، يناقش وينتقد الأحداث، ومنها ـ من دون استشعار الحرج ـ ما يتعلق بسيرته أو بالجهاز الدبلوماسي، وما كان يُعتقد في بداية العمل الدولي. معظم جلسات هذا الحوار ـ عدا تلك التي كانت في جامعة آزاد الإسلامية ـ كانت في غرفته في كلية العلاقات الدولية في وزارة الخارجية؛ من شتاء العام 2010 وحتى ربيع العام 2012. واختلفت مدّة الجلسات بين أقل من ساعة وأكثر من ثلاث ساعات؛ إذ لم يكن من السهل الحصول على موافقة ظريف لهذا الحوار، حيث إنّه لم يقبل بأيّ حوار أو خطاب عام منذ رجوعه من آخر مَهمَّة سياسية في نيويورك. فقد اقتصرت محاضراته ـ في كلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية ـ على تحليل المواضيع والأحداث من ناحية أكاديمية. وقد اشترط لبدء الحوار عدم تناول الوثائق السريّة وأسرار النظام، وخصوصًا ما تعلق بالمناقشات المرتبطة بالشأن النووي، ولم يكن من السهل تجنّب هذه القيود. ودراسة سيرة ظريف والانتباه للجوانب الإيجابية والسلبية لعمله، تقدم نموذجًا قيّمًا لدراسة سلوك الدبلوماسيين الإيرانيين مع العالم الخارجي، ضمن إطار السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. الخصال العامة والخاصة لعلاقة إيران بالعالم والتقارب والتباعد التاريخي في السياسة الخارجية والعنصر الجيوسياسي وتأثيره في القدرة الإقليمية لإيران والقراءة الثورية للأحداث الدولية والمستقاة من تعليمات التشيع والميزة الواضحة للدبلوماسيين والدبلوماسية الإيرانية عند مقارنتها بالمعايير العالمية ونظام الحوار الخاص ومستويات مختلفة من التباين والصراع حتى الاشتراك والتعاون، هي نقاط سترافق القارئ في رحلته في هذا الكتاب.

سعادة السفير

«سعادة السفير» لمحمد جواد ظريف… رحلة في الخصال العامة والخاصة لعلاقة إيران بالعالم

كتاب يُنشر في العالم العربي، وباللغة العربية، للمرّة الأولى، إذ انتشر منذ فترة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحقّق نسبة مرتفعة جدّاً من الإقبال عليه. إنه كتاب «سعادة السفير»، للوزير والدبلوماسي الإيراني الفذ محمد جواد ظريف، وهو موجود هذه الأيام في متناول القرّاء، في جناح مركز «أوال للدراسات والأبحاث» في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب بدورته الستين.

هذا الكتاب ليس سيرة ذاتية تهدف إلى ذكر الجيد والسيّئ، وبالنتيجة الحكم على طبيعة صاحبه وعاقبته. كما أنّه ليس تاريخاً شفهياً كما هو متعارف عليه اليوم. وعلى رغم احتوائه الكثير من هذين النوعين، إلّا أنّ القصد الأساس منه، فهم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية على أرضية تجربتها التاريخية، ولا سيّما أنّ العلاقات الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في التاريخ المعاصر مرّت بمراحل حسّاسة وظروف صعبة، لا سيما بعد انتصار الثورة الإسلامية.

في تلك المرحلة، وبموازاة عزل كثيرين من موظّفي النظام البهلوي ودبلوماسيّته، كان من الضروري الاستفادة من قدرات جيل جديد من الشباب الثوري وتجربته، وتوظيفها بسرعة في الأجهزة التنفيذية والعلمية للنظام الحاكم الجديد.

هذا الكتاب رواية شفهية لأحد هؤلاء الشباب الثوريّين الذين تشكّل سيرة حياتهم السياسية جزءاً من تاريخ الدبلوماسية الإيرانية، ويمثّل التأمّل في سلوكهم الحرفي أحد أفضل الطرق لفهم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو محمد جواد ظريف.

حضور ظريف في الأمم المتحدة لمدّة ربع قرن جعل منه شخصية دولية ممتازة. بدايةً، كان هذا الحضور في السنين الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية، حينما كان طالباً في مرحلة الدكتوراه في جامعة «كولومبيا»، وجامعة «دنفر» كموظّف محلّي في البعثة الإيرانية في نيويورك، حتى أصبح السفير الأول والمندوب الدائم للجمهورية الإسلامية فيها.

إنّ سعي ظريف الدولي إلى استرجاع حقوق إيران إبّان الحرب المفروضة، والمناقشات المتعلّقة بالقرار 598، وكذلك المناقشات المتعلّقة بالنشاط النووي الإيراني مع الدول الغربية، وأهمية دوره في مناقشات مؤتمر «بُن الأول» في ما يخص مستقبل أفغانستان، ثمّ العراق، قبل الغزو الأميركي لهما وبعده وعضويته في فريق الشخصيات البارزة الرفيع المستوى للأمين العام للأمم المتحدة في مشروع حوار الحضارات، وترؤّسه العشرات من المسؤوليات الجزئية أو المصيرية دولياً، وحضوره في المجتمع الأميركي وقدرته على التأثير على الرأي العام والإعلام فيه، وغيرها الكثير جعلت القاصي والداني متحدّثاً عن دوره ومقدّراً له.

سعي ظريف الدؤوب إلى الدفاع عن أهداف نظام الجمهورية الإسلامية وقيمه، وقدرته على إقناع نظرائه، حاز مراراً على تقدير السلطات العليا، ليس في إيران وحسب، بل إنّ كثيرين من الإعلاميين والشخصيات الدولية كانوا السبّاقين في ذلك.

الاحتفال المهيب لتوديعه في مقرّ الأمم المتحدة والصف المزدحم بزائريه الأجانب شاهدان على ذلك، بل إنّ الاحتفاء به وصل إلى أن يكتب هنري كيسنجر ـ وزير الخارجية الأسبق للولايات المتحدة الأميركية ـ في الصفحة الأولى من كتابه «الدبلوماسية» حين إهدائه: «إلى عدوّي المحترم محمد جواد ظريف».

يُعدّ هذا الحوار الذي امتدّ لأكثر من أربعين ساعة مع الدكتور محمد جواد ظريف الدبلوماسي والسفير السابق لإيران في الأمم المتحدة من التجارب التي لا يُحتمل تكرارها بسهولة. رواية جزئيات الدبلوماسية الإيرانية بلسان ظريف الذي هو بلا شكّ أحد أبطال هذا المجال في عصره، مِصداقٌ كامل للسهل الممتنعز سهلٌ لأنّ ظريف يتمتّع بشخصية عطوفة، مؤدّبة، بسيطة ومتواضعة، ويظهر هذا العمل عند التعرّف إليه سهلاً، لكنّه ممتنعٌ لأنّ ظريف في مجال تخصّصه الحرفي جاد، متباع، منظّم، وملتزم بالقيم والأصول التي يعتقد بها.

أثناء الحوار، كان ظريف يتجاوب مع ما يرويه، تستشعر منه الإحساس بالأحداث، كأنّها اليوم، وليس بوصفها أحداثاً جرت منذ أمدٍ بعيد. فهو يحزن ويكتئب من تلك الأحداث التي يراها جانبت الصواب، أو أنّ النجاح فيها كان جزئياً، ويغضب لعدم استفادة الموظفين الجُدد في وزارة الخارجية من التجارب والأخطاء التي ارتكبها السابقون. وحين يأتي الحديث عن إيران وسيادتها ونجاحه وزملائه في الدفاع عن مصالحها الوطنية، يفرح بتواضعٍ لتلك الذكرى الباعثة للافتخار والغرور. وبحسب الضرورة، وبنظرة دقيقة، يناقش وينتقد الأحداث، ومنها من دون استشعار الحرج ما يتعلّق بسيرته أو بالجهاز الدبلوماسي، وما كان يُعتقد في بداية العمل الدولي.

معظم جلسات هذا الحوار ـ عدا تلك التي كانت في جامعة آزاد الإسلامية، حينما كان نائب الدكتور جاسبي في الشؤون الدولية كانت في غرفته في كلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية من شتاء العام 2010 وحتى ربيع العام 2012.

واختلفت مدّة الجلسات بين أقلّ من ساعة وأكثر من ثلاث ساعات إذ لم يكن من السهل الحصول على موافقة ظريف لهذا الحوار، حيث إنّه لم يقبل بأيّ حوار أو خطاب عام منذ رجوعه من آخر مَهمّة سياسيّة في نيويورك. فقد اقتصرت محاضراته في كلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية على تحليل المواضيع والأحداث من ناحية أكاديمية. وقد اشترط لبدء الحوار عدم تناول الوثائق السرية وأسرار النظام، وخصوصاً ما تعلّق بالمناقشات المرتبطة بالشأن النووي، ولم يكن من السهل تجنّب هذه القيود.

ودراسة سيرة ظريف والانتباه إلى الجوانب الإيجابية والسلبية لعمله، تقدم نموذجاً قيّماً لدراسة سلوك الدبلوماسيين الإيرانيين مع العالم الخارجي، ضمن إطار السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. الخصال العامة والخاصة لعلاقة إيران بالعالم والتقارب والتباعد التاريخيين في السياسة الخارجية، والعنصر الجيوسياسي وتأثيره في القدرة الإقليمية لإيران والقراءة الثورية للأحداث الدولية والمستقاة من تعليمات التشيّع والميزة الواضحة للدبلوماسيين والدبلوماسية الإيرانية عند مقارنتها بالمعايير العالمية ونظام الحوار الخاص ومستويات مختلفة من التباين والصراع حتى الاشتراك والتعاون، هي نقاط سترافق القارئ في رحلته في هذا الكتاب .

رابط الموضوع

«سعادة السفير: محمد جواد ظريف»

أثار جدلا واسعا في إيران… مركز بحريني يصدر النسخة العربية من كتاب «سعادة السفير: محمد جواد ظريف»

مرآة البحرين (خاص): دشّن «مركز أوال للدراسات والتوثيق»، يوم الخميس الماضي 1 ديسمبر/كانون الأول 2016، أحدث إصداراته لهذا العام، كتاب «سعادة السفير: محمد جواد ظريف»، وذلك في ركنه الخاص بمعرض بيروت الدولي للكتاب.

وكتاب «سعادة السفير» هو حوار سياسي ودبلوماسي واسع أجراه باحث أكاديمي مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي كان يشغل منصب السفير الإيراني للأمم المتحدة حتى العام 2007.

مركز أوال قام بترجمة الكتاب عن الفارسية، ونال الإصدار إعجاب الكثير من زوار المعرض، كما وضعته صحيفة الأخبار اللبنانية من بين 15 كتابا في معرض بيروت رشحتهم للقارئ.

وقالت الصحيفة إن ظريف يحاول في الكتاب قدر الإمكان الإجابة على أسئلة كثيرة تخطر في بال القرّاء، والباحثين، وكذلك السياسيين حول حياته والدبلوماسية والسياسة عموماً. وأضافت يحاول الكتاب إماطة اللثام عن حياته وتفاصيل مشواره الطويل داخل أروقة الدبلوماسية لبلاده، وقد أثار ضجة كبرى في الوسط الإيراني، ونُفِّذ في أكثر من سبع طبعات.

يذكر أن الحوارات الموثقة في الكتاب أجريت بين العامين 2010 و2012، لكنّه منع من النشر حتى انتهاء ولاية الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في أغسطس/آب 2013، لما أثاره من جدل بلغ حد الاتهام بالخيانة، كما جاء في مقدمة المترجم.

من طرائف الكتاب، التي أشار إليها مركز أوال في مقدّمته، أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، كان قد أهدى ظريف نسخة من كتابه «الدبلوماسية» موقّعة بـ «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف».

مقدّمة الطبعة الفارسية، قالت إن حضور ظريف في الأمم المتحدة لمدة ربع قرن جعل منه شخصية دولية ممتازة واعتبرت هذا الكتاب رواية شفهية لأحد هؤلاء الشباب الثوريين الذين تشكّل سيرة حياتهم السياسية جزءًا من تاريخ الدبلوماسية الإيرانية.

وذكرت أن دور ظريف الدبلوماسي الواسع ممثلا لبلاده في الأمم المتحدة، وكذلك حضوره في المجتمع الأمريكي بذات السياق، وقدرته على التأثير على الرأي العام والإعلام فيه، جعلت القاصي والداني متحدثًا ومقدّرًا لدوره.

وبحسب الكتاب فإن هذا الحوار الذي امتدّ لأكثر من أربعين ساعة يعد من التجارب التي لا يُحتمل تكرارها بسهولة» رواية جزئيات الدبلوماسية الإيرانية بلسان ظريف الذي وه بلا شك أحد أبطال هذا المجال في عصره، مِصداقٌ كامل للسهل الممتنع. سهلٌ؛ لأنّ ظريف يتمتع بشخصية عطوفة، مؤدّبة، بسيطة ومتواضعة، ويظهر هذا العمل عند التعرف عليه سهلًا، لكنّه ممتنعٌ؛ لأنّ ظريف في مجال تخصصه الحرفي جاد، متابع، منظم، وملتزم بالقيم والأصول التي يعتقد بها».

و«دراسة سيرة ظريف والانتباه للجوانب الإيجابية والسلبية لعمله، تقدم نموذجًا قيّمًا لدراسة سلوك الدبلوماسيين الإيرانيين مع العالم الخارجي، ضمن إطار السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. الخصال العامة والخاصة لعلاقة إيران بالعالم والتقارب والتباعد التاريخي في السياسة الخارجية والعنصر الجيوسياسي وتأثيره في القدرة الإقليمية لإيران والقراءة الثورية للأحداث الدولية والمستقاة من تعليمات التشيع والميزة الواضحة للدبلوماسيين والدبلوماسية الإيرانية عند مقارنتها بالمعايير العالمية ونظام الحوار الخاص ومستويات مختلفة من التباين والصراع حتى الاشتراك والتعاون، هي نقاط سترافق القارئ في رحلته في هذا الكتاب.»

كتاب «سعادة السفير» متوفر للبيع على الإنترنت أيضا، من خلال:

موقع أمازون

متجر جملون

رابط الموضوع